السبت، 1 مارس 2025

154 - فلسفة الحياة والزمن

 

لكي ندرك معنى الزمن علينا فهم ماهيته، هو بكل بساطة الوجود من فتق الرتق أو الانفجار العظيم وهو يتوسع ويتحرك لحين طي السماوات والأرض كطي الصحف


الأحد، 23 فبراير 2025

153 - هل المدنية الغربية هي الصهيونية والامركة

 رابط الشرق القطرية


بدون شك عندما نحلل فإننا نضع الحقيقة كما نراها في الواقع وردود الفعل،


 ولسنا نعبر عن مشاعر شخصية حبا أو كراهية، والمقال ليس لتبيان موقف


 صداقة أو عداء وإنما قراءة لمن يهمه الأمر.

تصريحات

قبل أيام صرح بيت هيغسيث وزير دفاع ترامب أن المدنية الغربية ليست إلا الصهيونية والأمركة وهذا تجاوز لتعريف المدنية فلا يوجد مدنية غربية وشرقية فالمدنية هي جهد بشري لا يمكن حصرها بايدلوجية كالصهيونية أو جغرافية كأمريكا والتنبيه لهذه الحقيقة لتعدد مواطن يعتبرها الغرب والشرق مدعاة للإحباط فقد نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية مقالا للصحفي جدعون رتاتشمان، قال فيه: «عندما صعد جيه دي فانس على المنصة في مؤتمر ميونيخ للأمن، الأسبوع الماضي، أصدر تحذيرا صارما. إذ قال نائب الرئيس الأمريكي، للسياسيين والدبلوماسيين المجتمعين إن حرية التعبير والديمقراطية تتعرضان للهجوم من قِبَل النخب الأوروبية». واستطرد «إن الحكم الأكثر إيجابية الذي سمعه بشأن الخطاب هو أنه «هراء صبياني»، لكنه يستهدف جمهورا أمريكيا، وبالتالي يمكن تجاهله بأمان. ولكن إذا ما فكّكنا خطاب فانس، ووضعناه في سياق قرار دونالد ترامب بالتعامل مع فلاديمير بوتين، مع تهميش أوكرانيا وأوروبا، فسوف يتضح لنا أن الحروب الثقافية الأمريكية والأمن الدولي والسياسة الأوروبية لم يعد من الممكن فصلها» وهذا الكلام على مقياس الزلازل عالي القيمة في تباعد الصفائح.

صراع وجودي وفق نظرة بنيامين فرانكلين:

بنيامين فرانكلين هو من الأباء المؤسسين حذر من وضع قائم اليوم وفق زعم تشارلز كوتسورث بينكني (رفض معهد فرانكلين ادعاءات بينكني أن المعهد يملك نسخة مخطوطة من الخطاب) بنيامين فرانكلين لو كان موجودا الآن لاتهم بمعاداته للسامية، فأمريكا في خطر إذن بانت معالمه.

التناقض المنطقي في عرض المدنية من وزير الدفاع:

*عندما عرّف وزير الدفاع الأمريكي المدنية الغربية أنها الصهيونية والأمركة، فهو حصر الليبرالية كآلية في توصيف كآلية عنصرية وايدلوجية لا تتحمله الليبرالية مثلا كجزء من آليات حماية المدنية الرأسمالية، فالليبرالية بأنواعها وما يمكن أن تتطور إليه ليست ايدلوجيا كما المدنية ككل وإنما هي تعريف لواقع في مجتمع ما تكون الحرية فيه وفق ثقافته أو ما يتقبله، أما أن احصرها بالصهيونية والأمركة فهذا تطرف لا يتفق مع منطق الليبرالية وقبولها للآخر، كما انه يضع دعاة الليبرالية في حرج، فهم ليسوا مقبولين في أوطانهم خشية انطباق التعريف عليهم وليسوا مقبولين ممن يتبنى هذا التوصيف إن لم يكونوا من الصهيونية والأمركة.

*دون شك انه يطرح تلبسا للفكرة الصهيونية والتي لا تتفق مع الأمركة كتطور مدني والتي هي الأخرى بلا توصيفٍ أو حدود أو تعريف لماهية بغير تعريف للمدنية المعروف أو حقوق الإنسان، والصهاينة أبدوا وحشية وتخلفا بالإبادة وجرائم الحرب على الملأ وليس من احد يتفق أو يقبل معاملة شاذة كالتي عومل بها الفلسطينيون وما زالوا في غزة أو الضفة أو الأسرى في السجون، هذا لا يتفق مع التمدن والليبرالية منها والتمسح بها فانتحالها له خطورة كبرى وتحويل المدنية إلى أيديولوجيا تجعلها خاوية وكذبة كبيرة أما ملؤها بأفكار أيدولوجيات متطرفة كالصهيونية التي تبيح كل المحرمات وهدر الكرامة الإنسانية لأعدائها وأملاكهم ونمط حياتهم وقد تشمل أمريكا يوما ما ولن تبقى الأمركة عنصرا، فلا شيء في أمريكا يميزها إلا التطور المدني والتقدم العالي في الصناعات الثقيلة والحربية بالذات فان تدهورت المدنية وما تزعمه من نمط للحياة فقد انتهت ما يمكن تسميتها بالأمركة وهذا امر محتمل مع تعاظم الصهيونية في السلطة الأمريكية وما زلنا في نبوءة فرانكلين.

مجلس الأمن وضرورة اتخاذ موقف:

* والحقيقة أن ما طرح في خطابه هو الفكر الصهيوني العدمي الذي لا يقبل الآخر ولا يتمنى الصلاح لمن يخالفه إن سلمنا جدلا بصلاحه بل يتمنى له الموت والاختفاء والاستئصال للمخالف وهذا خطير جدا عندما يحمل هذا الفكر وزير دفاع لأقوى دولة في العالم، لذا فلابد أن يأخذ مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة إجراءً احترازياً في تعريف الأهلية للولايات المتحدة وقراءة تنبيه تجتمع عليه الدول في اتخاذ القرار والمراجعة، إن الأمر جد وخطير والتراجع عنه هو خير ما تفعله الولايات المتحدة مع تعديل سياستها وفق مصالحا وليست أيدولوجيات اسطورية تعيش لضعف الآخر ضمن دورة التاريخ.

نصيحة قبل الانحدار:

* إن من يتولى القيادة في أمريكا قد يكونون متفوقين في مهنهم السابقة، لكن من الواضح أن هنالك فراغ إداري كبير وفراغ أعظم في القيادة الإدارية، وان أمريكا المتوازنة والتي تستطيع إعادة التوازن حول العالم هي المطلوبة وليست أمريكا التي تعادي الغرب والشرق وتظن أن لها القدرة على جلب اوربا للاذعان لها أو الوقوف بوجه الصين لإخضاعها، روسيا استراتيجيا لم تحارب إلا من اجل المنفذ على البحر الأسود وان لا يقترب الأطلسي من حدودها أي تبقى أوكرانيا ومن على حدود بلاروسيا خارج نطاق الأطلسي، وهي ستحقق هذا بخطوات.

*مصالح الولايات المتحدة لابد ان يعاد النظر في حضانتها والجواب على سؤال أهمية المصالح واولويتها وهي تتقدم للمنطقة كعدو ضد قيمها وحياتها ومستقبلها وهو ما لايمكن تجاهله في نبرة وزير الدفاع الأمريكي.

إن أمركة أمريكا معروضة كنموذج، لكن الأمركة كمدنية مع الصهيونية كأيديولوجيا سياسية معادية للمسلمين والعرب ليست فكرة طرحها بهذا الولاء إلا مجافاة للتمكين، كذلك ما طرح بشأن الدول الغربية وتجاوز الوزراء الأمريكيين الخط الأحمر وتأييد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لهذا.


الجمعة، 21 فبراير 2025

152 - التفــــاهــــــــــــــــة طغيــــــان الضيـــــــاع

 رابط عربي 21

التفاهة حاسمة جريئة:

في عالم التفاهة هنالك من هو جريء على الحق متدن في سلوكه ونواياه وخُلقه وأخلاقه، لأن ضحيته ابن الأصول لا يردع إلا بعدل الأثر ويكون قد أحيط به عندما يتحقق هذا الأثر، لهذا تجد النخبة "ابن الأصول" لا يسجل له انتقام من هؤلاء التافهين، ودوما هو أقل الناس قدرة وانشغالا في الدفاع عن نفسه. وتجد إخوة التفاهة جاهزون للرد وتبرئة أنفسهم وجعلها كملائكة.

فالتفاهة منهج وقيمة سلبية وليست عن جهل وإنما عن جهالة وأنانية، فترى البلاد في سلطة التافهين منظومة لتنمية التخلف، تقع في أزمات ولا تجد لها حلا لأنها أصلا أبعدت من يحل الأزمات وأبدلت العلماء بالأدعياء والمخلصين بالفاسدين، وتخفي أي نصح أو أثر للعاملين وتصفهم بالطامعين المزايدين وتسفه نصحهم وهو اليقين؛ فالأمر في قاعة التفاهة المكتظة بجثامين القيم محسوم، وإن قلبت الدنيا فهنالك ألف تعليل وتكييف، ومن يجيد الفهم والإفهام مثل سطحية التافهين! نعم هؤلاء جريئون في التسفيه والحديث بما لا يعلمون، لأنهم ليسوا وحدهم لا يعلمون، ففي منظومة تنمية التخلف السامع والمتحدث كلاهما عميان في عالم التفاهة.

التفاهة في القيادة:

في منظومة تنمية التخلف يتولى التافهون الجاهلون القيادة وهم على جرأة وتصريف، ويحيطهم جيش من المنتفعين والتافهين يجعلهم كما هم في أعلى كفاءة التفاهة وفاعليتهم جميعا تدمر البيئة، مفاخرين بأن هذا الدمار بناء، فالمعايير معكوسة، هم ينظرون إلى النجاح كتحقيق النفع لهم وليس مهما كم يسحق أمامهم أو بهم. بقاء التافهين يعده التافهون نجاحا، ولا يهتمون إلا بخاص الاهتمامات. التافهون غالبا فارغون مقلدون للفرح بلا قوة إحساس لأمر قد لا يتفق وثقافة أمتهم، بالحركة وبالكلمة وباستخدام اللغات الأخرى دون أن يكون لهذا داع أو يبرره الاختصاص العلمي.

التافهون يسرقون الجهد فلا تستغرب أن يأتي غني أبله يتحرك كرجل أعمال أو رجل دولة ناجح ليعرض نفسه كراع للابتكار والعلوم، لكن لا ينسجم خلقه مع وصفه، ويمكن أن يشتري بأمواله طاقات خفية قد تشبع الأنا عنده لتجيّر مشروعها باسمه؛ ثم ترى بصمة اللص أحيانا وهي تُحوِّل أمرا إيجابيَّا إلى أمرٍ سلبيِّ مروج للتفاهة وبالتالي يعج بالتافهين.

عندما تتحول السياسة ساحة للرعاع والمحبين للظهور والمزايدات، والوصولية شهادة موسوعية في كل العلوم ومنها العلوم السياسية بلا دراسة أو جهد تاتي الشهادات، عندها تصبح السياسة بلا محتوى، فيحتضر البلد بل يموت المجتمع عندما تمزقه روابط هابطة، فهي كزلزال يشق الأرض والحتمية هي الخراب والاستثناء البنّاء المحدود الذي ليست غايته البناء وإنما أبواب للفساد، فالبرامج كلمات لا معنى لها، ولا رؤية، وإنما تفاهمات لاقتناص الغنيمة وتمرير شكل مرسوم، لهذا يتكرر نفس الناس يذكرونك بأوبريت سولا لاري لثلاثي أضواء المسرح بمدلولاته، فالمصلحة من توزع الأدوار وتختار الأشخاص الذين يفتكون بأوطانهم ما لا يصدق تحقيقه العدو الحاقد.


التفاهة عبر العصور:

التفاهة بحد ذاتها هي طغيان الضياع والفوضى في الفكر والحياة والمعاني والأهداف واستنزاف للطاقة الإيجابية


التفاهة نوع من الجاهلية موجود في كل العصور، لكنها ترتفع وتنخفض بدرجتها وفق الوعي والاهتمامات ونوعها، ولا شك أن المتصفح لأقوال النخب في التاريخ يجد أن الكلام يصف لحد كبير واقعنا في السلبيات، ثبت في أقوال قرون سابقة عبر قصص وأشكال، وثبت في بداية القرن العشرين ومنتصفه ذات الأوصاف من سيطرة التفاهة واستعمارها لعامة الشعب الذين يظنون أن الجدية توقف حياتهم والتمتع بها بينما الشر يضحك قبل أن يجهز على المواطن!

ولتفاهة سائدة في المجتمع تستطيب حياة العبودية ولا يعرف الناس ضبط السلوك في الحرية ويصمتون إن عاد الطغيان، أو يبقون معيقين للحياة حتى يجبروا الوديع على أن يتحول ديكتاتورا أو ينصرون عليه من يستعبدهم، بل إنهم يمجدون من بيده النفوذ وإن كان شر خلق الله وأفسد الناس، وهم يعلمون كالقوم يوم الزينة بين موسى والسحرة. فالتفاهة بحد ذاتها هي طغيان الضياع والفوضى في الفكر والحياة والمعاني والأهداف واستنزاف للطاقة الإيجابية. إن الكفاءات تُعرف بإيجاد الحلول وتوجه العمل، وليست تنتظر أن تؤمر فترفع عنها أية مسؤولية أو محاسبة للخطأ.

جدلية التفاهة:

التفاهة هي طغيان الفوضى بعلو الظلم وانتكاس القيم، ليس لجهل تلك القيم بل لغياب أبناء الأصول، فمن هم أبناء الأصول؟ ونحن نلاحظ أن الفاسد أبوه صالح أو وزير أو برلماني أو من أصحاب الأملاك في زمن ماض لم يعد غابرا بعد. فالكلمة وإن تبدو نسبا لكنها لا تنسب للبطن ولا الظهر ولا المعاش، وإنما تنسب إلى عوامل مهمة ذكرت بالمجمل في حديث لرسول الله، فبلال ابن أصول رغم أن أبويه من العبيد وهو كان عبد أصلا، والوليد ليس ابن أصول رغم أنه من سادة قومه، لكن ابنه خالد ابن أصول، هذا النوع من البشر قد يكون فلتة في قومه أو عائلته وليس كما هو متعارف عندنا أنه لعائلة كذا أو من الطبقة كذا، فالقياس هو الخلق أو رد الفعل الحسن فالأصول هي:

التفاهة مظهر لعجز المصلحين إن جمدوا وأملوا بشفاء المسعور بإصلاحه وغادروا سنن الكون، والتغيير أحدها. ومهادنة التفاهة والتافهين ظلم للآدمية والبلاد والعباد لأنهم لا يجهلون بل لا إرادة لتمكين الصواب والخبرة، فما يعلو هو ما يشبع الغريزة وأوهام العاجزين


1- أحسنكم أخلاقا أي المتمسكين بمكارم الأخلاق والخلق (رد الفعل) الحليم، الذي يؤتمن ويبدع وإن عجز عن أمر طلب العون وإن قصر علمه سأل أن يوضح له ما خفي عليه، الذي لا يتوقع منه الشر ويؤمل خيره.

2- الموطئون أكنافا، وهي كلمات كناية عن التواضع المستمر بلا منة أو ظهور سلس مع قومه معالجا لسقطاتهم متسامحا، هم مصلحون يفرحون بالحسنة وينظرون إلى السيئة كأمر يحتاج معالجة، فهم أطباء للسلوك وليس قضاة على البشر، يطورون الواقع والعقلية والنفسية، طبيعتهم ألا يقيسوا الأمور إلى أنفسهم برد الفعل وإنما النظر إلى الإنسان نفسه وأمل إصلاحه، لا يذهبون إلى الطرق الشاقة والفساد ولا تدمير الآخر من أجل الذات فلا يردون على من يؤذيهم وإن يئسوا منه تركوه.

3- الذين يألفون ويؤلفون: أناس شفافون ينطقون بالكلمة الطيبة (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الْحَمِيد)، ينفتحون على الناس فينفتح الناس عليها بشعاع الصدق الذي لا يخطئه الحس.

قد يطلق المصطلح أبناء الأصول اليوم على سلالة نسب وهو خائن، لص، ثرثار، لا تأمن شره ولا تأمل خيره، وقد تجده متعالما متعاليا لا يفقه، ظالما غدارا مبعدا للخير وأهله، ولا يحس إلا بنفسه. إن التفاهة مظهر لعجز المصلحين إن جمدوا وأملوا بشفاء المسعور بإصلاحه وغادروا سنن الكون، والتغيير أحدها. ومهادنة التفاهة والتافهين ظلم للآدمية والبلاد والعباد لأنهم لا يجهلون بل لا إرادة لتمكين الصواب والخبرة، فما يعلو هو ما يشبع الغريزة وأوهام العاجزين.

السبت، 8 فبراير 2025

149 - معـــــــــالم الانهيار في الامم

 رابط عربي 21


مقدمات التخلف

الأمم تنهار عندما ينهار ما تقوم عليه، فتعود لاحتلال مكان يتناسب مع وضعها الجديد، لأن انهيار ما تقوم عليه كالشيوعية في الاتحاد السوفييتي وتحييد الإسلام وتشويهه في بلاد المسلمين، وربما النظام الرأسمالي في وقت ليس بالبعيد، يجعل الدول المسماة باسمه تعوّم فتأخذ مكانها بقيمتها الحقيقية، لذا وجدنا روسيا تأخذ دورا وظيفيا لضمان الأسلحة النووية آمنة؛ وإن كان بوتين يريد أن يراوغ لعله يخرج من هذا الدور إلى حلم الاتحاد السوفييتي كعظمة، ولكن فشل الشيوعية يجعله يتمسك بالنموذج القيصري الذي لم يك يملك مقومات المتانة الكافية، وما ساعده على الاستمرار هو سعة المساحة فكانت تحتمل الإخفاقات الموضعية كمشاكسة القوزاق وكانوا من المغول في أوكرانيا ويفشل غزاتها بسياسة الأرض المحروقة.

الحكم الإسلامي مر بمراحل متعددة ووفق زمنها كانت تتطور، فالشورى استمرت في عهد الراشدين، لتتحول إلى ملكية باسم الخلافة، لكن محاولة تبرير الحكم الملكي كانت مؤذية للشريعة لأنها جعلت الفقهاء يقرون وينظرون لحكم التغلب في سبيل المحافظة على الحكم داخل قريش، ثم انفلت الأمر ليتحول بضرورة استحصال البيعة للمتغلب، فالبيعة الضمنية في عصرنا لذي الشوكة والمتغلب فكانت متاحة للمغامرين من العسكر أو من له شوكة وقدرة على التغلب.

الحكم الإسلامي مر بمراحل متعددة ووفق زمنها كانت تتطور، فالشورى استمرت في عهد الراشدين، لتتحول إلى ملكية باسم الخلافة، لكن محاولة تبرير الحكم الملكي كانت مؤذية للشريعة لأنها جعلت الفقهاء يقرون وينظرون لحكم التغلب في سبيل المحافظة على الحكم


دخول الفلسفات الشرقية واليونانية أوجد اضطرابا في الفهم والتفسير، غالبا هذا يحصل عندما يحاول المفكرون الإجابة عن أسئلة ليس متاحا علمها عندهم، أو أنها أصلا مجابة لكن حصل فيها التباس مثل معنى الروح والقلب والفؤاد، أو محاولة رأب الفجوة بين العقل البشري المحدود في الزمكان من خلال ما ظن أنها إجابات فلسفية كنظرية الفيض، وهي نظرية وثنية ونوع من الخزعبلات كما قيل إن الأرض مسطحة وأنها مركز الكون، ونحن نرى اليوم أنها نقطة لا تكاد ترى في سعة السماء الأولى وليس الكون كله.

معالم التخلف:

اختلاف هواة المعرفة وتقليعة الفكر الفلسفي ورغبة الإضافة والإبداع وبعقلية المعلم الذي يعرف الحقيقة كانت أفكارا بسيطة تحول الناس إلى فرق متناحرة، والأدهى هو التكفير وكانت اجتهاداتهم هي اجتهادات إلهية وعلى مسألة لا تخصهم أصلا كموقع الإنسان من الجنة والنار يصبحون فرقا، أو أن الإنسان مخير أم مسير وهو سؤال وهمي خرافي لا وجود له، وإنما أتى مع مفرزات الفلسفات التي انتقلت كمعارف، بينما هذا الأمر ليس سؤالا في الإسلام بحكم توضيح الإسلام للماهيات في الخلق.

منظومة تنمية التخلف:

هذه المنظومة انتقلت إلى التفسير ورغم أننا نسمع عبارات من تمنطق أو تفلسف تزندق إلا أن هذه الناس تعرف القلب بغير التعريف القرآني وتعرف العقل كاسم وليس فعلا كما وردت في القرآن وهكذا بقية المصطلحات الفلسفية، والتيه مستمر بالتطور والتأقلم ليزداد التخلف بعمل منظومة.

ما جرى في نهاية العهد الأموي والعصر الأول العباسي مهد بشدة إلى منظومة تنمية التخلف الفكري، فشكل الجهاز المعرفي الحاد والعادات والتقاليد والسلوكيات والانفصال عن الواقع والانفصال عن الدولة وتشوه المعاني وسيادة الظلم والاستبداد، وهو أكثرها خطورة وتأسيس للتشوه في القيمة البشرية ومعاني العدل والإحساس بالمسؤولية العامة، فالأمة ليست إلا أناسا يحكمون وتزود السلاطين بالضرائب وليست ذات أهلية ليؤخذ رأيها، وأن الحاكم هو من يعرف أين المصلحة، ومن مسيرة الخلاف الذي بدأت عنده الأمة تتشظى في صفّين والطف، إلى مسيرة المحافظة على القرشية إلى ضرورة طاعة السلطان الظالم نزلت الأحاديث الموضوعة والروايات والعبر التي تدعو للاستسلام والاستكانة وتغير معنى الصبر إلى الاستسلام والاستكانة، إلى أن وصلنا اليوم إلى أمة غثاء كقطيع من الأيل تفترس صغيرتها ويقف القطيع يراقب سنورا يأكل أحدها بكل بلادة منتظرا دوره، بل تطور الأمر إلى هجاء المظلوم والتشفي به، أو المشاركة في إسقاطه ليكون فريسة سهلة ووصلنا اليوم إلى المشاركة في تمزيقه ليسهل مضغه وتجويع دول ومقاطعات بقرار أجنبي ننفذه بكل عناية ودقة، وإن وجد الرسول وقومه من يمزق وثيقة المقاطعة من قريش فلا أحد اليوم يتحرك وإنما نرى أمورا تثير العجب من التشوه الفكري ومن أناس يعدون دعاة للإسلام. وهذا كله في منظومة تنمية التخلف من جراء الجهاز المعرفي الذي يزداد تشوهه بإعادة التغذية للتخلف لمنظومة الحياة العامة ليصبح الحق باطلا والباطل حقا والمنكر معروفا والمعروف منكرا والناس عدوة لأملها.

ضرورة ملحة

 لا بد أن نفرق ما بين هو نص وبين الاجتهاد البشري وإصلاح الجهاز المعرفي لقيادة الواقع والارتقاء به


من الضرورة بمكان إحداث اليقظة وأن تتجه الدول للنهضة بتغيير الجهاز المعرفي للناس والعامة وأن يرفع عنهم ما هم فيه اليوم وتنقية الفكر من عوالق التاريخ البشرية الطائفية، مثلا استحضار عوامل الاختلاف وإهمال العبرة بتقديس الرموز التي استبدلت الآلهة بها. اليوم الكل يتكلم الكل يريد أن يثبت أنه صواب لا مجال للتفكير والمراجعة، لهذا نحن أمة غثاء، والغثاء هو النفايات التي تحملها السيول فما عندنا هو نفايات كل شيء، من الدين نأخذ أعقد الأمور مما أبدع في تعقيده مجتهدو العصور لغير عصرنا، ولا يتناسب مع أدائنا والعالم من حولنا فأضحى كلاما للمجالس لأنه لا يطبق ولا واقع له ولا من يعلمه يربطه بسلوكه، فترى ناصحا ينصحك وهو يتصرف التصرف المشين فضاعت القدوة والكلمات. والنخبة تأخذ من العلم المظهر وإبراز المعرفة والغلبة وهي ليست معنية بدقة أو فهم، إلا الانتصار بالجدل والكلام بلا هدف؛ كذلك نأخذ من التاريخ الاختلافات كما نلاحظ الانقسامات التي تحولت من السياسة لتؤصل في الشريعة وتشظيها لطوائف متناحرة وكأنها أديان متعددة، فلا هي تتعامل مع بعضها كما يتعامل المسلمون مع أهل الذمة بالحفظ ولا هم يتجاوزون الخلافات ويجردوها من الشرع لتكون أحزابا سياسية تتطور مع الزمن.

خلاصة القول، لا بد أن نفرق ما بين هو نص وبين الاجتهاد البشري وإصلاح الجهاز المعرفي لقيادة الواقع والارتقاء به.. إن حال الأمة محزن والكل مسؤول في استعادة ذاته لأنه مهم في الحياة مهما كان علمه أو حرفته.

السبت، 1 فبراير 2025

148 - خطأ فهم الفلسفات القديمة واثر هذا في التشظي

 رابط عربي 21

مفاهيم مشوهة المعنى

على الرغم من حرص الأولين إلا أن التقنيات المتاحة لهم ليست كافية، وإن قابليتهم للإصغاء والتصويب لم تك كافية أيضا لذا نرى الانقسامات على أمور جزئية لا تأثير لها أحيانا على واقع الحال، وإنما هي خلافات فلسفية انتقلت إلى الفقه واختلط الفقه الحضاري مع الأمور المدنية كالسياسة، والتي يفترض أنها تراكم للجهد البشري ينقى بالقيم وليس فيه حلال وحرام وإنما صواب وخطأ، أو القول بأنه صالح للحالة أم لا.

طرح الفلاسفة نظريات مستسقاة من الفلسفة اليونانية كالرازي قبل تخليه عنها، حيث طرح نظرية الفيض وهي نظرية لا تتفق والإسلام بل متخلفة جدا. والفلسفة اليونانية في طرحها لتفسير الكون والحياة كانت قاصرة، فهي من طرح تسطيح الأرض وأن القلب الذي في الجوف هو المحرك للجسم، فاختلط التداخل هذا عند العلماء سواء في الرد على الفلاسفة أو في التفاسير لأن المصطلحات دخلت إلى الكلام، والتفكير لهذا نجد معاني قرآنية ليست مستعملة في التفاسير وإنما مصطلحات فلسفية، فالفقهاء في الرد تبنوا المصطلح الذي يردون عليه ودخل عند المقلدين خصوصا أن عبارات ظهرت تمنعهم من فتح كتب الفلسفة أصلا (من تمنطق تزندق) ومن هذه الكلمات التي تشوه معناها القرآني: الروح، النفس، القلب، الفؤاد، العقل.. فالروح في القرآن هي أمر الله بالخلق، أما في الفلسفة اليونانية فهي شيء خارج الجسم يرتبط بالإنسان ويفكر وهو ما نجده في بعض التفاسير وآثار العلماء، فالنفس هي الإنسان في القرآن وهي لها أدواتها في التفكير والعقل فعل وليس اسم، ولم يأت كاسم في القرآن وإنما كان اسما في الفلسفة اليونانية.

هذه المعاني تحتاج إلى تصويب، فهي أوقعت الفكر الإسلامي في مشكلة كبيرة جدا، منها إيقاف التفكير نفسه، والتعامل مع المنطق والفلسفة نتيجة التيه الذي وقع به الأولون فالتجأوا إلى التكفير والرفض وتركوا أثرا يحمل لغة ما رفضوه فضاع من بعدهم أكثر

القلب موطن التفكير في القرآن ليس المضخة التي في الجوف وإنما في الناصية حيث مقدمة الإنسان ومقدمة الشيء صدره، وإن كان موطن الإحساس والتفكير بما هو معروف في التفاسير فهو تأثر بالفلسفة اليونانية، فالقلب مصطلح على مضخة ليس لها توصيف في الإسلام غير هذا والقلب المفكر هو في الناصية كما ذكرنا.

هذه المعاني تحتاج إلى تصويب، فهي أوقعت الفكر الإسلامي في مشكلة كبيرة جدا، منها إيقاف التفكير نفسه، والتعامل مع المنطق والفلسفة نتيجة التيه الذي وقع به الأولون فالتجأوا إلى التكفير والرفض وتركوا أثرا يحمل لغة ما رفضوه فضاع من بعدهم أكثر؛ وعلينا إضافة مفاصل أخرى كالتمييز بين الحضارة (تختص بالفكر والإنتاج الفكري) وبين المدنية (تراكم الجهد البشري).

لقد فقد الناس الذين يلتهمون الغاية من الخلق وفهم الآيات وإدخال تصورات تقرب إلى الخرافات؛ رفضها البعض وقبلتها منظومات التفكير البسيطة والجاهلة، بل الجهل بات يفرض نفسه والطقوس الدخيلة أضحت الدين وليس من صلبه فقط، وعندما حوكم المنطق والفلسفة اتهمت الفلسفة وليس القصور الذهني، بينما الفلسفة هي الحكمة. والله جل وعلا قال: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرا كَثِيرا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ". واللب هو أعمق نقاط الفهم والتفكير، لكنهم قرنوها بالفلسفة المستوردة الوثنية والأسطورية والتي حاول البعض دمج التوحيد معها أو مجادلتها بلغتها وقواعدها وهذا كان الخطأ، فنحن لا نستغني عن الحكمة في استقراء واقعنا ومن ثم استنباط العلاج بدل التقوقع واستنباط قوالب لا تحتوي الواقع وإنما تشوهه.

أسلوب الهروب بالإنكار أوجد فرقا مثل القائلين إن القرآن كاملا فعليه لا يحتاج إلى الحديث، هذا الفهم الناقص يقابله تقديس لرواة أو جامعي الحديث بحيث لا يقبلون المراجعة. وربما هذا التعصب أوجد ذاك الانحراف في الفهم، فالجهاز المعرفي لا يرتكز على المصدر وهو صناعة بشرية، فهو سيحتاج إلى المصدر وأداة التفكير والتحقق وإلى المنظومة العقلية ككل والفهم الذي هو أهم ما في الفكر وموازنته، ثم نرى المخرجات على الواقع ونعايرها مع مهمة الإنسان الأساس، وهي اختبار لمنظومته العقلية وصلاحيتها في الإبداع وهو معنى "علّم آدم الأسماء كلها" والله أعلم.. ثم نرى هل كان هذا مناسبا للمجتمع أم يتطلب مزيدا من الدراسة والفهم للمجتمع وللفكر فيخرج من مثاني القرآن الأجوبة بهذا المنهج.

المسألة أن العلماء في كل عصر يريدون أن يجيبوا على كل الأسئلة وعلم عصرهم ليس كافيا للإجابة على كل الأسئلة فيخرجون بأمور يختلف عليها، أو ينكرون فعل الزمن فيتمسكون بما أنتج السابقون، وهو في الحقيقة أما صواب حل مشاكل عصرهم لا مشاكل عصرنا وتطور المدنية

تشكل الفرق لسوء الفهم بالوهم

الحقيقة أن التعامل مع الفلسفة القديمة كنتاج فكري لم يوضع له منهج واضح لهذا اختلف الباحثون في أسئلة أصلا محلولة في القرآن، ولكنهم اتبعوا منهج ما تبنونه فلم ينتبهوا للحل.. القضاء والقدر أو هل الإنسان مخير أم مسير، لو نظر إليها بمنهج فلسفي صحيح أي بالحكمة القرآنية لما ظهرت الفِرق كالمعتزلة والأشعرية والمرتدية وغيرها، وهي ببساطة على سبيل المثال أن الإنسان في ماهيته التفكير فهو مخير ولأن أساس وجوده على الأرض هو لاختبار منظومته العقلية، فمن العدل أن يكون كامل الأهلية. وهكذا الأسئلة الأخرى التي ناقشناها في مقالات سابقة وفي كتاب "فلسفة منظومة الأخلاق في الإسلام".

المسألة أن العلماء في كل عصر يريدون أن يجيبوا على كل الأسئلة وعلم عصرهم ليس كافيا للإجابة على كل الأسئلة فيخرجون بأمور يختلف عليها، أو ينكرون فعل الزمن فيتمسكون بما أنتج السابقون، وهو في الحقيقة أما صواب حل مشاكل عصرهم لا مشاكل عصرنا وتطور المدنية، أو أنه تيه سرعان ما يكفر كل جديد أنه بدعة وضلالة، أو يستوردون خلافات الماضي لعجزهم عن التفكير في المستقبل لافتقادهم لمنهج التفكير للمستقبل والجهل المركب الذي يتمكن فيفرض عليك نفسه ويعتبر أمل الأمة جهلة بل أعدائها.

إن تخلف الأمم ليس لقلة مفكريها بل لجرأة الجهل وضعف المثقف في الدفاع عن نفسه أمام الجهل وتهوره، فالفهم قائد ومتى ضعف الفهم انحدرت الناس إلى الضلال
.

الجمعة، 31 يناير 2025

147 قطر ودبلوماسية المستقبل وظيفة دولية في عالم ساخن

 


رابط الشرق الالكتروني

عندما تلتزم دولة ما بالإدارة لسياسة السلم وقيادة أي بادرة للتفاوض نحو إحلال السلام والتفاهم بدل الحرب، فلا تسأل عن الدولة وحجمها الجغرافي وإنما الفعل والأداء، وإن كانت بريطانيا قد سميت بريطانيا العظمى في عسكرتها وانتشار قوتها العسكرية نحو العالم وهي بحجم صغير جغرافيا، فليس مبالغة في القول إن قطر هي الأكثر تأهيليا لتكون العظمى دبلوماسيا بل هي تنجز فعلا في هذا المسار في وضع دولي ساخن، وهي ليست عاملة على دبلوماسية المنطقة بل قيادة التفاوض الدبلوماسي وإحاطة من التمكن الواعي الذي يبدو منهجيا ومدروسا، ولا شك أن هنالك نقصا مهما في جانب تطوير المهمة الدبلوماسية بفراغ كما أراه ولا أدري إن كان موجودا فعلا وهو مركز دراسات إستراتيجي فاعل يجمع طاقات استثنائية يساعد في تأطير القيادة الرائعة للدبلوماسية والمشاركة في الحلول لمشاكل تتعقد كثيرا.

* دول الخليج عموما لها مهام وتقوم بها بشكل ما لكن تحتاج إلى توحيد التوجه وإدارة الحياة فعلى سبيل المثال فإن السعودية مفتاح للطاقة العالمية، كما الإمارات للمال والأعمال وهي مع دول الخليج الأخرى تمثل دعما لقوة الدولار لأنه العملة التي يباع ويشترى بها النفط فبالتالي هو عملة التجارة العالمية، ولعل تنسيق هذه التخصصات بدعم البعض للبعض خير من تنافس لا يجدي فعلا فهنا سيكون اختراقا للقيادة الإدارية برجال دولة مؤهلين ليس مدحا وإنما وصفا من خلال منجزات على الأرض، وإدراكا من قيادتها لأهمية هذه المهمة وفاعليتها (اقتبس) «ففي الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2022 صرح أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بأن الوساطة في حل النزاعات هي عنصر أساسي في سياسة قطر الخارجية بهدف ترسيخ الدولة كحليف دولي يمكن الاعتماد عليه « (الاقتباس ويكبيديا).

استشراف وحصافة

هنالك فرق بين التفكير العلمي وإدارة المصالح، وبراغماتية التماهي دون الضياع وهو أمر لا يدعوك للتخلي عن القيم وبين البراغماتية العميقة... فمعرفة الدور والتنمية فيه والاستثمار وتأطيره بذكاء وصناعة الفرص هو غير استغلال الفرص، صناعة الفرصة في النفوذ الإقليمي البناء يلقى دعما شعبيا واحتراما دوليا، ولو نظرنا إلى بعد نظر الدبلوماسية القطرية في شأن سوريا التي كانت نموذجا مبدئيا للانحياز تجاه الشعب.

مفاوضات المهام المستحيلة:

لدولة قطر بصمة نادرة في المفاوضات والعلاقات الدولية وأبرزها مفاوضات أفغانستان وغزة الآن لكن هذه نقطة من نقاط المساهمة في حل النزاعات المسلحة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، ويمكن الإشارة في هذا

أ‌- توقيع اتفاق الدوحة للسلام في أفغانستان بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان في فبراير 2020.

ب‌- مفاوضات فلسطين المهمة.

ت‌- إعادة المختطفين من قبل بعض القوى المسلحة.

ث‌- المشاركة في قوات حفظ السلام التي شكلتها الأمم المتحدة في العديد من مناطق العالم من لبنان، إريتريا، البوسنة.... إلخ.

ج‌- تسوية الأزمات الداخلية لبعض الدول مثل إريتريا، لبنان، وأزمات وحروب أهلية في اليمن والسودان، ومنازعات حدودية في جيبوتي وإريتريا، وحروب ذات طابع دولي كالحرب في أوكرانيا.

ح‌- مبادرات في حل المشكلات التي حدثت في بعض الدول العربية، كمشكلة دارفور، اليمن، لبنان، فلسطين.... إلخ.

خ‌- الوساطات الدولية، حيث انتهجت دولة قطر في سياستها الخارجية نهج الحوار والمساعي الحميدة والوساطة والدبلوماسية الوقائية والعمل على تسوية المنازعات والأزمات بالطرق السلمية وبكل حيادية واستقلالية ووفق أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومن هذه الوساطات مثلا جمهورية فنزويلا أطلقت سراح سجناء أمريكيين، مقابل إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية سراح سجين فنزويلي، بعد عقد عدد من جلسات الوساطة بين الطرفين قادتها قطر..

د‌- الوساطات بين الدول والقبائل والدول ومسلحين

وهنالك أعمال لا يمكن حصرها جميعا فما يذكر للدلالة والمثل فهذا الدور مهم وكبير ويحتاج إلى مواهب وخطوات ومنهج علاقات عامة وفهم للتفكير وأساليبه للمقاربات، ولا ريب في هذا فقطر من أرقى النظم في التنمية البشرية ورفاهية الفرد من خلال الدخل المعاشي وإن كان الإعلام لا يركز هذا باعتباره واجبا.

دبلوماسية المستقبل

دبلوماسية المستقبل مع ضعف الخطاب الدبلوماسي المتراجع عالميا يضع ترشيحا لقطر موضع الإبداع كدولة حياد تنظر أين موضع الحق فتسعى لتصويب الطرق لإحقاق الحق، لفرد من ضيم أو دولة من ظلم ويد مفتوحة للاحتضان والكرم.

وهذه ليست مهمة سهلة أبدا في واقع كواقعنا؛ من أجل هذا فتوسيع المهمة وتأطيرها هو كما أراه استشرافا آخر سيحتاجه العالم لأنه بدأ يستقطب من جديد ويتوتر وينذر بحرب أو حروب تحتاج الحصافة والمهنية والخبرة من دول عظمى في الدبلوماسية أمام دول ستختار الحرب عاجلا أم آجلا بسبب تدني المستويات في القيادة الإدارية والسيطرة الحقلية واقعا، لها خط واضح دبلوماسي يؤلف بين المختصمين حتى المخاصمين لها، وسياسي في رعاية المصالح الداخلية، فنجاح الإنسان بنجاح المنظومة العقلية في التفكير وإبداع الصواب والسلم والخير، إنها منظومة تستحق أن يستثمر معها وفيها فكثير من الماء قد يصرف على أشجار ميتة نحبها لكنها عبء وخسارة، فمن شاء أن يرى المستقبل عليه أن يعدل معايير النجاح والتطوير والتوسع مهم على أية حال.

الأحد، 26 يناير 2025

146 - غزة العزة مدرسة للإنسانية عرض ومقترح

 


المشهد الرائع:

كانت حماس فيما يبدو في الدفعة الأولى تختبر ثقتها باهل غزة وثقتهم بها، فوجدت الأهل هم الأهل وأن المصائب تنزلق عن أكتافهم ولا تتحول إلى حقد وان الإنسانية فيهم تتجدد وترتقي ويظهر معدنها النقي، فكانت الجولة الثانية في تسليم الأسرى بعد وقف إطلاق النار في يوم 25-21-2025.

ارتقى المنصة شابات مجندات واهل غزة تودعهم بتحية الرقي الحضاري بفكر يثق بالله وصبر عجيب على الحفاظ على الإنسانية وأخلاق الإسلام، وشعب متمدن بالسلوك وأسلوب العمل الإداري الراقي لتسليم الأسرى فهم أمانات انتهت عداوتهم ساعة أسرهم وأصبحوا يعاملون بحب الله.

كانت العلاقة بين الآسر والمأسور علاقة وطيدة ومنهج فيما يبدو كأسنان المشط، هنا الفتيات أحست كم من الاحترام للمرأة

مشهد رجال دولة تسلم بشكل رسمي وموثق لحفظ الحقوق لهؤلاء الجنود المأسورين، مع جهة رسمية دولية، انهم دولة بكل معنى الكلمة، فالدولة ليست بسعة الأرض ولا بالسلطة فحسب وإنما بالسلوك المسؤول، جند كما قال أحد شباب غزة (هؤلاء الأبطال لا يحمونا الآن فقط بل حموا عرضنا، ونحن اليوم من نحميهم)، شعب متعلم بنفسية لا تحتاج إفهام فقد صقلها القرآن والبيان

هذا المشهد لنموذج متمدن عادل لا يخاف منه الغدر ولا البهتان ولا أي شيء ينزع عنه صفة إنسان، المشهد كان بروعة قنالهم في الميدان ونموذج لحملة الرسالة والقضية.

رسالة غزة، فرحنا بعودة ضيوفنا إلى أهلهم وقد كنا أهلكم وبكل المحبة ودعنا من استضفناه وكان يقاتلنا، اذهبوا وافرحوا من يحبكم في الطرف الآخر فاليوم عيد وسنفرح بلقاء أسرانا العائدين.

المشهد المقابل:

مزيدا من القتل والدم وسوء النية في المظهر والجوهر ومنع الاحتفال وإخراج السجناء بمنظر مزري، بل مداهمة بيوتهم بعد عودتهم والتحقيق مع أهلهم أو اعتقالهم ربما لأنهم فرحوا، استمرار بالتلكؤ في تنفيد الاتفاق وإضمار وإعلان النوايا السيئة، تصرف همجي لا يبلغ الرقي ونفسية يملأها الحقد والكراهية، هذا النموذج الذي يخضع له حكام الغرب ويبيع ضميره من أجله ويعتبرونه الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، كان قصفهم يقتل الأسرى بل هم كان خوفهم ليس من آسرهم بل هم عاشوا المصير المشترك من بطش الهمجية وتطبيق الكراهية التي كانت تنفد بأسلحة أمريكية وغيرها.

استنتاج أولي:

كل ما نتحدث عنه هو استنتاج أولي فالحكومة الإسرائيلية تأبطت شرا ولا تؤتمن وهي بسلوكها المؤذي عار على كل من يدعمها فهي ليست أهلا لا في الحرب ولا في السلم، بالتأكيد الموقف وضعها أمام مقارنه مع حماس ورقي حماس، كان عليهم أن يبدو رقيا وحسن نية لكن إبليس لم يجامل عندما كره آدم وخالف الحق، هذه ناس لا تريد السلام لانها تعيش في الفوضى، ولا تريد أن يرى شعبها أن ما تقوله تجاه أهل غزة محض ادعاءات كاذبة، أهل غزة من هم اليوم؛ هم شعب يقصف ويقتل ويشرد ويؤذى أي أذى وتهدم مساكنه ويدفن أطفاله ويجوع، ثم يودع الأسرى وكأنهم ضيوف وقد عوملوا كذلك طول الوقت هذا شعب يجسد تعريف الآدمية والإنسانية بأرقى صوره، ومع هذا قومهن البهت يريدون أن لا يرون هذا المجد الحقيقي عندما تحافظ على أدميتك وصدقك ومحبتك لله ثم الحياة، بل يريدون الحرب من اجل كرسي لموتور

خلاصة القول:

بعد أن اتضحت أهلية حماس والقسام ورقي سلوكهم وحضارتهم وتمدنهم المتطور ليبرز هذا المشهد، واتضح الفساد والإفساد عند هذا الكيان، بحيث يخالف العهود والوعود ويطلق الأسرى ليعود ويعتقل من يعتقل أو يمنع الناس من فرحتها، ورقي إدارة حماس أمام اضطراب وعشوائية الحكومة الإسرائيلية، وانها تستخدم كل ما تملك للأذى والدمار، نرى أن يتصرف الغرب والولايات المتحدة التي تشاركها الجرم بمساعدتها ودعمها من اجل مواقف معروفة....تصرفا صالحا لمرة تنهي هذه الفوضى في المنطقة التي يسببها كل فوضوي مثله، وتوقف الحروب وتلتفت لمشاركة العالم  في التنمية والبناء والإصلاح وان تضع الولايات المتحدة ووفق سياسة ترامب برنامجا واضحا لحل القضية الفلسطينية التي هي معاناة عند الأمة وتجارة عند البعض، بحل يوحد الناس التي تعيش على ارض فلسطين بدولة واحدة ضمن برنامج مدروس لتكون ديمقراطية حقيقية، تبدأ من تشكيل حكومة مؤقتة تشرف على انتخابات ينتخب بها الفلسطينيون مرشحين يهود وينتخب اليهود مرشحين فلسطينيين ولمدة قصيرة تقوم هذه الحكومة بتطبيع وتوحيد المجتمع ثم تجري حياة ديمقراطية مثل أية دولة ديمقراطية، ليتخلص الشعبان باتحادهما من المزايدين والمتاجرين ومن فرانكشتاين ودراكولا وليكون ما راينا من مشهد ممثلا لفلسطين باتحاد تاريخي يصحح الأمور بينهم وهنالك فعلا مقترحا سبق نشره في عدة مواقع لكن لم يبق إلا على الرابط التالي ممكن أن يطلع عليه رغم قدمه ويحدث بما ذكرنا في مقالنا هذا.

https://www.odabasham.net/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/109577-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D9%82%D8%B1%D9%86

 

وننتظر المشهد القادم بدرس جديد ومشهد راقي آخر تعلمنا إياه القسام

                                                                             


السبت، 25 يناير 2025

145 - ترامب نقطة نظام محتملة لتغيير السياسة التقليدية الامريكية

 رابط عـــ 21 ـــــــربي

رابط داخلي


ترامب كانطباع عام:

بدقة الوصف، اختصر الانطباع العام الدكتور مصطفى الفقي عن ترامب؛ "إننا أمام القذافي بكلماته الغريبة وأمام صدام في العنف"، الذي أراه أنه يمثل بكل شفافية المنهج الأسبرطي الذي تعتمده أمريكا في اليد الضاربة، وهو إخضاع وإذلال العدو ولا رحمة وإن خضع، وتحترم العدو القوي المنتصر دون تأمينه من الانتقام، وهو يتعامل مع الأمور كما تعامل في تلفزيون الحياة، ومن منطلق الأنا الرأسمالية وطغيان ونشوة العصامية بلا حدود الأخلاق، عدا قيم النفعية التي لا تفرض على القوي أي نوع من البراغماتية.

الاستراتيجية الأمريكية:

كل الرؤساء الأمريكيين موالين لإسرائيل بحكم سلطة المال والأعمال والإعلام وتأثيرها على المستقبل السياسي للسياسيين، ومع قيمة النفعية، تصبح العين التي يرى بها الساسة هي عين صهيونية، وليس من قيم أخلاقية أصلا في منظومة الدولة الحديثة، لكن المبالغة في وصف السيطرة يأتي من استسلام الشخصيات المؤثرة، وليس من شروط التأثير للكيان. وترامب ليس بالشخصية التي تقاد بالتهديد والخطورة؛ لأنه وفق مسار حياته لا يعرف الخسارة، وإن عودته إلى الرياسة لإثبات أنه لم يك خاسرا لشعبيته واحتفاله في الكونغرس ليس لأسباب أمنية فقط، وإنما ليبدأ حيث انتهى مستأنفا بعد فترة يعتبرها وقتا ضائعا.

ترامب ليس بالشخصية التي تقاد بالتهديد والخطورة؛ لأنه وفق مسار حياته لا يعرف الخسارة، وإن عودته إلى الرياسة لإثبات أنه لم يك خاسرا لشعبيته واحتفاله في الكونغرس ليس لأسباب أمنية فقط، وإنما ليبدأ حيث انتهى مستأنفا بعد فترة يعتبرها وقتا ضائعا.


فرصة تاريخية لأمريكا ترامب:

لم يأت الرؤساء الأمريكيون بجديد وهم يتعاملون مع المنطقة العربية والإسلامية، وإنما تعاملوا معها في التكتيك، ومن خلال استراتيجية دعم إسرائيل التي هي في الحقيقة ليست إلا منصة، ثبت أنها ليست قابلة للحياة المستقرة وجلب المنافع للولايات المتحدة، وهو ما زاد بلله لطبيعة ترامب في دورته الرئاسية الأولى؛ لأنه أمعن في تجسيد وجهة النظر الإسرائيلية نحو العرب والمسلمين في الكراهية، والتقليل من شأنهم وتوريط الولايات المتحدة في حرب غزة الأخيرة بجرائم الحرب التي قتلت الأبرياء وهدمت العمران، ولم تحقق الهدف المستحيل، وهو كسر إرادة شعب مظلوم يحمل قضيته في دمه.

لذا، فبإنشاء استراتيجية موازية لا علاقة لها باستراتيجية أمريكا- إسرائيل، سيخلق نوعا من التوازن السلوكي لأمريكا كدولة كبرى لا بد أن تأخذ القرار اللائق وليس التورط في جرائم حرب، أو تنظر إليها الشعوب كمصدر وسبب للتخلف عندها وتعاظمه، فهذه الشعوب لا تعيش الحياة، وإنما تعاني شظف العيش وهم أغنياء بثرواتهم، بعضها لأمريكا دخل مباشر في إنشاء منظومة القهر والفقر والتخلف فباتت كفرنكشتاين، الذي يتصرف بلا إحساس وعقل، فكان التدمير.

وعلى العرب في المقابل أن يعتزوا بأنفسهم ويصالحوا شعوبهم ويسعوا لبناء استراتيجية، وليس لترضية ترامب وتجنب دراكولا أمريكا، ولكن ليكونوا بناء دولة صلدة لها شخصية وكينونة كما تريد، لا كما يريد الآخرون وتكون موحية بالثقة لبناء استراتيجية رصينة الموازية. دون شك إنها فرصة ترامب أن يضع بصمته التاريخية، يسجل له في تغيير السياسة الأمريكية نحو منهج أكثر فاعلية وقبولا وإيجابية، تحدث نقلة لتعريف العلاقات الدولية والتحالفات في المنطقة الحساسة هذه والمهمة للمصالح الأمريكية، كما أمريكا مهمة لمصلحتها بإقامة صناعات وتحالفات آمنة، ولها ديمومة ولا تشكل عبئا، وهي في واقع فوضى مضطرب.

القضية الفلسطينية:

زلزال تشرين الأول/ أكتوبر كشف نقاط الضعف في الواقع والتفكير، وحيث يجب التغيير لا الترقيع، كشف الوحشية والكراهية والرغبة في التدمير، وكشف مواقف إنسانية في أناس يحملون القضية.


إن زلزال تشرين الأول/ أكتوبر كشف نقاط الضعف في الواقع والتفكير، وحيث يجب التغيير لا الترقيع، كشف الوحشية والكراهية والرغبة في التدمير، وكشف مواقف إنسانية في أناس يحملون القضية، ومع هذا، يقال إنهم إرعابيون (الإرهاب خطأ لغوي). عناصر القسام أحدثوا مقارنة لكل عين ترى ما يفعل الصهاينة عند تمكنهم من الأسرى، وأذيتهم وإذلالهم وتفريغ الكراهية فيهم؛ وما يفعل عناصر القسام عند تمكنهم من الأسرى. والأمر واضح جلي كيف بنى تعاطفا إنسانيّا وعلاقات سليمة يحاول الصهاينة جهدهم تسفيهها، لكنها تثبت نفسها في طرح العائدين من الطرفين ولن تستطيع أن تقارن، فالظرف ظرف اعتداء وموت، وربما من يرعى الأسرى فقدَ من أهله وإخوته أو أبويه، لكنه كان إنسانا قائدا، ويمكن أن يكون رجل دولة.

وضع غزة غريب تعريفه ليبدو استقلالا تحت الاحتلال، لكنهم واقعا يعانون التهميش وتلاشي الأمل في سجن بلا جدران. علينا أن نعرف المشكلة لنعرف إن كان لها حل، هل المشكلة هي اليهود أم الصهاينة وقيام كيان معاد للبيئة، ويرغب في ترويضها وتطويعها وامتصاصها والحرص على استمرار تخلفها، إن قتلهم فهو دفاع عن النفس، وإن فشل في إبادتهم فهي هزيمة، وإن دافعوا عن وجودهم وحريتهم هو إرعاب (الإرهاب خطأ لغوي)؟ الأمران مختلفان، لكن استعباد اللوبي اليهودي في أمريكا للمتنفذين يغيّب إنسانيتهم فيرون الجرح جريمة عندما يكون الجريح إسرائيليا، وليس بشيء يستحق الذكر أن تبيد 10 في المئة من شعب، وتخرب بيوتهم وتجوعهم وتعطشهم وتمنعهم من الاستقرار وتعاملهم كالفئران تطردهم من هذه الجهة وتلك، وهنا مات العالم الراضي ليس موت الضمير، بل موت الآدمية وإنسانية الإنسان.

هؤلاء المتعصبون ليس لهم أهلية الحكم، لكن إن كان العيش عيش اليهود، فمن الممكن أن تقام دولة ديمقراطية واحدة تجري فيها انتخابات تبدأ بأن ينتخب اليهود المرشحين الفلسطينيين، وينتخب الفلسطينيون المرشحين اليهود إلى أن تبنى الدولة فينتخب الجميع للجميع، وهنالك مسار لهذا المقترح في مقال سابق عنوانه دولة واحدة لا صفقة.

الجمعة، 17 يناير 2025

144- جدلية التغيير الفكري

 رابط عربي 21


ميزة الآدمية التوسع الذهني

إن الله خلق آدم وميّزه بمنظومته العقلية الجبارة التي لها القدرة على قمع أي شذوذ في الغرائز أو طلب للجاجات إن امتلكت الفهم والحس بأن هذا خارج المعهود، فالعقلية طاغية وليست حيادية مع النفسية والاثنان يشكلان شخصية الإنسان، وخلق الإنسان الذي امتدحه القرآن في رسول الله هو طبيعة الإنسان الممثلة لغلبة العقلانية على الغرائز التي تبدو كرد فعل، وهذه مدمرة للعيش المشترك وغالبا هي سبب تدمير أرقى رفقة في رحلة الحياة وهي الأسرة أو عقد الزواج، لهذا كان نصح رسول الله أن من يتقدم لكم للنسب وهو ذو خلق طيب وحسن ترضوه فزوجوه، لأنه لن يؤذي أهله برد الفعل الانفعالي وقبوله يعد أساس للبناء السليم ولا يحبط فيكون فاسدا، وذو الرجاحة إن فسد مؤذ للمجتمع.

فالمعلومة ليست كل شيء وإنما فهم المعلومة ومعالجتها وتحويلها إلى شيء عملي هي من سمات المنظومة العقلية الآدمية، فلو عالج أبونا آدم المعلومة لكان ذا عزم أي ذا تفكير وقرار صائب بينما هو قرر بعيدا عن المعلومة وإنما بدافع غريزة حب التملك والبقاء، حيث تهذب الأنا فيضعف الغرور والكبر وغيرها.

التغيير سنة كونية

ليس من لحظة زمنية تمر على الإنسان وتعاد، لكن ما يعاد هو النظام وماهية النظام التكرار لليل والنهار والحساب لوقت يمضي، كذلك التغيير سمة للإنسان الذي يفكر، ينتقل من فكرة إلى فكرة ومن حالة إلى حالة لا يبقى لديه مستقرا إلا الغايات، والغايات متغيرة وفق قيمة أكبر هي الحياة التي لا ترخص إلا أمام القيم والعقيدة، وتلك إن فقدها يصبح فاقدا للكينونة فلا قيمة حقيقية للاستمرار.. أولئك الشهداء ويسمون في جهة أخرى المضحون وهم مناضلون من أجل قيمة يموتون في طريق نصرتها.

لم يعد الموت الخيار الوحيد أمام نجاح المناضل أو المجاهد، بل الجهد لنصرة العقائد عبر وسائل التواصل الحديثة ويمكن أن تتبناها دول كما تبنت الساتلايت والذي هو جزء من وسائل الانتشار والدعوة إلى الفكرة.

الإنسان وخطوات التغيير:

نلاحظ انتقال الناس من فكر إلى فكر أو من عقيدة إلى عقيدة أو من منهج إلى منهج، وفي مقالات سابقة ذكرنا العوامل المؤثرة على الإنسان، بيئة الطفولة، ثم بيئة المدارس، وبيئته الاجتماعية المحيطة، وتأثير سياسة الدول، وفاعلية أفكاره نفسها في تولد الاعتقاد الجازم بصحة التوجه، وقابلية الإنسان على التجديد والتحديث أو حتى الإبداع في ربط الواقع وإدارته مع فكره، فترى بدايته في تفكير الأسرة ويتبنى معتقداتها، ثم يتحرك الشك في المدارس والمحيط، وتأثره بعدالة المجتمع والدولة، فينتقل فكره لتبني الجديد؛ ليس لصحة الجديد وإنما لقناعته بعجز القديم.

وهنا قد ينتقل من نفق مسدود إلى نفق مسدود، وغالبا نصرة الفكرة بتجاهل أو إعتام فهم المجتمع هي سدادات الطرق التي يسير بها الإنسان الذي يريد أن يحقق شيئا، فإما أن يبدع أو يدور بلا حل في الأفكار المتاحة كما فعل أبو حامد الغزالي فلم ينهج جديدا وإنما انتقل بين الأفكار في عصره، لكن في القرن العشرين ظهرت محاولات تجديد إلا أنها لم تتخلص من التراث وما نقل من إخفاقات فكرية وسلوكية واختلاط التفاسير بين الفقهاء والفلسفة اليونانية، لهذا نجد استخدام لمصطلحات ومفاهيم فلسفية لا تشابه الخطاب القرآني، مثلا القلب القرآني هو موضع التفكير والصدر هو الرأس، بينما القلب التشريحي في الجوف ولا علاقة له بالتفكير والعواطف فالمنظومة العقلية هي في الرأس، لكن القلب الجوفي المفكر هو في الفلسفات القديمة والدماغ مجرد حشوة عند البعض ونواقل عصبية، والفؤاد هو أيضا في القلب المضخة. وهذا كله ليس صحيحا فالقلب يستعاض عنه بمضخة بلاستيك، والفؤاد مركز الحس وهو في الرأس، ومساحة واسعة جدا للتفكير وإنشاء الاحتمالات والمسارات، هذه إن كانت عاملة عند الإنسان يتطور ويتسع فكره وينتج الجديد ونرى خيارات إضافية وليست تقليدية، فتحول الإنسان إلى فكر بلا تخطيط تقوده العاطفة يضعه في ورطة فقدان التحكم في المصير، وانتقاله إلى شيء موجود فاشل سيزيد في الطين بلله. وهذا الأغلب في مجتمعنا لأنه يعتمد القوالب الجاهزة من نخبته تجعل المجتمع مختبر تجارب لأفكار تبقى رواسبها وصراعاتها حتى بعد رفضها من المجتمع، كما يعتمد الاستنباط والتقليد في الدين فيكون الشباب المندفع وقودا لفشل هذه التنظيمات حتى لو صدقت، ناهيك عن تلاعب ذوي المصالح بها.

ما الذي نحتاجه:

أن نبتعد عن الأوهام ومثالية نقلت لنا عن الماضي وشخصياته بحيث أصبح الماضي بأشخاصه واجتهادهم مقدسون وهم الدين والثقافة والدولة، وهذا ليس صحيحا، وأن نفكر في واقعنا نستقرئ أحواله ومشاكله ونستنبط له حلولا نعرضها للناس إن وافقوا نضعه كتجربة لشعب، فليس إسلام السابقين حلا كما إن نقل تجارب الشعوب الأخرى حلا، فكلها قوالب، والأصح أن نركز على أهلية المجتمع وأفراده وسيصل المجتمع إلى خيارات الصواب وعقلية فاعلة، ولأننا نفكر بطريق متخلفة فإننا لا نقبل التحول أو نفهمه ويعذر المجتمع لأن الواقع يشير إلى حالة متجذرة من النفاق والقدرة على الانقلاب أكثر إجادة من الحرباء، وهم نفس الناس الذين كانوا سببا لقهر الشعوب لا يلبثون إلا أن تعود لقهرهم ويحبط الناس أو يعودون للثورة، وهذا كله تأخير في الاستقرار والرفاهية وما هو مطلوب لضبط العقلية والنفسية أو الشخصية التي تمثل ثقافة مجتمع متقدم ناضج نافع يشارك في المدنية كمنتج وليس كمستخدم أو مستهلك فقط.

156 - ســـــــــؤال في الدولة والمجتمـــــــــــع

       المقال يبحث طريق التفكير اللازمة لترويج الافكار والحقوق في ظرف استثنائي