السبت، 20 يناير 2024

89 - الطاغية الصغير

 

رابط عربي 21

مارد
 الطغيان

أكثرنا وبالذات من عاش تحت وطأة الظلم والطغيان داخله مارد مقموع غاضب مشوه ثائر، يحس بالظلم لكن ليس لأنه ظلم بل لأنه يتعرض له، إنه مارد الطغيان الصغير الذي يبرز أحيانا برأسه في التعاملات البينية لكنه يبقى في معاناة قمعه من البيئة، وعندما تحين الفرصة سنجد أن هذا الطاغية الصغير الساكن فينا يتحول إلى مارد مسخ يجتر غضبه في وقت ينبغي أن يرقد ليكون القائد حاضنة الجميع.

إننا إن كرهنا الظلم لجنس الظلم وكرهنا عمل السوء وليس من يعمله، سنبقى في مأمن من طغياننا والجلوس موضع الظالم وسلوك سلوكه.

الظلم شطط وجنوح وسيطرة غريزة على الإنسان في حب التملك بقناع الإخلاص والمحبة، فلا الظالم شخصية قوية ولا من يفرض إرادته على الآخرين شخصية قوية، ورغم أن هذا يدخل في تعريف الشخصية القوية في العرف الغربي إلا أنه تشوه وضعف سيطرة على الذات، واستعمار الغرائز للمنظومة العقلية التي تتمكن من إبراز وتمكين الظلم وتشريعه بقوانين يخضع لها الجميع مقهورا، وإن بدا مقتنعا إلا أنه مستسلم لواقع الحال فلا تجد ضعفا في العلاقات البينية إلا من خلال توقع المصلحة والحاجة للآخر.

الظلم شطط وجنوح وسيطرة غريزة على الإنسان في حب التملك بقناع الإخلاص والمحبة، فلا الظالم شخصية قوية ولا من يفرض إرادته على الآخرين شخصية قوية، ورغم أن هذا يدخل في تعريف الشخصية القوية في العرف الغربي إلا أنه تشوه وضعف سيطرة على الذات، واستعمار الغرائز للمنظومة العقلية التي تتمكن من إبراز وتمكين الظلم وتشريعه بقوانين يخضع لها الجميع مقهورا


محبة موقع الظالم يعني انهيارا للقيمة الإنسانية وتقديم غريزة حب السيادة مسبقا وإعطاءها سلطة على المنظومة العقلية بشكل مبكر، وعندها ستتمكن بقية الغرائز من الدخول لإنتاجٍ فاسدٍ ومجتمع مختل متحلل من القيم إلا بالكلام وزعم البراءة واستثارة التعاطف لتبرير كل سقطاته وخياراته السيئة، لأن معظم هؤلاء إن تمكنوا فجروا.

حقيقة ليست بالمثالية أن من يحب إنسانا أو أمة أو شعبا من هذه الأمة سيبحث عن سعادته من خلال إسعادهم، أما هذا الحب الذي تشوبه غرائز كحب السيادة والتملك فهو تشويه للقيمة الراقية للعلاقات السليمة أو المشاعر الإنسانية التي تهفو للخير والقيمة لإنسان مكرّم.

الطغيان القاهر وتشويه الديمقراطية:

الطغيان كما نوهنا هو طغيان الغرائز وإن وجدنا دهاة فهذا يعني سيطرة الغرائز على منظومة العقل واستعمارها وتشغيلها لتحقيق رغبات ونزوات وربما أهداف بعضها يبدو عظيما لهؤلاء الطغاة، فمن ينظر للأمر من باب الحسن والقبيح سيتيه في فهم الطاغية وقد يمجده أو يصنع له صنما وهو لا يعدو أكثر من مريض مشوه الخلق والسلوك، لكنه يخاطب الطاغية الصغير المقموع داخلنا، وينجز ما يرى أنه سيكون أكثر سلطة ويبدو جوانب إيجابية كالصروح والأبنية ومظهر الجيوش والصلابة. فعندما يكون هناك سعي للإصلاح سيوأد هذا الإصلاح إن كان سياسيا في الحكم وتستغل الآليات العمياء لتزيد الطاغية طغيانا بإعطائه الشرعية التي لا تطلب أن تكون مثالية ضمن تنفيذها، ويتمادى في هذا لدرجة تفرّغ من معناها ويستعملها الطغاة لإقناع أنفسهم أنهم طغاة بإرادة الشعب، فلا يعود الطغيان أمرا سلبيا بل هو رحمة.

وهذا يبدو جليا عند فشل التحول السياسي فيرجع الناس في طلب الطاغية والأسى على فراقه، ناسين أن من يصنع الطغيان هم أنفسهم بتنميتهم الطاغية الصغير وابتعادهم عن الوسائل التي تبدأ بالحوارات ومراعاة الآخرين والتفاهم على كلمة سواء، وإنما يسعى الطاغية الصغير للنمو بقمع الطغاة في أنفس الناس. ومن هنا تفشل الوسائل المدنية كالديمقراطية أو تطبيقات الشورى، فكل يريد العلو في الأرض وليس العيش والتفاهم، وإنما كل يحرر المارد الذي في داخله بغضبه وتشوه خلقه، حيث نراه مسخا متى ما أزيل عنه غشاء التكلف المخادع وبان على حقيقته وتفاهة تكوينه.

طغيان من نوع آخر:

الحل الأمثل للشعوب المقهورة وهي تثور من أجل الحياة أن تسعى لحوار الطغاة الصغار وانتزاعهم من النفس أو إصلاحهم ومداواتهم، وأن يكون هنالك هدفا واضحا هو الحب الحقيقي للأمة وليس الأنا الإبليسية


عندما يظهر الطغاة بهذه السلبية لا بد من تغييرهم وإزالتهم والتفاهم بين الناس على العيش الكريم والكرامة الإنسانية التي هي منحة الرب عندما خلق آدم وأراد أن يكون إنسانا، لكن ما يحصل أن هنالك أناسا يبدون غير مهتمين، بيد أنهم أناس يحوون الطاغية الصغير داخله لكن لم تأت الفرصة له للانطلاق والنمو بدافع تغلب غرائز أخرى على غريزة حب السيادة، والتي تصادر بطغيانها الغرائز الأخرى كما منظومة العقل، وهي غريزة حب البقاء، والأنا التي إن تعمقت ثبطت الفعل الإيجابي باتجاه التغيير، فيجلس الإنسان منتظرا كما صياد السمك بالصنارة، وقت طويل يرسل طعمه، وقد يعود له طعمه أو تخطفه سمكة حصيفة دون الوقوع في فخه. هؤلاء الناس سيطلقون طاغوتهم الصغير عندما تضيق الأحوال ويختارون للواجهة وينتفخ المارد المضغوط بانتظار هذه الساعة، فلا تكون إلا حجة سلامة موقف للمُحبطين.

ما الحل؟

الحل الأمثل للشعوب المقهورة وهي تثور من أجل الحياة أن تسعى لحوار الطغاة الصغار وانتزاعهم من النفس أو إصلاحهم ومداواتهم، وأن يكون هنالك هدفا واضحا هو الحب الحقيقي للأمة وليس الأنا الإبليسية أو المارد الفاجر الذي مهما تزيّا بالورع يبقى مكشوفا، فتلك ملابس الملك الشفافة التي خدعه بها الخياط.

الإصلاح الحقيقي بتثبيط الطغيان وأحادية النظرة وبذور تفرق نامية باتت أشجارا من سم زعاف، وإلا ما نفع قتل مارد طغيان وتنمية مارد آخر وتعطيل التطور المدني والفكر البشري بظلام الطغيان وتحويل جمال الحياة إلى أرض بوار.

رابط عربي 21

88 -العدل في منظور الطغيان وصدى صرخة مانديلا

 


نموذج حي من الإيمان بالعدالة   نشــــــــــــــــــــــــرت جريدة الزمـــــــــــان بطبعتيهــــــا

العدل في منظور الطغيان وصدى صرخة مانديلا – محمد صالح البدراني

قال رئيس جنوب إفريقيا: لم أشعر بفخر كهذا من قبل، الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، نحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير قد يهاجموننا، لكننا لن نكون أحرارا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني.

المتأمل لكلام رئيس جنوب أفريقيا يجد عمق الأحاسيس التي عبر عنها بالفخر، بيد انه ليس فخرا وإنما قناعة راسخة بكرة الظلم لجنس الظلم وليس كرهه عندما يقع عليهم فقط، هذا بلد في هذا الموقف عبر عن نبع العدالة وقيمة العدل التي ينادي بها الإسلام وهو ليس بمسلم في وقت نجد التخلي عن تلك القيم عمليا وحتى بالكلام من الغالبية من المسلمين وحكامهم وهم يلوذون بالصمت وقهر الرجال الذي تتعرض له الأمة وهي عاجزة حتى عن صرخة الم أو تضامن مع قوم من جلدتها ناهيك عن معنى يكمن يبين معاناتها كأمة في عدم القدرة على قول كلمتها لنفسها والدفاع عن حريتها وكينونتها الإنسانية، ناهيك عن المشاركة الرسمية ظاهرا لدرجة الوقاحة أم باطنا أم تطوعا في دعم الظالم وحربه التي تبقي أبناء الجلدة جوعى ومرضى ومعرضين للإبادة الجماعية والتهجير وتمارس عليهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية و التي رفضها صرخة الحرية وصدى مانديلا وإيمان امه أن الظلم لابد أن يقمع وان تعلو الإنسانية.

غرور الطغيان الأخرس

كان مشهد محامي الدفاع الصهيوني نموذجا أيضا عندما يخرس الباطل أمام الحق، وراح يقلب أوراقه ويشتكيها، الغرور الإبليسي الذي يرافق الطغيان يخرس أمام كلمة الحق المبين، هكذا حال الطغاة أينما كانوا صمتوا أم نطقوا برروا أم فاخروا قلبوا الحقائق ولووا الكلام أم لم يهمهم الأمر وتابعهم ذيولهم وذبابهم الكاذب الذي اتخذ دور جند إبليس لدرجة أن الحكام أنفسهم قد يصدقون انهم أناس طيبون.لكن من باع البعض نفسه لشيطانه باع لمغادر مطرود وقوى آفلة وتسببوا في قهر الرجال لشعوبهم عندما يصمت الشعب ولا يبدي أي رد فعل عندها سيكون الحساب من جنس العمل.

نحن نحب الظلم

الطاغية اعمى أسير غرائزه كاره للبشر لجنس البشر وليس لفعله، يحب الظلم ويحب أن يظلم ولكن يكره أن يمنع عن الظلم بل يعتبر منعه عن الظلم ظلما له، لهذا يجد أن من يعترض عليه مجرما ومعتديا، بل من يناصره هو مناصر للظلم الواقع عليه بمنعه من التلذذ والانتقام. انه مرض كالطاعون بل اشد ولابد استئصاله اسمه الظالمون في الأرض إننا ولا شك نرى في جنوب أفريقيا بزوغ شمس جديدة وذاك الصوت المنادي بالحق قد بانت ملامحه وان الفوضى في الأمم المحتضرة والمريضة تتحرك بها الفوضى وتسودها سواء فوضى الفكر أو فوضى الإدارة والسياسة أو الغياب لمعنى الحياة، انه استنتاج يؤلم الفؤاد.

الدول لا تقيمها عصابات

إن القاتل ابسط حلوله القتل ولا يمكن أن يعيش في جو العدالة، والسارق السرقة أقرب الحلول، أما العصابات فهي بيئتها الفوضى ولا يمكن أن تصنع النظام، فلا يعيش في الجو النظيف طويلا من بيئته الأسن، من اجل هذا فلا نتوقع أن تكون هنالك دولة لمن أتى بالقتل والتهجير أو النهب والتدمير، قد يصنع مظهر دولة لكنه لا يتجاوز سلطة فارغة غير قادرة على الصمود أمام أهون التحديات لتعود إلى ممارسة القيمة المعتادة للعصابات بالقتل والتدمير والفوضى.   

لقد رأينا كيانا زادت أوصافه أكثر من اللبون المدلل لكن عند المواجهة تفكك بسرعة لان الثكلى ليست كالمستأجرة ولا يستقر في نفس اللص أن يصمد في دار ينهبه. إن أية دولة لا يمكن بناؤها بإلغاء المخالف أو على هيمنة فئة بغير حق أو عدل أو ضمانات، أو يكون للمواطن درجات، ولا يقودها عصابات في الفكرة إن لم يك بالمظهر، لقد تجمعت القوى الكبرى لحماية كيان اتضح على أصله وأسس تكوينه، وانه لا يصمد أمام صاحب الحق باندفاعه، وبانت عورته ومواطن ضعفه، فلم يك أمام العصابة إلا الإجرام.

هنالك دوما إمكانية لتفاهم الإنسان مع الإنسان إن كان جادا وصادقا في طلب الحياة، وبالإمكان تأسيس دولة يعيش بها الجميع وفق عقد اجتماعي بعيد عن الأطماع والطامعين والفساد والفاسدين وقريب من البناة الراغبين في صنع الحياة بلا أوهام أو خرافات

رابط الزمــــــان

156 - ســـــــــؤال في الدولة والمجتمـــــــــــع

       المقال يبحث طريق التفكير اللازمة لترويج الافكار والحقوق في ظرف استثنائي