https://m-salihalbdrany.blogspot.com/ فكــــــر اليقظـــــــة Mindfulness: سبتمبر 2025https://m-salihalbdrany.blogspot.com/

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 سبتمبر 2025

206-الظلم وصناعة النموذج العادل

 رابط عربي 21


"خيط رفيع بين العدل والظلم يتعلق بسلوك الفرد والمجتمع والدولة التي مهمتها الإنسان نفسه"- CC0
أمام الله:

إن أخطر نتائج الظلم على الظالم نفسه، خاصة عندما يظلم استقواء على من ليس له عزوة تردع الظالم، عندها سيكون الظالم أمام الله مباشرة وهو يحمل ظلما لتسديده ويتمنى له أنه لم يك شيئا، فالظالم يظلم نفسه بظلمه للآخرين لأنه يفقد الكثير بما لا يربح مقابله وقد يدخل الجنة بحسناته أناس ظلمهم كذلك يفعل الكيان وهو يمزق إنسانية الإنسان.

العلاقة مع الله تمثل حالة التوازن القيمي والتعاملات وتقود السلوك الهادف المبني على قيم، لأنها مصلحة الإنسان عندما يكون عمله ومعاملاته من خلال طلب رضا الله وليس نفاقا من أجل مصلحة آنية، فإن غابت المصلحة ساء السلوك أو على الأقل خرج من الاهتمام.

المجتمع:

التعامل مع القيم لا بد أن يكون عقلا تروض معه الغرائز، أما إثارة الغرائز بلا وجود واقع يتفاعل معها أو قيم فاعلة في المجتمع فهو محض تحفيز يولد البلادة واعتياد مخالفة القيم عن علم ومعرفة بها، فالقيم غير الفاعلة لا تتفاعل مع السلوك بشكل راسخ. وهنا لا يختلف الفاسد والناسك فالكل معرض للزلل، ولهذا نجد الوعاظ في المنابر يستثيرون غريزة التدين في ظنهم أنهم يُصلحون الناس، لكن الحقيقة أن الناس بعد خفوت الاستثارة يواجهون واقعا ليس ما استثار مشاعرهم فعلا، وربما الخطيب نفسه ينزل من المنبر شخصا آخر براغماتيّا.

القيم كأي زرع طيب يحتاج بيئة ورعاية، والأهواء كالأدغال لا تحتاج الكثير لتملأ المكان، إن القيم تحتاج أن تكون في القلوب المفكرة لا العواطف والانفعالات، أي تكون لها فلسفة ورؤية في أهمية السلوكيات المنبثقة عنها لبناء المجتمع وأمنه. التعامل إن ابتعد عن الله فالسلوكيات لن تكون إلا مرتبطة بما ينفع الفرد، لكن تضبطها القوانين بالعقاب.. لكن إدراك الأفراد أن الالتزام بالقيم هو سلامة للمجتمع وهم منه، وسيؤدي إلى انضباط يصبح في السلوك كالعادات والتقاليد، أما إن اتفق الحاكم والمحكوم على سوء التعامل مع الله والقيم فهو ظلم لأنفسهم قبل أي أحد، "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" (هود: 102).

لماذا الازدواج السلوكي:

ما ذكرنا هو أساس الازدواج السلوكي عند اختلاله، لكل منظومة قيم آليات حماية لسريانها، ولكل نظام آليات تطبيق. الاجتزاء يشوه ويضعف ويلاشي الفعل المؤثر لأي منظومة وليس للقيم فقط، فعندما تريد تطبيق النظام الرأسمالي، فلا بد من تغيير تفكير المجتمع وتهيئة أدوات النظام من منظمات ومنظومات وتطبقه كنظام متكامل، أما اجتزاء الآليات كالديمقراطية أو السلوكيات الليبرالية أو اجتزاء من اللب كالتعامل مع حالة في الاقتصاد أو البنوك أو أي جزئية، فهذا ظلم للمجتمع وإن كانت النية الإصلاح.

نفس الكلام صحيح على النظام الشيوعي الذي لم يصل للتطبيق لأنه عجز عن تجاوز مرحلة الاشتراكية والنتيجة، لقد أتعب المجتمع بلا آليات الرضا واستخدام العنف والاضطهاد لفرض سلطته، بل أغلب من اعتنق الفكرة في بلداننا وجدها وسطا ملائما لنمو بكتيريا وحشيته ووضاعته، ومنهم من ظن أنها الدرب الرشيد لكن لم تصل لقناعات حتى عند قادته في مرحلة التنفيذ وإسقاط الفكرة على الواقع، فنجد التحول الفجائي نهاية القرن مقابل الدخول الثوري في بداية القرن.

نفس الكلام يقال لمن يريد أن يطبق الشريعة الإسلامية مثلا وهو يأتي بأحكام غائبة لقرون ومنقطعة لألف وأربعمائة عام لم تتجدد ولم تفتح مثاني جديدة، فهذا ظلم للمجتمع ووسيلة لانحرافه ونشر النفاق وفشل النموذج المطلوب لفجر الإسلام، لكن بما يملك المجتمع من عاطفة وغريزة تدين فإن لم يطبق ما يناسب العصر فقد أثبتت التجربة حصول ارتداد ولدرجة الإلحاد والكفر، لأن النموذج الذي قُدم هو نموذج مشوه قاصر يطبقه أناس عقيمو التفكير والإبداع؛ تعمدا أو جهلا فهذه محاور أخرى للتقييم.

من الأولى صنع النموذج بما يعزز غريزة التدين لتكون مشبعة بفعل إيجابي، وتقوية الانتماء الشعوري إلى انتماء حقيقي ليكون مجتمعا صحيحا سليما ليس فيه من الأمراض ما تسيطر عليه وتفشل النموذج الذي سيكون قابلا للتوسع والتطوير.

الحالة نفسها يمكن إذا أن تكون ظلما إن وُضعت كقالب جاف تريد أن يتشكل وفقه المجتمع، وهي تكون عدلا عندما تبنى الحياة بأسلوب صحيح لا فرضا ولا جبرا، وإنما للإنسان أهليته يرشد إلى الطريق الصائب ولا يُجبر عليه لأنه قد يرفضه بداية لكنه سيعود له عند توازن منظومته العقلية، أما إن أجبر فسيكفر وإن لم يعلن كفره. وهنا نرى الخيط الرفيع بين العدل والظلم يتعلق بسلوك الفرد والمجتمع والدولة التي مهمتها الإنسان نفسه، وتوفير الأجواء لأهليته وبرامج التفكير والتطوير وتقديم القدوة والنموذج للمجتمع بفهم وعلم ورضا.

السبت، 20 سبتمبر 2025

205 - لماذا اليوم افضل من غــــــد ---- الجـــــــ 2ـــزء

 رابط عربي 21


اليوم أسوأ من أمس

ليس في هذا القول تشاؤم محض، ولا تفاؤل أعمى، وإنما هو قراءة دقيقة للواقع الاجتماعي والفكري والإنساني. نحن أمام زمن تتداخل فيه المعايير وتتساقط فيه القيم كما تتساقط أوراق الخريف، زمن يبدو فيه أن ما كان بالأمس، وإن بدا صعبا، يحمل من الخبرة والعبرة ما يجعلنا ندرك خطورة الوضع الحالي، بينما اليوم، برغم محاولاتنا للتجديد، يبرز فيه خلل الأدوات وفقدان الرؤية، أما الغد فهو الغموض بعينه، لأنه سيأتي بما زرعناه اليوم وما أهملناه أمس.

ما معنى أن اليوم أسوأ من أمس؟

ليس في الأمر مدح للماضي، وإنما إدراك أن في حاضرنا عوامل هدم تحكم، وإذا لم نواجهها ونعمل على إصلاحها، فلن يكون الغد أفضل أبدا. الأدوات التي يفترض أن تبني المجتمع تعطلت أو شُوهت بفعل ازدواجية المسؤولين، وسيطرة أصحاب المصالح الشخصية على ما يفترض أن يكون خدمة عامة، ففي مجتمع تتبدل فيه القيم الأخلاقية بسرعة وتغيب فيه النخبة المبدعة، يصبح أي حديث عن غد أفضل مجرد أمنية بلا أفق، أو دعوة للعزوف عن العمل البناء، لأن منطق الهدم يهيمن على أدوات البناء.

ليس في الأمر مدح للماضي، وإنما إدراك أن في حاضرنا عوامل هدم تحكم، وإذا لم نواجهها ونعمل على إصلاحها، فلن يكون الغد أفضل أبدا. الأدوات التي يفترض أن تبني المجتمع تعطلت أو شُوهت بفعل ازدواجية المسؤولين، وسيطرة أصحاب المصالح الشخصية على ما يفترض أن يكون خدمة عامة


الأدوات والقيم

من دون معايير واضحة، ومؤسسات قوية، وأطر اجتماعية تحترم الكفاءة والنزاهة، لا يمكن لأي جهد فردي أن يصنع فرقا، فالمجتمعات التي تُترك لأهواء المسؤولين المزدوجين تشهد تراجعا مستمرا، لأن كل عمل بنّاء يُقابَل بمحاولات هدم، وكل قيمة أخلاقية تُستبدَل بقوانين مرنة لمصلحة شخصية. الغد لن يكون أفضل إلا إذا أعدنا النظر في أدواتنا ومعاييرنا، وإذا كانت الأدوات معطلة والقيم مهدرة، يصبح الغد استمرارا لسلسلة الهبوط والانحدار.

الازدواجية: مفتاح الانحدار

حين يتحدث المسؤول عن المصلحة العامة ويخالفها عمليا، حين يستشهد بالدين ويخالفه في أفعاله، حين يلتزم بالمصلحة الوطنية بينما يسعى خلف مصالحه الشخصية، فإننا أمام ازدواجية خطيرة، هذه الازدواجية لا تهدم البلد مباشرة، لكنها تضعف من قدرته على النمو والتطور، لأنها تخلق فراغا قياديا، وفراغا أخلاقيا، وفراغا اجتماعيا؛ وكل فراغ يملؤه من لا هم له إلا مصالحه الشخصية يجعل البناء شبه مستحيل، فالقادة الذين يلتزمون بقيمهم ويعملون بإخلاص، هم الذين يمكن أن يجعلوا من الغد أفضل من اليوم، وليس العكس.

القيم الاجتماعية والأخلاقية

لا يمكن النظر إلى أي مجتمع بمعزل عن قيمه الأخلاقية والاجتماعية، وعندما تتراجع هذه القيم، تتحول المؤسسات إلى أدوات هدم، ويتحول العمل الجماعي إلى لعبة مصالح شخصية. ومن هنا نفهم لماذا يشعر الناس بالاستياء من الحاضر، فالذاكرة الجمعية تمثل خط الدفاع الأول أمام فوضى اليوم، لكن استعادة الماضي مجرد وهْم وطلب النجاة بما لا ينجي، ففي ذاك الماضي كانت أدوات الهدم وتغير حاملوها من جيل آخر، ولا بناء حقيقيا، لأن الزمن يتغير، ولا بد من معايير جديدة تتطلب أدوات جديدة، ومبدعين قادرين على تحويل الرؤية إلى واقع.

ومحاولة كل مسيطر على الحكم أن يجرب أفكاره المستوردة بسطحية مؤدلَج؛ وليس بعمق عالم فقد التوازن لصالح التخلي عن القيم لأمور تافهة وغاب النظام الاجتماعي الذي يعبر عن إدارة العلاقات بين الأفراد، فمن التلاحم والتكاتف وثوابت القيم إلى أن أصبحت العائلة بل الأسرة الواحدة مفككة وإن بدت مترابطة. ومن الطبيعي أن يكون الأمس أفضل من اليوم واليوم أفضل من الغد فلا رؤية للبناء ولا معايير لاختار القادة، والنتيجة أن يعظّم كل ما كسب، وهذا يعني تراكم الهدم وتعرية القيم، بل أصبحت قيم كانت تعيب عشيرة إن فعلها الفرد؛ نوعا من الشطارة، أما الإخلاص فنوع من المثالية والغباء في إدارة الحياة، والذي يقضم أكثر هو الأشطر، بينما هذا الأشطر لا يجد من ترضى به زوجا قبل انحراف العقلية والنفسية، وهذا الخراب بعينه. لذا فسرّ المقولة اليوم أفضل من غد هو تراكم الهدم بسبب غياب الرؤية والبيئة الحافظة للقيم والرافعة لرؤية البناء المجتمعي بخلق التوازن الذي هو عنوان الرفاهية بالرضا، حيث تجد كل مستوى معاشي له برامجه وحياته في معاني الرفاهية والحياة.

إن السعي وراء الرفاهية في مجتمع كهذا سراب يحسبه الظمآن ماء، فالكل يركض للغنى والغنى في البناء، بينما الركض هذا في بيئة الفساد حيث الهدم ولا بناء، فبغياب الرؤية تسود الرعاع والأهواء

الأمل والعمل

إذا أردنا أن يكون الغد أفضل، لا يكفي الانتظار ولا الأمنيات، بل لا بد من مواجهة الواقع بكل صراحة. علينا استعادة أدوات البناء، وتمكين المبدعين والنخب، وإعادة تأسيس القيم، ومحاسبة كل من يخالفها. العمل الفردي والمبادرات المجتمعية الصادقة يمكن أن تصنع فرقا، ولكنها تحتاج إلى دعم مؤسساتي وقيادة تتسم بالنزاهة، وإلى مجتمع واعٍ يدرك خطورة الازدواجية.

اليوم أسوأ من أمس من حيث عوامل الهدم، وأفضل من غد من حيث الإمكانات والفرص المتاحة لإصلاحها؛ الغد لن يكون أفضل إذا لم نعمل على مواجهة الهدم وإصلاح الأدوات والقيم، ما نفعله اليوم يحدد مصير الغد، والقيم والأدوات والنخبة والقيادة، هي مفاتيح المستقبل


ليس بالضرورة أن أقف حكَما أو أنتقد، ولكن من الضروري أن أصوب وأدعم من به أمل أو بصيصه وأبقيه معي كيلا يكون ذلك الينبوع الغائب في نهر عكر. تشجيع النقاط المضيئة وتصويبها ليس بالضرورة لتتقدم إلى عمل قد يهدمها من ضمن عملية الهدم، وإنما تصويبها لديمومة البنائين لزمن البناء، وليس من نقطة مضيئة تفكر في مصلحتها الخاصة فقط فهذه؛ ستأخذ معرفتك وتجعلها إطارا لما تريد أن تضع فيه من كلام أو صورة، وهذا إخفاق في مهمة المصلحين الذين غالبا انتفت إمكانية تأثيرهم من تمكن الفساد.

خلاصة

اليوم أسوأ من أمس من حيث عوامل الهدم، وأفضل من غد من حيث الإمكانات والفرص المتاحة لإصلاحها؛ الغد لن يكون أفضل إذا لم نعمل على مواجهة الهدم وإصلاح الأدوات والقيم، ما نفعله اليوم يحدد مصير الغد، والقيم والأدوات والنخبة والقيادة، هي مفاتيح المستقبل، من يدرك هذه الحقيقة ويعمل وفقها، يمكن أن يكتب تاريخا أفضل، ومن يغفلها سيظل يعيش في فوضى الحاضر بينما الغد سيزداد سوءا.

فماذا نفهم؟ أن اليوم ليس أفضل من غد، وإنما عوامل الهدم ما زالت تنتج الهدم ليكون اليوم أفضل وأننا نتكيف لمزيد من التقبل للتخلف والسوء متبرئين من الواقع بالانتقاد ولا عمل من أجل الإصلاح، ونداري عجزنا بإبراز فشل الآخرين. من صنع اليوم هو عجزنا في الماضي وتبرير العجز بالصبر، وكنا وما زلنا كأي شعوب الوهم تنتظر المنقذ، بينما المنقذ هو أنت أو على الأقل حاول أن تحمل عقلية ونفسية المنقذ قبل ألا تستطيع حمل شيئا

الجمعة، 12 سبتمبر 2025

204 - لماذا اليوم أفضل من الغد؟.. الخوف من التغيير (1)

 




الانطباع والحقيقة:

هنالك كثير من المفاهيم تحولت إلى ما يشبه المصطلحات بعد التشوه في فهمها، لهذا فإني ممن يعدون الفهم الصحيح أساس ومنطق عقل الأمور، وهو الضمير الذي به تحكم على المحيط أو بيئة منظومتك -والإنسان منظومة- وما فيها.

وحصل هذا الخلل في الانطباع حتى على عهد الرسول عندما يحكم الناس بفهمهم ويظنون أنه الصواب والحقيقة، ويبدأون بالتقييم والحكم على الآخرين من خلال فهمهم وهواهم، فقيّموا فلانا أنه يعطي رياء، وفلانا يعطي أمرا لا يستحق أن يسمى عطاء وإنما هو ليظهر أنه يحتاج الصدقة، فنزلت الآية: "الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (التوبة: 79).. حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم من هؤلاء الناس: "وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ" (التوبة: 58)، واليوم نجد الكثير ممن ينسون أنفسهم ولا يصلحوها ويتجهون إلى الدخول في دواخل الناس وتأويل سلوكهم من خلال قناعاتهم وربما الإضرار بهم، وإن سألتهم سيقولون: نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، والحقيقة أنهم لا يتوقع شرا ممن ينتقدونهم فأطلقوا لأنفسهم العنان، ولم يشكوا لحظة أنهم قد يكونون على خطأ وأن من ينتقدهم على الصواب.

الانطباع عن العرف أنه السائد في المجتمع خطأ، وأنكر الإسلام هذا: "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُون، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (الأنعام: 116-117). انظر إلى الحسم الذي لا يراه الرافضون للآخر، المتعصبون لفهمهم ولا يناقشونه، وهم يسفّهون المختلف. إن الله أعلم بالضال وأعلم بالمهتدي، لذا فالتوجه نحو التصويب والصيانة والتحديث لمعلوماتك وليس اعتبار الرأي البشري وكأنه قرآن.

الانتباه للناس وسلوكهم ليس لنكون قضاة عليهم بل لاستطلاع إن كان ممكنا إعانتهم ليعودوا إلى الصواب، فلربما الفعل ليس فعلا وإنما رد لفعل وأثر، والدولة نفسها ينبغي عليها معالجة الإخفاقات الحياتية، وعندها من يخالف القانون في مجتمع مستقر متكافل يعاقب، أما قبل ذاك فالإصلاح؛ ما لم يُحدث سلوكه ضررا أو يشيع فاحشة. فالحدود عندما توضع في قوانين وعلى إشاعة الفاحشة وضررها للمجتمع، هي ولا شك تنظر إلى المستجدات، وهو ما فعله الراشدون في تطبيق الأحكام عندما أوقفوا وعطلوا بعض الأحكام لمصلحة واقع الأمة، واليوم القانون علم متطور يمكن أن يدخل في تفاصيل وحيثيات كثيرة.

التغيير المرعب:

نحن الآن في عصر التفاهة، وخطاب التغيير لا بد أن يخاطب هذه العقلية والنفسية المنكسرة المستسلمة أو المتمردة العشوائية بفهم الفعل ورد الفعل والعجز المتمثل بغودوا المنقذ الذي لن يأتي يوما لينقذ القرية. الحكومات التي رافقت الاحتلال (القرون الماضية)، كانت أدوات تنفيذية ترعى المزرعة، فالتطور والإدارة والعوامل المتعلقة بتحسين النوع والإنتاج كان في الحسبان لكي لا تكون عالة إدارية أو عسكرية على المحتل؛ المهم الولاء والصيغ من الحكم ما يوافق ثقافة البلاد وتبجيلها للحاكم، خصوصا في المناطق المتنوعة إثنيا، أو غيره ذلك.

فحكومة كحكومة العراق الملكية كانت واعدة قابلة للتطور ضمن منهج بريطانيا في إدارة المستعمرات وتوظيف الأهالي ببرنامج خدمي ما زال مستمرا أي لا تلامس الهوية مباشرة وإنما تثبطها، إلا أن سياسة المحتل الفرنسي خلقت عداء لأنه يلامس الهوية والثقافة ويلغي أهل البلاد علنا. أما بريطانيا فكان لها أسلوبها في الاعتماد على الشعوب وإخراج حكومات تجمع الكل تحت خيمتها، غير أن نجم الإمبراطورية أفل وأضحت إدارتها مكلفة، فكان التفكيك ضروريا لإبقاء التخلف وإلا فتمدن متطور غير مسيطر عليه قد يُحدث ما يفوق التصور.

ورأينا نموذج التغيير المرعب الذي لا يملك من قام به أي رؤية أو حتى ثقافة عامة كافية، فبقيت الدولة كمؤسسات تسيّر المجتمع ولم يك هنالك إرادة أو محاولة لتغيير نمط إدارتها، غير الأفكار التي باتت تتكاثر وتتنوع وتتصارع من أجل التمكن من السلطة لتحقق أيديولوجياتها، والتي غالبا كانت تقليدية وحسب فهم دعاتها لها لكن بلا رؤية واضحة، فكان هذا الصراع في المعتقدات التي قسمت المجتمع بين أفكار قومية متعددة ومتصارعة حتى في القومية الواحدة بل في البيت الواحد وهكذا الليبرالية والاشتراكية بأفهامها، ثم الإسلامية ومشاربها، وكلها تتحرك من باب امتلاك الحقيقة وليس من خلال رؤية واضحة للمجتمع والدولة. فلا توجد قدرة للجلوس للتفاهم وإنما قادة وتعظيم القادة والرموز، فلم يعد عيبا أن تمجد الرموز فتجعل منهم طغاة كالنار وأول من تحرق القريب منها، فتكررت التغييرات وتكرر سفك الدماء والانتقام والإعدام والسجون، فكانت المؤسسات الحكومية وقد دخل أفرادها في هذا الإعصار عناصر هدم لا تنظر إلى الكفاءة والخبرة أو تنميتها وإنما إلى الولاء، وهنا تتنوع الولاءات وأنواعها واستغلال هذا الفتق في المؤسسات الذي نراه اليوم بوضوح فلا ترى إعمارا بل هدما ودمارا.

خلاصة القول إن هنالك آلات هدم وبرامج هدم وثقافة هدم مرافقة للتغيير، فكان كل تغيير يمثل رعبا ثم استرخاء لبعض الوقت ثم قهرا جديدا، ودوما هنالك تدن في النوعية. من هنا أتى سيناريو حقيقي بأن اليوم أفضل من غد! والناس تعودوا أن يغازلوا الوهم بالعجز وأن ينتظروا الفرج وأن ينتظروا الأمل، وتحور معنى الصبر ومعنى العمل وأصبح الناس يقتلون الأمل لأن الأمل حركة تغيير والناس يريدون السكون والانتظار، فهم من يعينون الظالم على من يثور عليه لأجلهم، يسفهّونه ويقتلونه ولا يفهمونه لأنهم لا يريدون أن يفهموه، ويحسسهم الطغاة بالسكون لأن عجزهم يصبح حكمة، فالكل يخاف والكل ساكن والكل مستباح.

210 - الانبهار والمنظومة العقلية

رابط عربي 21  معنى  الانبهار في اللغة العربية يعني حالة من الإعجاب الشديد أو الدهشة والذهول أمام شيء مدهش أو مبهر، سواء كان ذلك بسبب جماله، ...

يقظة فكرgoogle-site-verification: google25f7d3ebc2fdac29.html