الجمعة، 2 مايو 2025

172 - سؤال في القيادة

عربي 21 اضغط    هنا    رجاء 

التمييز مهم:

القيادة ليست الصدارة ولا الزعامة مثلا، وقد ميزنا بين تداخلات المعنى في مقالات سابقة، فمن وجد في نفسه كبرا أو استعلاء فهو ليس قائدا وإن كان بموضع القائد، كالفرق بين السياسي الذي يفهم السياسة وبين من وضع موضع السياسي فعمل في السياسة، وشتان بين الاثنين. ومن خلال الاحتكاك والتعامل مع بعض المتصدرين للقيادة وجدنا أن دراسة وضعهم تتطلب إيضاحات تفهمهم ذاتهم وتوقف أشد أعداء المشاريع وهي الأنانية أو الكبر، فقد يظهر البعض ويصل القمة بسرعة لينحدر لأنه لا يرتكز على ارض صلبة.

* القائد لا يطلب التغيير من الآخر لأنه يتصور أنه الصواب وغيره الخطأ، فهذه عدمية وانغلاق ونوع من السفاهة يتحول إلى الانعزال التدريجي وإنهاك أرضية تحمله لتتحول إلى رمال متحركة، القائد هنا ينظر إلى المشتركات مباشرة ويحاول توظيفها بواسطة الزعامات التي تعزز بسلوكها مصداقية أي حراك مع الآخر ولا يتبع طرقا ملتوية، هو واضح في رؤيته وتوجهه فهذا أهم رأس مال لديه في مصداقية التعامل مع الآخر، لا يتحالف لينفصل ولا ينفصل ليعود، بل يمتد بالخطوة الواضحة والصبر.

* القائد له مشاعر طيبة لكنه ليس مغفلا ولا يسمح لعواطفه أن تذهب به إلى طريق الخطأ لأن خطأه نهاية مشروع أو انحداره أو فقدان مصداقيته، ولكثر ما لحقت الهزيمة بأناس من حسن النوايا، فالنوايا ليست كافية لنجاح المشاريع أو قيادتها، لذا ينبغي أن يراجع وهو يناقش إيجاد القائد البديل له والذي ينبغي أن يكون معروفا، فرحلة المنظومات إلى النجاح كالطيور المهاجرة وهي تقطع الصحاري والقفار، تشكيلها يُسَهِّل عليها قطع المسافات بلا تعب يذكر، لكن قائدها يحمل ثقل نفسه، فإن تعب، تراجع لينضم إلى السرب ويتقدم بديله ليقود الجميع بنشاط نحو الهدف. هنالك كتلة حرجة تحتاج اختراقا تتأثر بالكاريزما والسمعة، 

القائد لا يولد قائدا، وليس القائد من أمسك بموقع قيادي نتيجة صدفة أو خلل أو اضطراب، بل القائد من عنده بطبعه مرتكزات من سمات القيادة وينميها ويربط السمات الأخرى بالعلم، والعلم تجربة

وكل ما سنتحدث عنه هو للقائد المتعامل بالقرار الجمعي وتحمل مسؤولية منفردة، لأنه من سيتخذ القرار النهائي في كل الأحوال، وليس من الشجاعة أن يحمّل زعماء يرافقونه أكثر من مسؤوليتهم تجاه ما هم مكلفون بتنفيذه، فالزعيم منفذ ويخطط للتنفيد لمهمة محددة وليس قائدا يخطط للمهمة ككل، ومن يتصدر الناس بحكم المهمة هو من يبرزه القائد والزعيم في تفاصيل المسار، ترى ما المطلوب من القيادة والزعامات أيضا بدرجة ما؟

سمات القيادة:

القائد لا يولد قائدا، وليس القائد من أمسك بموقع قيادي نتيجة صدفة أو خلل أو اضطراب، بل القائد من عنده بطبعه مرتكزات من سمات القيادة وينميها ويربط السمات الأخرى بالعلم، والعلم تجربة.

1- الوعي الذاتي هو فهم الذات على حقيقتها وقدراتها وليس الغرور، والتواضع من الصفات الأساسية للقيادة. وكلما فهم نفسه وتعرف على نقاط الضعف والقوة ارتقت الفاعلية، فالقائد لا يغره مديح ولا يثنيه انتقاد ويستمع للنقد ويعدل أفكاره وخططه.

2- الاحترام لمن أمامه وفكر الآخر المخالف والتواصل مع الجمهور والمجتمع بشكل عام، فهو ليس إمعة لأنه يحسن في كل الأحوال، وبقدر شدته ودقته في التخطيط ومتابعة الأعمال فإنه متسامح مسبقا بما لا يذكّره رغم أنه ليس غافلا عنه.

3- مشاركة الآخرين بدعمهم فعلا وإن كانوا يخالفون القائد للقيادة رسالة تعرف نفسها بالسلوك والتعاون مع الكوادر والمحيط.

4- الرؤية ليست هي الطموح للمستقبل فحسب وإنما تعريف الخطوط العريضة للحل. إن المرونة في التعلم هي القدرة على معرفة ما يجب عليك فعله عندما لا تعرف ما يجب عليك فعله.

5- القدرة على إقناع الناس من خلال الاستخدام المدروس لتكتيكات التأثير المناسبة، هي سمة مهمة للقادة الملهمين والفعالين.

القيادات تظهر وقت الأزمات بوضوح وتظهر الزعامات وقت البناء التنموي والصدارة تظهر عند الفوضى الفكرية والسلوكية غالبا، وتكون مرتكزة على جهد الغير حيا أو ميتا مع ضعف البيئة، والنخب المنتجة تظهر مع القيادات والزعامات لكنها تُقمع مع المتصدرين الذين لا رؤية لهم


6- النزاهة هي الاتساق والصدق والأخلاق والثقة، وهي سمة قيادية أساسية للفرد والمنظمة. وهي مهمة بشكل للزعماء المساعدين للقائد والتنفيذيين سواء بالاستراتيجية أو بالتكتيك.

7- إن الشجاعة تمكن كل من أعضاء الفريق والقادة من اتخاذ إجراءات جريئة تحرك الأمور في الاتجاه الصحيح؛ والشجاعة ليست سفاهة أو جرأة وإنما تخطيط وتفكير خارج الصندوق.

8- المرونة والامتنان مع المعية والصمود عند الانتكاسات عوامل مهمة في القيادة والسيطرة.

ما العوامل المؤثرة في القيادة؟

أساليب القيادة المؤثرة وكيفية إدارة المواقف المؤثرة

1- تخطيط العمل يحدد الغايات من المنظومة أو الحزب والأهداف التي في التكتيك لوضع التخطيط لها ضمن الموازنات عند القيادة، وتخطيط التنفيذ لها من الزعماء الموكلة  إليهم قيادة تنظيم العمل وتطوير نظام مؤسسي فعّال لتنظيم العمل، وهذا مهم جدا.

2- التوجيه والقيادة: تحفيز وإلهام أفراد الفريق لتحقيق الأهداف، بالتغاضي حينا وبالتركيز وشحنهم بالثقة والإيمان بالعمل، والقائد لا يحاول تمييز نفسه أو يحس بالنقص إن خالفه أحد بفكرة قد تكون إبداعية، لهذا يسمع من يخالفه ويوجه بدراسة ما يعرض عليه وإن كان مغايرا وربما يقضي بإعادة كل شيء.

3- التحكم والمتابعة: مراقبة تقدّم العمل وضمان الالتزام بالمواعيد وحسن الأداء كنتيجة نهائية.

القيادات تظهر وقت الأزمات بوضوح وتظهر الزعامات وقت البناء التنموي والصدارة تظهر عند الفوضى الفكرية والسلوكية غالبا، وتكون مرتكزة على جهد الغير حيا أو ميتا مع ضعف البيئة، والنخب المنتجة تظهر مع القيادات والزعامات لكنها تُقمع مع المتصدرين الذين لا رؤية لهم وهم الكثرة مما تُرى في الدول المتخلفة. والتخلف دليل فاعلية منظومة تنمية التخلف التي تنتج هذه وغيرها من الإخفاقات.

الجمعة، 25 أبريل 2025

170 - السياسة والاماني الضالة

 رابط عربي 21

بيئة منظومة تنمية التخلف:

ننظر هنا إلى زاوية فقط في بيئة نعيشها واقعا لم نعرف طعم الحياة التي قضى بعضنا عمره وغادرها وهو في انتظار طيف الرفاهية والراحة، ويتباهى فيها الفاسد بنزاهته والجبان بشجاعته، ويتحدث كل من هب ودب بتافه القول المعبّر عن غرور الجاهل ويسميه نشاطا سياسيا، راكضا وراء ما يظنه مصلحته ولو كان الضرر مما يفعل يحيق ببلد يدّعي حبه.

وهكذا تختفي وتتدارى الكفاءات ومجاميع البناء ويظهر أناس غير قابلة للقياس تلقب بالسياسي وتفتقد سلوكية السياسي.. عند هذا ببساطة نقرر ولا حاجة للتعليل: نحن في بيئة منظومة تنمية التخلف.

السياسة المظلومة:

السياسة يمكن أن تدرس أكاديميا أو تعبر عن مواقع سياسية من أناس طارئين أو انتهازيين، لكنَّ الحالتين لا تصنعا ساسة، عندها ستظلم السياسة لأنها ستتهم بسلوكيات من يوصفون بها.

الطارئون الذين لا يحملون رؤية أو قيمة مدنية لا يشكلون أمة وبالتالي لا يشكلون دولة، فهم يلجأون إلى العصبيات واستثارتها كالعرقية والطائفية والمظلومية والروابط الهابطة التي لا تنتج إلا الاستقطاب، وهذه استثارة الغرائز وإعماء المنظومة العقلية ليصلوا إلى كراسي الأماني الضالة، ويسخّرون في هذا كمّا من التفاهة والتافهين الذين يزيدون التشظي والتخلف، وعندها لن تجد إلا تعبيرا عما يضع الظلم والتفاهة


فعندما تجد حديثا عن الفوز بالمناصب دون الحديث عن برامج وحلم وتطلعات لبناء من خلال هذا المنصب، فأنت حتما أمام مغامر يركب الموج، يريد الوصول وكل همه من الوصول هو تحقيق لذاته بما يحلم لذاته، والحقيقة أن هؤلاء الناس لا يملكون إلا مهارة صناعة التخلف للأمة.

هذه الحالة السائدة تعني التعبير عن حاجات وغرائز الطامعين وغياب الضمير والفكرة الأساسية من السياسة والعمل السياسي، فالهدف امتلاك وسائل النفوذ وديمومته وهو مقتنع تماما بأن عدم انتخابه خسارة ومجرد وجوده نصر، وأن أي منافسة على السلطة يخوضها وينتصر بها أهم من تغلب منتجمري على رومل في العلمين، مع أن سلطته لا ينتفع بها الشعب الذي انتخبه.

الطارئون الذين لا يحملون رؤية أو قيمة مدنية لا يشكلون أمة وبالتالي لا يشكلون دولة، فهم يلجأون إلى العصبيات واستثارتها كالعرقية والطائفية والمظلومية والروابط الهابطة التي لا تنتج إلا الاستقطاب، وهذه استثارة الغرائز وإعماء المنظومة العقلية ليصلوا إلى كراسي الأماني الضالة، ويسخّرون في هذا كمّا من التفاهة والتافهين الذين يزيدون التشظي والتخلف، وعندها لن تجد إلا تعبيرا عما يضع الظلم والتفاهة أمام الجمهور وترسيخ الجدل السطحي دون مناقشة ما يوقف التدهور المدني للبلاد. وتستعيد تلك الروابط أهميتها لمجرد أن يحصل "المستنفذون" على دعم لوجودهم وخداع الناس واستلاب حياتهم، وتعميق فاعلية منظومة تنمية التخلف بإعادة تغذيتها بالأمراض الاجتماعية والسموم الفكرية والتخلف عن العالم والتباهي بإنجازات وهمية ليست مبرمجة إلا لزيادة مراكز القوى.

في سياسة الأماني الضالة في منظومة تنمية التخلف تجد خلية لا تنتج عسلا، بل هنالك صراع ومهمة العاملات -تلك الزنابير المتحولة- فيه هي احتلال المكان وطرد الآخرين من الخلية التي تتفكك أواصرها اعتقادا أن الخلية لها وحدها، فالملكة عاقر مفقودة والذكور ميتة والعاملات القادمة من خلايا الزنابير هائمة تأكل عسلا متبقيا فيها ولا يعوض بإنتاج جديد.

الكيان الذي تنشئه سياسة الأماني الضالة في منظومة تنمية التخلف هو كيان هش ضعيف يعتمد الظلم، وأي خطر يحس به يحوله إلى اضطهاد داخلي لمن يَفْتَرِض أنهم أعداؤه، ويسخّر كل التفاهة التي هو فيها لتبرير إحداث الشروخ الكبيرة التي تصل حدا لا يمكن إصلاحه، فيبقى البلد على حافة التفكك وإعادة هيكليته من جديد؛ إما بعنف يستعيد وحدته، أو بالتفكك إلى أجزاء هي جاهزة للابتلاع من المحيط الإقليمي؛ لأن التفكك لا يقوم بدافع نضج فكري أو عقلي وإنما على الغرائز والمشاعر السلبية ولا رؤية غيرها، لتستمر في التلون والاستحواذ وإن تغيرت المسميات ما لم يتولى الأمر أناس آخرون.

يظنون أنهم سياسيون ولكن لا يبدعون حلولا بل يواجهون الاستقطاب باستقطاب، وقد يكون مقبولا من المتنافسين والمختلفين لكنه لا يبني دولة ولا يحل مشكلة أمة، المتنافسون لا يأتون برؤية تعالج مشاكل المجتمع وإنما هذا الأسلوب لتفاقم تضارب المصالح على الوليمة والخلية التي لم يعد عسلها كافيا ويوشك على النضوب، أما الشعب والناس الآخرون ففي حسابات لا تأتي أهميتها إلا لتعطي شرعية اللعبة التي تكرر الوجوه في الخلفية، وإن أبدلت الواجهات التي غالبا تجد نفسها أهلا لتكون وجوها وليس واجهات، وقسم منها يضاف إلى الدار بعد أن كان من الخطّار.

في بيئة الأماني الضالة لا تعرف من الرأس ومن يتخذ القرار، ولماذا هنالك شخص لا يحاسب بما يحاسب معشار معشاره المواطن. الكفاءات غريبة مضطهدة مسفهة، والتمكين والثقة للناس المزايدين، فالغاية الكرسي؛ لا ما يمكن فعله عليه وما يجلبه الكرسي من "مستحقات"، فالبناء لا يتعدى العنوان والشعارات بالوعود وديمومة الأمل بالأوهام.

فما هي السياسة عمليا إذن؟

إذا فهمنا السياسة من الجدلية أعلاه وأنها أمر فيه معاير القياس لدرجتي الرقي والانحدار، وليس عملا يقوم به أي كان ناقلا فوضى داخله للمجتمع، نكون عندها سياسيين، أما إن رأينا أن المعيارية مختلة عندنا فنحن نشارك في احتضار أمتنا ومجتمعنا


1- حقيقة أن السياسة مهمة عندما تكون "إدارة مصالح الأمة"، ويبذل المتصدر الجهد للتعاون مع طاقات البلد ووضع برامج وآليات للارتقاء بالواقع الفكري والمدني إلى الأفضل، وهنا يأتي الاختلاف بين الأحزاب إما على الأولويات أو التزامن أو الآليات، ومحاولة كل منهم إقناع مقابله بخططه ومن ثم الانتقال بالبرامج وشروحات الخبراء إلى الجمهور ليختار بين الرؤية والمنهج والآليات، ومن يفضل أن تمشي خططه أولا إلى اختبار الجمهور فإبقاء أو تغيير في انتخابات قادمة؛ فمن الضروري تعاون الجميع لتحقيق ما يريده الجمهور برؤية الفائز التي أدت لانتخابه وتصويب ومتابعة المعارضة بكل اهتمام.

2- سعي الجميع لوأد أية فتنة وبذل الجهد للتلاحم المجتمعي، وتحفيز الطاقات والارتقاء بالمنظومة العقلية، ووضع النظم للاستفادة من كل طاقة حتى نهاية قدرتها على العطاء.

3- لا يبقى أي شخص في منصبه الوظيفي إن تبين له فشل تفكيره في قيادة عمل ما، فيستقيل ليتقدم آخر بما يملك من كفاءة.

4- محاولة إبداع الوسائل لإزالة العقبات الداخلية والخارجية والأولوية للتنمية.

5- فهم السياسة أنها توظيف السلطة والنفوذ للتنمية.

6- تحقيق المصالح العليا مع الربح إن أمكن ذلك، وعندما تضر الأيديولوجيا بأي بلد تعتبر تلك الأيديولوجيا غير صالحة لدعم عمل سياسي ناجح.

فإذا فهمنا السياسة من الجدلية أعلاه وأنها أمر فيه معاير القياس لدرجتي الرقي والانحدار، وليس عملا يقوم به أي كان ناقلا فوضى داخله للمجتمع، نكون عندها سياسيين، أما إن رأينا أن المعيارية مختلة عندنا فنحن نشارك في احتضار أمتنا ومجتمعنا؛ وكما أن حمل هموم الأمة بالتضحية والعطاء قيمة عدل؛ لا يكون الاستحواذ سياسة وإنما ظلم بطغيان التفاهة والأماني الضالة.

الجمعة، 18 أبريل 2025

169- التسامح سلوك للتعايش



 ما هو التسامح؟


عندما يُرتكب ضدك أمر أو تنزعج من سلوك، أو تعرضك لاعتداء وأنت قادر على الرد عليه، فهو

 تسامحك وهذا المخالف، لكن هذا لا يعني أنك راض عنه، أو أن هنالك مشروع صداقة مع من خانك 

وتسامحت معه بإغفال فعله وما سببه من أثر، سواء أزيل أو لم يزل الأثر، وغالبا لا يزول هذا الأثر بمعنى 

يبقى الخلاف وأسبابه، لكن يتم التغاضي عنه.وهنا الخط الفاصل بين العفو والتسامح والصفح، فالصفح 

أعلى رتب العيش المشترك، والعفو هو حجب الأثر والعقاب، والتسامح ليس مصطلحا فكريا عقليا، وإنما 

سلوك نفسي حمال أوجه؛ أغلبه القبول بلا مطابقة ويحتمل استمرار القطيعة لكن بلا أثر، وهذا يعني 

مساحة من إلغاء الماضي وما ترتب على العلاقات السابقة كافة إلى مجرد التغافل والرغبة بالنسيان، وله 

أجر الصبر ومصنف كقيمة أخلاقية في الإسلام وعبادة عظيمة.

وللزمان وثقافة المجتمع الفاعلة في التطبيق تعريف؛ فقد يعد تصرفك ضعفا ويشجع الذي تسامحت معه 

ليقوم بسلبية أكبر، وهنا دور الإفهام والإعلام وإحاطة المقربين علما، مهم لتفادي شطط لا يتوقف غالبا 

عن الأذى.

الصفح أعلى رتب العيش المشترك، والعفو هو حجب الأثر والعقاب، والتسامح ليس مصطلحا فكريا عقليا، وإنما سلوك نفسي حمال أوجه؛ أغلبه القبول بلا مطابقة، ويحتمل استمرار القطيعة لكن بلا أثر، وهذا يعني مساحة من إلغاء الماضي وما ترتب على العلاقات السابقة كافة.

هل الإسلام دعا للتسامح؟

قال ﷺ: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. فالعفو كله 

خير: "وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (البقرة: 237). الحقيقة 

أن الإسلام ذكر مضمون التسامح كقيمة عظمى، رغم 

أنها أقل أنواع العفو في التعامل: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ 

وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت: 34)، ودعا إلى 

المغفرة والعفو والصفح. والمغفرة تتجاوز الحدث إلى مسح الحدث وما سبقه، وهي الصفح الجميل: "فَاصْفَحِ 

الصَّفْحَ الْجَمِيلَ" (الحجر: 85)، الصفح الذي لا يترك أثرا للسلبية بالغفران، "وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا 

فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (التغابن: 14). وهذا محبب في التعاملات بين الناس عند انتباههم إلى ظلمهم 

والإنابة وطلب رد ما فعلوا من سوء بالحسنى: "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، 

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (الشورى: 40-43). هذا أمر غير محدود من التعويض والأجر، 

إنه التفكير والقرار الصائب.

يذكر دوما التسامح بين الأديان وهذا خطأ كبير إن لم أصفه بالشنيع، فمن وجهة نظر الإسلام أن 

المنظومة العقلية لها كامل الأهلية في خياراتها، وهي مسؤولة عن العزيمة في التفكير ثم الإرادة في 

التنفيد، وليس لمن يحمل عقيدة أن يحاسب الآخر على معتقده، إلا إذا أضر بالمجتمع واعتدى على الأمن 

العام والسلامة في المجتمع، فما هي الضرورة لأسامح شخصا لأنه يعتقد معتقدا آخر وأنا لست متضررا 

منه أو استبد بحقوقي، وإنما مجرد له عقيدة مخالفة ولا يعتدي بها عليّ؟ هنا ليس التسامح بالكلمة 

المناسبة ولا كلمة التعايش تلائم الدقة في الوصف والإنسانية وإنما العيش المشترك، وهو الحياة الطبيعية 

التي يحميها الإسلام للكل في الضروريات الخمس المعروفة، وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال. 

وهذا عند قيام دولة تعمل بالفكر الإسلامي، فهي ضامنة لمواطنيها هذه الحقوق والتمكين لهم بالعيش 

بعضهم مع بعض، والحقيقة أن هذا ليس تناغما مع الليبرالية التي هي ليست مفهوما فكريا، وإنما 

آلية مدنية ضمن مجموعة الآليات الحامية المثبتة للرأسمالية، فالدولة الحديثة تتبنى هذه الآليات 

لحماية رأس المال وسيادتها، هي لا ترتكز على الأخلاق، وإنما هنالك قيمة فاعلة هي النفعية، لذا نرى ألا 

خجل في التصريح بما هو ضد الدين.

العيش المشترك:
التسامح الذي يتحدث عنه من ينقصهم النضج مهما علت مراتبهم، إنما هو نوع من الاستسلام والتخلي، وتأكيد لهزيمة جيل سابق أمام الانبهار بمدنية ثبت أنها ليست متسامحة فعلا عند بروز التنوع؛ وإنما تريد من الآخر أن يكون مثلها أو يفهم عقيدته مثلها، لكي ينجح اندماجه في مجتمعها، وهذا ما لم يفعله الإسلام.

المسلمون الفاهمون لدينهم يفعلون ما نصحوا به، 

ويطورون وسائل الحياة ويهذبون مشاعرهم ويضبطون 

عواطفهم. عندما يقولون بالمحبة فهي حب الله الذي 

يشع منه كل حب، حتى لعدوك عندما يصبح عاجزا 

عن إيذائك، أو تمكنت منه حيا فأسرته وأنت دولة. 

الثقافة المنبعثة من العقيدة يعبر عنها سلوك 

السلطة، ففي الوقت الذي برز الأسرى عند القسام على ما رأينا، يودع الكيان الأسرى بجولة تعذيب، 

وبدل شهادة الحرية التي تمنحها حماس حفاظا على حقوقهم من النسيان، يضع الكيان أسورة شريطية 

كتب عليها "الشعب الأبدي لا ينسى.. أطارد أعدائي وأمسك بهم". هنا نرى حالة تسامح قلقة ومحدودة، 

وهي منهج سياسة لا يبنى عليها أكثر من حدثها، ولحل القضية تحتاج إلى التعايش، وهو ممكن كخطوه 

نحو العيش المشترك.

إن التسامح الذي يتحدث عنه من ينقصهم النضج مهما علت مراتبهم، إنما هو نوع من الاستسلام 

والتخلي، وتأكيد لهزيمة جيل سابق أمام الانبهار بمدنية ثبت أنها ليست متسامحة فعلا عند بروز 

التنوع؛ وإنما تريد من الآخر أن يكون مثلها أو يفهم عقيدته مثلها، لكي ينجح اندماجه في مجتمعها، 

وهذا ما لم يفعله الإسلام عبر العصور وبمتعدد الأفهام، فقد حسم الأمر لكم "دينكم ولي دين"، أي لكم 

طريقكم ولي طريقي، هذا قبول دون طلب تغيير الآخر، وإنما العيش معا من أجل إدامة السلالة وعمارة 

الأرض، ولكل أمة قوانينها وطرقها في منهجها، تتفاهم عليها سواء كتابة بدستور أو عرفا.

الخلاصة أني أسامح أحدا إن أضر بي وأنا لست متنازلا عن حق، لكن أعطيه فرصة لتعديل وضعه، أو 

التعامل معه دون غفران لما اقترف ضدي، وهذا موجود في التعاملات العامة بين الدول والأفراد، أما 

العفو والصفح والمغفرة فهي ليست تسامحا، وإنما هي درجات لقيمة أخلاقية اسمها العيش المشترك، 

وهي محو أو نية بمحو أي أثر، غير أن الذاكرة قد تستعيد هذا إن حيد العقل لحظة استثارة الغريزة 

بوجود التحفيز لمؤثرات، وهذا ما يسمى الفتنة التي يمكن أن تحدث بعد التقادم ونسيان الموجبات 

للتفاهم، وهنا تتحول إلى تسامح ثم إلى استعادة مجسمة للظلم، وهذا يمكن أن يشعل الفتنة كما تجري 

محاولات اليوم لإشعالها في جنوب أفريقيا بخبث وانتقام لمواقف سياسية، وهي تستغل بطء ما اتفق عليه 

في العدالة الانتقالية، أو تستنهض في رواندا إن أريد إشعال الفتنة مثلا، كما أشعلت في مناطقنا بغياب 

الفهم والعقلانية وباستثارة اإحدى الغرائز، كالتدين والتملك وحب السيادة وغيرها، أو استثارتها 

جميعا ليكون فسادا شاملا وخرابا بلا إعمار.

الجمعة، 4 أبريل 2025

167- نحو معالجة فكرية للموروث في الشرق والغرب

رابط عــــ 21ـــــــربي 



عوامل فاعلة:

عوامل نتحدث من زاويتها حول انحدار أو سقوط الأمم بعد ارتقاء، وهي الفكر والزمان، والقدرة على التجدد ومعالجة التحديات. أما الفكر المتجدد؛ فهو ما يحوي آليات تجديده أو يتقبل الاستنباط وفق قراءة أو استقراء الواقع، وأحيانا الاستقراء الخطأ يقود إلى اختراع أو ابتكار آليات تبدو كعنصر قوة وتجديد، لكنها تشكل خللا بنيويا في الأمة يؤدي إلى انهيارها الحضاري الفكري، أو تقطع وسائلها المبنية على تفاصيل بديهية نسيت مع الزمن فتصبح بلا صيانة. النظم الوراثية مثلا، تحتاج إلى صيانة وإلى تجديد بالآليات، لكنها بقيت على آليات قديمة كمحافظة على الهالة وما يشبه الألوهية أو التفويض الإلهي، وهذا لا يمنع تحديثها وأساليب ديمومتها فقط، بل يجعلها تتراجع للأفول أو ضعف الفاعلية أو أذى الشعوب، وقد تنعزل في برج عاجي كما في بريطانيا، أو تصبح تقليدية طاردة للكفاءات لا تسير على قواعد علمية في التنمية، وهذا لا يعني أنها لا تتطور، ولكنها تتطور سرطانيّا وليس بشكل متسق، فيحدث الأمر خللا في العوائد والموازنات الاقتصادية والتنموية والفكرية أيضا.


الأمم تعني الانسجام وقواعد الحياة:

قواعد الحياة قد يعبر عنها بنمط الحياة عندما تبنى الأمور على صيغ علمية وقانونية بحته ومعالجات لحاجات الناس، وفق نمط معين من المسارات الاقتصادية والإدارية، مثل النظام الرأسمالي الغربي بأشكال متعددة وبمستويات متعددة من التطور، وفق قدرات البلاد وتطورها الإداري المحكم.

ظهرت المذاهب المتعددة على أمور بسيطة أو من منطلق سياسي كالذي أحدثته صِفّين والطف، وأراد أن يدعم نفسه كتوجه بالفقه والتأصيل ليكون مذهبا ثم طائفة.


النظام الرأسمالي بني على التجانس ولم يُصغ صياغة متينة للمختلف بأعداد مؤثرة قابلة لإحداث تغيير بوجود بارز؛ والناس يتعاملون مع القانون في تشكيل نمط الحياة، والقانون يفترض أن المختلف أمر طبيعي، لكن مع ازياد الأعداد ظهرت الفجوة التي تتوسع لتصل إلى رأس الحكم والحكومات، فهم بحاجة إلى وضع آليات جديدة لاحتواء هذا، لكن لا يوجد فكر قابل للتوسع وقبول المعالجات. والنفعية تجسم الخطر خصوصا عندما يكون الدين فاعلا في رفض الآخر من كل الأطراف، فإما أن تحل هذه أو سيتفكك نمط الحياة والاستقرار الذي يمنحه هذا النمط، ومن ثم ستتخلف المدنية والحياة وقد يظهر نوع من الدكتاتوريات المستبدة لتمزق المجتمع، خصوصا مع فشل الرأسمالية والانهيارات الاقتصادية، التي طلت في فترات متعددة وآخرها ما زال مستمرا منذ 2008.

المنطقة الإسلامية:

الأمة منهارة فعلا لفقدان أواصر الارتباط العقلية، وانهارت تدريجيا بزرع عوامل الفرقة والاختلاف مع ارتفاع أدائها المدني والحكم والانتشار الذي لم يرافقه تغيير في الأساليب؛ لأن الطابعة لم تك موجودة والنسخ لا يوفر الكتاب الأساس في الإسلام (القرآن) ولا الحديث والسنة، فظهرت المذاهب المتعددة على أمور بسيطة أو من منطلق سياسي كالذي أحدثته صِفّين والطف، وأراد أن يدعم نفسه كتوجه بالفقه والتأصيل ليكون مذهبا ثم طائفة، أما المعتزلة والأشعرية والسلفية وغيرها، التي نشأت في تلك الفترة، فنقلت معتقداتها ومشاكلها واجتهاداتها أيضا بالتقليد وضعف التفكر، وفق المعطيات المستجدة أو التي اتضحت مع التطور بالمجالات كافة، وعندما يزداد الاختلاف يتولد التعصب ثم التعصب الأعمى، إلى أن أصبح الإسلام دينا بعيدا عن واقع الحياة.

أمتنا المنقسمة والمتنوعة في الوقت نفسه، بحاجة إلى إصلاح يوقف ذهابها في طريق يريد إحياء أنماط ميتة، وأن تتوقف عن استجلاب الماضي بخلافاته وإحيائها في واقع لا صلة له بها وليس طرفا فيها وبأسوأ ما فيها من تفاصيل، بل على المسلمين واجب وجهد لاستقراء الواقع واستنباط ما يناسبه من أناس متفتحين.

وما زال الاختلاف بين الفرق الأشعرية والصوفية والسلفية بأنواع فهم السلفية ما بين الخضوع والتمرد، وكلها متطرفة في هذا وذاك، إلى أن أصبحت الأمة لا تعرف الطريق، وهي أصلا انهارت منذ زمن لتكون جاهزة للاستعمار والاحتلال، وتخلفت عندما تركت فهم العلم، وأنكرت أي تجديد أو تحديث واعتبرته بدعة وضلالة، ومن يقولها فهو في النار، وهذا متفق عليه عند المختلفين بكل شيء.

فهم الإسلام المتقوقع هذا، وأنه قوالب جاهزة لا يمكن أن تتسع لهذا العصر، وتطلب من الناس أن يكونوا بحجم تلك القوالب، هو أمر ليس ممكنا، فالعالم فيه مشاكل تحتاج حلولا من أجل الاستمرار في الحياة، وفيه أسئلة لا تجيب عليها المذاهب والفرق، ونحتاج إلى اختصار التوسع في مسألة كتبت بها كتب لتكون بصفحة واحدة، فالعبادة ليست باتباع رأي الفقهاء وقسم من الاجتهادات، أصلا لا يعقل ولا يمكن أن يُقبل، وكان نوعا من الهروب الفكري بعيدا عن السياسة، بل العبادة في ما يوضح ويعين الآدمية على فعل ما خلقت له، وإعادتها إلى رشدها بدل ما نرى مما وصفته الملائكة لربها.

لا بد من التغيير.. تلك السنة الكونية المهملة

إن أمم الغرب لا بد أن تعدل من قواعد تأسيس الدولة الحديثة التي لا ترتكز على قيم أخلاقية بل النفعية في القرار والتعاملات والسلوك، وهي أيضا باتت تقليدية ومنكمشة لفقدان آليات التحديث لما لم يحسب له حساب.

أمتنا المنقسمة والمتنوعة في الوقت نفسه، بحاجة إلى إصلاح يوقف ذهابها في طريق يريد إحياء أنماط ميتة، وأن تتوقف عن استجلاب الماضي بخلافاته وإحيائها في واقع لا صلة له بها وليس طرفا فيها وبأسوأ ما فيها من تفاصيل، بل على المسلمين واجب وجهد لاستقراء الواقع واستنباط ما يناسبه من أناس متفتحين. الأمة غارقة بعقليات مغلقة، صوتها عال ومرتفع، تُسكت وتشوش وتشوه أفكارا تتلمس الطريق نحو يقظة فكرية، تجمع الأمة على ما يكون هو الحل لمشاكلنا ومشاكل الأمم، بدل ما نرى من فساد وسفك للدماء وتخلف فكري في الغرب، مع تخلف فكري ومدني في بلداننا التي لن تتقدم، إلا إن أعملت التفكير ونزعت جلابيب الماضي واتخذت مسار القرآن والسنة والسيرة وتحقيقها، ثم بناء ما يناسب الحياة وصناعتها من خلال استنباط يتبع استقراء الواقع

الثلاثاء، 25 مارس 2025

165 - رسالة من بني اسرائيل -الجزء الخامس - واقعنا وسفر الخروج

 

الجزء الخامس من رسالة من بني إسرائيل ومعنون الخروج يحكي عن الشعوب التي تتأثر هويتها وسلوكها وتعاملها مع منقذيها بلا ثقة ولا دوافع بل تنافقهم ولا تؤمن بقيم أو لها استعداد للتضحية انصح بقراءة معالجة رسالة من بني إسرائيل فهي ليست سردية في كل أجزائها وإنما مقاربات تتعامل مع الواقع، الجزء الخامس والأخير 

الأحد، 9 مارس 2025

157- رمضانيات / رسالة من بني اسرائيل

 

سلسلة المقالات ستتحدث باسلوب جديد لتفسير بعذ الخلاصات والعبر من سيرة (بني اسرائيل)

هذه مقدمة عامة (يوسف والدخول)لربط الواقع المستمر في التاريخ مع بني اسرائيل

المتوقع ان تكون ستة اجزاء

السبت، 1 مارس 2025

154 - فلسفة الحياة والزمن

 

لكي ندرك معنى الزمن علينا فهم ماهيته، هو بكل بساطة الوجود من فتق الرتق أو الانفجار العظيم وهو يتوسع ويتحرك لحين طي السماوات والأرض كطي الصحف


الأحد، 23 فبراير 2025

153 - هل المدنية الغربية هي الصهيونية والامركة

 رابط الشرق القطرية


بدون شك عندما نحلل فإننا نضع الحقيقة كما نراها في الواقع وردود الفعل،


 ولسنا نعبر عن مشاعر شخصية حبا أو كراهية، والمقال ليس لتبيان موقف


 صداقة أو عداء وإنما قراءة لمن يهمه الأمر.

تصريحات

قبل أيام صرح بيت هيغسيث وزير دفاع ترامب أن المدنية الغربية ليست إلا الصهيونية والأمركة وهذا تجاوز لتعريف المدنية فلا يوجد مدنية غربية وشرقية فالمدنية هي جهد بشري لا يمكن حصرها بايدلوجية كالصهيونية أو جغرافية كأمريكا والتنبيه لهذه الحقيقة لتعدد مواطن يعتبرها الغرب والشرق مدعاة للإحباط فقد نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية مقالا للصحفي جدعون رتاتشمان، قال فيه: «عندما صعد جيه دي فانس على المنصة في مؤتمر ميونيخ للأمن، الأسبوع الماضي، أصدر تحذيرا صارما. إذ قال نائب الرئيس الأمريكي، للسياسيين والدبلوماسيين المجتمعين إن حرية التعبير والديمقراطية تتعرضان للهجوم من قِبَل النخب الأوروبية». واستطرد «إن الحكم الأكثر إيجابية الذي سمعه بشأن الخطاب هو أنه «هراء صبياني»، لكنه يستهدف جمهورا أمريكيا، وبالتالي يمكن تجاهله بأمان. ولكن إذا ما فكّكنا خطاب فانس، ووضعناه في سياق قرار دونالد ترامب بالتعامل مع فلاديمير بوتين، مع تهميش أوكرانيا وأوروبا، فسوف يتضح لنا أن الحروب الثقافية الأمريكية والأمن الدولي والسياسة الأوروبية لم يعد من الممكن فصلها» وهذا الكلام على مقياس الزلازل عالي القيمة في تباعد الصفائح.

صراع وجودي وفق نظرة بنيامين فرانكلين:

بنيامين فرانكلين هو من الأباء المؤسسين حذر من وضع قائم اليوم وفق زعم تشارلز كوتسورث بينكني (رفض معهد فرانكلين ادعاءات بينكني أن المعهد يملك نسخة مخطوطة من الخطاب) بنيامين فرانكلين لو كان موجودا الآن لاتهم بمعاداته للسامية، فأمريكا في خطر إذن بانت معالمه.

التناقض المنطقي في عرض المدنية من وزير الدفاع:

*عندما عرّف وزير الدفاع الأمريكي المدنية الغربية أنها الصهيونية والأمركة، فهو حصر الليبرالية كآلية في توصيف كآلية عنصرية وايدلوجية لا تتحمله الليبرالية مثلا كجزء من آليات حماية المدنية الرأسمالية، فالليبرالية بأنواعها وما يمكن أن تتطور إليه ليست ايدلوجيا كما المدنية ككل وإنما هي تعريف لواقع في مجتمع ما تكون الحرية فيه وفق ثقافته أو ما يتقبله، أما أن احصرها بالصهيونية والأمركة فهذا تطرف لا يتفق مع منطق الليبرالية وقبولها للآخر، كما انه يضع دعاة الليبرالية في حرج، فهم ليسوا مقبولين في أوطانهم خشية انطباق التعريف عليهم وليسوا مقبولين ممن يتبنى هذا التوصيف إن لم يكونوا من الصهيونية والأمركة.

*دون شك انه يطرح تلبسا للفكرة الصهيونية والتي لا تتفق مع الأمركة كتطور مدني والتي هي الأخرى بلا توصيفٍ أو حدود أو تعريف لماهية بغير تعريف للمدنية المعروف أو حقوق الإنسان، والصهاينة أبدوا وحشية وتخلفا بالإبادة وجرائم الحرب على الملأ وليس من احد يتفق أو يقبل معاملة شاذة كالتي عومل بها الفلسطينيون وما زالوا في غزة أو الضفة أو الأسرى في السجون، هذا لا يتفق مع التمدن والليبرالية منها والتمسح بها فانتحالها له خطورة كبرى وتحويل المدنية إلى أيديولوجيا تجعلها خاوية وكذبة كبيرة أما ملؤها بأفكار أيدولوجيات متطرفة كالصهيونية التي تبيح كل المحرمات وهدر الكرامة الإنسانية لأعدائها وأملاكهم ونمط حياتهم وقد تشمل أمريكا يوما ما ولن تبقى الأمركة عنصرا، فلا شيء في أمريكا يميزها إلا التطور المدني والتقدم العالي في الصناعات الثقيلة والحربية بالذات فان تدهورت المدنية وما تزعمه من نمط للحياة فقد انتهت ما يمكن تسميتها بالأمركة وهذا امر محتمل مع تعاظم الصهيونية في السلطة الأمريكية وما زلنا في نبوءة فرانكلين.

مجلس الأمن وضرورة اتخاذ موقف:

* والحقيقة أن ما طرح في خطابه هو الفكر الصهيوني العدمي الذي لا يقبل الآخر ولا يتمنى الصلاح لمن يخالفه إن سلمنا جدلا بصلاحه بل يتمنى له الموت والاختفاء والاستئصال للمخالف وهذا خطير جدا عندما يحمل هذا الفكر وزير دفاع لأقوى دولة في العالم، لذا فلابد أن يأخذ مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة إجراءً احترازياً في تعريف الأهلية للولايات المتحدة وقراءة تنبيه تجتمع عليه الدول في اتخاذ القرار والمراجعة، إن الأمر جد وخطير والتراجع عنه هو خير ما تفعله الولايات المتحدة مع تعديل سياستها وفق مصالحا وليست أيدولوجيات اسطورية تعيش لضعف الآخر ضمن دورة التاريخ.

نصيحة قبل الانحدار:

* إن من يتولى القيادة في أمريكا قد يكونون متفوقين في مهنهم السابقة، لكن من الواضح أن هنالك فراغ إداري كبير وفراغ أعظم في القيادة الإدارية، وان أمريكا المتوازنة والتي تستطيع إعادة التوازن حول العالم هي المطلوبة وليست أمريكا التي تعادي الغرب والشرق وتظن أن لها القدرة على جلب اوربا للاذعان لها أو الوقوف بوجه الصين لإخضاعها، روسيا استراتيجيا لم تحارب إلا من اجل المنفذ على البحر الأسود وان لا يقترب الأطلسي من حدودها أي تبقى أوكرانيا ومن على حدود بلاروسيا خارج نطاق الأطلسي، وهي ستحقق هذا بخطوات.

*مصالح الولايات المتحدة لابد ان يعاد النظر في حضانتها والجواب على سؤال أهمية المصالح واولويتها وهي تتقدم للمنطقة كعدو ضد قيمها وحياتها ومستقبلها وهو ما لايمكن تجاهله في نبرة وزير الدفاع الأمريكي.

إن أمركة أمريكا معروضة كنموذج، لكن الأمركة كمدنية مع الصهيونية كأيديولوجيا سياسية معادية للمسلمين والعرب ليست فكرة طرحها بهذا الولاء إلا مجافاة للتمكين، كذلك ما طرح بشأن الدول الغربية وتجاوز الوزراء الأمريكيين الخط الأحمر وتأييد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لهذا.


172 - سؤال في القيادة

عربي 21 اضغط    هنا    رجاء  التمييز مهم: القيادة  ليست الصدارة ولا الزعامة مثلا، وقد ميزنا بين تداخلات المعنى في مقالات سابقة، فمن وجد في...