السبت، 30 سبتمبر 2023

84- الدول الخليجية دول وظيفية في العلاقات الدولية

 



تقارير محبطة:

وأنا أفكر في وضع دول الخليج، قرأت عدة تقارير من جهات دولية وأفكارا شخصية ربما المشترك بينها أنها تشترك بالتالي:

* هذه التقارير تفتقد للمنطق، فهي تقول لأن قطر أو الإمارات أو السعودية مثلا تدعم فكرا دينيا أو جماعة أو توجها ما فستفشل. وهذه فرضية بلا أساس عندما يتعلق الأمر بالمال والأعمال والعلاقات الدولية، فالتحليل في التقارير ليس كلاما علميا ولهذا لم تصدقه الإنجازات لهذه البلدان ما بعد كتابة هذه التقارير.

* تركز على حجم الدولة في الخريطة الجغرافية في حين أن القرار يأتي من رجال الدولة وليس بحجم الدولة، فرجال الدولة يبنون سياستهم حتما آخذين بنظر الاعتبار حجم دولتهم ويحددون وظيفتها التي تعطيها تموضعا في النظام العالمي.

* إذن تغافلت التقارير أن حجم الدول يقاس بوظيفتها وتأثيرها في النظام العالمي وليس بالمساحة.

خطأ توجه المعايير في تقييم دول الخليج:

من يخطط لتحجيم هذه الدول حريص أن تكون هذه الدول تشتري المدنية وتستهلكها لكن لا تستطيع صيانة هذه المدنية بكوادرها، بحكم عدد سكانها القليل والذي يمكن أن يتحول إلى نحل للمحافظة على مكتسباته بدل الاسترخاء والاعتماد على كوادر أجنبية للصيانة والتشغيل، فالأجنبي لا يؤسس لديمومة المدنية وتطورها ذاتيا


الدمج بين التوجه الفكري والقيمي نحو ما ذكرنا أعلاه والفاعلية السياسية متعمد لإفقاد الثقة لهذه الدولة الوظيفية أو تلك بالقيم الحامية لكينونتها؛ يريدونها أن تؤدي وظيفتها كتابع وليس كفاعل دولي عندما تقتنع بالتخلي عن الثوابت. وتدريجيا تصبح الدولة عائمة في الهواء عرضة للاضطراب فتتجه للتبعية بدل الوظيفية والتسطيح بدل التجذير وإن تقدمت مدنيا لكن في المظهر، فمن يخطط لتحجيم هذه الدول حريص أن تكون هذه الدول تشتري المدنية وتستهلكها لكن لا تستطيع صيانة هذه المدنية بكوادرها، بحكم عدد سكانها القليل والذي يمكن أن يتحول إلى نحل للمحافظة على مكتسباته بدل الاسترخاء والاعتماد على كوادر أجنبية للصيانة والتشغيل، فالأجنبي لا يؤسس لديمومة المدنية وتطورها ذاتيا.

أما حجم الدول، فلو نظرنا نظرة بسيطة وعابرة للتاريخ، نجد أن المدينة المنورة سيطرت على معظم العالم المعروف في ذاك العصر وأوروبا ولو لم يوقف عمر بن عبد العزيز الفتوحات لتمكنت منظومتها من إدارة العالم.



وفي التاريخ القريب احتلت بريطانيا شبه الجزيرة الهندية وهي تزيد عن 16 مرة بقدر مساحة بريطانيا، ناهيك عن العراق ومصر مثلا ودول الكومنويلث.

أحد التقارير الذي تنبأ بفشل قطر بالذات كتب عام 2014، نجد من الأحداث التي تلت مما هو معلن وغير معلن أن هذا التقييم لمركز دراسات عالمي ومعتبر كان تقييما يراد به إفقاد قطر الثقة بتوجهها، لكن قطر حققت نجاحات مبهرة عكس التقرير وليس أقربها إعادة الهدوء إلى دول بنجاحها كوسيط سياسي، كما أثبتت السعودية من هو المتمكن من إدارة الطاقة وحاكميتها عليها في العالم، كذلك التطور العلمي الذي يحصل في الإدارة والأعمال في الإمارات.

معنى الدولة الوظيفية:

الدولة الوظيفية مثل قطر في السياسة والاتفاقات الدولية، والإمارات في المال والأعمال، والسعودية بتحكمها في توازن الاقتصاد والطاقة العالمي من خلال النفط وقوتها النقدية والاقتصادية، والبحرين من خلال موقعها الاستراتيجي، وعُمان من خلال الدبلوماسية الهادئة فبالتالي هي تتحرك على جانب آخر من السياسة التي تكون مساعدة لوظيفة قطر، كما الكويت تتفاعل مع السعودية بوظيفتها.

الدولة الوظيفية لها قدرة هائلة على استقلال القرار لكنها تربط مهمتها بما يطلبه توازن العالم، إنها ليست بيضة القبان للتوازن العادي بين المسارات قطعا بل هي المفتاح للمسارات المغلقة


الدولة الوظيفية لها قدرة هائلة على استقلال القرار لكنها تربط مهمتها بما يطلبه توازن العالم، إنها ليست بيضة القبان للتوازن العادي بين المسارات قطعا بل هي المفتاح للمسارات المغلقة.

هنالك دول واسعة المساحة والتحالفات والإمكانيات الصناعية والتجارية والعسكرية يمكن أن تأخذ دورا وظيفيا كما فعلت تركيا في حرب أوكرانيا التي تدور رحاها الآن، وكان الدور إيجابيا في تسيير الحبوب واستمرار إنتاجه والتفاهمات السياسية والعسكرية بتكامل الأدوار التي شاركت بها أيضا دول الخليج في مواضيع أخرى، كالأسرى والمحتجزين من دول أخرى أثناء حرب القرم الحالية.



وخلافا لتوقعات مراكز دراسات عالمية، فإن دول مجلس التعاون نجحت بشكل منقطع النظير في تسوية النزاعات وحل مشاكل كبيرة كمشكلة أفغانستان وأمريكا، إضافة لحسن العلاقات مع إيران والتي تصب باتجاه إيجابي للسلم العالمي واستقرار المنطقة، وتبنّيها علاقات شبكية (العلاقات مع الأضداد فتكون وسيطا ناجحا يثق به الطرفان) فتظهر مهارة سياسية في إبقاء التوازن بينها وبين الجهات المتضادة لدرجة الحرب.

وهذا يختلف عن التفكير الخطي بضد أو مع والذي تحاول دولة كالولايات المتحدة فرضه ضمن منهجها الإسبارطي رغم أنها تتبع العلاقات الشبكية بتكتيك علاقاتها. الدول الوظيفية بإمكانها أن تقول لا وأن تجبر الدول الكبرى على احترامها، وهذا له أحداث في التاريخ القريب مع السعودية والإمارات، فقد صنع المؤسسون لدول الخليج مكانها الذي لا يمكن الاستغناء عنه دوليا وكلما تعاضدت أصبح دورها أكثر متانة من خلال تنسيق وتخطيط محكم مطلوب حاليا وفي المستقبل غير البعيد.

الخلل في العلاقات:

هذه الدول الست ومعها مصر والعراق والأردن وسوريا، تشكل نبضا لقلب الأمة الذي في جوفها، وتحتاج صناعة قلب الأمة الذي يفكر لأننا في أزمة نحتاج إلى التفكير الاستراتيجي من خلال مراكز دراسات غير تقليدية أو تجتر المعلومة بل تبتدع.

في الدول غير الدول الست كانت تتفاعل خليطا من الفكرة القومية وصراع فكري مستورد من هنا وهناك، وكان العراق مثلا كدرع لدول الخليج ومتكأ معنويا إلى أن حدثت الخطيئة التي غيرت التوازنات النفسية وأضعفت دول المنطقة والدول العربية، فرغم الخلافات التي بين الدول، فقد كانت هذه الدول تلتقي بحزم وتأثير. الملك فيصل رحمه الله اتخذ قرارا ستمر ذكراه الخمسون في 17 تشرين الأول/ أكتوبر القادم، وكذلك فعل الشيخ زايد، وكذلك تكرر في حرب حزيران.

دول مجلس التعاون منظومة تتكامل عندما تتوسع لتشمل اتفاقية إن لم يك انضماما لدول أخرى كالعراق ومصر والأردن وسوريا، وترتبط بهذه الاتفاقية مع الدول الإسلامية المحيطة للتكامل الاستراتيجي، لكنها كمرحلة أولى سيكون من المصلحة للأمة ودول الخليج أن تعيد تنظيم مجلس التعاون، عندها ستتحكم هذه الدول بالاقتصاد العالمي


لكن دخول الكويت، هز فكرة الترابط العربي واستغلته قوات أجنبية لم تك تحلم أبدا بالدخول الرسمي إلى الخليج بحرية تامة، وهذه القوات تبقى تعمل على تثبيت نفوذها لكن لا ينبغي أن يتقاطع مع تعاون دول الخليج مع بعضها.

الظروف المتعاقبة واختلاف السرعة بين دول الخليج في النظر إلى المصلحة وأين تقع؛ جعل مجلس التعاون عرضة للتفكك نتيجة الإجراءات الأحادية التي كانت تُتخذ وفق هول الصدمة لكل منها وما تلاها بعد تبدد نفس الفريق (هذا تقديري للأمر)، وأضحى التكامل الضروري والقرار المشترك الجدي موضع تساؤل، وهذا عكس المطلوب لأنهم سيكونون عرضة للانفراد بهم، وهنا فقط يكونون ضعفاء يمكن أن يضرّوا ببعضهم، كما أن فقدان التناصح في مسائل حساسة قد يتسبب بالخطايا، في حين أن التنسيق في الطاقة مع السعودية حتى وإن عملت في الملف دولة خليجية أخرى، وهكذا بقية الملفات لضبط إيقاع فاعلية المجلس.

دول مجلس التعاون:

دول مجلس التعاون منظومة تتكامل عندما تتوسع لتشمل اتفاقية إن لم يك انضماما لدول أخرى كالعراق ومصر والأردن وسوريا، وترتبط بهذه الاتفاقية مع الدول الإسلامية المحيطة للتكامل الاستراتيجي، لكنها كمرحلة أولى سيكون من المصلحة للأمة ودول الخليج أن تعيد تنظيم مجلس التعاون، عندها ستتحكم هذه الدول بالاقتصاد العالمي ولا أبالغ إن قلت تؤثر كثيرا في السلم العالمي

الرابط الى عربي 21



الأربعاء، 27 سبتمبر 2023

83 - ولـــــــــــــــد الهـــــــــــدى

 

ولادة آدميـــــــــة

كأي من أبناء آدم ولد الرسول، وبعيدا عن روايات التميز لتلك اللحظة فهي روايات لا تنسجم مع طبيعة رسالة الإسلام، والتي هي إصلاح الآدمية وبناء الإنسان، ومنظومة أخلاقية ينبغي أن تقود السلوك فيكون معتنقها انسان، رسالة لا تطلب من معتنقها أن يكون من الخوارق ولا ناسك يعتصم بالجبل ليبني هناك صومعة تقربه من السماء، أو تعزله عن الناس؛ إنها ولادة من سيحمل رسالة تطلب أن تكون بشرا سويا تخطئ وتستغفر تحرص على جمع الزاد ليوم المعاد، ليس بالتبتل بل بالعمل، وليس بالتقوقع بل بالانفتاح، من اجل هذا كانت ولادة الرسول ولادة كأي ولادة، ليست كولادة المسيح التي عزلت نسب الظهر عن بني اسحق من يعقوب لتقول ليس هنالك منكم بعد اليوم رسول، لتذهب بها إلى واد غير ذي زرع حيث سلال
ة إسماعيل من إبراهيم نبي الإسلام والتوحيد.

تعبد بالوسيلة

وقد تحولت السلالة إلى التعبد بالوسيلة وتجسيدها تماثيل ورموز واختلطت فلم تعد إلا تجارة تستهوي أصحاب الغرائز الطاغية وخفة التدبر ومخرجات المنظومة العقلية التي فسدت بالخرافة، إنها ولادة بشر ككل البشر وكما سيلد من بعد رسول الله بشر مجددين على منهجه سائرين للمثاني يفتحون فيجدون من خلال الاستقراء للواقع والاستنباط مسارات لعصرهم وحلولا لمشاكلهم وتجديدا لحياتهم ليتخلصوا من التخلف ويشاركوا العالم في إنتاج المدنية من اجل هذا كانت ولادة الرسول ولادة بشرية تثبت الرسالة في هذه الأمة التي لا يحدها عرق ولا تحدد دعوتها طائفة، وإنما هي رسالة للبشرية.

ما بعد المولد:

أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)

الم يجدك: كلام في المضارع فمن تمعن بها فإنها تخص كل الناس، فالنفوس قبل أن تسوى والجسد في رحم الأم؛ كانت يتيمة، لا أم ولا أهل ولا عائلة، لكنها وجدت في الدنيا لعلاقات الدنيا التي تنقضي يوم لا انساب بينكم، ثم تأتي الخصوصية والقدوة في التفكر فيخاطبه في الماضي وقد هداه بعد تفكير واعتزال، فهل اعتزل بعد الهداية، لا، فقد عرف الطريق والدعوة بالتعامل مع الناس لا الانعزال عنهم، وكان لابد للدعوة من سند مادي، فأغناه الله عندما وجد زوجا صالحة وعمل في تجارتها، فكانت الأموال داعمة لمسار الدعوة ولا شك إن هذه الأمور تحتاج مراجعة من المؤرخين، وهم يسردون حياة الرسول فالقرآن يقول انك غني.

 من اجل هذا لينظر المسلم إلى اليتيم فيأويه والى الفقير فيسد حاجته أو يعطيه ما يبني به عمل أو حياة وان شكر الله من واجبات المنعم عليه لديمومة النعم.

فهذا الدين ليس جامدا في عصور قديمة، ولا هو آتي من الماضي فهو يولد، وتفتح مثانيه من المولودين، وعلى الدولة أن تدعمهم ليتمكنوا من نشر الفكر في عصره بدل التقوقع في أحضان تاريخ انقضى زمنه والتعامل مع القرآن وكانه اليوم ينزل وكلنا مكلف بالتفكر والتدبر وبناء حياة على قيمه، فليس القرآن طلاسم أو رموز وإنما هو لسان عربي فصيح فهمته الناس حين قرئ وآمنت به، وممكن أن نفهمه ويستنبط منه أولئك الذين ولدوا ليحملوا رسالة التجديد، غني أم فقير، حاكم أم محكوم.

 إنها إدارة الحياة والنهوض بالأمة بتعدد وسائلها والتمسك بالتقوى وحبل الله المتين

إن من ينظر إليك هو الله ما اعتصمت به، فلا فقدان أب يمنع أن تكون قائدا، ولا فقدان أم، وإنما هي كفالة الطريق والتعامل مع الأعراف في المسارات إلى تمكين الرسالة  كذلك كانت رسالة رسول هيئه الله ليأخذ بأيسر الحلول وانفع القول واحسن السلوك، كذلك أي ممن يفهم عقيدة الإسلام فهو يستد من نورها ويشع بمضمونها على بيئته ومحيطه واليوم مع تقدم العلم وتقارب المكان، ووجود وسائل الاتصالات ممكن أن تشع بفكرك على العالم، رغم أننا نرى الفراغ هو الغالب واننا نسيء حتى للمدنية التي أتاحت لنا الكثير مجانا، بيد أننا نرى كم التفاهة، فحبنا للرسول لابد أن يكون فهم رسالته، ومولده هو مولد لنا في فهم رسالته، والفهم أول خطوات المسار نحو غايات الإسلام والقرآن الذي هو الإنسان (كان خُلُقُه القُرآنَ)

[عن عائشة أم المؤمنين:] سألتُ عائِشةَ، فقُلتُ: أخبِريني عن خُلُقِ رَسولِ اللهِ ﷺ، فقالت: كان خُلُقُه القُرآنَ..

شعيب الأرنؤوط (ت ١٤٣٨)، تخريج المسند ٢٥٣٠٢ • إسناده صحيح على شرط الشيخين • أخرجه أحمد (٢٥٣٠٢) واللفظ له، وأبو يعلى (٤٨٦٢)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٤٤٣٥) مطولًا


روابط

الجمعة، 22 سبتمبر 2023

82 -خط النقل بين بهارات وأوروبا

 





فكرة المشروع:

المشروع أساسا لحد الآن في طور الفكرة، وتوقيع التفاهم يشبه قراءة الفاتحة في خطبة الفتاة، وليس معلوما من خلال المنشورات المتعددة، إن كان مشروعا سككيا بالكامل وهذا فيه وجهة نظر، أم أنه كالتالي:

- بحريا بين بهارات (الهند) والإمارات، وبين فلسطين وأوروبا

- بريا من السعودية وفلسطين سككيا، وبريا في أوروبا بوسائل متعددة.

لذا، نجد من الضروري تبيان الرأي وإعطاء البدائل الأفضل كأفكار تحقق الغاية بشكل أفضل، فالمرسوم لا يحتوي أي مقومات استراتيجية أو حتى أمنية، وهو يدخل في مناطق ليست مدروسة كفاية لمثل هذا المشروع على حد علمنا إن كان سككيا بالكامل، لذا فقد تُنتج الدراسة ما ليس في الحسبان، مما يؤثر على الجدوى الاقتصادية وإمكانية صيانة المشروع. وهو يحمل الهيدروجين وكابلات اتصالات وكهرباء وعُقدها التي تمر في دول متعددة، وما يعني هذا من حيث الأمن القومي والصناعي في نفس الوقت، أي بمعنى أوضح هي قابلة للاختراق عند خروجها من الماء إلى اليابسة ودخولها من اليابسة إلى الماء مثلا، وقد يحصل انفجار لخلل ما يوقف المشروع زمنا، في حين يمكن أن يمر هذا المشروع ذاته على طريق معظمه بري، إن تجاوزنا الصراعات السياسية التي لا تعتبر صالحة للقرار، وفق نظرية السياسة المستدامة التي هي تحتوي التنمية المستدامة، والمعنى لا يجوز اتخاذ قرار يضر بالأجيال.

المشروع والعرب:

المشروع سيجعل من المملكة العربية السعودية ومن الإمارات العربية ممرات وحسب، بل تغيير المسار نحو الإمارات يبدو وكأنه ليس جادا، المملكة ربما خسارتها الاستراتيجية لا تبدو كبيرة، لكنها كذلك إن استعدنا قناة الملك سلمان إلى الذاكرة مع تحوير لها، ليكون ميناؤها في سبخة الحمر والآخر في جدة وتنطلق من الإمارات أو خط ما بين البلدين، حسب ما هو أمثل لفتح المسار نحو سبخة الحمر التي تنخفض طبيعيا 26 مترا تحت مستوى سطح البحر، وبذلك تتحمل إبحار ورسو أكبر سفن الشحن. وهو يمكن أن يكون ضمن مشروع نقل بحري إلى بهارات، أما الكابلات وهي تحمل الغاز والكهرباء مع الاتصالات، فلا بد لها من خط أكثره بري وجمعه مع خط سككي يعدّ من تحديات منظومة المشروع.

أما الإمارات كدولة وظيفية للمال والأعمال، فستفقد قدرا كبيرا من أهميتها لتتحول مجرد ممر، وهذا ليس ملائما للإمارات المركز المالي والتجاري.

ما هي البدائل؟

البدائل متعددة، وربما تكون الفكرة حافزا لتعاون دول مجلس التعاون في إقامة مركز تجاري بحري عند منطقة سبخة الحمر، وسأحاول أن أضع البدائل في رسم واحد وأوضحه في الشرح.

البديل الأول؛ هو الخط البحري الذي لا يلغي أهمية أي دولة كالإمارات أو قناة كقناة السويس، ويدخل قاطعا السعودية أفقيا إلى الخليج، حيث ميناء سبخة الحمر، وتتوزع منه خطوط (سككية) لدول المنطقة

ولهذا الخط فوائد بيئية في إنشاء محطات للتحلية للزراعة والشرب وإنشاء المساحات الخضراء وإقامة منتجعات موسمية رائعة.

البديل الآخر؛ يعبر البسفور معلقا فيكون أسهل في الصيانة أو عبر المضيق تحت الماء، ويعود موازيا لخط السكة الحديد، ليتصل بالعراق ثم يذهب نحو مساره المصمم له، والأفضل ألا يتجاوز الأراضي الإيرانية ما لم يكن ذلك مؤثرا على الجدوى، حيث يمكن أن تدخل إيران بضائع عن طريق نقطة البصرة، ودول الخليج عن طريق جدة أو الإمارات، وتتبع ذلك مسارات الخطوط الناقلة الأخرى من هذه الدول وغيرها.

البديل الأفضل:

إن مصدر الطاقة هو دول الخليج، فالأولى أي مصانع للهيدروجين أو التوليد للكهرباء أو غيرها يمكن أن تقام في دول الخليج وتوزع بأسهل الطرق على العالم، فهذه الدول هادئة ونامية وتحتاج أن تكون منتجة، ويمكن أن تساهم معاملها في تشغيل كوادر من دول محيطة، فيحل الاستقرار والسلم العالمي.

إن البناء الاقتصادي يحتاج إلى استقرار، والاستقرار لا يأتي بمشاريع فكرتها تعدها منتهية، وإنما توضع ضمن مجموعة خيارات كالتي وضعناها وتدرس وتقارن بالجدوى من ناحيتي الاقتصادية والاستقرار المدني والمجتمعي، ونهضة مفيدة للمنطقة والعالم.

نقطة نظام

إن كان المشروع نقلا وتفريغا وتحميلا في مفاصل عدة بين البر والبحر، وربما تخزينا متكررا، فهو ليس مشروعا واعدا، وتبقى قناة الملك سلمان (المعدلة) الأفضل من جميع النواحي في المفاضلة.

الكاتب يفضل النقل البحري الذي تكون كلفته كخط ناقل للبضائع، هي حفر قناة سلمان وإنشاء ميناء ضخم في سبخة الحمر وجدة، ثم ربط الدول بعضها مع بعض في المنطقة بشكل تدريجي

اليوم لا تنتظر الدول أن تدعي لتكون جزءا من مشروع وهي استراتيجيا فيه أو خارجه، أو تقول؛ إن المخطط وضعني في الهامش، بل على الدول السعي لتكون ضمن فاعلية المخطط تعدل وتضع خيارات لا تتلقى الأفكار وتنفدها وحسب، الاستراتيجية والاستدامة تبدد عندما ينظر لها بمنظار الحدث القريب، بل لا بد من النظرة الكلية، وكما يقول البدوي: "الذي لا يوني يغرق".

للقراءة في الغرب السعودية

للقراءة في عربي 21

السبت، 16 سبتمبر 2023

81 - اختـلاف اللغــــــــــــــــــة

 



ما المقصود باللغة؟

اختلاف اللغة ليس تسمية الأسد بـ"Lion"، فهذا اختلاف لا يغير من ماهية المُسَمَّى، ما أعنيه من اللغة هو طريقة التفكير، التي تختلف بين الشعوب وفق التربية الأساسية والجهاز المعرفي بمعاني المصطلحات ودرجة حساسية القيم والتي تقاد بركيزة البناء التصوري والفكري في تعريف السلوك والأشياء.

سبب اختلاف اللغة:

اختلاف اللغة سيدير حوار الطرشان في التعامل بين البشرية والثقافات وبالتالي يعادي الناس ويحتقر بعضهم بعضا جراء انطباعات، ولعل تباين الناس في التطور المدني وهو ما يحصل حتى في الشعب الواحد؛ يبرز سوء التفاهم أمام معرفة الحقيقة وانتقالها وهي مسألة حضارية فكرية تتفاعل مع محاولة الإنسان تبسيط الأشياء لفهمها بإيجاد فكرة واحدة أو سبب واحد ونتيجة واحدة، وهذا ضد سنن الكون الذي تتضافر في تكوينه وديمومته عوامل عدة لكنها تتفاعل وفق قانون ونظام إلهي يسيّر العالم، بل الأرض واستمرار وجودها.

جدلية الاختلاف:

الاختلاف أساسا يفهمه البعض من سنن الكون لكن الآيات تشير إلى أن التفكير هو السنة الكونية تخرج الاختلاف كوسيلة إيجابية للتصويب ولإثارة الإبداع عند الآدمية وتوليد الأفكار، بيد أن فهم الإنسان يحتاج إلى أن يتسع ليستوعب وليس أن يذهب إلى الأحادية، ومن أهم العوامل التي تُحدث التباين بين الشعوب هي الإسقاطات التاريخية وكيفية معالجة إخفاقات ومطبات التاريخ بالمنظومة المعرفية التي تحولت اليوم إلى جهاز آلي معرفي لا تجري فيه عملية إعادة التغذية بكفاءة، مع تصوره أنه امتلك الحقيقة بينما البيئة التي أنشأت الفكرة والسلوك مختلفة.

كذلك طريق التفكير، فمنهم من تنشط منظومته العقلية لتكون أكثر قربا من الحقيقة، ومنهم من تنشط لتبتعد عن الحقيقة، فالعملية الفكرية هي الأساس في تفسير الأحداث وفي حل الإشكاليات والمعترضات، وهي أساس الخلق ومن فرّق في النتائج من بدء الخليقة وصراع قابيل مع افتراضاته كما يفعل الذين يديرهم هواهم في الشرق والغرب، والنتيجة أن هابيل الضحية ويفشل قابيل مع الندم.

"وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ* إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ".. لو تأملنا في هاتين الآيتين لوجدنا أن الاختلاف من نواتج التفكير، وسبب تطور المدنية والعمران وتلاقح الأفكار والوصول إلى مقاربات الحقيقة، فالحياة في الأرض امتحان لمنظومة الإنسان العقلية، والله خلق الناس ليفكروا فمنهم منظومة فاشلة لها منطقها ومنهم منظومة ناجحة لها منطقها، هي مخرجات تقود السلوك ولا تتشابه بين الأفراد أنفسهم لهذا تُخضع بقوانين وسلطة، وما نجده اليوم تماما كتغلّب قابيل على هابيل المسالم، وطغيان المنظومة العقلية الفاشلة على العالم، وقلة من الناس متمسكون برحمة الله وربما ضحايا لهذا الطغيان كهابيل، فمحاولة أي شخص أو فكر أو رؤية أن يجعل الناس مثله فهذا تخلّف وفشل في المنظومة العقلية وتخالف "لتعارفوا" والتي تدعو للتفاهم والاتفاق على الإعمار لا الهدم والفوضى التي نراها بوضوح في عصرنا.

كلما ابتدع الغرب وسيلة أجبر الدين على التماهي معها، فهذا اختراق له سوابق تاريخية والتماهي ممكن كما تماهى مع قسطنطين في العقيدة، وخضع لسلطة الحداثة، يتماهى في قبول حالة كالشواذ وكأنها صحيحة وربما يصل الأمر أن يُكفَّر ويُقتل من يخالف هذا لاحقا كما كُفّر وحورب قسطنطين نفسه من رجال الكنيسة التي صنعها عندما أصبحت هنالك مصالح أقوى من اتّباع قسطنطين ومن حمل فكره بعد فهمه للأصل.

كما نرى هذا فهم لإسقاط تاريخي قد يكون هنالك غيره، كذلك مجمل الإسقاطات التي تولدت منها أفكار الغرب الحالية التي جاءت بردود الفعل وافتراض حالات لا معنى لها ومصطلحات فارغة لا واقع لها وفرضها على العالم.. عملية الفرض هذه أشد حالات التعصب لـ"ديانات ضد الدين" التي تنبثق عن أفكار علمانية وليبرالية وتحاول تطويع الأديان المنزّلة على الرسل لأفكارها، وليس للتفاهم وقبول الخصوصيات، وكما كانوا ينشرون ما يرون من حقوق الطفل مثلا، نجدهم اليوم يلغون حق الطفل والأسرة وكل ما يعترض نشر الشذوذ وإشاعته، وإجبار الكنيسة على التماهي وعقد عقود لا معنى لها. ومن هنا فهم بعض المفكرين المسيحيين أن محافظة المسيحية على بنيانها هي نتيجة ثبات الثقافة للمجتمع الإسلامي المتين بنيويا الذي لا يتأثر بجغرافيا أو نظام سياسي والأديان في نسيجه فتجدهم دعاة لقيام النظام الإسلامي بفهم ووضوح أكثر من اغلب المسلمين.

يفترض الغرب أن ما يتبناه يجب أن يهيمن على العالم رغم أنه مقحَم وشاذ وليس صحيحا وغير مثبت لا علميا ولا اجتماعيا إلا من باب الطغيان، وهذا أمام حقائق كونية وسنن هو منتهى التخلف وأحادية النظرة ونموذج لفشل المنظومة العقلية الآدمية عند هؤلاء الذين يشيعون الدمار والفساد في الأرض، فإن تبنوا لاحقا ضد ما يتبنون الآن فعلى العالم أن يتبناه كذلك والا سيتعرض للعقوبات والتدمير، ولا يهم إن كان ما يعرضه هو ضد دين ، بل يجب أن يخضع الدين له، وهذا لفاعلية الغرائز كالسيادة وأحادية النظرة، وهم اليوم يستغلون بعض المأزومين من الأديان الأخرى لمهاجمة الإسلام مستغلين جهلهم بأنهم يهدمون حماية وجود دينهم في الشرق ويتحولون مِن "لَكُمُ دِيْنُكُمْ" إلى حالة الغرب دين تابع لنزوات القيم المهيمنة.

إننا إذن نعاني من اختلاف اللغة ولو تأملنا سنجد مشاكلنا جراء هذا الاختلاف، فطريق التفكير مختلفة والخطورة في إجبار الآخرين على قبول التفاهة والهراء بما تطورت إليه فكرة الليبرالية، والمتغلب اليوم هي المدنية، لهذا سيُنظر للآخر الجاهل والعالم أنه متخلف ويحتاج أن يتبع سبل الغربيين الضالة وفرضياتهم غير المثبتة وإجبار الناس عليها، وإعانتهم أو الاستسلام لهم تحيل الصالح إلى مجرم لأن مواصفات الليبرالية لطالما تم التخلي عنها حسب الظرف وهي اليوم مقلوبة.

"فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ".. إلى قوله تعالى: ".. فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ* وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ".

إذاً، الاستقامة وعدم الطغيان أو الاعتداء على أحد وليس كما يفعل المتطرفون الذين لا يفهمون معنى الأمر بالمعروف، وليس الحل بأن تضعف وتتبع هؤلاء "القابيلين" لأن إنابتهم بصمودك وإن كنت الضحية. الإنسان ليس ملاكا فاستعادة توازنه بالبقاء مع الله بارتباطه ودعائه في صلاته، والصبر هو في هكذا أمر، أي المطاولة والثبات على الحق والإحسان في مقاومة الباطل وتفنيده له أجره، لأنه بضعف الدعاة العارفين والثابتين على الحق فإن الفساد سيعم وهو ما نراه من تقدم وصلافة وإشهار للفساد واضطهاد للصلاح والصالحين.

ما سنراه قريبا من فوضى الحياة التي ولدتها فوضى الأفكار لا بد أن نعرف أنها لغياب الصلاح، ورأينا فعلا كم من مدن كانت تزعم الصلاح ولا تعمل به قد دُمرت، ولكن هل من متعظ! فإن هذا ليس إلا تنبيها لمن ألقى السمع وهو شهيد.

للقراءة في عربي 21 هنا لطفا

الجمعة، 8 سبتمبر 2023

80 - المستشــــــــــــــار

 


سبق أن كتبت عن الاستشاري في منظومة مقالات متنوعة عن الإدارة والسياسة، وموضوع المقال هو خاص بحالة أو ظاهرة سلوكية تنتشر في عالمنا المتخلف فتزيده تخلفا.

فما يبدو واضحا وعبر قرون طويلة من الكفاءة العالية لمنظومة تنمية التخلف؛ أن البناء العربي ليس متوجها نحو الدولة بأبسط معانيها وليس الدولة الحديثة بغض النظر عن تفاصيلها، وإنما يتجه البناء في بلادنا نحو الأمجاد الزائفة والإنجازات الوهمية، ولو أتيح للممدوح فرصة من المادح لتساءل أين هذه الإنجازات؟!

تعظيم الأشخاص وتأليههم حتى لو دمروا البلاد وأهانوا العباد هي صفة البارزين بالتغلب، وهم غير مؤهلين ليكونوا رجال دولة بل سلطات عمياء غاشمة ظالمة غالبا أو ضعيفة الثقافة والأداء.

ومن الطبيعي أن يستطيب "المسؤول" من الفئة الموصوفة أعلاه الأمر، فالمناصب تستثير غريزة حب السيادة ليطغى بها المادحون، فما بالك بالتضليل الذي يمارسه من يختارون كاستشاريين للحاكم التنفيدي بالذات عندما تصبح مهمتهم تبرير الفشل بل التجاوز لمدح الفشل وزخرفته، ووصفه بأوصاف تتناسب مع الوهم الذي يصنعونه خصوصا إن وجدوا أنفسهم بلا عمل حقيقي فيتبارون في إبراز أنفسهم بمهلهل التعبير ما يقارب من النفاق.

"المستشار مؤتمن" حديث ورد في سنن أبي داود، وهو يدل على ضرورة صدق النصح وفي ذات الوقت أن المستشار لا يأتيه سوء من استشارته ولا يظلم بل هو رأي يعين به صادقا متخذ القرار، والمستشار يحمل قيمة أخلاقية (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ)، لكن الفساد وحب الدنيا وتشويه القيم عمّ البلاد والعباد وشوّه معنى المستشار، فالمستشار أضحى يداهن ويجامل ويبرر ويقلب الحقائق وهكذا تغيب الأمانة، ومهمته بأن يشير على نفسه ويصنع الواجب كما سنأتي إليه.

غبش المهارات الصحفية:

هنالك مهارات مؤجرة كبعض الصحفيين ممن لديهم مهارات التزيين والتليين، وهذا الصحفي المبالغ في مدح المسؤول لم يفهم أن دوره هو إحباط الإشاعات وليس القول عن الأبيض أسود، فهذا زيادة في فقدان الثقة ودعم للإشاعات لأن المصداقية تكون للملموس المحسوس وليس للافتراضي المتخيّل، وهنا تظهر المهارة في توضيح الحقيقة وهي الصفة الإعلامية، واستخدام المهارة في إطلاق تفكير الجمهور نحو التفكير بدعم المسؤول للتغلب على المشكلة. النفاق ليس مهارة بل صفة مضرة وسيئة، والمنافق عبد مصلحته لا يكون المسؤول الذي يمتدحه بالنسبة للمنافق إلا درجة سلم يرتقي عليها إلى مكان أعلى.

إذن المهارة هنا بتوضيح الأمر للجمهور ودفعه إلى المشاركة في الحل وليس التضليل للجمهور وتضليل المسؤول أيضا بما لا واقع له.

تغطية الفشل في ذهن المسؤول كتغطية حفرة مليئة بأسنّة قاتلة وتقول الانتهازية له تقدم فوق بساط العز؛ وما أكثر نافخي الكير في بيئة منظومة تنمية التخلف وقادتها.

خبراء الزيف:

عندما يبدع شخص في تشويه الحقيقة أو تزوير مستندات أو غش في عمل ومقاولات، أو تبرير وجوده بلا فعل حقيقي إلا ما يستفيد هو منه شخصيا، وعندما تراهم يخدعون الناس بادعائهم نظرا لجهل هذه الناس أو أنهم يستفيدون من مهارات هؤلاء وتجنيدهم لأعمال الفساد، هؤلاء في العموم من أسميهم "خبراء الزيف". هم إذن خبراء في الحفاظ على مكاسبهم وعلى منافعهم حين لا أهمية لمهارة حقيقية وحقيبة علم تضع صاحبها بمكانة مستشار.

ما العيب في هؤلاء الخبراء؟

هؤلاء الخبراء والمستشارون بشكل عام لا يحلون مشكلة ولا يهتمون بحل مشكلة بل يهتمون بالمشاكل كسبب لمنافعهم، خطر هؤلاء يكمن في أمر مهم وهو إزاحة ومنع ظهور أصحاب الخبرة وتسفيه العلماء والعارفين، وتضليل الجاد من المسؤولين بإساءة وصف وسمعة من يستطيع تقديم الحلول إما بوصفه أنه يثير المشاكل أو أنه مزايد يدعي العلم.

مستشارو كبار المسؤولين أكثر خطورة، فواجب هذا المستشار استخدام خبرته في إيجاد الحلول وتحليل المعلومات وبناء خطط بعيدة المدى على التحليل وحلول آنية، والحديث بعلمية لتجنيب البلاد الكوارث الاقتصادية والمالية والحروب، وليس تزيين الحال ورمي الفشل على المواطن أو الزمن أو الظرف أو أي من المعوقات، لأنه موجود لإزالة هذه المعوقات وإلا إن كانت الأمور على ما يرام أو تحتاج حربا أو سبا وشتما، فهذا ليس من واجبات المستشار، فهنالك جهات رسمية وغير رسمية تقدم التقارير وتحدد المهام، بل واجب المستشار أن يتواصل مع الوزراء التنفيذيين إن كانوا تنفيذيين أو المفوضين إن كانوا مفوضين وبما تقتضي مهمته، والسفر للقاء مسؤولين من دول أخرى بصفته لتذليل الصعاب وإيجاد الحلول ثم ترتيب كل الأمور لتوقيع اتفاقيات أصلا دخلت التنفيد بخطط أوجدها أو حلول استخلصها من خلال التنسيق والإنضاج لهذه المشاريع التي هي حلول حقيقية للمشاكل، بدل التضليل بسبب العجز والكسل ووضع المنفعة الشخصية فوق الواجب والقول إن كل شيء على أفضل ما يرام.

ومن الخيانة الخفية؛ نفاق الخبير عندما يخالف ما يعرف من صواب والتغاضي عن ضرر الأمة من أجل مصلحة عابرة.

للقراءة في عربي 21 اضغط هنا رجاء


الجمعة، 1 سبتمبر 2023

79 -الحكمـــــــــــة والمعـرفــــــــــــــة

 



التأمل والتفكر والتدبر

عندما نتأمل في كتاب الله نجد أن هنالك دعوة للتفكّر وعقل ما يقال حتى في آيات الله وكتابه، وعندما نتدبر نجد أن عاملا مهما يبرز بذاته وهو المنظومة العقلية ذات الأهلية. فلم ينزل القرآن بافعل ولا تفعل، أو قل ولا تقل أو هذا حسن وذاك قبيح، وإنما وضعت تعاليمه قيما، ولا بد من يقرأ القرآن على مكث أن يتفاعل معه بالتفكير فأسلوبه ليس إملائيا بل مثيرا للتساؤل ومتفاعلا مع السؤال، ويبين أن الإنسان حر وكامل الأهلية في خياراته. يقول الله تعالى إن الله يكره كذا وكذا، ذلك ما يعظكم به، فهو وعظ وليس إجبار لاختيار لأنك أصلا في تصميم الخليقة كامل الأهلية وليس هنالك من يحاسبك في الدنيا والآخرة إلا الله على خياراتك، ما لم تضر القوانين والمجتمع أو تقلق استقراره وتخترق قوانينه عندها يحاسبك القانون والسلطة.

السلالة التي أراد الله جل وعلا أن تكون في الأرض هي سلالة آدمية، ويبدو من التأمل في الآيات أن هنالك نسخا سابقة وسلالات سابقة في الأرض كانت تفسد فيها، لكن علم الله أوسع من المشاهدة، ففي هذا المخلوق البشري ميزة مختلفة من التصوير الحسن إلى ميزة التفكير والحفظ والتذكر وفيه مع الغرائز منظومة العقل هذه التي تدير المعلومة. هل أدار آدم المعلومة؟ وهنا الدرس الأول للآدمية بآدم نفسه، فقد أعطاه الله المعرفة وعلمه كل شيء، لكنه لم يتفكّر بالمعلومة وهذا درس للبشرية بأبيهم أن المعرفة وحدها ليست نافعة بلا تدويرها في الذهن والتدبر والاستفادة منها في الأحداث، فنسي التحذير من مخلوق اتضحت كراهيته له كمخلوق وليس كراهية السلوك وهنا نقف وقفة قصيرة.

منطق الكراهية يجعلك مؤمنا أو شيطانا

عندما نظر إبليس إلى آدم نظر إلى مخلوق مكرم، لم يفعل آدم شيئا ولم يرتكب هفوة، ولم يبدُ على ملامحه السوء، ارتفعت الأنا عند إبليس وأثارت الحسد فالحقد لأن هذا المخلوق آدم نال تكريم خالقه. إذن الكراهية الإبليسية هي كراهية الذات للذات وكراهية الإنسان للإنسان والتي تأتي من حسد وحقد، كذلك كان قابيل عندما قتل هابيل. وأما كراهية المؤمن فهي كراهية الفعل من الإنسان وليس كراهية الإنسان، كذلك كانت كراهية هابيل لفعل قابيل، كراهية أي إنسان سوي لفعل في إنسان آخر فان أصلح أفعاله فلا كراهية ولا سوء. قال ﷺ: "الإسلام يجبّ ما قبله"، أي إن اعتدال الأفكار يجعل الإنسان نقيا تخلى عن ماضيه بما فيها ذنوبه وهو أمام منهج جديد، فالكراهية لفعل الإنسان هي رغبة بالخير له بصلاح فعله وإيجابية تعامله ونقاء فكره ورقي إنسانيته.

عندما يندمج الإنسان بفعله، ويصبح بالأنا الإبليسية متوحدا مع أفعاله فهو يخرج عن منهج الآدمية وسجيتها. عندما أخطأ آدم كان فعلا تبرأ منه بالتوبة والاستغفار الذي احتاج كلماته ليعلمه خالقه الأمر الذي يظهر مدى تكريم الله لهذا المخلوق وهو الأعلم بخفايا نفسه. لكن الأنا الإبليسية أصرت على التكبر والعصيان، كذلك يكون الإنسان المصر على العصيان فيكون "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ"، ومع هذا رأف الله بنوح فلم يجعله يرى غرق ابنه، لأن الإنسان له من العواطف ما تجعله أضعف ما يكون أمامها، لكنه ينيب
السلوك دال على مدى فاعلية المنظومة العقلية ومدى الفهم للقيم، وليس من ملائكة على الأرض، فالإنسان يخطئ ويصيب وإنابته باعتذاره وحسن إصلاحه للأمور، والأولى أن يفكر ولا يصر فالإصرار هو غياب للحكمة وغياب الحكمة هو الفشل للآدمية، والتصالح مع الذات بتصويبها وليس بالإصرار على الخطأ، اللهم إلا من كان مريضا فذاك إنابته بعلاج ذاته ليعود نافعا لأهله وبيئته. ومن هنا نرى الحيز الضيق لكره الإنسان لاندماجه وسلوكه المتشبع بالشر.

الحكمة والمعرفة

لقد كان آدم مزودا بالمعرفة، ولم يفعّلها في تفكيره فكان ما كان، فالمعرفة التي لا تستفيد منها الأمم بخاصتها وعامتها هي كمثل بني إسرائيل عندما لم يفهموا التوراة لا تكفي المعرفة وحدها بلا حكمة وشفافية وإخلاص، مثل الحمار يحمل أسفارا، ينقلها للاستخدام من غيره بيد أنه لا يفيد منها وما أكثرهم بل ما أشدهم قسوة في محاسبة الناس ونسيان أنفسهم، لذا لم يقل الله من يؤت المعرفة، بل قال ومن يؤت الحكمة فالحكمة هي التي تجعل منك آدميا بما لديك من معرفة وليس مكتبة متنقلة بلا سلوك متفق مع القيم التي تتحدث بها.

الحرص على عوامل الحكمة تنعكس على السلوك، لأن من فقد حكمته شوه ما يحمل من علم بمخالفته أو بسوء سلوكه: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ" (الصف: 2)، إنهم مؤمنون بما يقولون ولكن ضعفت النفسية فأمروا الناس بالبر ولم يفعلوه وعلموا الصواب وخالفوه، فيكون بعضهم للناس أذى ومنفرا في القول والفعل وسوء السلوك والمعاملة وقدوة سيئة.. إن مقت الله آت لفقدان التوازن في المنظومة العقلية والسلوك.


135- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. وصف الظاهرة (1-2)

رابط عربي 21 "مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد...