الاثنين، 30 يناير 2023

43- أخطاء سلوك الاحتلال البريطاني

 أخطاء سلوك الاحتلال البريطاني

مراجعة إيجابية



مقدمات

لست بصدد الذهاب الحديث عن التاريخ البعيد لبريطانيا، لكنها كدولة حديثة تماما عندما أعلنت ما بين 1 مايو 1707 و1 يناير 1801 ليعقد البرلمان في 22 يناير؛ ولندع التغييرات التي حدثت في القرن العشرين بعد تراجع بريطانيا واستقلال المستعمرات، عندما تتأمل ما يذكرك بالسيدة تاتشر رحمها الله وهي تعبر عن موثوقية عندما تقول هذا دستورنا لكتاب فريدريش حايك، فهذا يحتاج تأمل لأنه يعتبر خارج الحداثة التي تمثلها الولايات المتحدة التي كانت تاتشر تقول عنها أنها نتاج الفلسفة، بينما بريطانيا نتاج التاريخ، فقد تلاقحت بريطانيا وثقافات متعددة لتكون بريطانيا المختلفة عن بقية الدول الغربية لتكون عقليتها مميزة في الغرب لكن لنتوقف عند نتاج التاريخ والسمعة التي صنعها إعلام الاستعمار حينها في رفع القيمة وإشعار أهل المستعمرات بالدونية، وهو من مقتضيات السيطرة عليهم، لكنه أيضا من أسباب الثورة، لأنه اتخذ منهجا أصم وهو عكس ما يمكن إن اسميه (بالتماهي الإيجابي) عندما اندمجت أقوام متعددة من القبائل الأصلية والانكلوساكسون والنورمانديين ليكونوا أمة لا تتردد أن تجعل من تراثها شخصية كريتشارد قلب الأسد الذي لا يتكلم الإنكليزية، وتعتبره ملكا رغم أن بعض المؤرخين يعتبره يمثل دوقية فرنسية لم يستقر على الأرض بقدر ما خاض من حروب لصالح الفرنسيين، أو قبول فكرة أن يكون رئيس الوزراء من اصل هندي وهي المستعمرة القديمة.

بريطانيا وأخطاء التاريخ (الاستعمار للعراق نموذجا):

سبق التخطيط لاستعمار العراق من البريطانيين الحرب العالمية، ولكن تشكيل العراق بشكله الحالي كان نتيجة لإحدى تطبيقات سايكس بيكو في التحول من التقسيم العرضي إلى الطولي، كانت بريطانيا تخطط قبل الحرب العالمية في ضم ما تسيطر عليه ، باعتباره ضرورة مع تطور المدنية ومتطلبات التجارة والمواد الأولية، ربما لم تك بغداد في المخطط هذا، ومن خلال حكم ذاتي أو ضمها إلى حكومة الهند الشرقية التي يديرها البريطانيون، لكن حصول الحرب وضغط المتطوعين الجهادين مع الدولة العثمانية أوجد حالة ضرورة لاحتلال البصرة التي لم تستغرق وقتا فشجع هذا للتقدم إلى الكوت، التي قاتلت ببسالة فاتت بريطانيا بقوات انكسرت عند المدائن وأعاد العثمانيون البريطانيين إلى الكوت، لكن لم يكملوا فتتابع التقدم البريطاني إلى الفتحة وهي حدود ولاية الموصل ومن ثم دخلت القوات البريطانية سلميا بانسحاب الأتراك دون معارك، ولم تنجح بريطانيا بالملخص لاختلاف لغة التفاهم وفقدان الثقة ولو سعت منذ البداية لتقوية العراق الغني بالموارد البشرية والطبيعية لبقت في الصدارة.

بريطانيا كمساحة نصف مساحة العراق، رغم أن سكانها الآن ضعف سكان العراق لهذا فهي تستعمر وتبني لحاجتها مما في المستعمرات فاستثماراتها في الموارد البشرية والطبيعية والجغرافية قائم لحاجتها فهي استعمار إن أردنا التمييز عن الاحتلال الذي لا يبني، لكن هذا الأسلوب لم يعد صالحا، وممكن تحقيق علاقات تكاملية لكل الدول من خلال الاستثمار والتنمية بالمشاركات (J.V)

أخطاء بريطانية:

1_ لجوء البريطانيون إلى العنف واستقدام أقواما أخرى تبحث عن إقامة وطن أو مكاسب لقتال أهل الولايات واستخدام الهند الشرقية في البدء بحركة استعمارية جعلت من بريطانيا محتلا مشكوك في سلوكه المدني.

2_ استخدام الهند الشرقية نقل تجربة الحاكم البريطاني من الهند إلى العراق تجاهلا لاختلاف الشعب في البلدين من حيث الطبائع والانتماء، ففي الهند أتى الإنكليز وقضوا على حكم المغول الذين كانوا يحكمون الهند وحلوا محلهم واستطاعوا إدارة التشظي وإقناعهم بالحكم الذي استخدمهم في الجيش وفي الحكومة بوظائف ثانوية، هذا مختلف عن قدومهم على دولة بها مسلمون وتحكمهم منظومة إن اختلفوا مع حكامها فهم لا يختلفون مع شرعيتها، فكان لابد أن تدار من أناس يعرفون طبائعها لا أن تأتي بهنود حاولوا أن ينقلوا عوائلهم ليؤسسوا لحكم البلاد، رغم أن بعضهم ترك بعد ثورة العشرين ليذوبوا في المجتمع العراقي.

3_ لم تركز أن ضباط الملك هم ضباط في الجيش العثماني، لهم رؤيتهم الخاصة من منطلق المملكة الكبيرة التي تضم كل البلاد وليس العراق فقط، فعندما حصروا في العراق بدأت شكوكهم في نوايا المستعمر ووعوده ولا شراكة بدون نوايا واضحة وشفافة، ورؤية سلوك بريطانيا المتجاوز لعصبة الأمم وقراراتها بتغطية إدارة الهند الشرقية بدل الحكم بصيغة مباشرة جديدة ونوع جديد من الاتفاقيات وليس تطبيق تجربة تكونت من شعب آخر مختلف الثقافة، فكان عداؤهم للوطنين لانهم يعتبرونهم ضد هيمنتهم رغم أن هؤلاء ممكن أن يكونوا شركاء لمصلحة بلادهم، عداؤهم لطه الهاشمي وياسين الهاشمي المواليين للملك وغيرهما هدد النظام لانهم لم يدعموهما بترددهم الكبير أمام حركة بكر صدقي الذي كان ضد توجه الملكية في حقيقة الأمر واعتبر الإنكليز شكوك الأخوين وأخرين من النخبة بنواياهم أمرا مبررا للتردد وهكذا سوء إدارة وفهم للثقافة المحلية أدى بالنتيجة إلى انحسار طموحاتهم بشركة النفط ليُسَلَّم البلد للعسكر.

عقلية المستعمر أضاعت شريكا أكبر حجما ومواردا، ولو أنها استمرت مع أحلام الملك الشهيد وعائلته حيث بدأ دوار الدم، ولم تأت بالمغامرين كما أتت أمريكا بالفاسدين لكان مفهوما أنها سياسة كما يزعم وتفوق في التخطيط، لكن ما نراه كنخبة من مستعمرة سابقة أن هذا ليس فشلا في السياسة وجمود عن التطور في ميكانيكية إدارة المستعمرات التي ينبغي أن تتحول إلى شراكات وليس تسليمها بيد المغامرين والفاسدين، بل هو إرادة إبقاء التخلف وعقلية عدمية لا تختلف جوهريا عن محتل لم يأت ببناء.

الفكرة المركزية من المقال: 

هنالك اختلاف في لغة الفهم من الأجانب مع أهل البلد والأدهى بين أهل البلد بينهم وأنفسهم فبناء الدول لا يأتي إلا بالتفاهم وعقد اجتماعي يتخلى الكل عن أفكاره السلبية والفئوية التي تجعله قابلا للانفجار والاستعمار؛ بتثقيف المجتمع على الاندماج وهو امر ليس عسيرا، فالمجتمعات كلها خليط (وبريطانيا نموذجا) تنجح مدنيا في ضفاف العدل وتفشل إن شحنت بالروابط الهابطة براكين الاختلاف وضربنا في بداية المقال على اندماج مع الزمن وتجانس خليط متعادي لا يتجانس، كما أن فكرة الهيمنة التي تحكم عقلية الغرب لابد أن ترتقي كمطلب من متطلبات الزمن لتلتفت إلى المشاركات المدنية (J.V).


الجمعة، 20 يناير 2023

42- قراءة في مزرعة الحيوان

 




قوانين المعاناة

عندما تكون الحالة النفسية سليمة عندي فلا أتوقع أن أوقف بقرة لتعلمني قواعد الإدارة، أو انبهر بنهيق الحمار وابحث عن مقاصد عميقة في نهيقه، لكن هذا ما يحصل فعلا عند انبعاث الصراصير فإنك ستسمع أسئلة عن الكيمياء من عريرها وكيفية تحويل الأجواء المليئة بالأوكسجين إلى جو مشبع بالميثان، إنها الهزيمة التي تجعل بغلا يتفاخر بنسب أبيه ويتحدث عن الأصالة مثلا، ونحن نضرب مثلا بمخلوقات الله التي لم تخلق لتتماشى مع خيالنا، فهي مخلوقات لها مهام وفق التوازن البيئي، وان ما نريده منها هو خارق للطبيعة إن فعلته تذهب الطبيعة إلى الدمار ويصبح الإنسان مشروع تلاشي ولعلنا والحال هذه نستذكر رواية مزرعة الحيوان التي بدأت بحلم رآه خنزير عجوز "ميجر"ثم ليحققه ثلاث خنازير طموحة؛ عندما أخذت الحيوانات دورا غير دور خلقها في قراءة أخرى لتلك الرواية العميقة، والتي لم تخرج صاحبها ليصنف ككاتب روائي بل بقى صحفيا عند من يقيم هذه الدرجات، مع عمق تلك الروايات التي كتبها ولكن من يبحث عن وضع الناس في صناديق لن يمكنه تقييم عباقرة كجورج أورويل كما سمى نفسه.

الحيوانات التي ثارت بعد الم وجوع وإهمال من السيد (الإنسان) وعماله الكسالى وسيطرت على المزرعة كما في الرواية سنت قوانينها الطموحة والتي تعبر عن معاناتها من السيد (الإنسان)، لكن الخنزير سنوبل الذي وضع القوانين وكان متضامنا معه الخنزير نابليون الطموح من غير كفاءة وسكويلر البوق الإعلامي العتيد، لم يكونوا قد مارسوا الحكم فما لبثت القوانين أن تمطت لتعطي معاني استرخاء عن الفكرة الثورية إلى السيطرة الفردية، عندما يطرد نابليون التافه سنوبل بواسطة كلاب مدربة من سلالة كلاب السيد الإنسان  متهما له بالعمالة للسيد الإنسان منذ البداية دون تفسير أن يكون هو قائد الثورة وعميل في آن؛ فيصبح قتل الحيوان للحيوان ممكنا أحيانا، وارتداء الملابس ممكنا والنوم على السرير ضرورة .

تقاعد التكنوقراط

انتهت حياة الحصان بوكسر التكنوقراط المتفاني في عمله، والذي لم يكن يكف عن ترديد جملة "الزعيم نابليون دائما على حق"، على يد زعيمهم نابليون، حيث قام ببيعه، لكبر سنه وتدهور صحته، لجزار الحيوانات بائع اللحوم دون أن يرف له جفن. امتعضت الحيوانات لما حل بالحصان، فحدثت فوضى واختل القانون لبعض الوقت في المزرعة لكن استعادة نابليون وسكويلر لسيطرتهم على الحيوانات المغيبة امر سهل.

إن المخلصين والتكنوقراط الذين يعملون ولا يهمهم من يحكم يكونون دوما ضحايا الشذوذ والفوضى والفساد؛ رغم انهم أناس يعملون ولا يسألون عن جهدهم لكنهم يهملون عند أول فرصة يتمكن الفساد بها من إبعادهم، وهذه سنّة ثبتها القرآن في حالة فجة من الشذوذ والفساد "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" بينما الفاسد منهم يبقى متمكنا كذراع للفساد مقابل الفتات وذاك ثمن بخس. 

الإحساس بالظلم لا ينشئ فكرا وإنما يكون دافعا لتهيئة الجيوش لطغاة مازالوا يستثمرون الألم لركوب زفرات الحزن نحو قلاع وزنزانات وجلادين، وان غياب الخطة القريبة والبعيدة يجعل الحراك فاشلا ليس بالضرورة أن يسقط وإنما أن يرتد إلى ما أنكره الثائرون على من ثاروا عليه فكان سببا لثورتهم عندما نفترض أن النوايا سليمة، وهكذا يحاول نابليون أن يقلد السيد الإنسان فيسير على قدمين ليكون شعار السير على أربع "حسنا"، متحولا إلى أن من يسير على قدمين "أحسن"، وأسوأ الناس من ينسى ألمه عند رخاء، لان ألمه لم يك لإحساس باهله وبيئته ؛بل كان الم الحسد للظالم وتمني مكانته وذاك تمام العبودية للحاجات والغرائز بلا حدود.

معادلة خماسية

لم يتحقق للحيوانات إزالة الظلم بل عاد بشكل الطغيان، ولم يك السبب هو الإنسان وإنما غرائز حب السيادة والتملك ذاتها ولم يك نابليون ولا بوكسر ممثلان لأقصى اليمين واليسار ليستمرا بنجاح، ذلك أن المعادلة تحتاج حضور العوامل الخمس والنجاح حاصل ضربها ببعضها واي منها تنخفض قيمته يؤثر على الجميع أو يعطي الصفر علامة الفشل الحتمي ما لم تعدل المعاملات.

احتمالية النجاح = الحس بالحاجة للتغيير والتطوير للذات (وتشمل ثقة الجمهور) × الخطة المرحلية وقريبة المدى والتي تحدّث بتكتيك التنفيد× الرؤية بعيدة المدى كاستراتيجية إصلاح وتغيير يتعامل مع الزمكان× المــــــــــــــــــــال × أناس تفهم الفكرة وآليات تطويرها والا تموت مع معدها أو تجمد زمكانيا عنده=1.

القيم ليست رقمية وإنما وجود (1) والغياب (صفر)، وإذا أردنا أن نحصل على أرقام لنسبة نجاح متوقعة فلابد من إعطاء وزن لكل عامل من مائة ثم جمعها وهنا يكون للقيادة والإدارة دور هام.

التقليدية

الجهاز المعرفي في حل المشكلات له أهمية كبرى حيث يلجأ معظم الناس إلى التقليدية وتحقيق الغايات رغم خطورة المغامرة في عصر التقدم التقني ولا يتبنى الحديث الذي هو أدق وأفضل وأنجع، وهذا سيكون مشكلة عندما يفكر بهذه الطريقة عناصر مهمة كالطبيب والمهندس عندما لا يجلب التقنية الأحدث وأصحاب الفكر في استدعاء الماضي كرد على الإخفاق في الحاضر وإبعاد حقيقة أن الفكر الأم يلد الجديد مع العصور.


الخميس، 5 يناير 2023

41- الثقافة في الجهاز المعرفي

 





الثقافة في الجهاز المعرفي

الجهاز المعرفي في المجتمعات كافة هو كم من المعلوماتية والمعايير التي ترسخ في المجموعة البشرية لتشكل ما يمكن أن نسميه مجتمعا وان كانت كمية الاختلافات والتناقضات في محتواه كبيرة حجما ومتسعة مسافة ما بين اليمين واليسار، لكنها تتفق في أنها تنظر إلى الأمور وكأنها ثوابتا وتميل لتقديس كل شيء فكرة أو راي وهذا لا يختلف كثيرا في التطبيق العملي ما بين متعدد الأفكار لان من يتحكم بها الغرائز وليس إعمال المنظومة العقلية.

(حاول أن تتعلم شيئاً واحداً عن كل شيء، وكل شيء عن شيء واحد) - توماس هنري، هذه المقولة حصرت الثقافة وجعلت نغمة فكرتها بالتطبيق سدا منيعا أمام التغيير والتطوير، ولست بصدد مناقشتها لكنها مقولة رنانة محتواها مقفلا في أوله وطوباويا في آخره، فمعرفة كل شيء عن شيء قد تتخذ في إيقاف الجديد المبتكر عن التبني في مجتمعات لم تبلغ النضج أو تقع أمام من يظن أن معرفته هي المعيار وان لا جديد إلا ما ينتجه.

أما تعلم شيء عن كل شيء وعزوف الناس في مجتمعنا عن القراءة الجادة، فهو سيلتقط شيئا عن كل شيء وفق فهمه، ويعتبره بطبيعة الجهاز المعرفي والميل للتقديس وتعاريف معنى الثبات على الراي والمتانة ومصداقية المعلومة بثباتها وليس بتطويرها، فسنجد حتما أناسا تتحدث وتناقش المختص في اختصاصه وتسفه رايه وهي لم تتعلم إلا معرفة انطباعية عن شيء مما هو مختص به، بل هذا الشيء ستجد له أفهاما متعددة وربما تسبب جدلا عقيما فليس هنالك استعداد لنزع القدسية عن المعلومات المكتسبة.

الجهاز المعرفي عند مجتمع ما يقف أمام التجديد وقبول التغيير خصوصا إن لم يفهم بان التحديث من مقوماته؛ كما يجهل المسلمون وجوده في الإسلام بل الفهم بضده رغم وضوح نصه، وغالبا ما ينتقل الجهاز المعرفي مع الإنسان وان تغير المجتمع الذي يعيش فيه وهنا تبدأ عملية من الصراع قد تفشل في التفاهم مع المستجدات فتبدأ هجرة معاكسة ليعود إلى حيث هاجر عن بلده أو مجتمعه الأول.

الانتقاد والنقد ما بين القيمة والسلوك

حينما نتحدث عن السلوك السلبي وننتقده هو أو أي ظاهرة أو تصرف أو سلبية في مجتمع ما فإننا لن نحدث التغيير لان تبيان المشكلة لن يحل المشكلة أو يفرض حالة التغيير عليها بل تبقى مسالة راي مصطدمة بالجهاز المعرفي الذي يتبنى السلبية التي يراها أي من يشخصها وهي في الحقيقة إفرازات التهاب لمرض مجتمعي نتيجة تكلس الرتابة وعجزها عن المواكبة لحديث حاصل أو تحديث مطلوب، لذا فلابد عندما نعالج أن ننتق أي ظاهرة أو فكرة، أي تبين الإيجابية والسلبية وما هي تكاليف التغيير أو إلغائها المادي أو المعنوي، وهذا مؤشر للتغيير المطلوب فعلا وتحديد اتجاهه ضمن دراسات ونقله إلى المجتمع بخطاب عقلي لا يناقش السلبيات بأسلوب الانتقاد وإنما يوضح التغيير الفكري ويزرع القيم الجديدة والفهم الجديد، وسنجد اثر ذلك حتما تدريجيا في تغيير السلوك بقناعة لتحل منظومة صالحة محل أخرى، وهنا لابد أن نكون حريصين أن لا نقنع الناس بانهم سيمتلكون الحقيقة ا وان ما تعلموه من الثوابت، وإنما هي الحياة تعني التغيير بالنقد لا الانتقاد، والمفهوم وليس السلوك الذي ينفلت عادة عندما تستثار الغرائز كحب (التدين، التملك، النوع، السيادة).

مؤسسات الثقافة:

لمؤسسات الثقافة دورا كبيرا مهملا في واقعنا بل مشوها، فعندما تتحدث عن الثقافة وضع انطباعا ذهنيا أنها الموسيقى والغناء والفلكلور وغيرها، بينما لا تجد الفكر الذي ينشئ السلوك الذي بدوره يظهر معالم ثقافة الأمم سواء بتأثير قيمي عميق حضاري أو بتأثير قيمي متمدن.

هذا السلوك يأتي من بناء الفكر ومهمة الإنسان كوجود لوجود أهمية لوجوده؛ وهذا يتطلب حوارات هادفة وتطوير للفكر البشري وشرح للمهام الآدمية وكيفية التعامل معها سواء كفرد أو مجموعة أو مجتمع بدولة وقوانين، وما هو مطلوب من المجتمع كوجود، وهنا تكون مؤسسات الثقافة فاعلة عن طريق نشر الأفكار التجديدية التي تعيد الأمل والثقة للإنسان بذاته وأهمية كينونته وأهميته كآدمي بإرساء برامج هادفة إحيائية بالتوأمة وقنوات بكفاءة قناة الجزيرة مثلا.

إنك لن تكافح سوء الخلق بانتقاده، ولا المخدرات بتبيان مساوئها، الم ترى أن علبة السكاير كتب عليها انه يؤدي للسرطان فأصبح المكتوب عليها تلك العبارة هي المفضلة للمدخن!

إنما مكافحة السلبية تأتي من خلال دراسة نفسية المجتمع وما هي أسباب إدمان البعض أو شذوذ تصرفاتهم أو خلقهم أو سلوكياتهم، وهنا تأتي الأمور عن الجهة القانونية والردع والتثقيف من طرف آخر، لان الردع يثير الغرائز الحاكمة، أما الإرشاد فيخاطب المنظومة العقلية والمنظومة العقلية لا تخاطب عندما تغيّب

إن الشجرة المريضة تصبح عشًا للحشرات تضع في شقوقها بيوضها وعلى لحائها تتغذى اليرقات ... ولا يمكن أن تزال تلك الحشرات بالكلام عن مساوئها أو التقاطها بالملقط بل بمبيد للحشرات، لكن طلي الشجرة للوقاية لا ينفع إلا السليمة. 

135- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. وصف الظاهرة (1-2)

رابط عربي 21 "مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد...