الجمعة، 24 مايو 2024

106 - الكتاب والميزان

 


الرابـــــــــــــط   عـــــ الكتاب والميزان ـــــ21ــــربي


"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحديد: ٢٥).

ما لا يفهمه الناس:

مِن كرم الله وتكريمه للإنسان بخلقه هو منظومته العقلية التي تُستغل الآن في الغالب للشر والكراهية وليّ الحقائق، وهو فساد في الأرض كبير عندما يعم. ودوما نذكر فيما نكتب أن الله ميز الآدمية بمنظومتها العقلية المبدعة والقابلة للتوسع وتطور الأشياء، وتبتدع الوسائل وتخترع ما لم يك من قبل اختراعه معروفا وإنما هو استحداث باستخدام ذات القوانين العلمية المكتشفة لصنع الجديد.

الذي لا يفهمه الناس ويتجاهلونه، هو الغاية من وجودهم في الأرض، ولِمَ يتابع الخالق الآدمية بالحجج والبينات وليس بالصواعق ورفع الجبال كما رفع الطور، إلا إن كان القوم بهتا ولا يتبعون الحجة والبيان وإنما يخضعون للقوة والخوف، وهي حالة البشر عندما يُستعبدون ويتحررون فلا يعرفون معنى الحرية إلا تمردا وكبرا ونكرانا للمنطق فلا يعقلون الأمور، فالغاية من وجودنا في الأرض مسألة مهمة هي: "اختبار المنظومة العقلية التي يجب أن تمنح الأهلية ليكون الاختبار عادلا وحقا ويحاسَب الإنسان بمخرجات ما تميز به إن كان سيستخدمه بالصواب أم بالشطط".

لو فهمنا هذا لفهمنا الحجة لكل أمر متعلق بها ولتوحد المسلمون لإنجاز تكليفهم في الحياة بدل هذا الضياع لهم وللعالم.

عناصر ورابط:

في الآيات الكريمة هنالك عناصر مهمة:

1- ما بيناه من أن الحجة مع الرسل والأنبياء والصالح من الدعاة، وأن مخاطبة المنظومة العقلية هي الوسيلة للدعوة وليس أكثر من التبليغ والخطاب في ربط مع آيات بأخرى: "فذكر إنما أنت مذكر"، "ما أنت عليهم بوكيل"، ومثلهما العديد من الآيات، فالخطاب كخلاصة للمنظومة العقلية وأنها مكلّفة.

2- هنالك الكتاب، والكتاب دلالة على المنهج الذي يأتي به الرسول ليصوب الانحراف ويعيد الوعي إلى المنظومة العقلية، ورأينا عبر السير للأنبياء كيف انقسم البشر وكذلك هو الإنسان في عبر الزمكان مع كل دعوات الإصلاح عندما يرفض أن يشغل منظومته العقلية لتدوير المعلومة والصواب.

3- الميزان هو الذي يقود المنظومة العقلية لتحقيق العدل والعدالة في النظم الإدارية، وهنا يبدو واضحا أنه عمل مدني بشري فيه كفاءة وفاعلية المنظومة العقلية فإن انتظمت عدلت فنجت وإن غالطت فهي ظلمت فعوقبت.

4- إن الله يعلم من ينصره بلا ابتغاء لعلو في الأرض وفساد، وهو قوي عزير على الشطط.

صلابة المنظومة كالحديد

ليس من العدل أن يحاكمك الله على منظومة عقلية ويقيدك، بل إنها صلبة بما يكفي لتحقق العدل. لن يفرض عليك حاكما حتى لو كان نبيا أو رسولا وإنما أنت من تختار، لأنه إن فرض عليك حاكما فهو سيفرض مسارا وبالتالي على ماذا يحاسبك وهو قد سلب إرادتك في توجيه حياتك ومعاشك، فمن باب أولى أن لا يكون هذا لبشر وبالتالي من تجاوز فقد ظلم. الرسول محمد r اختير حاكما للمدينة بالبيعة وليس بأمر الله فهو رسول ولو أنزله حاكما لأنزله على مكة، ولكنه تفاعل فكريا وسياسيا ليشكل دولة في المدينة بها يقام العدل ويحفظ للمخالفين فيها حياتهم ودينهم ومعاشهم ما داموا لا يشكلون خطرا على غيرهم أو يخونون مجتمعهم وهي أول وثيقة مواطنة عادلة في التاريخ.

البيعة في الإسلام

البيعة في الإسلام ليس إطلاق اليد أو الحاكم وهواه، فلا مقدس إلا الله وكتابه والعصمة لرسول الله بالوحي كرسول، فعندما تغيرت الظروف أثناء حكم الرسول كان يطلب البيعة على المستجدات كل مرة.

* طلب الرسول البيعة عندما تحول الموقف إلى الحرب في بدر من الأنصار لأن بيعتهم على حمايته ومن معه داخل المدينة وليس خارجها.

* استجاب لمشورة الخبرة في موقع بدر ولم يرفض الرأي الصائب لأنه كان حينها حاكما وقائد ميدان وليس بصفة الرسالة.

* استجاب لرأي الشباب وخرج إلى أُحد رغم أن له رأيا مخالفا.

* طلب البيعة تحت الشجرة لتغير الموقف.

هذه نماذج من معنى البيعة ومفهوم الحكم، فالنبي ليس حاكما بأمر الله وإنما ببيعة المسلمين وإلا ما استشارهم في أمر، ويبقى للقائد هامش قرار بما لا يكلف شعبه كما فعل في صلح الحديبية، وهي حركة واجتهاد سياسي لقائد لا يوقع تكليفا على شعبه لكن القائد استحسن فعله ومتناسق مع دعوة الرحمة في الإسلام فليس القتال هدفا؛ فكانت نتيجته رائعة تاريخيا.

نحتاج إلى الفهم ومراكز دراسات وتطوير

إن رسالة الإسلام ليست السلطة والإرغام إلا في مواضع نتق الله فيها الجبل بسبب عناد وإقفال المنظومة العقلية على السوء والشر.

إنها رحمة للعالمين، أي دليل يصوب ويصحح ويعظ من يريد أن يتعظ، إنها ليست حزبا أو عشيرة أو فئة، أن ما فيه لكل عقيدة ودين نصح وتصويب للتوجه لا إكراه في المسار وإنما اليوم يوجد آلاف النسخ من القرآن بلغات العالم، وهو متاح لمن يقرأ ومتاح لمن يريد الرحمة ويزيل الشطط من نفسه والكراهية والاستقطاب بلا وصاية بشر.

* إن استعمار غريزة التدين للمنظومة العقلية شطط.

* غلبة غريزة النوع والتملك شطط.

* غلبة غريزة حب السيادة تقود للظلم وتمزيق المجتمع وطغيان وظلم فهي شطط

كان اسمه إبليس لكن عندما خالف ربه سمي شيطانا، فالخيار للآدمي أن يكون آدميا مستخدما لما كرمه الله به أو يُستعبد لغرائزه فيفسد ويظلم فيكون لإبليس صنوا، فكم ممن غلبت عليهم غريزة التدين فقتلوا وظلموا عندما أوقعوا شططهم على الناس الذين يخالفونهم، وهذا تاريخ العالم يشهد على الطغاة أتباع إبليس وهم يحكمون الناس في الدنيا.

إن الاعتبار مهم والسلطة العقلية على الذات مهمة، فالاعتبار في الدنيا مطلوب في الحكم والقيادة وكل حركة لبني آدم لأن الدنيا مرتبطة بالآخرة ولا يفصل بينهما إلا لفظ الأنفاس.

إننا كأصحاب رسالة في عصرنا الحالي لا ينبغي أن نسلك العقل الجمعي أو نتبع أيديولوجيا معينة ينشئها إفراد، بل لا بد من مراكز دراسات للبناء الفكري والتطوير.

وسنتحدث في مقالات قادمة عن الأيديولوجيا والابتلاء والاعتبار.

الجمعة، 17 مايو 2024

105- النحس والحســـــــــــــد

 



اقرأ المقــــــــــــــال على عـــــــــــربي 21

(ومضة المقال: قال صديق حصيف: إن أسوأ ما أبرزت الأحداث في مجتمعنا من العوامل السلبية هما النحاسة والحسد)

الحقيقة معيار مطلق:

الناس يظنون الظنون في الحقيقة وامتلاكها، وهذا متأتيٌّ من طبيعة الإنسان وتأطير كينونته بمحددات الزمان والمكان والانطباعات وغيرها، لهذا يظنون أن ما يعتقدون هو الحقيقة، والحقيقة مطلقة لا حدود لها ولا أطر، قد تكون الحقيقة اليوم مثلا مع مجتمع، إنسان، أو حزب، أو مظلوم، ولكنها غدا لا تكون مع دعاوى ذات هؤلاء الناس عندما يتفاعلون وتقلبات الحياة ويتغيرون معها، لهذا علينا أن ندرك ونحرص أن نكون مع الحقيقة وفي عالمها، فلا يمكن أن تكون الحقيقة معنا كيفما كنا، بيد أننا يمكن بشيء من الجهد أن ندور مع الحقيقة لأن سنن الكون لا تحابي أحدا.

الضحية هي الآدمية:

يعيب البعض على الناس المسالمين الذين لا يزعمون أنهم يمتلكون الحقيقة ولا يسعون للمواجهة، بينما هم يأخذون طريق السلام؛ فيوصفون بأنهم ضعفاء وربما يؤخذ منهم كل شيء؛ منصبهم، جاههم، وحتى مصادر عيشهم عندما تطرد الغرائز الحكمة.

المجتمع سيتردى وتنشط في واجهته ظاهرتان

الأولى:

النحاسة: والنحاسة لغة هي رؤية السوء في كل شيء وتسفيه الصواب.

والحسد: استكثار أي قيمة إبداعية أو موهبة عند أحد.

من يمارسون النحاسة هم مغطون ومنكرون للنخب الحقيقية ومبددون لجهدها، وهم يظنون أنهم يمتلكون الحقيقة ولكنهم لا يرون فشلهم القيمي والآدمي ولا الحيوانية في العقلية والنفسية التي تتملكهم، فيأتون إلى كل إضاءة فيطفئونها، ويفسرون تسامح من تؤذيه غفلة عندما لا يرد بسوء عليهم فيتمادون في إيذائه لأنهم يريدون أن يروا أثر أذيتهم عليه.

تمني زوال النعمة والموهبة والنجاح هذا حسد وليس تمحيصا للحقيقة، ومهاجمة قدوة أو نخبة أو تمنع ظهور مصلح، بالتعتيم على إنتاجه أو تسفيهه فلا تتم الاستفادة منه ولا يتم ترك أحد يستفيد. وهؤلاء يسعون لأهداف زائلة تافهة، يقتلون التجديد، تجدهم باسم الإعمار يطردون الكوادر البنّاءة، فيبدو المجتمع كشجرة مريضة تزدحم عليها الحشرات وتنخر لحاءها اليرقات.

في مجتمعٍ حيث الجرأة عند السفيه يرتفع بالتزييف والوشاية والإقصاء والإبعاد للخبرات المنتجة، تلك السنابل الممتلئة بالعلم وأقل الناس كفاءة في الدفاع عن نفسها أو تجنب الشباك والمؤامرات، حسدا وأنانية وجهلا، بسلوك سوداوي عدمي لا يرى غير نفسه ويسارع في تأييد السلبية والظلم على الآخرين؛ ليس لربح أو مكسب وإنما لأن هناك من يحب إبراز السلبية في كل شيء عدا ما يمسه. وهذا مرض للأسف يمحق ويجرّف طرق النهضة والتقدم عند ذلك سيكون البلد عقيما بإقصاء وإحباط الكفاءات بل تغييبها، وعندما يسند الأمر لغير أهله فلا تأمل إنتاجا؛ لتطمح إلى النجاح بالإبداع.

الطيبة ليست عيبا:

يقول فيودور دوستويفسكي في "الفقراء": "لماذا تعيش النفوس الطيبة النبيلة في الشقاء والهجران، بينما لا يحتاج غيرها حتى إلى البحث عن السعادة؟ لأن السعادة هي التي تلقي بنفسها بين ذراعيه"، بيد أن إجابته الأكثر أملا ووعيا في كتاب الفقراء ذاته، عندما يقرر أن "في النهايات يفوز ذوو النوايا الحسنة". والحقيقة أن فوزهم معنوي، فبيئة الظلم لا تنصف مظلوما وبيئة التخلف لا ترفع نهضويا وبيئة الجهل لا ترفع عالما، والناس يركضون وراء ذي النفوذ الفاسد رغم فساده ولا يحسون بالعالم.

إن مجتمعنا مريض ونخبتنا تحتاج إلى إعادة تأهيل لأنها تماهت، فما ثبتت ولا أصلحت واستغلت قدراتها لتعيش فقتلت السليم بالتهم والكيد والحسد، وسفهت وأحبطت من يحمل أملها وألمها وسجنت نفسها بخيال الماضي المفلتر لتستحضر الظلم وتبرر الفشل بدل أن تسعى لاستنهاض النخب الصاحية ودعمها لتستقيم الحياة.

وصف المشكلة ليس إبداعا:

إن وصف المشكلة ليس إبداعا، لكن الحلول واجب المسؤول عن العمل واستشراف المستقبل ليس أن تقول سنموت عطشا مثلا بعد زمن، وإنما ما يمكن أن أفعله لمواجهة ذلك خلال هذا الزمن. فالمشاكل من أجلها كانت المؤسسات والوزارات لتجد لها حلولا بإدارة الأزمات وليس انتظارها أو تبريرا عقيما بالوصف العدمي للعقبات.

الجمعة، 10 مايو 2024

104 - النشوء والارتقاء في الامم والافراد



قراءة الاصــــــل عربي 21 انقر هنا من فضلك

الله خلق الكون وفق قوانين ما زال العلماء يكتشفونها أو يضعون نظريات وتجرب فتفشل ليضعوا غيرها، فيثبت اكتشاف إحدى السنن أو الأقدار التي بنى وفقها الله هذا الخلق العظيم، فكانت المراحل (الأيام) الست التي اكتمل بها خلق السماوات والأرض وتزيين السماء الدنيا بما نرى من كواكب ونجوم. وهنا نوضح أن الأيام ليست الساعات 24 التي نعتمدها زمن اليوم، فلم تك أرض ولا شمس ولا دوران كالذي عرفناه، فاليوم مرحلة قد تكون ألفا من السنين أو ملايين منها، ووضعت المقادير بما يتمكن الإنسان من إدارتها فإذا وافق سنن الكون ارتقى وإن لم يوافق السنن أخفق.

ولهذا معادلات وعوامل ولا يختص بها قوم أو تدين، وإنما فهم وتعامل مع الواقع (لا يغير الله ما بقوم). والقوم كلمة شاملة للبشرية ولا تخص فئة مسلمة أو غير مسلمة، فحينما راجعت أوروبا نفسها بدأت في الرقي المدني، وكذلك اليابان عندما سألت "ما الذي أخطأنا به لكي نكون مكروهين"، وبقينا نحن على حالنا لأننا لم نستطع أن نوجه تفكيرنا بشكل صائب ووقعنا فريسة إبراز التناقضات والمختلف عليه بدل إبراز الإيجابية والمتفق عليه. إن الأمم التي تُبرز ما تختلف عليه لا يمكن أن تكون إلا كثعبان يأكل نفسه ومصيره الموت حتما.

عوامل السعي في طلب النجاح:

1- منظومة الغايات والمخرجات.

2- التخطيط والموازنة في الظروف المتعددة الملائمة للبيئة.

3- كيفية إعادة تغذية المنظومة في النجاح والفشل.

إن لكل عمل له تخطيط وكفاءة ومخرجات وإعادة تغذية هو منظومة، والإنسان نفسه مخلوق المنظومة فإن أحسن للآدمية قام بمهامه العقلية والمجتمعية وإن لم يُحسن أضحى كغيمة بيضاء عابرة قد تعيق بمرورها الشمس أحيانا


4- وتعد معايير التفكير مهمة جدا، وهي قواعد المنطق ومصدرها الملائم لمتعدد الأمم والمختلف ظرفيا أحيانا.

هذه بعض العوامل التي تعتبر مهمة للفرد وللمجتمع وللأحزاب والكيانات، فهي عوامل تلخص مسار النجاح وتحتوي في داخلها على كثير من الفروع والمقاربات.

منظومة الغايات والمخرجات:

إن لكل عمل له تخطيط وكفاءة ومخرجات وإعادة تغذية هو منظومة، والإنسان نفسه مخلوق المنظومة فإن أحسن للآدمية قام بمهامه العقلية والمجتمعية وإن لم يُحسن أضحى كغيمة بيضاء عابرة قد تعيق بمرورها الشمس أحيانا.

الإنسان، المجموعة، المجتمع، الحزب، الحكومة، المفكر، العامل بأي شيء مطلوب منه أن يحدد الغاية، والتي بها مراحل لكل غاية، وهذه المراحل أهداف إما أن تكون كنتيجة لخطوة أو أن بتراكمها تتحقق الغاية.. هنالك من يعرف الطريق لكنه بحاجة إلى عون ليجنّد طاقاته بشكل فاعل وعملي ليغير وضعه ووضع أمته عمليا. الفكرة والمعرفة وحدها لا تكفي، الأمنيات لا تكفي وقد تكون عائقا وسبب إحباط.

إعادة التغذية:

قد يحقق الإنسان نجاحا ما، لكن مجرد تجاوبه مع الناس أنه حقق نجاحا وأنه بلغ مركزا عاليا ولا يحاول تقديم الأفضل حتى لو كان مطربا أو فنانا أو كاتبا أو أي مما يبرز الإنسان به نتيجة موهبة، عند توقف سعيه وتسبق نظرة الاكتفاء نظرة أنه يمكن أن يقدم أفضل فإنه سيستنزف رصيده ليعود مغمورا بعد أول إنجاز. وقد تنظر أمة إلى ماضيها وتتعلق بما تراه أنه موضع فخرها انتصار أو كارثة تاريخية، وتبقى تتفاعل معها في حاضر تجاوزها واهتم بالمدنية وارتقى فيها؛ لكنه بحاجة إلى فكر يستند إليه فلا يجده عند أناسا يتباهون بما صنعه الفكر من ارتقاء ثم غاب ولا يحسون أنهم واقعا في منحدر حضاري سحيق. هذا سيقود إلى تشويه الماضي وتخلف الحاضر والعيش في أحلام اليقظة بلا مقومات ولا مؤهلات، فيكون الفرد والأمة محض فرشاة أو لوحة يرسم بها أو عليها الآخرون مشاريعهم.

جدلية الإحباط:

الإحباط دوما مرافق لسوء التخطيط والفهم، وهو يخفض درجة الإرادة والنظر إلى الأهداف، أي تقليص الأمل، وهذا يعني فراغ النفس والرغبة في الاستمرار. لا بد من التكامل والتكامل لا يأتي بالمؤهلات والقدرة باتجاه واحد، فالمقاتل الشجاع والمقدام ما لم يعط سلاح ملائم وكافي لإتمام مهمته فهو سيفشل، كذلك إن قتل فلا ينفع السلاح الكثير فلا بد من تخطيط ليحتمل هذا على سبيل المثال، 

ن عطل الأدوات أو لم يهتم بها وتصور أن هذه من الأمور تكميلية فهو حتما رفيق الفشل، والواقع يرينا الإحباط مجسدا وهذا يؤثر على الاستقرار ولا يمكن تبريره بالمؤامرة والأعداء والمعارض والمناوئ، فهذه تحديات تأخذ تأثيراتها الدراسات وتضع لها علاجات

وعندما تريد قطع طريق صحراوي فلا بد من خرائط وأجهزة توجيه ووقود وطاقة كافية لإتمام رحلة صيد أو تخييم، كذلك الفرد في مهمته والحزب الساسي والحامل لراية الإصلاح، فهي من الأقدار وهبة الله للمنظومة العقلية. وتعليمه مفهوم التوكل لا يعني أبدا أن تترك فقرة أو خيط سائب، فلا بد من علم ومهارات، وفكرة أن العمل سيتم ولا يهم كيف أو بأي إنسان فكرة خطأ؛ لأن الإنسان الذي يملك علما ومهارة ليس كالذي لا يملكها ولو كان ما كان من الذكاء.

معايير المراجعة:

التفكير أن إعادة التنظيم هي محض مراجعة وأنك فشلت في التنفيد، فهذا الفشل القادم وتكرار الذات. وقد ناقشنا بإسهاب هذا الموضوع في مقال التنظير والتفكير الاستراتيجي، فلا بد أن ندرك ما يجري كل خطوة ونوثق وندرس ونبحث ونضع جداول ومعايير ونعدل الأفكار ونحن نسير نحو الهدف مرحلة ثم أخرى، وإلا فالمراجعة عملية تزيد الإحباط وضحك على النفس، فالإخلاص حرص على التتابع والإنجاز، أما فتات الوقت فلا إحسان فيه ولا إبداع، وأي عامل فرد أو حزب أو دولة لا بد أن تمتلك آلية للمراجعة كل حسب مهامه ومراكز متخصصة لإنتاج الأفكار ومتابعتها وإجراء المراجعات.

هذه آليات مهمة، ومن عطل الأدوات أو لم يهتم بها وتصور أن هذه من الأمور تكميلية فهو حتما رفيق الفشل، والواقع يرينا الإحباط مجسدا وهذا يؤثر على الاستقرار ولا يمكن تبريره بالمؤامرة والأعداء والمعارض والمناوئ، فهذه تحديات تأخذ تأثيراتها الدراسات وتضع لها علاجات.

الاثنين، 6 مايو 2024

103 انتفاضة الضمير الامريكي

 

انتفاضة الضمير الأمريكي



الطلبة ضمير الأمة:

تعلم الطلبة الحلم الأمريكي نظريا وهم يتطلعون أن يدخلوا سوق العمل فيصوبون السلبيات إلى ما يطابق الحلم الأمريكي ويعدلون " فشل من سبقهم".  كل الأمور تسير كما هو مطلوب لها وفق القواعد التي إرساها (أصحاب المصالح) أو كما سماهم ماركس (الرأسمالية) إلى أن انفجر التطور السريع في عالم الاتصالات والتواصل فبدأت أمريكا ترى ما تفعله أسلحتها بالناس العزّل، ورأى الضمير الأمريكي وهم الطلبة الشباب أن من يقتل هم أناس مثلهم مسالمون مسجونين لهم أحلامهم وتطلعاتهم وان الظلم واقع عليهم عندما حوصروا في مساحة ضيقة لتنهال عليهم القذائف وتدفنهم الأبراج التي يسكنوها بقذائف طائرات لا يملكون أن يتصدون لها فيتحرك الطيار ليسكب حقده ويدمر العمران والنسل.

الطلبة يمثلون حالة التلقي للنظرية، والنظرية تبيح لهم الاعتصام والتظاهر بل توجب عليهم نصرة التحرر وحقوق الإنسان وان ما يفعله الصهاينة هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان إضافة إلى السيطرة على المقدرات وان أي حراك يقابله هذا الدمار والقتل لكن على من تحتج هو الذي يقرر سلامة التطبيق.

الرأسمالية:

نلاحظ اختلافا لكسر العظم بين بايدن وترامب لكنهما متفقان على قمع المظاهرات والاعتصامات، كذلك عدد آخر منهم رئيس مجلس النواب، وهم لا يرون قتل عشرات الألوف إبادة جماعية ولا أي تصرف هو تصرفا ليس إنسانيا، وان اعتصامات الطلبة (الضمير الأمريكي) هو معاداة للسامية، وكان الصهيونية دين الله بل الله نفسه يحيي ويميت ويعذب من يشاء، والحقيقة أنها تمثل أصحاب المصالح وطغيان غريزة حب التملك وليس اليهود واليهودية وإنما الصهيونية التي تعتبر الكيان المخيم المتقدم لقمع أي ظهور لما يمنع الخضوع التام لأصحاب المصالح، وكل شيء خلال ابتزازهم؛ إبدالهم، ووعود يحققها حزب ليلغيها حزب مقابل تامين  الكيان كما حدث في الاعتراف بعائديه ارض مقابل التطبيع ثم تلغى، وإقرار صفقات استراتيجية ثم إلغاؤها، أو مساومة على عقوبات وتصنيفات تشكل ضغطا اقتصاديا أو سياسيا عليها .

الدولة الحديثة وكما كتب فيها مفكرون مثل وائل حلاق، لم تقم على أساس أخلاقي وإنما السلوك الحسن هو جزء من قيمة النفعية التي تجعل راس المال واستثماراته تنمو، ومن الواضح أن أصحاب المصالح أحاطوا راس المال بآليات كالديمقراطية الحديثة والتي هي لا تزيد عن اقتراع مفاضلة بين من يختارهم الرأسماليون من خلال الأحزاب، ولا تكاد ترى فارقا بينهم إلا بما أوكل اليهم من تصنيفات تكون موضوعا للجدل والحوار، وتحدثوا عن حقوق الإنسان وقيموا دول العالم الثالث المليئة بالاضطرابات والمشاكل والتي اغلبها يعبر عن مزارع الاحتلال وما تركه من أناس يحكمونها دفاعا عن سلطتهم أمام هبات الشعوب في فقدانها الصبر والتحمل للاستبداد.

أفاتار الاستبداد الرأسمالي:

الرأسمالية منذ تشكلها تبنت النهج الإمبراطوري المغلف، فكانت تأتي بقناع الحسناء فلا تلبث أن تنزع القناع ليظهر الوحش عند رفض الشعوب لنهبها واستغلالها، وما نراه من آثار مدنية هو حاجة لديمومة الاحتلال بشكل استعمار لتلك المناطق لتسد النقص في كوادرها بالموارد البشرية للمناطق المحتلة وإقناعهم بالدونية والتبعية وهذا حصل مع كل الدول فنشأت كوادر مازالت تولد أجيالا من عقلية التبعية والاستبداد ليس التبعية التعبدية فقط وإنما ظهور البعض وعن قناعة بمظهر العدو للاحتلال لكنه في الحقيقة ينفد برنامجه في محو الشخصية والكينونة والثقافة الخاصة باي شعب لكي يستقل ويتخلص من رواسب الاحتلال.

إذن تركت في المناطق شخصيتها الحقيقية والوحش لتبقى في موطنها بصورة الحسناء وتبقى ممسكة بحبل حول عنق الوحش فلا تعترض الشعوب لإهانته فهو وحش فعلا، لكن لا تقول إن هذا الوحش هو الأفاتار الذي أمثل لبه أنا المحتل السابق كما تتصورون، ومن الطبيعي أن يكون لهذا المسخ أنصار وعبيد.

الحسناء والوحش:

جميل أنت أيها الحلم الأمريكي في نظر الشباب ذلك الضمير الأمريكي الذي صدق انه حر وانه مسؤول عن الإنسانية في العالم، لكنه عندما اعترض ولم تتجاوب الحكومة لأنها هي الأخرى مستعبدة لمشروع الكائن الطفيلي، ظهر الفرق بينها وبين الافاتار المزروع في الشرق

يمكن التقرير الآن أن الديمقراطيات تقمع والدكتاتوريات تقمع.  تبين من التجربة وخصوصا بعد (انتفاضة الضمير) لطلاب أمريكا، لكن الفرق بين الدكتاتورية والديمقراطية بالقمع هو أن الدكتاتوريات شفافة باستخدام قوتها فهي مباشرة ولا تبرر أما الديمقراطية فإنها تقمع بتفسير القانون وتفصيل وتبويبه على الأحداث. فهو لا يهاجم المتظاهرين من باب الاحتجاج والحريات وإنما يحمي الأملاك العامة فيسجن المتظاهرين ويضربهم وسينتقل حتما إلى القتل فقناع الحسناء لن يدوم أمام خربشة أظافر وأنياب الوحش.... فالنظام الرأسمالي أسوأ في رد فعله تجاه المخاطر من افاتاره الاشتراكي أو أي قناع آخر، ولكن حافظ على صورة الحسناء لأنه كان بعيدا مستقرا، فتقلص العالم بالتواصل وتململ الاستقرار وبانت الهشاشة في بيت العنكبوت.

تصويب الشرعية في النظام الإسلامي ضرورة:

العالم اليوم يحتاج إلى العدل والى أهلية الإنسان في الاختيار والسلوك، لكن النظام الذي يمكن أن ينقذ البشرية معاب ومكبل بالأفهام القديمة وتفسيرات تبريرية لأخطاء سياسية ارتكبها الخلفاء والملوك من بعدهم إلى السلاطين لتنتهي الأمة قابلة للاحتلال، واليوم نحن أمام مهمتين، إصلاح الذات وإنقاذ العالم، وهذا مستحيل بوضعنا الحالي.

الخلافات بين بعض المذاهب وتحولها أحيانا إلى طوائف بدأ دوما سياسيا ثم ولطبيعتنا باننا نؤصل لكل شيء حتى الجياد والجمال والقطط، ذهبنا إلى تأصيل خلافاتنا بتشويه الأصل فلم يبق قاعدة للبناء عليها راسخة.... علينا أن نخرج القواعد كما فعل إبراهيم وهو يبني البيت لنتخلص من أزمة الشرعية التي جعلت المسلمين فرقا يثبط بعضها بعضا نسيت مهمتها فتاهت في الفساد الإداري والمالي والسياسي والمجتمعي وضاعت لتبحث عن نفسها في بحار من الأسن تبدو الآن على حقيقتها بانها وحش ساكن للمجاري بلا إنسانية وليس حسناء جميلة.

السبت، 4 مايو 2024

102- نحو بناء نظام عالمي جديد لادمية مكرمــــــــــــة

 

 رابط العربي 21

هنــــــا


"الناس من خوف الذل في ذل ومن خوف الفقر في فقر" (الإمام علي بن أبي طالب رضي  الله عنه".

ما علمنا الله ونسيناه:

إن الله جل وعلا حدث الإنسان في كتابه العزيز عن مستويين من المعرفة التطبيقية، أنه تعالى خلق الكون وهو الرحمن ذو الجبروت القاهر، وهو الرحيم الذي كتب الرحمة على نفسه وأمر عباده بالرحمة والقسط؛ فلا ينبغي أن يغتر العبد ويظن أن من معالم التمكين ظلم العباد ودمار البلاد، أو إجبار الناس على قبوله مرغمين بكل ما يطرح من أكاذيب أو يقهر الأمة ويرغمها.

قال الحسن البصري رحمه الله: "قرأت في تسعين موضعا من القرآن، أن الله قدر الأرزاق وضمنها لخلقه، وقرأت في موضع واحد: الشيطان يعدكم الفقر، فشككنا في قول الصادق في تسعين موضعا، وصدقنا قول الكاذب في موضع واحد".

انطبع فهم التمكين مع القوة والهيمنة بل الظلم، وهذا ليس المعنى من التمكين، فالتمكين هو القدرة على تحقيق الأهداف.


وقال محمد الغزالي: "كل دعوة تحبب الفقر إلى الناس أو ترضيهم بالدون في المعيشة أو تقنعهم بالهوان في الحياة، أو تصبرهم على قبول البخس أو الرضا بالدنية، هي دعوة فاجرة يراد بها التمكين للظلم الاجتماعي، وإرهاق الجماهير الكادحة في خدمة فرد أو أفراد، وهي قبل ذلك كله كذب على الإسلام وافتراء على الله".

الظلم ليس تمكينا:

انطبع فهم التمكين مع القوة والهيمنة بل الظلم، وهذا ليس المعنى من التمكين، فالتمكين هو القدرة على تحقيق الأهداف، فليس التمكين في الأسرة مثلا هو التسلط على الأسرة، وإنما كيف نصنع المحبة التي يفشل كثير منا في صنعها، ليس أن تتسلط على زوجتك، بل كيف تكون لك رفيقا ودليلا في منعطفات الحياة.

انطباع الجهل والتخلف:

لقد اقترن التمكين عندنا بالقدرة على تحقيق وفرض رؤيتك وأفكارك، وربما سحق وإذلال من تراهم أعداءك أو منافسيك، أي التغلب، وهذا لا يمكن أن يمارس إلا مع عدو وليس مع من يعيش معك ومشاربه مختلفة، أي له دين آخر، عقيدة أخرى، رأي آخر، فهم آخر، فهذا كصراع الزنابير في خلية واحدة، وأسلوب اعتمده الأسبرطيين مع أعدائهم في المدن الأخرى، وتعتمده الولايات المتحدة في حروبها، ونحن نلاحظ في عصرنا كم الفشل والدمار للمدنية الذي يحدثه هذا الأسلوب، وزراعة وتنمية الأعداء، وتسريع ضعف منظومة الدولة.

الأفكار المتطرفة التي ترفض الآخر، لا تستطيع إقامة دولة صحية، بل تبقى كيانا هشا متعرضا لانقلابات ودورات التغيير، بشعب يزداد تفككا وفوضى، غير متصالح بين أفراده، وهذا ليس تمكينا؛ لأن التمكين يرافقه بناء وكرامة للإنسان الذي كرمه الله؛ والتحام للداخل بحيث يكون منيعا، أما هذا، فظلم وتحسس من الظلم، وصراع، ولا يقل عن وضع بركان لا تعلم متى ينفجر. والحقيقة أن تغيير هذا المصير عند أناس أحاديي النظرة ليس بالأمر اليسير، وإنما يحتاج إلى تمكين التوعية ومراكز دراسات وأفكار إيجابية وإعلام.

ليس حلا أن يجبر الناس على قبول الذل، فهذا أمر يستحيل استمراره، وليس حلا أن تخاف على الرزق خشية الفقر الذي يصوره هذا الخوف، وليس صحيحا أن تفرح بمظاهر تمكنك من ظلم الآخرين وقمعهم.

التمكين بالعطاء:

الناس عادة يأخذون موقفا عدائيا من الجديد أو حذرا على الأقل، فإن ظلما ثبت عندهم أنه طغيان واجب الإزالة ولو بعد حين، لكن احتجاجهم أو نقدهم للجديد لا يعني أنهم سيتخذون موقفا مضادا منه، فالأمور ترتبط برعاية مصالح الشعوب، ومن أجاد خدمة شعب ملك ولاءه، فالخدمة بصدق ورفع درجة الاستقرار والرفاهية، هما تمكين في داخل كل بلد.

التمكين بالعلاقات الخارجية:

في العلاقات الخارجية، غالبا ما تأتي الدبلوماسية كأسبقية في التعاملات أو الجبر عليها من خلال مرحلة حرب تتخللها، الإنسان ما زال في حالة تخلف في علاجه للمشاكل بعقلية المقاطعات والمدن، لكن العالم نتيجة التطور التقني والتكنولوجيا أضحى متقاربا يتأثر ببعضه، فعقلية التغلب والسياسة القذرة وسحق الآخر من أجل أن أحمي نفسي، تعبر عن ضعف في العقلية والنفسية والمسافة الشاسعة بين التنافر النفسي والعقلية المنحدرة، أمام التقارب الزمني والمكاني بحكم التقنيات الحديثة، لذا فمن الممكن أن يحل التوازن بالتفكير بأن السياسة هي كيف تصدق النصيحة والشراكة والحلول، وتعطي ما عليك من حق وتأخذ ما لك، تعيد النظر لترد مظلوميتك وظلمك في آن واحد.

أما الهيمنة والظلم، فهذا يدل على انحدار حضاري وخلل في التوازن بين التطور المدني والعقلية، وهذا ما نرى نتائجه على الأرض.


أما الهيمنة والظلم، فهذا يدل على انحدار حضاري وخلل في التوازن بين التطور المدني والعقلية، وهذا ما نرى نتائجه على الأرض، ففي العصور التي كان الحل فيها الاحتكام للسلاح قد يموت عشرات ومئات وفي الحرب العظيمة يموت الألوف، لكن التقنيات تطورت وبات يمكن بخطأ بسيط أن تبيد البشرية، أو تعيدها إلى عصر ما قبل التكنولوجيا.

المطلوب:

أن يطرح ويتبنى القادة العقلاء برنامجا أمميا لإعادة النظر في العلاقات الدولية، وأن يتبنى المصلحون برنامجا لترتيب البيت الداخلي لكل دولة، وتوضع دراسات تطبيقية وإصلاحية لإعادة النظر بكل شيء؛ لأن هذه الهزات بين الدول وداخل الدول تسبب الكوارث وستتعاظم الكوارث مع الأيام، والاستباق في التفكير والإجراءات يمثل ضرورة ملحة، ونحن نقترب من مشاكل بيئية وفي خضمها مشاكل اقتصادية، ومكانية تعالج بعقلية وقيم أزمنة ماضية، لا تتناسب وتفكير مطلوب للعصر.

إن القرآن الكريم بمثانيه، يحتاج مؤسسات فكرية لاستنباط الحلول الملائمة للواقع بفهمه وتحييد الجهاز المعرفي الموروث عند الجميع، الذي هو عنصر تخلف وصدام وليس رقيا للآدمية.

السبت، 27 أبريل 2024

101 - امـــــــة الزومبي





رابط عــــــ21ـــــــربي



من عبادة الأصنام إلى عبادة الأعلام

ملاحظات تحمل ألما أظهره باستحياء من أمه الزومبي، لمحة من سلبيات تحتاج حل لنحيا:

1- إن الناس يقدسون الأشخاص وينزهونهم لمجرد أنهم مشهورون أو أن هنالك ارتباطا مصلحيا معهم، بل يعظمونهم لدرجة الاستعداد لكسر أية طاقة واعدة قد تكون هي وسيلة إنقاذهم. هذه العبادة الخفية والجاهلية في العقلية والنفسية لكي يبقى هذا الشخص أو الجماعة في مرتبة المعصوم رغم أن غير عبدته يرون أخطاءه أو سوء أدائه في الليلة الظلماء.

2- ومعروف أن الناس باتوا يسمعون بألسنتهم ويتجهون مع الدعايات التي من الطبيعي أن تصاغ بشكل منطقي إن أريد تشويه سمعة البعض مجموعة أو أفراد حزب أم عشيرة، فنرى الحكم العام بالسقوط أو الارتفاع والنزاهة، فهو يبدو بالعقل الجمعي ما بين الكفر ببعض وعبادة آخر.

3- شعوب العالم تحتج على إبادة أهل غزة ونحن لا حس ولا حراك بل هجوم داعم للكيان من الإعلام، وشعب لا مظاهرة ولا احتجاج وحكام ذيول وعبيد. والعبد المتسلط أقسى من سيده في قمع أي محاولة لحرية إخوانه من المستعبدين، نفاخر بمظاهرات من اجل غزة في بلاد تحاربها، وتسير حياتنا كالزومبي، نعيب على الغريق أن يبحث عن شهقة.
لأننا تقليديون نرفض الإبداع والتغيير، نحمل أوزار الماضي فخرا وجاهلية أو جهلا ولا نرميه لنرتقي جبال الحياة الوعرة، ونمنع من يعيننا في شفاء العميان كيلا يرى أحد بدوائه فلا نصل القمة وحتى إن وصلنا فما لدينا إلا التقليد!

4- الناس لا يراجعون ما ورثوا من اعتقاد أو اتخذوا من انطباعات، رغم أن هؤلاء من درجة علمية عالية فلا يسعفهم منهجهم البحثي لتصويب أنفسهم نتيجة الانغلاق الفكري عندهم.

5- الحقيقة وامتلاكها شعور سائد على انطباعات بأدلة منطقية أو غير منطقية بحيث يعتبر العالم من غير فكره عالما آخر، رغم انه لايري لفكره تطبيقا أو ملامسة تؤكد انه حقيقة.

6- ملايين من الناس يمارسون طقوس العبادات وينسون أهمها، عندما يرون أن هذه الأموال التي يصرفونها في الطقوس هنالك أناس أكثر حاجة لها لكي يصمدوا ويواصلوا صبرهم على الرباط، فقد رأينا ملايين في عمرة وهنالك مليونا محاصر جائع ويشارك في حصارهم أبناء جلدتهم. هؤلاء الناس بلغت بها غريزة التدين درجة الخدر، الحقيقة الواضحة أن تغلب الغريزة سواء كانت تدينا أو نوعا من حب البقاء والتملك، كلها سواء في أنها تغيّب العقل الباحث عن الحقيقة وتستعمره لإشباعها، الحيوانات تفعل ذلك حتى أنها تبدو عاقلة مثل الإنسان، والحقيقة أن هذا صواب عندما يجنب العقل الغرائز عن الإنسان، ولأن رقي الإنسان في الإبداع في التفكير والبحث عن الصواب، وعمارة الأرض وتنظيم السلوك، وبناء الأولويات وما إلى ذلك، لكنه أبشع من الحيوان إن تملكته الغريزة لأنها غرائز مستدامه يخطط لها وليس دوافع نزوية.

7- إننا نفعل ذات الفعل الذي نحكم عليه بقسوة عند الآخرين ونتعايش معه في أنفسنا.

لأننا تقليديون نرفض الإبداع والتغيير، نحمل أوزار الماضي فخرا وجاهلية أو جهلا ولا نرميه لنرتقي جبال الحياة الوعرة، ونمنع من يعيننا في شفاء العميان كيلا يرى أحد بدوائه فلا نصل القمة وحتى إن وصلنا فما لدينا إلا التقليد!

مجموعة يظن كل منها أنه يملك الحقيقة تعني مجموعة من الزنابير في خلية واحدة، كل يهدم ما يبنيه الآخر ليبني ما يريد فيهدمه الآخرون. وهكذا فالخراب الفكري والتمزق الاجتماعي حاصل بانفصال حقيقي لا يحله أن يستقل كل بجزء من أرض، لأنه واقع أمة فقدت البوصلة عندما أوقفت ميزتها الآدمية في التفكير وانحرفت لتقودها الغرائز كل حسبما تغلب فيه.

جدلية الظلم والتخلف

هذا الظلم للنفس، وظلم الحاكم إن حكم أو المتسلط بسلطته، لا يأتيه الفلاح، فلم تبنَ سنن الكون على الظلم، لهذا عندما تعظم الأمم الجيل العامل البنّاء ويأتي جيل الرفاهية تبدأ مرحلة الهبوط فتنحدر الأمم ليحل محلها آخرون، ما لم تمتلك عنصر التجديد الواعي. وأمتنا اليوم بعيدة عن الارتقاء لأنها جامدة في تفكير أفرادها، تكرر ذاتها ولا تملك أدوات المراجعة، تفهم المراجعة أن تعود بنفس الطريق لتصل نفس النتائج فهي على صواب إذن، والآخرون يمنعونها من التقدم فهي لا تحتاج للتغيير، ويستمر عنصر الغلبة عندها، والتمكين هو قهر المختلفين داخلها لبعضهم فيستمر التخريب والتخلف.

إغاثتنا من غيرنا

دائما ننظر إلى القوة ونتصور أن إغاثتنا من غيرنا وقد فشلنا في أن نكوّن أمة ودولة، بينما يمكن أن نتفاهم إن ثبطنا غرائز طغت عندنا.. إغاثة الغير المنتظرة، واستجداء حكمه الإيجابي ورضاه، لكن لا شرعية تأتي من عبودية الغير واستعباد الأهل ظلما لتمكن التوافه من الصدارة وهذا يقود للتخلف.

الفهم وليس الحفظ
كل بلاد المسلمين لا بد أن تراجع وتتصالح مع سبب حياتها وتفهم ما عندها وليس أن تتحدث به وترميه في الممارسات والسلوك بعيدا

عندما أتحدث عن المسلمين فأنا أتحدث عن الأمة بتنوعها وليس عن دين وإنما ثقافة، آدم أبونا جميعا كان يعلم الأسماء كلها، لكنه لم يدورها بالفهم، كذلك نحن الكل يتحدث عن الأمانة زمن الغدر، والنزاهة زمن الفساد، والعفة، فإن افتضح أحدهم تبرأ الآخرون.

نعرف أن الله قال كفوا أيديكم، والناس يمدون اليد بالأذى ويكفونها عن الخير ويعملون للفانية ويتغافلون عن الباقية، ويخونون الأمانة وهي معيار سلوكي، فالأمانة في كل حركة، وأبشع الخيانة مراوغة الحقائق ونكث العهود من عالم أو قدوة كنخب فاعلة بما يسبب الكراهية والظلم، إننا حقا أمة أوتيت جدلا فنمخر بالوهم عمق بحر الفشل.

الأمانة والعهد

كل بلاد المسلمين لا بد أن تراجع وتتصالح مع سبب حياتها وتفهم ما عندها وليس أن تتحدث به وترميه في الممارسات والسلوك بعيدا؛ نحن متخلفون عن الإسلام بل لو نجا الإسلام من سوء صورة نقدمها لما دعونا أن ينقذ الإسلام من المسلمين.

قيم الإسلام المطلقة والتي تشمل مناحي الحياة يتكلم فيها الجميع ويبدو أنها ليست مفهومة من الجميع، لأن "القرية كلها في المسجد فمن سرق حذائي؟" 

الجمعة، 19 أبريل 2024

100 - رجــــــــل الدولــــــــــة

 العربي 21

الشبكة


ما بين اللقب والأداء:

الحقيقة أن تبني التعريف للسياسة بأنها فن الممكن والقدرة وما إلى ذلك، لم يرتق بها وإنما تخلف بها كعامل مدني أصابه العطب في أنحاء العالم. والأمر ليس حديثا، فعندما أراد الرئيس الفرنسي رينه كوتي (1954-1959) تعريف رجل الدولة والسياسي قال: "رجل الدولة يعمل من أجل بلاده، والرجل السياسي يريد من بلاده أن تعمل من أجله". إذن معنى السياسة المنقول لنا وفق تقليدنا للغرب هو هذا، فالسياسي الذي نعنيه هو من يملك المقاربات وإدارة المصالح والمرور من طرق ضيقة لينتهي إلى حيث يريد، وهي مبلطة لانتقاله من جديد، وعندما يكون من حملة القيم وهموم الناس والسعي الجاد من أجلها فهو يضع خطواته ليكون رجل دولة، فرجل الدولة فوق الأحزاب وإن كان حزبه وفوق المساومات وإن كانت ربحه لمنصب أو مال، هكذا ألمح الرئيس فنسنت أوريول رغم أنه كان رئيسا لحكومة مؤقتة.

الفرق بين السياسي ورجل الدولة:

في تعريفنا للسياسة كإدارة مصالح الأمة فالسياسي يعد من رجال الدولة، لكن رجل الدولة ليس بالضرورة أن يكون في السلطة أو يعمل في الدولة، بل هو كل من يساهم في نهضة بلده بأفكار أو أعمال أو رفع هموم الناس والسعي لتخفيفها أو مساعدة النخبة في الدولة لفعل ذلك.

فرجل الدولة يفكر في الأجيال، وإن كان سياسيا فهو لا يساوم بمصالح الناس من أجل الفوز بمكان في السلطة، وغالبا العامل في السياسة مراوغ وليس شفافا، فيما رجل الدولة شفاف واضح. ويمكن أن نرى هذا في تاريخ الساسة في العراق مثلا؛ نوري السعيد كسياسي ورجل دولة، وفي العهد الجمهوري عبد الرحمن البزاز.

المساومات، الصفقات، التسويات.. هذه لا يعتبرها العامل في السياسة أمرا يخجل منه، أو يرى الفساد إن مارسه، لكنه يرى الفساد في الآخرين وبالذات من يظن أنه غلبه على ما يراه غنيمته، ولهذا هو ينسى ولا يتذكر كذبا أو حقائق قالها أو فعلها لأنه يريد عبور اللحظة. وهذا ليس عند رجل الدولة الذي يضع من قيمه حدودا لما يكسبه كشخص حتى لو مُنح له قانونا، فهو سيستعين به لرعاية هدفه في تحسين وضع المواطن، لأن الجمهور ووضعه استراتيجية عنده وليس تكتيكا أو وسيلة صوت ليصل الكرسي.

العامل في السياسة لا يهمه ما يحصل من استثارة السلبية في مشاعر المواطن، وهذا ليس ديدن رجل الدولة الذي يهمه أن يجمع الأمة بالمقاربات ويوجه وسائله للتقارب والتعايش وتخفيف الألم والتصدعات إن وجدت.

كم من فاشل تمكن من السلطة بلا كفاءة وفاعلية سلبية وسفيها، لأن أحد العاملين في السياسة احتاج رفعه لكيلا يرتفع إنسان كفؤ نظيف متمكن، ظنا أنه يمكنه السيطرة عليه وتوجيهه لمصلحته، لكن نسي أن هؤلاء الناس يرتقون السلالم ويدفعونها.


رجل الدولة يبحث عن مشاريع دائمة واستراتيجية تتوسع وتعطي عملا للكثرة ويجمع حوله الخبراء ورجال الفكر والدولة، أما العامل في السياسة، فهو يرى المشاريع صفقة، ولا برنامج مستقبليا إلا لشخصه ومن يحيطون به، وهم مجموعة من الطبول الفارغة التي تمجد من في السلطة.

رجل الدولة ينظر إلى المنصب كمهمة لهذا عندما لا تسير الأمور كما يشتهي يغادر ويعلن فشل المهمة ويغادر، فالكرسي عنده آلية وأداة فقط، أما من يحب السلطة فلا يشعر بالفشل وإنما يعكسه على آخرين بأنهم لم يسمحوا له بأن يقوم بعمله كما ينبغي.

حب الظهور وكلام كثير بلا استراتيجية أو هدف، رسائل مداهنة لهذا وذاك وذم هذا وذاك وتنازلات وتراجع عند اللزوم، المهم أن يتمسك بما وجده من حلاوة الكرسي وميزاتها، أما رجل الدولة فهو رجل أفعال، والتضحية من أجل القيم والاستقرار بل من أجل الناس هي ميزة رجل الدولة في السلطة وخارجها أيضا.


هل كل عامل بالسياسة رجل دولة؟

طالما يُكال المديح بنزع لقب رجل الدولة في الإعلام من مختلف الطبقات؛ ممن يعرف أو لا يعرف معنى قوله تقييما وتصنيفا لهذا أو ذاك من القادة أو السياسيين أو مسؤولي الدولة، وكأن المصنف هذا يجد نفسه مؤهلا لإصدار تلك الأحكام ومن الواضح أنه لا يعرف معناها وأنه محض مداهن يتقبله محبو السلطة، وهذا من عيوب الميديا التي تظهر أجرأ الناس على الكلام نتيجة جهلهم وتغفل نخب المثقفين فعلا لأنهم لا يعتمدون الإثارة، فالمتكلم والمتلقي صفتهم السطحية.

رجل الدولة إن تولى حل الأزمة ورفع النقمة ورفّه شعبه وجانسه ووحّده على قيمة، استصغر عظائم أعماله ودعا النخبة للتخطيط وليس للتمجيد ووزع المهام والمقترحات لدراستها. فترك الاجتهاد بلا تخطيط ضياع للجهد، والأمر ليس بأن تقترح أفكارا إيجابية بل أن يكون هنالك مسار لتنفيذها، وإلا ضاع جهد منظمات المجتمع والحكومة وجهد الصالحين ورأي رجال الدولة من غير الحاكمين بمجاملة الأمنيات ومخاطبة الضعف والحاجة بلا حلول، أو امتداح الفشل المتعاظم انفجاريا على أنه نجاح، فكم رأينا الأمة -نتيجة التضليل- تتمسك بفاشلين عبر التاريخ المنظور حولوا الذهب رمادا، لهذا تأخرنا عن الأمم حين قتلنا أملنا بتغييب الصالحين وتسفيه العلماء والنخب والمثقفين، بل هنالك من يجند المادحين ويكرمهم فيزداد رصيد النفاق، ويبقى الناس في سبات العجز يرون ولكن لا يقوون على الفعل فيميلون للنوم والحلم بما لم يحققوه.

مهمة الإنسان البناء وليس المناكفة، ومهمة رعاية المصالح إعلاء النخب العاملة والفاعلة في النهضة والبناء وليس تعظيم الغوغاء والرياء أو الجدل العقيم والتخلف.

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...