https://m-salihalbdrany.blogspot.com/ فكــــــر اليقظـــــــة Mindfulness: أغسطس 2025https://m-salihalbdrany.blogspot.com/

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 30 أغسطس 2025

203 - المسائل الكبــــــرى ومنظومــــة الحيــــــاة


عربي 21 هنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا


رحابة الغيب تسليم أم دعوة للبحث والتعليم

الحياة عند فهمها والإيمان بقيمة تصبح سهلة من خلال برمجة المعطيات مع المطلوب وهما متغيران، ففي عمق وجوده، يواجه الإنسان أسئلة كبرى تتجاوز إدراكه المباشر: من أين؟ ولماذا؟ وإلى أين؟ تلك هي "المسائل الكبرى" التي تتصل بالمصير والمعنى والحقيقة، وتطل برأسها كلما حاول الإنسان أن يُخضع الحياة لمقاييسه المحدودة، أو أن يتجاوز حدّه في معرفة ما لا سبيل إليه.

ومع تطور الأدوات المعرفية دقة وتقدّما، تصبح معرفة الإنسان في اتساع وعلم الله أوسع دوما يستدعيك لمزيد من البحث: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (الإسراء: 85) ليست لإحباط الإنسان وإنما دعوة له لعدم الاكتفاء بما يعلم وانه بلغ المراتب التي لا يحتاج عندها المزيد.

المنظومة العقلية لها قدرات واسعة جعل الله لها سعة وإدراكا عظيما، فمن أراد أن يستزيد استزاد لكن معايير التصويب من الشطط قد لا تلامس الكل من حيث التقوى واليقين، لكن بصيرة الإنسان تعمل بشكل ما في المعرفة واستزادتها ربما ليس بعمق فهمها وإدراكها، فالأسئلة تولدها العملية العقلية والمعرفة والعلوم، لكن الأجوبة تبقى ظنية ما لم يؤكدها التوافق وقواعد التقوى، لهذا نرى نظريات عظيمة ومنها ما فيها مجاهيل، لكن تبقى التساؤلات تحيط بها حتى يأتيك الدليل.. الشمس تجري لمستقر، وانا لموسعون، وكل في فلك يسبحون.

الإنسان ليس بكم المعرفة وإنما بعمق الفهم، لهذا إن كان معدن الإنسان نبيلا ستجد فكرا متجددا قد يصل مع الزمن إلى تغيير شامل ومعاكس لما بدأ عنده بحثه، قد يراه البعض أنه خان أفكاره القديمة، لكنه في الحقيقة وضعها وفق درجة تفكيره في اتجاه الحقيقة أو التيه، لأن التغيير يكون أحيانا كثيرة سلبيا


بين الإدراك والتوصّل أو الانزلاق

الإنسان ليس بكم المعرفة وإنما بعمق الفهم، لهذا إن كان معدن الإنسان نبيلا ستجد فكرا متجددا قد يصل مع الزمن إلى تغيير شامل ومعاكس لما بدأ عنده بحثه، قد يراه البعض أنه خان أفكاره القديمة، لكنه في الحقيقة وضعها وفق درجة تفكيره في اتجاه الحقيقة أو التيه، لأن التغيير يكون أحيانا كثيرة سلبيا إن ارتكز على ظاهر القول أو قبل استرسال التفكير باتجاه منزلق، وليس بناء متصاعدا يسمو ليرى كامل المشهد بما يتجاوز محيطه.

هنالك دوما فرق بين حقائق يدركها الإنسان مباشرة وبين محسوسات وتجارب وتحليلات ذاتية. المعرفة مهما بلغت درجتها فإن إدارة هذه المعرفة تحدد قيمتها، كذلك حولت إبليس شيطانا بارتفاع الأنا وغياب الرشد، "أنا خيرٌ منه"، وكانت لحظة التحوّل:"قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" (الأعراف: 12). وهذا المنزلق -الذي حوّل كائنا عارفا بالله إلى شيطان رجيم- يمكن أن يُصيب الآدمي أيضا، حين يتورّم شعور التميز داخله، أو يعتقد أنه أرقى من الآخرين، فيختار مسار الإقصاء والتعالي بدل التواضع والعودة.

الإنسان، في أصله، مولود على الفطرة، بريء كما كان آدم في لحظة خلقه. والخطأ ليس سقوطا نهائيا، بل جزء من التجربة الوجودية التي تصنع الإدراك وتنحت الوعي، هي الخبرة مع الاستغفار والدمار مع الإصرار، كذلك أراد الله جل وعلا. فالمغفرة مفتوحة وواسعة ولها أدواتها سواء التعبدية أو السلوكية، ولن يخسر إلا من أبى ذلك أي استعلى فلا يعود يرى ما أمامه من هاويه وحفر.

الزمن نفسه يتحوّل إلى فرصة للغفران، كما في حديث النبي ﷺ: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".

الحياة ليست مجرد سلسلة من الحوادث أو القرارات الفردية، بل هي منظومة متكاملة من القيم، والرؤية، والاختيار الأخلاقي، والمسائل الكبرى -كالمعنى، والمصير، والعدل، والخير، والشر- ليست موضوعات نظرية فقط، بل بوصلات تحدد طبيعة الحياة ذاتها


المسافة المكانية في المنظومة العقلية التي تميز بين ظلم النفس والتوبة هي مسافة لا يفعّلها المرء الغافل ليستغفر، فيكون الانزلاق والحس كتجربة حس الضفدع في ماء يتحول من بارد إلى الغليان على النار، ثم التبرير الذي لا يخدع به إلا نفسه، فإن عاد إلى رشده وجد الله الغفّار أي كثير المغفرة. فذكر الله يصوّب التفكير (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)؛ لأن المنظومة العقلية عندما تستحضر ذكر الله سواء بمعنى المشافهة أو القرآن أو استحضار ذكره ضمن الكلام يكون الإنسان بعيدا عن الغفلة.

منظومة الحياة: اتساق داخلي مع الحقيقة

الحياة ليست مجرد سلسلة من الحوادث أو القرارات الفردية، بل هي منظومة متكاملة من القيم، والرؤية، والاختيار الأخلاقي، والمسائل الكبرى -كالمعنى، والمصير، والعدل، والخير، والشر- ليست موضوعات نظرية فقط، بل بوصلات تحدد طبيعة الحياة ذاتها. الانتباه لضعفنا المعرفي، وبحدودنا، لا يقود إلى العجز بل إلى الاتزان والتواضع والنضج، وبتقويته وإثرائه كهدف لوسيلة نحو غاية عظمى ستجعلنا أكثر حرصا على القيم، وأكثر إدراكا لعمق الخير والشر فينا، وأكثر رغبة في إصلاح الذات بدل تزكيتها.

خاتمة

المعرفة ليست تملكا، بل دَين ورزق، وما لا تعرفه مهم لتثري ما تعرفه وربما لتفعيل الجانب الخامل منه. الإنسان نفس أتى بأمر الله (الروح)، وهو عرضة للشطط ربما بدوافع رغباته وليس بنزغ إبليس ولكن بدافع الأنا، دوافع الغريزة كحب التملك والنوع والسيادة. إطاعة هذه الغريزة أو إطاعة الهوى وإغفال عرضهما على ما يرضي الله أو تجنيد المنظومة العقلية للتخطيط والتنفيذ لإشباع؛ هو فشل في الاختبار للمنظومة البشرية ككل، ومنظومة العقل هي من يمتحن في الحياة، فما أكثر البشر الذين استخدموا المنظومة العقلية في الشر لأنهم نسوا الله فنسوا أنفسهم في أمواج بحر الحياة. فهل سنكون آدميين كما أراد لنا الله من تكريم؟ أم نكون مصنعا ننتج منظومة إبليس بالشطط؟

الجمعة، 22 أغسطس 2025

201- الانتمـــــــــــاء للحقيقـــــــــــــة

رابط عربي 21


 ماهية الحقيقة


عرف أرسطو طاليس الحقيقة بأنها "قول ما هو كائن أنه كائن، وما هو غير كائن أنه غير كائن". هذا يعني أن الحقيقة تكمن في التوافق بين الحكم الذهني والواقع الموضوعي، وعرف هيكل الحقيقة كعملية ديناميكية تتكشف عبر التاريخ أو التطور الفكري.

وعند مقارنة التعريفين نجد اختلافا في معنى الحقيقة ما بين اعتبار الواقع هو الحقيقة وهذا قد لا يكون فعلا عندما تسيطر عوامل السلبية على المجتمع وتأتي بشيء لا يمثل حقيقة الصواب في السلوك بل يأتي بالظلم والاستبداد، ولو نظرنا إلى تعريف هيكل فهو يجعل الحقيقة نسبية فلا تكاد تثق بشيء أنك وصلت غايته، ولعل الفلاسفة الآخرين يعرفون الحقيقة بين هذين الاتجاهين بن المنظور والمنتظر.

امتلاك الحقيقة:

عندما نأتي إلى الحقيقة الراسخة نجد أيضا تعاريف متعددة قياسا لدرجة ثقافة ومعرفة الفرد فالمعرفة ديناميكية وقابلة للتطور.

الفلاسفة مثل أفلاطون وكانط ناقشوا هذا التمييز، حيث رأى أفلاطون أن المعرفة الحقيقية تستند إلى العقل والحقائق المطلقة، بينما اعتبر كانط أن المعرفة محدودة بإدراكنا البشري، ونجد هنا أمرا مهما، فأفلاطون يعبر عن إرهاصات امتلاك الحقيقة بامتلاك المعرفة.

أما كانط فهو يعبر عن الفهم للمعلومة وهو في الحقيقة ما يقوله الفكر الإسلامي من أن نقطة الفهم والإدراك تبدأ معرفة الحقيقة وليس بأن الأصل حقيقة، فالإسلام هو حقيقة راسخة ولاشك، لأنه متأصل بكتاب ولكن اعتبار الإنسان المسلم فهمه هو الحقيقة هنا ينتقل إلى الجمود والتعصب، وهذا وحده سمة نفي معرفة الحقيقة ناهيك عن أصلها.. فأصل الرسالة مخاطبة المنظومة العقلية وليس استعبادها ودعوتها للتفكير وليس الانضباط بمعلومات إملائية تلقينية لا تسأل عنها كيف أتت، وتصور الإنسان وكأنه ماكنة بيد خالقه مستعبد بذلة، بينما الإسلام ينفي الإذلال عن الذين يفكرون ويقررون وإنما هو يدعو للتفكير كي تصل إلى فهم يقودك إلى الانتماء للحقيقة وليس امتلاكها.. فأنت في وطن الفكر الذي تحمله وهو فيك بما تفهم منه، فمجرد إحساسك بامتلاك الحقيقة والرأي الأمثل هو مؤشر لبداية تضليلك لفكرك، لكن عبر عمّا تفهمه الآن انه فهم قابل للنظر، يرى نتشه أن ما نسميه "حقيقة" هو مجرد تفسير يعتمد على السياق الثقافي أو الشخصي.

الحقيقة هي انتماء إلى عالم البحث والتصويب والبناء وليس لرفع الأفكار أو الرؤى في التطبيقات بجمود وتعصب يصل إلى الاختلاف إن فرقت المسار خطوة واحدة، فهذا استعباد وتعطيل واحتقار للمنظومة التي كرم الله الإنسان لأجلها وجعله في اختبار عدل
هذا يتقاطع مع قول الشافعي في إقراره باحتمالية الصواب في آراء الآخرين عندما يقول إن الرأي الصائب بالدليل الأقوى وهو تحكيم لتفعيل المنظومة العقلية "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب".. وهذا رقي فكري يدل أنه سيقبل اعتناق الرأي الأفضل بالدليل والأصوب في تقدير المنظومة العقلية البشرية، هو نوع من الإثراء في التعامل المجتمعي على التفاعل مع الجديد والفهم المنضّج لقيادة مجتمع سليم، وليس أن افهم أمرا اعتبره كل الحقيقة واجبر الناس على اتباعه هذا اسميه (دين الغريزة والنزوات) لأنه لا يفهم أساس خلق الإنسان ووجوده كسلالة على الأرض بل يمنع الناس من التفكير في الطريق للوصول إلى حيث الأمان.

الحقيقة انسجامك مع إيمانك ومنهجك:

الفرنسي فولتير يقول (قد أختلف معك في الرأي ولكنى مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك) فالانسجام هنا مع حرية التعبير وليس بما تعبر ومضمون الفكر الذي تطرحه، لكن لهذا الراي الفلسفي قواعده، فليس التعبير عن الراي غاية بحد ذاته وإنما طرح الفكر الذي يفيد المجتمع أو يعبر عن تصويب للقيمة الإنسانية، فانت عندما تصوب طرحا ونصرة لقيمة فكرية فليس في هذا استبداد وإنما تموضع لأسس الحوار حول الموضوع وليس فرض الطرح الذي يصطلح عليه بالراي، والراي في الحقيقة ليس ما تقوله مرتجلا بل هو فعل عقلي ونشاط فكري فالراي أن تقدم فهما مدروسا وفق درجة المعرفة لديك، لان الراي هو نتاج منظومة العقل وهو محترم بتكريم الله للمنظومة العقلية، أما الارتجال فبواعثه المشاعر والعواطف فهو رد فعل يعالج بالتصويب والتريث والتهدئة، وما طرح فولتير من فكر يوافق احترام أهلية الإنسان وان حسابه على فكره وخياراته لله وحده كما هي نظرة الإسلام.

الحقيقة انتماء:

فالحقيقة هي انتماء إلى عالم البحث والتصويب والبناء وليس لرفع الأفكار أو الرؤى في التطبيقات بجمود وتعصب يصل إلى الاختلاف إن فرقت المسار خطوة واحدة، فهذا استعباد وتعطيل واحتقار للمنظومة التي كرم الله الإنسان لأجلها وجعله في اختبار عدل فإن أمره (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ......) وهي قيم بناءة يستحسنها لكنه تعالى لا يحجر على خيارك إن كان غير ذلك فأنت الممتحن وهذا أمر اختياري لك لتقود سلوكك فأنت المسؤول بالقرار والمتضرر من قرارك، ولذلك قال (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.. [النحل: 90]) فهو يسد نقص الإنسان من جراء الغفلة والنسيان، صيغة عدل ألزم الله به نفسه، بيد أن الأمر يصل التحذير عندما يكون الأمر هو حقوق الآخرين فيستخدم كلمة (يأمركم) لأن الحالة بها ضرر لآخرين وللمجتمع والعدالة فيه فهو يوجب العقاب وفق القوانين أو الشريعة المستنبطة لواقع مستقرأ في شدتها وتخفيفها، [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58{، فهذه الأمور قد لا تكون في مجتمع فاسد يعلوه الاستبداد ويحيّد مخافة الله وإن زعمها زعما، عنده فالله (كان سميعا بصيرا) أي هو دائما يسمع ويرى.

الاثنين، 18 أغسطس 2025

200 - الشيوعية ما بين المحاولة والنهاية الراكدة

 



الشيوعية والاشتراكية

في تاريخ الفكر السياسي الحديث، لم تحظَ فكرة بقدر من الحماسة والأمل مثلما حظيت به الاشتراكية، ولا شهدت مسارًا دراميًا متناقضًا مثل الشيوعية. كلاهما نبت من تربة واحدة: السخط على الظلم الاجتماعي، والرغبة في المساواة الاقتصادية، ونقد الرأسمالية بوصفها نظامًا يُعلي من شأن الملكية الفردية ولو على حساب الإنسان غير أن الفرق بين المسارين، وخصوصًا في نهاياتهما، يكشف عمق الفجوة بين الفكرة والواقع، بين الحلم والطبيعة البشرية.

الاشتراكية ليست اختراعًا ماركسيًا صرفًا، لكن نقص الفكرة في فهم الإنسان والكون انحدر بها إلى وحشية دموية بسلوكيتها أفظع مما أتت هي عليه كرد فعل على وحشية الاستغلال الرأسمالية المبكرة في زمن الثورة الصناعية نادى المفكرون الاشتراكيون بتقليص الفوارق الطبقية، وتوفير الحقوق الأساسية كالتعليم والعمل والسكن والصحة لكل فرد، وهي مورست من الأديان، لكنها أضحت وهما عندما تخطت باحتقار طبيعة البشر وبعض غرائزه كحب السيادة والتملك وعملية بفرضها انتهكت كرامة الإنسان.

ومع أن ماركس قد منح الاشتراكية بعدًا علميًا وتاريخيًا، فإنه لم يرَ فيها سوى مرحلة انتقالية نحو الشكل الأعلى للمجتمع: الشيوعية الاشتراكية عنده هي الطور الذي لا تزال فيه الدولة قائمة، والملكية جماعية لكنها بإشراف بيروقراطي، في حين أن الشيوعية هي الحلم النهائي: لا طبقات، لا مال، لا دولة، بل مجتمع "حر يعمل فيه كلٌ حسب طاقته ويأخذ حسب حاجته".

 مع ثورة 1917 في روسيا، انتقل ماركس من النظرية إلى المختبر ولأول مرة، وُضِعت الشيوعية على طاولة التجريب السياسي، لكن لينين، ومعه لاحقًا ستالين الذي كان دمويا يميل للعنف، لم يطبّقوا الشيوعية كما تخيّلها ماركس، بل صاغوا نظامًا سلطويًا باسمها؛ الدولة أصبحت مركز كل شيء، الحزب هو الدولة، والبيروقراطية تضخّمت، ومع أن الاتحاد السوفيتي حقق نجاحات صناعية وعسكرية مذهلة، خصوصًا في العقود الأولى، إلا أنه فشل في الإنسان.

فشل الانتقال

التحول من الاشتراكية إلى الشيوعية لم يتحقق فعليًا. ظلّت "المرحلة الانتقالية" إلى فشل التجربة ونهاية الفكرة على الأرض، فقد ازدادت الدولة جبروتا بدل أن تذوب في الواقع، ما حدث هو تضخّم جهاز الدولة حتى أصبح غاية في ذاته، وصار قمع الحريات يُبرّر باسم المساواة الطبقية، وغدا المواطن مجرد ترس في آلة بيروقراطية لا تطيق النقد، نوع بدى كرأسمالية الدولة ثم انتفاخ في الوكلاء.

على الضفة الغربية من العالم، ومع انهيار مشاريع الشيوعية الكاملة، ظهرت الاشتراكية الديمقراطية كنموذج أكثر تواضعًا، وأكثر انسجامًا مع طبيعة الإنسان. بلدان مثل السويد، النرويج، ألمانيا، وكندا، اعتمدت هذا النموذج، حيث يظل السوق حرًا ولكن محكومًا بإطار قانوني يحمي الفئات الضعيفة، وتظل الملكية الفردية قائمة، تجري إعادة توزيع الثروات عبر الضرائب والخدمات الاجتماعية؛  هذا النموذج لم يعد يطمح لإلغاء الطبقات، ولا إلى "ذوبان الدولة"، بل إلى تحقيق نوع من المساواة دون المساس بالحرية، وبالرغم من أن بعض الدول الاشتراكية الديمقراطية واجهت أزمات اقتصادية، فإن قدرتها على التكيّف والإصلاح دون سقوط النظام كله جعلتها أكثر نجاحًا من التجربة السوفيتية أو الصينية {في مرحلتها الماوية} الاشتراكية الديمقراطية تركز على دور الدولة في توفير الرعاية الاجتماعية ودعم الطبقات الأقل حظًا، مثل الفقراء والمعدومين، من خلال سياسات مثل الضرائب التصاعدية، الرعاية الصحية المجانية أو مدعومة، التعليم المجاني، والضمان الاجتماعي، الهدف هو تقليل التفاوتات الاقتصادية مع الحفاظ على نظام ديمقراطي ورأسمالي معدل، دون القضاء على الملكية الخاصة أو السوق الحرة هذا يختلف كليًا عن الشيوعية، هو نوع من العدالة وتسميتها لا ترمز إلى أيديولوجيا كمصطلح يعني الثورية.

إن سقوط الاتحاد السوفيتي في 1991 لم يكن فقط سياسيًا أو اقتصاديًا، بل فكريًا وأخلاقيًا النظام الذي بشّر بمجتمع المساواة انتهى إلى بيروقراطية ميتة، تفتقر للروح والمساءلة الانكسار بدا مفاجئًا، لكنه في الحقيقة كان تراكمًا لعقود من التكلس، وفقدان الإيمان، وانعدام المبادرة الفردية فالنظام الذي لا يسمح بالنقد ينهار بصمت، حتى الصين رغم إعلانها الشيوعية، اعتمدت على الرأسمالية كسلاح للنجاة والنتيجة أن ما تبقّى من الشيوعية اليوم ليس سوى خطاب أيديولوجي بلا تطبيق حقيقي، بينما تحوّل الإنسان من “كائن ثوري" إلى “مستهلك خائف" فشل الشيوعية أنها أرادت حرق الطبيعة والتاريخ البشري؛ ملايين من البشر اعدموا على يد ستالين، والانتساب لهم في واقعنا يفهم بالانفلات من القيم.

الاشتراكية الديمقراطية يحصل الاستبداد فيها هو كجنوح سلطوي رغم تشبهها بالديمقراطية وآلياتها وهذا أحد أسباب كثرة الانقلابات في المناطق المتخلفة التي‏ تديرها ‏الطغاة وليس القانون.

الإنسان ليس ملاكا ولا شيطانا، والمجتمع أفراد ومحو الفرد يعني محو المجتمع الإنسان تركيب معقّد، ومتقلّب، ويحتاج إلى نظام يعترف بكرامة الإنسان ومحمي بقدسية تتناسب وغرائز البشر كما يحميه من وحشية السوق في النهاية، الشيوعية كانت وعدًا جميلاً بحياة أجمل كأدبيات أي حزب لكن التطبيقات كانت قهرا ودماء يفوق انتهاك الرأسمالية لكرامة الإنسان، الشيوعية لم تتمكن في العراق لكنها أحدثت تاريخا دمويا أوضحه في كركوك والموصل بعد محاولة الشوّاف حيث المشانق والجثث في الشوارع بعد سحلها.

 لم تك الشيوعية قابلةً للتنفيذ في واقع الإنسان في مرحلتها التمهيدية أما الاشتراكية الديمقراطية، فهي إن نظر لها في أوربا بطريق توافقية، إلا أنها كانت أداة الاستبداد والطغاة في العالم المتخلف؛ لا ينبغي أن ننسى أن من انطلق من حاجة وضعف التمكين علينا حمايته من التمكين عند تمكنه، وإمكانية سد الحاجة لان الغرائز كحب التملك والسيادة تجعل من اعلى القيم أضغاث أحلام ما لم تك هنالك قوة ضاغطة لا تغفل ولا تنام، والا نحن في منطقتنا رأينا النظم المتضادة وطبقت علينا قوالبها.

الغاية من هذا المقال كاي منهج بحثي التأكيد أن التطبيق هو المهم وليس الأدبيات الجميلة والعدل فالتطبيق هو من يعطي الشرعية بالحفاظ على كينونة الإنسان، والإنسان حر ومحاسب أمام الله فقط عما يعتقد ويفعل ومدى نجاح منظومته العقلية، من اجل هذا علينا إعمال الفكر وليس اتخاذ القوالب.                                  

 

الجمعة، 15 أغسطس 2025

199 - سطحية مغلفة باليقين: أزمة القيادة (3-3)

 عربي 21

ازمـــــــــــــــــــــــة القيادة


في كل مرحلة مفصلية من التاريخ، ثمة قائد يقف على منصة عالية، يلقي خطابا حادا وواثقا، يحرك الجماهير، ويعدهم بالرفاهية والخلاص؛ وفي كل مرة تقريبا، تكشفت الأحداث لاحقا عن حقيقة مرة: ما بدا يقينا كان جهلا، وما بدا عمقا كان قشرة رقيقة فوق سطح شديد الهشاشة.

هكذا وصلت الأمة من الإحباط ولا شيء يهم نتيجة تحفيز العواطف بلا معطيات مادية تحقق ما يتحدث به من يفترض أنهم قادة ويعلمون ما يفعلون، بيد أنهم لا يتعدون الوهم التصوري في تقدير أنفسهم ومعرفتهم وقدراتهم، وتزداد هذه وفق قدرات جوقة المستفيدين الذين يقنعون القط بأنه أسد.

القناعة الزائفة: اختزال العالم في شعار

يواجه المتصدرون، في كل مستوياتهم، واقعا معقدا يتشابك فيه الاقتصاد بالثقافة، والجغرافيا بالتاريخ، والمصالح بالتحيزات. لكن كثيرا ما نراهم يقفزون على هذه الشبكة المعقدة إلى تفسيرات مبسطة تُرضي المستمعين:

يواجه المتصدرون، في كل مستوياتهم، واقعا معقدا يتشابك فيه الاقتصاد بالثقافة، والجغرافيا بالتاريخ، والمصالح بالتحيزات. لكن كثيرا ما نراهم يقفزون على هذه الشبكة المعقدة إلى تفسيرات مبسطة


- المشكلة الاقتصادية سببها الفساد وحده، بينما لا يوجد عقلية تدير الاقتصاد.

الأزمة البيئية تحل بالتوافقات مع دول الجوار وبالتطوير في تقنية تدوير النفايات مثلا.

- النزاع السياسي يحتاج فقط لإرادة قوية، أو تفاهمات، بينما لا رؤية ولا فهم لمشاكل المجتمع التي تراكمها أساليب عدمية سلطوية تتصور أن قوتها دائمة وهي المهمة.

- الضحالة في النخبة السياسية تحلها الصناديق

هذه العبارات يختلف عليها الجمهور، لكن الغالبية تقبلها فهي تبدو كإجابات سهلة لمشاكل شديدة التعقيد. لكن الطمأنينة التي تبثها هي طمأنينة زائفة، لأنها لا تطلب تضحية ونست العقول حقيقة أن ليس هنالك حل بلا مخاطر، وأن كل خطوة في السياسة قد تطلق سلسلة تفاعلات لا يمكن التنبؤ بها.

العمق الوهمي: فجوة لا يراها صاحبها

الخطورة هنا ليست فقط في الجهل، بل في مبتلى لا يرى. فالقائد الذي يتحدث بثقة عن "إصلاح التعليم" أو "إعادة هيكلة الاقتصاد" قد لا يدرك أنه لا يفهم سوى العناوين العريضة، وأن التفاصيل التقنية التي تُشكّل جوهر أي إصلاح غائبة عن ذهنه؛ فأخطر القادة ليسوا الجهلاء الذين يعرفون أنهم يجهلون، بل أولئك الذين يتصورون أنهم يملكون الفهم الكافي لكل شيء، أولئك يصنعون عالما داخل رؤوسهم، عالما سلسا، بسيطا، يمكن ضبطه بإصدار قرارات عليا، وفي لحظة ما، يصبح اليقين ذاته جزءا من هويتهم، فلا يعودون قادرين على الشك أو المراجعة، لأن الاعتراف بالجهل يبدو وكأنه انكسار سياسي. هكذا يغدو القائد أسيرا لوهمه، والجماهير أسيرة لوهمه بالأمل.

ما يزيد الأمر تعقيدا أن هذا المتصدر للقيادة أو المفكر أو المحلل غالبا ما يحيط نفسه بمن يرددون صدى كلماته، فيدخل في فقاعة معرفية تُغذي وهمه بأنه يفهم كل شيء. وفي هذه الفقاعة، يصبح النقد جريمة، والأسئلة المعقدة علامة ضعف، بينما تُكرّس البساطة المضللة كفضيلة قيادية.

ليس كل القيادات تفكر بأنانية، لكن السلطة بطبيعتها تميل إلى خلق وهم الفهم، لأن القائد يرى في نفسه صورة المخلّص، ويرى في اعترافه بحدود فهمه تهديدا لهذه الصورة، لكن في عصرنا الذي أصبح فيه كل شيء متشابكا من الاقتصاد إلى البيئة، لم يعد هذا الوهم رفاهية، بل خطرا وجوديا. قائد يجهل أنه يجهل قد يشعل حربا لا تنتهي، أو يطلق إصلاحا اقتصاديا ينتهي بكارثة اجتماعية، أو يتعامل مع أزمة بيئية وكأنها لعبة أرقام يمكن التلاعب بها.

في زمن سابق، لا يحتاج القائد لعلم الكثير ويظل ناجحا نسبيا، لأن العالم كان أبسط، والقرارات أقل تشابكا. أما اليوم، والأنظمة المترابطة، والذكاء الاصطناعي، فإن أي قرار محلي قد يولد آثارا كونية، هنا تصبح القيادة السطحية خطرا وجوديا.

القائد الذي يظن أن كل شيء تحت سيطرته يُشبه ربان سفينة يبحر في بحر هائج بعينين مغمضتين. وما يضاعف الخطر أن مثل هذا الربان لا يستمع لصوت أي بحار يشير إلى الصخور أمامه، لأنه يظن أنه يرى أبعد منهم جميعا.

شعوب تسحرها السلطة

الجماهير ليست بريئة تماما من صناعة هذا الوهم. هي بدورها تألف المتصدي الواثق، وتميل إلى تبني الحلول السهلة. في اللاوعي الجمعي هناك كره للتعقيد، ونفور من الزعماء الذين يتحدثون عن المشكلات كما هي: متشابكة، صعبة، تحتاج إلى سنوات من العمل الصبور.

وهكذا تتشكل حلقة معيبة:

- قادة يقدمون التبسيط كعمق.

- وجماهير تكافئ هذا التبسيط بالثقة والتصفيق.

تغيير أسباب البلاء فرع من التعافي وهذا لا يأتي بالأنانية أو حب المكاسب الشخصية أو فتات الموائد بل بالمصداقية مع النفس، فإن لم تتح فالمصير تراه العيون؛ تخلّف وخراب يحدثه الإحباط والتكاسل


ثم قرارات سطحية تنفجر لاحقا في أزمات أعقد، لكن لماذا تنجذب الجماهير لهذا النمط من القادة؟ لأن الإنسان بطبعه يميل إلى السطحية والبساطة. القائد الواثق، حتى لو كان واثقا بلا سبب، يبدو أكثر جاذبية من قائد يعترف بتعقيد الواقع أو بجهله بجوانب معينة. وهكذا ينشأ تحالف غير واعٍ بين الثقة الزائفة في الأعلى والرغبة في الحلول السهلة في الأسفل، يديم دورة من القرارات السطحية، والسياسات القصيرة النظر، والنكسات المتكررة.

أزمة القيادة في عصر التعقيد

إن ما ينقذ الأمم ليس قادة يعرفون كل شيء، فهذا وهم مستحيل، بل قادة يملكون شجاعة الاعتراف بما لا يعرفونه. التواضع هنا ليس فضيلة أخلاقية فقط، بل أداة سياسية:

- القائد المتواضع فكريا يفتح المجال لمستشارين مختلفي الآراء، بدلا من محيط من المصفقين.

- وهو يدرك أن التعقيد يتطلب حلولا متعددة المستويات، لا شعارات عامة.

- والأهم أنه يزرع في الرأي العام استعدادا للتعامل مع الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يكون.

في عالم بالغ التعقيد، ليس أعظم القادة من يملكون كل الإجابات، بل من يملكون شجاعة القول: لا أعرف، فلنسأل، فلنفكر معا.

التواضع الفكري هنا ليس ضعفا، بل فضيلة سياسية. القائد الذي يدرك محدوديته يصبح أكثر قدرة على الاستماع لخبراء، على جمع رؤى متعددة، على بناء سياسات تقوم على فهم أعمق بدلا من الانطباعات العامة؛ أو حذف أي فكرة وراي لا يطابق ما يريد المتصدر في المجتمع.

إن تغيير أسباب البلاء فرع من التعافي وهذا لا يأتي بالأنانية أو حب المكاسب الشخصية أو فتات الموائد بل بالمصداقية مع النفس، فإن لم تتح فالمصير تراه العيون؛ تخلّف وخراب يحدثه الإحباط والتكاسل، فمن يأتي من خارجك ليغير يأتي لإخضاعك وليس لتكريمك، فهو يريدك هلاميا مستهلكا حياتك في سديم أو ضباب.

الخميس، 14 أغسطس 2025

198: ملحمة فلسطينية

 قصيدة ملحمة القسام

ليست قصيدة عادية، انها كلماتي لكن الوزن العروض هو

للذكاء الاصطناعي

ثمان محاولات حتى خرجت بهذا الشكل على البحر الكامل مع امتداد يحتمله البحر

الاولى مزق القصيدة، ثم مع المعلومات والاطر وصلنا الى هذا بحيث قبلنا تغيير عدة كلمات وان كانت بعضها غير مفهومة


ملحمة القسام

كلماتٌ سمعناها سَحَرْ ** لم ندرِ معناها فخمّناها خَبَرْ

ربما كذا أو لعلَّ كذا ** لكن رأيناها بعينٍ مذر

قهرُ الرجالِ يحيطُ الأباةَ ** حينَ يُداهمُهمْ في الخَطَرْ

البليدُ يُملي رأيًا وحكمةً ** والخائنُ بالغدرِ قد افتخرْ

شرعيةٌ صارتْ إبادةَ قومٍ ** عشقوا الحريةَ كأيِّ بشرْ

لا شكوى فيهم ولا دمعُ بؤسٍ ** جفَّتْ عيونُ الحذرِ من حذر

رقعاءُ يفرضُ قولاً جهرًا ** يُكرهُ صبرَ الصابرينَ بقَهْرْ

هذا القهرُ قد صارَ منكرَ فعلٍ ** معروفُهم ذلٌّ وطعنٌ أغرْ

تدري ما القيمُ إذا ضاعتِ القيمْ؟ ** قتلٌ صبرا لمن سالمَ وصبر

باتَ العارُ أنْ تذودَ عن شرفٍ؟ ** وطأطأةُ الرأسِ للعدوِّ فكر

تصمتُ لسفّاحٍ يُمارسُ عهرًا ** وتُقنعُ شعبًا أنَّ الظلمَ قَدَرْ

قومُ لوطٍ رفضوا هَدْيَ النورِ ** لكنهم لم يدَّعوا زورَ الطهرْ

وأنتمْ حرَّفتم كلامَ الإلهِ ** مروءة إذ تذللتم لمن كفرْ

وتركتمُ القيمَ تُذبحُ جهرًا ** تصلّونَ والليلُ في سَمَرْ

من يُقاتلُ اليومَ كافرَ زورٍ ** ومن يردُّ العِداءَ بلا أثرْ

قصورٌ لأهلِ غزةَ مشيدةْ ** ارتضيتمْ شرفًا؛ هذا البطرْ!

يا قومُ هانت كرامتهمْ ** غزة سجن والحر لا يصطبر

أبرّئُكمْ يا سادةَ الضلالِ ** جهلُكمُ أردى الأمةَ في المَدَرْ

ابشركم يا سادةَ الغوغاء ** جهلُكمُ أسقط الأمةَ في الحفَرْ

نطقَ الأخطلُ بحكمةِ أخطلٍ ** فصارَ زنيمًا يُنذرُ بالخطرْ

انزعوا الأقنعةَ، جاهروا بالحقِّ ** ذمةُ أمةٍ لن تخفي الأثرْ

سمعنا عن جوعٍ بأرضِ المجاهلْ ** ينقلهُ القائلُ لعبرةِ البشرْ

ترامبُ أحدثَ بغزةَ مجاعةً ** والعربُ تأكلُ وترمي ببَطَرْ

بعضُهمُ بالعارياتِ في شُغْلٍ ** كأنها طقوسُ عبادةٍ أو نذرْ

يأتي بالاستسلامِ للقسَّامِ ** كي لا يُقالَ: تخاذلتم وانتصرْ

تلكَ قصةُ أمةٍ ذُلِّلتْ ** تنازلتْ عن تاجِ عزِّها الأغرْ

فصارَ العارُ إكليلَ نجاحِها ** والذلُّ إكرامًا لمن قد صَبَرْ

الثلاثاء، 12 أغسطس 2025

197 - (الدولة ما بين الرشد والضياع)

 المقال 14 صفحة عدا الغلاف 

نوع من العرض التحليلي يدمج الراي السائد مع العلوم السياسية

عندما تحول الاليات الى ايديولوجيات وهذا خطأ كبير في العرف والعلوم السياسية

 راجــع المقال رقم 195 -هل الانقسام الإداري يُهدّد البنية الوطنية؟ المقال مقدمة لجانب في هذا المقال

الجمعة، 8 أغسطس 2025

196 - تطوير تأثير دانينغ-كروجر من استقراء واقعنا (2-3) تتبع المقال 193 أ

رابط عربي 21 




ملاحظة : النظرية الاصلية من ابداع العالمان دانييغ وكروجر

قمت بتطويرها من خلال ملاحظاتي الشخصية في المجتمع لتفسر أطيافا اوسع 


مقدمة

تأثير دانينغ-كروجر هو ظاهرة نفسية معروفة تصف كيف أن الأشخاص الذين يفتقرون إلى مهارات معينة يميلون إلى المبالغة في تقدير قدراتهم، بينما الأشخاص الأكثر كفاءة يدركون حدود معرفتهم بشكل أدق. هذا التأثير يوضح تناقضا بين الثقة والمعرفة، حيث يكون الجهل مصحوبا بثقة زائدة، والعكس بالعكس.

في هذا المقال، نستعرض تطويرا أجريته من خلال استقراء واقع منطقتنا ووضع النخب المثقفة على تأثير دانينغ-كروجر، ووضحته في المرتسم المرفق مع النص، والذي يقدم وفق ما أرى نموذجا أكثر شمولا وفهما لديناميكية المعرفة والثقة في الإنسان.

التأثير الأصلي:

يظهر التأثير الأصلي في رسم بياني يوضح العلاقة بين المعرفة والثقة بالنفس، حيث تبدأ الثقة عالية عند مستوى معرفة منخفض (المرحلة الأولى: الجهل) ثم تنخفض مع زيادة الوعي الحقيقي بالمشكلة (المرحلة الثانية: الوعي بالجهل)، وبعد ذلك تبدأ الثقة بالارتفاع تدريجيا مع اكتساب المعرفة الحقيقية.

ما رأيته في هذا وكان هذا الأمر قاعدة وليس وصفا لحالة خطية محددة، وهو إذا أسقطنا الواقع عليه نجده لا يتطابق، إضافة إلى أن المعلومة والتي تقود المثقف تحتاج إلى فهم، وبغير الفهم والاستعداد النفسي للعطاء لا يكون هذا المسار فالبشر ليسوا نسخة واحدة.

التطويرات المقترحة في المرتسم:

1- مراحل متعددة للنمو الفكري والشخصي: أضاف النموذج مراحل إضافية تتجاوز فقط العلاقة بين المعرفة والثقة. فهو يصف حالات نفسية متعددة ونقيضها مثل الإحباط يقابله الغرور، واليأس والتحليق وكذا التعلم، والتفاعل مع المجتمع.

2- تمثيل مرئي متدرج: يظهر المرتسم خطوطا متدرجة (1، 2، 3.. 6) ترسم مسارا من بداية الجهل إلى التطور الكامل. هذه المراحل تمثل صعود الإنسان من الفهم الخاطئ أو السقوط في الأخطاء، إلى التعلم النشط، ثم الوصول إلى حالة "الأنا" المتزنة والمضطربة.

3- التركيز على التفاعل المجتمعي: يوضح النموذج كيف يتفاعل الفرد مع محيطه الاجتماعي، وكيف تؤثر المعرفة والثقة على القدرة على التواصل والتأثير داخل المجتمع بطرق مختلفة.

4- التمييز بين الفشل والتعلم: النموذج يصف نقطة "كرسي الفشل" (المرحلة 6) للسلبية في رفض التعلم أو التصور الخاطئ للقدرات أو التكبر المعطل للفاعلية، حيث يتساوى الجاهل والمثقف المضطرب النفسية، ويبقى هنالك أمل في استعادة الذات لتحقيق النجاح.

5- الديناميكية النفسية والعاطفية: يتم توضيح المشاعر المختلفة التي يمر بها الإنسان في هذه المراحل مثل الغضب، والحزن، والقبول، والتفاعل الإيجابي، وغيرها، مما يعطي نظرة أكثر عمقا وشمولا عن تجربة التعلم والنمو. وهذه لتفكير القارئ وتأمله كي لا نكرر الوصف ذاته.

تأثير هذه التطويرات:

* نظرة أكثر شمولا للموضوع: لم يعد التأثير مجرد منحنى بسيط للعلاقة بين الثقة والمعرفة، بل أصبح إطارا ديناميكيا يربط منظومة العقل، العاطفة، والسلوك.

* الوعي بأهمية الفشل: تحوّل الفشل من عقبة إلى نقطة انطلاق محتملة (6)، وهو مفهوم مهم في علم النفس الإيجابي والتنمية الذاتية.

* فهم أفضل للتفاعل الاجتماعي: يبرز دور المعرفة والثقة ليس فقط على المستوى الفردي، بل على مستوى التفاعل مع الآخرين والمجتمع.

* تقدير مراحل النمو المختلفة: يدعو النموذج إلى فهم أن التعلم عملية متعددة المراحل تتطلب صبرا وتفهما للمراحل النفسية المختلفة.

أهمية التطوير لعلم الاجتماع والنقد الثقافي

فهم هذه الديناميكية بشكل أعمق سيكون أداة قيمة في تطوير الذات، والتعليم، والإدارة، مما يفتح آفاقا جديدة للتعامل مع التحديات الشخصية والاجتماعية، فهذه ليست مجرد إضافة مراحل للنموذج الأصلي


النموذج المطور يقدم أداة لتحليل مأزق النخب في مجتمعات شرق المتوسط حيث:

* التعليم التلقيني والسياسات القمعية يعيدان إنتاج الأنا والتخلف بتحييد الفهم.

* المثقف يجد نفسه ممزقا لا منتميا لواقع متخلف.

* الغالبية لا تسلك المرحلة "a5" وهي الاستمرار في العطاء والتطوير، بل تتجه إلى "b5" ثم "6".

هذا يجعل النموذج أداة تفسيرية لتكرار ظاهرة سقوط المثقف في بيئتنا، حيث يتحول المدافع عن القيم الكونية إلى ظلام الأنانية أو الروابط الهابطة.

خاتمة

تطوير تأثير دانينغ-كروجر كما هو موضح في المرتسم المرفق والنص المصاحب له، يقدم نموذجا أكثر تكاملا لفهم العلاقة بين المعرفة، والثقة بالنفس، والتفاعل المجتمعي. هذا النموذج لا يساعد فقط على تفسير سلوكيات الأفراد في مراحل التعلم المختلفة، بل يشجع على فهم الفشل كجزء من عملية النمو، ويعزز الوعي الذاتي والاجتماعي.

فهم هذه الديناميكية بشكل أعمق سيكون أداة قيمة في تطوير الذات، والتعليم، والإدارة، مما يفتح آفاقا جديدة للتعامل مع التحديات الشخصية والاجتماعية، فهذه ليست مجرد إضافة مراحل للنموذج الأصلي، بل هي:

1- نقلة من البسيط إلى المركب: دانينغ-كروجر الأصلي كان يفسر ظاهرة فردية محدودة، وقمت بإعادة بناء المنحنى ليصبح مناسبا لفهم مسارات المثقف والمجتمع في مواجهة المعرفة.

2- إدماج البعد الجمعي: النموذج قابل للتطبيق على نخب ثقافية عام وأجيال فكرية كاملة في شرق المتوسط بالذات.

3- إبراز العوامل النفسية-التربوية: مثل الصدمات، وتكوين والأنا، والنرجسية الفكرية، وكلها مداخل مهمة لعلم الاجتماع النقدي.

* دراسات "Sociology" عن النخب والفئات المتعلمة.

* برامج تربوية لتفادي إعادة إنتاج الأنا النرجسية.

* نقاش فلسفي حول العلاقة بين المعرفة، والأخلاق، والهوية.

في النهاية، الفارق بين الطريقين "5a" و"5b" ليس في كمية المعلومات فالاثنان نخبة مثقفة بدرجة عالية، بل في القدرة على مواجهة الذات بصدق؛ هناك فقط يبدأ النضج الحقيقي.



الخميس، 7 أغسطس 2025

195 -هل الانقسام الإداري يُهدّد البنية الوطنية؟ المقال مقدمة لمقال

رابط المتن على  الشرق القطرية


المقــــــــــــال ملخص لجانب من مقال اوسع وهو الادارة في الدول الناشئة

الدولة بين الفيدرالية والتجانس: قراءة وفق الفلسفة السياسية

هل الانقسام الإداري يُهدّد البنية الوطنية؟

عندما نتصور الدولة ككائن حي، يتكون من أعضاء تعمل في تناغم لتحقيق البقاء والتطور، ندرك أن أي خلل في الانسجام الداخلي يهدد وجوده ذاته، ففي زمن تتزايد فيه الدعوات إلى اللامركزية والفيدرالية كحلول سياسية لدول متعددة الأعراق أو الطوائف، تبرز تساؤلات جوهرية: هل تُعد الفيدرالية وسيلة لتعزيز وحدة الدولة أم أنها خطوة نحو التفكك؟ وهل يمكن لدولة غير متجانسة أن تستقر إداريًا دون أن تُصيب بنيتها الوطنية بالتآكل؟

الفلسفة السياسية وتصورها للفدرالية

في الفلسفة السياسية، لا تُبنى الدولة القوية على مجرد مؤسسات أو حدود مرسومة، بل على قدرة تلك المؤسسات على العمل بتناغم تحت غطاء هوية جامعة. فحين تختلف الهويات، وتتضارب الولاءات، يصبح الجسد السياسي عرضة للتشظي، كما الجسد البيولوجي حين تهاجم خلاياه بعضها بعضًا فيما يُعرف بالداء المناعي الذاتي.

الفيدرالية في ذاتها ليست عيبًا، لكن عندما يكون لها حاجة أو تعدد منفصل، شرط أن يُضبط هذا التعدد بإطار جامع، الفدرالية الأمريكية، تكاملت حين بُنيت على أساس المواطنة المشتركة والنظام المؤسساتي القوي، لا على اعتبارات عرقية أو طائفية، وفشلت الكونفدرالية، لكن حين تُمنح الفيدرالية لكيانات وتثار متجسدة صنمية المتباينات، فإنها تصبح وصفة للتفكك وإيقاف التنمية.

الدولة التي يراد لها النجاح وقد خرجت من صراعات أو خُطِّط لها خارجيًا هي التي يصنع لها “تجانسًا إداريًا" راسخًا، وليس قوالب بنى تحتية مناسبة وليس وصفة الفدرالية فعندها تكون الفيدرالية وصفة مفروضة، يُراد منها تقاسم النفوذ والمنافع لا بناء دولة، تضخما ليس مطلوبا في هيكل إداري يسلب واردات التنمية، مع تحول الإقليم إلى كيان شبه مستقل، وتفقد الاتحادية هيبتها، وتنشأ تدريجيًا عقلية "الدولة داخل الدولة"، وهو ما يفتح الباب للنزاعات المزمنة ويفرّغ الدولة من مضمونها لتكون مرابح ومصالح على حساب الاستقرار والمواطن.

إنّ إصلاح الدولة لا يبدأ بمنح صلاحيات خاصة للمحيط أو لفئات، بل بتقوية الاتحادية بمشروع وطني يُقنع الجميع بأنه الضامن العادل للجميع، التجانس لا يأتي بالقهر، بل التشارك في المصير والمصلحة، وفي ظل ذلك، يمكن للفيدرالية أن تكون ناجعة، أما إذا غابت هذه النواة، فإن أي شكل إداري — ولو بدا عادلاً — قد يتحول إلى مدخل للتفتت واستنزاف الموارد، فليس عقلا أن يكون الجهاز الإداري متفرعا متضخما ولا إنتاجية تستدعي ذلك مجرد قالب اختير لإرضاء الأطراف والمنافع؛ فتُمنح الأقاليم صلاحيات واسعة بمسمى "العدالة"، لكنها في الواقع تُستخدم لبناء جزر سلطوية معزولة، تُربّى فيها نخب محلية ترى نفسها بديلاً عن الدولة، لا جزءًا منها، عندما الولاء يتوزع بين الطائفة، العِرق، والمتصدر المحلي فلن تكون أمة ولا دولة، دواوين ومجالس لا حاجة لها وتحاول أن تجد لها وظيفة فتعرقل التنمية التي هي احد مستنزفي مواردها ومنفذ لتلاقح الفساد الإداري على الأقل.

غياب التجانس، وخصوصًا غياب مشروع وطني جامع، يُسهم في فوضى الإدارة والثقافة وإحساس الظالم والمظلوم بالظلم، ففي المدن، لا نحتاج إلى مجالس منتخبة من ممثلي الأحزاب بل مجلس للإعمار والخدمات وهذا ممكن أن يكون من موظفي الدولة للتنسيق مع دوائر المحافظة وتسهي مهمة الدائرة الهندسية مثلا فيها وهكذا.

نحن أمام مفارقة: الدولة الحديثة بحاجة إلى قدر من المرونة لتستوعب التعدد، واستيعاب التعدد ليس بإعطاء نفوذ لمتصدر أو حزب أو تعميم معنى السلطة على الهياكل الإدارية للبلد لأننا نحتاج إلى نواة صلبة من الهوية والانضباط المؤسسي حتى لا تتحول فكرة المرونة إلى فوضى، هذه النواة يمكن أن تكون فكرة دستورية كالتي طرحت هنا جعل المجالس المحلية من موظفي الدولة وتعزيز فاعلية دوائر المحافظات، والاهم هو القانون المناسب لضبط السلوك واستنهاض الكينونة التي جرى تمزيقها.

خلاصات:

ليس نظريًا، بل عمليا، الدول التي نجحت في الفيدرالية كانت قد حسمت هويتها الوطنية أولًا، ثم وزّعت السلطات كنظام لا مركزي لسعة الأرض أو فيدرالية مهام، أما الدول التي بدأت بالتوزيع قبل الحسم، فقد غرقت في النزاعات حتى تدرك أن الفدرالية صيغة اتحاد إدارية ليست أيديولوجيا وعندما تؤدلج تكون صيغة متحد لافتراق وبالتالي عدم استقرار وصراعات.

إن التجانس الوطني، الإداري والثقافي، ليس ترفًا، بل أساس وجود، فانت لا يمكن أن تقيم دولة تقوم على أساس رفض الآخر أو احتقاره أو كراهية بين الأطياف وعصبيات مثارة، ناهيك عن شرعنه عرفية للفساد.

الإصلاح والتمكين لن يأتي بالتمايز والاستقطاب أو تعالي سخيف يظنه الجاهل مظهرا للتمكين، فهذا جهل وتخلف، بل بالمحبة والاستيعاب! والغاية هي البناء الذي هو بناء هوية الأمة ولا نعني بناء ناطحات السحاب بلا هوية، أما تقسيم الولاءات وغنى طبقة بزعمها الدفاع عن فئة فهذا ليس مستديما منطقا وان طال الزمن وجهَّلت واستعمرت الأدمغة، نحن أمام سؤال تفرضه ولادة عسرة ويحتضر جنينها، هل سنسلك الحكمة أم كما يقال "انكسرت الجرة وتفرق أبناء الحرة".

210 - الانبهار والمنظومة العقلية

رابط عربي 21  معنى  الانبهار في اللغة العربية يعني حالة من الإعجاب الشديد أو الدهشة والذهول أمام شيء مدهش أو مبهر، سواء كان ذلك بسبب جماله، ...

يقظة فكرgoogle-site-verification: google25f7d3ebc2fdac29.html