الأحد، 8 سبتمبر 2024

124 - الروابط الهابطــــــة

 رابط صحيفة الزمان الدولية هنا


في علم الاجتماع تطرح عوامل عدة تؤثر على تكوين الشخصية، والشخصية في تعريفها الدارج سطحي جدا يتمثل في فرض الإرادة الذاتية أو ما تسميه اللبرالية الإرادة الحرة، لكن بتعريف الشخصية في المنظور الإسلامي هي العقلية والنفسية ومدى قوتها يعني اقترابها من الفكر والقيم بالسلوك وليس بالمعرفة وحسب، إما تشوه أو ضعف في الشخصية فهو يأتي من فقدان العزم أي استخدام المعلومة وإحداث الأثر في الفعل، كمثال، كان عند آدم معلوماتية عالية لكنه لم يعالجها  في منظومته العقلية فوصف بضعف العزم لأنه لم يستفد من معلوماته في حماية نفسه من الزلل.

الاضطراب السلوكي

عندما تعالج المعلومة ويشرع الإنسان بضبط السلوك تتقدم الشخصية نحو القوة وتنعكس على السلوك والمجتمع، لكن أحيانا تتعارض مع طارئ أو مواجهة لإحدى الغرائز كالتملك والنوع أو البقاء هنا تصبح الأمور في انحراف أو تشوه خارج المنظومة العقلية أي إلى النفسية وهذه تؤدي إلى طريقين إما التبرير للقادم من شاذ السلوك؛ وعند هذا تستعمر الغريزة منظومة العقل بكل معنى الاستعمار أي تعيد بنائها حتى تبدو معقولة للإنسان المريض هذا أو شاذة مضحكة مبكية لمن يستمع إلى تبريراته أو وصفه لسلوكيات ويعني بها الغير بينما هو مصاب بها كالفساد وتطرفه في الحكم على الفاسدين بينما هو فاسد مفضوح الفساد، أو السلوكيات المنحرفة جنسية مثلا أو القمار وغيرها؛ أو صراع من اجل التطابق بين الإرادة والعزم يجري عندما لا يخدع الإنسان نفسه فتتمكن الغرائز منه لكنه يبقى ضعيفا أمام الامتحان خصوصا في غريزتي التملك والنوع وهما غريزتان قويتان تسقط اشد الناس هيبة وكيان.

الظلم تخلف

إما من الناحية المجتمعية فان التشوه في الشخصية يحدثه الظلم بالدرجة الأولى وهو فقدان التوازن، وخصوصا عندما يحصل خلل في العقد الاجتماعي أي الحكم أو المجتمعي وهنا أعنى النسيج والعلاقات البينية بين الأفراد والاختلاف أو التنوع في المجتمع، فيلتجئ الإنسان لحماية نفسه بفقدان الرابطة الأساسية والتي تدير المجتمع عقيدة أو دولة إلى روابط هابطة لا تحمل فكرا ولا تنتج فكرا مثل العرقية والعشائرية وقوانينها أو للحزبية والتكتلات وهذه عملية تدل على تفكك مجتمعي وانفراط العقد المجتمعي والخوف من الحياة ولتأطير المعطيات

1-الانحدار الحضاري الفكري

2-غياب القدرة على المراجعة للأفكار المنعكسة كرد فعل على واقع سيء

3-الفعل الغريزي المتنامي في فترة الفعل السيء

هنالك اعتماد للنقل من الاجتهاد وما تحور نتيجة الظروف السياسية ومتطلباتها في محاولة أن لا تحدث خسائر كبيرة فتعددت الأفهام ونشات العصبيات ثم أضحت انطباعات مقدسة لأمور هي تعتبر من الراي، لكن التقديس افقد المجتمع إمكانية أحداث إعادة نظر وتقويم للمعرفة المنقولة والتي لا يرى تضاربها أحيانا مع النص المقدس وكان الأمران لا يتعارضان بل مظهر الناقل يحدد قبول طرحه، هذا يمثل جانبا من الانحدار الفكري، وهو أساس في جنوح الطاقات المستنيرة وضياعها في ظلام الأفكار المنتحلة أو المستوردة والتي غالبا تأتي منمقة فتتبع من الشباب وهنا تتعامل الغريزة التي تأذت وفق المنتحل مع الإنسان ليحدث فيه الاستسلام أو الصراع الذي ذكرناه.

الإنسان المتعرض للظلم يفترض انه يكره الظلم كفعل لكن بغياب الترابط بين أصل الفكر والإنسان تكون الغريزة فاعلة والعزم ضعيف، فيتجه إلى كره الظالم نفسه ليس لأنه ظالم وإنما لان المظلوم عاجز عن رد ظلمه أو الانتقام منه، وهنا خيط رفيع حساس جدا يقتل الآدمية ويشوه الشخصية، فتراه يلجأ إلى الروابط الهابطة ليحتمي بالعشيرة أو العرقية أو حتى عصبية يظن أنها تحميه وتنصره.

معنى هذا لا توجد مراجعة للأحداث والأفكار ومرة أخرى يفشل الإنسان في الاختبار فيحصل الفساد في الأرض، والذي هو في حقيقته فعل غريزي متنامي لدرجة انه يبرر وكأنه أساس العقيدة وما هو إلا تبرير وتنظير للتبرير عبر أجيال ليكون حقيقة لا ينظر إليها بعين الفهم وخلافها مع الأصل الذي هو في الحقيقة ما يكون تطلّع الظالم اليوم؛ وربما ظلم في رحلة الصراع بين الخير والشر ليتحول هو إلى الشر من حيث لا يدري وتسول له نفسه انه على الصواب وانه في الحالة المثالية ويستمر الانحدار.

الروابط الهابطة لا تبني مجتمع ولا دولة

هذا وذاك يرينا أن الالتجاء إلى الروابط الهابطة لا يبني عقدا اجتماعيا سويا أو يكون باتجاه البناء والتمدن بل يبقي حالة متجددة من الصراع بتبادل موقع الظالم والمظلوم، وأحيانا بين ذات دعاة الرابطة الهابطة على مصالح أو سيادة؛ فاللجوء إلى الروابط الهابطة إذن هو انحدار حضاري فكري وتفكك اجتماعي ومحق للعقد الاجتماعي في تكوين الدول الحديثة وبالتالي صراعات لا تنتهي وإنما هي انتعاش وفاعلية لمنظومة تنمية التخلف وتوسع وثبات بيئتها التي هي فوضى أساسا؛ وان اشد خطر على أمة هو تشوه فكرها وغربة أهلها.

سيقول البعض انه يريد بناء دولة لبني فلان، وسيحاول أن يكون الجميع خاضعا لبني فلان وهذه ليست دولة وإنما نوع من استغلال فورة التمكين التي ستخمد ويأتي رد الفعل بعكسه، لكن بناء الدولة أن تشكل أمة مهما تنوعت انتماءاتها الفكرية فهي تعتبر الكل من النسيج فلا قانون يفرض على الجميع بما يختلف عليه الجميع ولا ظلم وتمييز وإنما تشكيل سبيكة متحدة تعطي الأمة مواصفاتها كما اشرنا في (مقال المكونات والصدمات)، ما خلا ذلك فلن تكون هنالك دولة بل منظومة تنمية التخلف  حيث لا اهتمام ولا إحساس ولا همة للمشاركة الإيجابية والعالم وإصلاح عطبه وسد نواقصه بالتكامل الآدمي لإقامة السلالة والإعمار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...