ينابيع التجديد ونهر الحداثة
المنظومة
الفكرية
دون شك أن مجتمعنا يعاني من منظومة
تنمية تخلف قاسية وجمود في المنظومة الفكرية، فالكثرة من تتحدث عن حالة (مفروض) أن
تكون وتعبر عن أمنيات بلا آليات، فلا حديث عن الكيفية، بل إن هذا المفروض المفترض لا
يدرك متمنيه ماهيته
، البعض عن حياة إسلامية وآخر عن حداثة؛ لا نستطيع أن نقول إن الأولى كانت مثالية أو
معيارية، لكن الحديث في عصرنا يأتي بتجريد التجربة عن الزمان والمكان، ليس لعجز
الفكرة عن التجدد عبر الزمن بل لعجز من يزعم حملها إيجاد ما يجيب على مسائل حاجاته
وغرائزه هو قبل أي احد آخر، وانه يريد أن يتجاهل الزمن والانقطاع والتطور المدني
وما ارسى من نظم مؤثرة وفاعلة وهذه النظم الحديثة نفسها تعاني من ازمه أخلاقية
وتحتاج إلى إصلاح، فنجد البشرية اليوم في فوضى منظمة إن صح التعبير أو متجاهلة لان
أفكار الحداثة والتي هي في الأزمة الأخلاقية التي تنتقص من معنى حياة الإنسان رغم
الخدمات المتاحة التي تغطي تصدعات النظام، الذي فيه مشكلة أساسية في نوع العلاقة
بين الإنسان والقانون.
تجاوز فهم الحداثة الجغرافي من بعض القوى العالمية مع استطالة لفرض قيمه
على أمم أخرى بشكل سلطوي، ولطالما لاحظنا أن الدول الكبرى كالولايات المتحدة مثلا
تطالب الدول الأخرى بمعايير حداثية لكي تحصل على مساعداتها وتتجاهل المعايير
الحاكمة في تلك البلاد وما يحكمها من الروابط العشائرية والعادات والتقاليد التي
تخالف حتى عقيدة الناس انفسهم وشريعتهم أحيانا
وأضحت حاكمة لا تستطيع السلطات تجاهلها، الغرض من هذا المثل أن الأفكار
الوضعية الحداثية تحولت إلى التقديس باستناد لإيمان بفكرة مركزية ربما هنا سيادة
القانون الذي كان ينكر ويجرم حالة شاذة قبل تحققها على الواقع فتحولت إلى واقع
لوجودها وليس لماهيتها ولغياب التشريع الذي يعالجها المرتكز على الماهية لتعارضه
مع ثوابت قانونية أخرى كالحريات وتعريفها القانوني.
نقل الحداثة
وابتزاز الشعوب:
عندما تحاسب دول لمخالفتها ما أقرته
الحداثة باعتبارها معيار أو يطلب المنبهرون تطبيق اقتصاد نظام شيوعي أو رأسمالي،
فهم ينقلون المظهر والمفردة وليس كامل النظام، وهذا النظام لو فكر من يتحدث سيجده
فيه أدوات ترقيعه، لذا نجد أن الدول التي تتحول إلى الرأسمالية في ربط مع
الديمقراطية الشكلية تسجل فشلا وترتكز على الشعب في عملية ابتزاز رهيبة، كما أنها
تذهب للتفكك والفقر لدرجة العوز فما سينقل عمليا قشرة وليس جوهر النظام الذي لا
يمكن نقله لأنه نظام أتى بالمنهج العلمي والتجربة والترميم وليس وفق منظومة فكرية
ايدلوجية قيمية تحمل سمات إيمانية تتفاعل مع النفسية البشرية.
التقديس للأفكار
التقديس للأفكار لا تنحصر بقوم
فالإنسان دوما يحاول أن يرتصف إلى خلاصات أو ما هو ثابت ظنا أن الحقيقة تعني
الإطلاق بينما لا يوجد حقيقة مطلقة في التداول البشري وإنما حقائق تتوالد عن حقائق
تتماهى مع الأبعاد الكونية الزمان والمكان، وانعكس هذا على الإحساس بالتفوق
وامتلاك الحقيقة كالتي نجدها في كتابات الفلاسفة والمفكرين، وأحدثهم فوكو ياما في
كتبه ومنها نهاية العالم على سبيل المثال.
أزمة الأفكار
ربما اتفق مع مالك بن نبي أن معركة
صفين كانت معلم الأزمة الفكرية، لكن لهذا تفسير كبير لا يسعه هذا المقال، وان كان
التفصيل ليس حكما على الحدث ذاته وإنما ما أدى إليه غبر زمن ابعد، وان اردنا
توضيحه سنحتاج فصل في كتاب، لكن أردت من
هذه الجملة جسرا للتحول مباشرة إلى حقيقة أننا نحتاج إلى جهاز معرفي جديد، وبشكل أدق
إعادة تركيب الجهاز المعرفي ليقوم بمهامه في الزمن الحديث ليعالج مشاكلنا، نحن
نعلم النصوص المنبع، لكننا لا نوجه المنابع لنهر رقراق وإنما نوجهها إلى نهر خابط
فلا تغير شيئا بل سيتلوث ماءها هي وربما تكون افسد من غيرها، نحن نحتاج إلى الواقع
ودراسة سلبياته ومعرفة ماهية كل شيء قبل أن نقرر ما هو المطلوب مسبقا ونأتي به
جاهزا فلا نراه مناسبا على فصال جسد الأمة الذي ترهل فلم تعد تلك المقاييس ملائمة
له، وإنما نذهب إلى المعيار الأساس لنتدارس المقاييس الملائمة للجسد الجديد وكيفية
ستر معالجة افتضاح عورته فالقوالب الجاهزة لا تحل مشكلة الامم.
خلاصات فلسفية
إن اليقين بامتلاك الحقيقة وهم لا يقود
إلى الثقة بالنفس وإنما يعطل أدوات التجديد، ولا يبني جسورا بين الروابط الهابطة
المسيطرة على مجتمعنا وإنما يتركها في فوضى يقودها الجهل ليبني حواجز وخنادق لتكون
بيئة الأمة ساحة تراشق وأفكار طوباوية لا تؤدي إلى البناء.
وكمنطق يحتمل صيغة القانون أن
الروافد من ينابيع الصلاح لن تكون تيارا مؤثرا ليشق نهرا صافيا لا يختلط بعكوره ما
لم يك دولة تفتح أفق التكاتف من اجل الإصلاح، فان كان دولة وتغيرت المعايير عندها
يمكن الحديث عن منظومة قيمية محتملة الظهور للواقع
رابط صحيفة كتابات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق