الأحد، 19 فبراير 2023

46 - صورة واقع المنطقة مع بعض الرتوش

 




نظرة إلى المنطقة


إن نظرة واجبة إلى المنطقة تجبر المثقف أيا كان توجهه أن يقف متأملا ليكون مواجها لحقيقة وضع الأمة كجزء منها وليس كناصح أو معارض. إن منطقتنا اليوم تتفاعل بها أمور صعبة، لكننا نستبشر الخير الذي لا ينبغي أن يكون أمنيات، وإنما خططا ودوافع تبعدنا عن سكة نكون فيها عربات، ولكن لسنا قاطرة ذاك القطار المرغم على ألّا يغادر قضبان الانهزام التي يسير عليها.

دعونا نقر بأننا لا بد أن نبتعد بمركبة تقل قوى فاعلة تسير على طريق منحدر وسط جرفين تصعّد منهما أبخرة براكين، ولا نعلم أي مصير ينتظرنا إن لم نحسن التفكير بلا عواطف أو أحاسيس سلبية أو مواقف لا تتصف بالعقلانية؛ يعد أمامها ترفا ما اختلفت العرب عليه كناقة البسوس.

دول الخليج بالذات وكما ذكرت في مقالات سابقة، هي الأكثر قدرة على أن تكون نواة لأي عمل تكاملي جاد، فمنظومتها الخليجية المتمثلة بمجلس التعاون، يمكن إصلاحها وترميمها لتكون قوة وموطن قرار لتحالف وجودي أمام القادم مع تركيا، التي تشكل فضاء تكامل وانسجام مع الخليج.

إذا نفكر بواقعية، هنالك دول ثرية وأخرى صناعية وأخرى تعبث بها المغامرة وسوء الإدارة، وأضحت كالثقب الأسود يسحب بمن يمسك بأطرافها إلى غياهب المجهول.

هذا واقع المنطقة فعلا، وعلينا أن ننظر بواقعية للأمور، ولا نراهن على رضا الصياد عندما تقترب منه طريدته وتقع في فخه، فتوفر عليه طلقة بندقيته، ليمسح عليها بهدوء قبل أن ينحرها.

فضاءات التكامل

اليوم، لا بد من إدارة فضاءات التكامل الإداري، ليس للقوة فحسب، بل لعناصر القوة من موارد طبيعية وبشرية وطاقات صناعية وعسكرية وزراعية، وهذا يعني فضاءات التكامل أيضا في إدارة الموارد المائية.

إن دول الخليج بالذات وكما ذكرت في مقالات سابقة، هي الأكثر قدرة على أن تكون نواة لأي عمل تكاملي جاد، فمنظومتها الخليجية المتمثلة بمجلس التعاون، يمكن إصلاحها وترميمها لتكون قوة وموطن قرار لتحالف وجودي أمام القادم مع تركيا، التي تشكل فضاء تكامل وانسجام مع الخليج، ليس لمعاداة أحد أو قطبا مبادرا لحروب، وإنما لتشكيل سياج عدم انحياز ودفاع مشترك أمام أي طارئ يمكن أن يذهب باستحقاق الأجيال في العيش الكريم والآمن.

الانحدار والفوضى:
المنطقة لا يوجد فيها نهضة ولا مراحل متكاملة لإنشاء تصنيع أو حركة نقد متكاملة، وإنما ممكن إيقافها في أي وقت من خلال تفكيك المفاصل، لذا نجد دولا بها أراض زراعية وتستورد خبزها، ونجد بلدانا نفطية لكنها لا تتحكم في السوق النفطي ناهيك عن الطاقة، فحلقات الكيانات هذه ليست كافية لتقفل دائرة التكامل للدولة

في منطقتنا أنشئت كيانات متعددة، فمنها ما هو وظيفي يتفاعل معه ويتفاعل مع الواقع من خلال وظيفته السياسية والمال والأعمال أو الموارد الطبيعية أو كيانات سياسية تتحرك في معادلة المصالح، لتشكل كما يقال بيضة قبان أو تنفيذ محتوى رسائل لكل الفواعل في المنطقة، وهنالك من البلاد ما وُضع في قيادتها من يضمن تخلفها وإبقاءها كسوق ومصدر للخامات، وهذا في أفضل أحوال ما بعد الاستعمار والقيادة لمخططات في المنطقة.

المهم في هذا، أن المنطقة لا يوجد فيها نهضة ولا مراحل متكاملة لإنشاء تصنيع أو حركة نقد متكاملة، وإنما ممكن إيقافها في أي وقت من خلال تفكيك المفاصل، لذا نجد دولا بها أراض زراعية وتستورد خبزها، ونجد بلدانا نفطية لكنها لا تتحكم في السوق النفطي ناهيك عن الطاقة، فحلقات الكيانات هذه ليست كافية لتقفل دائرة التكامل للدولة.

هذا الانحدار يجعل البلدان معرضة للفوضى في أي وقت؛ لأن العمل فيها والدراسة وتهيئة الكوادر ليست منتظمة لتشكل تناغما أو تماهيا مع الاهتزازات التي يسهل إحداثها، أو تحدث طبيعيا في المنظومة لترسخ التخلف. فالدولة كمعنى الدولة المعروف وسيادة القانون ليست موجودة فعلا وإنما سلطات وبقايا هيكليات تثبت الوضع؛ لتحتفظ بالقدرة على استعادة الهدوء بعد أي اضطراب، لكن سوء التخطيط يجعل من بلدان غنية فقيرة، أو غنية وأهلها متمكنون لكن لا يصلون للرفاهية بحكم التضخم نتيجة اختلال حلقات الاقتصاد ما بين الإنتاج والمصروف فعلا، ودول غالبا تفيض بسكانها وأخرى تستورد كوادر عاملة دون أن تتمكن من صيانة ما تقوم بها الكوادر الأجنبية، وأخرى تفيض بالجهل نتيجة تنحي الحضارة الفكرية وتعاظم التقليدية، والفشل الحياتي والتربية التي تقوم على الأوهام والخزعبلات، وفهم الدين بطريق غريزية سطحية، وتحويله إلى طقوس يهرب بها الناس من حالة الضنك وفقدان التوازن، كلها تجعل أي حركة إصلاحية عدوا لنمط مقفل متخلف، اعتادت الناس هدوء استعباده لها، فتقمع الحراك لأمل حريتها الذي يبدو مخيفا.

ما العمل؟
رأينا في ثورات الربيع العربي كيف حصل الارتداد وهروب البلابل التي تربت في الأقفاص وأخرجت منها؛ كيف تطير عائدة مهاجمة لمن أراد تحريرها، خصوصا أن من أراد تحريرها كان أسيرا في فخ التقليدية، والخوف من التحديث ومسايرة العواطف السلبية.

ما ذكرنا من فضاءات التكامل، لا يقوم مدنيا من غير فكر حضاري رصين، لكن أي مصلح لا ينبغي أن يتصور كل مهمته كيف يوصل فكرته؛ لأنه سيواجه معضلة إقناع الخاصة قبل العامة بأي فكرة تنويرية، نتيجة رسوخ قناعات تعتبر مصدرا طبيعيا لأي فكر جديد. وهذا ناتج من ترسيب لثوابت وضعت بطريق لها نوع من النغم المنسجم مع التطلعات وقلة الجهد، فمن ثم أي مصلح هو مصدر هرطقة.

ورأينا في ثورات الربيع العربي كيف حصل الارتداد وهروب البلابل التي تربت في الأقفاص وأخرجت منها؛ كيف تطير عائدة مهاجمة لمن أراد تحريرها، خصوصا أن من أراد تحريرها كان أسيرا في فخ التقليدية والخوف من التحديث ومسايرة العواطف السلبية.

لا بد من تجديد الهوية وتوجه المفكرين لفعل هذا، ودعم بعضهم للوصول إلى مفرق طرق، والأمة تختار لأن الفوضى لا تنتج نظاما، والنوايا لا تصنع بالجهل صروحا، وسلطة ضيق الأفق لا تؤدي إلا إلى التخلف المدني والانحدار الحضاري.

https://arabi21.com/story/1494823/%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A8%D8%B9%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AA%D9%88%D8%B4

 


الأحد، 12 فبراير 2023

45: الزلزال

 



لماذا اكتب عن الزلزال؟

لم يخطر ببالي أن اكتب عن الزلزال وقد كتب كل من يرى ما يرى فمنهم من اعتبره عقوبة، ومنهم من اعتبره إنقاذ، ومنهم اعتبره غسل للخطايا، ومنهم من اعتبره تدمير لا يحتاج إلى دبابات وما بين كل هؤلاء مشترك وهو الراي الذي ينطلق من مفهوم كأي مفهوم آخر من السرديات التي تنسب للدين والقدرة واعتبار رفض هذا التقييم إنما اعتداء على القدرة الإلهية، أو الكراهية المنحدرة بالقيمة الآدمية وهذا لعمري أثار نوعا من الأسى عندي لكن ما دفعني للكتابة هو صورة لفتاة تحمي راس أخيها وتبتسم لفريق الإنقاذ، عندها كان لزاما أن نكتب في هذا الموضوع وهو يبين الأمل مع الألم، وما مطلوب استخلاصه.

ليس من امر بغير إرادة الله فهذا محسوم أمره ولكنه ليس قرارا آنيا أو يا زلزال اضرب هنا بل خلق الله كل شيء بنظام وقوانين ولكل مخلوق ماهيته، هو حي وان بدى جامدا لكنه يخضع لماهيته ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ   11 فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.

هي حية في ماهيتها تخضع لقضائه بان تكون السماوات السبع والأرضين السبع وجعل السماء الدنيا مميزة بزينتها وهي حيث نحن ولم نتمكن علميا لحد الآن من الوصول إلى نهاياتها.

إذن هنالك قضاء للأرض وقوانين موضوعة ثابتة وسنن للحياة، هنالك ارض تتكون من طبقات أرضية وصفائح متعددة ، تتكون من لب وسائل عازل وقشرة أرضية، الكل في حركة ودوران، ومن التقارير أن اللب الأرضي توقف عن الدوران منذ مدة في العقد الماضي، وقد يتحرك بالاتجاه المعاكس في المستقبل، وربما ما حصل هو تململ لحركته من جديد سواء باتجاه حركة القشرة أو عكسها، لا احد يمكن أن يجزم ما لذي سيحصل فعلا إن عاود اللب الحركة باتجاه معاكس لحركته السابقة، وتأثير ذلك على الأقطاب المغناطيسية، والتي توجد دراسة أنها انحرفت فعلا عشر درجات عند حصول تسونامي اليابان، هذا كله ضمن قوانين الأرض والسنن، ولا يتغير لوحده ومن ذاته فهو ضمن ماهية الأرض، فما يحصل هو جزء من حركة الحياة كابتسامة الطفلة عند حضور أغراب لإنقاذها واخيها.

 

ماذا ينبغي أن يكون رد الفعل:

1.    اليوم تتركز جهود على الإنقاذ ومن يمكن إنقاذه وهذا امر إنساني لابد منه ومن واجب الإنسان للحفاظ على النسل والبشر والروابط الإنسانية والاجتماعية والا بقينا كقطيع الإيل لا يهتم لمن كان من قطيعه ويموت خنقا بأنياب الضواري أو الوحوش، وان تعويض هذه الناس بسكن كما فعلت قطر بإرسال بيوت جاهزة وهو الحل الأسلم حاليا مع الأجواء الباردة والثلوج.

2.    لابد من تنقل سريع على المنشآت وفحصها ليس بالنظر وإنما بأجهزة السونار خصوصا السدود التي لها أولوية إن كانت في طريقها للامتلاء لأنها حتما ستتجه للسقوط والانهيار إن حصل ما يؤثر على استقرارها أو يسمح لمرور المياه من داخلها أو شقوق قابلة للتطور كذلك الأبراج السكنية القريبة من أبراج سقطت أو في المنطقة.

3.    واضح جدا أننا نستقبل تغييرا ما لم يحصل في التاريخ المنظور في منطقتنا، لهذا لابد من إعادة النظر في التعليم وفهم معنى الدراسات، والتعمق في دراسات البيئة والصيانة للمنشآت وعوامل السلامة عند إقامة الأبنية والمنشآت لتواجه هكذا حالات ليست محض هزات أرضية بل زلزالية تؤدي إلى تشققات في التربة وهذا يعني تبني نظام الأعمدة لأعماق تدرس أطوالها داخل الأرض وصب أسس كأرضية تقام عليها الأبراج السكنية لا تعتمد على تراص التربية حتى أعماق مدروسة وتزويدها بلدائن أو مطاط يمتص الحركة العنيفة.

4.    إنشاء مراكز دراسات للنظر بصيغة تعاونية بين بلدان المنطقة ومشاريعها التي لم تعد أمرا سياديا وإنما يؤثر عطبها على غيرها مثل السدود وانهيارها فقد يغرق بلادا ويقتل أعدادا لا تحصى من الناس

5.    اتباع نظام فضاءات التكامل في إدارة الموارد كلها ومنها الموارد المائية.

6.    تكوين منظومة تتعاون في إدارة المصالح بين الدول المتجاورة تنسق الأمور بأولوية أكبر من شكليات السيادة على الحدود السياسية للحكومات.


الأربعاء، 1 فبراير 2023

44 - الزواج رفقة وليس عبودية

 





في مجتمعنا ظهرت أمورٌ تزيد من التفكك الأسري نتيجة فهم يقارب الخطيئة في معنى القوامة والعلاقة الزوجية التي تقتل المودة والرحمة واضحى الطلاق نسبة عالية لمتزوجين اشهر أو نيف من السنين، وصفة الزواج بعقد النكاح لإعطاء شرعية واضحة للعلاقة وليس لأنه ملتصق بالغريزة لصفته هذه، وهو عقد بين اثنين كاملي الأهلية والنضج العقلي وليس لإشباع غريزة فقط أو انه عقد تملك وعبودية وإنما لديمومة السلالة وإقامة مجتمع، فمعنى الزواج الموصوف بوضوح في القرآن انه علاقة راقية عقلية عاطفية متوازنة ووضعها ليس في باب الشراكة وإنما الرفقة التي يمكن مغادرتها مالم يحصل وفاق واتفاق، إن الإسلام إنسانيا وليس ذكوريا، أما تفسير الإشارة إلى المسؤولية (القوامة) وترجمتها بصيغة فوقية وسلطة يد عليا إنما هو تحريف عملي لمعاني القرآن في التطبيقات الحياتية بخلط سلوكيات متخلفة جاهلية بعد أن حفظ الله لفظه من التحريف.

[عن زيد بن أرقم:] بعثَ رسولُ اللهِ ﷺ معاذَ بنَ جبلٍ إلى الشامِ..........لَوُ كنتُ آمِرًا أحدًا أنْ يسجدَ لَأَمَرْتُ المرأةَ أنْ تسجدَ لِزَوْجِها. الهيثمي (ت ٨٠٧)، مجمع الزوائد ٤‏/٣١٣... وضعفه البخاري وجماعة

هذا الحديث  بمتعدد مراجعه ومتونه وتعدد روايات حالته وظروف طرحه كثرة من علماء الحديث ضعفوه وقليل من قال صحيح حسن، وبعضهم أسقطه، والمطلع على علم الحديث يجد أن هنالك شروط وأحوال تنقل الحديث من درجة إلى درجة ربما ترفع من الضعف إلى الصحيح والعكس صحيح، لكن مقارنة الحديث مع جوهر الإسلام ونوع العلاقات سنجد انه حديث اشتهر رغم أحواله لأنه يعطي للرجل شيئا، وتجاوزوا انه مسبوق بحرف امتناع لامتناع وهذا يعني انه ليس موجودا أصلا وإنما استطرادا في الحوار لا يبنى عليه حكم، هذا الحال لم يك واقعا في سير الصحابة الكرام الإعلام كالراشدين وأهلهم، ولن ينفع أن يكون في واقعنا ولا يحتج به إلا من ضعفت شخصيته وزاد ظلمه، والرجل الذي يظلم المرأة إنسان فاقد للمروءة وحقير، فالرجولة أن ترفع من مقام زوجك ووجودها وسترفعك حتما عند هذا لتسد نقص تفكيرك أو ضعف عيشك أو ضيق الدنيا ورخائها فالمرأة ينبوع عطاء وسلم ارتقاء إن كسرته بقيت وضيعا.

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21، الروم)، والتفكر عند العقلاء والأصحاء وهو تحقيق المراد من السكينة وليس الاعتداء والإرغام بالقول والعمل أو عبودية

والبعض يفسر الآية التالية على هواه باجتزاء من اصل المتن {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، والدرجة هنا ليس للتفضيل وإنما ما مطلوب من الرجل اكثر لتحقيق للاستقرار من جديد بعد طلاق، وليس الاستشهاد بها لتحقيق سلطة ذكورية وهمية لا تقبلها شخصية الفكر الإسلامي في جعل العلاقة علاقة رفقة والرفيق هو من سرت وأياه في طريق لا تخضعه ولا تستغله ولا سلطة لك عليه إلا بحكم اللياقة والتفاهم، وهذه لله الحمد متاحة في نفسية المرأة التي هي عنوان العطاء والعاطفة والود؛ فعطاء المرأة ومساهمتها في القوامة أي المسؤولية صدقة أما الرجل فواجب عليه لا منّة ولا فضل إن قصر حوسب من أهل الأرض ومن الله، وقد وردت الآية السابقة في سياق الطلاق والافتداء؛ (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) حيث إن الطلاق حقُ الرجل في إنهاء الحياة الزوجية دون رجوعه لأحد، بينما الافتداء حق المرأة في إنهائها، لكن بإشراف الولي؛ كضمانٌ لحق المرأة ومنعٌ من ابتزاز الزوج إياها وليس حجرا لرايها أو استخفافا بقرارها فهي ذات أهلية وحق والآية لا تجبرها على الرجوع أصلا لكن تعطي الرجل فسحة للتراجع إن طلق لحماية النسل.

وعلى أي حال لا يُفهم من قوامة الرجل تسلطه على المرأة أو إذعانها له، وإنما تبقى العلاقة كما قررتها الآيات بنيانها السكينة والمودة والرحمة، وكل ما يرد مخالفة لمنهج القرآن ينبغي أن يكون فيه نظر كاللعن لمن لا تحقق رغبة بلا رغبة فالعلاقة هي اكتفاء لاثنين وليس حق للرجل فقط واللعن ليس لمؤمن.

إن سوء تصرف بعض الأزواج واحتجاجهم بالذكر الحكيم هو تلفيق على الله وكتابه، وتشويه لسمعة الدين الحنيف لا تقل عن إبداء الإهانة والاستهانة بكتاب الله كالتي يفعلها بعض الحاقدين؛ بل سلوك هذا البعض من الرجال يجعلها تزيد لأنها تحرف معانيه في بناء المبادرة والسلوك والنموذج وتشوه مقاصده وتميت النظام الاجتماعي في العلاقات الأسرية وقوته بسبب مرض الذكورية الذي يعاني منه البعض أو الأمراض النفسية التي يفرغها في أهله بدل رفع الضغط عنهم، أو كسل البعض عن البحث في المثاني القرآنية.


الاثنين، 30 يناير 2023

43- أخطاء سلوك الاحتلال البريطاني

 أخطاء سلوك الاحتلال البريطاني

مراجعة إيجابية



مقدمات

لست بصدد الذهاب الحديث عن التاريخ البعيد لبريطانيا، لكنها كدولة حديثة تماما عندما أعلنت ما بين 1 مايو 1707 و1 يناير 1801 ليعقد البرلمان في 22 يناير؛ ولندع التغييرات التي حدثت في القرن العشرين بعد تراجع بريطانيا واستقلال المستعمرات، عندما تتأمل ما يذكرك بالسيدة تاتشر رحمها الله وهي تعبر عن موثوقية عندما تقول هذا دستورنا لكتاب فريدريش حايك، فهذا يحتاج تأمل لأنه يعتبر خارج الحداثة التي تمثلها الولايات المتحدة التي كانت تاتشر تقول عنها أنها نتاج الفلسفة، بينما بريطانيا نتاج التاريخ، فقد تلاقحت بريطانيا وثقافات متعددة لتكون بريطانيا المختلفة عن بقية الدول الغربية لتكون عقليتها مميزة في الغرب لكن لنتوقف عند نتاج التاريخ والسمعة التي صنعها إعلام الاستعمار حينها في رفع القيمة وإشعار أهل المستعمرات بالدونية، وهو من مقتضيات السيطرة عليهم، لكنه أيضا من أسباب الثورة، لأنه اتخذ منهجا أصم وهو عكس ما يمكن إن اسميه (بالتماهي الإيجابي) عندما اندمجت أقوام متعددة من القبائل الأصلية والانكلوساكسون والنورمانديين ليكونوا أمة لا تتردد أن تجعل من تراثها شخصية كريتشارد قلب الأسد الذي لا يتكلم الإنكليزية، وتعتبره ملكا رغم أن بعض المؤرخين يعتبره يمثل دوقية فرنسية لم يستقر على الأرض بقدر ما خاض من حروب لصالح الفرنسيين، أو قبول فكرة أن يكون رئيس الوزراء من اصل هندي وهي المستعمرة القديمة.

بريطانيا وأخطاء التاريخ (الاستعمار للعراق نموذجا):

سبق التخطيط لاستعمار العراق من البريطانيين الحرب العالمية، ولكن تشكيل العراق بشكله الحالي كان نتيجة لإحدى تطبيقات سايكس بيكو في التحول من التقسيم العرضي إلى الطولي، كانت بريطانيا تخطط قبل الحرب العالمية في ضم ما تسيطر عليه ، باعتباره ضرورة مع تطور المدنية ومتطلبات التجارة والمواد الأولية، ربما لم تك بغداد في المخطط هذا، ومن خلال حكم ذاتي أو ضمها إلى حكومة الهند الشرقية التي يديرها البريطانيون، لكن حصول الحرب وضغط المتطوعين الجهادين مع الدولة العثمانية أوجد حالة ضرورة لاحتلال البصرة التي لم تستغرق وقتا فشجع هذا للتقدم إلى الكوت، التي قاتلت ببسالة فاتت بريطانيا بقوات انكسرت عند المدائن وأعاد العثمانيون البريطانيين إلى الكوت، لكن لم يكملوا فتتابع التقدم البريطاني إلى الفتحة وهي حدود ولاية الموصل ومن ثم دخلت القوات البريطانية سلميا بانسحاب الأتراك دون معارك، ولم تنجح بريطانيا بالملخص لاختلاف لغة التفاهم وفقدان الثقة ولو سعت منذ البداية لتقوية العراق الغني بالموارد البشرية والطبيعية لبقت في الصدارة.

بريطانيا كمساحة نصف مساحة العراق، رغم أن سكانها الآن ضعف سكان العراق لهذا فهي تستعمر وتبني لحاجتها مما في المستعمرات فاستثماراتها في الموارد البشرية والطبيعية والجغرافية قائم لحاجتها فهي استعمار إن أردنا التمييز عن الاحتلال الذي لا يبني، لكن هذا الأسلوب لم يعد صالحا، وممكن تحقيق علاقات تكاملية لكل الدول من خلال الاستثمار والتنمية بالمشاركات (J.V)

أخطاء بريطانية:

1_ لجوء البريطانيون إلى العنف واستقدام أقواما أخرى تبحث عن إقامة وطن أو مكاسب لقتال أهل الولايات واستخدام الهند الشرقية في البدء بحركة استعمارية جعلت من بريطانيا محتلا مشكوك في سلوكه المدني.

2_ استخدام الهند الشرقية نقل تجربة الحاكم البريطاني من الهند إلى العراق تجاهلا لاختلاف الشعب في البلدين من حيث الطبائع والانتماء، ففي الهند أتى الإنكليز وقضوا على حكم المغول الذين كانوا يحكمون الهند وحلوا محلهم واستطاعوا إدارة التشظي وإقناعهم بالحكم الذي استخدمهم في الجيش وفي الحكومة بوظائف ثانوية، هذا مختلف عن قدومهم على دولة بها مسلمون وتحكمهم منظومة إن اختلفوا مع حكامها فهم لا يختلفون مع شرعيتها، فكان لابد أن تدار من أناس يعرفون طبائعها لا أن تأتي بهنود حاولوا أن ينقلوا عوائلهم ليؤسسوا لحكم البلاد، رغم أن بعضهم ترك بعد ثورة العشرين ليذوبوا في المجتمع العراقي.

3_ لم تركز أن ضباط الملك هم ضباط في الجيش العثماني، لهم رؤيتهم الخاصة من منطلق المملكة الكبيرة التي تضم كل البلاد وليس العراق فقط، فعندما حصروا في العراق بدأت شكوكهم في نوايا المستعمر ووعوده ولا شراكة بدون نوايا واضحة وشفافة، ورؤية سلوك بريطانيا المتجاوز لعصبة الأمم وقراراتها بتغطية إدارة الهند الشرقية بدل الحكم بصيغة مباشرة جديدة ونوع جديد من الاتفاقيات وليس تطبيق تجربة تكونت من شعب آخر مختلف الثقافة، فكان عداؤهم للوطنين لانهم يعتبرونهم ضد هيمنتهم رغم أن هؤلاء ممكن أن يكونوا شركاء لمصلحة بلادهم، عداؤهم لطه الهاشمي وياسين الهاشمي المواليين للملك وغيرهما هدد النظام لانهم لم يدعموهما بترددهم الكبير أمام حركة بكر صدقي الذي كان ضد توجه الملكية في حقيقة الأمر واعتبر الإنكليز شكوك الأخوين وأخرين من النخبة بنواياهم أمرا مبررا للتردد وهكذا سوء إدارة وفهم للثقافة المحلية أدى بالنتيجة إلى انحسار طموحاتهم بشركة النفط ليُسَلَّم البلد للعسكر.

عقلية المستعمر أضاعت شريكا أكبر حجما ومواردا، ولو أنها استمرت مع أحلام الملك الشهيد وعائلته حيث بدأ دوار الدم، ولم تأت بالمغامرين كما أتت أمريكا بالفاسدين لكان مفهوما أنها سياسة كما يزعم وتفوق في التخطيط، لكن ما نراه كنخبة من مستعمرة سابقة أن هذا ليس فشلا في السياسة وجمود عن التطور في ميكانيكية إدارة المستعمرات التي ينبغي أن تتحول إلى شراكات وليس تسليمها بيد المغامرين والفاسدين، بل هو إرادة إبقاء التخلف وعقلية عدمية لا تختلف جوهريا عن محتل لم يأت ببناء.

الفكرة المركزية من المقال: 

هنالك اختلاف في لغة الفهم من الأجانب مع أهل البلد والأدهى بين أهل البلد بينهم وأنفسهم فبناء الدول لا يأتي إلا بالتفاهم وعقد اجتماعي يتخلى الكل عن أفكاره السلبية والفئوية التي تجعله قابلا للانفجار والاستعمار؛ بتثقيف المجتمع على الاندماج وهو امر ليس عسيرا، فالمجتمعات كلها خليط (وبريطانيا نموذجا) تنجح مدنيا في ضفاف العدل وتفشل إن شحنت بالروابط الهابطة براكين الاختلاف وضربنا في بداية المقال على اندماج مع الزمن وتجانس خليط متعادي لا يتجانس، كما أن فكرة الهيمنة التي تحكم عقلية الغرب لابد أن ترتقي كمطلب من متطلبات الزمن لتلتفت إلى المشاركات المدنية (J.V).


الجمعة، 20 يناير 2023

42- قراءة في مزرعة الحيوان

 




قوانين المعاناة

عندما تكون الحالة النفسية سليمة عندي فلا أتوقع أن أوقف بقرة لتعلمني قواعد الإدارة، أو انبهر بنهيق الحمار وابحث عن مقاصد عميقة في نهيقه، لكن هذا ما يحصل فعلا عند انبعاث الصراصير فإنك ستسمع أسئلة عن الكيمياء من عريرها وكيفية تحويل الأجواء المليئة بالأوكسجين إلى جو مشبع بالميثان، إنها الهزيمة التي تجعل بغلا يتفاخر بنسب أبيه ويتحدث عن الأصالة مثلا، ونحن نضرب مثلا بمخلوقات الله التي لم تخلق لتتماشى مع خيالنا، فهي مخلوقات لها مهام وفق التوازن البيئي، وان ما نريده منها هو خارق للطبيعة إن فعلته تذهب الطبيعة إلى الدمار ويصبح الإنسان مشروع تلاشي ولعلنا والحال هذه نستذكر رواية مزرعة الحيوان التي بدأت بحلم رآه خنزير عجوز "ميجر"ثم ليحققه ثلاث خنازير طموحة؛ عندما أخذت الحيوانات دورا غير دور خلقها في قراءة أخرى لتلك الرواية العميقة، والتي لم تخرج صاحبها ليصنف ككاتب روائي بل بقى صحفيا عند من يقيم هذه الدرجات، مع عمق تلك الروايات التي كتبها ولكن من يبحث عن وضع الناس في صناديق لن يمكنه تقييم عباقرة كجورج أورويل كما سمى نفسه.

الحيوانات التي ثارت بعد الم وجوع وإهمال من السيد (الإنسان) وعماله الكسالى وسيطرت على المزرعة كما في الرواية سنت قوانينها الطموحة والتي تعبر عن معاناتها من السيد (الإنسان)، لكن الخنزير سنوبل الذي وضع القوانين وكان متضامنا معه الخنزير نابليون الطموح من غير كفاءة وسكويلر البوق الإعلامي العتيد، لم يكونوا قد مارسوا الحكم فما لبثت القوانين أن تمطت لتعطي معاني استرخاء عن الفكرة الثورية إلى السيطرة الفردية، عندما يطرد نابليون التافه سنوبل بواسطة كلاب مدربة من سلالة كلاب السيد الإنسان  متهما له بالعمالة للسيد الإنسان منذ البداية دون تفسير أن يكون هو قائد الثورة وعميل في آن؛ فيصبح قتل الحيوان للحيوان ممكنا أحيانا، وارتداء الملابس ممكنا والنوم على السرير ضرورة .

تقاعد التكنوقراط

انتهت حياة الحصان بوكسر التكنوقراط المتفاني في عمله، والذي لم يكن يكف عن ترديد جملة "الزعيم نابليون دائما على حق"، على يد زعيمهم نابليون، حيث قام ببيعه، لكبر سنه وتدهور صحته، لجزار الحيوانات بائع اللحوم دون أن يرف له جفن. امتعضت الحيوانات لما حل بالحصان، فحدثت فوضى واختل القانون لبعض الوقت في المزرعة لكن استعادة نابليون وسكويلر لسيطرتهم على الحيوانات المغيبة امر سهل.

إن المخلصين والتكنوقراط الذين يعملون ولا يهمهم من يحكم يكونون دوما ضحايا الشذوذ والفوضى والفساد؛ رغم انهم أناس يعملون ولا يسألون عن جهدهم لكنهم يهملون عند أول فرصة يتمكن الفساد بها من إبعادهم، وهذه سنّة ثبتها القرآن في حالة فجة من الشذوذ والفساد "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" بينما الفاسد منهم يبقى متمكنا كذراع للفساد مقابل الفتات وذاك ثمن بخس. 

الإحساس بالظلم لا ينشئ فكرا وإنما يكون دافعا لتهيئة الجيوش لطغاة مازالوا يستثمرون الألم لركوب زفرات الحزن نحو قلاع وزنزانات وجلادين، وان غياب الخطة القريبة والبعيدة يجعل الحراك فاشلا ليس بالضرورة أن يسقط وإنما أن يرتد إلى ما أنكره الثائرون على من ثاروا عليه فكان سببا لثورتهم عندما نفترض أن النوايا سليمة، وهكذا يحاول نابليون أن يقلد السيد الإنسان فيسير على قدمين ليكون شعار السير على أربع "حسنا"، متحولا إلى أن من يسير على قدمين "أحسن"، وأسوأ الناس من ينسى ألمه عند رخاء، لان ألمه لم يك لإحساس باهله وبيئته ؛بل كان الم الحسد للظالم وتمني مكانته وذاك تمام العبودية للحاجات والغرائز بلا حدود.

معادلة خماسية

لم يتحقق للحيوانات إزالة الظلم بل عاد بشكل الطغيان، ولم يك السبب هو الإنسان وإنما غرائز حب السيادة والتملك ذاتها ولم يك نابليون ولا بوكسر ممثلان لأقصى اليمين واليسار ليستمرا بنجاح، ذلك أن المعادلة تحتاج حضور العوامل الخمس والنجاح حاصل ضربها ببعضها واي منها تنخفض قيمته يؤثر على الجميع أو يعطي الصفر علامة الفشل الحتمي ما لم تعدل المعاملات.

احتمالية النجاح = الحس بالحاجة للتغيير والتطوير للذات (وتشمل ثقة الجمهور) × الخطة المرحلية وقريبة المدى والتي تحدّث بتكتيك التنفيد× الرؤية بعيدة المدى كاستراتيجية إصلاح وتغيير يتعامل مع الزمكان× المــــــــــــــــــــال × أناس تفهم الفكرة وآليات تطويرها والا تموت مع معدها أو تجمد زمكانيا عنده=1.

القيم ليست رقمية وإنما وجود (1) والغياب (صفر)، وإذا أردنا أن نحصل على أرقام لنسبة نجاح متوقعة فلابد من إعطاء وزن لكل عامل من مائة ثم جمعها وهنا يكون للقيادة والإدارة دور هام.

التقليدية

الجهاز المعرفي في حل المشكلات له أهمية كبرى حيث يلجأ معظم الناس إلى التقليدية وتحقيق الغايات رغم خطورة المغامرة في عصر التقدم التقني ولا يتبنى الحديث الذي هو أدق وأفضل وأنجع، وهذا سيكون مشكلة عندما يفكر بهذه الطريقة عناصر مهمة كالطبيب والمهندس عندما لا يجلب التقنية الأحدث وأصحاب الفكر في استدعاء الماضي كرد على الإخفاق في الحاضر وإبعاد حقيقة أن الفكر الأم يلد الجديد مع العصور.


الخميس، 5 يناير 2023

41- الثقافة في الجهاز المعرفي

 





الثقافة في الجهاز المعرفي

الجهاز المعرفي في المجتمعات كافة هو كم من المعلوماتية والمعايير التي ترسخ في المجموعة البشرية لتشكل ما يمكن أن نسميه مجتمعا وان كانت كمية الاختلافات والتناقضات في محتواه كبيرة حجما ومتسعة مسافة ما بين اليمين واليسار، لكنها تتفق في أنها تنظر إلى الأمور وكأنها ثوابتا وتميل لتقديس كل شيء فكرة أو راي وهذا لا يختلف كثيرا في التطبيق العملي ما بين متعدد الأفكار لان من يتحكم بها الغرائز وليس إعمال المنظومة العقلية.

(حاول أن تتعلم شيئاً واحداً عن كل شيء، وكل شيء عن شيء واحد) - توماس هنري، هذه المقولة حصرت الثقافة وجعلت نغمة فكرتها بالتطبيق سدا منيعا أمام التغيير والتطوير، ولست بصدد مناقشتها لكنها مقولة رنانة محتواها مقفلا في أوله وطوباويا في آخره، فمعرفة كل شيء عن شيء قد تتخذ في إيقاف الجديد المبتكر عن التبني في مجتمعات لم تبلغ النضج أو تقع أمام من يظن أن معرفته هي المعيار وان لا جديد إلا ما ينتجه.

أما تعلم شيء عن كل شيء وعزوف الناس في مجتمعنا عن القراءة الجادة، فهو سيلتقط شيئا عن كل شيء وفق فهمه، ويعتبره بطبيعة الجهاز المعرفي والميل للتقديس وتعاريف معنى الثبات على الراي والمتانة ومصداقية المعلومة بثباتها وليس بتطويرها، فسنجد حتما أناسا تتحدث وتناقش المختص في اختصاصه وتسفه رايه وهي لم تتعلم إلا معرفة انطباعية عن شيء مما هو مختص به، بل هذا الشيء ستجد له أفهاما متعددة وربما تسبب جدلا عقيما فليس هنالك استعداد لنزع القدسية عن المعلومات المكتسبة.

الجهاز المعرفي عند مجتمع ما يقف أمام التجديد وقبول التغيير خصوصا إن لم يفهم بان التحديث من مقوماته؛ كما يجهل المسلمون وجوده في الإسلام بل الفهم بضده رغم وضوح نصه، وغالبا ما ينتقل الجهاز المعرفي مع الإنسان وان تغير المجتمع الذي يعيش فيه وهنا تبدأ عملية من الصراع قد تفشل في التفاهم مع المستجدات فتبدأ هجرة معاكسة ليعود إلى حيث هاجر عن بلده أو مجتمعه الأول.

الانتقاد والنقد ما بين القيمة والسلوك

حينما نتحدث عن السلوك السلبي وننتقده هو أو أي ظاهرة أو تصرف أو سلبية في مجتمع ما فإننا لن نحدث التغيير لان تبيان المشكلة لن يحل المشكلة أو يفرض حالة التغيير عليها بل تبقى مسالة راي مصطدمة بالجهاز المعرفي الذي يتبنى السلبية التي يراها أي من يشخصها وهي في الحقيقة إفرازات التهاب لمرض مجتمعي نتيجة تكلس الرتابة وعجزها عن المواكبة لحديث حاصل أو تحديث مطلوب، لذا فلابد عندما نعالج أن ننتق أي ظاهرة أو فكرة، أي تبين الإيجابية والسلبية وما هي تكاليف التغيير أو إلغائها المادي أو المعنوي، وهذا مؤشر للتغيير المطلوب فعلا وتحديد اتجاهه ضمن دراسات ونقله إلى المجتمع بخطاب عقلي لا يناقش السلبيات بأسلوب الانتقاد وإنما يوضح التغيير الفكري ويزرع القيم الجديدة والفهم الجديد، وسنجد اثر ذلك حتما تدريجيا في تغيير السلوك بقناعة لتحل منظومة صالحة محل أخرى، وهنا لابد أن نكون حريصين أن لا نقنع الناس بانهم سيمتلكون الحقيقة ا وان ما تعلموه من الثوابت، وإنما هي الحياة تعني التغيير بالنقد لا الانتقاد، والمفهوم وليس السلوك الذي ينفلت عادة عندما تستثار الغرائز كحب (التدين، التملك، النوع، السيادة).

مؤسسات الثقافة:

لمؤسسات الثقافة دورا كبيرا مهملا في واقعنا بل مشوها، فعندما تتحدث عن الثقافة وضع انطباعا ذهنيا أنها الموسيقى والغناء والفلكلور وغيرها، بينما لا تجد الفكر الذي ينشئ السلوك الذي بدوره يظهر معالم ثقافة الأمم سواء بتأثير قيمي عميق حضاري أو بتأثير قيمي متمدن.

هذا السلوك يأتي من بناء الفكر ومهمة الإنسان كوجود لوجود أهمية لوجوده؛ وهذا يتطلب حوارات هادفة وتطوير للفكر البشري وشرح للمهام الآدمية وكيفية التعامل معها سواء كفرد أو مجموعة أو مجتمع بدولة وقوانين، وما هو مطلوب من المجتمع كوجود، وهنا تكون مؤسسات الثقافة فاعلة عن طريق نشر الأفكار التجديدية التي تعيد الأمل والثقة للإنسان بذاته وأهمية كينونته وأهميته كآدمي بإرساء برامج هادفة إحيائية بالتوأمة وقنوات بكفاءة قناة الجزيرة مثلا.

إنك لن تكافح سوء الخلق بانتقاده، ولا المخدرات بتبيان مساوئها، الم ترى أن علبة السكاير كتب عليها انه يؤدي للسرطان فأصبح المكتوب عليها تلك العبارة هي المفضلة للمدخن!

إنما مكافحة السلبية تأتي من خلال دراسة نفسية المجتمع وما هي أسباب إدمان البعض أو شذوذ تصرفاتهم أو خلقهم أو سلوكياتهم، وهنا تأتي الأمور عن الجهة القانونية والردع والتثقيف من طرف آخر، لان الردع يثير الغرائز الحاكمة، أما الإرشاد فيخاطب المنظومة العقلية والمنظومة العقلية لا تخاطب عندما تغيّب

إن الشجرة المريضة تصبح عشًا للحشرات تضع في شقوقها بيوضها وعلى لحائها تتغذى اليرقات ... ولا يمكن أن تزال تلك الحشرات بالكلام عن مساوئها أو التقاطها بالملقط بل بمبيد للحشرات، لكن طلي الشجرة للوقاية لا ينفع إلا السليمة. 

الخميس، 8 ديسمبر 2022

40 - قـــــــــــــوارب يقظـــــــــة فكـــــــــــــر

 



القــــوارب:

الامة بكافة اتجاهاتها علمانية بمسمياتها وإسلامية بفروعها، تعبر عن حالة غرق لقوارب مهترئة لم تعد صالحة للإبحار في الحياة، والحديث عن الأفضلية هو حديث في الصندوق واجترار للفشل المنطلق من نقطية التفكير لا شموليته، والحاجة ماسة ليقظة فكر جديدة للامة وفكرها الحضاري الممثل لحالتين:

1.   الحالة الأولى انه فكر يمثل حضاريا هوية الامة، وفيه قيم تعرّف السلوك.

2.   الحالة الثانية انه يمثل مفهوما حضاريا أيضا يراد ان يكون له واقعا مدنيا وهو العدل وواقعه يكون بالإنصاف للإنسان بما كرمه الله تعالى وكدولة تطرح المساواة امام الناس بالعدل وليس بفكرة المساواة بالعطاء، وتحدثت عن هذا في مقال سابق (مواضع العدل والمساواة والانصاف)[1].

نحن اليوم نحتاج الى ثورة فكرية حقيقية في نفض غبار التاريخ وركوب قوارب تمخر في الفكر وتنقي ما رسبه التاريخ من كوارث فكرية مزقت الامة بسيف حاد شتت الانسان بين ازدحام الأيدولوجيات وتتبع كتبا بشرية حتى في الدين وضعت كشروحات بعلم زمان مضى نفعت حينها وأضر الامة أولئك المقلدون الذي وضعوها في قدسية تغلبت على كلام الله وهي فعل او كلام بشر، وتركوا القرآن وطياته (مثانيه) ومر الزمن ولم يفتحوها وانما استمروا بمنهج الشروح على الشروح، بل بات كل جديد محدث وضلالة والضلالة وصاحبها في النار تكرر الى يومنا، وبقينا نرفض الجديد الى ان يتمكن فنبرر له وجوده، لكن بقت التربية النفسية والعصبيات تصيب الجميع إسلاميين وعلمانيين حتى باتت العلمانية دين ضد الدين بفهم المتخلفين ممن يصفون انفسهم بها.

كيف نقيم اليقظة بفكر الامة:

أولا: الإسلام منهج حياة: الفهم ضرورة، ان الإسلام منهج حياة بمعنى انه دليل وليس مجموعة من القوانين التي يقولها مفسرو عصر سابق او اجتهادات لخلفاء او ملوك، وانما نحتاج الى فتح طية كمنهج لعصرنا وهذه تليها طيات وطيات ليستمر متجددا وبمفكرين مجددين على مر الزمن.

ثانيا: العدل وليس الكرسي: ان مفهوم الحكم ليس بتسميته وانما بماهيته، فالحكم اساسه العدل والعدل هو حكم الإسلام وان لم يكنَّ بالإسلام

ليس حكم الإسلام ان يسمى بالإسلام بلا محتواه ويعمم الظلم.

ثالثا: الإسلام صالح لكل زمان ومكان: ان الحكم مؤسسة وليس شخص وبوجود التقنيات الحديثة فهي منظومات تباعدت ام تقاربت تكون مؤسسات لا قدسية لها ولا طاعة عمياء وانما تحاسب كما تعمل ضمن نصوص قوانين توضع وفق مقتضيات الزمكان، وهذا معنى الاسلام صالح لكل زمان ومكان.

رابعا: الاهلية والكرامة الإنسانية: ان الانسان لكي يحاسبه الله فلابد ان يكون له كامل الاهلية، وهو ما ينبغي ان يوفره له (نظام العدل والانصاف)، وخياراته محترمة ككرامته والدولة توجه نصحا وليس بفرض القرار، فالله جل وعلا وعظ عباده ولم يأمر إلا بضروريات لا تقبل الهوى كالعدل والإحسان والصلات بين الناس والدولة تحمي مواطنيها من التغرير بهم او الضعف من خلال ضعفها هي بتحسين معاشهم وتغذيتهم أخلاقيا لتساعد سلوكهم الى الصواب.

خامسا: الدولة تخطط (ولا تسمح باستنزاف مواردها البشرية من جشع الشركات المستثمرة): الدولة لابد ان تضع تخطيطا لكل شيء وتوظف عندها من يتطوع للعمل معها وتتيح منافذ العمل بتسهيلات للأعمال والاستثمارات وفق نظام يجعل لمواردها البشرية ان تُستثمر من كل داخل للاستثمار في البلدان، لا ان يستعبدوا ويمتصوا ثم يتركون بلا حقوق او مصدر عيش بعد ان يستنزفون.

سادسا: جدلية الحضارة والمدنية: كما لا يحقق الهوية ولا العدل ان تستورد فكر الامة وهو من أسباب الازدواج الذي فيها وتبلد الإحساس وهلامية حضورها، بينما أبنائها يبدعون حيث وجد القانون والنظام ويحترمونه، وهنا تأتي المدنية وقوانينها، وان لا يبني شيئا كنقل عشوائي وانما وفق تخطيط وتدريب مجتمعي وتوعية والانتباه لكل حركة وخطأ مهما كان صغيرا وتربية النشأة على المصداقية والصراحة لا المراوغة وكيف يتخلص من اثر القوانين، وهذا كله مرة أخرى يحتاج للعدل والمصداقية وإزالة اثر المحسوبية والانحراف وخيانة الامانات ثم الذهاب بعدها والنوم مرتاح الضمير، ولكي يكون المعنى واضحا الخص معنى الحضارة( انها فكر الامة وهي تتوسع وتنمو ولا يتغير اصلها وجذرها) والمدنية (هي تراكم الجهد البشري وتجاربه في العلوم والإدارة والسياسة والتكنولوجيات وغيرها)

سابعا: الجميع عليه ان يفكر وان يرتقي بعيدا عن تقليد الماضي او الشرق والغرب، حتى بات الجميع رجعيا متخلفا عن جدلية يقظة الفكر المطلوبة

خلاصة القول: نحن بحاجة الى تمرد على تخلف أنفسنا، واستعادة الهوية وإقامة العدل بالإنصاف، وإزله الرواسب والكف عن تقديس التاريخ وتقليد تجارب الاخرين بعبودية واغلاق للمنظومة العقلية فقد فعل كل مجتهد لعصره سواء إسلاميا ام لبراليا ام شيوعيا ونحن في امة لم ولن تنهض بالتقليد والتبعية العمياء، وان ما نحتاجه هو الاجتهاد ويقظة المنظومة العقلية في مسار نهضة الامة والحديث مَنْطِقُهُ الحاجة والامل.

 

 

                                                                                   

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...