الأحد، 19 فبراير 2023

47 - الجامعة العربية وإدارة الازمـــــــــة

 


معالم تغيير مطلوبة

في حديث لي مع صديق عزيز ودبلوماسي قديم تطرقنا إلى الجامعة العربية ودور غائب عن الأزمات والأحداث حتى لتبدو باردة برود فكرة القومية العربية التي أنتجت الجامعة العربية والتجاذبات التي تجعلها كالقطب المنجمد الجنوبي في تفاعله والحياة، أزمة الزلزال الأخيرة والحرك العشوائي للمنطقة في تجاوب غريب مع بلاد منكوبة أصلا ونكبت بالزلزال وفي السلوك الارتجالي للقائمين على الأمور لمساعدة الناس، بيد أن هذه الأزمة كانت كاشفة لواقع مهترئ في البلاد العربية، هيكل تنظيمي مترهل وتنسيق لا يبدو إلا ممثلا للحد الأدنى كمجموعة ترى ببغاء جميل وكل يريد الاستحواذ عليه ليكون بعد ذلك فاقد لريشه الجميل ويصرخ بصوت مبحوح أو لائذ بالصمت.

أزمة المياه

المياه من العناصر الغير واضحة في منظومة الجامعة العربية بينما هي المشكلة التي تسير حثيثة على الواقع والتي ممكن أن تضعف الاستقرار في المنطقة، هذه المهمة العظيمة ليس لها وضوح في الجامعة العربية وتركت البلاد العربية كل تعالج مشكلاتها لوحدها عدى منظومة لا ادري مدى فاعليتها حول نهر الأردن ومؤتمرات لا تبدو ملزمة تعقد لوزارات الري والموارد المائية والتي لم يبدو أنها تداخلت ومشكلة مصر وسد النهضة فهذه مشكلة ليست سيادية بل تهم الأمة، كذلك حالة الجفاف المتراكم في الدول الخليجية في السنوات الطوال ، ومشكلة العلاقات المائية بين تركيا وايران وسوريا والعراق والجفاف الرهيب وتدهور الزراعة ومقوماتها وتراجع المعالم البيئية، مشاكل كبيرة وغموض حول سدود تقع خارج الحدود لابد من معرفة سلامتها البيئية.

سد النهضة يعالج وكان المشكلة حصص مائية، وجدل بين الأطراف حول السد كل حسب رايه وظرفه، بينما لم يفكر أحد في أن كمية الخزين رفعت عدة مرات تصميميا دون دراسة كافية على ارض متكونة من البازلت وممكن أن تنزلق لتكون كارثة في السودان ومصر، فمراجعة التصاميم اهم من كميات المياه التي يمكن معالجتها فنيا من خلال تعديل تصميم السداد الملحقة أو بإدارة مشتركة في الإطلاقات وتنظيم الكل على الوضع الجديد، والاستفادة من الواقع الجديد إيجابيا في سد أسوان العالي بالذات.

العراق وسوريا وتركيا ممكن أن ينشئوا بإضافة إيران ضمن المنظومة ما يشببه الوزارة العابرة للحدود لإدارة الموارد المائية والمشاريع الزراعية والأمن الغذائي التكاملي من تربية الدواجن واللحوم والمشتقات في الصناعات للموارد الزراعية والحيوانية.

ذات المشروع ممكن أن يكون عاملا مساعدا لمد أنابيب المياه من سدود على سيحان وجيحان ونقلها بأنابيب إلى سد حديثة ومنه بمشروع أنابيب من أسفل سد حديثة ينقل المياه إلى الجنوب ودول الخليج عن طريق زبيدة أو الكويت، وهو ما يقرره الدارسون للمشروع بشكل مساحي وهندسي في التصاميم، ومحطة ضخ إلى الأردن.

هذه المشاريع تحتاج الجامعة العربية للتنسيق بعيدا عن التجاذبات السياسية والاستقطاب وإنما بسياسة إدارية وفنية

اتحاد تعاون الدول العربية:

إن المنظومات تحتاج إلى تكامل فيما بينها، فدول الخليج تحتاج إلى اتحاد بينها وهي قادرة على هذا من خلال امر الواقع الذي يلح بهذا.

دول المغرب العربي وصلت حالة من الاختلاف فيما يبدو بين التمزق الداخلي إلى طبول الحرب البينية واستغلال الضعف البيني لكل منها

حالة الأمة ككل يعتريها الواقع المهلهل الهلامي وتحتاج إلى منظومة قرار مشترك لا يبدو جامعة الدول العربية قادرة عليه أو مصممة له.... من اجل هذا لابد من منظومة تساعد في كل هذا وربما سيكون من المفيد رغم أنى اقر بصعوبته بان يشكل اتحادا عربيا له القدرة والصلاحيات على التدخل في الأزمات بل السعي لمعالجة أسبابها قبل حصولها سواء اللازمات البينية بين دول الاتحاد أو الأزمات بين دول الاتحاد وخارجها والإشراف الموثق والتفصيلي على الاتفاقات الثنائية بين دول الاتحاد وبينها وبين دول من خارج الاتحاد وتقديم الاستشارة لحكومات الدول وفق دراسات وأرقام تنتج بالتعاون مع مؤسسات دول الاتحاد بالأرقام والمقترحات البديلة أو تعديل ما ليس مناسبا لها.

غاية في الأهمية:

أننا في واقع يشير بوضوح لاختلال في الأمن الغذائي والتعاون البناء الثنائي بل وصل إلى التناحر وان الحال كما هو بدون تعاون وتشاور ضمن منظومة مؤهلة وناس خبراء قدرين على التكامل ونقل الخبرات بوضوح بين الدول فان المستقبل معتم

إعادة التنظيم ضروري للجامعة العربية في أسوأ الأحوال إن لم تك هنالك رغبة في الاتحاد وهو امر سيبدو من الحكمة السعي إليه، وإعادة تعريف المهام بما يتناسب والواقع الجديد، سواء في المياه أو الأمن الغذائي بشكل عام وان يكون لها وجدود فعلي في تحسين حياة الأفراد وإدارة المساعدات بين الدول وبعضها للتكامل في القدرات وإدارة الموارد البشرية والطبيعية بشكل أمثل وكذلك الأزمات ونحن نرى كم من الناس فقدت حياتها وعيشها نتيجة سوء إدارة الأزمة والاستعداد أو تدقيق الأبنية وفق معايير علمية.


46 - صورة واقع المنطقة مع بعض الرتوش

 




نظرة إلى المنطقة


إن نظرة واجبة إلى المنطقة تجبر المثقف أيا كان توجهه أن يقف متأملا ليكون مواجها لحقيقة وضع الأمة كجزء منها وليس كناصح أو معارض. إن منطقتنا اليوم تتفاعل بها أمور صعبة، لكننا نستبشر الخير الذي لا ينبغي أن يكون أمنيات، وإنما خططا ودوافع تبعدنا عن سكة نكون فيها عربات، ولكن لسنا قاطرة ذاك القطار المرغم على ألّا يغادر قضبان الانهزام التي يسير عليها.

دعونا نقر بأننا لا بد أن نبتعد بمركبة تقل قوى فاعلة تسير على طريق منحدر وسط جرفين تصعّد منهما أبخرة براكين، ولا نعلم أي مصير ينتظرنا إن لم نحسن التفكير بلا عواطف أو أحاسيس سلبية أو مواقف لا تتصف بالعقلانية؛ يعد أمامها ترفا ما اختلفت العرب عليه كناقة البسوس.

دول الخليج بالذات وكما ذكرت في مقالات سابقة، هي الأكثر قدرة على أن تكون نواة لأي عمل تكاملي جاد، فمنظومتها الخليجية المتمثلة بمجلس التعاون، يمكن إصلاحها وترميمها لتكون قوة وموطن قرار لتحالف وجودي أمام القادم مع تركيا، التي تشكل فضاء تكامل وانسجام مع الخليج.

إذا نفكر بواقعية، هنالك دول ثرية وأخرى صناعية وأخرى تعبث بها المغامرة وسوء الإدارة، وأضحت كالثقب الأسود يسحب بمن يمسك بأطرافها إلى غياهب المجهول.

هذا واقع المنطقة فعلا، وعلينا أن ننظر بواقعية للأمور، ولا نراهن على رضا الصياد عندما تقترب منه طريدته وتقع في فخه، فتوفر عليه طلقة بندقيته، ليمسح عليها بهدوء قبل أن ينحرها.

فضاءات التكامل

اليوم، لا بد من إدارة فضاءات التكامل الإداري، ليس للقوة فحسب، بل لعناصر القوة من موارد طبيعية وبشرية وطاقات صناعية وعسكرية وزراعية، وهذا يعني فضاءات التكامل أيضا في إدارة الموارد المائية.

إن دول الخليج بالذات وكما ذكرت في مقالات سابقة، هي الأكثر قدرة على أن تكون نواة لأي عمل تكاملي جاد، فمنظومتها الخليجية المتمثلة بمجلس التعاون، يمكن إصلاحها وترميمها لتكون قوة وموطن قرار لتحالف وجودي أمام القادم مع تركيا، التي تشكل فضاء تكامل وانسجام مع الخليج، ليس لمعاداة أحد أو قطبا مبادرا لحروب، وإنما لتشكيل سياج عدم انحياز ودفاع مشترك أمام أي طارئ يمكن أن يذهب باستحقاق الأجيال في العيش الكريم والآمن.

الانحدار والفوضى:
المنطقة لا يوجد فيها نهضة ولا مراحل متكاملة لإنشاء تصنيع أو حركة نقد متكاملة، وإنما ممكن إيقافها في أي وقت من خلال تفكيك المفاصل، لذا نجد دولا بها أراض زراعية وتستورد خبزها، ونجد بلدانا نفطية لكنها لا تتحكم في السوق النفطي ناهيك عن الطاقة، فحلقات الكيانات هذه ليست كافية لتقفل دائرة التكامل للدولة

في منطقتنا أنشئت كيانات متعددة، فمنها ما هو وظيفي يتفاعل معه ويتفاعل مع الواقع من خلال وظيفته السياسية والمال والأعمال أو الموارد الطبيعية أو كيانات سياسية تتحرك في معادلة المصالح، لتشكل كما يقال بيضة قبان أو تنفيذ محتوى رسائل لكل الفواعل في المنطقة، وهنالك من البلاد ما وُضع في قيادتها من يضمن تخلفها وإبقاءها كسوق ومصدر للخامات، وهذا في أفضل أحوال ما بعد الاستعمار والقيادة لمخططات في المنطقة.

المهم في هذا، أن المنطقة لا يوجد فيها نهضة ولا مراحل متكاملة لإنشاء تصنيع أو حركة نقد متكاملة، وإنما ممكن إيقافها في أي وقت من خلال تفكيك المفاصل، لذا نجد دولا بها أراض زراعية وتستورد خبزها، ونجد بلدانا نفطية لكنها لا تتحكم في السوق النفطي ناهيك عن الطاقة، فحلقات الكيانات هذه ليست كافية لتقفل دائرة التكامل للدولة.

هذا الانحدار يجعل البلدان معرضة للفوضى في أي وقت؛ لأن العمل فيها والدراسة وتهيئة الكوادر ليست منتظمة لتشكل تناغما أو تماهيا مع الاهتزازات التي يسهل إحداثها، أو تحدث طبيعيا في المنظومة لترسخ التخلف. فالدولة كمعنى الدولة المعروف وسيادة القانون ليست موجودة فعلا وإنما سلطات وبقايا هيكليات تثبت الوضع؛ لتحتفظ بالقدرة على استعادة الهدوء بعد أي اضطراب، لكن سوء التخطيط يجعل من بلدان غنية فقيرة، أو غنية وأهلها متمكنون لكن لا يصلون للرفاهية بحكم التضخم نتيجة اختلال حلقات الاقتصاد ما بين الإنتاج والمصروف فعلا، ودول غالبا تفيض بسكانها وأخرى تستورد كوادر عاملة دون أن تتمكن من صيانة ما تقوم بها الكوادر الأجنبية، وأخرى تفيض بالجهل نتيجة تنحي الحضارة الفكرية وتعاظم التقليدية، والفشل الحياتي والتربية التي تقوم على الأوهام والخزعبلات، وفهم الدين بطريق غريزية سطحية، وتحويله إلى طقوس يهرب بها الناس من حالة الضنك وفقدان التوازن، كلها تجعل أي حركة إصلاحية عدوا لنمط مقفل متخلف، اعتادت الناس هدوء استعباده لها، فتقمع الحراك لأمل حريتها الذي يبدو مخيفا.

ما العمل؟
رأينا في ثورات الربيع العربي كيف حصل الارتداد وهروب البلابل التي تربت في الأقفاص وأخرجت منها؛ كيف تطير عائدة مهاجمة لمن أراد تحريرها، خصوصا أن من أراد تحريرها كان أسيرا في فخ التقليدية، والخوف من التحديث ومسايرة العواطف السلبية.

ما ذكرنا من فضاءات التكامل، لا يقوم مدنيا من غير فكر حضاري رصين، لكن أي مصلح لا ينبغي أن يتصور كل مهمته كيف يوصل فكرته؛ لأنه سيواجه معضلة إقناع الخاصة قبل العامة بأي فكرة تنويرية، نتيجة رسوخ قناعات تعتبر مصدرا طبيعيا لأي فكر جديد. وهذا ناتج من ترسيب لثوابت وضعت بطريق لها نوع من النغم المنسجم مع التطلعات وقلة الجهد، فمن ثم أي مصلح هو مصدر هرطقة.

ورأينا في ثورات الربيع العربي كيف حصل الارتداد وهروب البلابل التي تربت في الأقفاص وأخرجت منها؛ كيف تطير عائدة مهاجمة لمن أراد تحريرها، خصوصا أن من أراد تحريرها كان أسيرا في فخ التقليدية والخوف من التحديث ومسايرة العواطف السلبية.

لا بد من تجديد الهوية وتوجه المفكرين لفعل هذا، ودعم بعضهم للوصول إلى مفرق طرق، والأمة تختار لأن الفوضى لا تنتج نظاما، والنوايا لا تصنع بالجهل صروحا، وسلطة ضيق الأفق لا تؤدي إلا إلى التخلف المدني والانحدار الحضاري.

https://arabi21.com/story/1494823/%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A8%D8%B9%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AA%D9%88%D8%B4

 


156 - ســـــــــؤال في الدولة والمجتمـــــــــــع

       المقال يبحث طريق التفكير اللازمة لترويج الافكار والحقوق في ظرف استثنائي