https://m-salihalbdrany.blogspot.com/ فكــــــر اليقظـــــــة Mindfulness: ديسمبر 2025https://m-salihalbdrany.blogspot.com/

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 13 ديسمبر 2025

217- نخبة المعرفة الجاهلة لجهلها

 رابط عربي 21


جدلية المعرفة والتعلم:

في زمن مر وما زال أثره فاعلا عُرّف المثقف أنه يعلم شيئا من كل شيء، ثم عُرّف النابغ هو الحافظ لأقوال وأشعار وكتب، بل إن التعليم عندنا نشأ على إعداد موظفين للدولة ولم ينشأ على التعلم من أجل التفكير بالمعارف وتطويرها، لأن من أنشأ التعليم الحديث عندنا هو المستعمر، والمستعمر عدده قليل نسبة للبلد فيحتاج متدربين على تفكيره من أهل البلد لتسيير مصالحه، وعلّمهم اختبار الحفظ وليس الفهم، والسرية في المعلومة بأن تحصر بيد عدد معين، وليس عدم تهويلها، فترى المدير ولحد الآن يمنع الوثائق والمعلومات عن أصحاب الاختصاص ويبقيها بيد الموالين له فلا يزداد البلد إلا تخلفا.

المشكلة تزداد تعقيدا عندما يثق مكدّس المعرفة بمعرفته بلا معالجة تلك المعرفة؛ فيجعلها معيارا، أو يستقيها من الموبايل والحاسوب ويمكن أن يطلع على أي شيء جديد عليه ليضيفه إلى المخزن، ويسرب منها إلى التواصل الاجتماعي فيعمل المادحون على تأكيد وهْم الصفة بأنه مثقف، ليخرج إلى المجتمع معارضا مناقشا أدق المقدسات، وهو لم يعالج معرفته، وإنما ينقلها (قال فلان) أو يقتبس بلا مصدر الاقتباس، وهو في حقيقة الأمر لم يعالج المعلومة وإنما قبلها كما سمعها بلا تفكير.. إذن هو لا يحتاج إلى التعلم، ومن يحس أنه لا يفهم قوله أو يأتي بأسلوب جديد يسفهه وينتقده، ويوجه إليه عبارات بنبرة التقليل من شأنه.

خطورة الخزان للمعرفة:

خزان المعرفة لا قدرة له على حل مشكلة ولا إبداع، لأنه أصلا غير مؤهل لكنه من بيئة منظومة تنمية التخلف، فاكتسب مكانة ربما لم يكتسبها المثقف العالم الذي غالبا ما يكون مهمشا في مجتمع سلبي لا يعالج أي موضوع في منظومته العقلية وإنما يأخذها انطباعا جاهزا وربما يضعها سهوا أو عمدا في رف المقدسات، لأن المقدسات لها مكانة عند الناس فهم يرفعونها ويعظمونها؛ لا لأنها تؤمن بها وتدير سلوكها بل لأنها تحتاجها في تحقيق غريزة حب السيادة والتملك وغيرها، فالبحث والاستقصاء مفقود والناس يسمعون بألسنتهم ويحولون ما يسمعون ككرة الطائرة.

جدلية الجودة والسوء:

ما كنا نلاحظه في جيل سبقنا ومات في جيلنا وفُقد في الجيل الحالي هو أمر جلل، ومنه الصرامة والدقة وعدم التساهل في الصواب، بدءا من المظهر، وكان الشاب يقول نخرج عربجية، أي لا يرتدي الزي الرسمي لدخول السينما مثلا أو الجلوس في القهوة (التي تسمى الآن كافي)، أو عبارة "شرب له على قدر فلوسه"، أي أن جودة عملك ومهارتك وفق ما تحصل عليه من مال، فلم تعد المهارة والإخلاص جزءا من الذات الداخلية، بل أصبحت تحت تأثير التعرية والأحداث بدل أن تكون ضمن الثوابت.

والمهارة نوع من الثقافة التي يملكها عامل البناء المخلص، والقصّاب، والتاجر، ومصلح السيارات بصنوفها، وهكذا، عندها ستجد أن كل ذي مهنة معتز بمهنته، ويحاول أن يطور نفسه بها وأن نجاحه هو في قدرته على تطوير الذات، فالناس الذين انشغلوا بتقييم الآخرين من خلال ذاتهم هم أناس متخلفون وعاجزون بالعجز المسبب للإحباط، فالتقييم هو تقييم الذات! أنا فلان كنت في العام الماضي كذا؛ هل تحسنت في إنتاجي أو مهارتي أو خدمتي للمجتمع؟ ولكن هذا لن يكون عند امتلاكي المعرفة وإنما عند انغماسي في التعليم، والصرامة تجاه نفسي أولا، وسنجد أن هذا النوع يطفئ اللهفة ويسد النقص ويستر العورة، بسيط مهتم لأمر نفسه ليس بغرائزه وحاجاته، وإنما بإنجازه ودوره في البناء ومساعدة الآخرين. فالحلول والابتكار هي واجب المثقف ومعيار ثقافته وليس قدر معرفته، فالمعرفة تحصيل حاصل، بيد أن تهذيب النفس هو تثقيفها لذا قالت العرب على تهذيب الرماح تثقيفها.. فصورة الفشل تتمثل فقدان الدقة والمهارة والانتماء إلى الأمة بتوسيع الحجم.

هذه الصرامة وما تحدثنا عنه، هي من تجعلنا ننبهر بدقة زخرفة وإتقان بيت قديم، أو أثري للسكن، يمكن أن يكون بلا ملامح لغياب الأجهزة والعدة، بينما الآن هنالك عدة تختصر زمنا طويلا، ولكن الجودة مفقودة والثمن مرتفع وربما بلا ذوق، ولأن المجتمع أمرضه اليأس تجد الناس يتجنبون بعضهم ليس لأنهم سيئون وإنما لأن قدرتهم على العطاء ضعفت. وهذا سببه سوء سلوك البعض، فضاعت الحقوق وهدرت السمعة، فوجد المسالمون السلامة بالاعتزال لدرجة الانفراد وفيها يجد نفسه.

ما هو الحل؟

بكلمة: التوازن! والتفصيل كثير لأن التوازن يتطلب إعادة تنظيم حياة المجتمع وإعلاء القيم، وهو لا يأتي بضخ الكتب المقدسة وحكمة الأولين في ذاكرة الناس، وإنما استعادة الصرامة والثبات على القيم على قلة ما تعلم. فالمعرفة ليست مشكلة أبدا، وإنما تطويرها واستثمارها والصدق، وغيرها من القيم وأهمها أن تكون صادقا مع نفسك، وليس وصفك الناس بالسوء لأنهم لا يحققون رغباتي ولا يعطوني قيمة أفترضها لي، وهي ليست حقيقة أو تساير أهوائي.

التعلم الفردي وغياب المجالس العفوية ومعاني المدرسة والحوارات الصافية، والخلاف من أجل الوصول إلى الحقيقة وليس الاختلاف من أجل المصالح الضيقة، وسيادة الأشخاص الإمعة الفارغين وقيادة الطامعين الجاهلين، واستغلال المواهب بلا تشجيعها، وكذلك الطيب وعطائه بلا إنصافه، والغدر بالصديق وغياب المروءة.. كلها عوامل تحتاج إلى دراسة ومنظومة تدريب وتطوير وتنسيق مع الحكومة لإسقاط ما يتعلمونه على الواقع، وإلا كمن يخطب بالأخلاق وينزل عن منصته لترى سوء الخلق متجسدا به.

إن اكتفاءنا بما عندنا من علم، وما نقدمه من خدمة دون تطوير ذواتنا، هو مشاركة في سقوط وانحدار مجتمعنا. واليوم العالم كله يغلي بالظلم والظالمين، بل وحب الظلم بقدر كره من يحب الظلم أن يقع هذا الظلم عليه، ولو تتبعت تجد أن الظلم مصدره ظلم هؤلاء الناس لأنفسهم بضلال الطريق، وهذا هو المرض الذي أعطينا حلا واحدا له وهو إنشاء مراكز دراسات وتأهيل تنسجم معها أنظمة المجتمعات.

السبت، 6 ديسمبر 2025

216 - امتلاك الحقيقة وهم مرضي

 رابط عربي 21


الكل يناقش

كل إنسان يناقَش فكره، والكمال لله، ولولا الوحي وما ينطق عن الهوى لنوقش خير البشر، ورغم ذلك نوقش ولم يضجر ممن يناقشه، لكن هذه الحماية ليست لشخصه وإنما محددة لمسار ومعايير فكره من أجل هذا نزه الله قوله ورفع ذكره، وإلا فلا يحمل القول الثقيل من لان ستار بنيانه وأضحى قوله كقول البشر في أمر الوحي. لذا ميز الرسول نفسه بين قولين له في أمر الدين والدنيا. ومن ثم علينا أن نميز بين الحضارة المحمية كفكر وعقيدة، وبين النشاط المدني فهو للناس.

نحن في امتحان القلوب

فالله وضعنا على الأرض ليمتحن تفكيرنا، فنحن لسنا مالكي الأرض وإنما هو الإنسان فيها كقاعة امتحان تمر فيها وعلى رحلتها أجيال من الممتحنين، فمنهم من يعبر إلى أعلى المراتب ومنهم من يرسب ويعيد وربما يطرد من القاعة. فالله يمتحن البشر وليس ليسيّر أمورهم بالحتمية أو رسم مسارهم بالتفصيل ويلغي كينونتهم. في علم الله كل أمر معروف لكن الله وضع المقادير ووضع السنن، فمن وافق سنن الكون بحسن إدارته فاز ومن خالفها خسر. وتمكين الرعاع ليس لمطابقتهم سنن الكون وإنما لانحسار الصالحين عن مطابقتها، فالشر من أنزل آدم لكن لإحساسه بذنبه أعطاه الله كلمات.. نقص عزمه، أي تفكيره وفهمه لعلم عنده ولأهميته، لكن نقص الفهم عليه عقاب والانتباه هو الخط الصواب.. أما أن نرجو الصلاح عصبية أو بدعم لتافه كي نرفع شانه وكأنه بفساده يمثل أمة نكاية بغيره، فهذا ليس لذي حجر.

فهم الرسالات

لم نفهم رسالة الإسلام، وهي التفكير ومعالجة المعطيات لبناء الأمم. والصبر صمود على أداء القيمة والمهمة وليس تحمل الظلم والألم، وإنما المطاولة من أجل مقاومة الظلم والظالمين حتى يعودوا إلى الرشاد، فهي تدبير وعمل وليس استسلاما وكسلا. فالله لم يخلق الكون عبثا ولم يجعلنا في الأرض إلا لاختبار منظومتنا العقلية. ولا يكافأ مسلم جاهل بدينه ومعانيه، مختل التفكير والسلوك، ولا مسيحي لأنه يظن أن الخلاص حاصل له بقبول المسيح، ولا ليهودي يظن أنه من شعب مختار، هذا العبث في التفكير يفقد الحياة معناها ويخلق التشظي بين البشر وهو ما نراه اليوم من فساد كبير، بينما لو ترك كل إنسان أخاه الإنسان إلى رأيه وما يحمل من معتقد، مكتفيا بإبلاغه دون التترس ضده، واتجه إلى المشتركات التي تنفع الناس عند الاثنين، لما وُجد هؤلاء الرعاع ولا المرضى بالنرجسية ولا المخبولون في إدارة العالم ودفعه نحو الفساد حتما عندما تختل المعايير وتنتشر الكراهية نتيجة الاستقطاب، فتنكرها الفطرة الآدمية فتذهب إلى الحيرة، وعندما لا تجد جوابا أو ليس لها قدرة على الجواب تذهب إلى الإلحاد والكفر بكل شيء قبل أن تتصالح مع آدميتها، لكنها لا تجد الطريق في المتاهات التي ولدتها الاستقطاب والمتاريس التي سدت الطرق.

طريق الضباب:

لو جئنا إلى المتدينين وهم يضعون أنفسهم وكلاء الله في الأرض وهذا ما لم يُمنح لنبي أو رسول، أو هم يقدمون قدسية مصطنعة لإنسان عالم أو فقيه اجتهد وربما جافاه الاجتهاد عن أصول الفكر السديد، ويقيمون بحجته حجة على الله وكتابه، فهذا أمر عجيب.. فآدم ميّزه الله بالمنظومة العقلية والكرامة الإنسانية والسعة في الاختيار والإبداع، كذلك علمت الملائكة وأعلمها الله أنها لم تعلم ميزات هذا المخلوق، فما السر في هذا النفور؟

إنه طريق الضباب والتعنت والتمسك بما عرفت وأنه الحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، رغم أنه اجتهاد يقابله اجتهاد.. هو نوع من إيقاف المنظومة العقلية وتعطيلها، وبهذا لا تجد تفاهما منفتحا من الجميع على الجميع.

المشكلة عامة ولا تقتصر على دين أو متدين أو ملحد أو علماني، فالكل يتترس مكتفيا بما عنده، ولا يرى إلا أنه صواب ويحاكم الآخرين، ولو عاش -ولا أقول تعايش- هؤلاء الناس لكانت حياة سوية، أن من أمامك أخ لك وما يهمك منه أن يكون إيجابيا في المجتمع، وإن احتجتم لبعضكم تكونون حاضرين

طريق النور:

إن الله خلق الإنسان لاختبار منظومته العقلية، هو في الأرض لعمارتها، والعمارة لا تأتي بالفوضى وعدم الاستقرار، وانشغال الناس بمعتقدات بعضهم تجاوز على خالق الكون، فهو وحده من يحكم بين الناس فيما هم فيه الآن مختلفون، فلا بد أن ينظر إلى قابليات أي إنسان في تحقيق الهدف وهو التعارف والبناء، وأن الكرامة عند الله التقوى، وباب الوصول إلى التقوى هو صفاء الفؤاد من الأحاسيس السلبية ونقاء المنظومة العقلية من الأفكار السلبية.

217- نخبة المعرفة الجاهلة لجهلها

 رابط عربي 21 جدلية  المعرفة  والتعلم: في زمن مر وما زال أثره فاعلا عُرّف المثقف أنه يعلم شيئا من كل شيء، ثم عُرّف النابغ هو الحافظ لأقوال و...

يقظة فكرgoogle-site-verification: google25f7d3ebc2fdac29.html