الجمعة، 12 يوليو 2024

114 -- القدوة-الخيانة/ والالحــــــــــــــاد

 


رابــط عربي 21

الصدارة السامة

هذا المصطلح هو تصحيح لمصطلح القيادة السامة؛ فالقيادة عرفناها في مقالات سابقة وبها عناصر الإبداع الفكري والوجداني، وهي عقلانية فؤاديه إنسانية متواضعة، تفعل المهم من أجل الهدف المدروس وصولا إلى الغايات، سواء في حرب أو سلم أو ما بينهما من تفاوض، فهي تسعى للنتائج بنوعية العمل ومراميه بما يجلب المصلحة، ويضاف في الإسلام أخلاقيته.

الصدارة تختلف عن القيادة بأنها تسعى للبروز موقعا ومكانة وجاها، والصدارة غالبا مسمومة قاتلة لصاحبها ومدمرة لمن يتصدرهم، فهي تسعى للبقاء حتى لو تضحي بالمعلن من أهدافها وبالشعب وبكل شيء، وهي لا تتصور أنها تفعل سوءا بل من لا يطيعها فهو خائن ومجرم، هي ذكية جدا تجاه هذه المصلحة، لكنها في منتهى الغباء في حساب المآل، والغالب هو عدمي أو تحييد للشخص في أفضل الأحوال، ووفق الظرف ومرونته ودرجة خطورته في صدارته وإمكانية ارتكازه، ليفكر ويتحول إلى أن يكون قائدا.

الصدارة تختلف عن القيادة بأنها تسعى للبروز موقعا ومكانة وجاها، والصدارة غالبا مسمومة قاتلة لصاحبها ومدمرة لمن يتصدرهم، فهي تسعى للبقاء حتى لو تضحي بالمعلن من أهدافها وبالشعب وبكل شيء، وهي لا تتصور أنها تفعل سوءا بل من لا يطيعها فهو خائن ومجرم.


كل أمر في مسار حياة الآدمي، ينطلق من الإنسان ومآله إلى الإنسان ومنظومته العقلية وغرائزه وحاجاته، ومدى قدرته على إدارة الأمور وموازنتها، ودرجة الحاجة أو الاستثارة والإشباع للغريزة؛ التي إن تمكنت واستعمرت المنظومة العقلية وبنت مخيلات بقائها، فإنها ستستمر إلى الانتحار الذي يغلَف بعبارات الانتصار وإلقاء لوم الفشل على الآخرين؛ من ضمنهم الناس الذين يتصدر عليهم، ويزعم أنه يتزعم قضيتهم ويفكر لهم كقائد، ولعل نموذج نتنياهو مثال حاضر تسبب في جرائم حرب، واندفعت الكراهية لتتحول إلى ماكينة قتل للمدنيين، وهذا ينطبق على من ساعده في إتمام هذه الأمور؛ خوفا على كرسيه ومكانته أو أسراره.

سلوكيات عكسية

الصدارة استجابة لحالة غريزية، ويمكن أن تتميز عن القيادة بغياب البرنامج أو الفهم الإداري، وفقدان وسائل المراجعة والتغيير والتطوير.

الغريزة ليست أمرا سهلا، أو أن السيطرة عليها شعوريا سلسة، أو أن سيطرتها على الإنسان لا تظهر بشكل مؤثر سلبيا على المجتمع والحياة بشكل عام.

تصور الإنسان أنه يمتلك الحقيقة في أي أمر كان ولا يحتاج المزيد، هذه الحالة ستتفاعل مع غريزة حب السيادة والتملك، فتجده ينعزل اجتماعيا لسوء سلوكه وفرضه الأمور دون نقاش أو تصوره الوصاية على الآخرين. ذات الشيء يحصل مع المتمسكين بالدين غريزة، وعندهم كم من الحافظة، وربما مواظبون على دقائق العبادة، لكنه ينفّر الآخرين من تعامله ونزقه.

ونلاحظ أن أغلب هؤلاء ممن قفل عندهم المصدر والتطور، وأنه وصل الحقيقة وغيره تائه مبدد مبدل مؤول، وما إلى غيرها من الأوصاف؛ يأخذ الأمور بحرفية حتى آيات الكتاب وهي مثاني، ويعد اجتهاد بشر لعصرهم مقدس، بينما لا يسمح بالاجتهاد في هذا العصر لهذا العصر، يستخدم كلمات جارحة، وربما القوة، ولا ينتبه إلى أن سلوكه مخالف للنص والتفسير، ويأخذ بمعايير الدولة على الفرد ومعايير الفرد على الدولة، ولا يأخذ بالواقع والظرفية، ويقول؛ إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وهو يريد أن يعود الناس بالزمن، ولا يحس بسلبية فيه ويراها في غيره، يبني الحياة على الصراع، قاس في العقاب للآخرين لخطأ فيه لا يراه، يظن الصلافة جهرا بالحق، وهو ذات المنهج في بناء المدنية الغربية والعدو الضرورة.

إنه صراع مع الآخرين وأن الحقيقة هو يملكها، لهذا فأي مخالف يحسه خطرا على نمط حياته ولقناعته بأنه الأفضل، وأن الآخرين يتلقون منه ويطيعون فقط، فهمٌ يتعامل كناصح ولا يصغي إلا وفق قواعد النفعية ولإيجاد مواطن الاختراق، بل يُظهر كرهه للآخر عندما يرفض ضحالة طرحه.

المشكلة اليوم واضحة، أن المنظومة الآدمية في خطر، وأن عليها أن تستخدم منظومتها العقلية للإصلاح، وفق قواعد ومنطق العصر بحساب متغيراته نتيجة أي حدث أو مستجَد.

القدوة والخيانة/ الإلحاد

أي فساد في الإنسان هو نتيجة خلل بناء معلومة المنظومة العقلية للإنسان، هذا الفساد في المنظومة العقلية يصل إلى الإلحاد والتعصب الأعمى في كل دين وما يتبنى الإنسان، حتى لو كان متبنيا للعلمانية أو الليبرالية، ويظن أنه ملك الحقيقة، وأنه سيدعو لها كحقيقة مطلقة، وكأنها نهاية العالم في سردية فوكو.

فساد في الإنسان هو نتيجة خلل بناء معلومة المنظومة العقلية للإنسان، هذا الفساد في المنظومة العقلية يصل إلى الإلحاد والتعصب الأعمى في كل دين وما يتبنى الإنسان، حتى لو كان متبنيا للعلمانية أو الليبرالية، ويظن أنه ملك الحقيقة، وأنه سيدعو لها كحقيقة مطلقة.


الإلحاد والذهاب إلى ما يسميه الناس خيانة، بينما يصفه المنحرف عن قيمه ومبادئه وعيَ ويقظة النفس، والخلاص من القيود والخرافات، كلها إحباط. وغياب السلوك القيادي في دعم هؤلاء، وتفهم مشاكلهم النفسية وتجاوزها حدود طاقتهم، ووجود تأثير الصدارة السامة، فهم ضحايا الأنا وطغيان الغرائز عند المتصدرين، ممن لا يملكون شخصية القائد.

القدوة مهمة لتأطير أي مسار يوصل الإنسان ليختط مساره الخاص بأمان، فإن فقد الثقة بالقدوة أو انهارت نتيجة السلوك الخطأ، سواء كانت هذه القدوة أبا أو مدرّسا أو أحد الموجهين أو الوعاظ؛ تلاشت القيم أمامه ككلمات مبعثرة، وأضحى هو بحاجة أن يجمع شتات نفسه، فيلقي كل ما كان يشكل حملا أو واجبا نتيجة التديين ونقص فهم الدين -أي دين-، فيذهب لإنكار كل شيء بقوة بقدر قوة تمسكه بها؛ لأن القدوة التي تصدرت المشهد، لم تكن ذلك القائد الذي يهتم بهؤلاء المحيطين به.

إنكار القيم ينحرف بالسلوك، ولكن ليس بالمطلق حتما، ففرعون ناقش موسى عليه السلام ولم يعدمه مثلا، رغم أنه عذب زوجته، وكانت قد تبنت موسى عليه السلام، فعلاج الملحدين إصلاح فكرهم بالقدوة؛ لأنه عنصر التوازن في المنظومة العقلية.

وعلى الآباء أن ينتبهوا لسلوكهم في أسرهم، ولا ينبغي لواعظ أو سياسي التصدر ما لم يكن قدوة، ويكون قائدا وزعيما، وألا يتراجع إلا أن يشرح أسباب تراجعه، أو يعترف بأسباب هزيمته دون لوم الآخرين.

إن التصدر السام بلبوس القيادة سبب كبير في انهيار الأمة التدريجي، وتكوين منظومة تنمية التخلف.

السبت، 6 يوليو 2024

113 - جانب في نظرية إسلامية الحكم

 


تابع الرابط الى عربي 21 

هنـــــــــــــــا

الأرض مملكة الإنسان

إن فهم منطق الخليقة الذي أوضحه الله عز وجل في القرآن كما أفهمه، أن الإنسان في الأرض لاختبار منظومته العقلية بإقامة سلالته وإدارة حياته؛ وأن الشرائع والنظم هنالك منها التوقيفية التي تعالج مراحل متعددة لبناء المجتمع من الحالة المستضعفة إلى التمكين، وهذه تتطلب أجواء من الوفرة والعدل لتطبيقها، وخير دليل لذلك زمن حكم الراشد عمر بن الخطاب رض ومنها ما يقبل الاجتهاد، وأن الأحكام الشرعية والحكم ليست غاية في الأرض وإنما هي وسيلة لإقامة الاستقرار والعدل، ولإعانة الإنسان في امتحانه ولهذا تختم الأوامر الأساسية بـ"يعظكم".

والأوامر تعبير عن ثوابت لإقامة الصواب في المسير، العدل والإحسان والتكافل والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأن الدولة على منهج الإسلام ليست دولة لقمع الإنسان وتطبيق الأحكام كيفما اتفق، والاهتمام بها على حساب الحكم، أو الظن بأن معنى حاكمية الشريعة هي حاكمية الله أو أنها مقدسة حتى باجتهاد بشر وتأتي بأحكام استنبطها بشر في زمان مختلف ومكان تغيّر ومدنية تطورت بوسائلها، لنبقى أمام تجاهل كل شيء والعودة إلى الماضي بعقليتنا مع بقاء استخدام مبتكرات المدنية لرفاهية من يتسلط فينا بحكم التغلب الذي ما زال بعض الناس يعتبره شرعيا للحفاظ على مصداقية التاريخ، بينما هو ليس شرعيا لأنه سلب الأمة أهليتها، وأي فكر يسلب الأمة إرادتها ينتقص من أهليتها ولا ينسجم مع أساس فكرة الخلق وأن تكون خليقة وسلالة آدم في الأرض، فإن أحسن من تولاه فذاك منجاة لنفسه.

إن الأحزاب التي لها أيديولوجيا أو تستلم السلطة وتسعى لتمكين الإسلام فإنها ستمكن الشعب لا أن تتمكن عليه، وأن تفهم معنى القيادة والريادة ومعنى الخلافة لرسول الله في الحكم. فالخلافة ليست شكلا يعود بنا إلى الماضي وإنما هي مفهوم لعمل مؤسساتي قابل للتطوير، لأنها مسألة مدنية فرضها واقع بصيغة بدائية تتلمس الطريق ولا بد من تطويرها بشكل مؤسساتي لواقعنا


إن الله خلق الزمان والمكان، وإلا لكانت حياتنا في عالم افتراضي أفضل مما يصنعه الإنسان. هذان العاملان يراعيان لأنهما يؤثران على الإنسان وتكوينه النفسي والفكري.

الحكم لتمكين الشعب:

إن الأحزاب التي لها أيديولوجيا أو تستلم السلطة وتسعى لتمكين الإسلام فإنها ستمكن الشعب لا أن تتمكن عليه، وأن تفهم معنى القيادة والريادة ومعنى الخلافة لرسول الله في الحكم. فالخلافة ليست شكلا يعود بنا إلى الماضي وإنما هي مفهوم لعمل مؤسساتي قابل للتطوير، لأنها مسألة مدنية فرضها واقع بصيغة بدائية تتلمس الطريق ولا بد من تطويرها بشكل مؤسساتي لواقعنا.

المدنية جهد بشري لمنظومة عقلية تختبر في الحياة، والحكم أو الخلافة أيا كان اسمها لا ترتكز على الشخص وإنما ترتكز على المهمة التي فصلناها. والحاكم يُنتخب ويعاد انتخابه وإن لم يُحسن يُعفى من الحكم ويأتي غيره. هذه ولاية الأمة لأمرها، ولا تنبغي أن تكون هنالك سلطة لأحد على أحد أو توكيل، فالجهة التشريعية تُنتخب لمهمة التشريع والرقابة المبرمجة ولكن ليس كما يجري الآن، وإنما تحدَد الاختصاصات المطلوبة ويُعرض الأشخاص المؤهلون على الشعب ليختار منهم، أو تؤسس مجالس مناطقية في كل وحدة إدارية ومنها ترشح الكفاءات المطلوبة، فالآلية الديمقراطية بالانتخاب تنتخب الغوغاء في الفوضى وتقدم الطالح على الصالح، وهي تعتمد على نضج المجتمع لهذا كانت محددة في عصر ابتكارها الأول..

كذلك يُنتخب رئيس الدولة كحاكم أعلى للبلاد للعمل في قيادة مؤسسة الرياسة، وهو من يعين الوزير الأول الذي يختار بدوره الوزراء من خلال آلية مجالس المناطق، أو من خلال الأحزاب وبرامجها، وأي وزير يتم اختياره لبرنامجه ومكانه، وأي برنامج أفضل سيُختار وزيره. ويتابَع الإنجاز والاستمرار من ديوان رياسة الجمهورية كمؤسسة عند تغيير رئيس الوزراء ورئيس الدولة عن طريق مجلس تخطيط ضمن بنية المؤسسة. وهذا له بحث آخر -لا يتسع له المجال هنا- يشمل نظاما انتخابيا لكافة الوحدات الإدارية وعلى متعدد مستوياتها.

خلاصة النظرية:

1- إن الحكم هو لضمان أهلية المنظومة العقلية، وعلى الحكومة والأحزاب وأي تنظيمات السعي في هذا الاتجاه للتعليم وتوفير الخدمات والرفاهية وسد الحاجات وإدارة الأعمال في القطاعات والحفاظ على أهلية وتمكين الإنسان، وليس قمعه أو التسلط والتمكن عليه، وإن الدولة ترعى وتنمي الثروات وتحاسب بشدة أي خلل أو فساد، أما العقائد والانتماءات فهي محمية بما يصب بالإيجابية التي لا تخلق توترا أو أذى.

لا شكل محددا للحكم وإنما يراد منه الرشد وتمكين الأم فلا قمع إلا لفساد، ولا سجون إلا إن اقتضت الحال دون إهانة لكرامة الإنسان


2- لا شكل محددا للحكم وإنما يراد منه الرشد وتمكين الأم فلا قمع إلا لفساد، ولا سجون إلا إن اقتضت الحال دون إهانة لكرامة الإنسان، ولكل وضع تشريعه وحكمه. والدولة الفاضلة هي من تحسن إدارة شعبها وفق نظام يلائمها وليس قالبا مسبقا تطبقه.

3- على الدعاة والعاملين الجادين أن يدركوا أن قالبا مسبقا للحكم باسم الإسلام هو اعتداء على الفكرة المركزية للإسلام، وينبغي فهم أن الناس سيقبلون هذا عاطفيا بمنطلق غريزة التدين لكن لا يقبلونه عمليا، لأن هنالك زمنا من البعد عن الحياة الإسلامية، والحياة الإسلامية اليوم ليست بذات المسارات السابقة، وهذا سيسيء إلى من يحاول فعل ذلك، وللإسلام بتجربة تنسب للإسلام، فاشلة أو فاسدة في التطبيق، وإنما هي اجتهادات بشرية للواقع ومنه، وليست تُستحضر من الماضي بفقه الماضي لأنها ستواجه الاستحالة في التطبيق، وتمسك من يقوم بها بحكم غريزة حب السيادة سيفسد ويفشل في امتحان الدنيا والآخرة.

الجمعة، 28 يونيو 2024

112- مراجعـــــــــات _ الهـــــــــــــــروب

 



رابـــط عربي 21

المراجعة والتفاصيل:

المراجعة لها أهمية ملحة، حتى تلك الذاتية لأحداث اليوم، ومسار التنظيمات الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني وحتى العلاقات الخاصة الاسرية والعامة. فالمراجعة نوع من الرقابة الذاتية للأمة، عبرت، مضت، مرت بسلام ودون تدقيق؛ هو هروب من العجز والجهل الذي يمكن حله بالتدريج مع الخبرة، فعندما لا تتراكم الخبرة فلن يكون ممكنا منع تكرار الخطأ مهما كان حجمه، وأحيانا ما نراه صغيرا في ظرف ما يصبح مؤثرا وخطيرا في ظرف آخر.

فالتفكر والمراجعة يفيدان التعلم، والإنسان يتعلم بالتجربة ويتحقق بالممارسة، لكن كيف يقيّم الأمور؟ فهذا مؤكد له محدداته في كل أمر وفق الأهداف والآليات والمتاح والمفقود، لكن ما يجمع الكل هو كفاءة المنظومة العقلية وفاعلية مخرجاتها.

التعلم مهم لاستقرار البشرية وتغطية حاجاتها، فالآدمية بدأت بآدم وحواء وصلت اليوم نحو خمسة مليارات، تحتاج البشرية إلى طاقة وإلى آلات ومعدات وموارد مستجدة، وعمل دؤوب في تبسيط الأمور من سلاسة الحياة والإجراءات الإدارية إلى بناء أعقد المنشآت، لتنتج البشرية ما يدعم الاستقرار والأمن الغذائي والمواصلات والاتصالات وغيرها. وهنا ستظهر الشعوب تباينا في الاستخدام والتطوير للإنترنيت مثلا، أو مهارات بناء السدود والمنشآت أو التقنية في الزراعة والصناعة والفن والأدب.

التجربة حركة وكما قلنا التوقف تلاشٍ، فإن توقف الإنسان أو أصحاب القرار في أمة عند إنجاز ما وبقي يراجع الذكريات ولا يبذل جهدا لتجاوز تلك المرحلة، فسيبقى يكرر إيجابيات عالقة في الذاكرة ويسد الدرب على القادم، وبالتالي هذه ليست مراجعة وإنما خداع للذات


التوقف تلاشٍ:

إن الخليقة قدرت حياتها على الحركة فإن سكنت تلاشت. الكواكب والمجرات والكون كله في حركة، تدرك تلك الحركة بالبصيرة بما لا يطاله النظر؛ لأن البصيرة أمر فكري ومخرجات منظومة تحليل تشحن بالتجربة والمعرفة المدركة وليس المعلومة المجردة، وعندما زل آدم قبلت توبته بعد استغفاره واعتباره، فالاعتبار أمر أساسي لفهم الدرس المفيد من التجربة.

الإنسان قد يصاب بالإحباط نتيجة عمله الدؤوب ومقابلته بالجحود والنكران، فالمعايير مهمة سواء السلوكية أو القيمية، والفعل أو رد الفعل الإيجابي من تفاعل البيئة يدفع للاستقرار، لكن عندما يحس النظام بالخطر قد ترفع دروع الإخفاء عن البشر فنرى تطبيقات غير الزعم بالحقوق والحريات أو التقوى ورحابة الفكر، فبلا اعتبار لا فائدة وبلا توبة لا اعتبار، لأن التوبة تبدأ بالتراجع عن الإصرار وتعطي المجال للمنظومة العقلية التي لا ينبغي أن تتوقف.

ديمومة الخلاصات تستقر مع ربط الخلاصات إلى تقييم المبدأ بعقيدة أفضل من السائبة.

التجربة والنقل:

تجارب الأمم لا تنقل كما هي سواء كانت مدنية أو فِكَرا، حصلت بموطن زماني أو مكاني آخر، وكذلك الشريعة لها اجتهادات وأحكام تتابع الزمن فهي مثاني يفتحها الفكر المستنير.

التجربة حركة وكما قلنا التوقف تلاشٍ، فإن توقف الإنسان أو أصحاب القرار في أمة عند إنجاز ما وبقي يراجع الذكريات ولا يبذل جهدا لتجاوز تلك المرحلة، فسيبقى يكرر إيجابيات عالقة في الذاكرة ويسد الدرب على القادم، وبالتالي هذه ليست مراجعة وإنما خداع للذات.

من دون شك الاعتبار هو ثمرة الابتلاء، والاثنان مهمان في المراجعـــة.

المراجعة باختصار:

هي عملية إعادة تنظيم فكرية وايدلوجية وآليات، لا تقام بشكل عشوائي وإنما توضع وفق اركان رصينة قابلة للتطوير والاستطالة، بحيث تجيب عن جميع الأسئلة بكل وضوح.

1- اعتبار الفشل مسألة قدرية هذا فشل في المراجعة.

2- إعادة المسارات على اعتبار أن الخلل ليس فيها وإنما هنالك عوارض مانعة، هذا فشل وليس مراجعة لأن أي منظومة لا بد أن تأخذ التحديات بالاعتبار بحيث تزيلها دون التأثير على الكفاءة والفاعلية.

3- هنالك خلل في صلاحية الأفكار كما فهمها القائمون بالعمل لا تجعل النموذج الفكري صالحا، فلا بد من البحث وتعديل الأفهام ومن مراحل عميقة.

4- الندوات والخطابات وورقات العمل دون دراسة وتمحيص من أناس ذوي إبداع ورؤية وعلم ومهارات وآلية مراجعة ووضوح معايير ومرونة في التفكير والنفسية، وإلا فإن الجهود لا تتعدى الخطابة وزرع الأمل الزائف، والنجاح لا يتعدى نجاح الندوة وانعقادها، وإن كانت النوايا مخلصة.

الحفظ والنقل والمعلوماتية ليست مفيدة ما لم تعالج في الذهن، ولا بد من التوقف عن مجاملة المنقول باعتباره حقائق مقدسة. وهذا لا يخص المتدينين فقط بل الجميع، والمراجعة أساسا لاختيار الطريق الأصوب وليس لتحسين الأداء فقط، وتطبيق الشكليات ليست طريق النجاح، ولا بد من السعي للحفاظ على أهلية المنظومة العقلية للإنسان ليصل إلى القرار وتكون فاعليته أمرا مشهودا


5- التوازن بين الأمل والعمل والبيئة ومدى نفاذ التخطيط في الأساليب المتاحة.

6- النجاحات السابقة قد لا تتكرر بتغير الظرف، فهي محض تاريخ لا يدل على صلاحية الآلية للظرف الجديد الحالي في الزمان والمكان.

7- الوعود الدينية والمعتقدات قد تصنع الأوهام الظرفية لكنها لا تمهد طرق التمكين.

8- إن الأفراد والأمم ممن لا يملكون آلية مراجعة سيكررون أنفسهم وطرقهم مسدودة.

9- إن التعلم مهارة بشرية وتعطيلها أيضا فعل بشري، والإحساس بعدم الجدوى هو من معالم ضبابية الطريق ومسار التكتيك دون استراتيجية، أي تهدئة المشاكل دون وجود حل أو رؤية لحل فاعل ناهيك عن تمهيد طرق النجاح.

إن الأمم لا تدوم بتمكينها والظلم لا يدوم، بل هو ما ينبغي أن يمنع تسلله في الحكم والسلطة، لكن يمكن تقصير زمن ضعف الأمم وهبوطها بحسن منهج المراجعات.

إن الحفظ والنقل والمعلوماتية ليست مفيدة ما لم تعالج في الذهن، ولا بد من التوقف عن مجاملة المنقول باعتباره حقائق مقدسة. وهذا لا يخص المتدينين فقط بل الجميع، والمراجعة أساسا لاختيار الطريق الأصوب وليس لتحسين الأداء فقط، وتطبيق الشكليات ليست طريق النجاح، ولا بد من السعي للحفاظ على أهلية المنظومة العقلية للإنسان ليصل إلى القرار وتكون فاعليته أمرا مشهودا.

الجمعة، 21 يونيو 2024

111 - مراجعــــــــــات الأفكار السلبية

 


مراجعـــــــ الأفكار السلبية ـــــات

عربي 21 رجاء انقر هنا

الإسلام صالح لكل زمان ومكان.. ليست مقولة وإنما لأنه فكر محمول بكتاب الله وهو لا يمر عليه الزمن، لكنه ليس جاهزا لكل زمان ومكان، فلا بد من تجهيزه وهنا يأتي دور الفكر البشري والمراجعات الإيجابية المستمرة، أما الظن بأن تطبيق الإسلام كما هو تطبيقه في صدر الإسلام باجتهاد الصحابة والفقهاء -وهي رؤية بشرية في عصر آخر وبيئة أخرى- فهذه أفكار سلبية لن تصل بنا إلى إمكانية الاستفادة من الفكر الرباني، هذا انفصال عن الواقع الزماني والمكاني بأبسط توصيف.

اما اعتباره كدين موقوف ونتعامل معه باستحضار التاريخ ومشاكله ونريد أن نتمسك باجتهادات عصر من العصور فهذا من المعيقات لصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، فالإسلام لو جرى التفكر فيه فإنه سيتعامل في عصر وزمن واحد مع مدنيات متعددة في الرقي بطرق وتشريعات مختلفة، ولعلنا على سبيل المثال وليس التفصيل، نجد للشافعي اجتهادات فقهية متباينة بين ما أفتى في العراق وما أفتى في مصر في زمان واحد، وهذا في الفقه فما بالنا والزمن في تغير سريع مع معطيات المدنية؟ ونحن نحتاج إلى دراسات قرآنية مستمرة للمثاني القرآنية (الطيات أو المعاني التي تعطي أجوبة متعددة).

التطور في الواقع لا بد أن يرافقه توسع في الدراسات من أجل إبقاء العدل في الأمة والعدالة في اللوائح والقوانين المنبثقة عنها


التطور في الواقع لا بد أن يرافقه توسع في الدراسات من أجل إبقاء العدل في الأمة والعدالة في اللوائح والقوانين المنبثقة عنها، ففكرة التزمت أو ترك فهم العامة من الناس وأحيانا الغوغاء أو الرعاع أو الرويبضات فهذه حرب داخلية، وصديق جاهل مؤذ أكثر من عدو عالم يحفزك بتحديه على إنتاج المزيد من الرصانة وأحكام المخرجات للمنظومة العقلية.

ما زال قابيل يقتل هابيل:

لم يخلقنا الله لتطبيق احكامه بشكل انسيابي وإلا لكنا ملائكة وإنما أتينا لإعمال منظومتنا العقلية للقراءة والتبحر في المنهج الرباني للإنسان والحياة، ونتذكر ونذكر دائما أن إرادة الله هي بجعل سلالة في الأرض، فهذا ينبهنا إلى أن المعلومة لا تكفي وإنما إدارة المعلومة هي المهم لأن آدم كان يعرف كل ما يلزم من معلومة وأن إبليس عدوه، ومع هذا اتبع غريزة حب البقاء والتملك والتمكين عندما استثارها إبليس عنده فنسي وزل ولم تنفعه معلوماته لأنه لم يحرك منظومته العقلية ويفكر.

كذلك نحن أمامنا مغريات هي ذاتها، ما زلنا نجنح تاركين غرائزنا تستعمر في منظومتنا العقلية فنهين تلك المنظومة أمام مغريات الجاه والتمكين أو الشهوات والمال والسلطة، ويمكن أن يكون كل منا قابيل يقتل أخاه هابيل الذي هو أكثر آدمية منه وإنسان راق بدل أن يتعلم منه ويساعده، لكن مع فرق الإصرار على الفعل وينسى بل ربما لا يعلم أنه في اختبار منظومة يفشلها بغرائزه وتمكينه الزائف.

الله لم يجبرنا على نظام:

إن الأهلية عند الإنسان أساس لسلامة مسؤوليته عن قراره، وأن الإسلام ومجيئه إلى يوم يبعثون كمنهج رائد أعاقه المسلمون أنفسهم بعقلية لا تراجع ولا تقرأ، وتميل إلى التبسيط لا التعمق والتفكير بينما الإسلام عميق يحتاج إلى سعة وتفرع في التفكير.

إن الأهلية عند الإنسان أساس لسلامة مسؤوليته عن قراره، وأن الإسلام ومجيئه إلى يوم يبعثون كمنهج رائد أعاقه المسلمون أنفسهم بعقلية لا تراجع ولا تقرأ، وتميل إلى التبسيط لا التعمق والتفكير بينما الإسلام عميق يحتاج إلى سعة وتفرع في التفكير


أهلية الإنسان وامتلاكه لقراره مقابلة للعدل الإلهي في محاكمته، فلا يمكن أن يفرض الله عليه أمرا أو حكما أو حاكما ويستعبد برأي هذا وذاك ثم يحاسبه وكأنه حر. التشريع ينظر بعمق إلى الحر وغير المالك لإرادته، والله أرادنا أحرارا، لم يفرض الرسول نفسه على صحابته كحاكم إلا ببيعة ورأينا من السيرة أنها بيعة مشروطة بزمان ومكان؛ كما في بدر حيث طلب بيعة الأنصار، وعندما أراد الحرب لفقد عثمان، طلب البيعة تحت الشجرة، وهكذا مواقف كثيرة فهو يعلمنا معنى الحاكم أنه برأي الأمة رغم أنه نبي فما بالك بغير النبي.

لم يفرض الرسول نظاما ملكيا أو جمهوريا أو نظاما قبليا، وإنما اتبع وثيقة المدينة التي هي أول وثيقة مواطنة واضحة ومفصلة تبين الحقوق والعلاقات في مجتمع متعدد متنوع الاعتقاد والتحالفات.

المجتمع والدولة:

هذا عنوان لمقالتين سابقتين، فأوضحنا معنى المجتمع الذي يقيم الدولة، ولا دولة بلا مجتمع متعارف متفاهم وإلا فهو مشروع اضطراب وسقوط وليس استقرارا ونهضة، ومن ينظر في أمر المجتمع هو المجتمع نفسه، فليس في البشرية اليوم من هو أفضل من محمد r ليضع لنفسه سلطة ووكالة وولاية عن الأمة ما لم يضعها رسول الله لنفسه، وكان بإمكانه وضعها لكنه رسول جاء بالمنهج فقيل له قل فقال قل، لذا فكل نظام يمكن أن يفي بمنهج الإسلام يمكن أن يُتبع ويغير عندما نجد الأفضل منه، وهنالك قواعد عند المفكرين ومنطق للتصويب والتصحيح ومنع الاستبداد.

إن الاستبداد يأتي بشعارات لطالما كانت جاذبة (فلسطين قضيتنا الكبرى ولا بد ان نستقر حتى نحررها، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، أنا لا أريد إلا خيركم ومستعد للتضحية في سبيلكم)، والنتيجة واقعنا اليوم ولا يحتاج شرح أو توضيح، إنه الهروب الذي سنتحدث عنه في المقال الآتي.

السبت، 15 يونيو 2024

110 - مراجعــــــات --4- الابتــــــــــــــــــــــــــــــلاء

 


مدخل:

عندما نتحدث عن المراجعة، فإننا نتحدث عن أمر موسوعي يحتاج إلى موارد بشرية خاصة عالية الثقافة واسعة التفكير، مبدعة تفكر خارج الصندوق، وهي من الأمور المهمة التي تحتاجها المراجعة. وسبق هذا المقال عدة مقالات في موضوع المراجعة، وكيف أنها إن لم تضبط وفق قواعدها فهي ليست أكثر من زيادة الثقة بالخطأ، وإن لم تحدد أطرها، فإن عملية المراجعة محض بحث فشل في التكتيك، بينما الفشل قد يكون في الاستراتيجية أو تحديث الأيديولوجيا.

في حركات عقدية كالإسلامية، وهي ما يهمنا، هنا أن نفهم التالي:

1- ما هو الكون؟

2- ما هي الحياة؟

3- ما هو الإنسان؟

4- المهمات التي تحيط بخلق الآدمية ووجودها في الأرض.

5- معاني كالقضاء والقدر، الحضارة والمدنية، معنى الابتلاء والبلاء، وهكذا معان هي مفاهيم وليست مصطلحات، لكنها مما يؤسس عليه في الواقع، والفهم الجيد لها يعني فهما للحياة، وسيرا في طريق الحق، وابتعادا عن طريق الشر.

الماهيات الثلاث الأولى، تعبر عن تعريف ماهية الفكر، ولا يعد الفكر فكرا حضاريا ما لم تكن له نظرة عن الكون والإنسان والحياة. والحديث عنها يحتاج إلى كتب كبيرة، بيد أننا نقول؛ إن الكون هو خلْق الله بانفجار عظيم وما زال يتسع، وأن الحياة هي أن تكون ذات مهمة ومعنى بالنسبة للآدمية، وعموم المخلوقات أمم مُسخّرة وليست مكلفة كالآدمي، ومهمة الإنسان في الأرض عمارتها وديمومة السلالة، ومن خلال السعي يجري اختبار المنظومة العقلية وقدرتها على إدارة الحياة والأفكار والإبداع، نحن لسنا لتحقيق إرادة الله بما نظن أنه يرضيه، وإنما وجودنا بإرادته.

الإنسان في الأرض إذن ممتحن بمنظومته العقلية وتدويره للمعلومة بما يعمر الأرض، ويضع أسس الحياة ويتفاعل معها، فهناك الغني وهناك الفقير وهناك العاقل وهناك الأرعن والمخبول، وهذا ما لا حساب عليه وقد يكون امتحانا لغيره، بقي موضوع الابتلاء.

الابتلاء

ما يصيب الإنسان من شر ليس ابتلاء، وبالذات ما يكون بسبب المنظومة العقلية. الابتلاء الرباني في الرزق بأنواع الرزق والنعم، أما النجاح والفشل في تقدير الأمور، فهو من المنظومة العقلية عندما تتعلق الأمور في إدارة الحياة كمنظومات حكومية أو حزبية أو حتى أشخاص، والرزق بحد ذاته ابتلاء الوفرة والنقص، لكن تدبير الخالق للمخلوق واحد، فليس من إنسان يجمع كل شيء، فهناك مبتلى بالمال، أو الجاه، المنصب، أو المواهب، بعضها وليس كلها، فيزيد أحدها وينقص الآخر، وتبقى المنظومة العقلية تدير تلك المعطيات لسد النواقص، وقد يبتلى الإنسان فيها زيادة أو نقصانا.

الخلط بين الابتلاء والفشل هو ما يحصل غالبا عند المنظومات المؤدلجة كالتنظيمات الدينية، ويستعاض عن هذا عند العلمانيين واللادينيين بجملة: "يتآمرون علينا ولا يدعوننا نعمل أو ننجح". وأركز هنا على التنظيمات الدينية؛ لأنها تعدّ الابتلاء قدرا مقدورا ليغيب الاعتبار، فعندما تضع الفشل كابتلاء، فإنها ستستسلم لأنها ستعدّه مزيدا من الاختبار والأجر، ولا تأخذه كفشل منظومة، ومن ثم تلحق كوادرها والبلد تبعات يمكن تجاوزها بحسن التخطيط والتعامل مع المشكلة بحجمها، فتخطئ في موضع المراجعة؛ أهو من مفصل التنفيد الفلاني أم من بداية الخطة أم من أين؟ بينما يكون الخطأ في فهم الفكر ومطابقته مع الواقع.

وقد يعدّ هذا من المحرمات، وهو فهم خاطئ لتعامل الفكر مع الواقع وقراءته ليقود الزمان والواقع إلى الأمام، وليس إعادته إلى الخلف والعيش في التاريخ والماضي، أو إجبار الواقع على التخلف ليتناسق زمانيا مع الماضي، أو نقل المشاكل إلى الحاضر جراء نقل خلافات زمنها إلى الواقع. وهي أمور تديّن غريزي وليست دينا؛ لأن الواقع اليوم يحتاج منظومة ونظام إدارة، وما يأخذه من الدين هو القيم الأخلاقية وفكرة العدل والإحسان والتكافل الاجتماعي، ونشر المحبة والتفاعل مع متعدد العقائد على نسق واحد، وتلك قراءات لا بد أن تظهر.

أما السلطة الشكلية والاسمية دون القيم الأخلاقية والعدل وإقامة العدالة بالقوانين وتفسيرها بلوائح تطبيقية، فهو إفساد في الأرض يحتاج إلى تغيير بما يقيم العدل، فهو فشل للمنظومة العقلية الآدمية في الإدارة، بأن السلطة في الإسلام هي توفير الأجواء وتحرير المنظومة العقلية وإتاحة الخيار لها ومساعدتها برفدها بالمعرفة وشرحها.

التطور الحياتي والتوسع الفكري:

ما يجعل الابتلاء ليس بلاء، هو التفكير والاعتبار من التجربة وتحليلها، وهنا لا بد من مواصفات خاصة لمحلليها، وليس بذكر المحاسن أو النقاط الإيجابية واعتبار السلبية نوعا من الابتلاء. هذا عين البلاء إن لم تفهم الأمور بشكل صحيح، ويكون الاعتبار المؤدي للتصحيح. الاعتبار هو من يجعلك لا تعيد ذات خطوات الفشل، وهو ما يوسع الأفق في المهمة ويعدل برنامجك، وسيحدد لك السير بالدين القويم وليس بغريزة التدين أو أمنيات أوهام الذاكرة المعرفية بأنك تضع برامجك، وليتبعها الجميع شاء من شاء وأبى من أبى، كأي أيديولوجيا قومية أو غيرها عدمية تمحق الحاضر وتنفجر منتحرة بأهلها وشعوبها في المستقبل، فهذه ليست مشاريع عمارة الأرض، وإنما فضاءات فوضى الغرائز، كما حب السيادة والتملك يقود للظلم والاستبداد، كذلك غريزة التدين.

109 - المكونات والصدمات

 





لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ( 25 الحديد)

الطين والجدار المتين

عندما تكون بلد مكونات فانت تختار ما بين كرة الميكانو أو سبيكة الحديد التي هي اقوى من الحديد حقيقة، وكل خليط لسبيكة ميزات وسلبيات فاذا أريد أن تتميز هذه المكونات، فككرة الميكانو لها مفاصل تحتاج ربط ولا تربط المفاصل بأقطاب متنافرة وان أجبرت على تكوين الكرة العتيدة، أما أن فكر أحد المكونات بالاستئثار وهو في حالة من الانبهار عندها سيكون بأقرب مثال ككرة الطين والجدار المتين عند الشدائد ما أن تصطدم به حتى تضحى ترابا.

التنوع قوة إن كان سبيكة

الحقيقة أن سورة الحديد دالة ولها معان في القوة وصنع القوة، ليس قوة الحرب والإخضاع وإنما تقوية الذات والبنية، وتبيان بمادة الحديد ذاتها ما لا يعتبر إعجازا، فالحديد ليس مادة تكونت على الأرض ونسبتها في الشمس لا تكاد تذكر، وهي ليست بالتأكيد متجمعة من نيازك وإنما هي نزلت دفعة واحدة لتشكل وجودها الوافر وتكون لب الأرض مع النيكل، وهي اشد قوة عندما تتحد مع مواد اضعف منها لتشكل سبائك بمواصفات متعددة، فان خلطت مع النحاس استدامت وتحملت الضغط وامتصت الاهتزاز، وان خلطت مع الكروم ومواد أخرى أضحت مقاومة للصدأ والتآكل.

ورد ذكر الحديد في كتاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ في ست آيات متفرقات بمعان متعددة أو تشبيه للمتانة والقوة والدقة، والآيات لمن يتمعن بها يجد أن إعجازها بالإشارة فقط أن الحديد ليس من الأرض وربما ليس من المجرة التي نعرفها وإنما من معالم إعجازها أنها تمثل حالة المجتمع وان نسب ضئيلة من الكاربون بتغيرها تغير مواصفات هذا الحديد من الفولاذ الى الزهر الى أنواع تقاوم الحرارة وأخرى لينة للصناعة وأخرى تتحمل الضغط وأخرى تتحمل الشد.

فمجتمع المكونات إن أصبح كالسبيكة وتبادلت المكونات الأدوار فإنها ستكون مواجهة لكل المتغيرات من شد وجذب وسلام وإعمار وحرب، أما إن فكرت أن تبقي متكتلة فلن تكون لها هوية ولا مواصفات ولا تتعامل كسبيكة معروفة ومعرّفة، فيستغل الصدأ تلك الفقاعات ليتآكل المجتمع.

اصوات عالية

هنالك دوما في المجتمعات أناس جهلة أصواتهم عالية نظرتهم ضيقة يثيرون السلبية ويرون عيبا في المقابل لا يرون نفس العيب في أنفسهم، وهذا نتيجة التقوقع وفعل أكياس الهواء والصدأ فيتشقق المجتمع ولا يصلح للإعمار والبناء.

تأمل في آية إنزال الحديد: لننظر بعمق الى سياقات وأولويات هذه الآية لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ: إذن لابد من قيمة واضحة لبناء المجتمع الواحد وتفعيل المنظومة العقلية وليس استفزاز المختلف عنك بعقيدة أو عرق أو دين، تفكيره منطلق من دين أو فكرة أرضية، فالكل هم لهم أفكارهم ودوافعهم وهذه الناس ستحتاج أن تتفاهم لهذا انزل الكتاب، والكتاب كناية على الشرائع والمسارات في الحياة التي تتعدد باختيار البشر، بظن البشر انه يمتلك الحقيقة ويدعو الأخرين لاتباعها، فهو أما سيتجه الى التوجيهات في إدارة الخلاف وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، أو ستمزقه الأهواء مهما بدأ في ظنه بداية صحيحة، فالكتاب سيستنبط منه القوانين واللوائح وينظم حق البشر مع بعضهم ليقوموا بمهمة الإعمار، فلابد إذن من العدالة أو الميزان، وحساب كيف سيتفق الناس على كلمة سواء، فتنشأ العدالة وهي تفوق المساواة فالعدالة تنظر الى الظروف المحيطة والمساواة تعطي الجميع قيمة واحدة قد لاتحل المشكلة، فان قام الناس بالقسط وظهر الالتحام بينهم بدل الاختلاف والاستمرار بالحفاظ على شكل المكونات، فهم ككرة الميكانو عند أول صدمة بحائط متين تعود مكونات منفصلة وينتهي المجتمع ولا تقوم دولة والناس مستقطبة أبدا حتى السلطة إن أقيمت فهي سلطة تغلب هشة ليست دولة بمؤسسات متينة رصينة ممكن أن تحقق العدل وليس التشظي والتناحر، وهذا يقود للفوضى.

فان التحمت الناس كسبيكة كان هنالك مجتمع والمجتمع قادر على إقامة الدولة إن امتلك العزيمة أي أدار المعلومة والعدل والقيم ونظمها في تشريعات وقوانين ليسر البلد بشكل صحيح.

وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، رسالة الرسل الارتقاء بالمنظومة العقلية والتي ما انفك الإنسان يسيء الى نفسه بتركها فريسة لغرائزه، من نوع وحب سياد أو تملك… والرسالة التي تنزّلت على الخاتم واضحة المرامي وهي الآدمي كما خلقه الله رغم أن أمة اقرأ لا تقرأ أو تصغي لمن يزيدها ضلالا وتيه، والاختبار هو للمــــــــــنظومة العقلية فان نجحت فهو ناصر هؤلاء الناجحون أما إن استحبوا الشهوات والخداع والظلم فان الله قوي قادر أن يجعل تدميرهم في تدبيرهم وتنالهم سنة الكون التي لا تحابي أصلا والخيار بين كرة سبيكة الحديد و كرة الميكانو أو كرة الطين.‏

الجمعة، 7 يونيو 2024

108 - مراجعات- أضواء على إخفاقات الايدولوجيا



 التأسيس للفكرة:                                     انقر هنا لتقرأ النص الأصلي على عربي 21


من الطبيعي أن أي حزب لديه أيديولوجيا، هو حزب يجتهد بالحلول ويعد بتطبيقها إن كان في السلطة، وتسمية الأحزاب باسم الدين، إن غالبت التعريف بالمنهج فهذا قطع للجسور والأمل بفشل العمل، أو حتى بنجاح يعقبه استبداد. لذا فليس من قدسية للأحزاب العاملة في السياسة، ولا ينبغي أن تفرض نفسها للبقاء، إن عجزت زاعمة أنها تمثل بقاء الدين، فالفشل في الحياة المدنية هو فشل أيديولوجيا من الأيديولوجيات أو نجاحها، وانتهاء مهامها وترك المجال لأيديولوجيا إصلاحية أخرى، وإلا أصبحت مكان المستبد، ومكان منظومة فاشلة تقدمت هي لتزيلها.

فالأيديولوجيا في حزب يعتمد الخط الاشتراكي، هي أحد الأفهام باتجاه الشيوعية، ونمقت القول باتجاه العدالة الاجتماعية تعسفا على مصطلح العدالة الاجتماعية؛ لأنه مصطلح يخص شريحة اجتماعية، سواء الإسلامية يرتكز إلى تحريك الجماهير ضد النظم ثم السيطرة على الحكم؛ بواسطة الطبقة الكادحة والعمال، أو بواسطة المؤمنين الذين يتحركون بدوافع الدين، فهما يريان أن لا سبيل للقضاء على الظلم إلا بالقوة أو التدين الغريزي. وهذا أخطر من حراك الفاهم لدينه؛ لأنه يمكن أن يوجه للتخريب، بينما الفاهم للدين تحدده مسارات لا يتجاوزها باجتهاد بشري.

الحركات الشرقية شاملة للناس ممتدة غير قُطرية، لهذا، فهي عمليا تتجاوز النظام الوستيفاتلي، رغم أن هنالك الآن دولا كبرى تسمح لنفسها باحتلال دول وتغير النظم إلى أسوأ مما كانت عليه النظم السابق، بدل أن تساعد في تطويرها، إن كانت تعني الأهداف المعلنة، لكن عقلية الرأسمالية لها الأهداف نفسها بأساليب وآليات أخرى.

الواضح من وقفة ضرورية عند هذا الحد، أن نثبت أن العالم كله بحاجة إلى إصلاح آدميته قبل كل شيء؛ لأن المنظومة الأخلاقية إما محيّدة أو مفهومة بطريقة لا تؤدي لقيادة الواقع.

حجج البقاء:

عند فشل النظم الاشتراكية، فهي لا تذهب لمراجعة حقيقية أو لمكان حقيقي، فهي لم تؤسسها مراكز دراسات وإنما رأي قائد أو مفكر، فلا يوجد آلية للمراجعة ولا أدوات، وإنما هنالك ما يشبه التقديس عند المتدينين للرمزية وصلاحية الفكرة، فيتهمون الشعب بالتقاعس ومن ينتقدهم بالخيانة، بينما المتدينون يتهمون الشعب بضعف الإيمان، ومن يخرج عليهم لتصحيح المسار بالكفر، إن كان متدينا يحمل أيديولوجيا أخرى؛ لأنهم أيضا لم يؤسسوا بمركز دراسات أو يمتلكوا آليات للمراجعة والمتابعة والتصويب والتخطيط، وتحديث الأهداف من أجل الغايات.

المراجعة والتحديات:

التحديات مسألة طبيعية لكل منظومة ولكن ينبغي أن تُحسب، وليس أن يُنشغل بها وتُترك الأهداف أو يضعف العمل بها فتتعرقل الغايات. فالرأسمالية اليوم تتداعى كمنظومة آمنة مع طغيان الليبرالية الجديدة، نتيجة فشل النظام الرأسمالي كأيديولوجيا في تحقيق الرفاهية، بسبب تطرف أصحاب المصالح في استغلال التطلعات وجهد الإنسان، كما فشلت الشيوعية التي كانت تبني أيديولوجيتها مرافقة لاستعداء الطبقات بعضها على بعض، وأنها سرقت الأدوات عبر التاريخ، كما فشلت منظومات أيديولوجية إسلامية من خلال تقديس الماضي، بدل الاعتبار وفقدان المنظومة للاعتبار والاكتفاء بالتأقلم، فتبدو مزدوجة مخيفة تخفي الشر للغير.

وهذا ليس حقيقة، فهي تعيش اضطرابا بسبب الاجتهاد والتجديد، وخوفها من تعديل أفكار منقولة، فتجامل جمهورا متدينا بغير فهم الدين، وهو الأغلبية، لكيلا ينفض عنها، ففضلت التماهي بدل المصارحة التي قد تؤدي للقعود، وفقدت حتى مجالات العمل المفتوحة مع بعض الحكام والنظم؛ لأنها لم تضع أيديولوجيا مناسبة حاضنة بل منافسة، وربما منافسة لأيديولوجيات من منطلق ديني، فهنالك من ينطلق من غياب الشريعة ويريد أن يعيدها، فما إن يتمكن حتى يدخل هذا للتنفيذ، مستحضرا عصورا ماضية والناس قد تغيروا، فهذا قالب مثله مثل قالب الشيوعية ومن ينادي بها، ومثل الرأسمالية ومن ينادي بها، فالأمة ليست متهيئة لهذا، وتحتاج أن تختار، وأن تفكر، وأن تدخل جدلية ترتقي بفكرها وفهمها.

فلم يُنجِ الشيوعية أو الرأسمالية أن تقول هذا علم ولا ينبغي نكرانه، ولا أنتم مؤيدون للإمبريالية وخونة، ولا أنتم شعب غير مؤمن، وبعضهم يقول كافر لمجرد مخالفته بفكرة بسيطة، فإغلاق باب الحوار والاعتبار هو خنق لأي أيديولوجيا.

كيف الصواب للإسلاميين؟

أخص الإسلاميين هنا لأني أرى أن الإسلام منظومة إصلاح ومحبة وتعاون بين الأمم، وليس كما يشاع من كراهية وإلغاء وحروب وإقصاء. وهذا معلوم مدرك، حتى إنه مذكور بوضوح في سورة يوسف وفي الرعد، ولا أدري لِمَ لا يفهم أصحاب الأيديولوجيات أن المؤمنين بهذا هم الأقلية، وأن الإصلاح قدر الاستطاعة، وأن الوكالة لله وحده، وأن المسلم ليس مسؤولا عن معتقدات الآخرين إلا بحمايتها، إن كانت في دياره، وحمايتها لا تعني الوصاية والتدخل بها، وإنما حفظها من قوي متجبر.

الصواب بالفهم للدين وليس عواطف التدين، وبالفهم وليس الحفظ، وبالدين وليس التدين ومظاهره سواء عبادات أو هيئة أو صوت عال.

تعريف المهمة أنها تهيئة الناس ليختاروا مع الحرص على أهليتهم؛ لأن الله يحاسب الناس أفرادا وعند اختيارهم، وهم أصحاب أهلية لمنظومتهم العقلية التي يختبرها الله وليس نحن.

لذا، ينبغي أن يسري وعي في المنطقة العربية والإسلامية بنوع من التفاهم بين الحاكم وهذه المنظومات بشكل تبادلي، والناس سيرتقون ومنهم الحكام أنفسهم، فهم سيسمعون ما يقال، والحوار قد يكون له منظمات ودواوين من باب ثقافة المجتمع وبفهم للأصل، وليس تغليب النقل عن عصور لم يعد لأحكامها وجود في الواقع، فكان الانفصال بين عقلية الناس ونفسيتهم، حتى الوعاظ والحاملون للراية يتساقطون في الاختبارات؛ لأن الواقع غير ما هو في منظورهم.

إننا لسنا بحاجة إلى الذهاب للغرب والشرق محاربين، أو اعتبار المجتمعات المخالفة أعداء، ولا ينبغي أن يقف العالم من المسلمين موقفا معاديا، متى ما فهم الجميع أن الحوار مطلوب، وأن المؤامرات والإفساد وتسيّد الجهل والجهلاء والفساد والفاسدين على المجتمعات في الشرق والغرب، هو عمل لا يليق بالآدمية، وينقص من أهلية منظومتها العقلية.

إن إبليس ليس له منظومة آدم العقلية، فالإنسان سيكون أكثر شرا من إبليس، إن سخّر منظومته للشر فهو مبدع ونرى مثل هذا، لكنه إن بالغ في طيبته فسينافس الملائكة وهنالك مثل هذا، والمطلوب هو أن يكون آدميا يستخدم منظومته العقلية بشكل متوازن وسطي، كذلك كان أبونا آدم، وكذلك الفرق بين قابيل وهابيل.

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...