الجمعة، 31 يناير 2025

147 قطر ودبلوماسية المستقبل وظيفة دولية في عالم ساخن

 


رابط الشرق الالكتروني

عندما تلتزم دولة ما بالإدارة لسياسة السلم وقيادة أي بادرة للتفاوض نحو إحلال السلام والتفاهم بدل الحرب، فلا تسأل عن الدولة وحجمها الجغرافي وإنما الفعل والأداء، وإن كانت بريطانيا قد سميت بريطانيا العظمى في عسكرتها وانتشار قوتها العسكرية نحو العالم وهي بحجم صغير جغرافيا، فليس مبالغة في القول إن قطر هي الأكثر تأهيليا لتكون العظمى دبلوماسيا بل هي تنجز فعلا في هذا المسار في وضع دولي ساخن، وهي ليست عاملة على دبلوماسية المنطقة بل قيادة التفاوض الدبلوماسي وإحاطة من التمكن الواعي الذي يبدو منهجيا ومدروسا، ولا شك أن هنالك نقصا مهما في جانب تطوير المهمة الدبلوماسية بفراغ كما أراه ولا أدري إن كان موجودا فعلا وهو مركز دراسات إستراتيجي فاعل يجمع طاقات استثنائية يساعد في تأطير القيادة الرائعة للدبلوماسية والمشاركة في الحلول لمشاكل تتعقد كثيرا.

* دول الخليج عموما لها مهام وتقوم بها بشكل ما لكن تحتاج إلى توحيد التوجه وإدارة الحياة فعلى سبيل المثال فإن السعودية مفتاح للطاقة العالمية، كما الإمارات للمال والأعمال وهي مع دول الخليج الأخرى تمثل دعما لقوة الدولار لأنه العملة التي يباع ويشترى بها النفط فبالتالي هو عملة التجارة العالمية، ولعل تنسيق هذه التخصصات بدعم البعض للبعض خير من تنافس لا يجدي فعلا فهنا سيكون اختراقا للقيادة الإدارية برجال دولة مؤهلين ليس مدحا وإنما وصفا من خلال منجزات على الأرض، وإدراكا من قيادتها لأهمية هذه المهمة وفاعليتها (اقتبس) «ففي الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2022 صرح أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بأن الوساطة في حل النزاعات هي عنصر أساسي في سياسة قطر الخارجية بهدف ترسيخ الدولة كحليف دولي يمكن الاعتماد عليه « (الاقتباس ويكبيديا).

استشراف وحصافة

هنالك فرق بين التفكير العلمي وإدارة المصالح، وبراغماتية التماهي دون الضياع وهو أمر لا يدعوك للتخلي عن القيم وبين البراغماتية العميقة... فمعرفة الدور والتنمية فيه والاستثمار وتأطيره بذكاء وصناعة الفرص هو غير استغلال الفرص، صناعة الفرصة في النفوذ الإقليمي البناء يلقى دعما شعبيا واحتراما دوليا، ولو نظرنا إلى بعد نظر الدبلوماسية القطرية في شأن سوريا التي كانت نموذجا مبدئيا للانحياز تجاه الشعب.

مفاوضات المهام المستحيلة:

لدولة قطر بصمة نادرة في المفاوضات والعلاقات الدولية وأبرزها مفاوضات أفغانستان وغزة الآن لكن هذه نقطة من نقاط المساهمة في حل النزاعات المسلحة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، ويمكن الإشارة في هذا

أ‌- توقيع اتفاق الدوحة للسلام في أفغانستان بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان في فبراير 2020.

ب‌- مفاوضات فلسطين المهمة.

ت‌- إعادة المختطفين من قبل بعض القوى المسلحة.

ث‌- المشاركة في قوات حفظ السلام التي شكلتها الأمم المتحدة في العديد من مناطق العالم من لبنان، إريتريا، البوسنة.... إلخ.

ج‌- تسوية الأزمات الداخلية لبعض الدول مثل إريتريا، لبنان، وأزمات وحروب أهلية في اليمن والسودان، ومنازعات حدودية في جيبوتي وإريتريا، وحروب ذات طابع دولي كالحرب في أوكرانيا.

ح‌- مبادرات في حل المشكلات التي حدثت في بعض الدول العربية، كمشكلة دارفور، اليمن، لبنان، فلسطين.... إلخ.

خ‌- الوساطات الدولية، حيث انتهجت دولة قطر في سياستها الخارجية نهج الحوار والمساعي الحميدة والوساطة والدبلوماسية الوقائية والعمل على تسوية المنازعات والأزمات بالطرق السلمية وبكل حيادية واستقلالية ووفق أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومن هذه الوساطات مثلا جمهورية فنزويلا أطلقت سراح سجناء أمريكيين، مقابل إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية سراح سجين فنزويلي، بعد عقد عدد من جلسات الوساطة بين الطرفين قادتها قطر..

د‌- الوساطات بين الدول والقبائل والدول ومسلحين

وهنالك أعمال لا يمكن حصرها جميعا فما يذكر للدلالة والمثل فهذا الدور مهم وكبير ويحتاج إلى مواهب وخطوات ومنهج علاقات عامة وفهم للتفكير وأساليبه للمقاربات، ولا ريب في هذا فقطر من أرقى النظم في التنمية البشرية ورفاهية الفرد من خلال الدخل المعاشي وإن كان الإعلام لا يركز هذا باعتباره واجبا.

دبلوماسية المستقبل

دبلوماسية المستقبل مع ضعف الخطاب الدبلوماسي المتراجع عالميا يضع ترشيحا لقطر موضع الإبداع كدولة حياد تنظر أين موضع الحق فتسعى لتصويب الطرق لإحقاق الحق، لفرد من ضيم أو دولة من ظلم ويد مفتوحة للاحتضان والكرم.

وهذه ليست مهمة سهلة أبدا في واقع كواقعنا؛ من أجل هذا فتوسيع المهمة وتأطيرها هو كما أراه استشرافا آخر سيحتاجه العالم لأنه بدأ يستقطب من جديد ويتوتر وينذر بحرب أو حروب تحتاج الحصافة والمهنية والخبرة من دول عظمى في الدبلوماسية أمام دول ستختار الحرب عاجلا أم آجلا بسبب تدني المستويات في القيادة الإدارية والسيطرة الحقلية واقعا، لها خط واضح دبلوماسي يؤلف بين المختصمين حتى المخاصمين لها، وسياسي في رعاية المصالح الداخلية، فنجاح الإنسان بنجاح المنظومة العقلية في التفكير وإبداع الصواب والسلم والخير، إنها منظومة تستحق أن يستثمر معها وفيها فكثير من الماء قد يصرف على أشجار ميتة نحبها لكنها عبء وخسارة، فمن شاء أن يرى المستقبل عليه أن يعدل معايير النجاح والتطوير والتوسع مهم على أية حال.

الأحد، 26 يناير 2025

146 - غزة العزة مدرسة للإنسانية عرض ومقترح

 


المشهد الرائع:

كانت حماس فيما يبدو في الدفعة الأولى تختبر ثقتها باهل غزة وثقتهم بها، فوجدت الأهل هم الأهل وأن المصائب تنزلق عن أكتافهم ولا تتحول إلى حقد وان الإنسانية فيهم تتجدد وترتقي ويظهر معدنها النقي، فكانت الجولة الثانية في تسليم الأسرى بعد وقف إطلاق النار في يوم 25-21-2025.

ارتقى المنصة شابات مجندات واهل غزة تودعهم بتحية الرقي الحضاري بفكر يثق بالله وصبر عجيب على الحفاظ على الإنسانية وأخلاق الإسلام، وشعب متمدن بالسلوك وأسلوب العمل الإداري الراقي لتسليم الأسرى فهم أمانات انتهت عداوتهم ساعة أسرهم وأصبحوا يعاملون بحب الله.

كانت العلاقة بين الآسر والمأسور علاقة وطيدة ومنهج فيما يبدو كأسنان المشط، هنا الفتيات أحست كم من الاحترام للمرأة

مشهد رجال دولة تسلم بشكل رسمي وموثق لحفظ الحقوق لهؤلاء الجنود المأسورين، مع جهة رسمية دولية، انهم دولة بكل معنى الكلمة، فالدولة ليست بسعة الأرض ولا بالسلطة فحسب وإنما بالسلوك المسؤول، جند كما قال أحد شباب غزة (هؤلاء الأبطال لا يحمونا الآن فقط بل حموا عرضنا، ونحن اليوم من نحميهم)، شعب متعلم بنفسية لا تحتاج إفهام فقد صقلها القرآن والبيان

هذا المشهد لنموذج متمدن عادل لا يخاف منه الغدر ولا البهتان ولا أي شيء ينزع عنه صفة إنسان، المشهد كان بروعة قنالهم في الميدان ونموذج لحملة الرسالة والقضية.

رسالة غزة، فرحنا بعودة ضيوفنا إلى أهلهم وقد كنا أهلكم وبكل المحبة ودعنا من استضفناه وكان يقاتلنا، اذهبوا وافرحوا من يحبكم في الطرف الآخر فاليوم عيد وسنفرح بلقاء أسرانا العائدين.

المشهد المقابل:

مزيدا من القتل والدم وسوء النية في المظهر والجوهر ومنع الاحتفال وإخراج السجناء بمنظر مزري، بل مداهمة بيوتهم بعد عودتهم والتحقيق مع أهلهم أو اعتقالهم ربما لأنهم فرحوا، استمرار بالتلكؤ في تنفيد الاتفاق وإضمار وإعلان النوايا السيئة، تصرف همجي لا يبلغ الرقي ونفسية يملأها الحقد والكراهية، هذا النموذج الذي يخضع له حكام الغرب ويبيع ضميره من أجله ويعتبرونه الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، كان قصفهم يقتل الأسرى بل هم كان خوفهم ليس من آسرهم بل هم عاشوا المصير المشترك من بطش الهمجية وتطبيق الكراهية التي كانت تنفد بأسلحة أمريكية وغيرها.

استنتاج أولي:

كل ما نتحدث عنه هو استنتاج أولي فالحكومة الإسرائيلية تأبطت شرا ولا تؤتمن وهي بسلوكها المؤذي عار على كل من يدعمها فهي ليست أهلا لا في الحرب ولا في السلم، بالتأكيد الموقف وضعها أمام مقارنه مع حماس ورقي حماس، كان عليهم أن يبدو رقيا وحسن نية لكن إبليس لم يجامل عندما كره آدم وخالف الحق، هذه ناس لا تريد السلام لانها تعيش في الفوضى، ولا تريد أن يرى شعبها أن ما تقوله تجاه أهل غزة محض ادعاءات كاذبة، أهل غزة من هم اليوم؛ هم شعب يقصف ويقتل ويشرد ويؤذى أي أذى وتهدم مساكنه ويدفن أطفاله ويجوع، ثم يودع الأسرى وكأنهم ضيوف وقد عوملوا كذلك طول الوقت هذا شعب يجسد تعريف الآدمية والإنسانية بأرقى صوره، ومع هذا قومهن البهت يريدون أن لا يرون هذا المجد الحقيقي عندما تحافظ على أدميتك وصدقك ومحبتك لله ثم الحياة، بل يريدون الحرب من اجل كرسي لموتور

خلاصة القول:

بعد أن اتضحت أهلية حماس والقسام ورقي سلوكهم وحضارتهم وتمدنهم المتطور ليبرز هذا المشهد، واتضح الفساد والإفساد عند هذا الكيان، بحيث يخالف العهود والوعود ويطلق الأسرى ليعود ويعتقل من يعتقل أو يمنع الناس من فرحتها، ورقي إدارة حماس أمام اضطراب وعشوائية الحكومة الإسرائيلية، وانها تستخدم كل ما تملك للأذى والدمار، نرى أن يتصرف الغرب والولايات المتحدة التي تشاركها الجرم بمساعدتها ودعمها من اجل مواقف معروفة....تصرفا صالحا لمرة تنهي هذه الفوضى في المنطقة التي يسببها كل فوضوي مثله، وتوقف الحروب وتلتفت لمشاركة العالم  في التنمية والبناء والإصلاح وان تضع الولايات المتحدة ووفق سياسة ترامب برنامجا واضحا لحل القضية الفلسطينية التي هي معاناة عند الأمة وتجارة عند البعض، بحل يوحد الناس التي تعيش على ارض فلسطين بدولة واحدة ضمن برنامج مدروس لتكون ديمقراطية حقيقية، تبدأ من تشكيل حكومة مؤقتة تشرف على انتخابات ينتخب بها الفلسطينيون مرشحين يهود وينتخب اليهود مرشحين فلسطينيين ولمدة قصيرة تقوم هذه الحكومة بتطبيع وتوحيد المجتمع ثم تجري حياة ديمقراطية مثل أية دولة ديمقراطية، ليتخلص الشعبان باتحادهما من المزايدين والمتاجرين ومن فرانكشتاين ودراكولا وليكون ما راينا من مشهد ممثلا لفلسطين باتحاد تاريخي يصحح الأمور بينهم وهنالك فعلا مقترحا سبق نشره في عدة مواقع لكن لم يبق إلا على الرابط التالي ممكن أن يطلع عليه رغم قدمه ويحدث بما ذكرنا في مقالنا هذا.

https://www.odabasham.net/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/109577-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D9%82%D8%B1%D9%86

 

وننتظر المشهد القادم بدرس جديد ومشهد راقي آخر تعلمنا إياه القسام

                                                                             


السبت، 25 يناير 2025

145 - ترامب نقطة نظام محتملة لتغيير السياسة التقليدية الامريكية

 رابط عـــ 21 ـــــــربي

رابط داخلي


ترامب كانطباع عام:

بدقة الوصف، اختصر الانطباع العام الدكتور مصطفى الفقي عن ترامب؛ "إننا أمام القذافي بكلماته الغريبة وأمام صدام في العنف"، الذي أراه أنه يمثل بكل شفافية المنهج الأسبرطي الذي تعتمده أمريكا في اليد الضاربة، وهو إخضاع وإذلال العدو ولا رحمة وإن خضع، وتحترم العدو القوي المنتصر دون تأمينه من الانتقام، وهو يتعامل مع الأمور كما تعامل في تلفزيون الحياة، ومن منطلق الأنا الرأسمالية وطغيان ونشوة العصامية بلا حدود الأخلاق، عدا قيم النفعية التي لا تفرض على القوي أي نوع من البراغماتية.

الاستراتيجية الأمريكية:

كل الرؤساء الأمريكيين موالين لإسرائيل بحكم سلطة المال والأعمال والإعلام وتأثيرها على المستقبل السياسي للسياسيين، ومع قيمة النفعية، تصبح العين التي يرى بها الساسة هي عين صهيونية، وليس من قيم أخلاقية أصلا في منظومة الدولة الحديثة، لكن المبالغة في وصف السيطرة يأتي من استسلام الشخصيات المؤثرة، وليس من شروط التأثير للكيان. وترامب ليس بالشخصية التي تقاد بالتهديد والخطورة؛ لأنه وفق مسار حياته لا يعرف الخسارة، وإن عودته إلى الرياسة لإثبات أنه لم يك خاسرا لشعبيته واحتفاله في الكونغرس ليس لأسباب أمنية فقط، وإنما ليبدأ حيث انتهى مستأنفا بعد فترة يعتبرها وقتا ضائعا.

ترامب ليس بالشخصية التي تقاد بالتهديد والخطورة؛ لأنه وفق مسار حياته لا يعرف الخسارة، وإن عودته إلى الرياسة لإثبات أنه لم يك خاسرا لشعبيته واحتفاله في الكونغرس ليس لأسباب أمنية فقط، وإنما ليبدأ حيث انتهى مستأنفا بعد فترة يعتبرها وقتا ضائعا.


فرصة تاريخية لأمريكا ترامب:

لم يأت الرؤساء الأمريكيون بجديد وهم يتعاملون مع المنطقة العربية والإسلامية، وإنما تعاملوا معها في التكتيك، ومن خلال استراتيجية دعم إسرائيل التي هي في الحقيقة ليست إلا منصة، ثبت أنها ليست قابلة للحياة المستقرة وجلب المنافع للولايات المتحدة، وهو ما زاد بلله لطبيعة ترامب في دورته الرئاسية الأولى؛ لأنه أمعن في تجسيد وجهة النظر الإسرائيلية نحو العرب والمسلمين في الكراهية، والتقليل من شأنهم وتوريط الولايات المتحدة في حرب غزة الأخيرة بجرائم الحرب التي قتلت الأبرياء وهدمت العمران، ولم تحقق الهدف المستحيل، وهو كسر إرادة شعب مظلوم يحمل قضيته في دمه.

لذا، فبإنشاء استراتيجية موازية لا علاقة لها باستراتيجية أمريكا- إسرائيل، سيخلق نوعا من التوازن السلوكي لأمريكا كدولة كبرى لا بد أن تأخذ القرار اللائق وليس التورط في جرائم حرب، أو تنظر إليها الشعوب كمصدر وسبب للتخلف عندها وتعاظمه، فهذه الشعوب لا تعيش الحياة، وإنما تعاني شظف العيش وهم أغنياء بثرواتهم، بعضها لأمريكا دخل مباشر في إنشاء منظومة القهر والفقر والتخلف فباتت كفرنكشتاين، الذي يتصرف بلا إحساس وعقل، فكان التدمير.

وعلى العرب في المقابل أن يعتزوا بأنفسهم ويصالحوا شعوبهم ويسعوا لبناء استراتيجية، وليس لترضية ترامب وتجنب دراكولا أمريكا، ولكن ليكونوا بناء دولة صلدة لها شخصية وكينونة كما تريد، لا كما يريد الآخرون وتكون موحية بالثقة لبناء استراتيجية رصينة الموازية. دون شك إنها فرصة ترامب أن يضع بصمته التاريخية، يسجل له في تغيير السياسة الأمريكية نحو منهج أكثر فاعلية وقبولا وإيجابية، تحدث نقلة لتعريف العلاقات الدولية والتحالفات في المنطقة الحساسة هذه والمهمة للمصالح الأمريكية، كما أمريكا مهمة لمصلحتها بإقامة صناعات وتحالفات آمنة، ولها ديمومة ولا تشكل عبئا، وهي في واقع فوضى مضطرب.

القضية الفلسطينية:

زلزال تشرين الأول/ أكتوبر كشف نقاط الضعف في الواقع والتفكير، وحيث يجب التغيير لا الترقيع، كشف الوحشية والكراهية والرغبة في التدمير، وكشف مواقف إنسانية في أناس يحملون القضية.


إن زلزال تشرين الأول/ أكتوبر كشف نقاط الضعف في الواقع والتفكير، وحيث يجب التغيير لا الترقيع، كشف الوحشية والكراهية والرغبة في التدمير، وكشف مواقف إنسانية في أناس يحملون القضية، ومع هذا، يقال إنهم إرعابيون (الإرهاب خطأ لغوي). عناصر القسام أحدثوا مقارنة لكل عين ترى ما يفعل الصهاينة عند تمكنهم من الأسرى، وأذيتهم وإذلالهم وتفريغ الكراهية فيهم؛ وما يفعل عناصر القسام عند تمكنهم من الأسرى. والأمر واضح جلي كيف بنى تعاطفا إنسانيّا وعلاقات سليمة يحاول الصهاينة جهدهم تسفيهها، لكنها تثبت نفسها في طرح العائدين من الطرفين ولن تستطيع أن تقارن، فالظرف ظرف اعتداء وموت، وربما من يرعى الأسرى فقدَ من أهله وإخوته أو أبويه، لكنه كان إنسانا قائدا، ويمكن أن يكون رجل دولة.

وضع غزة غريب تعريفه ليبدو استقلالا تحت الاحتلال، لكنهم واقعا يعانون التهميش وتلاشي الأمل في سجن بلا جدران. علينا أن نعرف المشكلة لنعرف إن كان لها حل، هل المشكلة هي اليهود أم الصهاينة وقيام كيان معاد للبيئة، ويرغب في ترويضها وتطويعها وامتصاصها والحرص على استمرار تخلفها، إن قتلهم فهو دفاع عن النفس، وإن فشل في إبادتهم فهي هزيمة، وإن دافعوا عن وجودهم وحريتهم هو إرعاب (الإرهاب خطأ لغوي)؟ الأمران مختلفان، لكن استعباد اللوبي اليهودي في أمريكا للمتنفذين يغيّب إنسانيتهم فيرون الجرح جريمة عندما يكون الجريح إسرائيليا، وليس بشيء يستحق الذكر أن تبيد 10 في المئة من شعب، وتخرب بيوتهم وتجوعهم وتعطشهم وتمنعهم من الاستقرار وتعاملهم كالفئران تطردهم من هذه الجهة وتلك، وهنا مات العالم الراضي ليس موت الضمير، بل موت الآدمية وإنسانية الإنسان.

هؤلاء المتعصبون ليس لهم أهلية الحكم، لكن إن كان العيش عيش اليهود، فمن الممكن أن تقام دولة ديمقراطية واحدة تجري فيها انتخابات تبدأ بأن ينتخب اليهود المرشحين الفلسطينيين، وينتخب الفلسطينيون المرشحين اليهود إلى أن تبنى الدولة فينتخب الجميع للجميع، وهنالك مسار لهذا المقترح في مقال سابق عنوانه دولة واحدة لا صفقة.

الجمعة، 17 يناير 2025

144- جدلية التغيير الفكري

 رابط عربي 21


ميزة الآدمية التوسع الذهني

إن الله خلق آدم وميّزه بمنظومته العقلية الجبارة التي لها القدرة على قمع أي شذوذ في الغرائز أو طلب للجاجات إن امتلكت الفهم والحس بأن هذا خارج المعهود، فالعقلية طاغية وليست حيادية مع النفسية والاثنان يشكلان شخصية الإنسان، وخلق الإنسان الذي امتدحه القرآن في رسول الله هو طبيعة الإنسان الممثلة لغلبة العقلانية على الغرائز التي تبدو كرد فعل، وهذه مدمرة للعيش المشترك وغالبا هي سبب تدمير أرقى رفقة في رحلة الحياة وهي الأسرة أو عقد الزواج، لهذا كان نصح رسول الله أن من يتقدم لكم للنسب وهو ذو خلق طيب وحسن ترضوه فزوجوه، لأنه لن يؤذي أهله برد الفعل الانفعالي وقبوله يعد أساس للبناء السليم ولا يحبط فيكون فاسدا، وذو الرجاحة إن فسد مؤذ للمجتمع.

فالمعلومة ليست كل شيء وإنما فهم المعلومة ومعالجتها وتحويلها إلى شيء عملي هي من سمات المنظومة العقلية الآدمية، فلو عالج أبونا آدم المعلومة لكان ذا عزم أي ذا تفكير وقرار صائب بينما هو قرر بعيدا عن المعلومة وإنما بدافع غريزة حب التملك والبقاء، حيث تهذب الأنا فيضعف الغرور والكبر وغيرها.

التغيير سنة كونية

ليس من لحظة زمنية تمر على الإنسان وتعاد، لكن ما يعاد هو النظام وماهية النظام التكرار لليل والنهار والحساب لوقت يمضي، كذلك التغيير سمة للإنسان الذي يفكر، ينتقل من فكرة إلى فكرة ومن حالة إلى حالة لا يبقى لديه مستقرا إلا الغايات، والغايات متغيرة وفق قيمة أكبر هي الحياة التي لا ترخص إلا أمام القيم والعقيدة، وتلك إن فقدها يصبح فاقدا للكينونة فلا قيمة حقيقية للاستمرار.. أولئك الشهداء ويسمون في جهة أخرى المضحون وهم مناضلون من أجل قيمة يموتون في طريق نصرتها.

لم يعد الموت الخيار الوحيد أمام نجاح المناضل أو المجاهد، بل الجهد لنصرة العقائد عبر وسائل التواصل الحديثة ويمكن أن تتبناها دول كما تبنت الساتلايت والذي هو جزء من وسائل الانتشار والدعوة إلى الفكرة.

الإنسان وخطوات التغيير:

نلاحظ انتقال الناس من فكر إلى فكر أو من عقيدة إلى عقيدة أو من منهج إلى منهج، وفي مقالات سابقة ذكرنا العوامل المؤثرة على الإنسان، بيئة الطفولة، ثم بيئة المدارس، وبيئته الاجتماعية المحيطة، وتأثير سياسة الدول، وفاعلية أفكاره نفسها في تولد الاعتقاد الجازم بصحة التوجه، وقابلية الإنسان على التجديد والتحديث أو حتى الإبداع في ربط الواقع وإدارته مع فكره، فترى بدايته في تفكير الأسرة ويتبنى معتقداتها، ثم يتحرك الشك في المدارس والمحيط، وتأثره بعدالة المجتمع والدولة، فينتقل فكره لتبني الجديد؛ ليس لصحة الجديد وإنما لقناعته بعجز القديم.

وهنا قد ينتقل من نفق مسدود إلى نفق مسدود، وغالبا نصرة الفكرة بتجاهل أو إعتام فهم المجتمع هي سدادات الطرق التي يسير بها الإنسان الذي يريد أن يحقق شيئا، فإما أن يبدع أو يدور بلا حل في الأفكار المتاحة كما فعل أبو حامد الغزالي فلم ينهج جديدا وإنما انتقل بين الأفكار في عصره، لكن في القرن العشرين ظهرت محاولات تجديد إلا أنها لم تتخلص من التراث وما نقل من إخفاقات فكرية وسلوكية واختلاط التفاسير بين الفقهاء والفلسفة اليونانية، لهذا نجد استخدام لمصطلحات ومفاهيم فلسفية لا تشابه الخطاب القرآني، مثلا القلب القرآني هو موضع التفكير والصدر هو الرأس، بينما القلب التشريحي في الجوف ولا علاقة له بالتفكير والعواطف فالمنظومة العقلية هي في الرأس، لكن القلب الجوفي المفكر هو في الفلسفات القديمة والدماغ مجرد حشوة عند البعض ونواقل عصبية، والفؤاد هو أيضا في القلب المضخة. وهذا كله ليس صحيحا فالقلب يستعاض عنه بمضخة بلاستيك، والفؤاد مركز الحس وهو في الرأس، ومساحة واسعة جدا للتفكير وإنشاء الاحتمالات والمسارات، هذه إن كانت عاملة عند الإنسان يتطور ويتسع فكره وينتج الجديد ونرى خيارات إضافية وليست تقليدية، فتحول الإنسان إلى فكر بلا تخطيط تقوده العاطفة يضعه في ورطة فقدان التحكم في المصير، وانتقاله إلى شيء موجود فاشل سيزيد في الطين بلله. وهذا الأغلب في مجتمعنا لأنه يعتمد القوالب الجاهزة من نخبته تجعل المجتمع مختبر تجارب لأفكار تبقى رواسبها وصراعاتها حتى بعد رفضها من المجتمع، كما يعتمد الاستنباط والتقليد في الدين فيكون الشباب المندفع وقودا لفشل هذه التنظيمات حتى لو صدقت، ناهيك عن تلاعب ذوي المصالح بها.

ما الذي نحتاجه:

أن نبتعد عن الأوهام ومثالية نقلت لنا عن الماضي وشخصياته بحيث أصبح الماضي بأشخاصه واجتهادهم مقدسون وهم الدين والثقافة والدولة، وهذا ليس صحيحا، وأن نفكر في واقعنا نستقرئ أحواله ومشاكله ونستنبط له حلولا نعرضها للناس إن وافقوا نضعه كتجربة لشعب، فليس إسلام السابقين حلا كما إن نقل تجارب الشعوب الأخرى حلا، فكلها قوالب، والأصح أن نركز على أهلية المجتمع وأفراده وسيصل المجتمع إلى خيارات الصواب وعقلية فاعلة، ولأننا نفكر بطريق متخلفة فإننا لا نقبل التحول أو نفهمه ويعذر المجتمع لأن الواقع يشير إلى حالة متجذرة من النفاق والقدرة على الانقلاب أكثر إجادة من الحرباء، وهم نفس الناس الذين كانوا سببا لقهر الشعوب لا يلبثون إلا أن تعود لقهرهم ويحبط الناس أو يعودون للثورة، وهذا كله تأخير في الاستقرار والرفاهية وما هو مطلوب لضبط العقلية والنفسية أو الشخصية التي تمثل ثقافة مجتمع متقدم ناضج نافع يشارك في المدنية كمنتج وليس كمستخدم أو مستهلك فقط.

الجمعة، 10 يناير 2025

143- الثيوقراطيـــــــة في النظام الغربي

 رابط عربي 21 

"أصبحت عصبية علمانية، وملكية في سلالة بالحق الإلهي أصبحت وراثية من دكتاتور أو طاغية بحكم القوة والنفوذ وبقي الفساد على وضعه"- عربي21

معنى الثيوقراطية:

هو مصطلح يصف حالة حكم رأي رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى وتفاعلهم مع الملوك للتمكن من الشعب، فكان رأي رجل الدين الشخصي يعتبر حكما مقدسا إلهيا، والقساوسة يتكلمون باسم الله، أي هو في الخلاصة رأي مقدس يجب أن يكون معيارا لسلوك الجميع وواجب الاتباع منهم.

لذا يمكن القول إن الثيوقراطية لا تتعلق بالدين المسيحي ولا بأي دين آخر، وإنما هو تقديس رأي البشر وفرضه على الآخرين أو جعله معيارا للصواب والخطأ أو الحسن والقبيح، وبالتالي فإن تعصب العلماني إلى العلمانية وسلوكه هذا السلوك في تقديس رأيه ضد الأديان أو غيرها فهو ثيوقراطي متعصب للفكرة التي عنده.

الثيوقراطية لا تتعلق بالدين المسيحي ولا بأي دين آخر، وإنما هو تقديس رأي البشر وفرضه على الآخرين أو جعله معيارا للصواب والخطأ أو الحسن والقبيح، وبالتالي فإن تعصب العلماني إلى العلمانية وسلوكه هذا السلوك في تقديس رأيه ضد الأديان أو غيرها فهو ثيوقراطي متعصب للفكرة التي عنده

لا غرابة أن نجد العلمانية اللائكية في فرنسا مثلا قد ثارت ضد الملوك ورجال الدين، لكنها في الحقيقة ثارت لأنها واقعة تحت ظلمهم وليس ضد الظلم نفسه، فنجد في التاريخ تعصبا ضد الأديان ونجد تحول الملكية إلى إمبراطورية كانت تُعد زمن نابليون الأول للتوريث، فما اختلف الأمر؛ عصبية باسم الدين أصبحت عصبية علمانية، وملكية في سلالة بالحق الإلهي أصبحت وراثية من دكتاتور أو طاغية بحكم القوة والنفوذ وبقي الفساد على وضعه، وهذه أتت كرد فعل أيضا على بداية الثورة الفرنسية عندما أعدم روبسبير الناس بدل سجن الباستيل، وأعدم روبسبير أكثر من 6 آلاف شخص في أقل من شهر ونصف، وفي العام 1794 من معارضته، وأعدم هو الآخر بـ"المقصلة" مع 100 آخرين من أعوانه، وهي كما هو واضح فاعلية للأنا، فهي منظومة تنمية التخلف إذن تتعامل مع غريزة حب السيادة والتملك كأي سلطة في العالم اليوم مهما حوّرت وغلفت نفسها بشعارات وآليات كما تفعل الرأسمالية.

الثيوقراطية الرأسمالية:

النظم الغربية نشأت على إسقاط الأعراف ووضع القانون والدولة، لكن هذا أبقي باطنيا كثير مما تسرب من العصور الوسطى التي أغلقت دون مراجعة لتفاصيلها إلا بقدر ما يهم الثورة الصناعية والانتقال إلى مجتمع لا يتحكم به القساوسة، واستل النظام الديمقراطي وفق شروط نخبوية، وهذا مهم جدا لأن النظام الرأسمالي غايته حماية رأس المال بآليات متعددة منها نشأت على تتابع كالديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وغيرها في عملية بناء طويلة شكلت نمط حياة مقبولا.

ولأنها لم تواجه في البدء تحديات من الشرق حقيقية أو فكرية لم تُبحث هذه المنطقة إلا بشكل يلائم أفكارها نحوها ومصدرها في هذا المنقول، والذي من ضمنه الحروب البينية. وكان النظر إلى مصدر القوة كتهديد لنمط الحياة كما كان تهديدا للنظم الحاكمة في أوروبا قبل الثورة أو ما يسمى النهضة والتي في حقيقتها تنمية اقتصادية ترافقها تحولات مدنية في المجتمع، لكن أفكارهم عن الإسلام مثلا هي انطباعات منقولة عن الصليبيين والقسس في مرحلة التحشيد لغزو الشرق المهرطق والوثني والذي يملك الكنوز، واليوم هو يملك مصادر الطاقة لكن بقيت ذات الأفكار.

ما المشكلة؟

لدينا في واقعنا مشكلة مزدوجة لفوضى الواقع والفراغ الحقيقي الذي لم يُملأ من زمن ضعف قبضة الدولة العثمانية وامتداد النفوذ الغربي إلى داخلها نتيجة الفساد فازداد الأمر تعقيدا، وعلت المقاومة للدخيل بالتمسك بالماضي والتقليد بل اعتبر أي فكر خارج الصندوق يسعى للاجتهاد فكرا فيه جنوح وكفر، وما أسهل التكفير لحمَلة رايات التغيير. وهنا تحول الواقع إلى ما يشبه الثيوقراطية لكنها مؤيدة للحاكم ولا تحكم أو متحالفة معه، وإنما تؤيده بحكم ولاية التغلب المنقولة عن التنظير الفقهي الواضح في العصر العباسي. والتغلب على فاعليته قد بدأت بعد الحكم الشوري الراشدي.

ظهور التطرف من مفرزات تعاظم التحديات والتضييق على الإسلام من داخله وخارجه، فلا يسمح بفهمه بل وُضعت شروط وقواعد للاجتهاد تبقيك في دوار القديم (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة هي وصاحبها في النار)؛ كذلكم الغرب يعمل على إذكاء الفشل وإبراز التطرف متحدا بذلك مع رجال الدين عنده، المتوجسين على الرعوية، وعناصر من الكراهية وتقسيم المجتمع إلى أقلية وأكثرية وإثنية وطوائف، بل بات المنظرون لا يفهمون الإسلام ومؤمنون بما لا يفهمون أنه الفهم الصائب في ذات طريق العلمانية الثيوقراطية التي تحمل نوعا من العلمانية المقدسة والتصالحية، وهما معروفتان لكنني اصطلحت هاتين الكلمتين للتعبير عنهما.. 
إن جاء للحكم إسلامي، وبدل أن يتركوه يخوض التجربة ويطور في أساليب الحكم؛ فليس في الإسلام نظام جاهز وإنما يتبع الغاية بأسلوب العصر.. يقومون بسؤاله أن يحافظ على الأقليات، وهل الأقليات، أديانا وعرقيات، كانت لتبقى لو أن الإسلام متعصب ضد الأديان والقوميات؟ ولا يرون أن الإسلام لا يتعامل بالأقلية والأكثرية فالأمة تفخر برجالها التاريخيين من أية قومية كانوا.. وهل سيسمح بالتعري وشرب الخمر؟.. وكأن معاييرهم الثيوقراطية هذه هي الصحيحة
فتقول أهونها إن الإسلام يمكن أن يحكم كأحد الجهات، دون فهم لحقيقة الإسلام أنه يحكم بغايته وغايته هي أهلية الإنسان وكرامته، فالعلمانية أصلا لا نحتاج لها لأنها تمثل عيوب وإسقاطات تاريخ مختلف لأمم أخرى وثقافة أخرى.

نحن والغرب:

من المفارقات الرهيبة ما يرتكب بحق المسلمين في بلدانهم سواء من الاحتلال أو ممن لا اعتراض عليهم من الغرب لكونهم "علمانيين" فلا يرون القمع منهم، وكل أمر ضد الإنسانية يمارَس من حكام المسلمين المستبدين، والذين يتسلطون من غير المسلمين، وجرائم يعتبرها القانون الدولي أنها جرائم حرب لكنها لا يُنظر إليها ولا تعالج ويريدون من هذه الشعوب ألا تدافع عن نفسها ولا تثور ضد الظلم وعلى الوحشية وإهانة الكرامة الإنسانية، وإن فعلت فهي إرعابية (كلمة إرهاب خطأ لغوي).

لا يعترضون إلا شكليا لإبقاء الطاغية خائفا منهم مرتاحين لنقاط ضعفه وحرصه على كرسيه، وهذا منزلق لقاع النفاق والوحشية، مع غياب القيم عن الغرب ومعايير الأخلاق وارتباط سلوكه بالنفعية والتعامل من خلالها.

فإن جاء للحكم إسلامي، وبدل أن يتركوه يخوض التجربة ويطور في أساليب الحكم؛ فليس في الإسلام نظام جاهز وإنما يتبع الغاية بأسلوب العصر.. يقومون بسؤاله أن يحافظ على الأقليات، وهل الأقليات، أديانا وعرقيات، كانت لتبقى لو أن الإسلام متعصب ضد الأديان والقوميات؟ ولا يرون أن الإسلام لا يتعامل بالأقلية والأكثرية فالأمة تفخر برجالها التاريخيين من أية قومية كانوا.. وهل سيسمح بالتعري وشرب الخمر؟.. وكأن معاييرهم الثيوقراطية هذه هي الصحيحة؛ ولا يرون ما في مجتمعهم من إفرازات لأن الإنسان لا يعامَل للحفاظ على سلامة تفكيره. والإسلام يهدف للحفاظ على الضروريات الخمس، لكل الأديان وكل البشر. علينا أن ننشئ مركز دراسات من النخب لفهم ديننا على حقيقته، وكذلك الغرب عليه أن يفهم نفسه ويفهم الإسلام أيضا لتستقيم البشرية.

السبت، 4 يناير 2025

142 - صنـاعـــــــة الالهـــــــة

 

رابط عربي 21   

"الشعوب الواقعة تحت الظلم الخاضعة تستفز مصلحيها لأنها لا تعرف حدود الحرية وأطرها لبناء المجتمع"

فكرة البطل وفهم معنى الفرصة

عندما تضع فواصل طويلة بين الكلمات، يصبح من الصعب أن تربط جملة مهما كان معناها واضحا أو ساميا، كذلك القيم مهما علت، تضيع فاعليتها مع فواصل التخلف وعند وجود الدخيل الفاعل على المجتمعات، بحيث تصبح القيم الأساسية مجرد تراث مقدس بذكره، لكنه بلا فاعلية. وهذا لا يعني تبني القيم الدخيلة، بل هي تركيبة متناقضة مشوهة تعطل بعضها بعضا، وتجد في المجتمع كثيرا من المسوخ التي تزعم أنها تعتقد كذا وكذا، لتكون موضع الجدل لا العمل، وتأخذ دور المعارضة المسفهة، وربما تتكلم باستعلاء في نقد العاملين الذين يقاتلون داخل أنفسهم وفي بيئتهم، من أجل البر بها وإصلاحها.

* هذه الطبقة من التافهين تعرض نفسها وكأنها الأفضل، وهي مهزومة ليست مستعدة للتضحية، ولم تضحِّ ولم تعمل وهربت من الظالم لتعود تستغل طيبة العامل، فهي تؤله ذاتها عن فراغ.

* هؤلاء الناس يحتاجون إلى فهم معنى الفرصة، فليس مناسبا أن يستغل التغيير من طبقة غير مستعدة للتضحية، وإنما تجلس في مكان آمن تنتظر أن يسقط التمر من النخيل، وهذه الناس السلبية التي تتصور أن لها حقوقا في الشجرة ولا تكلف نفسها لبذل الجهد لصعود النخيل لجني رطبها، وهم ناس لا يفكرون إلا بالثمر، لا بالبذرة ولا السقي ولا كري القنوات أو عزق النباتات الضارة، بل يأتون للفلاح ليلومونه ويوجهونه، وهو بالكاد يحافظ على توازنه لجني الشجر، ويسخرون منه لأن العالم تقدم وهو ما زال يرفع نفسه بسلك، بينما هنالك رافعات وأجهزة متطورة، هؤلاء الناس هم نوع من الأهل المرضى المؤلهين أنفسهم؛ جهلا، ويحتاجون لاحتضان.

* نوع آخر من التافهين الذين يمجدون البطل ليتحمل عنهم مسؤولية العمل، ويمنون عليه أنهم أيدوه إن عجز عن تقديم شيء أو فشل.

ليس التافهون وحدهم بل النخب التي أحبطت أيضا في واقعنا؛ فحينما يأتي إنسان وهو محْتَسِب مُتَحَسِّب يحمل فكرة ويريد أن يقدمها للناس، الناس لا ينظرون إلى ما يقدمه ويفكر فيه، بل ينقسم الناس في هذا إلى ثلاثة أقسام:

- قسم قليل يفكر فيما هو معروض من أفكار وتقييمها.

- قسم كبير يعتمد انطباعات سلبية ويرفض تصويبها، بل لا يتوقع بهتانها أو مغادرتها.

- الغالبية ممن ترى أن تمجيد الناس برفعها إلى التنزيه والقدسية، وهذا هو موضوعنا المركزي في هذا المقال.

العدالة لا تتحقق إلا بقانون

البلدان في حالات الحروب والثورات، هي في حالة ضعف بقدر لا يقل عما تبدو عليه من قوة، هي كالبراكين في قمم شماء عندما تثور تتحرك كينونة الجبل ليخسف بعضه، ويزداد في أخاديد سفحه، لكنه ليس قويا، وضعف البلدان هذا ليس بالمعيار العسكري، وإنما بالمعايير المدنية والاستقرار. لذا؛ لا نتوقع أن يتقدم بلد بكامل طاقته ويوجه موارده وطاقاته بشكل صحيح، وهو مستمر في حالة الثورة أو في الحرب والصراعات، فلا يمكن أن تكون الحرب أو الثورة هدفا، ولا القوة وعدم الاستقرار والتوجس الجماهيري قاعدة مثلى وصحيحة، وإنما التوقف في مرحلة تحقيق الهدف والغاية من الثورة إن كانت ثورة، أو إمكانية الوصول لحل عادل بالمفاوضات لإيقاف الحرب إن كانت حربا، وهي لحظات تاريخية وصافرة رحلة لا يسمعها إلا رجال الدولة.

في التغييرات المجتمعية والثورات، هنالك ما يعرف بالعدالة الانتقالية، لكن هذه تحتاج إيمانا بالقانون وتطبيقه، وإلا ستبدأ العملية الانتقالية التي تمثل حالة انتقام فردي لتتحول إلى تنشيط منظومة تنمية التخلف، حيث لا يرى الظالم نفسه ظالما، بل هو صاحب الحق ويتأخر باكتشاف نفسه أنه حقق انتقامه، لكن فقد آدمية.

التطرف كما العصبية كما رفض الآخر؛ تمثل أشكالا من الأنا الإبليسية التي أدت بإبليس شيطانا، وأدت بآدم إلى امتحان الدنيا، كالتي نمر بها ورحلتها جميعا هي منظومة تنمية التخلف الفكرية التي شعارها "نحن نحب الظلم ونحب أن نظلم، ولكن نكره الظلم حين يقع علينا"، وهذا تمام الجاهلية.

إن صناعة الآلهة أمر نجيده كأمة، ونحن نقدس الأشخاص من التاريخ وننزههم عن الخطأ، وما كانوا منزهين، إنما هم بشر يخطئون ويصيبون، كذلك أي إنسان أو مجموعة بشرية تنجح وتبدي تفوقا، وهذا أيضا يمثل السلبيات من العجز والإحباط والكسل، وليس الحب للإله الذي نصنعه بتمجيده إلى أن نحوله إلى شيطان كما تحول إبليس، ثم نعيب عليه طغيانه وتألهه. وكيف لا نفعل ونحن موحدون! ناسين أننا من صنع التأله فيه؛ لأننا أردنا منه عملا نكسل عن فعله.

استعادة الحياة

الشعوب الواقعة تحت الظلم الخاضعة، تستفز مصلحيها لأنها لا تعرف حدود الحرية وأطرها لبناء المجتمع، وكأنها تريد اختبار تحملهم ومصداقيتهم، أو التأكد من أن القيود قد انكسرت فتنطلق إلى أقصى الحدود بل وتتجاوز الحدود، فإن سعى المصلحون لإرضاء النزوات وأوهام الواهمين سيان، قمعوها بأوهامهم لأنهم جزء من المجتمع المريض بالاستبداد ومن تشوهت عندهم المسارات، فهذا لن يجدي، إلا أن وضع مهدئات للثورة وترشيد السَكْرة لصالح الفكرة عند الجميع غاية في الأهمية، فالثورة الفرنسية تولى الاستبداد ثوارها، وفكر نابليون بالوراثة لنظامها، لكن في المجتمع المسلم يفرض قيمة للإنسان، وينبغي أن يعرف ما حسابه لله وما للمجتمع، ومدى واجبك تجاه الناس ومعنى النصيحة، فلا تدخل في حياة الأفراد ما لم تشع فاحشة تؤثر فعلا على المجتمع، وليس من ضربات وقائية أو إجراءات وكالة عن الله، في ذات الوقت. أي ارتداد نحو الظلم ممنوع، سواء بتحول المظلوم إلى ظالم، أو عودة الظالم للتمكين وعودة حالة الحرب إلى المسالمين.

الاستعلاء من الطفيليات الذي يقوم به الكسالى والأنانيون، وأولئك الذين يؤلهون أنفسهم لمكانة دينية أو اجتماعية أو لمجرد عيشهم خارج بلدانهم، كذلكم من يكون صاحب الفضل ويصنع منه العاجزون إلها، سيخلق حالة من التنافر والسلوك المكروه ممن كرهه، وهنا سيلجأ كل إلى دعم ما هو مضاد والتخندق، ويخسر الجميع بمن فيهم من ليس له من الأمر شيء، فيضعف الانتماء حتما، ليغدو البلد غنيمة ويمسي المواطنون عبيدا.. إن وضع كل حجر مكانه يحتاج زمنا.

156 - ســـــــــؤال في الدولة والمجتمـــــــــــع

       المقال يبحث طريق التفكير اللازمة لترويج الافكار والحقوق في ظرف استثنائي