الجمعة، 28 يوليو 2023

72 - التنظير والتفكيـــــــر الاســـــــــتراتيجي الجــ الثاني ــــزء

 


الخطأ البنيوي في المراجعات (2-2)

جدلية الفكرة:

فكرة أي حزب أو مؤسسة اجتماعية هي أن هنالك واقعا ما يراد أن يدار بشكل صحيح أو أن فيه مشاكل وانحرافات تحتاج علاجا، سواء كانت سلوكية أو قيمية، أو حاجات اقتصادية أو خدمية.. هذه المؤسسات والأحزاب لا تُبنى اعتباطا وإلا ستكون تجمعات مرحلية تنفض لا رؤية لها ولا غاية، وكذلك الإدارات التي تتشكل إن لم يك لها سند وخلفية، فهي ستنقرض مع أول إعادة تنظيم أو تثبت ولكن وفق رؤية مؤسساتية.

لو نظرنا إلى المرتسم، سنجد فكرا أو مصدرا للفكرة كالإسلام أو الرأسمالية أو الشيوعية أو القواعد والنظم الاقتصادية والإدارية للمؤسسات، وسنجد أن مفكرا يظهر ليطرح فهما مستقى من المصدر كالإسلاميين والشيوعيين مثلا، فكل المفكرين أو قادة الفكر عبر التاريخ ظهروا هكذا عندما وجدوا واقعا يعكس مشاكله في أفكارهم فيستدعون الحل من خلفياتهم التي يؤمنون بها. لهذا الحد فهو تنظير فيه نوع من الرؤية ومنهج التصدير للفكرة، ومن هذه الرؤية تأتي رؤية شاملة تفصيلية ودعامات للأفكار ووسائل إقناع وآليات ترسيخ ونشر الفكرة، حتى يجري إسقاطها على الأرض تنظيميا أو كحكم حيث تظهر الحقيقة من التعامل مع الواقع فإما أن تنجح أو تفشل.


Image1_7202328173025925222158.jpg

عندما تضع أي مؤسسة خطط الإنتاج والتوزيع ستأخذ في نظر الاعتبار الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والمنافسة، كعوامل خارجية (وتفيد في التنظير لإنشاء المؤسسة ومهامها ونوع بضاعتها، وتنظر إلى السعر العام وعلاقته بكلفة الإنتاج والترويج وكمية الإنتاج والسعر المناسب وهذا يتعلق بالتنفيذ


فإن نجحت، المسار الطبيعي أن تراجع كقيمة ناجحة وتحتاج إلى إعادة تنظيم للآليات لاستقبال مراحل أخرى، كاستكمال البنية التحتية أو الانطلاق نحو النهضة.

أما إن فشلت فهي بالتأكيد تحتاج مراجعة وليس إعادة تنظيم، وهنا يكمن السبب القاتل في فشل المنظومات الحزبية أثناء مراوغتها لنفسها أنها تعيد التنظيم؛ لأن معظم الأحزاب والتي تأنف أن تستمع للنصح تعيد إنتاج الفشل وتتصور أن إعادة تغذية المعلوماتية كانت عند الجيل الفاشل وليست عند الجيل الجديد الذي يتلقى أمورا يعلم أنها لم تعد فاعلة، وهنا يدخل الازدواج والتقمص وتكون بذرة النفاق والفساد، أو التنحي والقعود عند من لا يستطيع الاستمرار بإعادة الدور الذي سيؤدي للفشل والتشظي بمن عبر إلى خط النهاية.

المؤسسات والإدارات:

السياسة هي صنو الإدارة ولا أقول فرعا، لأن الإدارة بلا سياسة تكون حرجة وروتينية ولا تنجح أمام معايير الإبداع.

فعندما تضع أي مؤسسة خطط الإنتاج والتوزيع ستأخذ في نظر الاعتبار الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والمنافسة، كعوامل خارجية (وتفيد في التنظير لإنشاء المؤسسة ومهامها ونوع بضاعتها، وتنظر إلى السعر العام وعلاقته بكلفة الإنتاج والترويج وكمية الإنتاج والسعر المناسب وهذا يتعلق بالتنفيذ.

أين الجدلية؟

العملية كلها من التنظير والتنفيذ والتطوير عند النجاح تقع ضمن امتداد التفكير الاستراتيجي، وهذه الأفكار ليست متشابهة ولكنها مجموعة من الآراء إنما اختيرت للتنفيذ تبعا للجدوى أو الظرف. فالمؤسسات والأحزاب أيضا يفترض أن تكون مؤسسات، ولا أتحدث هنا عن تجمعات انتحلت الصفة الحزبية وهي تعتمد على شخص أو على مصلحة وقتية، وهذه الأحزاب تنفض بمغادرة الشخص أو انتهاء المصلحة وتتناثر بأعضائها أو يلتم حولها الذباب ما دامت هنالك بعض آثار السكّر بلا رؤية إصلاحية للمجتمع أو منهج، وإنما الغاية الكرسي وما يتعلق به من مصالح، فهذه أقرب إلى تجمع بشري على حفل ما وما فيه، لكنها ليست حزبا وفي أحسن الأوصاف أنها كتلة انتخابية.

العملية كلها من التنظير والتنفيذ والتطوير عند النجاح تقع ضمن امتداد التفكير الاستراتيجي، وهذه الأفكار ليست متشابهة ولكنها مجموعة من الآراء إنما اختيرت للتنفيذ تبعا للجدوى أو الظرف. فالمؤسسات والأحزاب أيضا يفترض أن تكون مؤسسات


مراجعة الأحزاب والمؤسسات:

المراجعة عادة تتم على مستويات متعددة:

مراجعة الجانب التنفيذي: وهو متعلق بالأداء والنفوذ أو الانتشار أو عند تباطؤ الفاعلية على مستوى المنتسبين للأحزاب أو المؤسسات، وهنا تكون المراجعة للأجزاء التنفيذية، كمراجعة البنية والهيكلية والأيديولوجيا والمواقع الإدارية ومن يتولاها، وأين تضخ دماء جديدة وأين ترسخ الخبرة وتشخص القدرات وتقيم المستشارين واستشاراتهم، كقائد مع زعماء الحراك إن كان حزبا أو مع مجالس الإدارة ورؤساء الإدارات والأقسام والفروع بأنواعها. وهذه العملية تتم بشكل مبرمج ومستمر من خلال "المتابعة" من المعنيين وتقاريرهم وما يمكن أن يعدلوا في المسارات، وتكون بذلك المراجعة التي تتم عن طريق "الرقابة".

ومن المعلوم أن المتابعة جهاز يسمى خطأ الرقابة الإدارية في المؤسسات، والحقيقة أنه متابعة سواء على صعيد التنفيذ الفني وكذلك المالي والإداري، حيث واجب الرقابة والمالية تصويب أو تبويب التكاليف أو الخطوات التي يقوم بها المدير من أجل انسيابية العمل وصواب الإجراءات والشفافية. فالواجب متابعة وليس رقابة، أما الرقابة فهي تأتي لتقييم الأداء وحصر المعطيات من أجل بناء موازنة على قيم حقيقية تتيح للمخطط أن يعرف متى إمكانيته الاستثمارية أو التوسع أو الانكماش الاختياري، ذات الشيء ينطبق على مؤسسات الأحزاب الرصينة التي غايتها البلد والشعب وأحداث تقدم مدني وتقني في حياته.

خطأ بنيوي تخطئ به الأحزاب الرصينة وتضيع فرصة الإصلاح وتعادي نظم تمتلك قوة لوجستية، بدل أن تتعاون بشكل وآخر على تحسين أداء تلك النظم أو على الأقل الاشتغال على تحسين الشعب وإدراكه، ويرجعون التنفيذ وأين أخطأوا لجزئية كاستحصال أصوات في انتخابات، لكنهم لا يقتربون من الرؤية والفكرة المركزية، وهذا أيضا مرض المؤسسات


مراجعة الفكرة والمفكر والرؤية الأساسية:

هذا غالبا ما لا يحصل في الأحزاب والمؤسسات، وبالتالي مزيد من الفشل في طريق التقدم نحو الأهداف، فالمفكر قد يكون فكّر لظرف ما تغيّر ووضع الرؤية العامة ولكن عند التنفيذ حصل خلل أو التابعون له جمدوا ولم يجددوا.

وهذا من خلال الدراسة لا يحصل، بل يصمم العمل الانتخابي على تفكير سطحي والرؤية نفسها يصر عليها رغم عدم صلاحيتها للدولة، وقد تصلح لجوانب في الإنسان لكن ليس للدولة. أما المؤسسات فمراجعة فشلها قد يتطلب تغيير مدير عام أو وزير وربما النظام الذي يقوده حزب السلطة ككل، وهذا بطبيعة الحال من المحرمات، من أجل هذا نرى الرتابة والدوران حول الذات والتجديد يعني عمليا إعادة الفشل من جديد وبأفراد جدد.

خلاصة القول:

إن ما ذكرناه أعلاه خطأ بنيوي تخطئ به الأحزاب الرصينة وتضيع فرصة الإصلاح وتعادي نظم تمتلك قوة لوجستية، بدل أن تتعاون بشكل وآخر على تحسين أداء تلك النظم أو على الأقل الاشتغال على تحسين الشعب وإدراكه، ويرجعون التنفيذ وأين أخطأوا لجزئية كاستحصال أصوات في انتخابات، لكنهم لا يقتربون من الرؤية والفكرة المركزية، وهذا أيضا مرض المؤسسات.

القراءة على  عربي 21 اضغط هنا رجاء

السبت، 22 يوليو 2023

71 - التنظير والتفكير الاستراتيجي: انطباعات قاتلة (1-2)

 

 انطباعات قاتلة (1-2)

الثرثرة ليست تنظيرا:

الأحكام العامة هي داء في المجتمعات المتخلفة، لأنها لا تعتد بافتراض المصداقية عند الفرد فيحاول أن يبين أنه يمثل رأي الناس أو أكثرهم، أو المكانة الاجتماعية أو المكانة العلمية لدعم رأيه وإقناع الآخرين، غير منتبه إلى أن أكبر العلماء سقطت نظرياتهم التي اكتسبت الرصانة بمكتشفات أحدث منها.

التنظير من المصطلحات التي يستخدمها اليوم أشباه المثقفين لتسفيه رأي نخبة المثقفين، وهم ينجحون في إبعاد الناس عن تبني رأي ينفع الأمة وتضييع الجهد. لقد خسرنا كثيرا من الأفكار عندما يُصدر إنسان عادي أو مثقف أقل قدرة من مفكر حكما قاطعا مانعا محرجا بأن ما يقوله فلان هو تنظير، ويعني بذلك أمورا غير مفهومة ولا تطبق، ذلك لأنه يجهل معنى وأبعاد التفكير الاستراتيجي. وهكذا نجد أن في مراحل مهمة من عمر البلد أُلغي التخطيط كوزارة، وبالاستخفاف والتسفيه فقدنا كمّا من الأفكار كانت منطلقات لحلول بعقلية أصحاب القرار أو من أوكلوهم؛ فكانت مراكز الدراسات لا تعدو كونها ميدالية أو زهرة تزين سترة تشكيلاتهم التي لا ترتقي إلى تنظيم ناهيك عن حزب، بينما العالم يسير حثيثا مستندا على مخرجات هذه المراكز التي تضع الأفكار وتنسق لتهيئ للتخطيط المحكم (الاستراتيجي). وهنا يبدأ خلط آخر ما بين الاستراتيجية والتكتيك وبين الرقابة والمتابعة والعملية الكلية كموازنة وبين معادلة الميزانية، ولا يقصد هنا الجانب المالي فقط وإنما المعطيات والموارد.

التفكير الاستراتيجي والتخطيط المحكم:

التفكير الاستراتيجي هو تنظير في الموازنة لأنه ينظر إلى الأفكار المتاحة من خلال دراسة واقعها وقراءة الحاجة وبيئتها المحيطة، أما من يتحدث بارتجال وبالمفروض أن يكون من باب الانتقاد وعدم الرضا فهذا ليس تنظيرا بل تفكير متعدد الدرجات، يبدأ من التحسس ومحاولة الحل والانتهازية، وحتى التفكير النقدي، وهنا تظهر مشكلة الأمة في التحول نحو التفكير الفلسفي أو الاستراتيجي بالتسطيح والهروب من الجوهر.

فالتنظير إذن تحتاجه الأمة لأنه دفق فكري لكفاءة المنظومة العقلية البشرية، وهو من مخرجات موارد أي بلد إن دخل في التخطيط المحكم (الاستراتيجية) لذلك البلد.

الفرق بين التفكير الاستراتيجي والاستراتيجية التي باتت لا تقتصر على التخطيط العسكري والتي يمكن تعريبها إلى (التخطيط المحكم) هو أن التفكير يكون في مرحلة العصف الذهني لمواجهة أي مشكلة ومن أناس مختصين أو لهم اهتمام عميق بالموضوع، لكنه لا يبحث في التفاصيل، أما الاستراتيجية فهي تبحث في التفاصيل والآليات المتاحة والأدوات، وإمكانية توفيرها سواء محليا أو استيرادا وتحسب الجدوى الاقتصادية وتجري مفاضلة بين الجدوى وإلحاح الموضوع أو تغيير معاملات الجدوى لتأخذ في الاعتبار الحاجة للفكرة كقيمة عددية موجبة لصالح التنفيذ، والمشكلة الحقيقية عندنا هي استيعاب الذات المنفردة لذاتها ووضع الإنسان نفسه في الموضع الصحيح، أهو عالم أم متعلم؟ وأين أكون عالما وأين أكون متعلما؟ هل وأنا أحكم على الأشياء والأفكار مستوعب لها كتفاصيل ومآلات؟

عليه يمكن وضع التعريف للتفكير الاستراتيجي، أو التنظير كما يلي:

التفكير الاستراتيجي: هو مرحلتان؛ تنظير للكلية المستقبلية لا تلتفت إلى الخلف، تفاعلية، وهي أيضا منظومة تؤطر وتتفاعل وتتأمل وتستنتج. والمرونة سمة في التفكير الاستراتيجي لأنه لا يبني على ثوابت وإنما هو ما بعد الهدف لترسم خارطة النوايا التي نزمع القيام بها، وعندما يحين الوقت سنجد مجموعة كبيرة من مخرجات التفكير، وهنا تبدأ مرحلة تخطيط محكم لترشح الخيارات ويتم تبني أقربها لهذا الواقع كي نعبر من جديد لتخطيط مستقبلي.

 فالتفكير الاستراتيجي ليس هو ما يطرح من حوارات تعاد دوما وتلاحظها اليوم في مجموعات العالم الافتراضي والواتس؛ تغيب سنين لتعود وتجد نفس الأسئلة ونفس الأجوبة وكل يغرد على ليلاه ويرفض أن يرتقي بالتفكير إلى الصواب، وإنما يأخذ بفكرة الجهل المتغلب.

الأحزاب في عالم التفاهة:

اليوم وكما اعتاد الإعلام توصيف الأحزاب بأنها دكاكين، فهي محض مكاتب متقدمة لمصالح مبهمة لا علاقة لها بالدولة وبناء الدولة وإنما تفكر بالسلطة وتقاسمها لا الرؤية وكيف تنفذها، فهي تجمعات مصالح أفراد يضاف لبعضها صبغة أيديولوجية، وغالبا ما تكون محض صبغة وليس سمة تنعكس على السلوك، فهي تنقل اسما بلا قيم، ويتساوى بهذا العلمانيون (كما يسمون أنفسهم) والإسلاميون (كما يسمون أنفسهم). وهذا ليس في بلد هو من مخرجات الاحتلال كالعراق فقط بل في كل الدول التي تتمسح بالشرعية الديمقراطية، هذه الأحزاب عندها مراكز دراسات، ولكنها شكلية ليست مؤثثة بالمنظومات العقلية وإنما بمجموعة مداهنة لا تحل مشكلة تمتدح بعضها وتخرج بنتيجة واحدة: إننا على صواب وقيادتنا فذة ونظيفة وأن الشعب غير مؤهل وهو شعب فاسد، هذا في الغالب من أجل تبرير اغتصاب الحقوق وأهمها الأهلية التي تغتصبها الحكومات التي يحكمها طاغية أو دكتاتور، فهي سطحية لا تنتج بل تؤخر لأنها ستعتبر الشعب أو شرائح منه هي العدو وبالتالي لا تبني الأمة ولا تبني الدولة.

الأحزاب الحقيقية لديها رؤية وبرنامج يرتكز على التفكير الاستراتيجي والتخطيط المحكم ولديه فكر وأيديولوجيا، ومركز دراسات وتقويم وتأهيل، هذه الأحزاب تبني أناسا يسعون لقيم أخلاقية وخدمة عامة، وفقدان هذا التنظير الذي يُستهزئ به يجعل الأمة في تراجع وفساد وضحالة بسبب المتصدين للعمل السياسي، ويتحول المسؤول من أجير إلى باحث عن التربح ويتحول القانون لحماية المكاسب وجعلها في تشريعات.

المكاسب تجذب الانتهازيين والمستغلين وتبعد فرص الصادقين، ففي الغالب الطبقة المثقفة والعلماء وأصحاب الفكر أقل الناس قدرة على المماحكة والدفاع عن أنفسهم أمام الأساليب السوقية.

وسنتحدث بالجزء الثاني عن المراجعات.

للقراءة في   عـــــــربي 21

الجمعة، 14 يوليو 2023

70 - مسارات في الحرية والشريعة والحياة

 

الحرية والدعاة

أن تنادي بالحرية فهذا لا يعني أنك تفهم ما تنادي أو أنك تعلن قدرتك على تحمل مسؤولية حريتك، لذا فمعظم منتقدي التغيير والإصلاح مستلذون بالعبودية وانتقادهم للعبودية نفسها، ليسوا جادين بكرهها بل هم إلى ملاطفة القيد أقرب لأنها ترفع عنهم مسؤولية فشلهم، كذلك الطغاة أنفسهم والهادفون إلى أطماع سوداء يهمهم تعطيل أولو الحصافة؛ فهؤلاء يشكلون بارتقائهم عملاقا ماردا ولو كانوا هزيلي الجسم لا يجيدون تصويب بندقية صيد ليصطادوا أرنبا أو ليقتلوا أسدا، ولكن بالمقابل لن يخيف الطغاة من يحمل السلاح وهو يصوب بعيون تتصل بدماغ لا يعمل إلا في طلب حاجاته وغرائزه كأي من خلق الله.

الشريعة والحياة

إن حق الحياة يوجب تمام الأهلية، وهي الحرية المدعومة تكريم الخالق لخلقه وتوجيه الحياة من الاستعباد للشهوات رغم أهمية سدها كحاجات وإشباعها كغرائز/ لكن وفق ما تمليه معايير الأخلاق والشريعة. وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن الشريعة هي شريعة الكتاب التي هي مثاني وثوابت، وليست الشريعة المصطلح عليها في اليهودية، فالمنزل في اليهودية هي الوصايا وكانت دفعة واحدة أما الأحكام فهي أتت من المسيرة لبني إسرائيل واعتبرت شريعة ثبتت عندها الحياة فلا تصلح لزمان آخر.

وهذا ما يجعل الباحثين يخطئون في توصيف الاجتهاد على أنه شريعة في الإسلام وهو ليس كذلك وإنما قراءة من علماء عصر لعصرهم، لأن شريعة الإسلام في القرآن، وأن المثاني هي آلية تكييفها لتكون صالحة عبر الزمكان، فقد تكون متباينة وفق المكان في زمان واحد وهي بالتأكيد متباينة وفق الزمان في كل مكان، فهي اجتهاد آدمي من النص الإلهي. هذا الفهم يجعلنا ننظر بعمق إلى التراث وما يمكن أن نفيد منه لأنه ما خلا النص فهو اجتهاد بشري يؤخذ منه أو لا يؤخذ لأنه قد يكون ناجحا في عصره وزمنه لكن لا يناسب عصرنا وزمننا وتقييد ذلك سيؤدي إلى تحجيم فاعلية المثاني، فلا بد أن نعود إلى استقراء الواقع لاستنباط ما يفيد هذا الواقع بدل نقل تجارب أقوام أخرى وإسقاط سلبيات تاريخهم على واقعنا الذي لم يمر بذات الدورة التاريخية.

القوانين قراءة العصر للنص

إن نقلنا من عصور أخرى ما فهمه السلف الصالح وهو فهم لعصرهم، فإننا نأتي بقالب على واقع تغير ولم تعد مخرجات فهمهم إلا منبع تصادم إن لم نستعن بها لفهم جديد، في ذات الوقت قد يُتهم المصلحون بالنفاق فما فوقه إن نُقل الفهم القديم على واقع ليس له صلة به، بل إن الإصرار على هذا هو تبديد لفرص نهضة إسلامية جديدة عندما نصر أن نستدعي الماضي بأحكامه وتفسيراته ومشاكله بل بأحداثه التاريخية ومعالجات السلف لعادات وتقاليد قبلية جاهلية.

الطغيان ليس طغيان الحاكم فقط وإنما طغيان من يتمسك بأحادية النظرة ويقدس التراث البشري ويساويه بكلام الله وأشخاصه بالأنبياء. الطغيان أن يتعالى الجهل فتعيش بمشاكل التاريخ وتتغلف بالتخلف والتدني القيمي والسلوكي بحيث تنتقص من الآدمية، الطغيان أن تسود قاعدة ولاية المتغلب وهي مخالفة للشورى وإنما تماهت عند فقهاء عصرهم لسد ضعف وتهاوي حكم الملوك كما فعل الفرّاء والماوردي في كتب بعضها لا تكاد تميز من هو المؤلف، وهكذا أعقبهم البقية من العلماء وبأشكال كل بحسب ظرفه، فمن ولاية قريش إلى تغلب كما تغلب الأمويين إلى ولاية الشوكة وولاية المتغلب عسكريا لتسويغ التغلب كحل لفتنة نعيشها اليوم بأبشع صورها. وهنا تصبح الشورى وأهلية الناس أماني، كذلك المواطن نفسه يستسيغ أن لا دور له في إقلاق حياته، كل ما يتطلب منه أن يغلق تجارته إلى أن يستقر الأمر فيخرج إليها وكأن لا شيء حصل، أما اليوم فيهرب برأس ماله وأهله إلى حيث يستأنف حياته كيفما يحب فلا استقرار ولا دولة.

هذا الأمر أثلم الإسلام والأديان التي تعيش معه، فقد أصبح لا شيء يهم، ورضا بعبودية المتغلب على حرية تضعك أمام تضحية مطلوبة لاستقرار الحياة والمشاركة في بناء مدنية تتسارع وتطغى أيضا لأنها لا تقاد بعقلية حضارية لا يفهمها أهلها، وهم في تيه عنها فتاه العالم نتيجة هذا التخلي والكسل ومقاومة النخب والمنظومات العقلية المنتجة، فكان واقعنا نحن يقوده الانطباع الذي ولّدته تسميات الانتساب إلى الإسلام، في حين لم يسم الرسول دولته باسم الإسلام ولا الصحابة فعلوا ولا الأمويون ولا غيرهم من الملوك والسلاطين.

ما المغزى من هذا الكلام؟

* أننا في حالة انحدار حضاري وتخلف مدني كما الغرب في غياب حضاري فكري وأن القيمة الوحيدة عند الغرب هي النفعية التي تولد تطبع السلوكية، ونحن نرى كيف تتهاوى المدنية كنمط مع تداعي الأسس التي لم تعد قادرة على حمايتها، فالكل إذن في منظومة تنمية التخلف العالمية.

* أن هنالك جهازا معرفيا يحتاج إلى إصلاح، به تراكمات وزوايا تخرج للواقع عناكب من نوع الأم الحنون.

* أن هنالك جهازا معرفيا في الغرب مليء بالمغالطات والانطباعات حول الإسلام ويقيسه بمن ينتمون للإسلام في الهوية الشخصية ومنطق التحشيد المتوارث عن الحروب الصليبية.

* هذه الأمور المهمة تحتاج إلى دعم لإنشاء مراكز للدراسات تنتج أدبيات وتقيم محاضرات وتنتج برامج وأفلام وبلغات متعددة، فالعالم متقارب والظلم من القوي للضعيف اضحى سلوكا، وهذا يقع على الدول المتمكنة ماديا من بلاد المسلمين، فالإسلام وإن تمكن قوة فطريق انتشاره ليس كما في السابق وإنما فهمه عن طريق إدارة الميديا بحصافة لنعيش جميعا بسلام نفهم بعضنا، فليس بالضرورة أن نكون متجاوزين المنطق القرآني الذي يقول إن المؤمنين أقلية وأن الاختلاف من سنن الكون، وكذلك التعارف والأمران ليس واحد فالتعارف بين المختلفين رحمة، والتطابق التام سلبا أو إيجابا هو من معالم انتهاء الحياة ونحن نرى الغليان، آملين أن لا يكون الانفجار العظيم.

تابع الرابط الى عربي 21

السبت، 8 يوليو 2023

69 - الابراهيمية ورسالة الرسل




فهم الناس للأديان وتحول الرعوية إلى مفهوم التبعية وربما الاستعباد والتقديس للأفراد جنح بهذه النخب التي استسلمت لأهوائها الناس كموروث أو جهلا، وبلغ التقديس درجة التأليه العملي لهذه الناس التي تنزه عن نواقص الآدمية وما هي كذلك، الجهاز المعرفي هنا تتضارب أركانه وتختل الثوابت، عندما يحدثك النص عن العلاقة المباشرة مع الله ويحدثك النخب انهم وسطاء،  وعندما يقول القرآن إن اسمكم المسلمون وأنكم أمة واحدة ثم تسمى الناس بأسماء متعددة وانتماءات متضاربة وتكون أمم بتأكيد النخب استخفافا للناس أو طمعا بدنيا يغلب اليقين بالحق وهكذا سنجد تركيزا لفاعلية النخب في إبقاء حالة التجهيل بينما الله جل وعلا يدعو الناس للعلم والمعرفة واستنهاض قابلية الآدمية وإبداعها، ورغم هذا تجد إنسانا يحمل شهادات عليا ومن علماء عصره يخضع بقدسية إلى إنسان يفترض انه يعلمه دينه لكنه جاهل في العلمين، تجده عالما في علم الأحياء المجهرية يغسل أو يشرب ما يطرحه حيوان من بول أو روث، أو ماء آسن قد يكون من دورة مياه يتبارك به وينسى علمه وإن للعلم ولاية المعروف وهي ليست سلطة تستوجب الخضوع وإنما طاعة ما.

الإبراهيمية فكرة لا أساس لها:

الديانات مما نعلم ومما لا نعلم هي مصدرها واحد ما خلى التي نبعت من غريزة التدين عند الناس البدائيين أو تلك التي لا يعلم اصلها حقا مثل الديانات الوثنية الشرقية وهي بالمئات، منها لها اصل توحيدي ومنها لا اصل لها وإنما تشعبات مع الزمن تخاطب مخاوف وغرائز وحاجات الناس والتشبث بدافع الأمل في الذهن والعجز واقع الحال فتنحرف عن اصلها إلى ما يتجاوب ومحاولة التعايش مع العجز والمشاكل بخلق الوهم ودعمه بالنصوص أو الحِكَم، فالله عز وجل قدر الأرزاق في الأرض وسن قوانين الحياة والإنسان مكلف بالسلالة وعمارة الأرض، فهو مسخر له مسعاه في أنواع الرزق بعدل الله سواء رزق مادي أو رزق معنوي ولا تجتمع كل مجامع الرزق عند بشر وإنما تتوازن بالرضا، هذا المعيار المستمد من منطق الوجود يحدد مهمتك، وان تميزك للحق والصواب وإدارة الغرائز والحاجات وإبداع الأفكار واكتشاف الأشياء من خلال التجارب العلمية مع فهم القيم والأخلاق ومعاني الرسالة أيا كانت هو اختبار لمنظومة العقل.

فالديانات المعروفة هي اليهودية وهي بموسى من سلالة إبراهيم، والمسيحية وهي برسالة عيسى وهو ليس من صلب آدم وإنما خلقه خاص بروح (امر) خاص كما خلق آدم من تراب ثم قال له كن فكان، فلا تعتبر المسيحية منسوبة لسلالة إبراهيم، وأما الإسلام فهو من محمد وهو من سلالة إبراهيم، ولا علاقة لهذا النسب بتمييز ما، فبني إسرائيل الأوائل كافرهم ومؤمنهم كما موسى فالسامري وقارون من ذرية إبراهيم، وقبائل العرب المستعربة ومنها الرسول محمد من ذرية إبراهيم كما أبا جهل وأبا لهب وسائر كفار العرب من سلالة إبراهيم وكانوا يدينون بالوثنية وعبادة الأصنام، فهل عبادة الأصنام ديانة إبراهيمية، فالمسالة ليست السلالة وإنما الرسالة وفكرة الرسالة.

هذه الديانات متعددة الميزات لكن لها دعوة واحدة ومناهج وأغراض متعددة وليست متصادمة لو دققنا، لكنها لا تتفق بمراكز مهمة إلا إذا تحولت إلى أحدها، الإسلام كلمة شاملة كتوحيد ولكل منهاجه والإبراهيمية فكرة أحادية النظرة لا تتفق والإسلام القابل لخيارات الإنسان وأهليته ولا تتفق والمسيحية التي لها نظرة خاصة بالخلاص، ولا اليهودية التي لها ثقافة خاصة بالمعاملات والعيش، فالإبراهيمية دعوة سفسطائية لا اصل لها وإنما يراد منه تحويل الكل إلى نسب بشري قد يؤدي إلى الفوضى والإلحاد وتفكك المجتمعات بلا شريعة واضحة ومحددات سلوكية وأخلاقية.

اليهودية شريعة دين، وكانت صالحة لإدارة الحياة في زمنها لكن ليس فيها اجتهاد وقيدت أحكامها زمكانيا لكثرة الأسئلة فكانت أمة (اذبحوا بقرة) وكان ممكنا بهذا أن يذبحوا أي بقرة، لكن كثرة أسئلتهم جعلتها بقرة محددة، أما المسيحية فهي دين يتعامل مع التدين وينفي أن يكون له شريعة، وأما الإسلام فهو دين وشريعة؛ القرآن مثاني تفتح عبر العصور ويملك آلية التجديد (أمة اقرأ)، بيد أن نشوء المؤسسة الدينية وتعاظم تأثيرها، أفقد الأمة المرونة لتتصلب أمما.

الديانة الإبراهيمية المزعومة ضد طبيعة البشر التي ولدت فئات متضاربة بدين مفصّل لاتباعه كاليهودية، ومعرّف بدقة كالإسلام، واجتهدت الناس في الكينونة والمقدس واتجهت إلى فلسفة الأقانيم ودرجة القداسة لإثبات رؤية كل مجتهد كالمسيحية، وما نراه من المسلمين اليوم عجب العجاب وتسطيح رهيب للمنظومة العقلية الآدمية.... فالديانات الثلاث بفروعها ومذهبها، ليست واحدة بشرائعها رغم أن أصلها واحد هو الدعوة إلى التوحيد لله، ما بين شرائع أصولية وشرائع تتجدد بالفهم عبر الزمن وهذا أيضا لم يحصل عند المسلمين فبقت الناس تستحضر الماضي وتعيش أحداثه وبهذا غابت عن الواقع، الإبراهيمية نوع من الجمود بالفكرة وأحادية النظرة وتريد شيئا واحدا في عالم يتطور ويختلف ويلتئم وتتجاهل أن هنالك مئات الأديان الأخرى التي تفوق الديانات الثلاث مجتمعة في العدد، وتريد حصر الدين بطقوس لاتسمن ولا تغني من جوع وتعمق إيقاف الزمن، وتثبيت لرفض التنوع والاختيار، أي تلغي المنظومة العقلية ليكون التدين لإشباع الغريزة بدل الدين الذي يكون الثقافة والشخصية،  فهي ليست وسيلة تتناسب مع إرادة الله في اختبار منظومة الإنسان العقلية وامتلاكها أهليتها خياراتها وإنما استعباده من خلال فكرة وما تتفرع إليه وأهداف موجودة أو تستحدث هكذا دين واستقطاب باطل يحجب الهداية من أمم تفوق اتباع المناهج الثلاث لليهودية والمسيحية والإسلام، وهم بمجموعهم لا يشكلون نصف البشرية عددا كانتماء وواقعا اقل من هذا بكثير.

الحجاب في كل الأديان:

اليهودية كانت ومازالت تركز عل حشمة المرأة وملابسها جلباب اسود ونقاب وهو ما يرتديه المسلمون من السلفية، وهو ذاته بلا برقع ملابس المسيحيين لبداية القرن العشرين وظهور نظرية فرويد في الكبت وتأثيره السلوكي والتي مازالت فاعلة رغم أن المرأة البريطانية آنذاك لو عرضت عليها صورة ما يُلبس الآن، لما توانت بوصفه بأبشع الوصف، ولا شك أن ملابس السيدة مريم العذراء بتماثيلها تؤكد أنها كانت محجبة، وحصر الهيأة بدور العبادة هو إطاعة لفرويد ونسيان لما امر به كل دين وفق فهم الناس وسلوكها.

والآخر مع الفطرة

هنالك حراكان عمليا، أحدهما يعمل ضد الفطرة البشرية ويشيع الشذوذ ابتدأ بالملابس لكل جنس إلى العقائد اليوم وتغيير جنس الإنسان والاعتداء على الطفولة والبراءة، وهذا ليس أمرا غير منطقي فهو منطقي جدا في تعريف الدولة الحديثة التي هي بديل الاله بالطاعة وتتعامل مع الأفراد وليس الأسرة، وتعاظم الليبرالية الجديدة التي تهتم بالمتعة والخيارات التي تحرر الكبت حسب زعمهم ووفق ما سمعنا من شاذ التوصيف وهذا ما لا يتسع له فقرة في مقال.

رابـــــــــــــــــط عــــــــــربي 21    انقر هنا


101 - امـــــــة الزومبي

رابط عــــــ21ـــــــربي من عبادة الأصنام إلى عبادة الأعلام ملاحظات تحمل ألما أظهره باستحياء من أمه الزومبي، لمحة من سلبيات تحتاج حل لنحيا: ...