السبت، 28 ديسمبر 2024

141- شذرات في القيادة الادارية

 


رابط عربي 21

مفتاح للفهم:

"وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ".

"فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْما، وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما" (طه: 114-115). هاتان الآيتان مفتاح في القرآن لو فهمناهما لأجبنا عن أسئلة كثيرة، ولعلمنا كيف نتعامل مع الكون ونتكامل في الحياة، لأدركنا أن التجديد والحركة تكليف، وليس كما نحن تقليديون نقدس الماضي، معطلين للقرآن بتجميده بشروحات وفهم للشريعة من عصور أخرى، رغم أنها أوقفت الشورى بالتغلب مثلا.

* للقرآن تفاسير موضوعية عبر العصور، فَمَتْنُهُ من العلي القدير لحالات ودرجات وظروف وأحوال متعددة ومختلفة، وإن الفتح من الله على عباده في تأويل كلماته وتفسيرها في كل عصر من العصور، ولا يصح تقديس اجتهاد عالم أو صحابي لعصره، إنما يجتهد لكل ظرف عصر. وكذلك هم فعلوا في زمانهم، ومن أمثله ذلك، أوقف عمر بن الخطاب الحدود في سنة الرماد، وأوقف حصة المؤلفة قلوبهم، وأوقف توزيع الأرض على الفاتحين، وإنما أبقاها ليد من يزرعها، وما زالت الأرض أميرية للدولة لعصرنا هذا. ولعل من يخرج في عصرنا باجتهاد كهذا، يكون عرضة للتسفيه، بيد أنه كان مجتهدا بين أناس يفهمون المقاصد، ومعنى الإسلام ومهمته في الناس أجمعين.

آدم أعطي المعرفة في حافظته، بيد أن المعلومة إن لم تُدَرْ ستنسى، وإن العزم في التفكير والفهم واستنباط معاني للسلوك في معالجة الحياة وصروفها، وإن أبانا آدم لم يتعامل مع المعلومة، فنسي أن ما يتلقاه من إبليس ليس في صالحه؛ لأنه يكرهه.

* الحرام بيّن واضح في القرآن ومفصّل تفصيلا لا مخفيا ولا رمزا، ومن الحرام أن تحرّم بهواك ما لم يحرم الله، والآيات متعددة التي تمنع أن يصدر تحليل وتحريم بالهوى أو وكالة الإنسان على الإنسان بالقوة، أو فرض أي شيء على الناس بدعوى التمكين، فالتمكين للناس وليس على الناس.

من أجل هذا، سنحاول الإجابة عن: كيف ينبغي أن يفهم الإسلام في الشذرات الآتية:

الإسلام في الحكم: تمكين المجتمع لا التمكن عليه

1- أي سلطة أو دولة أو منظومة الحكم، هي منظومة تعاقدية مع الشعب وفق مفهوم الشورى وبآليات متعددة وفق المتاح لزمنها، ولا يضر إن سميت خلافة أو رياسة أو أي اسم، المهم المحتوى المؤسساتي لديمومة المهام، وإقامة العدل لتمكين الشعب لا للتمكن عليه.

2- غاية الحكم كمنظومة إسلامية، هي الإنسان وحماية منظومته العقلية بالأساس وأمانه وأهليته في الخيار، بلا تسلط أو وكالة من أحد، فما كان بينه وسره فهو بينه وسره، ولا يحاسب إلا وفق القانون المرعي بحماية المجتمع من النزوات والجريمة، وما يلحق ضررا بالمنظومة العقلية للإنسان أو الأمن والسلم المجتمعي.

3- مسؤولية الدولة مسؤولية تنظيمية وتمتلك المؤسسات والقوة، لكن هذا لا يعفي المجتمع من الحفاظ على البيئة، من حيث مسارات الحياة المتعددة، فالمال مال عام، والنهضة تتم بتعاون الجميع، والنظم تبنى ولا تفرض.

4- لا تدخل الدولة في تفاصيل حياة الناس أو افتراض المسارات السلبية ووضع القوانين على هذا الافتراض، بل للناس خياراتهم إلا إن أثرت على سلامة المجتمع، فالفرد مكلف بامتحان الحياة والدولة واجبها حماية منظومته العقلية، وليس فرض عقيدة أو رأي، وإنما السلوك الضار يكون بقوانين يتعاقد عليها الشعب.

حصر القرآن بالماضي يخالف صلاحيته عبر الزمن ويجعل الأحكام متخلفة عن العصر، كما هو حال الأمة التي ما زالت تستحضر الخلافات التاريخية لتحتكم إليها، وبعقلية جهل تجعل الأمور أكثر تطرفا من زمن حصولها، فيكون الدين أديانا وأمما وطوائف وأفهاما قاصرة، كل يسمي نفسه بغير اسم الإسلام ليتميز عن بقية المسلمين، وما يقود هذا من فساد في العقائد والسلوك والجهالة المغلفة بالدين على أنها تمسك به، وحب للظلم بين هذه الفرق، وهو ما جعل الأمة على الهامش منكوبة من نفسها وتزعم أنها منكوبة بالتآمر، متناسية أن العرب والشرق أمم تبحث عن مصالحها، ووجدت أمة متخلفة غائصة بالجهل فاستغلتها.

لم يمنح الإسلام الوكالة على البشر لا لحاكم ولا لرسول: "وما جعلناك عليهم حفيظا"، "وما أنت عليهم بوكيل"، "إن عليك إلا البلاغ"، "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" (الغاشية: 21- 22]، وقال "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" (الرعد: 40).

فالرعوية وتشويه الأفكار وزرع الفتنة والكراهية وذم المخالف وشيطنته، ينبغي أن يسيطر عليها بقانون مجتمعي، وليس لأحد فرض عقيدة أو رأي وتعطيل منظومته العقلية؛ والإنسان يحدد موقعه وفق سلوكياته ويحاسب على أدائه. وهذا النوع من الرقابة مطلوب في منظومة الدولة، لحماية النمط الحياتي ومنظومة الاستقرار والنزاهة في إدارة الدولة.

المعاملة فطرة الصالحين: "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ" (24-الحج)

إن التنوع إيجابي محفز للفكر متى ما كان الطرح بين الأفكار المتعددة طرحا لرؤية الحقيقة في مناقشة موضوعية، لكن إن بدأ بالتسفيه والبهتان أو الاجتزاء وخلط التاريخ والجغرافية وغيرها، بهدف الحفاظ على الرعوية ومراكز ومناصب وهالات، فلا أحد يكون خارج سلطة القانون الذي يرتضيه المجتمع.

فتجد أن الإنسان الراقي يسير في حواره مع الآخر كما تتحرك أم الطير فوق أفراخها كي لا تؤذيهم، ذلك أنه لا يتعامل بمشاعر إلا الصدق والمحبة كمنهج آدم، وليس الكره أو التعصب الذي هو منهج إبليس، عندها مهما اختلف الناس فلن يتنافروا. إننا خُلقنا في دنيا ونظام متحرك لا يثبت ولا يعاد، فإن سكن مات، والجمود هو ضد سنة الكون المتحرك والمتوسع بالحركة (وإنا لموسعون)، فالجمود على فكرة أو آلية أو رأي، هو موت عمليّا، وخروج عن الزمن والنظام الكوني.

لعل هذه الشذرات، تنفع في الإضاءة والاستدلال لشذرات أخرى، وإنها لذكرى والذكرى تنفع المؤمنين
.

السبت، 14 ديسمبر 2024

140 - قــراءة التاريخ - الفشل برداء النجاح

رابط عربي 21 


بداية الحقبة الضائعة:

الألم أو الإحساس بالظلم والقهر والتخلف بداية حقبة الوعي وتشخيص المشكلة، وهو أمر نختلف عليه وفق الجهاز المعرفي المنقول، ونستمر بالاختلاف ولا نرضى بقيادة ولا زعامة إلا أن تكون من فئة "ب"، وتمحق الزعيم أو القائد الذي يظهر من أي حرف آخر في بيئة منظومة تنمية التخلف، وتسفّه الحروف ما ظهر عند غيرها، إلى أن ينعزل ويموت الأمل فيه. كذلك يفعل الآخرون مع من يظهر من أي حرف، فأحادية النظرة من ضمن المنقول في الجهاز المعرفي المشكل لمنظومة تنمية التخلف؛ فأنا الفاهم والواعي والمؤمن والوطني الذي يملك الحلول، حتى لو كنتُ واضح التفاهة، وغيري الجاهل والخائن والكافر، وإن كان في رزانة الدعوة للحق والمنطق.

في ذات الفئة "ب" هذه، تظهر الفردانية أنانية تهمل عالمها والعلماء أو المفكرين وهم أقل الناس قدرة للدفاع عن أنفسهم، وإنما يحتاجون غالبا إلى قادة وزعماء لترويج أفكارهم، فعندما يواجهون بتسفيه المجموعة وتسفيه المجموعة للمفكر، حاضر عكس اجتماع المجموعة على رأي واحد صواب. فالعمل الفرداني دون مؤسسة لا ينجز؛ لأنه سيواجه التحديات بلا قوة صد ويفتقد للتنسيق ومتابعة التطبيق وتصويبه، فلا تكون مخرجات قوية دالة على الفكرة، وتضعف بالتشويه الذي يحصل فيموت الشخص والفكرة ليس مهما من السابق للموت.

بطل واحد! فاهم واحد! خبير واحد! هذه العقلية قادتنا إلى التخلف والعدمية وصنع الفاشل من الناجح؛ الإنسان يستطيع تحقيق طموحه الشخصي منفردا، بيد أن طموح الأمة لا يحققه إلا مجموعة منتظمة في عمل مؤسساتي، فالإحساس والتشخيص والذهاب إلى الحلول ما لم يكن مؤسساتيا، فهو سيقود إلى الفوضى بتراكم الإحباطات، والخضوع والركود إلى حالة انفجارية لا تضبطها قوانين وأعراف.

فكرة الإصلاح والتغيير:

الإصلاح لا يأتي كنشاط على فوضى أو هياكل ليست معرفة المهام أو شعوب لا تعرف ما تريد، وإنما تتحسس الألم فقط وتبحث في خيالها عن المنقذ وتذهب إلى الأوهام والخزعبلات، أو تستحضر تراث الاستسلام للواقع وللظلم وكأنه قدر مقدور. هذا الوصف، يحتاج مراجعة كبرى وإلى تغيير بعزيمة مؤسساتية مترابطة بين مجموعة من المفكرين، ومجموعة من القادة وزعماء تنفيذيين للأفكار والمعالجات والمتابعة. أي تشكل منظومة بها أفكار ومعالجات لهذه الأفكار ومخرجات تستلمها البيئة والحاكم والمحكوم، ثم تعاد التغذية بمواطن الإخفاق ومحتمل النجاح وهكذا أو بتغيير شامل، لكن يضاف له برامج مكثفة للتوعية وتثبيط الرعاع وتهدئة الغوغاء، ليتمكن العاملون من إجراء قواعد التغيير.

أما الإصلاح، فهو عملية ضمن مسار منظومة فاعلة، تحدث إخفاقات في بعض أنشطتها فتدرس وتوضع بدائل تدخل التجربة إلى تصويب العمل. الإصلاح والتغيير عمليّا، يرتكزان على الاستقراء للواقع، ثم استنباط الحلول وهذه الملاحظة مهمة؛ لأن القوالب الجاهزة من تجارب التاريخ أو تاريخ الشعوب الأخرى ليست صالحة، وإنما تضيف جروحا جديدة للمجتمع.

الإصلاح يحتاج إلى تشخيص وأفكار للحل وكوادر مؤمنة بالحل وتعمل عليه وقبول من البيئة، وهذه أمور داخلية، لكن بغياب أي منها لا تثمر، الإثمار له أيضا واجبات رعاية وديمومة وصيانة وهذا أمر مهم.

أما التغيير، فيتضمن معادلة الإصلاح وقبولا إقليميا وقبولا دوليا وضمان مصالح الجميع حقيقة. وطبعا بغياب أي من هذه الأمور، فسيوضع في المعادلتين صفر وكل ما يضرب بالصفر، فالنتيجة الصفر رياضيا أو بمنطق الفكرة، يعني الفشل.

الفشل برداء النجاح:

عندما نتحدث عن النجاح، فإننا نتحدث عن أمر مدروس مقصود، وعندما أردنا النهوض وأتينا بالتقليدية والعقلية الفردية، عجزنا أن ننتج مدنية أو نستحث حضارتنا الفكرية فاستعنّا بالاستعمار لجلاء الاستعمار، فترك من منظومة متوافقة مع الخضوع للمتغلب فينا مما نراه إلى اليوم، وهو لم يخرج فعلا، وإنما ربح خسائره وزاد من خسائرنا، وأرهقتنا المظاهر الصوتية التي تتحدث عن إزالة الفقر بأفكار مستوردة، والجهل بنظم مستوردة، وكلها قوالب تضعنا في ضيق وتمزق أجزاء منا، وتسبب لنا النزف من قطوع وجروح.

دعونا للديمقراطية فأخذناها مستأصلة من نظم تصويبها وتصفق الجماهير لوعود الوهم، فإن صدف أن حدثت طفرة فيها، فهنالك قوى منك تثبطك بل تنهي أي فكرة أو أمل، وأنت مخدر تصفق لجلادك. إن التغيير والإصلاح الحضاري والمدني، لا يأتي إلا منك ومن خلال الاستقراء والاستنباط السليم، عندما نتخلص من الثرثرة التي لا تبني ثقافة ومثقفا بل مضيعة للعمر، ونروض أنفسنا على الاستماع والحوار بدل الجدل، والسعي للأفضل بدل الظن بامتلاكنا الأفضل، فإن ثبت أن ما لدينا الأفضل فهذا خير، وإن عرفنا أننا لا نملك الأفضل فهو خير أيضا.

إن ميلنا إلى أن نكون مستهلكين للمنتج المدني، هو أحد إخفاقات أنتجها من صمم الناس الذين خلفوا الاحتلال في الإدارة، التعامل مع عقيدتنا الإسلامية وكأنها عنكبوت، وتقديس غير المقدس من أشخاص وتاريخ، يجعلنا ننسى أن أمتنا ككل كانت ما بين الهامش كالعرب، والظلم والاستعباد لأمم كان وطأة إمبراطوريتين لا تحوي عوامل الكرامة الإنسانية والقيم العليا.

إننا لو نظرنا إلى دورة التاريخ، سندرك أن الإسلام ليس دينا، وإنما فكر وقيم ترتقي بالإنسان وبناء المدنية وإبراز الجمال في العالم، رغم كل التشوية والتضليل.

إن الكلمة الأولى "اقرأ" وليس ثرثر بأي كلام، فالقراءة انطلاقة إلى التغيير الدائم والإبداع والعلم والمعرفة، متى ما هجرنا الإسلام عدنا كما كنا، أمة جامدة وأخرى تبعية، وأخرى هامشية وأخرى تجد الظلم مكرمة، من أجل هذا لا بد أن نتطرق إلى تاريخ مهم، وهو محاولة لطرح سؤال: لماذا لم تستمر مدنيات كالصين في قيادة العالم، أو مدنية وحضارة كالإسلام، ليعود أتباعها إلى الغفلة والجاهلية؟ وما نراه يكفينا الوصف.

الجمعة، 6 ديسمبر 2024

139 -قراءة التاريخ - حلول للدراسة

 رابـــــــــط عربي 21


لتقليدية مشكلة وليست حلا:

النظر إلى صُلب الحياة المدنية وكأنها من صُلب الدين كثوابت أو تقديس الأشخاص المجتهدين في عصورهم أو أيٍّ من الصحابة وآل البيت دون فصل حياتهم المدنية عن مكانتهم في الدين أو معرفتهم واجتهادهم في العبادات؛ معضلة أمام تفسير حقيقي للتاريخ والاعتبار منه أو التقدم إلى الأمام، لأن أي رأي تجد من يعيدك إلى مقدس ليس مقدسا كرأي فقيه أو مجتهد وظرف عصر مختلف.

فالمشكلة الكبرى وهي الفتنة، بدأت باغتيال لخليفة وهدأت بإدارة خليفة رفض الاستمرار (الحسن رضي الله عنه) وحل المشكلة سياسيا، بشرط عودتها للأمة وهي من قواعد الشورى الفكرية في الحضارة الإسلامية، أي حكم الشعب لنفسه من خلال حقه في تنصيب أدوات الحكم وإبدالها أو خلعها، وهي مسألة قيمية إرشاديه للحياة المدنية وأهم ما فيها هو الاستقرار بإنشاء حكم أمين رشيد.

السؤال: هل كان يمكن تفادي الفتنة؟ الجواب افتراضيا نعم، لأنها في واقع الحال مشكلة سياسية تطورت إلى الاتجاه السلبي وأخطاء بشرية من الطرفين، رغم أن موقف معاوية كان به خلل في بعض المفاصل كمواجهة جيش فيه الخليفة ونهضة العصبية القبلية، ثم بعد صلحه والحسن t لم يلتزم بشرط الصلح وهو إعادة الولاية إلى الأمة وإنما جعلها ملكا وأسس لولاية التغلب التي ما زالت فاعلة الأمر الذي تسبب في حيثيات خروج الحسين رضي الله عنه، وما زال المتغلب لحد الآن مدنيا أو مغامرا أو عسكريا يحكم الأمة، وقد أصبح كالسيد الذي يسوس العبيد بلا إرادة ويكرر ما قاله فرعون في وصف المصلحين بما وصف فرعون موسى عليه السلام "لا أريكم إلا ما أرى"، "وأخاف أن يفسد عليكم دينكم"، وهو في الحقيقة يخاف أن تزول ركائز حكمه وظلمه.

كيف تحل مثل هذه المعضلة:

في التاريخ مهما كتبنا من حلول فهي محض رأي لا ينتج عنه أمر إلا تبريرات المخالفين له وجدل بيزنطي لا غرض لنا فيه. لذا فنحن ننتقل بالحالة إلى واقع اليوم مستفيدين من التطور المدني في مسائل القيادة والسيطرة والإدارة والحكم ونظم التعامل بين الجمهور والحاكم، ليس نقلا عن نظام ليبرالي رأسمالي فهذا النظام اقتُبس من الفلاسفة اليونانيين وتجربة أثينا ليحمي أصحاب المصالح أو النظام الرأسمالي ككل؛ بل نلجأ إلى ما يوافق العقيدة من فكر مستخدمين الآليات المتاحة لحين يلد الواقع والتجربة آلية مناسبة لمجتمع التكافل وسيادة الشريعة التي ليست الشريعة المنقولة من اجتهاد البشر، وإنما ما ينتج بشكل نظام أو قوانين من خلال استقراء الواقع ثم الاستنباط من القرآن والسنة والسيرة النبوية التي هي تاريخ يحمل خصوصية سير الشريعة على الأرض، وفق نظام معرف فيه الثابت والمتغير وما هو رأي بشري وما هو قول نبوي وما هو نص منزّل، وكيف يتعامل الحاكم، وكيف يتعامل القاضي وكيف يكون تقييم الرأي الشرعي والرأي المدني ضمن فكرة الإسلام ككل لحماية الأهلية للمواطن وخياراته لأنه من سيحاسب على قراراته الخاصة، أما ما يتعلق بأعماله وأقواله وفعل ما له تأثير على أرض الواقع على الناس ومعتقداتهم والدولة والحكم؛ فهنالك القوانين التي تحاسبه وتقدر كيف يكون عقابه أو إصلاحه إن كان ممكنَ الإصلاح أو يعد خطرا على المجتمع، وعندها فكل القوانين ستكون معرّفة مستنبطة على استقراء الواقع.

الحل الأمثل:

الحكم كان فرديا عندما كانت الحياة بسيطة والدولة لا تدخل التفاصيل في حياة الأفراد، لكن اليوم تشعبت الوسائل والحاجات والمخاطر والتحديات، وأضحت بيئة الدولة تتقبل الكثير ومنفتحة وتحتاج إلى تجاوز هذه المواقف التي حصلت في صفّين والطف، بل وضعها في نظام لا يقبل التمرد، بل يضع خيارات الأمة هي الحكم وبشكل واضح، ففقدان الفهم والوضوح نتيجة توسع الدولة بلا وسائل الإفهام والتعليم والاجتهادات المنفردة، بعيدا عن المركزية لضعف التواصل وفقدان المؤسسات أوجد تلك الحالات.

بالعمل المؤسساتي تنتهي تلك المشكلة عندما يكون كل أمر مؤسساتي من الحكم وإدارته كمؤسسة الخلافة، وفيها تفاصيل تقود حركة الحكومات، إلى مجالس توظف الخبرة، فلا يوجد حاكم مدى الحياة حتى النظام الملكي، بل هنالك تغيير وفق إرادة الشعب، لكن منظومة الحكم لا تتبدل وإنما تحدّث وتبقى المشاريع متابعة وعن طريق مجلس التخطيط الاستشاري يتابع كل أمر دون أن يتدخل في إدارة الدولة، وإنما يستمر العمل والمخطط بحيث يكمل كل جديد من سبقه ويضع مشروعاته لينفدها ويكملها أو يكملها من يليه (هنالك مقالات للكاتب حول هذه الحلول مفصلة؛ ومنشورة سابقا) وكل فقرة بها شرح مهام وتفاصيل.

ألم بلا عواقب:

إن الإحساس بألم الظلم أولى الخطوات التي تحرك نحو الحرية، لكن لهذا شروط وأهمها الفهم ووضوح الرؤية، وكسر قيود التقليد والتحجر، وإبعاد التأليه والتقديس لكل ما هو قديم وبناء مدنية تعبر عن المجتمع ذاته من مخرجاتها وتشارك العالم في بنائها.

هذا الكلام هو مقدمة لما سنتحدث عنه في الجزء الثالث من قراءة التاريخ..

156 - ســـــــــؤال في الدولة والمجتمـــــــــــع

       المقال يبحث طريق التفكير اللازمة لترويج الافكار والحقوق في ظرف استثنائي