الجمعة، 13 سبتمبر 2024

125 - مســــــــــــــالك مضللـــــــــــة

 رابط عربي 21



عندما نستطلع الأفكار منذ القدم سنجد انتقالات مهمة مع الزمن، فلا شيء ثابت ولا يمكن الثبات، وإنما الكون بكل تفاصيله في حالة حراك وتغيير، حتى الفكر فهو يتوسع ليتغير الفهم عند الإنسان بعد أن ظن فيه الثبات بفهم خاطئ ودافع عنه وضحّى، فالساكن لا ينتج قطعا حتى وإن لم يك ميتا.

فلو نظرنا إلى أفلاطون وعالم المثل عنده وأسلوبه في الاستقراء ما بين العقلانية التي تبتعد عن الرومانسية، وإقرار أرسطو طاليس عن طبيعة الأرض محور الكون، والذي تبنته الكنيسة وكأنه منزّل لتحكم بالهرطقة والموت على من يخالف هذا كغاليليو، وما تبناه الفقهاء والفرق الإسلامية من أفكار تسقط كلما ازدادت المعرفة بالماهية.

فالفلسفة العقلية بُنيت بوضوح مع هيكل في النظر إلى الأفكار والمادة، ثم الواجب والمحسوس عند كانط، وانقلاب هذا كله مع ماركس الذي حصر الأمور كلها بجدلية واقعية أو كما افترض هو للمادة ووسائل الإنتاج وفسّر الماضي وحاضره من خلال فكرة الصراع هذه، لكن ما تبين لاحقا أن التفكير بهذا الاتجاه ليس إلا نوعا من المصفوفات الإحصائية التي لا ترتكز إلى الحقائق وإنما إلى التجربة والتي تحتاج دوما إلى ترشيد، فالمفكر كالقائد الذي يتصور أرض المعركة، لكن حقيقة الموقف التعبوي عند العريف أو الجندي.

قام أحد الباحثين المعروفين هذه الفترة بإجراء إحصائية حول طبيعة التصلب في المجتمع العراقي ويفترض أن الغاية هي البحث عن علاج، لكن هل يمكن اعتماد هذا المنهج في بيئة مجتمعنا التي تعطي انطلاقة سلبية حزينة برد الفعل أو ما يسمى لغةً "الخُلق"؟ فمجتمع تعرض لصدمات عبر التاريخ بلا توقف بحكم كون المنطقة هي إحدى منطقتين عالميتين تعتبر مكان الاصطدام (Crash zone)، والانطباع المتشكل من الرد الأولي لأي مجموعة أو شريحة في بيئتها تجاه ما يعرض عليها من أسئلة سيكون متجها للسلبية والشك والظن.

أزعم أننا نحتاج تدقيق الخلاصات، هذا الإحصاء يسمى الإحصاء التجريبي والأساس أن تكون هنالك فرضية يتأكد من صحتها من خلال هذه العملية الإحصائية، لكن باستخدام الأساليب المتبعة في الإحصاء الظاهراتي ستجد نتيجة متباينة وأحيانا مختلفة كليا، فعندما تتعامل مع منظومة متعرضة للانتقاد دوما واللوم من الجمهور وجئت أنت باستفسارك، فهي لن تأخذ استفسارك أوليا بحسن نية.

وأنا أكتب المقال جربت هذا الأسلوب عبر فيسبوك مع جمعية خدمات مولدات الكهرباء فكان الفهم عكس مقصدي والرد جاف وفيه عدوانية، فأجبته بلطف أني مستغرب لجفاف أسلوبه مع مواطن لم يقصد إلا السؤال، وأنه قد فهم سؤالي عكس المطروح، فانقلب كلامه تماما بل كرر اعتذاره وضخّم من لطف أسلوبه وتجاوبه، وانتقل بجوارحه ليقدم لي أية خدمة كتعبير عن إحساسه أنه كان سلبيا ويريد أن يقول إني لست كذلك. أثق بأنه شخص طيب وإيجابي لكن الظرف والضغط جعل أسلوبه بالتعامل بما يراه ناجعا مع البعض. إذن الظاهراتي إيجابي، لكن الخُلق أو رد الفعل الأولي أعطى سلبية، فمجتمعاتنا لا يُحكم عليها بأسلوب علمي رقمي جاف وإنما يُتجه إليها إنسانيا والأمثلة لا تحصى.

بلادنا طاردة لطاقاتها لظرف إبداعهم المفقود ومكانتهم المختزلة، لكن مجتمعهم له ارتباط وتأسيس في نفوسهم. فهذه الطاقات تريد أن تعود وتتغنى بحياتها ضمن مجتمع ظاهره متعصب صلد، وعند فرحه فهو في منتهى الرقة والكرم والإيثار، وقد يكون نفس الشخص يحمل السلوكين. إذن المشكلة في تكييف هذا المجتمع بتعريفه بنفسه وإشعاره بأهميته وفاعليته ونجاحه عندما يكون لطيفا، وأن يفهم قواعد الخلق والسلوك وألا يأخذ الأمور بقسوة الأحكام على فعل قبل أن يرى رأيه إن كان هو من مرتكب الفعل أو هل يمكن أن يفعل هذا، وأن لا يطلب المثالية والتطابق في غيره، بينما هو ومن خلال أسلوب حكمه ومحاسبته هو غير مكلف بالحكم والحساب لم يطابق ما تعصب له.

ترى إنسانا يتعصب لفكره وهو يعيب على الآخرين العصبية، الحقيقة هذا لفاعلية الغريزة وسيطرتها على المنظومة العقلية، يصدر أحكاما عاطفية انطباعية في مفاصل أساسية لا يمكن أن يُنظر إليها ناهيك عن تطبيقها، ثم يتهم بفجور وفحش من يفكر لتكييف ما، ينكل هو بالناس وسمعتهم لأجله غير منتبه لأسلوبه الفج في طرح فكره الخارج عن الواقع والتاريخ بالأسلوب الذي يعرضه فيه. وهذه ظاهره في المجتمع وليست فردية نتيجة أن هذا المجتمع مأزوم نفسيا وفكريا ويحتاج إلى صبر في معالجته وقبوله لتصويب مسار أفكاره، وهذا ليس مناقضا للفكرة السابقة فهذه نتائج تختلف في مكانتها في التقييم عن الأساسيات كالفكر والغرائز والحاجات.

نستخلص:

الأفكار تتوسع في منظومة العقل، وما كان يعتبر من الثوابت ومتبنى كنسيا في مثل أرسطوطاليس هو إنتاج بشري له منطقه لكنه يصوب بالتفكير والنظر إلى الماهية. ثم نأتي إلى فكر الإسلام، الذي فهمه كبار الصحابة ومقاصده، ومن ينظر إلى سيرة الخلفاء الراشدين وسلوك الحسن والحسين، ربما يرى سلوك الحسن نقيض سلوك الحسين رضي الله عنهما، لكن واقعا في المقاصد واحد، كذلك تصلب أبوبكر رضي الله عنه في الأحكام والمرتدين، وتساهل عمر في الحدود عام الرمادة، ورفض توزيع الأرض على الفاتحين حماية لمصالح أهل المناطق المفتوحة وما زال الحكم قائما، ووقف العطاء للمؤلفة قلوبهم وهو فهم لمعاني التمكين في المقاصد واحد، وإلا في زمننا لحُكم البعض على أبي بكر بالتعصب ولحكم على عمر بالتبديد والابتداع. وتصور أن يأتي شخص أو حاكم في زمننا يجتهد اجتهاد كاجتهاده فهو حتما سيحكم عليه بالردة والكفر.

مع كل هذا النموذج الطيب فهم اجتهدوا لعصرهم. ولا بد أن نعلم أن القرآن لا يمر عليه الزمن لكن الاجتهاد يمر عليه الزمن ويغادره، لذا لا بد أن نجتهد لعصرنا ونفكر بشكل يمكننا من إدارة الحياة والحفاظ على أهلية الإنسان الضرورية ليكون الإنسان مكلفا. وهذا هو واجبنا فالشريعة من أجل الإنسان وليس العكس، ذلك منظور يمكن أن يحل مشكلة الإنسانية والبشرية التائهة رغم تطورها التقني فقد وصلت مرحلة التصادم الخطر الذي لا يعلم نتيجته إلا الله.

الأحد، 8 سبتمبر 2024

124 - الروابط الهابطــــــة

 رابط صحيفة الزمان الدولية هنا


في علم الاجتماع تطرح عوامل عدة تؤثر على تكوين الشخصية، والشخصية في تعريفها الدارج سطحي جدا يتمثل في فرض الإرادة الذاتية أو ما تسميه اللبرالية الإرادة الحرة، لكن بتعريف الشخصية في المنظور الإسلامي هي العقلية والنفسية ومدى قوتها يعني اقترابها من الفكر والقيم بالسلوك وليس بالمعرفة وحسب، إما تشوه أو ضعف في الشخصية فهو يأتي من فقدان العزم أي استخدام المعلومة وإحداث الأثر في الفعل، كمثال، كان عند آدم معلوماتية عالية لكنه لم يعالجها  في منظومته العقلية فوصف بضعف العزم لأنه لم يستفد من معلوماته في حماية نفسه من الزلل.

الاضطراب السلوكي

عندما تعالج المعلومة ويشرع الإنسان بضبط السلوك تتقدم الشخصية نحو القوة وتنعكس على السلوك والمجتمع، لكن أحيانا تتعارض مع طارئ أو مواجهة لإحدى الغرائز كالتملك والنوع أو البقاء هنا تصبح الأمور في انحراف أو تشوه خارج المنظومة العقلية أي إلى النفسية وهذه تؤدي إلى طريقين إما التبرير للقادم من شاذ السلوك؛ وعند هذا تستعمر الغريزة منظومة العقل بكل معنى الاستعمار أي تعيد بنائها حتى تبدو معقولة للإنسان المريض هذا أو شاذة مضحكة مبكية لمن يستمع إلى تبريراته أو وصفه لسلوكيات ويعني بها الغير بينما هو مصاب بها كالفساد وتطرفه في الحكم على الفاسدين بينما هو فاسد مفضوح الفساد، أو السلوكيات المنحرفة جنسية مثلا أو القمار وغيرها؛ أو صراع من اجل التطابق بين الإرادة والعزم يجري عندما لا يخدع الإنسان نفسه فتتمكن الغرائز منه لكنه يبقى ضعيفا أمام الامتحان خصوصا في غريزتي التملك والنوع وهما غريزتان قويتان تسقط اشد الناس هيبة وكيان.

الظلم تخلف

إما من الناحية المجتمعية فان التشوه في الشخصية يحدثه الظلم بالدرجة الأولى وهو فقدان التوازن، وخصوصا عندما يحصل خلل في العقد الاجتماعي أي الحكم أو المجتمعي وهنا أعنى النسيج والعلاقات البينية بين الأفراد والاختلاف أو التنوع في المجتمع، فيلتجئ الإنسان لحماية نفسه بفقدان الرابطة الأساسية والتي تدير المجتمع عقيدة أو دولة إلى روابط هابطة لا تحمل فكرا ولا تنتج فكرا مثل العرقية والعشائرية وقوانينها أو للحزبية والتكتلات وهذه عملية تدل على تفكك مجتمعي وانفراط العقد المجتمعي والخوف من الحياة ولتأطير المعطيات

1-الانحدار الحضاري الفكري

2-غياب القدرة على المراجعة للأفكار المنعكسة كرد فعل على واقع سيء

3-الفعل الغريزي المتنامي في فترة الفعل السيء

هنالك اعتماد للنقل من الاجتهاد وما تحور نتيجة الظروف السياسية ومتطلباتها في محاولة أن لا تحدث خسائر كبيرة فتعددت الأفهام ونشات العصبيات ثم أضحت انطباعات مقدسة لأمور هي تعتبر من الراي، لكن التقديس افقد المجتمع إمكانية أحداث إعادة نظر وتقويم للمعرفة المنقولة والتي لا يرى تضاربها أحيانا مع النص المقدس وكان الأمران لا يتعارضان بل مظهر الناقل يحدد قبول طرحه، هذا يمثل جانبا من الانحدار الفكري، وهو أساس في جنوح الطاقات المستنيرة وضياعها في ظلام الأفكار المنتحلة أو المستوردة والتي غالبا تأتي منمقة فتتبع من الشباب وهنا تتعامل الغريزة التي تأذت وفق المنتحل مع الإنسان ليحدث فيه الاستسلام أو الصراع الذي ذكرناه.

الإنسان المتعرض للظلم يفترض انه يكره الظلم كفعل لكن بغياب الترابط بين أصل الفكر والإنسان تكون الغريزة فاعلة والعزم ضعيف، فيتجه إلى كره الظالم نفسه ليس لأنه ظالم وإنما لان المظلوم عاجز عن رد ظلمه أو الانتقام منه، وهنا خيط رفيع حساس جدا يقتل الآدمية ويشوه الشخصية، فتراه يلجأ إلى الروابط الهابطة ليحتمي بالعشيرة أو العرقية أو حتى عصبية يظن أنها تحميه وتنصره.

معنى هذا لا توجد مراجعة للأحداث والأفكار ومرة أخرى يفشل الإنسان في الاختبار فيحصل الفساد في الأرض، والذي هو في حقيقته فعل غريزي متنامي لدرجة انه يبرر وكأنه أساس العقيدة وما هو إلا تبرير وتنظير للتبرير عبر أجيال ليكون حقيقة لا ينظر إليها بعين الفهم وخلافها مع الأصل الذي هو في الحقيقة ما يكون تطلّع الظالم اليوم؛ وربما ظلم في رحلة الصراع بين الخير والشر ليتحول هو إلى الشر من حيث لا يدري وتسول له نفسه انه على الصواب وانه في الحالة المثالية ويستمر الانحدار.

الروابط الهابطة لا تبني مجتمع ولا دولة

هذا وذاك يرينا أن الالتجاء إلى الروابط الهابطة لا يبني عقدا اجتماعيا سويا أو يكون باتجاه البناء والتمدن بل يبقي حالة متجددة من الصراع بتبادل موقع الظالم والمظلوم، وأحيانا بين ذات دعاة الرابطة الهابطة على مصالح أو سيادة؛ فاللجوء إلى الروابط الهابطة إذن هو انحدار حضاري فكري وتفكك اجتماعي ومحق للعقد الاجتماعي في تكوين الدول الحديثة وبالتالي صراعات لا تنتهي وإنما هي انتعاش وفاعلية لمنظومة تنمية التخلف وتوسع وثبات بيئتها التي هي فوضى أساسا؛ وان اشد خطر على أمة هو تشوه فكرها وغربة أهلها.

سيقول البعض انه يريد بناء دولة لبني فلان، وسيحاول أن يكون الجميع خاضعا لبني فلان وهذه ليست دولة وإنما نوع من استغلال فورة التمكين التي ستخمد ويأتي رد الفعل بعكسه، لكن بناء الدولة أن تشكل أمة مهما تنوعت انتماءاتها الفكرية فهي تعتبر الكل من النسيج فلا قانون يفرض على الجميع بما يختلف عليه الجميع ولا ظلم وتمييز وإنما تشكيل سبيكة متحدة تعطي الأمة مواصفاتها كما اشرنا في (مقال المكونات والصدمات)، ما خلا ذلك فلن تكون هنالك دولة بل منظومة تنمية التخلف  حيث لا اهتمام ولا إحساس ولا همة للمشاركة الإيجابية والعالم وإصلاح عطبه وسد نواقصه بالتكامل الآدمي لإقامة السلالة والإعمار.

السبت، 7 سبتمبر 2024

123 -فلسفة الوجــــــــــود

 

رابـــــــــــــط عربي 21 هنـــــــــــــــــــــا


البناء الحسي والظاهري لا يكفيان:

في تصورات أرسطوطاليس حول الفكرة الحسية، ومنها ما تبنته الكنيسة كمركزية الأرض وتسطحها التي أثبت العلم وتطوره والتوجه البحثي نحو الفضاء، أنها محض تصورات ليست صحيحة، كانت فكرة "الشك" من تتصدر الإصلاح، وفكرة الشك في الحقيقة تقود إلى اليقين والاطمئنان إلى المسار، شرط أن يبقى هنالك حضور دائم لتجنب الموثوقية بغير "الثابت الجذري".

والثابت الجذري في الإسلام القرآن، وما ثبت من أحاديث بشكل قطعي: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (البقرة: 260). إن هذا المنهج القرآني في الشك واليقين هو دعم للإيمان وليس ضد الإيمان؛ لأنه من متطلبات القناعات التي تجعل إبراهيم يقبل على النار وهو واثق أن الله معه، ولا يكون إلا ما أراد الله.

بناء الصواب على العدد، أو بناؤه على المكانة للأشخاص أو أن الأجيال كلها مؤمنة به، فهل كلها لا تفهم؟! هذا بناء حسي لكنه يعطي موثوقية زائفة عند تدقيق الجذور، كما تم تبني معتقدات مئات السنين، وحورب العلم باسم الدين من الكنيسة وهو محض رأي تبنته عن فكر ملحد أصلا، بل أضيفت للمعتقدات ما يناقض جذرها وخرجت مطعمة من ساقها بثمار ليست للأصل، بل لا تمت له بشيء من صلة، كولاية التغلب وغيرها من المعتقدات التي نراها تمس جذر التوحيد، لهذا في البناء المظهري، نجد أن قبول هذا الأمر وأمثاله من التعريفات المنقولة والمدخلة؛ بغرض سد فراغ فهمها من البشر؛ كلها لا تعطي الفكرة الصحيحة عن الإسلام أو المسيحية.

بناء المدنية يمكن أن يتم في الهدوء ويرتقي بالعوامل الثلاثة التي ذكرها ابن نبي: التراب والزمن والإنسان. هذه لا تقدم معالجات كافية، فهي تُعدّ برمتها كونية قضى فيها الصانع كقدر لبناء وعمارة الأرض، فهي أدوات الإنسان لعمارة الأرض يحكمها ويتفاعل معها؛ لأن الإنسان في مجتمعات متنوعة أو قيد التأسيس، وتحتاج إلى عامل رابع وهو الحضارة الفكرية أي الفكر، حتى المدنية الغربية التي لم تؤسس أخلاقية، لكنها استحضرت السلوك من خلال فكرة النفعية التي تدير المنظومة العقلية لصالح تحقيق الغرائز.

الأساس الفكري والفلسفي للخليقة في الإسلام:

لتسهيل فهم هذا الأمر وأهميته أضعه في نقاط:

1- إن الله جل وعلا خلق آدم كنموذج متطور للفهم والإبداع في الفكرة، لكنه أيضا عبرة لسلالته الأرضية، بأن المعلومات وحدها لا تكفي، وإنما تكون كدسا لا يصل بك إلى شيء، فآدم الذي أعطي المعلومات ونٌبه إلى أن إبليس عدو له، ضعف أمام غرائزه في التملك والبقاء، فتوقف عن معالجة المعلومة: "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما" (طه: 115).

2- الإنسان في الأرض ليختبر بمنظومته العقلية وتدويرها في الإبداع وحسن الإدارة للمعلومة والحياة، "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا". فهو لم يتلقَ المعلومة دفعة واحدة، وإنما بهدوء وعلى مكث ومن مصادر متعددة، وعنده الوقت والآليات التي يبدعها لمساعدته في الإبداع والفهم ومعالجة المعلومة.

3- ولأن الله عادل، فالإنسان كامل الأهلية في اختياراته، ومع التطور وزيادة الحاجات وإلحاح الغرائز يرسل الأنبياء، وكلما انحرف فهم الناس أرسل رسولا آخر أو نبيا، إلى أن ختمت الرسالات "بقرآن مثاني"، أي طيات، يتعامل مع المنظومة العقلية ليستنبط الإنسان الحلول كل مجتمع، وفق درجة مدنية وما وصل إليه من علم وفهم بما يناسبه لحل معضلاته.

4- الإسلام ليس دين عبادة ولا يقيد الإنسان بفكرة، وإنما في الثوابت كان واعظا بأمره؛ لأن الإنسان قد يتحول من حالة إلى حالة برقي تفكيره كالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، فالإسلام ليس فكرا محدودا أو لعقلية مستعبدة لا تجيد التصرف بالحرية ليقول الحسن والقبيح وافعل ولا تفعل، وإنما ترك الخيار تماما للإنسان.

5- حساب الإنسان نوعان، ما كان في حقوق الله فالله يحاسبه، وليس كما يُظن ومشهور عندما جهل الناس ووضعوا أنفسهم وكلاء عن الله، وأما إن كان هنالك اعتداء على المجتمع واستقراره ونظافته، فهنالك القانون الذي يصاغ لعصره من دستور لعصره من مثاني القرآن.

فليس من وكالة ولا زعم حفظ الآخرين من الضلال فلهم منظومتهم العقلية، ولا إجبار، فإن كان حوارا فسيكون متكافئا، فإن تطورت الأمور سلبيا فلكم دينكم ولي دين، أما إن كانت هنالك محاربة للعقيدة، فحفظها واجب وهي أشد أنواع القتال بل الظلم في التسفيه، فأُذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا، فإن جنحوا للسلم فالسلم أولى؛ لأن الأصل منع الإفساد في الأرض، وليس فعله.

6- في فلسفة الوجود يوجد نظام ودولة، وهذه الدولة -مؤسسة وفق زمانها- تسعى لإقامة العدل من خلال عدالة القائمين على الحكم والقانون، لا تجبر أحدا ولا تسمح بالفوضى والتمادي والفتن، لكن لا تظلم، فواجبها في عصرنا إدارة الحياة وتمكين الإنسان من خياراته للمحافظة على الأمة.

7- للإنسان مهمة وهي ما قلنا من عمارة الأرض وإقامة السلالة ومعرفته أنه في امتحان لمنظومته العقلية، بيد أننا نلاحظ وقد تغلبت الغرائز من حب السيادة والتملك وغيرها، أنه فاقد للعزم وسلك سلوك الشطط والفساد، وإن غاب الأنبياء فموج الناس ببعضها عظة.

8- إننا في امتحان والله الحكم، هو خلق الكون وقضى فيه نظامه الذي لا يتغير، لكنه وضع الأقدار اللازمة لكي يستغلها الإنسان ويتعامل معها للبناء أو التدمير. وهنا يظهر الإنسان المكرم ألَهُ عزم في التفكير الصائب، أم نسي ذكر ربه بإصرار واستكبار؟

ويتبادر للذهن ماذا أولئك الذين لم تصل إليهم الرسالة، فمن خلَقهم هو أدرى بهم، لكن في عصرنا وقد تقلصت المسافات والزمن؛ فالحوار لأنه منشط المنظومة العقلية الآدمية، وتلك من المهام الإيجابية وفق أصولها: "ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل: 125).

السبت، 31 أغسطس 2024

122 - الانحـــــــــــــراف

 رابط عـــــــربي 21

فلسفة الانحراف:

الانحراف هو خروج عن الخط مستقيما أم معوجا بزاوية ما، ماهيته أنه اختلاف بنيوي عما يبدو مرتبطا به، ويتسع إن تصورنا محورين باتجاهين مختلفين، ليتطابق مع الاتجاه المعاكس إن كان مستقيما، أو ليتقاطع معه إن كان متعرجا.

عرفنا الانحراف كمصطلح عن الاستقامة الإيجابية، بيد أن الانحراف عن المسار السلبي انحراف أيضا، فالإنسان متنقل في أسباب خروجه وانحرافه عن الصواب أو ما يراه مجتمعه الصواب، ومستغفر منيب لتضعف زاوية انحرافه فتلامس الصفر، وما تراه في مجتمع ما سليما يعد منحرفا في مجتمع آخر، لكن في عالمنا المتعرج البعيد عن الاستقامة، تتقاطع خطوط منحرفة عن مجتمعاتها مع المجتمع  الأكبر،  فتوافقه تارة وتبتعد عنه تارة، ومهما كانت الزاوية صغيرة، فهي ستكبر مع الزمن ببعدها عن منطلقها أو تعدد الانحرافات مع صدمات الحياة، والثابت بها فيما يبدو قليل، لهذا نرى عالم اليوم بحاجة إلى منظومة إصلاح كبيرة تعيد مساره، فالجدليات متعددة والأحداث الصادمة كثيرة، ولن تعيد المنظومة الانحراف المجتمعي كليا إلى الصواب الذي يُتفق عليه؛ لأنه الصواب والتراجع يمحي الخطايا مهما كانت، وبأي منطق عقدي يمكن أن نتعامل معه.

وأجتزئ أثرا من قول لابن عباس يدل على فهم الإسلام في جانب التعامل مع الله والمجتمع وفهم الإسلام للنفسية البشرية؛ "أنَّهُ لا كبيرةَ معَ استِغفار، ولا صغيرة معَ إصرار"، الراوي: سعيد بن جبير، ابن مفلح، الآداب الشرعية (١/١٥٣)، إسناده صحيح. إلا أن السلبيات على الأرض قد تتطور وتستمر بالتعاظم، وكذلك الإيجابيات، وإن تراجع محدثها.

النفس البشرية تحلق وتشتط وتفكر وتتفكر وتخطئ وهو طبعها، لكن فاعلية المنظومة العقلية تنحرف بها عن مسار الخطأ لتصل إلى الاستغفار، عندما تستقيم مع استقامة الخط القويم أيا كان هذا الخط الذي سيصل به إلى رضا الله: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر: 53).

الانحراف هنا قد يتمثل بالناس الذين يجعلون لأنفسهم الوكالة، فيكفرون هذا وينجون ذاك ويخالفون الله وهم يظنون أنهم على استقامة. وانحراف هؤلاء الناس بمستويات متعددة، فالفهم هو رأس زاوية الانحراف، ليصل إلى فقدان القيمة الإنسانية.

نستخلص من هذه الفقرة، أن فلسفة الانحراف ترينا أنه ليس بمعنى واحد ولا باتجاه واحد ولا بمستوى واحد، فهو بداية التغيير نحو اتجاه آخر قد يستقر عنده وقد يعود، وقد يتجه بانحراف آخر وزاوية أخرى إلى منطقة فكرية أو سلوكية جديدة له.

الانحراف والسلوك:

الانحراف ليس سلوكا، وإنما السلوك قد يوصف بالانحراف قياسا لقيمة أو معيار، فهو إذن ليس معيارا أيضا؛ فلو تمعنا نجده صفة لحالة أو حراك نسبي لكن غلب الاصطلاح على الأداة، ووحدة قياس مطلقة نسبة لفكرة أو أيديولوجيا أو قيم ما دينية أو اجتماعية.

أما النفاق، فهو انحراف سلوكي لفساد المنظومة، التي صنفها خالقها بأنها الأسوأ، وذلك لخلل دائم في الشخصية؛ عقلية منحرفة مع نفسية وضيعة، وقد تجده أنيق المظهر حسن الكلام يتماهى معك قريبا إلى خطاب غرائزك، لكنه من أبشع الخلق في داخله، التقرب منه إذلال وخسارة لأنه ليس مخلص الحس ولا سوي التفكير، لهذا في الآخرة "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا" (النساء: 145)، لكن ليس من عقاب إلا ما يظهر من سلوك سيئ في المجتمع ومضر للمجتمع، أما إن كان في عون العدو، فذاك يخضع لقانون الخيانة الطبيعي للمجتمع.

الانحراف ليس دوما متصاعدا، وإنما يمكن أن يحدد بقيمة معينة ليكون معبرا عن المرونة:

- الانحراف عن المواصفات التي تحدد قيمة معينة تزيد أو تنقص لمنتج معين، لتكون مقبولة ولا تؤثر سلبيا على النوعية، وهذا ينطبق على كل منتجات وصناعات وأبنية، لكن تختلف النسبة وفق محددات أخرى، كأهمية الجزء وموقعه في المنشأة أو الآلة أو الجهاز.

- الانحراف في الوصول إلى الأهداف عسكرية أو تجارية أو مدنية بشكل عام، حتى ولو كان في ميدان رمي، وهنا تتحدد نسبة الانحراف التي قد لا تقبل أحيانا إلا أن تكون صفرا، فالانحراف في إطلاق النار سيكون ضمن المغزى من الإطلاق، فإن كان الجرح وتسبب بالموت، فهو انحراف غير مقبول، أو أن هنالك إصابة أو لا تكون إصابة، فليس هنالك وصف وسطي معياري.

إن الرشد والمنطق مصوبان مهذبان حارسان لاتجاه ومعادلة وموازنة أي انحراف عن الأهداف، فالاندفاع مثلا قد يكون محمودا بمعيار الإخلاص والولاء، لكن الاندفاع بلا رشد عقبة أمام تمهيد الطريق نحو الأهداف، فالرشد متى وجد يكون الانحراف بالإمكان إصلاحه حتى من الإنسان ذاته، والرشد بالتأكيد معلوم أنه غير الذكاء أو المعرفة، وإنما هو جوهر من النضج مهم يحمي الآدمية في الإنسان.

زاوية أخرى

التجمعات البشرية منها ما يكون مجتمعا إن اعتمد أيا من القيم، ومنها ما يكون جمعا متحركا بالعقل الجمعي في المجموعات البشرية الخاضعة للظلم والاستعباد.

ففي منظومة تنمية التخلف، القيم تُركب ولا تُحمل، والرسالات تؤخذ ظروفها لتعلب بها الأهواء وتنزع الرسوم الحقيقية لتؤطر الصور الزائفة، وينمق كل شيء ليستخدم فيما يظن أنه مصلحة بأنانية طاغية وإنسانية محطمة، لا تندم كما ندم آدم لمخالفته ربه ولا ندم قابيل عندما قتل أخاه، والفرق بين أن تكون سويا ومجرما، ليس كم قتلت أم كم سرقت، وإنما هي الجريمة الأولى والإصرار عليها.

أما المجتمع، فهو إما طالب للحرية عن فكر أو أنه خاضع حالم ينتظر المخلص، فأما من يطلب الحرية عن فكر، فهو لا ينتقم ولا يخرب وإنما يحيل الظالم إلى القانون، وأما إن أتى من يلبس لبوس المخلص، فإن باشر بالقتل فسيتبعه العقل الجمعي ليشارك بالجريمة إلى أن يدرك أنه أبدل مجرما بدل مجرم، وأن التلوث قد أصاب يديه؛ فلا بد أن نصلح الجهاز المعرفي لكي يبنى المجتمع على الفاعلية واليقظة، وتأتي قيادات تنهض بالبلدان وتشيد العمران، وعندها يكون الإنسان إنسانا.

الجمعة، 23 أغسطس 2024

121 - التفكير الانتقادي

 الرابط في عربي 21


(ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل)

مرض وأعراض

لطالما أضاع الكثرة من الناس أوقاتا ثمينة من أعمارهم القصيرة نسبيا بجدل لا يفيد أو بتفكير في أمر عقيم وانتظار الوهم تبديد للحياة، ولعل الجدل العقيم من أبرز ما يضيع فيه الوقت والصحة، والأهم من كل هذا إقبال نحو الضلال بالعناد مع الحق أو تجاهله بنيّة تهميشه وتسفيهه.

النقد بتعريف مقتصب هو تبيان وصفي لموضوع الحديث فيه الإيجابيات وفيه السلبيات لذات الموصوف، وهو إيجابي النتيجة والمنطلق لتصويب وتعديل الفكرة والمنتج.

والانتقاد: هو التركيز على السلبيات في الوصف والتوصيف، وغالبا ما يتجه إلى المسارات السلبية في قراءة حاضر ومستقبل كل شيء في محيطه، وقد يظهر بشكل مرض وسواس قهري أو تلذذ بهذه الصيغة من القراءات السلبية، فتجد جدلا بلا هدف ولا قيمة للهدف إن كان موجودا، ومحاولة الانتصار للذات ولو بمغالطة المنطق.

* في هكذا جدل، لا تجد تتابعا منطقيا فيه ليكون حوارا، فلا أحد يسمع أحدا بمعنى السماع والإدراك، والكل يتكلم والكل يرد والكل عالم لا يحتاج لعلم رغم أنه قد لا يكون فاهما للموضوع.

* مصادرة للفكرة عبر الانتقال ما بين الفرع والأصل من الموضوع وفق تصوره.

* شخصنة النقاش والاتجاه إلى شخص المتحدث لتبيان انتمائه وتحليل غاياته السيئة وسلوكه السيئ وفق تصور المنافس، فلا تمكن تسمية هذا النوع بالمحاور.

* تجد الدليل يأتي بأن معظم الناس يتفقون على، أو أن القائد الفلاني يقول كذا.. وغالبا ما يكون هذا القائد المزعوم ممن يصعب نقده أو أنه دخل سور التقديس.

غالبا لا يرتكز التفكير الانتقادي إلى فكرة واضحة فهو لا يهتم بالمناقشة والحوار من أجل الفهم، وإنما يهتم بإطلاق السلبيات التي تكونت عنده مباشرة، ويتجه إلى منحدر التأملات السلبية ليصل إلى أسوأ ما يمكن فيما لا يرى مصلحة فيه


* يهاجم من يأمن شره ويتجنب من قد يضر بمصلحته إن أبدى سلبيته.

التفكير الانتقادي يرى الشر المطلق، والإحباط انتصارا، والتجاهل والتهميش قوة في الشخصية.

التفكير الانتقادي سطحي:

غالبا لا يرتكز التفكير الانتقادي إلى فكرة واضحة فهو لا يهتم بالمناقشة والحوار من أجل الفهم، وإنما يهتم بإطلاق السلبيات التي تكونت عنده مباشرة، ويتجه إلى منحدر التأملات السلبية ليصل إلى أسوأ ما يمكن فيما لا يرى مصلحة فيه، وهو ذاته سيكون الأفضل والنادر والمنقذ إن كانت له مصلحة فيه.

هب أنك عرضت أن تذهب إحدى بناته للدراسة في جامعة ما، سيذهب حتما إلى أنها ستدرس في جو مختلط، وإن كل الطلبة ليس لهم حدود وقيم وأنها ستتعرف إلى أحد هؤلاء ثم تفقد نفسها، وهي لن تستطيع العودة إليه بعد هذا وربما ستضطر لتسلك سلوكا سيئا.. هو لا يقول إن قريته أو مدينته بحاجة إلى اختصاصها وأنها ستعود لتعالج سلبيات مجتمعهم بشكل علمي، وهكذا سواء درست الطب أو التعليم أو علم الاجتماع أو الإدارة والاقتصاد أو حتى المهارات في الفنون الجميلة.

التفكير النقدي والتفكير الانتقادي:

التفكير النقدي هو ضمان لدخول معلومة سليمة ومعالجتها وإخراجها لتكون فاعلة بسلامة، أي أنها متوازنة مدروسة محققة، لهذا غالبا لا تجد ردا سريعا من الذين بُرمجت منظومتهم العقلية على التفكير النقدي في الإنسانيات، أما في العلوم فهم يطبقون القواعد التي لديهم ليعطوك أسرع قرار ما لم تك حاجة تستدعي الإبداع؛ عندها سيكون التفكير والقرار بالمشورة أو الدراسة أو جماعيا، وغالبا في مجتمعنا نرى أن العمل كمجموعة نادر، وهذا من تأثير وجود تغلب لعقليات انتقادية تتكلم كثيرا ولا تنتج حلولا، وتنتقد كل ما يأتي أمامها مبيّنة سوءته دون ذكر ما هو صالح، وإن ذكر فهو رجم بالغيب بلا آليات متاحة للتنفيذ.

في العقلية النقدية تجد محاولة لالتقاط الفكرة الصائبة، أما التفكير الانتقادي فهو يذهب إلى السلبية حتى ولو كانت مختفية، ليجعلها هي المنظر العام لأي إنجاز.

العقلية الانتقادية ليست دائما لها غايات شريرة وإنما لا تفكر بمنطق بعيد يقيس ظرف الآخر، فقد يحب أن يزور صديقا لكن يفترض سلبيا أن صديقه ليس حريصا على التواصل معه أو زيارته، لكن الصديق يكون في شغل آخر أو ظرفه غير ملائم، وقد يشتري هدية لابن صديق على اعتبار سد نقص الصديق تجاه ولده، بينما الوالد لا يريد أن يشتري له هذا ليس لأنه غير مهتم أو لا أبالي أو ليس عنده ما يكفي، وإنما له نظريته في التربية.

الجدل ابن العجز:

عندما لا يملك الإنسان حلا فهو سيدخل في جدل وربما يناصر حلا ليس مدروسا ولا ملائما للبيئة والظرف، كذلك الحال عندما لا يملك القرار لتنفيد حلول يقترحها فإنه سيحس بالتجاهل والعدمية


عندما لا يملك الإنسان حلا فهو سيدخل في جدل وربما يناصر حلا ليس مدروسا ولا ملائما للبيئة والظرف، كذلك الحال عندما لا يملك القرار لتنفيد حلول يقترحها فإنه سيحس بالتجاهل والعدمية، وهو أمام حالتين: إما الاستمرار والتكديس لأفكار ونهايات سائبة، أو التوقف والانتظار.. ومجتمعنا أغلبه مجتمع انتظار لمنقذ أو لفرصة لا يعلم كيف ستاتي، لأنه لا يملك أمره وأحلامه أوهام لأنها تولد ميتة وتنمو في الخيال فيجادل دفاعا عن هذا الوهم الذي قد يكون مشتركا في شريحة من شعب أو من مصلحته نمو هذا الوهم ليديره في منفعة له.

فالجدل ابن العجز ينميه طغيان الأنا والذات وفقدان منطق التسلسل في التكوين كسفسطائية البيضة والدجاجة، فأنت لا يمكن أن تنتقل من ضفة إلى ضفة بوجود مقتربات الجسر فقط مثلا أو الجسر نفسه بلا مقتربات، وهذا يحصل في واقعنا عند فقدان المنطق وعقلية البناء والإعمار وهي مهمة الآدمية أصلا، وأي من هذه الإخفاقات ستجد وراءها الأنا، والجدل تجده في الشعوب العاجزة عكس الحوار الذي تجده في مجتمع متمدن تهمه الأهداف كعوائد للعام.

مجتمعنا

فالجدل السفسطائي الغالب على مجتمعنا لا يبقي ودا وينشر النفاق والتملق للقوي وتهميش الطاقات وإحباطها، فتجد تعظيما لشرير واضح الشر وتسفيه لعالم واضح العلم. الإنسان ليس شرا كله ولا خيرا كله، لكنه في التفكير الانتقادي إما شر كله فهو الشرير أو خير كله فهو ملاك مقدس لا يلبث إن سقط، أو ذهب الخوف منه ومن جبروته أن يتحول جدلا إلى الشطط والإجرام.

الجمعة، 16 أغسطس 2024

120 - هلاك القــــــــــرى

 رابط عــــــربي 21 اضغط رجاء



الانحراف

الانحراف في الإنسان أو قبول خداع نفسه باعتماد رأي بدوافع فؤادية من المشاعر والغرائز أو اتحاد المشاعر والغرائز معا؛ مع تغييب أعمال المنظومة العقلية واتخاذ القرار، هذا في الحقيقة ليس بلا إرادة أو اتباع لشخص أو فكرة، بل هو بإرادة كإرادة آدم عندما أكل من الشجرة لم يستحضر المعلومة ولم يستخدم منظومة العقل، فكانت إرادة لكن بلا عزم، أما واقعنا فيحصل فيه استعمار للمنظومة العقلية واستخدامها في التخطيط للانحراف والفساد، أو الخداع من أجل استغلال جهد الآخرين وكل ما يمكن أن يُنال وبكلام معسول أو بترهيب وتأليب.

لو تأملنا! فالإنسان المنحرف فاعل عندما تسير الحياة بلا تحديات أو اعتراض، وفاعل فيما يفعل من فساد ويعتقد راسخا أن من يمنعه عن ظلمه ظالم يستحق العقاب وخائن يستحق العذاب، لأنه مستمر في تسيد العاطفة وتفعيل أثر غريزة أو مجموعة غرائز، أي الإنسان يمتلك إرادته لكن بتقييم عاطفي وغرائزي تافه وليس بتفعيل المنظومة العقلية؛ فيبدو للآخرين أنه معتقد بكل الحالة التي يمر بها حتى هو أحد هؤلاء المقتنعين كما بيّنا في مظهره ودواخله، الحالة هنا فساد العزم في الإنسان أي قواعد التفكير وتحليل البيانات والنوايا، فبالتالي يكون هذا الإنسان شيطانا يبرأ إبليس منه لإصراره على الخطأ والرأي الواحد.

القرى هالكة والمدن معتبرة:

في النسق القرآني القرى تعذب وتهلك والمدن يخص العذاب بمن أساء، فالمدن فيها تنوع وشر وحسن، أما القرى فتطلق على الرأي الواحد والصنف الواحد المهيمن والمفسد، ويشترك أهلها في الفساد كسمة عامة


في النسق القرآني القرى تعذب وتهلك والمدن يخص العذاب بمن أساء، فالمدن فيها تنوع وشر وحسن، أما القرى فتطلق على الرأي الواحد والصنف الواحد المهيمن والمفسد، ويشترك أهلها في الفساد كسمة عامة. إذن القرآن يتحدث عن منظومة عقلية فاسدة ترفض الآخر والمخالف وتطرده أو تعذبه أو تقتله، وهنالك 55 مرة ذكرت القرية والقرى مع الهلاك والعذاب، والهلاك هو نهاية لا رجعة فيها ولا عودة: "وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ" (الأنبياء: 95) بينما المجتمع المتنوع هنالك قوانين وانضباط وتعارف ومسار حياتي يتسق مع الغاية من الخلق والتعارف والإبداع وتحفيز المنظومة العقلية في درب الإصلاح.

فسعي الإنسان أن يقنع الناس لتؤمن بما يؤمن ليس عيبا وإنما العيب في الإجبار ونشر الكراهية والاضطهاد والظلم، سواء بالهمز واللمز أو التصريح أو التعذيب والقتل والترويع والتهميش، عندها يكون هنالك استئصال لهذه القرية لأنها وصلت حدا يصعب إصلاحها وأضحت مضرة للبشرية.

كونوا مثلي أو ارحلوا؛ هي قرية قوم لوط: "وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدا" (الكهف: 59) وهم على وضع من السوء، لكن الناس المتوحدين على العدل بالرأي والفكرة والتوجه هم قرى لكنهم مصلحون ومتفقون على الإصلاح بما يرضي الله؛ لا ضرر ولا أذى ولا تهميش ، ودوما تجد في الناس الذين يتفقون على رفض الآخر موانعَ الإصلاح من المتكبرين الذي فسدت منظومتهم العقلية: "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ" (سبأ: 34)

إن هلاك الدول التي تتبع الشر والظلم يحصل في الدنيا قبل الآخرة حتما، وإن المدن المتنوعة قد يعذب الظالم منهم في الدنيا والآخرة لكنها تتداول الأيام بين صالح وطالح شرير لكنه ليس بالمنبت وإنما ظالم غير مجمع على ظلمه من أهل المدينة، وهنا ننتبه أن هنالك نوعا من التعدد والحراك للمنظومة العقلية وكل منها تحاسب وفق ما ارتكبت أو أحسنت..

القرية في القرآن لا تمثل مجمعات بشرية سكنية فقط، بل هي حزب يرفض الآخر ويظن أنه يمتلك الحقيقة، دول وأنظمة، أي مجموعة من أشخاص أو تنظيمات، بل حتى الفرد الواحد الذي يعيق مسيرة التعارف والبناء هؤلاء إزاحتهم بسلم رحمة لهم، فإن أصروا على المناكفة فسنن الكون لا تحابي والهلاك للقرى الظالمة مصير محتوم


الحقيقة من خلال استطلاع آيات المدن والقرى، نجد أن العذاب مرافق لتسمية القرى لأن منظومتها العقلية فاسدة، وأن الحساب فردي أو لجزء أيضا بسبب منظومتهم العقلية كإنذار للاتعاظ والتحول نحو الإصلاح والتطوير والتنمية، وتنقية المنظومة العقلية من المسيئات لها من ترهات وظلم وإنكار للحق وسلوك طريق الباطل، فهي منظومة يمكن أن تتوب وتعيد حياة طيبة صالحة وليست ممحوقة كالتي وُصفت في القرى. وما أكثر القرى في واقعنا وأندر المدن، في عالم يدعي الإسلام ظلما له وهو لا يفقهه، ويمارس أبشع الظلم بسبب الأفكار والاختلاف والأمور التي لا تصنع تنمية ولا رقيا. لذا أدعو للعودة لكلام الله وعدله، فعندما أوقف قوم يونس منظومتهم العقلية بدأت سلسلة العذاب ولما اتعظوا وآمنوا اختلف الأمر، فلعل الناس يتعظون: "فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ" (يونس: 98).

وهناك شعور المترفين بالتمكين وغفلة الفاسدين، وظلم الظالمين الذين لن يروا إلا الهلاك وبجنس ظلمهم: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" (الأنعام: 123).

التجديد والتحديث وإعمال المنظومة العقلية بالتفكير والارتقاء بها هو ما يبني المدن والمدنية، أما التخلف والركود ورفض الآخر والاهتمام ورفع ما لا يفيد مهمتك في عمارة الأرض؛ فهو فساد وهلاك: "وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ" (الزخرف: 23).

إن القرية في القرآن لا تمثل مجمعات بشرية سكنية فقط، بل هي حزب يرفض الآخر ويظن أنه يمتلك الحقيقة، دول وأنظمة، أي مجموعة من أشخاص أو تنظيمات، بل حتى الفرد الواحد الذي يعيق مسيرة التعارف والبناء هؤلاء إزاحتهم بسلم رحمة لهم، فإن أصروا على المناكفة فسنن الكون لا تحابي والهلاك للقرى الظالمة مصير محتوم.

الجمعة، 9 أغسطس 2024

119 - الظلام لنا وحدنا

 رابط المقال في عربي 21 اضغط هنا 



"كنت أظن أن الذي يحبّني سيحبّني حتى وأنا غارقٌ في ظلامي، حتى وأنا ممتلئٌ بالندوب النفسية، حتى وأنا عاجزٌ عن حب نفسي.. سيحبّني رغما من هذا ولكن لا!.. لا أحد يخاطر، كلهم يريدوننا بنسختنا السعيدة.. الظلام لنا وحدنا" (أحمد خالد توفيق)

لفت انتباهي أن هذه العبارة مقتبسة كثيرا مع بعض التحريف لتبدو أكثر خصوصية بمقتبسها، ولا يذكر اسم قائلها، وهذا الأمر إن أُخذ بشكل أكاديمي فهو سرقة لحقوق فكرية، وربما تنظر للناقل نظرتك إلى السارق، بيد أننا اليوم في واقع معاناة ترك بصمته بقوة على الناس ولما يسلم منه أحد وفق ظني، إلا أناس أصلا هم كانوا أو أصبحوا يعيشون على الهامش هاربين من الأيام التي تتوالى، وكل يأمل في يوم أو عهد أو حكم آخر أفضل من سابقه بيد أنه لا يرى إلا الأسوأ وإن كان من أهل العهد الجديد، لأن الإنسان إن ظُلم من غيره فهو مظلوم، بيد أنه إن ظلم من نفسه فهو شيطان فقد المروءة، درى أم لم يدر، والظلم في وصفه قليل؛ هذه العبارة سؤال أكثر من كونها تقريرا، وحيرة تحتاج جوابا ولهذا نجدها منقولة معبرة عن حيرة من تألم في أحد روافدها ليعاني الغرق في نهرها مع الاختلاط بالروافد عند تفاقم الأمور.

الإنسان إن ظُلم من غيره فهو مظلوم، بيد أنه إن ظلم من نفسه فهو شيطان فقد المروءة


الحب ليس زرعا بلا بذور

الحب نوع من فاعلية الفؤاد المتماهية مع المنظومة العقلية وإن كان حبا عاطفيا وحسب، فهو يتفاعل مع الغريزة ويسخّر المنظومة العقلية للاستجابة للغرائز، وهذا لا يعني النوع معبرا عن الجنس بل حب السلطة وهي من غريزة حب السيادة، وحب المال من غريزة حب التملك، فترى هياما فائضا عالي الموج بين جنسين، ثم يهدأ وتتلبد الغيوم بلا رياح ولا حراك وتعصف بعد ذلك لتلقي كل شخص في طرف من جزيرة الوهم الذي ظنوه حبا، فيأتيه هذا التساؤل ليتوقف عنده وكأنه حقيقة الجواب.

وقد يهتم الناس بذي المال طمعا في كرمه، ولكن تفسيره هو أن هذه المحبة لشخصه دون أن يسأل نفسه ما هو المميز فيه ليحبه الناس لذاته، ولو أنه سأل نفسه هذا السؤال فهو مميز فعلا، عند تخلي الناس عنه سيذهب إلى هذا المنطق بمعناه وإن اختلف منطوقه ليقنع نفسه بأنه مظلوم وأن الناس يتخلون عنه وقت ظلام حاله.

الله تعالى وصف الحب بين الزوجين بالمودة والرحمة، فهناك عنصر الود ثم الحياة والتفاهم والاختلاف وصيغ مواجهة الاختلاف وتعوّد البعض على الآخر، وإن غضب أحدهما فهو لا يفجر أو يفقد الحنان، أو تكون هنالك رغبة في الانتقام، ويبقى أمام الواجب تلك القاعدة للصواب ولكن شاذها لا يقل عن ملازمها عندما تُهمش القيم، أو تتدنى الإنسانية، وإلا فهي رحمة، فالمودة تسقى مع الزمن ليكون هنالك التفاهم والواجب والمسؤولية تجاه الرفيق.

صراعات

الحب لا يزول وإنما يتحول شكله، كنت حسنا فكان تشجيعك ظاهرا، تحولت إلى طريق السوء كان دعمك بمحاولة إيقافك، وبذات المنهج يفسر وعلى نحو ما فصلنا الغنى والفقر والقوة والضعف في مسيرة الحياة


الحياة دار امتحان فالراحة هدف لا يحظى به أحد لكن الأمل من يدفع للعمل، فالكل مشغول في استحصال الاستقرار النفسي والعاطفي والتوازن العقلي والبدن يجهد والفكر يعمل، فإما هو محصن بالقيم قائم بها وإما هو مستعمر من الغرائز يخدمها والطريقان بممرات متعددة وسرع متباينة. والإنسان يمكن عند أي منعطف وفي أي وقت أن يتحول من طريق إلى طريق ليكمل مسيرة العمر نحو نهايته وينزل لتستمر الحياة تحمل أو لا تحمل منه في الذاكرة، فإن تصادف أن يكون دعمك ضمن الطريق فستدعم وتحمل، أما إن شكلت ظاهرة سلبية فستترك وتهجر، فالناس يريدون أن يتقدموا. والإنسان عليه أن يدرك أن المصائب والملمات من الحياة، لكل ما في الأمر أن يضع نفسه في حجمها الصحيح في المرحلة، عندها سيجد أنه ليس مهملا وليس يعيش الظلام وهو ليس وحده، أما التخلي فهو وارد وحادث لكن صنع نظام للمجتمع كدولة ونظام اجتماعي للعلاقات سيحيط بالسلبيات ويرفعها بالتكافل.

ما الذي يمكن استنباطه؟

الحب لا يزول وإنما يتحول شكله، كنت حسنا فكان تشجيعك ظاهرا، تحولت إلى طريق السوء كان دعمك بمحاولة إيقافك، وبذات المنهج يفسر وعلى نحو ما فصلنا الغنى والفقر والقوة والضعف في مسيرة الحياة.

الحقيقة أن من يحسن إدارة هذا -وأغلبنا لا يحسنها- فهو سيعيش الحياة بمرها وحلوها وليس من ظلام، مرة هو يقوم بالواجب ومرة هو من يحظى بالواجب، فالعبارة التي في العنوان هي وصفية ومعبرة عن فشل المجتمع بالامتحان.

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...