الأحد، 27 مارس 2022

التبرير لفشل التدبير

 

التبرير لفشل التدبير

  

الاهتمام بالمظهر دون الجوهر من معالم منظومة تنمية التخلف


الغالب من الناس التي تظن أنها تسير في طريق الإصلاح لا تهتم بالجوهر وتركز على المظهر وتعيد التجارب الفاشلة ظنا أنها تراجع ذاتها فتعيد ذات خطوات الفشل، ذلك بسبب عنصر الموثوقية وغياب التفريق بين ثوابت الفكر ومتغيراته أو ثوابت الفكر ومتغيرات المدنية سواء في التخطيط أو العلاقات العامة أو السياسة وغيرها مما يناقش في متن المقالة التالي.

إخفاقات سلوكية

السياسة عند الشعوب المتخلفة مرتبطة بكرسي السلطة ولا تجيد التعبير عن أكثر من السعي للحصول عليها، والوصول إليها غاية تتوقف عندها الرحلة والمراكب.

انتهاج الحداثة بمفهوم الثبوتية والثبات بمعنى التوقف حيث أنت بما تؤمن مخالف للحداثة، الحداثة ترفع الموثوقية عن كل شيء، لكن دعاة الحداثة في مجتمعنا رفعوا الموثوقية عن الدين والقيم وجمدوا على ما وصلهم وتغير العالم وهم حيث انبهروا لا يرون التغيير.

 الحداثة أصلا لها وسائلها السلوكية التي تعني أفضل الطرق للوصول إلى المنفعة وليست بالمثل الفلسفية أو الأيدولوجيات المرتكزة إلى منظومة قيمية أخلاقية.

من السلوكيات السلبية انعكاس فهم الثبات على المبدأ بمعناه المدني والتعامل معه كأيديولوجيا فيعتبر الموقف تجاه طرف ما هو موقفا مبدئيا بينما في السياسة لا يكون الثبات على المبدأ بهذا المعنى وإنما الثبات على مصالح الأمة إن كان قائدا أو ممثلا لها، ومصالح الأمة تتغير وفق متغيرات الظروف فليس عيبا أن تتغير الأهداف ما دامت الغاية هي رفعة واستقرار الأمة، فالإصرار أحيانا كثيرة يؤدي إلى نتائج عكسية وربما مزيدا من الأذى للشعوب وانسداد لمسارات الأهداف، خصوصا أن كان الزعم بالثبات على المبدأ هو تبرير للفشل في التعامل السياسي أو القدرة على الممارسة ذاتها نتيجة ترسبات جامدة في الشخصية متمثلة بالعقلية والنفسية.

التمكين للشعب أم التمكن عليه

التمكين عند رجال الدولة هو العمران وتمكين الأمة والشعب، أما التمكين عند حملة القيم المشوهة فهو تمكين على الشعب وخراب العمران وتدني لقيمة الإنسان.

وهنالك من يرى الفساد عند أدعياء الدين عند التمكين، وهذا يأتي من فراغ الفكر عند النشأة والارتقاء بالمكانة دون العلم في زمن العسرة فتشبع غريزة التدين لكن الغرائز الأخرى لا تبقى من غير إشباع، فعند التمكين تثار غريزة التملك للاستيلاء على المال وتثار حب السيادة عند القدرة على الظلم وهكذا تجد هذه الناس تتعامل من خلال مفاهيم مشوهة لتكون من اشد أدوات الفساد.

الوهم يدافع عن وجوده في الحقيقة

هنالك من يقوم بفاعليات على الميديا والإنترنيت وتجد انه معجب بفعله رغم انه لا ينتج حقا شيئا أكثر من تمكن الأنا منه فيحس بنجاح وهمي من خلال المادحين والمتداخلين وهم لا يشكلون نسبة فاعلة، تشخيص السلبيات لم يعد من باب الوعي وإنما تجذير العجز والسلبية عند العاجزين، وتجسيد أفكار أن هنالك خير كله متوهم وهنالك شر كله حاضرا، وان السلبية تكمن في طرف واحد، وأن الطرف الآخر كله حسنات، وهذا قطعا لن يؤدي إلى معرفة الماهية التي ترتكز عليها أدوات الإصلاح.

السطحيون في الإصلاح ليست لديهم رؤية أكثر من تقديم الذات أو الإثارة، وهم لا يتعلمون لأنهم يبررون ولا يتفكرون فالوهم عند الإنسان اشد من يدافع عن رسوخه كحقيقة في الذهن، بينما الإصلاح أن يكون لديك على الأقل إطار عام لرؤية مرنة تجعل تبادل الأفكار ممكنا، وعندما تتشكل القناعة بفكرة أن أدوات الهدم لا تصلح للبناء، عندها سيكون الأمر ذو اتجاه واحد هو التغيير وهذا يحتاج إلى صناعة أدوات لا تضمن نقاؤها مالم تأتي بفكر شفاف واضح جامع غير جدلي وهو ليس هينا.

رابط المستقل

https://almustaqel.net/?p=12066


 

 


الاثنين، 21 مارس 2022

17 - ثقافـــــــــة الاعتــــــــــــذار

 

ثقافـــــــــة الاعتــــــــــــذار


الأنا:

لم يك إبليس غبيا، لكن كانت الأنا عنده مرتفعة فأعمته عن إدراك قدر نفسه فتاهت وضعفت عندما قال (أنا خير منه) فقد عصا وتكبر عن الاعتذار، بل ظن أن السنا والنار أرقي من الطين، ونظر إلى المادة ولم ينظر إلى ماهية خلق الخالق وأمره بالسجود للروح التي صنعت بها نفس آدم.

ثم الدرس الأول للرقي أن آدم المسجود لخلقه يخطئ، وان كل تلك الصفات لن تكون للمفاضلة وإنما المفاضلة في الاعتذار وبشفافية الإحساس وليس ببلادة الإحساس، فلم يلق آدم اللوم على إغواء إبليس ولا تأييد حواء، وإنما اعتذر فالآدمي اًذًا يحس بخطئه، وحينما عجز عن التعبير عما يختلج في نفسه علمه ربه الكلمات.

مع خلق الإنسان وجد الاعتذار، كذلك اعتذر هابيل لقابيل انه لن يرد عليه سوئه لكن قابيل قتل هابيل بالانا، فكان في قاموس خلق الإنسان الندم... الندم اعتذار عن غياب عقل الحدث بسلطان الغريزة، لكن من لا يحس باذاه على غيره ولا يندم ولا يعتذر فتلك بلادة إحساس قد تكون عند اذكى الناس ومنهم إبليس الذي لم يحس انه أخطأ رغم ذكائه ومناقشته خالقه رغم مخالفته له.

لطالما نرى هذه البلادة الحسية في نخب، ذلك لان الأنا عندها يحيد بها عن الآدمية إلى منهج إبليس، فإبليس حسد آدم وحاول استغلال مواطن ضعفه ليهينه، وكرهه لآدم ليس إلا أن الله امر بالسجود لعظمة خلقه، من هنا يقعد لسلالة آدم كما وعد بالانا والتعالي والحسد، وبدل الاعتذار يصدر كلاما غير لائق وعندما يتجاوز أي هابيل على قابيل يظن انه متمكن غير مدرك أن قربانه لم يقبل لسوء نفسه وتشوهها بالكراهية والبغضاء والحسد.

الاعتذار من مكارم الأخلاق:

الاعتذار احتياطا عن جهل ما يؤثر على من هو أمامك هو اعتذار يليق بالصالحين وليس ضعفا، ولا هو إقرار بخطأ وإنما لكيلا يكون هنالك خطأ ومع تداخل الثقافات واستلهام بعض المقولات نجد أن ناسنا قد تغيرت لتعتبر أن الاعتذار ضعف وان قوله من الآخر استسلام وان تجاهل الرد بكلام يطيب الخاطر تعبير عن صلابة موقف وتعاد نفس قصة هبوط إبليس عندما فكر بهذه الطريقة التي يفكر بها غالبية الناس اليوم غير مدركة لخسارتها الاجتماعية.

معالم القوة في الاعتذار:

الرسل تعتذر عن الخطأ، الدعاة تعتذر عن إصرار المسيئين لان واجبهم التبليغ رغم انهم يتعرضون لأذى من يريدون صلاحهم وهداهم، )وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ( الأعراف 164& لعل الصلاح يأتي عندما تعظ، فالاعتذار قيمة فعل، اعتذارنا قد يراعي سوء تفاهم مع الأخر فيعطيه مجال للمراجعة بدل إثارة الأنا؛ فإما أن يرد الاعتذار أو يجبن بلبوس الشجاعة عن رد الاعتذار.

السيطرة على الأنا تحتاج إلى عقلية راجحة ونفسية معافاة عندما تسجد الأنا لربها تكون الأقرب إلى الآدمية، المناجاة لله استقرارا للنفس بترويض الأنا، وفي مثلنا الأول حول أبونا آدم، فانه عندما أحس بخطئه أحس بوجوب الاعتذار والله اعلم بعبده، فعلمه كيف يستغفر وطلب المغفرة هو اعتذار لله بينما إبليس ذهب مغاضبا يتهدد ويتوعد فالكراهية والانا غلبته.

ثقافة الاعتذار:

عندما يكون الاعتذار ثقافة يكون ميزة في مجتمع وليس أفرادا فذاك من السلوك المرتفع إلى عالي الأخلاق، وهذا يأتي عندما يدرك الإنسان الآدمية ويعلو إيمانه ولا يستجيب لعزة بإثم.

عندما أتى الإسلام بقيمه، كان القوم ابعد الناس عن الاعتذار تأخذهم العزة بذاتهم حتى يتجاهلون الحقيقة بتبريرها، لكن سرعان ما تغيرت الناس عندما ربطت انفسها وما يريحها برضا الله، فكان الكل حريص أن يرضي بعضهم البعض، يسال عن أي التفاتة أو حركة فيدين نفسه خشية أن يؤذي أخاه، وهكذا ضعفت الحاجة للقضاء زمنا طويلا فالناس تنصف بعضها حرصا على الرضا فالمصلحة كانت بالرضا والمحبة، لكن عندما تنحدر الأمم وتجد أن الكراهية تتحول إلى عامل الرضا الإلهي بالاختلاف ويصدق الناس أن أذى الإنسان لأخيه الإنسان رضا لله، عندها تهبط الآدمية وتغيب ثقافة الاعتذار.

رابط جريدة المستقل:

https://almustaqel.net/wp-content/uploads/2022/03/issue-64.pdf

رابط كتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــابات:

https://kitabat.com/2022/03/21/%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%b0%d8%a7%d8%b1/

 

 

                                                                                          محمدصالح البدراني

السبت، 19 مارس 2022

16 - حرب القرم منزلق بلا قرار

 

حرب القرم منزلق بلا قرار

 


حرب القرم الحالية من مفرزات الحداثة، فالحداثة لها مشاكل بنيوية تحدثنا عنها في مقالات عدة لا أريد أن أكرر ما ذكرته في المقالات السابقة.

 جانبها الأمريكي المستلم لقيادة الغرب عمليا لا نستطيع وصفه بالدولة ـــــــــــ كما يصف الدكتور جاسم السلطان ـــــــ كوصف الدولة المجرد، فهي وان كانت تبدو كجزيرة معزولة تمثل الولايات المتحدة القوى العظمى عالميا فيها وجوارها شبه تابع لها لكنها ليست معزولة وإنما تجوب العالم. بيد أن لأمريكا عوامل قوة وعوامل ضعف في حرب كهذه

عوامل القوة وتوازن

·      إن روسيا كما يبدو في الخارطة المستعارة من كوكل تكاد تلامس الاسكا وهذا عامل توازن حيث يقع كل منهما في مرمى أعداءه.

·      لأمريكا أساطيل بحرية تقدر 13 أسطول وهي مدن متكاملة وليست مجرد سفن بحرية تحوي كل أنواع الأسلحة والحياة المدنية، وهذا يعني سيطرتها على المياه دفاعا أو هجوما

·      هي عضو الأطلسي وعندها قواعد في أرجاء العالم ودول الحلف الأطلسي وكل قاعدة مدينة مكتفية بذاتها ايضا فهي قوة عظمى في البر

·      البحر والأرض يحمل قوتها الجوية والصاروخية عالية الدقة والقوة النووية التي تستطيع الاقتراب تماما من أي عدو في أنحاء العالم وربما تستطيع ردعه قبل أن ترمش عينه.

·      القوة الاقتصادية التي بنيت على القوة العسكرية في حماية المعاملات بالدولار وحركة المال والاقتصاد في العالم من خلاله وهذا برز واضح التأثير في حرب القرم الحالية وتضييق الخناق الاقتصادي على روسيا.

·      القوة الإعلامية والاتصالات ووسائل التواصل قوة معظمة لكل ما سبق.

عوامل الضعف:

1.    ايدلوجيا الطرفين: روسيا لم تعد تابعة لمنظومة الحداثة المرتكزة على التقنية والمدنية وبلا موثوقية لكنها تحتفظ بمظاهرها، الحداثة ليست أيدلوجية فما يبدو من قيم واقعا هي سلوكيات لضرورة النفعية وليست قيم أخلاقية معيارية، أمريكا بالذات لها منهج إسبرطي وهو يتلخص بإخضاع العدو وإذلاله، وهذه نقطة مهمة هذه الأيام فروسيا تحولت إلى الأرثودوكسية كثقافة دولة مستحضرة القيصرية وفكرة الشهادة، فالتعامل معها كامتداد للشيوعية سيسبب حربا نووية.

2.    روسيا خسرت أراضي عمليا في الحكم الاشتراكي لمناطق أضحت دول مستقلة ومنها أوكرانيا فهي تريد أن تستعيدها لتبقى درعا لها وليس أرضا تنطلق منها تحديات عليها وهو ما حصل فعلا في الدول التي انضمت للاتحاد الأوربي والأطلسي حكما فأوكرانيا منطقة حياد مسالة مصيرية.

3.    العمق السوقي من الجهة الشرقية لا يشكل أهمية استراتيجية للهجوم والدفاع عند البلدين، فأي حركة من أحدهما بهذا الاتجاه ستوفر وقتا كافيا لتعبئة الرد وسيكون نوويا حتما، يبقى الجانب الغربي والذي نشهد به معركة القرم الجديدة باستشعار مصيري من روسيا لعملية خنقها.

ما لذي يحدث فعلا (الطريق إلى الصين):

يتصور البعض أن أوكرانيا كانت طعما للروس ليتورطوا بحرب استنزاف تسحق روسيا وليس عليهم إلا أن يقدموا الأسلحة، ثم عندما تنهار روسيا ذات مئات القوميات ممكن أن يفككوها لمرحلة قادمة، فروسيا دولة وظيفية ليس لها القدرة على مواجهة الناتو فلا يمكن أن يكون إنهائها غاية، بل هو هدف جرى إضعافه على خطوات، فدخول روسيا إلى ليبيا وسوريا اضحى توريطا وإضعافا، وأخليت أهميته الاستراتيجية بتفعيل اتفاقية مونترو التي لن تسمح للجهتين العبور إلى البحر الأسود.

فهي في الفخ، والان سيحاول الأمريكان التعامل معها بالنفس الطويل وهنا تكمن الخطورة، والتوجه مباشرة إلى حرب بأسلحة غير تقليدية لان المذهب الاسبارطي لا يتوافق مع عقلية بوتن تمتلك فكرة الشهادة وممكن أن تذهب إلى سلوك شمشون (عليَّ وعلى أعدائي)، حالة صفرية عدمية لابد أن تحسب.

لست مؤهلا لأضع حلا لهذا الواقع الخطر غير ما ذكرته في مقالي الأول (حرب القرم ما بين الحتمية والعدمية) لكن روسيا ليست غاية وإنما احد بنك الأهداف قبل أن يحاط بالغاية وهي الصين، تلك الدولة التي يقيدها الجوار واقتصادها الحرج رغم قوته، من اجل هذا فافتراض أن الصين ستبقى تتفرج وهي ترى الإحاطة بها من كل جانب افتراض محتمل يؤيده التاريخ، ربما ترى قضم دول الطوق المؤيدة لها ببرود؛ لكن عندما يعلو غبار الحروب وتتداخل عوامل الضعف البشري فالمنزلق يعطل موثوقية المنطق.

 

رابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــط رووداو

https://www.rudawarabia.net/arabic/opinion/18032022

 رابط  كتابات

https://kitabat.com/2022/03/19/%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%85-%d9%85%d9%86%d8%b2%d9%84%d9%82-%d8%a8%d9%84%d8%a7-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1/


                                                                            

الخميس، 17 مارس 2022

15 - صافرة إنذار في أوكرانيا

 

صافرة إنذار في أوكرانيا


  

أطلقت صافرات الإنذار في أوكرانيا، لكنها ليست ككل الصافرات، أنها كشفت عن ماهية الحداثة في الشرق والغرب وطريقة تعاملها البدائية مع الأحداث، وان هنالك كثير من المشاعر السلبية كانت مخفية فبانت لتظهر أن اليمين المتطرف ليس وحده من يحمل بذور التطرف وإنما هي القيم الخفية في المنظومة الغربية والحداثة بشكل عام.

عنصرية مزدوجة

توجه الغرب وأمريكا بكل انفعال ليس لإنقاذ أوكرانيا والأوكرانيين، بل لتدمير روسيا وتفكيكها ومحاصراتها والقضاء على معالم المدنية فيها، وأبرزت في ردود الفعل نفسية مريضة عنصرية عندما تفاعل الجنس الأبيض كما يزعم الإعلام في تحشيده البائس، وسكوته على الدمار والموت في بلاد الشرق الأوسط كما يسمونه.

في ذات الوقت توجه الروس بخبرة اكتسبت في سوريا بطياريها وقادتها ومن الطبيعي أن تنقل الممارسة اللاإنسانية هناك

إنذار المصداقية

يزعم الغرب قبل تقارب العالم انه يحمل قيم الحرية والمساواة وأمان راس المال ورضي العرب أن يكون الدولار عملة البيع والشراء ومن هنا كانت قوته التي تتلاعب الآن باقتصاد العالم ومنها دول المنطقة نفسها، في ذات الوقت تحركت أموال الشرق لتستثمر في الغرب، ومنها الأموال العربية والروسية.

تعلمنا أن القوة للدول والجيش النظامي هو من يحسم الأمور، لكن الأن نرى دعوات للتطوع كأفراد ومرتزقة أصبح مطلوبا وليس إرعابا عندما طلب التوجه إلى أوكرانيا وروسيا فالمكان اختلف والقيمة اختلفت.

في ذات الوقت صودرت أموال الاستثمار لرجال أعمال روس وفي البنوك وكل ما يملكون وقطعت عنهم كل ما أتيح من روافد المدنية وقيد التعامل بالدولار ..... ممكن اذاً أن آخذ مالك وان استخدم ثقتك ضدك.

تكافل بالعداء

الحداثة التي نشأت أساسا مع الثورة الصناعية وتطورت دفاعاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية عبر قرون بها ميزات يجب أن نراها بوضوح

·      أن الدول الأوربية التي أبدلت الإقطاع بالرأسمالية وما حصل من حاجة إلى مواد خام أولية تحتاجها خطوط الإنتاج، كذلك أسواق، لم تك تريد من المناطق التي احتلتها أكثر من كونها مصدرا للمواد الأولية وما بها من مخزونات الثروة ثم سوق لمنتجاتها وكانت تطور هذه البلاد على قدر ما يحدث من تطور في الصناعات لخلق تسويق لكماليات تتحول إلى أساسيات مع تطور المدنية، لكنها ليست معنية باستقرار حياتهم فهم سوق وليسوا منتجين.

·      أن الحداثة ليست قائمة على فكر أخلاقي لهذا ستظهر فيها إخفاقات تدعو للشك بمتانة وشرعية دولتها، وهذا في تفاصيل الحداثة مهم إن تكون الهيمنة للدولة وان بدى الأمر غير ذلك لكن كل هذه المؤسسات لن تكون موجودة ليوم واحد إن تفككت الدولة، وتثبيت الثقة هذا يحتاج إلى تصفير المشاكل بحجة ما وتعظيم مصالح بإشعال الحروب فتستثير مشاعر قومية أو إحساس بالخطر على استقرار الحياة ونمطها لان الكل يجب ألا يتوقف لكي يعيش، الحروب تصفر مشاكل إخفاق الحداثة حربان عالمية وأخرى قادمة إضافة لما يجر في الشرق الأوسط بالذات.

·      القطب السوفيتي كان حجة تعلق عليها إخفاقات الرأسمالية والغرب كان شماعة إخفاق الشيوعية بالتحول بتجاوز مرحلة الاشتراكية التي أثقلت على الناس والجمهور، هذا التوازن لم ينهى بسقوط الاتحاد السوفيتي فقد أريد لروسيا أن تكون كفزاعة نائمة وحقيقتها دولة وظيفية تجمع عندها كل أسلحة الاتحاد السوفيتي التقليدية والا ستبدد ولا يسيطر عليها.

·      ناس مثل بوتن يوجد مثله في الغرب يتحسس هؤلاء أن الحداثة أكذوبة وبوتن يحن للنظام القيصري، اعتبر أن الشيوعية خيانة لهذا راح يبني شيئا اقوى من الاتحاد السوفيتي وله قيمة ودوافع تستند إلى عمق التاريخ، فخرج عمليا من الدور الوظيفي إلى عملية استعادة ما كانت عليه من ارض قبل الحزب الشيوعي.

نحتاج إلى نظام جديد بقيم عليا

الحرب قائمة مالم يحدث أمرًا يخالف المنطق، وسيسعى الجميع إلى تهدئة ما وجدوا أنفسهم فيه من منحدر، لكن في كل الأحوال يحتاج العالم إلى نظام جديد يقوم على القيم وينظر إلى الآدمية برقي خلقها بلا عنصرية من أي نوع أو روابط هابطة كالتي تحكم العالم اليوم.



رابط موقـــــــــــــع رووداو

https://www.rudaw.net/arabic/opinion/150320221

رابط كتابات

https://kitabat.com/2022/03/17/%d8%b5%d8%a7%d9%81%d8%b1%d8%a9-%d8%a5%d9%86%d8%b0%d8%a7%d8%b1-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%88%d9%83%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7/

 

 

محمدصالح البدراني

الثلاثاء، 15 مارس 2022

14 - ينابيع التجديد ونهر الحداثة

 

ينابيع التجديد ونهر الحداثة

 


المنظومة الفكرية

دون شك أن مجتمعنا يعاني من منظومة تنمية تخلف قاسية وجمود في المنظومة الفكرية، فالكثرة من تتحدث عن حالة (مفروض) أن تكون وتعبر عن أمنيات بلا آليات، فلا حديث عن الكيفية، بل إن هذا المفروض المفترض لا يدرك متمنيه ماهيته ، البعض عن حياة إسلامية وآخر عن حداثة؛ لا نستطيع أن نقول إن الأولى كانت مثالية أو معيارية، لكن الحديث في عصرنا يأتي بتجريد التجربة عن الزمان والمكان، ليس لعجز الفكرة عن التجدد عبر الزمن بل لعجز من يزعم حملها إيجاد ما يجيب على مسائل حاجاته وغرائزه هو قبل أي احد آخر، وانه يريد أن يتجاهل الزمن والانقطاع والتطور المدني وما ارسى من نظم مؤثرة وفاعلة وهذه النظم الحديثة نفسها تعاني من ازمه أخلاقية وتحتاج إلى إصلاح، فنجد البشرية اليوم في فوضى منظمة إن صح التعبير أو متجاهلة لان أفكار الحداثة والتي هي في الأزمة الأخلاقية التي تنتقص من معنى حياة الإنسان رغم الخدمات المتاحة التي تغطي تصدعات النظام، الذي فيه مشكلة أساسية في نوع العلاقة بين الإنسان والقانون.

  تجاوز فهم الحداثة الجغرافي من بعض القوى العالمية مع استطالة لفرض قيمه على أمم أخرى بشكل سلطوي، ولطالما لاحظنا أن الدول الكبرى كالولايات المتحدة مثلا تطالب الدول الأخرى بمعايير حداثية لكي تحصل على مساعداتها وتتجاهل المعايير الحاكمة في تلك البلاد وما يحكمها من الروابط العشائرية والعادات والتقاليد التي تخالف حتى عقيدة الناس انفسهم وشريعتهم أحيانا  وأضحت حاكمة لا تستطيع السلطات تجاهلها، الغرض من هذا المثل أن الأفكار الوضعية الحداثية تحولت إلى التقديس باستناد لإيمان بفكرة مركزية ربما هنا سيادة القانون الذي كان ينكر ويجرم حالة شاذة قبل تحققها على الواقع فتحولت إلى واقع لوجودها وليس لماهيتها ولغياب التشريع الذي يعالجها المرتكز على الماهية لتعارضه مع ثوابت قانونية أخرى كالحريات وتعريفها القانوني.

نقل الحداثة وابتزاز الشعوب:

عندما تحاسب دول لمخالفتها ما أقرته الحداثة باعتبارها معيار أو يطلب المنبهرون تطبيق اقتصاد نظام شيوعي أو رأسمالي، فهم ينقلون المظهر والمفردة وليس كامل النظام، وهذا النظام لو فكر من يتحدث سيجده فيه أدوات ترقيعه، لذا نجد أن الدول التي تتحول إلى الرأسمالية في ربط مع الديمقراطية الشكلية تسجل فشلا وترتكز على الشعب في عملية ابتزاز رهيبة، كما أنها تذهب للتفكك والفقر لدرجة العوز فما سينقل عمليا قشرة وليس جوهر النظام الذي لا يمكن نقله لأنه نظام أتى بالمنهج العلمي والتجربة والترميم وليس وفق منظومة فكرية ايدلوجية قيمية تحمل سمات إيمانية تتفاعل مع النفسية البشرية.

التقديس للأفكار

التقديس للأفكار لا تنحصر بقوم فالإنسان دوما يحاول أن يرتصف إلى خلاصات أو ما هو ثابت ظنا أن الحقيقة تعني الإطلاق بينما لا يوجد حقيقة مطلقة في التداول البشري وإنما حقائق تتوالد عن حقائق تتماهى مع الأبعاد الكونية الزمان والمكان، وانعكس هذا على الإحساس بالتفوق وامتلاك الحقيقة كالتي نجدها في كتابات الفلاسفة والمفكرين، وأحدثهم فوكو ياما في كتبه ومنها نهاية العالم على سبيل المثال.

أزمة الأفكار

ربما اتفق مع مالك بن نبي أن معركة صفين كانت معلم الأزمة الفكرية، لكن لهذا تفسير كبير لا يسعه هذا المقال، وان كان التفصيل ليس حكما على الحدث ذاته وإنما ما أدى إليه غبر زمن ابعد، وان اردنا توضيحه سنحتاج  فصل في كتاب، لكن أردت من هذه الجملة جسرا للتحول مباشرة إلى حقيقة أننا نحتاج إلى جهاز معرفي جديد، وبشكل أدق إعادة تركيب الجهاز المعرفي ليقوم بمهامه في الزمن الحديث ليعالج مشاكلنا، نحن نعلم النصوص المنبع، لكننا لا نوجه المنابع لنهر رقراق وإنما نوجهها إلى نهر خابط فلا تغير شيئا بل سيتلوث ماءها هي وربما تكون افسد من غيرها، نحن نحتاج إلى الواقع ودراسة سلبياته ومعرفة ماهية كل شيء قبل أن نقرر ما هو المطلوب مسبقا ونأتي به جاهزا فلا نراه مناسبا على فصال جسد الأمة الذي ترهل فلم تعد تلك المقاييس ملائمة له، وإنما نذهب إلى المعيار الأساس لنتدارس المقاييس الملائمة للجسد الجديد وكيفية ستر معالجة افتضاح عورته فالقوالب الجاهزة لا تحل مشكلة الامم.

خلاصات فلسفية

إن اليقين بامتلاك الحقيقة وهم لا يقود إلى الثقة بالنفس وإنما يعطل أدوات التجديد، ولا يبني جسورا بين الروابط الهابطة المسيطرة على مجتمعنا وإنما يتركها في فوضى يقودها الجهل ليبني حواجز وخنادق لتكون بيئة الأمة ساحة تراشق وأفكار طوباوية لا تؤدي إلى البناء.

وكمنطق يحتمل صيغة القانون أن الروافد من ينابيع الصلاح لن تكون تيارا مؤثرا ليشق نهرا صافيا لا يختلط بعكوره ما لم يك دولة تفتح أفق التكاتف من اجل الإصلاح، فان كان دولة وتغيرت المعايير عندها يمكن الحديث عن منظومة قيمية محتملة الظهور للواقع

رابط صحيفة كتابات

https://kitabat.com/2022/03/15/%d9%8a%d9%86%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%88%d9%86%d9%87%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d8%a9/

 

 

 

                                                                                                           

الأحد، 13 مارس 2022

13 - السيطرة على القرار لا الانتظار

 

السيطرة على القرار لا الانتظار



الناظر لواقع المنطقة يجد أن معطيات التكيف مع الأحداث معدومة، لكن بتأمل بسيط نجد أن الإمكانية متاحة لكن بتغيير نمط النظم وطريقة تعاملها مع ثروات طبيعية هي جل ثروة هذه البلدان وأساس استمرارها، وان الدول العربية بالذات أمام خيار أن تبقى في فلك الرابح من الأحداث التي قد لا تسلم المنطقة منها، مالم تفكر بعقلانية بدل الانتظار.

واقع الحال:

·      دويلات وظيفية مصممة لتخفيف الضغط أو المعاملات التجارية البينية أو غيرها من الأعمال التي لا تعتبر كاملة الشرعية في مواطنها، تحركها وكالات لها مصالح لتحافظ على استقرارها الضروري لتسيير تلك الأمور

·      دول تقوم على النمط الدارج من تحول الاستعمار والاحتلال إلى حكم يقوده العسكر أو ممن يقلدون نمطا وضع بعد انسحاب الاحتلال من تلك الدول دون تغيير.

·      شعوب فقدت الهوية وكثر كلام الناس وقل فعلهم تطرد لمبدع فاذا برز في مكان ذهب إليها افتخرت به وكأنها لم تك البيئة الطاردة، وهو ذات الأمر الذي تقوم عمليا به النظم التي تهتم بالدعايات والإعلام التابع لها كمرآة الساحرة

·      نقاط كثيرة لكننا سنتطرق لهذه النقاط في عجالة جدا ونركز على المقترح والنصيحة.

مبادرة مهمــــــــة لاستشراف الإنقاذ

الدول العربية تنتظر في ظرف اليوم يحتاج إلى مبادرة وليس الانتظار، فهنالك رجة قادمة تحتاج أن يكون خطط تبدأ الآن وليس غدا لإدارة البلاد والثروات وتغيير التعامل مع الشعوب بل وإعادة تنظيم كل شيء من اجل السيطرة على القرار والموارد بتعاون الشعب وتمكينه وليس بقمعه أو التمكين عليه، وهذا لن يكون مباشرة أو بشكل انقلابي وإنما بإعداد الخطط المدروسة للتحول والاندماج بين الحكومات والشعوب.

أولا: التحول من دول وظيفية إلى دول مستقرة: هذا الأمر يأتي على خطوتين القريبة هي امتلاك الاقتصاد ليس على طريقة الدول الغربية بالاستحواذ على ما بنوكها من أموال الدول التي تخالفها، بل بما يلي:

v   تفعيل مقترح عملة (نفط) الموحدة التي اقترحتها في مقال يحمل هذا العنوان بان تكون عملة التداول وبيع وشراء النفط وبقية عمليات التجارة بشكل تدريجي.

v   سحب الأموال من البنوك الغربية ومنها ما موجود في البنوك السويسرية، وإعادة استثمارها بعد إبدال معظمها بعملة نفط التي يدعمها نفط المنطقة والتعاملات به وحسب وهو ما يدعم الدولار حاليا.... والمقترح متضمن الاتحاد الاقتصادي والعسكري بين دول المنطقة لدعم هذا التوجه وتشكيل فضاء مهم في القرار الدولي بدل أن تكون البلاد على الهامش

ثانيا: النخبة المؤثرة بحكم كل السياسات الإعلامية والتثقيفية وتبديد القيم بما سمي حينه الزمن الجميل، إلى تشويه القيم زمن ما سمي بالصحوة والتوجه إلى التقليدية عند النخب المثقفة التي تراجع تأثيرها مع تجربة الفشل المحقق وهي لم تصمد أمام التشويه الذي ووجهت به من قوى التأثير العالمية وتفعيل أدوار مخابراتية نتيجتها خوف الحكام ودمار العمارة وغياب الهوية فغاب الوعي الجماهيري واصبح الجهلة هم النخب المؤثرة، الذين يكتبون ولا يقرؤون، ويتكلمون ولا يصغون يسفهون كل راي لا تفرضه القوة وينافقون القوة ويعلون مساندها، فاضحت الفاعلية المجتمعية محض كلام لا يبني اغلبه تسفيه وإحباط وتظلم دون حلول، وهذا يعالج ضمن خطط في التثقيف والتدريب والتركيز على الشباب مع تغيير النظم السياسية وتحديثها من خلال تطوير النظم الوراثية بما يناسب العصر، وكذلك النظم الأخرى ضمن برامج التنمية التي تستثمر الموارد الطبيعية لتطوير الموارد البشرية وبناء الإنسان.

سباق وجودي نحو التمركز الجديد

الآن ستحاول دول كالصين وروسيا استثمار الرجة الحاصلة في العالم لتكوين قوة جديدة ونظام جديد فهل على الأمة أن تنتظر من سيسيطر لتكون في فلكه وهي الأكثر امتلاكا لعناصر التمكين؟

إن إمكانية دول المنطقة واعدة وكافية لحماية ذاتها وثرواتها إذا ما أحسنت إعادة تنظيم نفسها وتشكيل منظومة قوية ومترابطة مع شعبها وهذا ممكن فلا يمكن أن تخترق المنطقة باي قوة إلا باختراق دولة أو مجموعة دول وهذا عندما تتعاظم الخلافات بينها أما مع اتحادها بعملة واقتصاد قوي فما تملكه من قوة عسكرية في تركيا وإيران ودول أخرى فهو كاف ويزيد لتكون هذه المنطقة وفق بناء فكري واعد منارا للعالم والعيش بسلام.


نشرته مشكورة جريدة الزمان اللندنية

https://www.azzaman.com/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%84%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B5/

المقال ذا صـــــــلة وثيقة بمقال منشور على المدونة (عملة نفط الموحدة ) وقجد نشرته الزمان ايضا

https://www.azzaman.com/%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%86%D9%81%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A/

الرابط على المدونة لمقال عملة نفط الموحدة

https://m-salihalbdrany.blogspot.com/2022/02/blog-post_12.html

رابط  كتــــــــــــــــــــــابات

https://kitabat.com/2022/03/14/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%b7%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d9%84%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b8%d8%a7%d8%b1/



الأحد، 6 مارس 2022

12 - الإسلام بين جدلية الحداثة والالتباس

 

الإسلام بين جدلية الحداثة والالتباس

 

لا تكنّى الدولة بالإسلامية لمجرد أن من يحكمها متدينون أو مسلمون، فالتدين غريزة والإسلام منهج حياة ومنظومة قيم ونظام وليس قوانين عقوبات أو ما يفقد أهلية الإنسان في القرار بالجبرية


 

من الخطأ الشائع أن نقول التاريخ الإسلامي، أو الدولة الإسلامية، العودة إلى الإسلام، استئناف الحياة الإسلامية، ومشكلة فهم الغرب للإسلام.

لقد أغفلنا كثرا من الأمور الجوهرية في منهجية الفكر الإسلامي الذي هو غذاء لعقلية الإنسان المبدع وعموم رجاله ونساءه فليس من رجال دين في الإسلام بمعنى رجال الدين كمؤسسة دينية، وإنما ترسخت هذه الطبقة كمؤسسة علمية والحقيقة أنها طبقة اغلبها محافظة على تقليد وجمود وتراجع وغياب الإسلام عن الواقع كذلك غياب العلوم الإنسانية.

التاريخ ليس تاريخ الإسلام:

الإسلام كبنية فكرية ليس من الماضي، ولا هو الذي تحول وتقسم وتشظى، بل مسلمون وغيرهم من صنع التاريخ بأفعالهم وأفهامهم، وهي من نجحت ومن أخفقت ومن تعادت أو تشاحنت أو ائتلفت، لكن الإسلام ليس ما أتانا من الماضي بفوضى اجتهادات وأفهام حاولت أن تتجاوز قدراتها ونطاقها العلمي والفكري فشوهت وتعددت واختلفت على ما لا ليس له وجود أصلا، كالأسماء والصفات والإنسان مخير أم مسير، وأسئلة محلولة أصلا في فهم القضاء والقدر.

هذه الأمور وغيرها نوقشت في مقالات سابقة وفسر معناها، وان كانت الإشكالية حصلت في زمن ما، واختلف عليها، أو كيفت وفق مصالح ولدعم حراك وثورات وأشخاص، فتلك من تاريخ البشر الذي لا يلزم واقعنا بشيء حقيقة وان التمسك به إصرار على التخلف والجهل الذي أعاد المسلمين إلى جاهلية وتناقض مع صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، بل باتوا يعيشون فكرا في الماضي وسلوكا في واقع لا وجود للإسلام فيه إلا تبريرا.

فباتت الناس محكومة بغريزة التدين وليس الدين وتفهم الإسلام المنهج من خلال الغريزة لا المنظومة العقلية، وتذهب إلى ما يسمى الحداثة بتكييف قسري كما حاول الأجداد تطبيق نظرية الفيض على التوحيد ومن خلال فرضيات لا أساس لها وتعاريف قسرية، والنتيجة هي إحساس بالدونية لن ينقذ العالم الذي يتعرض لفقدان التوازن في انحدار فكري أمام ارتقاء عالٍ جدا في التكنولوجيا والتقنية وحالة تناقض بما لم يفهم فكرا أو مدنية.

الإسلام ليس دولة إسلامية:

 لم يقم الإسلام دولة وإنما أقامها مسلمون في زمن اختلطت فيها المنظومة الأخلاقية الإسلامية الراقية التي تركز على العدل والإنصاف والشريعة لا تخترق ومنظومة ترتكز على الأعراف وكانت دولة حاوية للتنوع محافظة على الأقليات فهم نسيج مجتمعي محفوظة حقوقه بذمة رسول الله، وهذا جعلهم سليمين محافظين على كينونتهم ولم يك لهذا شبيه في العالم حينها ولا في علمانية أضحت دينا عند البعض.

فدولة يقيمها الإسلام على العدل والحفاظ على كرامة الإنسان لكن من يديرها البشر باجتهادات تتغير مع الزمان، هي دولة مسلمين إيجابية أم سلبية، وحتى باجتهادات تجاوزت الشريعة في التوريث والجبرية اجتهادات بغرض عزل الشعب أن يكون طرفا في الصراعات على السلطة، أما من يتحدث عن فاعلية الشريعة فهي لم تختفِ لكنها لم تك تحكم الحياة السياسية وإنما حياة الناس عرفا.

العودة إلى الإسلام:

الإسلام في كل زمان هو الإسلام لا حاجة للعودة إليه وهو ليس من التاريخ فامتنا مكلفة به وكل ما هو مطلوب فتح طياته ليقود العصور تباعا.

استئناف الحياة الإسلامية:

من أين تستأنف؟ لقد مر زمن طويل على ابتعاد الناس عن عرى الإسلام وتغيرت الناس فنحن نحتاج لبناء جديد بمثاني جديدة تفتح لهذا العصر.

مشكلة فهم الغرب للإسلام:

ربط الغرب الإسلام بانطباعات منقولة عن الإسلام منذ التحشيد لحروب الفرنجة خلق حالة العداء والخوف من الإسلام وربط بزمان ومكان وعلو المسلمين به، وهذا خطأ بنيوي في الفكرة، فالإسلام ليس له زمان ولا مكان وفكره ممكن أن يحل أينما كان بمنظومة متكاملة تتفق مع الرقي المدني وتضع منظومة أخلاقية مفقودة في عالم اليوم تردم الفراغ الكبير بين الرقي المدني والتدني القيمي، المسالة ليست اتخاذه دين عبادة، بل من الممكن أن يرافق الحياة المدنية بدلا من منظومة القيم التي فشلت فعلا في إبقاء أهلية الإنسان واستمراره بالكفاح من اجل الاستمرار في الحياة فأضحى خادما للمدنية بدل أن تخدمه، رغم القوانين والنظم التي تراعي الإنسان ومعاشه والتي هي بديل عن التكافل لكنها ليست بفاعليته ورسمه، ولعل ما سبب الغرب لمجتمعاتنا كان عشره كافيا للقضاء عليها وليس الإمعان في تخلفها وانحدارها الحضاري، المنقذ إذن منظومة القيم التي تنقل كثوابت في الذاكرة الشعبية وباتت من العادات والتقاليد وتشكل أساسا في نمط الحياة والتعاملات، المشكلة أن هذه المنظومة أخذت بالانهيار وهذا سينتقل بالضرر إلى أنحاء العالم الذي اصبح صغيرا وسيزداد التباعد بين طرفي المعادلة (التمدن والقيم) إلى ما لا يمكن وصفه أو تصوره من انحطاط أن لم يصارح النخب في كل العالم انفسهم ليرمموا ويبنوا الجديد.

رابط جريدة المستقل اللندنية:

https://almustaqel.net/wp-content/uploads/2022/03/issue-62.pdf

 

رابط كتابـــــــــــــــات

https://kitabat.com/2022/03/06/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%ac%d8%af%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a8%d8%a7%d8%b3/

 

                                                                                    محمدصالح البدراني

 

 

الخميس، 3 مارس 2022

11- إضاءة على تخلف الآدمية

 

إضاءة على تخلف الآدمية


 

 

فشل المنظومة الآدمية في القيادة:

في زمن ما قبل الاتصالات وتقلص المسافات، في ذلك الزمن الذي لم تك تحكمه النظريات الاقتصادية والتبادلات المالية، حيث لا مجال لانتقال المنظور الفكري إلا بإزالة المستبدين، والاستحواذ، وسلطة الأقوى فالحروب مبررة، لكن تطور التقنيات والتكنولوجيا احدث فارقا في القدرات في جميع النواحي التدميرية والتواصل بين أية نقطتين في العالم بل بمجموعة نقاط، اضحى الحوار ممكنا، والتعاون على الأزمات ممكنا دون الحاجة للدخول في حروب النفوذ، بيد أن هذا ليس ما يحصل، فالعقلية العدمية والقيم الأخلاقية لم تتفاعل إيجابيا مع الواقع بل اضمحلت أمام قياس النفعية مهما كان الثمن، لكن لا احد يسال لم نحتاج للحروب ونحن ممكن أن نعمل كآدمية موحدة يحدث التوازن بينها عند الحاجة.

إن التمكين ليس لدولة وليس لرأسمال وليس لفكر معين بحيث يلغي الأهلية الحقيقية للناس بحكم الحاجة أو القانون الذي يستعبد الإنسان بحجة النظام أو التسلط الفردي، بل بإعمال المنظومة العقلية الآدمية لإيجاد السبل نحو إبراز الأدمية والتعرف والتكاتف، واستخدام المخرجات المدنية من تقنيات للحوار الفكري والتفاهم الاقتصادي والسياسي، فما يحصل من قتل ليس مبررا أمام كل هذا التقدم التقني مع جمود عقلية الإنسان وتبعيتها لغرائزه في حب التملك والسيادة وغيرها.

لو تعمقنا في الفكر الإسلامي القرآني وليس ما يستمد من أحداث التاريخ لوجدنا ما قلته أعلاه من تمكين للآدمية وليس التمكين عليها، واتباع منهج هابيل وليس منهج قابيل المؤدي إلى الندم.

معالم تخلف تؤدي الانحدار القيمي

إن الأمم ترتقي بالثبات والثبات ليس الإصرار على الراي الذي يرقيه البعض فيسميه مبدأ؛ بل الثبات هو التماسك والثقة بالنسيج الداخلي للامة، بين الأصدقاء والأقرباء وبين المسؤول والعامي من الشعب، بين المدير والموظف، وبالمختصر يكون الثبات هو تجسيد القيم في السلوك، سواء كان هذا بدافع عقدي أو عادات وتقاليد أو بحماية القانون وأدوات القانون في تحقيق السيطرة على الحياة العامة من خلال قناعة عموم الجمهور به، وهذا موجود في دول غربية كالولايات المتحدة بحكم القانون أو اليابان بحكم التوافق بين فاعلية القانون والمنظومة القيمية الحية، لكنه ليس واضحا عندنا لتشوه وضياع الهوية؛ تفككه واقع حال وان لم يضمحل كصورة، لكنه متفاوت وفق تعرض العوائل أو المدن لتأثيرات الأحداث الشاذة والتي زحزحت المروءة والأمانة والقيم بشكل عام. 

كيف ترتقي الأمم:

الأمم ترتقي بعوامل عدة لكننا اليوم سنتحدث عن عامل وظيفي مهم، وهو المصداقية، المصداقية في التعاملات التجارية والقانونية وبين المدير والموظفين وبين أصحاب المهنة الواحدة كبائع الجملة مع بائع المفرد مع التاجر، عندما لا يكون هنالك مداهنة بين هؤلاء الناس بدرجة تتجاوز حدود المجاملة فان هنالك مصداقية لتقييم العمل وثقة بين الناصح والمنصوح، كان تقول إنك أنجزت عملا جيد لكن به هذه النواقص وارى انه يصبح أفضل لو فعلنا كذا وكذا كسبيل لتحسين المنتج.

عندما تكون كل الأمور بتوثيق فلن تسرق الجهود من أحد، فاستغلال الفرص بظلم الآخرين ليس إلا نوعا من الظلم، فعندما يعد موظفا تقريرا لعمل وينسبه مسؤوله لنفسه فهو ارتكب مجموعة من الانتهاكات بحق القيم، سرق وخان وكذب وخدع وغش وغبن وأحبط كاتب التقرير وأساء لسمعة المنصب الذي هو فيه، هذا لن يكون إلا عقبة أمام التقدم والثبات، هذه من عقبات الرقي بالأمة ومن معالم منظومة تنمية التخلف.

لو أنه فعل العكس وقدم التقرير مفتخرا بمن في مسؤوليته، ستنعكس الصفات والدلائل ويكون قائدا قبل أن يكون مديرا لان مزيدا من الإنتاج والإبداع قد مهد له الطريق وحصل هو على تقييم يليق بمكانه وواجبه في اكتشاف وإظهار هذه الطاقات، محاولة التقرب من المسؤول بغير مركب العمل والإنجاز بالمداهنة والتقليل من الاعتداد بالكرامة الإنسانية والمكانة العلمية، أو بسرقة جهود الأخرين على متنوع نشاطهم لن يكون منطقيا في موازنة الطاقات وهذا ما ينبغي أن يقيمه المسؤول بقدرات من الفراسة يفترض انه يملكها من معالم القيادة الإدارية.

صناعة العقبات:

هنالك ناس حائرة بين الروابط الهابطة وبين فكر الأمة، فهي لا تفهم فكر تحمله فتبدو هشة متراجعة أمام الهجمات، وهي ليست إلى الروابط الهابطة إلا عندما تترك ذاتها إلى غرائزها فتكون اشد تطرفا بالهبوط ممن يعتنق تلك الأفكار.

وهنالك من يصنع العقبات ظنا انه يفعل الصواب، أو يحكم بهواه ظنا انه يرضي الله فتراه يجعل من نفسه قاضيا يخطئ هذا ويصوب ذاك وان تمكن فلا يتردد أن ينفذ بمن يخالفه العقاب وربما يكون أداة رعب وإبادة بدل أن يمثل قيمة لصناعة الحياة.

إننا إن أردنا أن نرتقي بالآدمية فعلينا أن نرسي القيم الصائبة الغائبة عن البشرية بفهمها الصحيح ومعالجات لعالم حركة بسيطة فيه تؤثر على الكل، لابد أن ترتقي عقلية الفهم الفكري والقيمي مع ارتقاء المدنية لان ما نراه هو إنسان بدائي يمتلك عنان العلم التقني ويتحرك بغرائزه المستعمرة لمنظومة عقله.

نشرت المقال: رووداو

https://www.rudaw.net/arabic/opinion/02032022

كتابات:

https://kitabat.com/2022/03/03/%d8%a5%d8%b6%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%aa%d8%ae%d9%84%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%af%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d8%b4%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b8%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84/

 

 

 


135- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. وصف الظاهرة (1-2)

رابط عربي 21 "مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد...