في مجتمعنا ظهرت أمورٌ تزيد من التفكك الأسري
نتيجة فهم يقارب الخطيئة في معنى القوامة والعلاقة الزوجية التي تقتل المودة
والرحمة واضحى الطلاق نسبة عالية لمتزوجين اشهر أو نيف من السنين، وصفة الزواج
بعقد النكاح لإعطاء شرعية واضحة للعلاقة وليس لأنه ملتصق بالغريزة لصفته هذه، وهو
عقد بين اثنين كاملي الأهلية والنضج العقلي وليس لإشباع غريزة فقط أو انه عقد تملك
وعبودية وإنما لديمومة السلالة وإقامة مجتمع، فمعنى الزواج الموصوف بوضوح في
القرآن انه علاقة راقية عقلية عاطفية متوازنة ووضعها ليس في باب الشراكة وإنما
الرفقة التي يمكن مغادرتها مالم يحصل وفاق واتفاق، إن الإسلام إنسانيا وليس
ذكوريا، أما تفسير الإشارة إلى المسؤولية (القوامة) وترجمتها بصيغة فوقية وسلطة يد
عليا إنما هو تحريف عملي لمعاني القرآن في التطبيقات الحياتية بخلط سلوكيات متخلفة
جاهلية بعد أن حفظ الله لفظه من التحريف.
[عن
زيد بن أرقم:] بعثَ
رسولُ اللهِ ﷺ معاذَ بنَ جبلٍ إلى الشامِ..........لَوُ كنتُ آمِرًا أحدًا أنْ يسجدَ لَأَمَرْتُ المرأةَ أنْ تسجدَ لِزَوْجِها.
الهيثمي (ت ٨٠٧)، مجمع الزوائد ٤/٣١٣ • ... وضعفه البخاري وجماعة
هذا الحديث بمتعدد مراجعه ومتونه وتعدد
روايات حالته وظروف طرحه كثرة من علماء الحديث ضعفوه وقليل من قال صحيح حسن،
وبعضهم أسقطه، والمطلع على علم الحديث يجد أن هنالك شروط وأحوال تنقل الحديث من
درجة إلى درجة ربما ترفع من الضعف إلى الصحيح والعكس صحيح، لكن مقارنة الحديث مع
جوهر الإسلام ونوع العلاقات سنجد انه حديث اشتهر رغم أحواله لأنه يعطي للرجل شيئا،
وتجاوزوا انه مسبوق بحرف امتناع لامتناع وهذا يعني انه ليس موجودا أصلا وإنما
استطرادا في الحوار لا يبنى عليه حكم، هذا الحال لم يك واقعا في سير الصحابة
الكرام الإعلام كالراشدين وأهلهم، ولن ينفع أن يكون في واقعنا ولا يحتج به إلا من
ضعفت شخصيته وزاد ظلمه، والرجل الذي يظلم المرأة إنسان فاقد للمروءة وحقير، فالرجولة
أن ترفع من مقام زوجك ووجودها وسترفعك حتما عند هذا لتسد نقص تفكيرك أو ضعف عيشك
أو ضيق الدنيا ورخائها فالمرأة ينبوع عطاء وسلم ارتقاء إن كسرته بقيت وضيعا.
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21، الروم)،
والتفكر عند العقلاء والأصحاء وهو تحقيق المراد من السكينة وليس الاعتداء والإرغام
بالقول والعمل أو عبودية
والبعض يفسر الآية التالية على هواه باجتزاء من
اصل المتن {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ
عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، والدرجة هنا ليس للتفضيل وإنما ما
مطلوب من الرجل اكثر لتحقيق للاستقرار من جديد بعد طلاق، وليس الاستشهاد بها لتحقيق
سلطة ذكورية وهمية لا تقبلها شخصية الفكر الإسلامي في جعل العلاقة علاقة رفقة
والرفيق هو من سرت وأياه في طريق لا تخضعه ولا تستغله ولا سلطة لك عليه إلا بحكم
اللياقة والتفاهم، وهذه لله الحمد متاحة في نفسية المرأة التي هي عنوان العطاء
والعاطفة والود؛ فعطاء المرأة ومساهمتها في القوامة أي المسؤولية صدقة أما الرجل
فواجب عليه لا منّة ولا فضل إن قصر حوسب من أهل الأرض ومن الله، وقد وردت الآية
السابقة في سياق الطلاق والافتداء؛ (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا
خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا
إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) حيث إن الطلاق حقُ الرجل في إنهاء
الحياة الزوجية دون رجوعه لأحد، بينما الافتداء حق المرأة في إنهائها، لكن بإشراف
الولي؛ كضمانٌ لحق المرأة ومنعٌ من ابتزاز الزوج إياها وليس حجرا لرايها أو
استخفافا بقرارها فهي ذات أهلية وحق والآية لا تجبرها على الرجوع أصلا لكن تعطي
الرجل فسحة للتراجع إن طلق لحماية النسل.
وعلى أي حال لا يُفهم من قوامة الرجل تسلطه على
المرأة أو إذعانها له، وإنما تبقى العلاقة كما قررتها الآيات بنيانها السكينة
والمودة والرحمة، وكل ما يرد مخالفة لمنهج القرآن ينبغي أن يكون فيه نظر كاللعن
لمن لا تحقق رغبة بلا رغبة فالعلاقة هي اكتفاء لاثنين وليس حق للرجل فقط واللعن
ليس لمؤمن.
إن سوء تصرف بعض الأزواج واحتجاجهم بالذكر
الحكيم هو تلفيق على الله وكتابه، وتشويه لسمعة الدين الحنيف لا تقل عن إبداء
الإهانة والاستهانة بكتاب الله كالتي يفعلها بعض الحاقدين؛ بل سلوك هذا البعض من
الرجال يجعلها تزيد لأنها تحرف معانيه في بناء المبادرة والسلوك والنموذج وتشوه
مقاصده وتميت النظام الاجتماعي في العلاقات الأسرية وقوته بسبب مرض الذكورية الذي
يعاني منه البعض أو الأمراض النفسية التي يفرغها في أهله بدل رفع الضغط عنهم، أو كسل
البعض عن البحث في المثاني القرآنية.