https://m-salihalbdrany.blogspot.com/ فكــــــر اليقظـــــــة Mindfulness: يوليو 2025https://m-salihalbdrany.blogspot.com/

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 يوليو 2025

192- سورة الماعون وحصار غزة وصمت عين العاصفة

 رابط الشرق القطريـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة


ما بين "سورة الماعون" وحصار غزة: صمت عين العاصفة

أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ (3) فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ (4) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ (5) ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ (6) وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ (7)(سورة الماعون

تكذيب عملي مع تدين شكلي:

في سورة الماعون، ترسم الآيات القليلة صورة لمجتمع انفصلت فيه العبادة عن الأخلاق، والإيمان عن الرحمة، والعبادة عن العمل الاجتماعي. إنها سورة قصيرة، لكنها تنسف النفاق الديني وتفضح زيف التدين الذي ينفصل عن الموقف الأخلاقي تجاه الإنسان، خصوصًا حين يكون هذا الإنسان ضعيفًا أو مظلومًا فما بالكم بغزة العزة وهي تتعرض لإبادة ليس بقنبلة ذرية ولا باجتياح وإنما بأسلوب همجي متخلف من حصار يستطيع من يأكل أن يأكل ومن يشرب أن يشرب وهو يرى إخوته يموتون جوعا وهو يذهب إلى المسجد ليصلي والى أفراحه وأتراحه وكل عناوين اللامبالية، الجاهلية والكفر لم ترض أن يستمر حصار شعب أبي طالب وكانوا يعلمون أن الغذاء يهرّب لهم، لكننا نقبل ونعيش حياتنا وكان شيئا لم يك.

عندما كنا نقرأ هذه الآيات كنت استغرب كيف يكون الويل لمصلي كيف يكون وعيد الله لعباد لا تعلن الكفر، لكن ما نراه في غزة وتجاهل مقيت هو إفراغ لمعنى الدين رغم بقاء التدين الغريزي فأي دين يبقى حين يُترك اليتيم تحت الأنقاض، والمسكين بلا دواء ولا ماء، ثم تُقام الصلوات في قاعات مكيفة دون أن تُقض مضاجعنا من مشهد طفل ينزف على الهواء؟

الصمت العربي: اخرجوا آل لوط من قريتكم

غالبية الأنظمة العربية اختارت الوقوف في المنطقة الرمادية، محتمية إما بالخطاب السياسي البارد أو بالذرائع الجيوسياسية، بينما الدم ينزف بلا انقطاع، المنصات الرسمية في عالمنا العربي تنشغل بالاحتفالات وتعظيم القادة الأفذاذ الضرورة الذين لا تعرف لم وضعت النياشين على صدورهم وبحسابات الربح والخسارة، وكأن الدم الفلسطيني مجرد ملف إقليمي عابر.

هذا يطرح سؤالاً فلسفياً: هل الصمت تجاه الشر، خصوصًا حين يكون جماعيًا، يعكس موقفًا وجوديًا أعمق؟ هل نحن أمام تحلل داخلي للمجتمعات التي لم تعد ترى شيئا مهما أو لها قضية، أم هو عين العاصفة عندما يسود السكون مبشرا بالدمار القادم؟

سورة الماعون: فلسفة الأخلاق.

إن جوهر سورة الماعون ليس فقط فضح المنافق الذي يعبد الله ظاهريًا، بل تفكيك النظام الأخلاقي الذي يسمح له بذلك. وصف لمعنى أمة الغثاء التي لا تشعر بالعار ولا بغبش الفهم، ليست خطابًا تشريعيا بل صرخة فلسفية ضد اللامبالاة الأخلاقية، ضد التطبيع مع الألم، وضد تحييد الضمير.

وهنا يلتقي النص القرآني مع أعمق ما وصلت إليه الفلسفة الأخلاقية الحديثة، من إيمانويل ليفيناس الذي جعل "وجه الآخر" نداءً أخلاقيًا لا يمكن تجاهله، ما يحصل فضيحة وعار أيها السادة سيكتبها التاريخ والاهم ستكتب في صفائح أعمالكم حين تقفون أمام الله.

غزة كاختبار لجوهر الأمة

غزة اليوم ليست فقط قضية فلسطينية، بل مرآة الأمة كلها في لحظة تاريخية، تجتمع فيها الوحشية عارية غير خجلة فممن تخجل، والإفلات من العقاب، وتواطؤ قوى كبرى تكون وسيطا ولكنها مفاوض بينما هنالك من يتاجر بالقضية سيف على إخوته وخنجر بيد أعدائه، فتصبح ردة الفعل أو غيابها – شهادة حية على من نحن حقًا.

حين يصمت من يمتلك القدرة على الحديث، أو يساوي بين القاتل والضحية، أو يتذرع بالواقعية السياسية، فإنه لا يخذل فلسطين فقط، بل يعلن إفلاسه الوجودي وسهوه عن الصلاة ومنع الماعون ليس لأنه لا يصلي، بل لأنه يصلي دون أثر، ويرى أهله يموتون بل وأحيانا يشارك في قتلهم.

الشعوب الأوروبية... وضمير لا يُقهر بالكامل

المفارقة العميقة أن الشعوب الأوروبية التي طالما عُرفت بدعم حكوماتها للعدوان، لم تحتمل هول ما ترى. نزلت إلى الشوارع، مزقت الخطوط الحمراء، وواجهت القوانين القمعية لتعلن: "هذا ليس باسمنا".

هذه الشعوب، رغم بعدها الثقافي والديني، استجابت لـ “الماعون" الإنساني: تقديم الحد الأدنى من النخوة، الإغاثة، الكلمة، الصوت، في المقابل، كان الضمير الإنساني الأوروبي، رغم كل تاريخه الاستعماري، أكثر يقظة، آلاف التظاهرات والاعتصامات، وجماهير غربية تمشي من أجل غزة، أما العالم العربي، الذي يُفترض أنه الأقرب دمًا ولغة ودينًا، فإنه يعاني مما تسميته بـ “أزمة فهم المعنى" فحين يصبح لقد جرفنا تيار الدم إلى مضيق وجودي.

وبعد

كان ملكا يفرض الضرائب ويحذره مستشاروه أن الشعب يصرخ، إلى أن جاءه مستشاره فرحا وقال له: الشعب صمت! فنهض من مكانه وقال ارفعوا عن الشعب الضرائب لأنه الآن بات خطرا وسينفجر.

إذا استمر الصمت العربي، فإن الكارثة في غزة قد لا تكون فقط مجزرة بشرية، بل قد تكون مجزرة داخل الذات العربية، ويل ليس وادي في الآخرة فقط.

الثلاثاء، 29 يوليو 2025

191 - هـــــــل بلغنا شروط هلاك القرى في ضوء القرآن

رابــــط الــــــــــــــــــ صحيفة ـــــــــــــــــــــزمان 



﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾

احذروا فقد حق القول

ليست هذه الآية الكريمة من سورة الإسراء مجرد تقرير لحكم إلهي، بل هي بنية تفسيرية عميقة لحركة المجتمعات وسيرورتها نحو الانهيار، إذ تتحدث بلغة موجزة عن سنة كونية لكل تجربة بشرية آيلة للسقوط إنها لا تشرح العذاب، بل تشرح السبب؛ لا تتحدث عن القوة المدمرة، بل عن لحظة الانهيار التي تصبح فيها القرية عبئًا على ذاتها (والقرآن يصف القرية عندما يتفق أهلها المتنفذين على ما يوجب العذاب ويصمت الناس عنه أو لا ينكروه)، حين تفقد توازنها الأخلاقي والمعنوي.
النص – لمن يتأمله – لا يتحدث عن هلاك كعقوبة منفصلة تصدر فجأة، بل عن سيرورة لصيرورة داخلية، منطقية، تبدأ من تخلخل داخلي وتصل إلى نقطة الانحدار، ثم الهدم.

بين "أمرنا" و"أمرهم": الفعل لا يعني التكليف

قراءة لفظ "أمرنا" في هذه الآية كما لو كان قضاء من الله، أي كأن الله يقول: أمرناهم بأن يفسقوا خطأ كبير فهذا ما لا يستقيم مع العدل الإلهي ولا مع سياق الآيات ولا مع لغة العرب؛ فاللفظ هنا لا يعني التكليف، بل التمكين، أو الإمهال، أو الإغراق في النعمة، أو الكثرة لان الفساد يتوالد؛ بمعنى: بلغ المترفون من القوة والانتشار والتمكين عدد وعدة والسطوة درجةً صار فيها الفسق ليس مجرد حالة فردية بل ظاهرة متعايش معها، كمؤسسة، مُبرّرة، لها شرعيتها وهنا توصف الدول والمدن بالقرية؛ هو اختبار وليس قضاء محتوما فنحن في اختبار للمنظومة العقلية والشجرة حاضرة دوما ومحرمة.

الفاسق – في المفهوم القرآني – ليس الجاهل، بل العارف المائل للفساد وهذا هو أخطر أنواع الفسق: حين يعرف المترف أن سلوكه مخالف للحق، بل هو نمط من الخروج الواعي عن القيم التي يزعمها، عن التوازن، عن العدالة. لكنه ماضٍ فيه لأنه متاح وميسر، الفسق هنا لا يعني فقط ارتكاب المعاصي أو ناتجًا عن فقر في المعرفة أو فقر مال، بل عن طغيان في الإرادة، وخلل في الضمير الجمعي، وتآكل في البوصلة.

وصف الآية يبدأ بالمترفين، لأنه يقوم على الأنا، على إقصاء المعنى، على تقديس المتعة. المترف في بنية النص القرآني ليس ثريًا فحسب، بل هو ابن المنظومة التي جعلت من المال والسلطة معيارًا للنجاح، ومن اللذة قانونًا أعلى من الحق.

والمترف حين يُمكّن، يُفسد، ليس لأنه شرير في ذاته، بل لأن الترف يقتل المناعة الأخلاقية. الفسق هنا ليس خرقًا فرديًا، بل انقلاب جمعي على المعايير: يعرفون الحق ويتكلمون به ويخالفونه؛ يعرفون العدالة ولكنهم يبررون الظلم، يعرفون الفساد ولكن تعريفه عندهم اختلف فقد أصبح الاعتداء على نصيبهم من الغنيمة فالأمانة باتت مغنم، يعرفون الله ويزعمون عبادته، بل يبررون سحق الإنسان باسمه.  

عند هذا لم تعد النخبة تعبر عن مشروع حضاري، بل عن جشع ذاتي منغلق، تتحول فيه أدوات القوة (الثروة، الإعلام، القرار) إلى قنوات لخلخلة الأسس التي قامت عليها الجماعة هنا تتلاقى هذه الرؤية مع تحليلات ابن خلدون عن العصبية ونهاية الدولة، ومع الفلاسفة المعاصرين الذين يرون أن النظم تموت حين تفقد المعنى، لا حين تُغزَى من الخارج.  

فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ:

 "حقّ القول": عندما يصبح الانهيار حتميًا "فحقّ عليها القول" ليست حُكمًا مباشرًا، بل تقرير بأن شروط الانهيار أصبحت مكتملة، الدولة حين تفشل في تصحيح مسارها، وتنتج نخبتها من الفساد بدل العلم، وتخون فيها القوانين وظيفتها لحماية المصلحة العامة، تدخل في منطق السقوط الذاتي، حيث لا يصبح الخارج سببًا بل نتيجة العدل الذي يتنزل في صورة نهاية حين يصل الفسق إلى مرحلة الهيمنة، لا يبقى في القرية من يقاوم المنظومة، بل تنقلب المعايير؛ يُهاجَم المستقيم، ويُسخَر من العدل، بل تستخدم أجهزته في الظلم عندها فقط، يحق القول: لا لأن الله انتقم، فانتقام الله حساب الآخرة؛ بل لأن الشروط اكتملت وبُنى النسيج المجتمعي تهشّمت فالقيم التي تحفظ بقاء الإنسان تم سحقها تحت أقدام المترفين، ولأن القرية صارت خاوية من عوامل البقاء فـ"القول" هنا هو حكم القدر بسنن الكون الذي يحدث حين تكتمل شروط الفساد عن إصرار وعلم وبتمكين.

فدمّرناها تدميرًا:

من الكفاءة إلى الولاء، من القانون إلى الشطارة، من البناء إلى الترقيع، من النقد إلى التبرير السقوط هو نتيجة لانهيار الوعي والمعيار الصمت الجمعي: شراكة في الخراب حين يسيطر المترفون، لا تكون مسؤوليتهم وحدهم هنالك صمت مجتمعي، وخوف مثقفين، ومخدرات إعلامية، ومؤسسات تعقد حياة المواطن بدل تسهيلها، والضرائب غرامات، حتى يصبح الفساد عرفًا، والتفاهة ذكاء، والطائفية هوية، هنا يتحول الانهيار من خيار إلى حتمية.

طريق النجاة: السقوط يبدأ بفساد النخبة، والنهضة تبدأ بإعادة بناء النخبة على أسس العلم، والنزاهة، والإخلاص العام، لا على روابط هابطة ذكرناها أو الولاء للفساد، الدولة لا تقوم بالفوضى ولا بالشعارات، بل بقانون يحمي مواردها لا ينهبها، وولاء لمفهوم الوطن لا لأشخاصه، ونخبة تُختار بالكفاءة لا بالمحسوبية، لابد من حماية إدارة الدولة وبنائها بالمخلصين ومخرجات مراكز الدراسات. 

الخاتمة: الآية ليست خبرًا عن الماضي، بل قانونًا مستمرًا. إنها ليست عن ثمود أو عاد فقط، بل عن كل قرية والعبرة أن الإهلاك لا يُبتدأ من السماء، بل يُصنع على الأرض حين تُترك مفاصل القوة بيد المترفين، فحينما يُسمح للفسق أن يكون رؤية وليس جرما منكرا يبدأ الهلاك.


الاثنين، 28 يوليو 2025

190- إنسانية ميتة على حافة الفناء: هل لا يزال الإنسان جديرًا بالتكريم الإلهي؟

 

رابط الشبكة مباشر


إنسانية ميتة على حافة الفناء: هل لا يزال الإنسان جديرًا بالتكريم الإلهي؟

معالجة انحدار الإنسانية مع نقص الموارد وتغيير المناخ

 حين يموت الضمير قبل الجسد 

في غزة يُهدم الإنسان قبل أن يُهدم الحجر، يُحاصر الملايين بالجوع، ويُترك الأطفال للموت البطيء وسط ركام البيوت والمساجد. والعالم؟ يقف متفرجًا، بل أحيانًا متواطئًا، عندما يفضل البعض حياة الذل والمهانة على نصرة حق الحياة لإخوانهم، وكأن الإنسانية لم تعد سوى شعارا أجوفا يُرفع حين يخدم مصالح معينة ويسقط حين يُذكّر بالعدالة الكونية.  في غزة يُقصف الإنسان قبل أن يُقصف الحجر، يُجَوّع الأطفال حتى الموت، ويُدفن البشر أحياء تحت الركام والعالم أين العالم؟ منشغل بتعريف “مَن هو الإنسان المستحق للتعاطف؟” وكأن الإنسانية أصبحت امتيازًا جغرافيًا أو عرقيًا لا حقًا فطريًا لكل بني آدم إنه مشهد لم يُفاجئ سوى القلوب الساذجة فالإنسان الحديث الذي بنى المدنية على استنزاف الطبيعة واستعباد الشعوب لا يجد غزة استثناءً، مع أنها تعبر عن أزمة أعمق في الإنسانية الحديثة، أزمة تكشف أن الإنسان قد خلع عن نفسه ثوب تكريمه الإلهي، واختار أن يعيش وفق قوانين الغريزة والمصلحة العارية.  لقد صرخ النفاق عاليا عندما احتج الغرب الرسمي على قصف كنيسة اللاتين، ليس لقتل من استشهد فيها وإنما هي كنيسة قد تعمق روح الاحتجاج عند مواطنيهم والا هي في غزة ومن غزة وأهلهم يموتون يوميا بلا رد فعل قطعان الإيل المرتدية جلد البشر وهي تنظر ببلاهة إلى افتراس أختها.

الإنسانية الحديثة… قشرة لازدواجية المعايير الأخلاقية يفضحها صمت عالمي أمام المجازر وسوء اهتمام بالبشرية ومشاكلها الوجودية والتعامل معها بانفراد وبعقلية عدمية بليدة.

 استنزاف الطبيعة ومواردها والعالم يزداد عددًا، فيما الموارد الطبيعية تتقلص بسرعة مرعبة. الغابات تُحرق، المياه الجوفية تُستنزف، المناخ يختل، وكل هذا يُنذر باضطراب عالمي سيعصف حتى بمن يظن نفسه في الجانب الآمن وهنا ستظهر وحشية مشابهة للتعامل وغزة.

 خطر نقص الموارد…موت سبب التكريم

 الإنسان سيواجه مصيره وإذا كان العالم لم يتحرك لإنقاذ حياة إنسانية في غزة، فهل سيتحرك حين يهدده خطر أكبر؟ نقص الغذاء العالمي: تغير المناخ وتدهور الأراضي الزراعية يهددان الأمن الغذائي، حروب المياه المحتملة الأنهار العابرة للحدود قد تصبح بؤر صراع دموي إن لم يستعيد الإنسان ما كرمه الله به الطاقة والمعادن سباق محموم قد ينتهي بانهيار اقتصادات؛ الكوكب لا يفرق بين شرق وغرب إذا انهارت المنظومات البيئية، لن تحمي الأسوار العالية أحدًا، عندما ينشغل قائد اكبر دولة في العالم بالمال والأعمال وجلب الأموال باي طريق ليس مهما إنما أعوض خسارتي في مكان ما حتى ممن يتصور انه صديقي ويكرمني ومن ثم أهينه عندما اعلن استغلاله وهو لا علاقة له بخسارتي.

كيف سيستقبل العالم مشاكل تغيير المناخ كالقطعان المستنفرة بلا تنسيق بينها أو اهتمام وغزة نموذجا شاهدا على هذا التفكير السقيم! دون شك لابد أن ننتبه للكثير.

خطوات من اجل الخلاص:

إن الخلاص ليس بظلم الإنسان وقتله وسلبه وإعداد الساحة لهر مجدون أو أية تسمية من تسميات نهاية العالم ببلاهة وسذاجة لا تتناسب مع التطور العلمي والتقني الذي يستخدم أسوأ استخدام دون أن يحس هؤلاء البشر أن استخدامهم السيء هو مصيرهم في الآخرة وليس أي رواية.

إن اختبار منظومتكم العقلية ليس بالخرافات ولا بالطغيان ولا بما يحصل اليوم وإنما كيف تعالجون حياتكم وتبنون لها كيف تحافظون على السلالة من الانقراض، كيف تكونون أخوة ولكن ليس كقابيل القاتل وهابيل الضحية.... لان التخلف هو من يبعدكم عن العيش المشترك وعن إيجاد الحلول لاستقبال التغيير المناخي القادم وعن التعاون بين الجميع لديمومة الحياة فما نحتاج لمواجهة تحديات قادمة كالمناخ والمياه:

·        إطار حوكمة عالمي متكامل وشفاف إنشاء هيئة دولية مستقلة تجمع الدول بتمثيل عادل لإدارة الموارد العالمية (مياه، طاقة، غابات...)

·        نظام التعاون المالي والتقني متعدد الأطراف صندوق تمويل عالمي لدعم مشاريع التنمية المستدامة والتكنولوجيا النظيفة. تشجيع نقل التكنولوجيا الخضراء بين الدول، خصوصًا من الدول المتقدمة إلى النامية. آليات شفافة لمراقبة صرف الأموال وضمان تحقيق الأهداف

·         شراكات إقليمية لإدارة الأزمات تحالفات إقليمية لإدارة الموارد بشكل عادل (مثلاً الأنهار المشتركة، الأراضي الزراعية). نظم إنذار مبكر لمواجهة الكوارث البيئية قبل تفاقمها.

·        نظام اقتصاد دائري عالمي رقمي (Global Digital Circular Economy) وهو نظام اقتصادي رقمي لكن لنجعله يتجاوز إعادة التدوير إلى إدارة اقتصاد العالم.

الحقيقة أن نظام المشاركة والتوأمة وتفهم مشاكل الآخرين سيقارب بين الناس فالعمل المطلوب كثيرا قبل أن يفقد الإنسان تكريمه لأنه لا يحترم منظومته العقلية ويستخدمها في الصواب فسيصل إلى عيش بسلوك البهائم كصيغة تعبر عن فشل في مهمته الآدمية.

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾(الإسراء:70)

أظن أن القارئ أدرك لم دمجت غزة مع التقصير في استقبال ما نستشعر من مشاكل ستواجه البشرية، لان غزة شاهد على ذلك المخفي بما يغشي البصيرة بتطور التكنولوجية في التدمير بدل بناء الإنسان.

غزة اليوم إنذار مبكر واضح، صوت قاهر جهوري، هي مرآة الآدمية التي تفشل في المهمة كما ستفشل في مواجهة القادم من تغيير في الطبيعة.

غزة اليوم مرآة تكشف موت الضمير الإنساني، ونقص الموارد القادم سيكون اختبارًا أشد قسوة. إذا لم يعد الإنسان إلى مقامه كخليفة عادل، فإن التكريم الإلهي سيُسحب منه، ليس عقابًا سماويًا بل نتيجة فعله وما آل إليه من فشل ذريع وان ما يبنيه اليوم من مظاهر مدنية سيقضي على مدنية الآدمية كنتيجة فهل نحن في عالم يستحق التكريم؟

الجمعة، 25 يوليو 2025

189- مابيــــــــن الثــــــــــابت والجامــــــــد

رابط عربي 21 



بديهية

لا يرى الفرق إلا من تأمل ذاك الخيط الرفيع بين الثبات والجمود، كلاهما يوحيان بالارتكاز ومعبران عن قوة هذا الارتكاز، بيد أنهما ساعة الفعل في التطبيق ضدان؛ فالجمود يرتدي ألبسة متعددة لكي يبدو ثباتا، تارة تراه بزي شيخ الحكمة، وتارة بثياب أحد أساطير أو آلهة الإغريق زاعما الثبات على الرأي أو القيمة أو لاستقرار، وبين الثبات والاستقرار أو زعم أحدهما نحتاج لفهم المعاني قبل التزام المصطلحات.

الثبات: الجذور التي تمنحنا الحياة

الثبات هو إرادة واعية ترفض التفريط بالقيم العليا، إنه أشبه بشجرة تضرب جذورها في الأرض، لكن أغصانها تظل مرنة، تتمايل مع الرياح كي تعود أكثر قوة بعدها. الثابت ليس أسيرا للمظهر، بل مخلص للجوهر. يعرف أن المبادئ قد تكون مطلقة، لكن وسائل تحقيقها نسبية، تتغير مع تغير الزمن والظروف، وعندما يخلط السياسي (مثلا) بين هاتين الفكرتين فهو سيكون صريع مصالحه ومضحيا بمصلحة من يثق به ويعيش معه.

الثابت ليس أسيرا للمظهر، بل مخلص للجوهر. يعرف أن المبادئ قد تكون مطلقة، لكن وسائل تحقيقها نسبية، تتغير مع تغير الزمن والظروف


هنالك جذر مهم يربط السردية لأي فكرة صحية وما يمكن أن تحقق الفكرة وبأي اتجاه، فالثبات على المبدأ لا يعني أبيض وأسود أو لا يوجد ألوان.

لقد شهد التاريخ أمثلة عديدة على هذا الثبات الحي. الرسول eفي صلح الحديبية لم يفكر كما نخبة الصحابة أنه يحمل الدين الصحيح وأن قبول عنجهية الجاهلية بالحلم هو تراجع وهزيمة، بل فكر كقائد ورجل دولة، والتاريخ حكم على قراره.

كان غاندي ثابتا على مبدأ اللاعنف، هو لم يكن يريد شعبا مستعبدا أن يحمل أيديولوجيا ويقاتل في سبيلها، بل أراد أن يحول الاستسلام إلى صمود والقهر إلى صبر والعبودية إلى أمل بالحرية، فأعطاهم النموذج بنفسه، هو نجح بإخضاع المصالح للتوحد لكن قتله التخلف كأي حامل رسالة في شعب جاهل.

ومثال آخر هو اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. لم تتخلّ عن هويتها العميقة، لكنّها أعادت صياغتها لتتناسب مع عالم جديد. كانت جذورها ثابتة في الثقافة واللغة والتقاليد، بينما أجنحتها الصناعية والتقنية حلّقت في فضاء التقدم. هذا الثبات المرن هو ما أنقذ اليابان من الانهيار وحوّلها إلى قوة اقتصادية وعلمية.

الثبات إذا هو موقف فلسفي يرى المبادئ كنبع حي، يحتاج إلى الرفد بالأفكار والتجارب الجديدة كيلا يجف.

الجمود: حين تتحول القيم إلى أصنام

على النقيض، الجمود حالة من الانكماش الداخلي، خوف من المجهول، وتقديس للشكل على حساب المضمون. هو وهْم الأمان في البقاء كما نحن، فالبقاء معناه الموت البطيء.

الإمبراطوريات التي انهارت لأنها رفضت التغيير كثيرة، في نهاياتها رغم أنها مجوفة أكلها السوس كالإمبراطورية الساسانية والإمبراطورية العثمانية وغيرهما، تعرضت للتعرية التاريخية فلم تر ما حولها، حتى على مستوى الأفراد. نرى الجمود يتجلى حين يخشى الإنسان مراجعة أفكاره أو تطوير مهاراته، فيجد نفسه بعد سنوات أسير قوالب فكرية لم تعد قادرة على تفسير عالم يتغير كل يوم.

متى يتحول الثابت إلى جامد؟ وفلسفة التوازن

التحول من الثبات إلى الجمود يحدث بخطوات صغيرة لا يلاحظها المرء إلا متأخرا. يبدأ حين نتعلق بالوسائل بدل الغايات، حين نصبح أسرى لشكليات بدعوى حماية الثوابت، وحين نصم آذاننا عن النقد بذريعة الحفاظ على الهوية، نحن كأمة أتانا الإسلام حيا، نصوصه تتيح للبشر الاجتهاد برأي ليس مقدسا وتبني دولة وحكم، لكننا شوهناه بالتفسير وإقحام القدسية على البشر، وأبدلنا الأصنام الحجرية بأصنام بشرية وأخفقنا في التقدم خشية أن نفقد التراث، بينما التراث للعبرة والحاضر تقوده الفكرة.

ألم تر أننا من المجتمعات التي جعلت من التراث أصناما لا تُمسّ، فأوقفت التفكير النقدي والاجتهاد! لم تدرك أن الوفاء الحقيقي للتراث لا يكون بتحنيطه، بل بجعله حيا متجددا يستلهم الماضي ليصنع مستقبلا.

ألم تر سياسيين يحتجون لضعف كفاءاتهم بالثبات على الرأي والإصرار عليه، فأوردوا قومهم دار البوار، ومع هذا هم مستمرون رغم تخليهم عن زعمهم والتكبر الفارغ، ذلك أنهم لم يتجمدوا حفاظا على الرأي أو القيم وإنما خوفا أن لا ينالوا سقط المتاع.

الحل ليس الانسلاخ عن الثوابت، ولا الغرق في الجمود، بل إحياء الحركة داخل إطارها. القيم الكبرى (كالعدل، الكرامة، الحرية) هي الثوابت التي تمنحنا الهوية، أما الوسائل والسياسات والأدوات فهي متغيرة، ويجب أن تتغير كي تحقق تلك القيم في سياق جديد.

هذا التوازن يتطلب شجاعة فكرية وأخلاقية: شجاعة النقد الذاتي، وشجاعة الابتكار، وشجاعة مواجهة الخوف من التغيير.

الثبات قوة عندما يفهم ويتميز عن الجمود ويكون وفق استراتيجية تنفيذية وليس شعارات لأنه سيتحول إلى جمود عاجز، إن الهوية هي التي نتعرف عليها بأصلها وليس التشوّه المنقول المنحول


إن هذا الخلط بين الثبات والجمود هو ما جعل كثيرا من القيم النبيلة تتحول إلى شعارات خاوية، وكثيرا من الأمم العظيمة تنكفئ على نفسها حتى اختنقت. هنا تصبح الأسئلة ملحّة: متى يكون الثبات قوة؟ ومتى ينقلب إلى جمود قاتل؟ وكيف نحيا الحركة داخل الإطار دون أن نفقد هويتنا أو نتحجر باسمها؟

نحن من نقرر

الثبات قوة عندما يفهم ويتميز عن الجمود ويكون وفق استراتيجية تنفيذية وليس شعارات لأنه سيتحول إلى جمود عاجز، إن الهوية هي التي نتعرف عليها بأصلها وليس التشوّه المنقول المنحول الذي لا نطبقه رغم علو الصوت في مدحه وزعم الدفاع عنه بعقليه الجاهل العاجز الذي يعلو صوته آمنا، فإن تعرض لخسارة الدرهم أو رفاهيته انكفأ إلى الصمت المقدس.

التاريخ لا يرحم من جمّدوا أفكارهم حتى انكسرت، لكنه يخلّد أولئك الذين ثبتوا على جوهر القيم بينما ابتكروا ألف طريق لتجسيدها؛ الإصلاح الحقيقي لا يأتي من القفز في المجهول، بل من شجاعة الموازنة، وأن نحافظ على الثابت الحي، وأن نبتكر وسائل جديدة تحقق الغايات النبيلة.

إننا نقلب الثبات جمودا عندما نتشبث بالشكل وننسى الجوهر، عندما نصم آذاننا عن النقد بدعوى الدفاع عن الثوابت. في هذه اللحظة يبدأ الفكر بالتكلس، كالماء الراكد الذي يصبح مع الزمن مستنقعا فيه حياة ولكنها تعني المرض.

فهل نحن مستعدون لأن نسأل أنفسنا بجرأة: هل نعيش الحياة كما هي، أم نحرس الوهم باسم الوفاء؟ وهل نملك الشجاعة لنقول إن ما نمارسه اليوم ليس هو حقيقة ما نزعم أننا ننتمي إليه، وان الأصل مدفون بكم الأفكار المشوهة من أنقاض ما صنعه الجهل.

الجمعة، 18 يوليو 2025

188 - اخرجــــــــوا اجنتكـــم من الاكفــــان

 

رابط عربي 21


حمل الأمم

إن الأمم تلد مَن يصيبها بالمرض ومن يعالجها، مَن يجعلها تحتضر ومن يحييها فيكون هو من ولد الأمة الجديدة بفكر متجدد أو جديد، بيد أن هذه النخبة الإحيائية كأي نخبة بنّاءة لا تنزل من مكان مجهول بل هي تولد في كفن أمّة تحتضر، هذا الكفن الذي غلّفها أتى عبر الزمن من نماذج ذكرناها من التربية بدرجاتها والمعرفة والمعايير، والتقديس للأفكار القديمة والأشخاص، فهي ولادة ضمن كفن من تجهيزات دفن الأمة.

المفكر مثل أي إنسان هو ابن بيئته، يولد ويتلقى من الأسرة والعائلة، ثم المحيط الذي يشكل الجانب الأكبر، فالمدرسة ومعلموها وخروجه إلى الحياة، هذه مخاض التحرر والحياة للخروج من كفن التقليد، وما لم يك له دورا في صناعته أو التمكن من الإحساس بالارتياح له وهو يتلقاه.. عند كلمة التلقي يكون افتراق الطرق بين المفكر وبقية أنواع البشر، فالمفكر يفكك المعلومة ويصنفها وينظر للفائدة منها، إذن هو مسيطر افتراضا على غرائزه وحاجاته لكن هذا ليس إلا بتفاعل القيم والحاجات والغرائز ومدى ثورتها، لكن التفكير وأعمال المنظومة العقلية هي من يمزق الأكفان.

المفكر مثل أي إنسان هو ابن بيئته، يولد ويتلقى من الأسرة والعائلة، ثم المحيط الذي يشكل الجانب الأكبر، فالمدرسة ومعلموها وخروجه إلى الحياة، هذه مخاض التحرر والحياة للخروج من كفن التقليد، وما لم يك له دورا في صناعته أو التمكن من الإحساس بالارتياح له وهو يتلقاه.. عند كلمة التلقي يكون افتراق الطرق بين المفكر وبقية أنواع البشر، فالمفكر يفكك المعلومة ويصنفها وينظر للفائدة منها


ما يحصل في الأكفان:

- ركوب القيم بدل حملها، ورفع الشعارات للمرور من تحتها بمناطيد الفساد.

- الاستخفاف بالقيمة البشرية وتبديد الطاقات بل محاربتها، وعادة ما تكون هذه الطاقات أقل قدرة للدفاع عن نفسها فتهاجر.

- قصر النظر والإعجاب بمخرجات التفكير هذا، وغالبا ما يكون المتصدر من يتكلم وينتج الأفكار التي تسبب التخلف وتمجده نخبة حوله لتنتقل عملية تمجيده إلى المجتمع بالعقل الجمعي فيُقادون منه كالقطيع.

- الوعود التي تفوق الطاقة تفقد الأمل بالتطور والإصلاح.

- تحفيز الناس لأمر بسيط بأقصى وسائل استثارة العقل الجمعي، فلطالما رأينا الشحن العاطفي للجمهور ولكن لتحقيق مشهد ما بلا رؤية أو خطة أو نية للعمل الجاد، وهكذا يحبط الجمهور مرة بعد مرة ليتبلد الإحساس كما نرى اليوم؛ أمة بلا حراك ومن يتحرك فيها دود ينخرها يطالب بقتل منتجي أدوية وعلاج.

أهم معوقات اليقظة:

- الاتفاقيات التي مزقت الأمة، كسايكس- بيكو، معيقة جدا للتفكير بنسق يفيد الأمة ككل ولا يجعل كل جزء يتميز على الآخر فيكرس الانقسام.

- الانقسامات الداخلية، مثل الخلافات السياسية والطائفية، تعيق التعاون والالتحام الفكري بين المفكرين المنتمين إلى هذه الروابط الهابطة، واعتبار أي طاقة هي خطر ما دامت ليست تصب في الفكر الهابط المتفشي بالمجتمع.

- الأنظمة الاستبدادية تقمع الحريات، مما يجعل الناس ينشغلون بالمعاش اليومي مبتعدين عن التضحية، كانوا فاعلين ليرتقي أناس على أنهم مخلصون فإذا هو استبدال استبداد باستبداد، وإن كان خيرا فلا يعم وإنما يُستحوذ عليه، وتكرر محاولات التأييد والاندفاع حتى أصبحت غير محفزة ولو بالحد الأدنى.

- التبعية الاقتصادية تجعل الدول عرضة للضغوط الخارجية، مما يؤثر على الاستقلالية، وغياب الاهتمام برفاهية المواطن، أو على الأقل بعيشه الكريم ناهيك عن تنظيم الطاقات وتأهيلها تجنيدها للعمل من أجل البلاد والمجتمع.

- النظام التعليمي غالبا لا يركز على التفكير النقدي بل الإملا،ء ويمتحن الحفظ وليس الإبداع، ولا يركز على دراسة المواهب ومراكز الإبداع أو التنبه للعقليات الموسوعية التي تفيد البلد بكل اتجاه، مما يحد من فاعلية الوعي.

أهم معوقات المفكرين في الإصلاح:

- القمع السياسي، مثل الرقابة، يحد من حرية وفاعلية الأفكار الإصلاحية.

- ضعف الدعم المؤسسي يجعل تنفيذ الإصلاحات صعبا، فلا يفهم أكثر أصحاب القرار أهمية مراكز الدراسات في فاعلية الفكر والنهضة.

عدم إقصاء أي جهد نافع يصب في نهضة الأمة، حيث إن هذا المشروع لا يستغني عن النخب المؤثرة والقيادات الرشيدة الفاضلة من كل التيارات والأحزاب والجماعات وكل المخلصين من الحكام والمحكومين، بالإضافة إلى الدعاة والأفراد المستقلين


- المقاومة من القوى المحافظة، التي ترى الإصلاح تهديدا للقيم، تعيق التقدم، وغالبا ما يقابل أي فكر جديد أو فكرة بالتحفز لتفنيدها أو رفضها وتسفيهها، وهي لا تحمل تقديسا للموروث وأشخاصه.. وبإمكان التفكير أن يمتد بالمنحدر الزلق.

- الوضع الاقتصادي السيئ والفساد يخلق تذمرا ويجعل الخطاب الشعبوي الأقوى.

- العلاقات الدبلوماسية غير المتوازنة تصعد السيئ وتحبط الصالح والمصلح منهم.

- الحواجز الاجتماعية والثقافية، مثل الولاءات للروابط الهابطة، تعيق الوحدة والتغيير، ورغبة البعض بالتفوق وأن يكون الفاهم الوحيد والمهندس الوحيد والطبيب الوحيد، نوع من الرغبة بالتفوق وغالبا ما تأتي عن فراغ تزيح العالم والفاهم لتسيد الجاهل والبليد الظالم.

توصيف عمل اليقظة:

ومن هذه الحالة تنتج عملية تفكير الحاجة حلولا لمشاكل ومخططات:

1- البعد عن الارتجال أو الاكتفاء بالاقتصار على استثارة العواطف. إذ إن المرحلة يجب أن تسير في كل حركاتها على أدق قواعد البحث العلمي.

2- الانطلاق من القواسم المشتركة للعاملين من أجل نهضة الأمة، والإيمان بالعمل من أجلها.

3- تجنب الاستقطاب لمدرسة مذهبية أو حزبية، فهذا يحرم البلد من طاقات تعطل وتوأد.

4- عدم إقصاء أي جهد نافع يصب في نهضة الأمة، حيث إن هذا المشروع لا يستغني عن النخب المؤثرة والقيادات الرشيدة الفاضلة من كل التيارات والأحزاب والجماعات وكل المخلصين من الحكام والمحكومين، بالإضافة إلى الدعاة والأفراد المستقلين.

الجمعة، 11 يوليو 2025

187 - همســـــــات على حافة الوعي (مقال في التنمية البشرية والتربية النفسية)

 رابط عربي 21


إضاءة

نحن من نصنع كلماتنا، لهذا لا مناص من أن ندرك ما تفعله الكلمات، إنها تقدمنا ككيان لمن يقرأها أو يسمعها، كذلك أفعالنا؛ الحياة قيمة تتطلب الإيجابية والإيجابية ليست وهم نفس ولا ترفا فكريا يوهمك حتى فناء العمر، وليس من الصواب أيضا النظر لهذا الكلام باستصغار الحياة كقيمة أو انتقاص العمل في إعمارها وزيادة العبادات كمناسك وفروض، فالبناء من مهام البشرية، والتدين غريزة كما التملك وحب السيادة غريزة، فتقوية غريزة على غريزة ليس بها النجاة؛ وإنما فهم الخلق وأسبابه والحقوق والمعاملات يبعدك عن عبادة الفانيات الزائلات ويضع كلا في محله كي تسير الحياة وتقوم بواجب عمارة الأرض؛ باستخدام منظومتك العقلية وليس بترك غرائزك تستعمرك.

فالتعبد الغريزي بلا فهم لا ينعكس على رعايتك للقيم، وحب التملك والسيادة لا يجعلك متمكنا في الحياة، فكل هذا كما يرتفع ينخفض، فلا قوة باقية إلا ما فعلت بها ما خُلقت له، ولا مال أنت مالكه إلا ما زهدت عنه بعطائك له لمن يحتاجه وبنيت حياة أو أسعفت كرامة، ولا صوم وصلاة تنفع وهي ستار أذاك للآخرين.

على حافة وعيك، قف قليلا وتأمل، الإدراك للحياة ليس بالرفاهية التي تذهب بالعقلية، بل هي ضرورة وجودية، الإدراك بأن كل لحظة تعيشها هي أمانة، وكل نفس تنفسه هو فرصة لترميم الداخل قبل الخارج


همسات على حافة الوعي

على حافة وعيك، قف قليلا وتأمل، الإدراك للحياة ليس بالرفاهية التي تذهب بالعقلية، بل هي ضرورة وجودية، الإدراك بأن كل لحظة تعيشها هي أمانة، وكل نفس تنفسه هو فرصة لترميم الداخل قبل الخارج.

لكن هل يعني هذا أن ننظر للحياة باستصغار؟ أن ننبذها بدعوى الزهد ونتخلى عن العمل بحجة الفناء؟ كلا. فالحياة قيمة عليا، وقد خُلقنا فيها لنعمر لا لنهدم، لنبني لا لننعزل، لنُضيف للحياة جمالا وقيمة، لا لنكون متفرجين على انقضائها. فحتى التدين، إذا انفصل عن فهم الخلق وأسبابه، قد ينقلب إلى عادة غريزية بلا أثر، كما أن حب التملك والسيادة، إن لم يُضبط بالعقل والقيم، قد يتحول إلى عبودية جديدة يُستعبد فيها الإنسان لأوهام القوة والمال، ألم تر أن هذا ما يحصل فعلا!

إننا نخدع أنفسنا حين نظن أن إشباع الغرائز يكفي لإقامة حياة متوازنة، الغريزة بلا وعي تستعبد صاحبها، الإيجابية الحقيقية ليست في إنكار هذه الغرائز، بل في ضبطها وإدراك موضعها الطبيعي في دورة الحياة، بحيث لا تصبح غاية وهي حقيقتها وسيلة للحياة.

المال الذي هو الطريق الممهد إلى الحاجات من أجل البناء والكرامة، لكنه حين يسكن النفس بدل اليد يستعمرها، ويصبح سيدا قاسيا يستهلك العمر بوهم الرفاهية. القوة كذلك، إن لم توظف لرفع المظلومين فهي كهيجان ثور لا يثنيها إلا أن تخضع لمن يأكل صاحبها. لا بد أن ندرك أننا في مهمة السلالة والحفاظ عليها والإعمار، فإن لم نكُ البنائيين نكن الممهدين، وهذا لا يقبل ما نفهم من معاني الرفاهية في وحي الأنانية. هنا تأتي الإيجابية كوعي: أن تدرك أن مُلكك ليس ما أخذت، بل ما أعطيت، ليس ما تزعمه بل ما تترك أثره في الأنفس من بعدك. الإيجابية هي أن تجعل كل طاقتك لبناء ما يبقى، لا للانغماس فيما يزول، أن تعيش كل يومك وكأنك تبذر بذورا ستظل تزهر حتى بعد أن ترحل، فما أقصر عمر الإنسان الممتلئ بالحكمة وإن طال بالسنين، فهنالك الكثير من الكلام الذي سيرافقه إلى القبر.

أأكون واعظا؟

العمر فانٍ لا شك، لكن ما تزرعه فيه من معنى يبقى خالدا، ممتدا كظل شجرة وارفة لا تدري كم نفسا ستستظل بظلها بعدك. فلا قوة تبقى إلا إذا سخّرتها لما خُلقت لأجله، ولا مال يخلّد صاحبه إلا ما أحيا به حياة أو أعان به ملهوفا


أأكون واعظا حين أقول إن الإنسان الصفري الغائب عن الوعي وهو يرى نفسه ويتصور أنه يحقق إنجازا بطغيانه وتوسيع ملكه وظلمه؟ هو إنسان ميت لأن نفسه التي كرمها الله تلوثت أو غائبة في جب الشهوات التي استعمرت البعض وبنت فيهم قيمها التي ستلقيهم في حساب يأتيهم فجأة، "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ". والهلاك هو من لا امتداد له؛ في لحظة صمت داخلي. ربما تدرك هذه الحقيقة؛ كل ما ترفعه اليوم من قصور مادية أو عروش معنوية سيزول لكن الكلمة الطيبة واليد التي امتدت لتسعف لا لتفسد، النفس التي صبرت على الألم ولم تظلم، كل هذه ستبقى، وستشهد أنك كنت هنا، وأنك تركت الحياة أفضل قليلا لمن بعدك، أما إن تركتها أسوأ فلا ملكتَ ولا أثريتَ أو تسلطت بل ملئ رصيدُك باللعنات.

إنها همسات تأتيك على حافة الوعي لتذكرك بأن الإيجابية ليست شعارا لتجميل اليأس، ولا وهْما ورديا للهروب من الواقع. الإيجابية هي أن تعيش بفهم، أن تعطي بغنى، أن تعمل بإخلاص، أن تتعبد بوعي، وأن تحب بصدق، لأنك حينها فقط تحقق الغاية من وجودك: عمارة الأرض وحفظ السلالة.

الخلود في العطاء

العمر فانٍ لا شك، لكن ما تزرعه فيه من معنى يبقى خالدا، ممتدا كظل شجرة وارفة لا تدري كم نفسا ستستظل بظلها بعدك. فلا قوة تبقى إلا إذا سخّرتها لما خُلقت لأجله، ولا مال يخلّد صاحبه إلا ما أحيا به حياة أو أعان به ملهوفا. لقد أدرك الرعيل الأول هذا فتخلى ليصنع المجد وينشر القيم ويحرر البشر، جاءتهم الدنيا فأعطوها بعدل ولم يستأثروا، كانت ولادات جديدة بعد ضياع وموت النفوس، وكان التسامح أداة احتضان للبنّائين الذين كانوا بالأمس يهدمون، كذلك رأينا الصحابة وولادتهم وكيف يحس كل من كان يعرفهم حينها بشعاع التغيير عندما آمنوا، فقد آمنوا ولم يدعوا الإيمان فقط.

ونحن اليوم نقف أمام إمكانية ولادة، والولادة لأنفسنا وليس لأجسادنا الولادة للآدمية التي غادرها الكثير بالأنانية التي حولت إبليس شيطانا، ألم يئن الأوان ليدرك من يجب أن يدرك من معرفته ليولد، فالتاريخ لا يكتبه مخدوعون، ومن يكتب يسجل سواد الحُجب التي تعمي البصيرة.

204 - لماذا اليوم أفضل من الغد؟.. الخوف من التغيير (1)

  عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــربي 21 الانطباع والحقيقة: هنالك كثير من المفاهيم تحولت إلى ما يشبه المصطلحات بعد التشوه في فهم...

يقظة فكر