السبت، 3 فبراير 2024

92 - نواقيس في عالم النسيان



رابط الزمان


نواقيس في عالم النسيان – محمد صالح البدراني 

نواقيس في عالم النسيان – محمد صالح البدراني

في منطقة شعبية عشنا وما زالت أحب بقاع الأرض رغم أنها هدمت كأحد ضحايا طغيان الحمق وسقم التفكير الذي خلط الأوراق في بلد عظيم فعلا كالعراق، بيد انه باع ذكاءه وفعل ما رفض فعله الصبي في قصة حكمة متناقلة في التراث تقول (قيل لصبي ذكي أتعطينا ذكاءك ونعطيك ألف درهم؟ فقال: إن أعطيتكم ذكائي سيبقى حمقي فأضيع الألف درهم بحمقي ويبقى لي حمقي فكأني استبدلت ذكاء بحمق) كنا أطفالا بأعراف أخرى ومجتمع متداخل دون تصنع نسمع ونرى كل شيء بشفافية، حكى لنا كهلا قصه حبه عندما كان شابا وفتاة أحبها ترسل له رسالة تفارقه؛ بها لحن كانت النفوس تطرب لسجعه وهي عفوية لن يتخيلها ما تلا الجيل لتغير النفسية فقالت له في رسالة لا جواب لها حتما (…وستبقى في الذاكرة كناقوس يدق في عالم النسيان فوداعا وداعا يا إحسان).

أحلام أهلنا لمستقبلهم كحب إحسان نراهم يعيشون الصدمة وقد تغيرت طباعهم وتاهوا عن الفعل والقرار كجيش محاصر بلا لوجستيات وانقطعت عنه المؤنة والعتاد؛ ذاك الحب الذي أنتج الأفكار عندما ساء وضع البلد لكن يبقى عنوان الحب محكوما بهيمنة التخلف والانا التي لا تستوعب شيئا كي تخطط للمستقبل فتبقى المشاريع والآمال كنواقيس تدق في عالم النسيان وتقول وداعا فوداعا يا إنسان.

ويبقى دوار الملاچ والسرگال والفلاح بمتعدد أشكاله يتكرر بجدلية وظائف الرقابة العثمانية للسوق السرسرية والشلايتية فالأمر لا يحل إلا بنقاء الضمير والا ما يولد القناعة عند حكام أفريقيا بالبقاء عبيدًا موظفين على ثروات بلادهم ليتمتع المحتل السابق للبلاد بالثروات بينما الشعب الذي يسوده هو والمسئول عنه جائع يتلظى بعذاب العَوَز بأقسى أنواع العوز وكان هنالك قناعة بالعبودية والتبعية بانها حقيقتهم بل يدافعون عنها وتعتبر إهانة لهم إن مس احد أسيادهم بكلمة وهم انفسهم سادة البلد لو تمردوا على سيدهم الأوربي لما وجدوا إلا الدعم من شعوبهم التي يمارسون عليها مهمة الجبناء وهي الأقسى فالعبد دوما اقسى من سيده عندما ينفد أوامره على أقرانه.

دولة متوقعة

الله عز وجل جعل أقدار الأرض بمقادير دقيقة وحساب دقيق وبما يمكن للإنسان من استثماره مع استهلاكه لينتج بمنظومته العقلية البدائل، وكل ما نراه من عذابات بعض الأمم وترف بطر من أمم يدل على أن الإنسان والآدمية ليست ناجحة في تحقيق الغاية من وجودها، فليست الثروات من حق هذا الجيل بل واجب هذا الجيل استثمارها لتقديم بدائل للجيل التالي وتطوير المدنية والآليات لمقاومة المتغيرات والمستحدثات والإبقاء على الحياة الآدمية مع تعاظم أعدادها وتنوع حاجاتها ومتطلباتها.

لم يجعل الله اقدار الثروات الطبيعية لتسرق ويترف ترفا البعض ويجوع الآخر أو تأتي أجيال تعاني من الماء والكهرباء وحتى وقود التدفئة في بلاد تنتج النفط وتصدره لكنها لا تستثمره كما لا تستثمر واردات بلادها من الأموال وإنما تذهب بالفساد إلى جيوب وخزائن لا تفيد ولا يستفيد منها حتى جامعيها أحيانا، إن هنالك استدامة مطلوب فهمها وعملها ولكن سيطرة السراگيل وئدت العلماء والنخب من المفكرين وعلماء المال والاستثمار والأعمال، وبدل تحويل الطاقة لتلد مصادر للطاقة أو معامل تستوعب الشباب، أو إنتاج بدائل لمصادر المياه زمن الشحة بدل الاتهامات والتشكي، أو تطوير الأعمال بما يجعل المجتمع حيا، استنزف الفساد هذه الأموال لتكون عند فئة من الناس بينما ينتشر الجوع والتشرد والبغضاء والانحلال في المجتمع فلا يمكنه أن يكون له وجود أو تأثير والناس تبحث عن مصدر رزق لها إضافة إلى الاستنزاف من النخب الحاكمة من أنواع البشر بما لا يحصى هي الأخرى تستنزف الدولة فلا يعود أمام الشباب إلا الراتب هو الهدف لان المشكلة باتت في حب البقاء لا الإبداع وإثبات الذات وليس العمل وهذا سيخلق العيوب التي نراها بما لا تحتاج وصف أو كلام بينما الوظيفة هدفها البناء والراتب للعيش حق مفروض.

لا يحدث صراع الأيدولوجيات التقدم والتطور بل هو القلق عدو التمدن، فلا ترى اهتماما حقيقيا بالعلماء ونخبهم بل العلماء لا يظهرون لأنهم غرباء في أرضهم بينما يعتلي المغامرون والمزايدون ومن يسكتون على الفساد أو يرضون أن يكونوا أدواته وهكذا يجوع من يملك مناجم الثروة. 

91 - مجتمعنا وارهاصات الفوضى

 

رابط عربي 21

هل نحن مجتمع:

النظرة إلى أننا مجتمع متكامل؛ نظرة تاريخية موروثة لا تأخذ بنظر الاعتبار الهزائم النفسية والتخلف في الفهم والتعرية التي حصلت في المجتمع نتيجة احتكاكه بالثقافات الأخرى دون وعي بثقافته أو حماية بفهم فكري حضاري، أي دون حصانة حقيقية مواكبة للزمن وليدة عصرها من هوية الأمة وكينونتها. ولطالما حاول المصلحون القول إنها "عودة" إلى الفكر الأم، أو "استئناف للحياة" التي كانت عبر التاريخ تمثل زمن التفوق، ناسين الزمن وأحداثه ومتغيراته وغربة ما يدعون إليه، وأنه بات قالبا جبريا كغيره إن أريد فرضه؛ لكن نظرة إلى واقعنا نجد أن الفرد مشوه الفكر بخُلُقِهِ أي رد فعله.. المجموعة لا تتفق على رأي والجماعة لا تلبث أن تتفكك؛ لأن الأنا والتفاهة باتت عنوانا بارزا صارخا. ودعونا نعرّف كل هذه المصطلحات.

المجموعة والجماعة والمجتمع:

أحيانا وفي خضم مرحلة التلقي والبحث، يحاول الإنسان أن يستبق خطوات المعرفة ليضع تعريفا محددا لفكرة أو مجموعة أفكار لمّا تتبلور بعد، بغية فهمها أو جعلها ممكنة الفهم من النطق وترسخ هذه المعاني في زوايا الذاكرة وربما تكون أحيانا خارج المعنى المراد فعلا.. ويعمم هذا الخطأ بالتقليد وهو يحمل المعنى القاصر خصوصا إذا كان المتبني له مفكرا أو كاتبا. والمجتمع إحدى هذه الكلمات التي تناقلتها الناس، فنرى تعريف المجتمع بأنه مجموعة من الناس في بلد معين فيقال المجتمع الفرنسي أو الروسي.. الخ.. والصحيح أن العدد من الناس يسمى مجموعة، وإذا كان للمجموعة هدف واضح المعالم تسمى جماعة، فتكون بذلك جماعة للصلاة مثلا أو العمل السياسي وما يؤدونه هو عمل الجماعة كصلاة الجماعة مثلا، وإذا أصبحت قوانين تحدد المعاملات والتبادلات وفق نظام يحدد العلاقات تسمى عند ذلك بالمجتمع، وليس للموقع الجغرافي أثر بالنظام إنما هي منظومة الإنسان العقلية.

فالمجتمع هو مجموعة من الناس كثروا أم قلّوا، ويحدد علاقاتهم نظام محدد وأفكار ومشاعر ولا يحدد برقعة جغرافية أو حدود، حيث يكون الهدف واضح المعالم وإن لم يك اتصالا بينهم بشكل مباشر، لكن يبقون مجتمعا بحكم النظام والعقيدة والثقافة.

والمجتمعات تختلف وتتباين بطبيعة الحال من حيث التوسع الحضاري والصلاح الفكري، ومن الممكن أن يكون هنالك مجتمع واحد بمدنيات متباينة، أو من الممكن إدخال المدنية إلى رقعة تغلب عليها البداوة لتكتسب تطبعا مظهرا ومضافا دون أن يؤثر على جوهر السلوك كمظهر مضاف؛ إلا ما علق بالمدنية المنقولة من آثار أفكار المنقول عنه، وقد يرفض المنقول من المنقول إليه والأمثلة كثيرة.. ونلاحظ دولا متجاورة في أفريقيا وآسيا مختلفة بدرجة المظهر المدني، ولا يؤثر هذا على التوسع الفكري مهما حُفز التفكير، لفقدان المعطيات التي تؤدي للتوسع الفكري أو حتى الإبداع المدني والتطور، لكنها بالتأكيد مستهلك جيد للوازم ما نقل إليها من مظاهر مدنية.

المجتمعات في أوروبا تُعرف بسيادة القانون فهي لا تضبط الفكر وإنما تضبط السلوك، لذا عندما تحس من تهديد لنمط الحياة من فكر آخر تتعامل معه بنصوص قانونية فتجرمه مباشرة. وهذا نوع من الاضطراب الذي نراه اليوم والذي ينعكس على العالم ككل بنوع من الفوضى البركانية التي قد تنتج حربا عالمية، عندما أصبح النمط الغربي يميل للتقوقع دفاعا عن ذاته وبالتالي سنصل إلى حرب عالمية للتنفيس من الاحتقان.

لماذا الفوضى:

مجتمعنا ليس عدوانيا ببقايا ثقافته، لكن الانفعالات وردود الفعل السلبية تأتي من الحيرة والتناقض بين المنقول والفاعل على أرض الواقع وما عاناه من هجمات وهو أزل فكريا وماديا.

النظام هو قانون من كل فكر أو عرف فاعل ملزم أو تعاليم دين، كلها يمكن أن تتفاعل في المجتمع الحي لتخلق بيئة صحية منتجة، لكن ما ذكرنا من تناقض بين المنقول والواقع يضعنا أما أبواب لا نهائية من الفوضى ومقاومة الارتقاء.

غياب الدولة أو فساد السلطات وأدواتها يزيد من المحنة ويجعل الناس في المجتمع تتصرف بالعقل الجمعي لفقدان الموجه والضمان والأمان بعواقب السلوك والسلوك المقابل، الذي يهم هنا هو الخُلُق أي التصرف كرد فعل للفعل أو الفعل المباشر من الشخص. هنا تظهر معالم التخلف فلا يوجد مجتمع متفق على السوء كقاعدة خلقية لنصفه مثلا بأنه مجتمع متعصب، ولكن هنالك مجتمع تسوده الفوضى كمجتمعنا وحول العالم أيضا في المناطق التي يسترخي بها فعل القانون أو يمكن الهروب من وقعه على الأرض.

فهناك التصرف لأن غيري يتصرف هكذا، مثل عدم الالتزام بنظافة المدينة مثلا مع الحرص على البيت وتكامله، واستغلال الفرص وطغيان الأنا تجعل النخب تركض لاهثة وراء المتمكن من السلطة وإن كان تافها لا يليق وهو بلا سلطة من دون الجلوس معهم. وهذه تشجع على استمرار التفكك المجتمعي في مواجهة الفساد وتعديل المسارات بل تجعل الفساد واقع حال ينمو ويتمكن.

والفساد يكون حيث يغيب القانون واعتلال السلوك بغياب القيم ما لم يك رادع. القادم من دولة تحت سيادة القانون ليس منزها، لذا رأينا أن موظفين يتصرفون بما لا يناسب صلاحيتهم، أجانب كانوا أو محليين، نعلم من خلال فسادهم أن ما يضبط هو سيادة القانون، فالقيم النفعية التي يحملونها ستقبل السلوك السلبي إن أمنت العقاب، وهذا يدل على أنه لا توجد صفة عامة لشعب من التعصب أو الانحلال، وإنما مدى المعرفة وسيادة القانون أو القيم أيا كان الحاكم، فالمعرفة وترجمة القيم إلى قوانين باختيار الأمة يئد الفساد.

الحل الممكن

إن تعليم الناس القيم ضرورة لكن عدم الانتباه إلى أن هذه القيم لا واقع لها وأن المعلم نفسه قد يكون حامل العلم، ولكن مزدوج السلوك أمر سيكون محبطا لا جدوى إيجابية منه وربما يؤدي للسلبية.

الأساس الثقافي هو الفكر الإسلامي، بيد أن الإسلام يحتاج إلى اجتهاد واستنباط يتماهى واستقراء الواقع ومعالجته، لذا يصبح من العلاج نقطتان مهمتان لا بد من توفرهما، وهي سيادة القانون ومحق الفساد، وإعطاء الناس مجالا للتفكير والاختيار كما هو في أصل الفكر الإسلامي الناقد للوكالة والتقليد للسابقين.

156 - ســـــــــؤال في الدولة والمجتمـــــــــــع

       المقال يبحث طريق التفكير اللازمة لترويج الافكار والحقوق في ظرف استثنائي