السبت، 24 فبراير 2024

94 -حرب القرم ما بين الحتمية والمصداقية / ج2 او حرب اوكرانيا في عامها الثاني

 

رابـــــــــــــــــــ عربي 21 ــــــــط                                                         رابط الزمان الدوليـــــــــــــــة

رابط الشبكة مباشـــــــــــــر



"حرب القرم بين المصداقية والعدمية"

هذا عنوان مقال تحدث استشرافا عن حرب القرم تصادف نشره يوم 24 شباط/ فبراير 2022، وهو التاريخ الذي دخلت فيه القوات الروسية إلى أوكرانيا، وقلنا فيه إن القوات الروسية ستتوقف في ضواحي كييف لتبدأ مفاوضات يفترض أن تقود لحل، أو أن هنالك حالة صفرية تتفاقم لتمتلك القرار؛ الذي قد يؤدي إلى حرب عالمية لا تكون تقليدية، واستمر الحال حتى أوضحه لقاء الرئيس بوتين مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون، فقد بيّن اللقاء كثيرا من الأمور التي أزالت غموضا يسمح بتفسير الماضي واستشراف الحدث في المستقبل.

روسيا مدركة لدورها الوظيفي على مضض

من الواضح أن هنالك خيبة أمل روسية من حالة الجفاء الاستراتيجي التي يقابل بها الروس كلما حاولوا التقارب مع الغرب، باعتبارهم وريث الاتحاد السوفييتي لكن بلا شيوعية، وهذا التبرؤ من الشيوعية كان واضحا في حديث السيد بوتين بأنه كان بنيّة حياة جديدة تفتح التفاهم والغرب وليس للتخلي عن القطبية، من خلال استعراضه للقاءاته مع الرؤساء الأمريكيين وطرحه إنشاء منظومات دفاعية شرقية وغربية؛ لكنهم بدوا أنهم ليسوا صناع السياسة الأمريكية أو لهم القدرة على تنفيذ رؤيتهم الخاصة في هذا الاتجاه. وهو سيف ذو حدين، فمن ناحية أنه عمل مؤسساتي استراتيجي (دولة ودولة عميقة)، ومن ناحية أخرى أن الحديث مع الرؤساء ليس للخروج بقرارات ناجعة أو مصيرية في العلاقات الدولية أو بناء الاستراتيجيات، وإنما على من يطرح أمرا ألاّ يتفاءل بالجواب الفوري بل ينتظر اللقاء التالي أو الرسالة ما بعد اللقاء الأول.

أدرك يلتسين وبعده بوتين أن الأمر يتطلب أكثر من وراثة رسمية لمكانة الاتحاد السوفييتي، فهذه الدولة تحتاج أن تكون قوة اقتصادية وصناعية بلا كوابيس أو مفاجآت، لكن العقيدة السبرطية الأمريكية ترى أن انحلال الاتحاد السوفييتي ليس لأنه يريد حياة جديدة تعتمد على السوق والصناعة وإنما خسر المطاولة وركع فعليه الخضوع الأبدي أو العقاب.

روسيا كانت تفكر بتقاسم العالم بين محورين، لكن روسيا ليست لهذا الدور إطلاقا وطموح بوتين ليس من استراتيجية الولايات المتحدة وإنما في التكتيك كدوره في سوريا أو ربما العراق أو غيرهما، كفاعل وليس كقطب دولي، فالأمريكيون لا يفكرون في تقاسم العالم أو العمل معا بتنسيق عسكري استراتيجي


ما يريده بوتين من تعاون ليس ممكنا. ما السبب؟ الصين دعمها الغرب بخطوط صناعات فاتكل عليها بدل أن يأسرها. فقد كانت الغاية لتسوير الاتحاد السوفييتي بالحلفاء بكل الوسائل التقنية؛ وربما لم يبق من هذا السور إلا الهند (التي تتجه إلى محور أمريكا بعد أن كانت تمسك العصا من وسطها) وكوريا الجنوبية؛ بيد أن الصين لم تك أداة لضرب الاتحاد السوفييتي وإنما استفادت الصين لبناء الدولة التي نراها اليوم، وقد بنت اقتصادا ضاربا وقوة عالمية منافسة مستقلة غير مضمون الصراع معها، وهي لا تريد الصراع واللعب باستقرار نسبي لمليار ونصف إنسان أو يزيد، لكن الغرب لا ينوي تكرار الخطأ مع روسيا.

لم يفكر الأمريكيون بإقامة علاقات رباعية بينهم وأوروبا والصين وروسيا، فهذا سيؤثر على المنافسة الحرة في السوق الرئيس وهو الدول المتخلفة، وهي طبيعة النظام الرأسمالي الصناعي، ولهذا فان البقاء يعني سلطة القوة، والولايات المتحدة سلطتها هي القوة العسكرية التي تحمي الدولار الذي هو عمليا المسيطر على الاقتصاد، لكن الدولار كما قال بوتين يدخل المعركة اليوم بدون تفكير بعيد المدى أو يستقي تجربة الحرب، وهذا سيجعله معرضا للإبدال كما حصل بإبدال الدولار بالروبل فارتقى الاقتصاد رغم الحرب.

إثارة القلق ودعم المتمردين ودعم أوكرانيا الآن يعد مشكلة هي مصلحة عند الأمريكان. الصين وكوريا الشمالية تراقبان الحدث لكن لن يكون من صالحهما تلاشي روسيا كقطب دولي وإن كان وهميا كما هي حقيقة تصميم وجوده، لذا فإن كسر العظم مسألة تحتاج نظرا عميقا.

تقاسم العالم

روسيا كانت تفكر بتقاسم العالم بين محورين، لكن روسيا ليست لهذا الدور إطلاقا وطموح بوتين ليس من استراتيجية الولايات المتحدة وإنما في التكتيك كدوره في سوريا أو ربما العراق أو غيرهما، كفاعل وليس كقطب دولي، فالأمريكيون لا يفكرون في تقاسم العالم أو العمل معا بتنسيق عسكري استراتيجي كبناء سلاح، أو الاتحاد بحلف عسكري، أو التفاهم حول النفوذ في أسواق التكنولوجيا والتقنيات. وهذه النقطة غير حقيقية في التفكير الأمريكي ويمكن أن يناور بها الروس لإسقاط عوامل القوة كالهند وحكومتها المتجهة نحو الأمريكان، أو التفكير بالتكامل الصناعي مع الصين ودول نامية مؤهلة لاستقبال التقنيات كالسعودية، ويمكن أن تحمي روسيا أجواءها لتفريغ منتجات المعامل الإلكترونية، لكن هذا لا يأتي بيوم وليلة، الدول النفطية ما زالت متمسكة بالدولار ولا نية عندها لاستخدام عملة خاصة لبيع واستيراد أو أية معاملات تجارية والعالم، فبالتالي ما زالت كما كانت دائما كفة الولايات المتحدة وجناحها الأطلسي مسيطرا على الساحة لأي حدث.

مآل حرب القرم

بعد أن اقتنع بوتين بسحب قواته من محيط كييف للبدء بتفاوض يحفظ كرامة كييف أسقطت كل الاتفاقات الشفوية معه، أو هكذا قال؛ هنالك جرح وإحساس بالاستهانة، وان كان حاليا يوازن اقتصاده وما تستنزفه الحرب، وجمود الحالة ككل، فإن صراع القوى والنفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا سيجعل الأطراف أمام "حلول صفرية" 

الوضع ربما أكثر ميلا لحرب شاملة مع اختلاف اللغة التقليدي بين الشرق والغرب، لأن بوتين في زاوية ميتة وقد استنفد الأمل بقبول الغرب الأمر الواقع ويريدون منه الاستسلام والخضوع له، وهذا مستحيل

بعد هذه المدة من "الحالة الصفرية" وبلا حلول. وربما لا يبقى أمام بوتين إلا خيارات محدودة؛ الضغط على زر حرب نووية غير معلومة لمن ستحسم وكيف ستحسم مع الأسلحة المتطورة وبعضها دون شك نجهله (وهذا احتمال جدي يتجاهله الغرب)، أو انه سيصل إلى مفترق طرق للتفاوض على إبقاء منفذ على البحر الأسود وربما يعزز سيعزز سيطرته على جنوب أوكرانيا في الفترة القادمة استعدادا لمفاوضات.

أما الانسحاب إلى داخل روسيا وهذا مستبعد جدا إلا بغياب بوتين نفسه ووعود ألا يترتب على روسيا أي عواقب أو متابعة عسكرية أو قانونية، فإن هذا كرد فعل سيؤدي لاندثار روسيا تماما باستسلام خفي، وهذا يعرفه من حول بوتين. وربما تغييب بوتين يحتاج بدائل واحتمالات منها احتياط لمنع تفكك روسيا بعملية جراحية.

الوضع ربما أكثر ميلا لحرب شاملة مع اختلاف اللغة التقليدي بين الشرق والغرب، لأن بوتين في زاوية ميتة وقد استنفد الأمل بقبول الغرب الأمر الواقع ويريدون منه الاستسلام والخضوع له، وهذا مستحيل.

الحل الأمثل أن يعطى بوتين منفذا على البحر الأسود (القرم)، وأن تعتبر أوكرانيا بلدا محايدا ومعترفا بتقاربه مع الروس.

السبت، 17 فبراير 2024

93- ازدحام بلا نظام

 





رابط العــ 21 ـــربي

في منظومة تنمية التخلف يكون المبدع غريبا في قومه، ولعل هذا ذكرني بمالك بن نبي الذي استخدم كلمة التكديس في تقليد مؤسسات للدول الغربية عندنا، واستحضار تفاصيل مؤسساتها التي أنشئت لحاجتها هي.

الأصل بالحكومة والسلطة هي عقد اجتماعي ليقوم بعض الناس من الناس أنفسهم برعاية مصالح المجتمع نيابة عنهم وتطبيق القوانين المتفق عليها بينهم، وهذه تنشأ تدريجيا ولا تأتي كحزمة واحدة من قائد مجموعة صيد أو غزو.. إلى أن نصل لعلاقات خارجية وداخلية ومراكز دراسات وغيرها، فالأمم التي تقدمت بنت حسب الحاجة، أنشأت كليات لتدريس ما يحتاجه اقتصادها، ووضعت مراكز دراسات تقرر نوع وعدد المطلوب لها في مرحلة زمنية بالسنين وتبعا للسوق، لكن الأمر مدروس والكوادر تخرج إلى مهامها.

كذلك الأحزاب أتت لتعبر عن أيديولوجيا أو وجهة نظر اجتماعية أو سياسية أو إدارة الأولويات، ولها برامج تعرض على الجمهور فيكون انتخابها كاستفتاء ضمني على برامجها. وعادة ما تكون حزبين أو ثلاثة.

الأمم التي تقدمت بنت حسب الحاجة، أنشأت كليات لتدريس ما يحتاجه اقتصادها، ووضعت مراكز دراسات تقرر نوع وعدد المطلوب لها في مرحلة زمنية بالسنين وتبعا للسوق، لكن الأمر مدروس والكوادر تخرج إلى مهامها


هياكل لا نحتاجها

أما في البلدان المتخلفة، فقد نقلت الهيكليات دون الحاجة لوظيفتها، فمثلا ما حاجتك لمركز دراسات صناعية وأنت لا تصنع، وبحوث زراعية وأنت لا تزرع، ومجالس محلية وبرلمان وأنت تقودك العشيرة أو "الرجل الفذ" أو الطفيلي؟.. ثم مع الانفتاح تجد عشرات ومئات الأحزاب بلا أيديولوجيا أو مشروع؛ متصارعة على السلطة والمال لا الإنتاج ولا مشاريع الإنماء؛ فليس هنالك منطق دولة للاختلاف، هذا التكديس التجميلي كعمليات التجميل الفاشلة التي تشوه وجها كان جميلا، وعندما تريد أن تثبت نفسها فستكون كأثاث يعترض الطريق يخفف سرعة الحركة أو يتعثر به المشغول وهنا تنشأ الفوضى في الحلول.

الوظيفة المفقودة

إذن الوظيفة مفقودة، لكن المال موجود فتتخم الدولة بعناوين لا فائدة منها ولا عمل حقيقيا، وعندما تتعاظم الأعداد في مدارس وجامعات "استثمارية" بلا تخطيط وتنمية مقابلة تتخلص من البطالة العملية أو المقنعة، هذا سيجعل التعليم كيفيا وليس برؤية تنموية، فيتجهون للاختصاص الأعلى راتبا، وينزح الشباب من القرى لتصطدم بدولة متخمة لم تعد قادرة على المزيد من العمالة بدون عمل.

فمن درس في الجامعة لم يعد بإمكانه أن يعود مزارعا أو سائق أجرة أو صباغ أحذية وهو مقتنع، وإنما تأهيله لسوق عمل وهمية؛ هكذا وطّن نفسه يدرس من أجل الرزق بالوظيفة، وهنا تبدأ الاضطرابات والانتفاضات، وبدل أن تكون هذه كناقوس يدق عاليا بضرورة إعادة تنظيم الدولة إداريا وبطرق علمية وتوظيف حقيقي للموارد البشرية، يُتهم هؤلاء الشباب بأنهم أتباع لهذا الطرف أو ذاك وأنهم يتآمرون ضد الحالة التي يراها من في السلطة مثالية، فلا يشعر بحرارة الصحراء في منتصف تموز إلا من غادر خيمته المكيفة.

بقاء الحال يهدد أي نظام مهما كانت أدوات أمنه، فلا بد أن تعالج ظواهر العمل في توظيف الموارد البشرية ليس بمجرد التوظيف وإنما إدخالها في سوق العمل من خلال تنظيمها في مجموعات عمل تتنافس على التنفيذ ويُحكم على نوعية مخرجاتها؛ إلى أن تندمج هذه المجموعات لتكون شركات كبيرة تنافس الدولة في التوظيف بعد زمن، ولكن هذا يحتاج دراسة وتخطيطا حقيقيا ونوعيا، فمجموعات العمل التخصصي مهمة في التوسع لأسواق خارج الحدود القُطرية.

كيف ولماذا تبنى المؤسسات؟

المؤسسات لا تبنى لأنها هياكل في دول متقدمة، الأصل في الهياكل هو المهمة وليس الهيكل يخلق المهمة؛ المهام بالتخطيط والموازنة، فإيجاد هياكل إدارية أو مجالس أو أية مسميات لمجرد وجودها في بلدان متقدمة صناعية ومتقدمة لا يعني أن هذا سيخلق تنمية بل سيخنق التنمية لأنها أجهزة ستكون منفذا لتبديد الأموال في وظائف غير ضرورية، كما أنها بيئة للفساد عندما لا يكون هدفها الخدمات


المؤسسات لا تبنى لأنها هياكل في دول متقدمة، الأصل في الهياكل هو المهمة وليس الهيكل يخلق المهمة؛ المهام بالتخطيط والموازنة، فإيجاد هياكل إدارية أو مجالس أو أية مسميات لمجرد وجودها في بلدان متقدمة صناعية ومتقدمة لا يعني أن هذا سيخلق تنمية بل سيخنق التنمية لأنها أجهزة ستكون منفذا لتبديد الأموال في وظائف غير ضرورية، كما أنها بيئة للفساد عندما لا يكون هدفها الخدمات التي أصلا لم تصل لدرجة الحاجة لهذه الهياكل وأنها تقدم فعلا للمواطن.

وهنا يأتي دور مراكز الدراسات في الدولة والشركات، فهي مهمة لتحشيد الخبرة والكفاءات ورسم السياسات والاقتصاد ومعالجة الإخفاقات ونقاط الضعف والتداعيات في المجتمع والسياسات والابتكارات والعلوم، وعملها طويل زمنيا وربما إن لم توظف الكفاءات بدعم عال جدا فإن مخرجاتها قد تكون متأخرة عن تقدم التفكك والانحلال.

فالمؤسسات تبنى كأدوات تنفيدية لما خُطط له، وقد تعتمد مؤسسات الدولة في إنشائها أو تنشئ مجموعات تمتهن اختصاصات معينة قابلة للمناورة في القطاع الخاص وتساعد الحكومة من خلال تعاقدها مع شركات الخبرة الأجنبية لتنفيد الأعمال، وهذا يعني أنها ستدرب كوادر محلية تتولى العمل مستقبلا.

لا بد للدراسات أن تعالج أيضا المسألة الأيديولوجية المفقودة أعماقها، واستكشافها وتوظيفها للرقي المجتمعي، وهذا مهم لتنشئة المدنية دون جنوح، لترتبط بالقيم والهوية.

إن تكديس المؤسسات مثله كمثل الأثاث الزائد يعيق الحركة فيتم التخلص منه إما برميه أو وضعه في مخزن القديم، فلا بد من إعادة النظر من العقلاء.

السبت، 3 فبراير 2024

92 - نواقيس في عالم النسيان



رابط الزمان


نواقيس في عالم النسيان – محمد صالح البدراني 

نواقيس في عالم النسيان – محمد صالح البدراني

في منطقة شعبية عشنا وما زالت أحب بقاع الأرض رغم أنها هدمت كأحد ضحايا طغيان الحمق وسقم التفكير الذي خلط الأوراق في بلد عظيم فعلا كالعراق، بيد انه باع ذكاءه وفعل ما رفض فعله الصبي في قصة حكمة متناقلة في التراث تقول (قيل لصبي ذكي أتعطينا ذكاءك ونعطيك ألف درهم؟ فقال: إن أعطيتكم ذكائي سيبقى حمقي فأضيع الألف درهم بحمقي ويبقى لي حمقي فكأني استبدلت ذكاء بحمق) كنا أطفالا بأعراف أخرى ومجتمع متداخل دون تصنع نسمع ونرى كل شيء بشفافية، حكى لنا كهلا قصه حبه عندما كان شابا وفتاة أحبها ترسل له رسالة تفارقه؛ بها لحن كانت النفوس تطرب لسجعه وهي عفوية لن يتخيلها ما تلا الجيل لتغير النفسية فقالت له في رسالة لا جواب لها حتما (…وستبقى في الذاكرة كناقوس يدق في عالم النسيان فوداعا وداعا يا إحسان).

أحلام أهلنا لمستقبلهم كحب إحسان نراهم يعيشون الصدمة وقد تغيرت طباعهم وتاهوا عن الفعل والقرار كجيش محاصر بلا لوجستيات وانقطعت عنه المؤنة والعتاد؛ ذاك الحب الذي أنتج الأفكار عندما ساء وضع البلد لكن يبقى عنوان الحب محكوما بهيمنة التخلف والانا التي لا تستوعب شيئا كي تخطط للمستقبل فتبقى المشاريع والآمال كنواقيس تدق في عالم النسيان وتقول وداعا فوداعا يا إنسان.

ويبقى دوار الملاچ والسرگال والفلاح بمتعدد أشكاله يتكرر بجدلية وظائف الرقابة العثمانية للسوق السرسرية والشلايتية فالأمر لا يحل إلا بنقاء الضمير والا ما يولد القناعة عند حكام أفريقيا بالبقاء عبيدًا موظفين على ثروات بلادهم ليتمتع المحتل السابق للبلاد بالثروات بينما الشعب الذي يسوده هو والمسئول عنه جائع يتلظى بعذاب العَوَز بأقسى أنواع العوز وكان هنالك قناعة بالعبودية والتبعية بانها حقيقتهم بل يدافعون عنها وتعتبر إهانة لهم إن مس احد أسيادهم بكلمة وهم انفسهم سادة البلد لو تمردوا على سيدهم الأوربي لما وجدوا إلا الدعم من شعوبهم التي يمارسون عليها مهمة الجبناء وهي الأقسى فالعبد دوما اقسى من سيده عندما ينفد أوامره على أقرانه.

دولة متوقعة

الله عز وجل جعل أقدار الأرض بمقادير دقيقة وحساب دقيق وبما يمكن للإنسان من استثماره مع استهلاكه لينتج بمنظومته العقلية البدائل، وكل ما نراه من عذابات بعض الأمم وترف بطر من أمم يدل على أن الإنسان والآدمية ليست ناجحة في تحقيق الغاية من وجودها، فليست الثروات من حق هذا الجيل بل واجب هذا الجيل استثمارها لتقديم بدائل للجيل التالي وتطوير المدنية والآليات لمقاومة المتغيرات والمستحدثات والإبقاء على الحياة الآدمية مع تعاظم أعدادها وتنوع حاجاتها ومتطلباتها.

لم يجعل الله اقدار الثروات الطبيعية لتسرق ويترف ترفا البعض ويجوع الآخر أو تأتي أجيال تعاني من الماء والكهرباء وحتى وقود التدفئة في بلاد تنتج النفط وتصدره لكنها لا تستثمره كما لا تستثمر واردات بلادها من الأموال وإنما تذهب بالفساد إلى جيوب وخزائن لا تفيد ولا يستفيد منها حتى جامعيها أحيانا، إن هنالك استدامة مطلوب فهمها وعملها ولكن سيطرة السراگيل وئدت العلماء والنخب من المفكرين وعلماء المال والاستثمار والأعمال، وبدل تحويل الطاقة لتلد مصادر للطاقة أو معامل تستوعب الشباب، أو إنتاج بدائل لمصادر المياه زمن الشحة بدل الاتهامات والتشكي، أو تطوير الأعمال بما يجعل المجتمع حيا، استنزف الفساد هذه الأموال لتكون عند فئة من الناس بينما ينتشر الجوع والتشرد والبغضاء والانحلال في المجتمع فلا يمكنه أن يكون له وجود أو تأثير والناس تبحث عن مصدر رزق لها إضافة إلى الاستنزاف من النخب الحاكمة من أنواع البشر بما لا يحصى هي الأخرى تستنزف الدولة فلا يعود أمام الشباب إلا الراتب هو الهدف لان المشكلة باتت في حب البقاء لا الإبداع وإثبات الذات وليس العمل وهذا سيخلق العيوب التي نراها بما لا تحتاج وصف أو كلام بينما الوظيفة هدفها البناء والراتب للعيش حق مفروض.

لا يحدث صراع الأيدولوجيات التقدم والتطور بل هو القلق عدو التمدن، فلا ترى اهتماما حقيقيا بالعلماء ونخبهم بل العلماء لا يظهرون لأنهم غرباء في أرضهم بينما يعتلي المغامرون والمزايدون ومن يسكتون على الفساد أو يرضون أن يكونوا أدواته وهكذا يجوع من يملك مناجم الثروة. 

91 - مجتمعنا وارهاصات الفوضى

 

رابط عربي 21

هل نحن مجتمع:

النظرة إلى أننا مجتمع متكامل؛ نظرة تاريخية موروثة لا تأخذ بنظر الاعتبار الهزائم النفسية والتخلف في الفهم والتعرية التي حصلت في المجتمع نتيجة احتكاكه بالثقافات الأخرى دون وعي بثقافته أو حماية بفهم فكري حضاري، أي دون حصانة حقيقية مواكبة للزمن وليدة عصرها من هوية الأمة وكينونتها. ولطالما حاول المصلحون القول إنها "عودة" إلى الفكر الأم، أو "استئناف للحياة" التي كانت عبر التاريخ تمثل زمن التفوق، ناسين الزمن وأحداثه ومتغيراته وغربة ما يدعون إليه، وأنه بات قالبا جبريا كغيره إن أريد فرضه؛ لكن نظرة إلى واقعنا نجد أن الفرد مشوه الفكر بخُلُقِهِ أي رد فعله.. المجموعة لا تتفق على رأي والجماعة لا تلبث أن تتفكك؛ لأن الأنا والتفاهة باتت عنوانا بارزا صارخا. ودعونا نعرّف كل هذه المصطلحات.

المجموعة والجماعة والمجتمع:

أحيانا وفي خضم مرحلة التلقي والبحث، يحاول الإنسان أن يستبق خطوات المعرفة ليضع تعريفا محددا لفكرة أو مجموعة أفكار لمّا تتبلور بعد، بغية فهمها أو جعلها ممكنة الفهم من النطق وترسخ هذه المعاني في زوايا الذاكرة وربما تكون أحيانا خارج المعنى المراد فعلا.. ويعمم هذا الخطأ بالتقليد وهو يحمل المعنى القاصر خصوصا إذا كان المتبني له مفكرا أو كاتبا. والمجتمع إحدى هذه الكلمات التي تناقلتها الناس، فنرى تعريف المجتمع بأنه مجموعة من الناس في بلد معين فيقال المجتمع الفرنسي أو الروسي.. الخ.. والصحيح أن العدد من الناس يسمى مجموعة، وإذا كان للمجموعة هدف واضح المعالم تسمى جماعة، فتكون بذلك جماعة للصلاة مثلا أو العمل السياسي وما يؤدونه هو عمل الجماعة كصلاة الجماعة مثلا، وإذا أصبحت قوانين تحدد المعاملات والتبادلات وفق نظام يحدد العلاقات تسمى عند ذلك بالمجتمع، وليس للموقع الجغرافي أثر بالنظام إنما هي منظومة الإنسان العقلية.

فالمجتمع هو مجموعة من الناس كثروا أم قلّوا، ويحدد علاقاتهم نظام محدد وأفكار ومشاعر ولا يحدد برقعة جغرافية أو حدود، حيث يكون الهدف واضح المعالم وإن لم يك اتصالا بينهم بشكل مباشر، لكن يبقون مجتمعا بحكم النظام والعقيدة والثقافة.

والمجتمعات تختلف وتتباين بطبيعة الحال من حيث التوسع الحضاري والصلاح الفكري، ومن الممكن أن يكون هنالك مجتمع واحد بمدنيات متباينة، أو من الممكن إدخال المدنية إلى رقعة تغلب عليها البداوة لتكتسب تطبعا مظهرا ومضافا دون أن يؤثر على جوهر السلوك كمظهر مضاف؛ إلا ما علق بالمدنية المنقولة من آثار أفكار المنقول عنه، وقد يرفض المنقول من المنقول إليه والأمثلة كثيرة.. ونلاحظ دولا متجاورة في أفريقيا وآسيا مختلفة بدرجة المظهر المدني، ولا يؤثر هذا على التوسع الفكري مهما حُفز التفكير، لفقدان المعطيات التي تؤدي للتوسع الفكري أو حتى الإبداع المدني والتطور، لكنها بالتأكيد مستهلك جيد للوازم ما نقل إليها من مظاهر مدنية.

المجتمعات في أوروبا تُعرف بسيادة القانون فهي لا تضبط الفكر وإنما تضبط السلوك، لذا عندما تحس من تهديد لنمط الحياة من فكر آخر تتعامل معه بنصوص قانونية فتجرمه مباشرة. وهذا نوع من الاضطراب الذي نراه اليوم والذي ينعكس على العالم ككل بنوع من الفوضى البركانية التي قد تنتج حربا عالمية، عندما أصبح النمط الغربي يميل للتقوقع دفاعا عن ذاته وبالتالي سنصل إلى حرب عالمية للتنفيس من الاحتقان.

لماذا الفوضى:

مجتمعنا ليس عدوانيا ببقايا ثقافته، لكن الانفعالات وردود الفعل السلبية تأتي من الحيرة والتناقض بين المنقول والفاعل على أرض الواقع وما عاناه من هجمات وهو أزل فكريا وماديا.

النظام هو قانون من كل فكر أو عرف فاعل ملزم أو تعاليم دين، كلها يمكن أن تتفاعل في المجتمع الحي لتخلق بيئة صحية منتجة، لكن ما ذكرنا من تناقض بين المنقول والواقع يضعنا أما أبواب لا نهائية من الفوضى ومقاومة الارتقاء.

غياب الدولة أو فساد السلطات وأدواتها يزيد من المحنة ويجعل الناس في المجتمع تتصرف بالعقل الجمعي لفقدان الموجه والضمان والأمان بعواقب السلوك والسلوك المقابل، الذي يهم هنا هو الخُلُق أي التصرف كرد فعل للفعل أو الفعل المباشر من الشخص. هنا تظهر معالم التخلف فلا يوجد مجتمع متفق على السوء كقاعدة خلقية لنصفه مثلا بأنه مجتمع متعصب، ولكن هنالك مجتمع تسوده الفوضى كمجتمعنا وحول العالم أيضا في المناطق التي يسترخي بها فعل القانون أو يمكن الهروب من وقعه على الأرض.

فهناك التصرف لأن غيري يتصرف هكذا، مثل عدم الالتزام بنظافة المدينة مثلا مع الحرص على البيت وتكامله، واستغلال الفرص وطغيان الأنا تجعل النخب تركض لاهثة وراء المتمكن من السلطة وإن كان تافها لا يليق وهو بلا سلطة من دون الجلوس معهم. وهذه تشجع على استمرار التفكك المجتمعي في مواجهة الفساد وتعديل المسارات بل تجعل الفساد واقع حال ينمو ويتمكن.

والفساد يكون حيث يغيب القانون واعتلال السلوك بغياب القيم ما لم يك رادع. القادم من دولة تحت سيادة القانون ليس منزها، لذا رأينا أن موظفين يتصرفون بما لا يناسب صلاحيتهم، أجانب كانوا أو محليين، نعلم من خلال فسادهم أن ما يضبط هو سيادة القانون، فالقيم النفعية التي يحملونها ستقبل السلوك السلبي إن أمنت العقاب، وهذا يدل على أنه لا توجد صفة عامة لشعب من التعصب أو الانحلال، وإنما مدى المعرفة وسيادة القانون أو القيم أيا كان الحاكم، فالمعرفة وترجمة القيم إلى قوانين باختيار الأمة يئد الفساد.

الحل الممكن

إن تعليم الناس القيم ضرورة لكن عدم الانتباه إلى أن هذه القيم لا واقع لها وأن المعلم نفسه قد يكون حامل العلم، ولكن مزدوج السلوك أمر سيكون محبطا لا جدوى إيجابية منه وربما يؤدي للسلبية.

الأساس الثقافي هو الفكر الإسلامي، بيد أن الإسلام يحتاج إلى اجتهاد واستنباط يتماهى واستقراء الواقع ومعالجته، لذا يصبح من العلاج نقطتان مهمتان لا بد من توفرهما، وهي سيادة القانون ومحق الفساد، وإعطاء الناس مجالا للتفكير والاختيار كما هو في أصل الفكر الإسلامي الناقد للوكالة والتقليد للسابقين.

101 - امـــــــة الزومبي

رابط عــــــ21ـــــــربي من عبادة الأصنام إلى عبادة الأعلام ملاحظات تحمل ألما أظهره باستحياء من أمه الزومبي، لمحة من سلبيات تحتاج حل لنحيا: ...