https://m-salihalbdrany.blogspot.com/ فكــــــر اليقظـــــــة Mindfulness: 2024https://m-salihalbdrany.blogspot.com/

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 ديسمبر 2024

141- شذرات في القيادة الادارية

 


رابط عربي 21

مفتاح للفهم:

"وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ".

"فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْما، وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما" (طه: 114-115). هاتان الآيتان مفتاح في القرآن لو فهمناهما لأجبنا عن أسئلة كثيرة، ولعلمنا كيف نتعامل مع الكون ونتكامل في الحياة، لأدركنا أن التجديد والحركة تكليف، وليس كما نحن تقليديون نقدس الماضي، معطلين للقرآن بتجميده بشروحات وفهم للشريعة من عصور أخرى، رغم أنها أوقفت الشورى بالتغلب مثلا.

* للقرآن تفاسير موضوعية عبر العصور، فَمَتْنُهُ من العلي القدير لحالات ودرجات وظروف وأحوال متعددة ومختلفة، وإن الفتح من الله على عباده في تأويل كلماته وتفسيرها في كل عصر من العصور، ولا يصح تقديس اجتهاد عالم أو صحابي لعصره، إنما يجتهد لكل ظرف عصر. وكذلك هم فعلوا في زمانهم، ومن أمثله ذلك، أوقف عمر بن الخطاب الحدود في سنة الرماد، وأوقف حصة المؤلفة قلوبهم، وأوقف توزيع الأرض على الفاتحين، وإنما أبقاها ليد من يزرعها، وما زالت الأرض أميرية للدولة لعصرنا هذا. ولعل من يخرج في عصرنا باجتهاد كهذا، يكون عرضة للتسفيه، بيد أنه كان مجتهدا بين أناس يفهمون المقاصد، ومعنى الإسلام ومهمته في الناس أجمعين.

آدم أعطي المعرفة في حافظته، بيد أن المعلومة إن لم تُدَرْ ستنسى، وإن العزم في التفكير والفهم واستنباط معاني للسلوك في معالجة الحياة وصروفها، وإن أبانا آدم لم يتعامل مع المعلومة، فنسي أن ما يتلقاه من إبليس ليس في صالحه؛ لأنه يكرهه.

* الحرام بيّن واضح في القرآن ومفصّل تفصيلا لا مخفيا ولا رمزا، ومن الحرام أن تحرّم بهواك ما لم يحرم الله، والآيات متعددة التي تمنع أن يصدر تحليل وتحريم بالهوى أو وكالة الإنسان على الإنسان بالقوة، أو فرض أي شيء على الناس بدعوى التمكين، فالتمكين للناس وليس على الناس.

من أجل هذا، سنحاول الإجابة عن: كيف ينبغي أن يفهم الإسلام في الشذرات الآتية:

الإسلام في الحكم: تمكين المجتمع لا التمكن عليه

1- أي سلطة أو دولة أو منظومة الحكم، هي منظومة تعاقدية مع الشعب وفق مفهوم الشورى وبآليات متعددة وفق المتاح لزمنها، ولا يضر إن سميت خلافة أو رياسة أو أي اسم، المهم المحتوى المؤسساتي لديمومة المهام، وإقامة العدل لتمكين الشعب لا للتمكن عليه.

2- غاية الحكم كمنظومة إسلامية، هي الإنسان وحماية منظومته العقلية بالأساس وأمانه وأهليته في الخيار، بلا تسلط أو وكالة من أحد، فما كان بينه وسره فهو بينه وسره، ولا يحاسب إلا وفق القانون المرعي بحماية المجتمع من النزوات والجريمة، وما يلحق ضررا بالمنظومة العقلية للإنسان أو الأمن والسلم المجتمعي.

3- مسؤولية الدولة مسؤولية تنظيمية وتمتلك المؤسسات والقوة، لكن هذا لا يعفي المجتمع من الحفاظ على البيئة، من حيث مسارات الحياة المتعددة، فالمال مال عام، والنهضة تتم بتعاون الجميع، والنظم تبنى ولا تفرض.

4- لا تدخل الدولة في تفاصيل حياة الناس أو افتراض المسارات السلبية ووضع القوانين على هذا الافتراض، بل للناس خياراتهم إلا إن أثرت على سلامة المجتمع، فالفرد مكلف بامتحان الحياة والدولة واجبها حماية منظومته العقلية، وليس فرض عقيدة أو رأي، وإنما السلوك الضار يكون بقوانين يتعاقد عليها الشعب.

حصر القرآن بالماضي يخالف صلاحيته عبر الزمن ويجعل الأحكام متخلفة عن العصر، كما هو حال الأمة التي ما زالت تستحضر الخلافات التاريخية لتحتكم إليها، وبعقلية جهل تجعل الأمور أكثر تطرفا من زمن حصولها، فيكون الدين أديانا وأمما وطوائف وأفهاما قاصرة، كل يسمي نفسه بغير اسم الإسلام ليتميز عن بقية المسلمين، وما يقود هذا من فساد في العقائد والسلوك والجهالة المغلفة بالدين على أنها تمسك به، وحب للظلم بين هذه الفرق، وهو ما جعل الأمة على الهامش منكوبة من نفسها وتزعم أنها منكوبة بالتآمر، متناسية أن العرب والشرق أمم تبحث عن مصالحها، ووجدت أمة متخلفة غائصة بالجهل فاستغلتها.

لم يمنح الإسلام الوكالة على البشر لا لحاكم ولا لرسول: "وما جعلناك عليهم حفيظا"، "وما أنت عليهم بوكيل"، "إن عليك إلا البلاغ"، "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" (الغاشية: 21- 22]، وقال "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" (الرعد: 40).

فالرعوية وتشويه الأفكار وزرع الفتنة والكراهية وذم المخالف وشيطنته، ينبغي أن يسيطر عليها بقانون مجتمعي، وليس لأحد فرض عقيدة أو رأي وتعطيل منظومته العقلية؛ والإنسان يحدد موقعه وفق سلوكياته ويحاسب على أدائه. وهذا النوع من الرقابة مطلوب في منظومة الدولة، لحماية النمط الحياتي ومنظومة الاستقرار والنزاهة في إدارة الدولة.

المعاملة فطرة الصالحين: "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ" (24-الحج)

إن التنوع إيجابي محفز للفكر متى ما كان الطرح بين الأفكار المتعددة طرحا لرؤية الحقيقة في مناقشة موضوعية، لكن إن بدأ بالتسفيه والبهتان أو الاجتزاء وخلط التاريخ والجغرافية وغيرها، بهدف الحفاظ على الرعوية ومراكز ومناصب وهالات، فلا أحد يكون خارج سلطة القانون الذي يرتضيه المجتمع.

فتجد أن الإنسان الراقي يسير في حواره مع الآخر كما تتحرك أم الطير فوق أفراخها كي لا تؤذيهم، ذلك أنه لا يتعامل بمشاعر إلا الصدق والمحبة كمنهج آدم، وليس الكره أو التعصب الذي هو منهج إبليس، عندها مهما اختلف الناس فلن يتنافروا. إننا خُلقنا في دنيا ونظام متحرك لا يثبت ولا يعاد، فإن سكن مات، والجمود هو ضد سنة الكون المتحرك والمتوسع بالحركة (وإنا لموسعون)، فالجمود على فكرة أو آلية أو رأي، هو موت عمليّا، وخروج عن الزمن والنظام الكوني.

لعل هذه الشذرات، تنفع في الإضاءة والاستدلال لشذرات أخرى، وإنها لذكرى والذكرى تنفع المؤمنين
.

السبت، 14 ديسمبر 2024

140 - قــراءة التاريخ - الفشل برداء النجاح

رابط عربي 21 


بداية الحقبة الضائعة:

الألم أو الإحساس بالظلم والقهر والتخلف بداية حقبة الوعي وتشخيص المشكلة، وهو أمر نختلف عليه وفق الجهاز المعرفي المنقول، ونستمر بالاختلاف ولا نرضى بقيادة ولا زعامة إلا أن تكون من فئة "ب"، وتمحق الزعيم أو القائد الذي يظهر من أي حرف آخر في بيئة منظومة تنمية التخلف، وتسفّه الحروف ما ظهر عند غيرها، إلى أن ينعزل ويموت الأمل فيه. كذلك يفعل الآخرون مع من يظهر من أي حرف، فأحادية النظرة من ضمن المنقول في الجهاز المعرفي المشكل لمنظومة تنمية التخلف؛ فأنا الفاهم والواعي والمؤمن والوطني الذي يملك الحلول، حتى لو كنتُ واضح التفاهة، وغيري الجاهل والخائن والكافر، وإن كان في رزانة الدعوة للحق والمنطق.

في ذات الفئة "ب" هذه، تظهر الفردانية أنانية تهمل عالمها والعلماء أو المفكرين وهم أقل الناس قدرة للدفاع عن أنفسهم، وإنما يحتاجون غالبا إلى قادة وزعماء لترويج أفكارهم، فعندما يواجهون بتسفيه المجموعة وتسفيه المجموعة للمفكر، حاضر عكس اجتماع المجموعة على رأي واحد صواب. فالعمل الفرداني دون مؤسسة لا ينجز؛ لأنه سيواجه التحديات بلا قوة صد ويفتقد للتنسيق ومتابعة التطبيق وتصويبه، فلا تكون مخرجات قوية دالة على الفكرة، وتضعف بالتشويه الذي يحصل فيموت الشخص والفكرة ليس مهما من السابق للموت.

بطل واحد! فاهم واحد! خبير واحد! هذه العقلية قادتنا إلى التخلف والعدمية وصنع الفاشل من الناجح؛ الإنسان يستطيع تحقيق طموحه الشخصي منفردا، بيد أن طموح الأمة لا يحققه إلا مجموعة منتظمة في عمل مؤسساتي، فالإحساس والتشخيص والذهاب إلى الحلول ما لم يكن مؤسساتيا، فهو سيقود إلى الفوضى بتراكم الإحباطات، والخضوع والركود إلى حالة انفجارية لا تضبطها قوانين وأعراف.

فكرة الإصلاح والتغيير:

الإصلاح لا يأتي كنشاط على فوضى أو هياكل ليست معرفة المهام أو شعوب لا تعرف ما تريد، وإنما تتحسس الألم فقط وتبحث في خيالها عن المنقذ وتذهب إلى الأوهام والخزعبلات، أو تستحضر تراث الاستسلام للواقع وللظلم وكأنه قدر مقدور. هذا الوصف، يحتاج مراجعة كبرى وإلى تغيير بعزيمة مؤسساتية مترابطة بين مجموعة من المفكرين، ومجموعة من القادة وزعماء تنفيذيين للأفكار والمعالجات والمتابعة. أي تشكل منظومة بها أفكار ومعالجات لهذه الأفكار ومخرجات تستلمها البيئة والحاكم والمحكوم، ثم تعاد التغذية بمواطن الإخفاق ومحتمل النجاح وهكذا أو بتغيير شامل، لكن يضاف له برامج مكثفة للتوعية وتثبيط الرعاع وتهدئة الغوغاء، ليتمكن العاملون من إجراء قواعد التغيير.

أما الإصلاح، فهو عملية ضمن مسار منظومة فاعلة، تحدث إخفاقات في بعض أنشطتها فتدرس وتوضع بدائل تدخل التجربة إلى تصويب العمل. الإصلاح والتغيير عمليّا، يرتكزان على الاستقراء للواقع، ثم استنباط الحلول وهذه الملاحظة مهمة؛ لأن القوالب الجاهزة من تجارب التاريخ أو تاريخ الشعوب الأخرى ليست صالحة، وإنما تضيف جروحا جديدة للمجتمع.

الإصلاح يحتاج إلى تشخيص وأفكار للحل وكوادر مؤمنة بالحل وتعمل عليه وقبول من البيئة، وهذه أمور داخلية، لكن بغياب أي منها لا تثمر، الإثمار له أيضا واجبات رعاية وديمومة وصيانة وهذا أمر مهم.

أما التغيير، فيتضمن معادلة الإصلاح وقبولا إقليميا وقبولا دوليا وضمان مصالح الجميع حقيقة. وطبعا بغياب أي من هذه الأمور، فسيوضع في المعادلتين صفر وكل ما يضرب بالصفر، فالنتيجة الصفر رياضيا أو بمنطق الفكرة، يعني الفشل.

الفشل برداء النجاح:

عندما نتحدث عن النجاح، فإننا نتحدث عن أمر مدروس مقصود، وعندما أردنا النهوض وأتينا بالتقليدية والعقلية الفردية، عجزنا أن ننتج مدنية أو نستحث حضارتنا الفكرية فاستعنّا بالاستعمار لجلاء الاستعمار، فترك من منظومة متوافقة مع الخضوع للمتغلب فينا مما نراه إلى اليوم، وهو لم يخرج فعلا، وإنما ربح خسائره وزاد من خسائرنا، وأرهقتنا المظاهر الصوتية التي تتحدث عن إزالة الفقر بأفكار مستوردة، والجهل بنظم مستوردة، وكلها قوالب تضعنا في ضيق وتمزق أجزاء منا، وتسبب لنا النزف من قطوع وجروح.

دعونا للديمقراطية فأخذناها مستأصلة من نظم تصويبها وتصفق الجماهير لوعود الوهم، فإن صدف أن حدثت طفرة فيها، فهنالك قوى منك تثبطك بل تنهي أي فكرة أو أمل، وأنت مخدر تصفق لجلادك. إن التغيير والإصلاح الحضاري والمدني، لا يأتي إلا منك ومن خلال الاستقراء والاستنباط السليم، عندما نتخلص من الثرثرة التي لا تبني ثقافة ومثقفا بل مضيعة للعمر، ونروض أنفسنا على الاستماع والحوار بدل الجدل، والسعي للأفضل بدل الظن بامتلاكنا الأفضل، فإن ثبت أن ما لدينا الأفضل فهذا خير، وإن عرفنا أننا لا نملك الأفضل فهو خير أيضا.

إن ميلنا إلى أن نكون مستهلكين للمنتج المدني، هو أحد إخفاقات أنتجها من صمم الناس الذين خلفوا الاحتلال في الإدارة، التعامل مع عقيدتنا الإسلامية وكأنها عنكبوت، وتقديس غير المقدس من أشخاص وتاريخ، يجعلنا ننسى أن أمتنا ككل كانت ما بين الهامش كالعرب، والظلم والاستعباد لأمم كان وطأة إمبراطوريتين لا تحوي عوامل الكرامة الإنسانية والقيم العليا.

إننا لو نظرنا إلى دورة التاريخ، سندرك أن الإسلام ليس دينا، وإنما فكر وقيم ترتقي بالإنسان وبناء المدنية وإبراز الجمال في العالم، رغم كل التشوية والتضليل.

إن الكلمة الأولى "اقرأ" وليس ثرثر بأي كلام، فالقراءة انطلاقة إلى التغيير الدائم والإبداع والعلم والمعرفة، متى ما هجرنا الإسلام عدنا كما كنا، أمة جامدة وأخرى تبعية، وأخرى هامشية وأخرى تجد الظلم مكرمة، من أجل هذا لا بد أن نتطرق إلى تاريخ مهم، وهو محاولة لطرح سؤال: لماذا لم تستمر مدنيات كالصين في قيادة العالم، أو مدنية وحضارة كالإسلام، ليعود أتباعها إلى الغفلة والجاهلية؟ وما نراه يكفينا الوصف.

الجمعة، 6 ديسمبر 2024

139 -قراءة التاريخ - حلول للدراسة

 رابـــــــــط عربي 21


لتقليدية مشكلة وليست حلا:

النظر إلى صُلب الحياة المدنية وكأنها من صُلب الدين كثوابت أو تقديس الأشخاص المجتهدين في عصورهم أو أيٍّ من الصحابة وآل البيت دون فصل حياتهم المدنية عن مكانتهم في الدين أو معرفتهم واجتهادهم في العبادات؛ معضلة أمام تفسير حقيقي للتاريخ والاعتبار منه أو التقدم إلى الأمام، لأن أي رأي تجد من يعيدك إلى مقدس ليس مقدسا كرأي فقيه أو مجتهد وظرف عصر مختلف.

فالمشكلة الكبرى وهي الفتنة، بدأت باغتيال لخليفة وهدأت بإدارة خليفة رفض الاستمرار (الحسن رضي الله عنه) وحل المشكلة سياسيا، بشرط عودتها للأمة وهي من قواعد الشورى الفكرية في الحضارة الإسلامية، أي حكم الشعب لنفسه من خلال حقه في تنصيب أدوات الحكم وإبدالها أو خلعها، وهي مسألة قيمية إرشاديه للحياة المدنية وأهم ما فيها هو الاستقرار بإنشاء حكم أمين رشيد.

السؤال: هل كان يمكن تفادي الفتنة؟ الجواب افتراضيا نعم، لأنها في واقع الحال مشكلة سياسية تطورت إلى الاتجاه السلبي وأخطاء بشرية من الطرفين، رغم أن موقف معاوية كان به خلل في بعض المفاصل كمواجهة جيش فيه الخليفة ونهضة العصبية القبلية، ثم بعد صلحه والحسن t لم يلتزم بشرط الصلح وهو إعادة الولاية إلى الأمة وإنما جعلها ملكا وأسس لولاية التغلب التي ما زالت فاعلة الأمر الذي تسبب في حيثيات خروج الحسين رضي الله عنه، وما زال المتغلب لحد الآن مدنيا أو مغامرا أو عسكريا يحكم الأمة، وقد أصبح كالسيد الذي يسوس العبيد بلا إرادة ويكرر ما قاله فرعون في وصف المصلحين بما وصف فرعون موسى عليه السلام "لا أريكم إلا ما أرى"، "وأخاف أن يفسد عليكم دينكم"، وهو في الحقيقة يخاف أن تزول ركائز حكمه وظلمه.

كيف تحل مثل هذه المعضلة:

في التاريخ مهما كتبنا من حلول فهي محض رأي لا ينتج عنه أمر إلا تبريرات المخالفين له وجدل بيزنطي لا غرض لنا فيه. لذا فنحن ننتقل بالحالة إلى واقع اليوم مستفيدين من التطور المدني في مسائل القيادة والسيطرة والإدارة والحكم ونظم التعامل بين الجمهور والحاكم، ليس نقلا عن نظام ليبرالي رأسمالي فهذا النظام اقتُبس من الفلاسفة اليونانيين وتجربة أثينا ليحمي أصحاب المصالح أو النظام الرأسمالي ككل؛ بل نلجأ إلى ما يوافق العقيدة من فكر مستخدمين الآليات المتاحة لحين يلد الواقع والتجربة آلية مناسبة لمجتمع التكافل وسيادة الشريعة التي ليست الشريعة المنقولة من اجتهاد البشر، وإنما ما ينتج بشكل نظام أو قوانين من خلال استقراء الواقع ثم الاستنباط من القرآن والسنة والسيرة النبوية التي هي تاريخ يحمل خصوصية سير الشريعة على الأرض، وفق نظام معرف فيه الثابت والمتغير وما هو رأي بشري وما هو قول نبوي وما هو نص منزّل، وكيف يتعامل الحاكم، وكيف يتعامل القاضي وكيف يكون تقييم الرأي الشرعي والرأي المدني ضمن فكرة الإسلام ككل لحماية الأهلية للمواطن وخياراته لأنه من سيحاسب على قراراته الخاصة، أما ما يتعلق بأعماله وأقواله وفعل ما له تأثير على أرض الواقع على الناس ومعتقداتهم والدولة والحكم؛ فهنالك القوانين التي تحاسبه وتقدر كيف يكون عقابه أو إصلاحه إن كان ممكنَ الإصلاح أو يعد خطرا على المجتمع، وعندها فكل القوانين ستكون معرّفة مستنبطة على استقراء الواقع.

الحل الأمثل:

الحكم كان فرديا عندما كانت الحياة بسيطة والدولة لا تدخل التفاصيل في حياة الأفراد، لكن اليوم تشعبت الوسائل والحاجات والمخاطر والتحديات، وأضحت بيئة الدولة تتقبل الكثير ومنفتحة وتحتاج إلى تجاوز هذه المواقف التي حصلت في صفّين والطف، بل وضعها في نظام لا يقبل التمرد، بل يضع خيارات الأمة هي الحكم وبشكل واضح، ففقدان الفهم والوضوح نتيجة توسع الدولة بلا وسائل الإفهام والتعليم والاجتهادات المنفردة، بعيدا عن المركزية لضعف التواصل وفقدان المؤسسات أوجد تلك الحالات.

بالعمل المؤسساتي تنتهي تلك المشكلة عندما يكون كل أمر مؤسساتي من الحكم وإدارته كمؤسسة الخلافة، وفيها تفاصيل تقود حركة الحكومات، إلى مجالس توظف الخبرة، فلا يوجد حاكم مدى الحياة حتى النظام الملكي، بل هنالك تغيير وفق إرادة الشعب، لكن منظومة الحكم لا تتبدل وإنما تحدّث وتبقى المشاريع متابعة وعن طريق مجلس التخطيط الاستشاري يتابع كل أمر دون أن يتدخل في إدارة الدولة، وإنما يستمر العمل والمخطط بحيث يكمل كل جديد من سبقه ويضع مشروعاته لينفدها ويكملها أو يكملها من يليه (هنالك مقالات للكاتب حول هذه الحلول مفصلة؛ ومنشورة سابقا) وكل فقرة بها شرح مهام وتفاصيل.

ألم بلا عواقب:

إن الإحساس بألم الظلم أولى الخطوات التي تحرك نحو الحرية، لكن لهذا شروط وأهمها الفهم ووضوح الرؤية، وكسر قيود التقليد والتحجر، وإبعاد التأليه والتقديس لكل ما هو قديم وبناء مدنية تعبر عن المجتمع ذاته من مخرجاتها وتشارك العالم في بنائها.

هذا الكلام هو مقدمة لما سنتحدث عنه في الجزء الثالث من قراءة التاريخ..

الجمعة، 29 نوفمبر 2024

137 - قراءة التاريخ (1-3) الزوايا المظلمة

 رابط عربي 21


فلسفة التاريخ:

تجارب وأحداث يمكن أن نفيد منها العبرة وكثير منها لا يفيد، والأسوأ هو التضليل للذات في اختيار النموذج ووصفه وعبادة الرموز بعد تأليهها، وهي بشر تلمس طريقها في الحدث، أصابت مرة وأخطأت أخرى، نتحدث بتمجيد حتى عن الأساطير التي تُستقى من حدث حقيقي أحيانا كالطوفان، وتختلط بالخرافات، فتغدو أسطورة يكتبها مبدع شعرا أو نثرا، ليجعل من طغيان شخصية جلجامش نموذجا.

ذات الشيء، عندما يُغفِل التاريخ جانبا من السردية ليبقي جانبا مضيئا منها، كسردية صلاح الدين وبيت المقدس مع أنه ترك الساحل للصليبيين، وإغفال السلطان قلاوون وابنه أشرف خليل الذي أنهى الاحتلال الإفرنجي نهائيا، استكمالا لإنهاء احتلال كان بسبب ضعف الدولة استمر 198 عاما لعكا؛ التي تعرضت لمذبحة وجريمة ضد الإنسانية باسم الصليب قام بها ريتشارد قلب الأسد، إلى سقوط حصن حراس المعبد، الذين كانت نهايتهم سيئة جدا، بعد أن اتهمهم البابا كليمينت الخامس بالهرطقة، واختلاس الأموال من فيليب الرابع (ويكبيديا).

التاريخ ينقل حدثا، الاستقرار عنده واجتراره نتيجة الجهل والتخلف هو امتهان للكرامة الإنسانية، وإحياء وتخيل الفتن منه بالتأكيد يضعف أهمية التاريخ، بل يجعل منه ثقلا في بحر الظلمات التي تعيش به الأمة عائمة غير مستقرة.

الفردانية التي تبرز في التاريخ وهي تتحدث عن البطل، تضع أساطير أو ما يشبهها وتضفي قدسية تقارب التحول إلى مرتبة الآلهة، وهذا يفقد الأمة القدوة والإيمان بالعمل الجماعي، فلا قائد يمكن أن ينتصر بغير جند أشداء مؤمنين بما يفعلون؛ ليس من ناحية عقدية فحسب، بل مهنية عندما تصبح الفروسية مثلا قيمة أو الجندية قيمة أو المجد قيمة.

حاضر في تاريخ معتم:

الأمم التي تهتم بالرموز والنقاط المضيئة في التاريخ وتهمل مهامها أو تتعظ من السلبيات والزوايا المظلمة فيه، هي أمة ماهرة في صنع الأصنام، لكنها لا تصنع الحياة، تنجذب لتعظيم شروط للتخلف لأنها لا ترى المستقبل، والكسل ديدنها؛ لأنها بلا دافع للبناء ولا دافع التنمية، والغرائز ضمن القانون ولا دافع من فهم القيم. يفكر السواد الأعظم منها بما له لا بما عليه، فهو يرى العمل موارده لا مهامه، والحياة تتأرجح وفق غلبة الغرائز وأيها تطغى، فمن طغت عنده غريزة التملك سعى للمال، ومن طغت عنده حب السيادة سعى لقمع محيطه، وهكذا بقية الغرائز قياسا لنصل إلى إنسان التخلف والضياع ومجتمع يغلب فيه الفساد ويطغى، فلا يحاسب ليكون الفساد طبيعيا وليس منقصة عندما يحضر فاعلها.

وهذا نراه واقعا ليس تحليلا؛ لأننا نرى المصفقين ونرى من ينتقدون المفكر المصلح ويسفّهونه ويحاولون تبيان نواقص فيه، بينما ذات الأشخاص وهم ناقدون للفساد يداهنون الفاسدين ويحاولون التقرب منهم، ويبحثون عن الطموح الذي داخلهم والنفعية الغازية لضمائرهم في أشخاص تافهين، هم في شغل عن الذين لا يرون نفعا منهم، سواء صالح مصلح أو منافق وصولي.

معظم نخبة القوم ومن يزعمون أنهم يتصدون لقضايا الأمة أو عقيدتها أو قيمها، أول من يكذب معظمهم عليه هو أنفسهم، ولا يرى انكشافه وتفاهته التي أحيانا كثيرة تكون واضحة أمام الناس، هذه الفئة أنواع شتى وغالب أنواعها طاقتها ضد نهضة أمتها، وهنالك منها ما يسعى لمجده هو، فلا يبحث عن الحقيقة بل يعدّ جهله غاية في العلم، وربما يفرضه على مجتمعه أو يخونهم، إن لم يك بتوجه ديني، وإن كان متدينا أو واعظا، فإنه يكفّر مخالفه وكلاهما يفعلان بتعميم لأمر ليس عامّا.

دوافع التخلف:

دوافع الهزيمة والتخلف هي دوافع للنهضة، لكن ينقصها الفهم وليس بالضرورة تنقصها المعرفة، فرواد التخلف مثقفون ومتكلمون متفانون وذوو حجة، بل إصرار وتضحية حتى بالنفس لكنهم في ضلال.

فأمة التخلف تشخص كدعاة النهضة وربما تتطابق معهم أحيانا، فهو إحساس بالألم، وهو يبحث عن حل وإنقاذ، بيد أنه لا يخرج من الصندوق، ويبقى في دوار الأفكار المهيمنة، ويبقى يأتي إلى حلول معادة تتناوب الإحلال مع بعضها. ولا شك أننا نستطيع أن نضيف المنبهرين بمدنية الغرب المتقدمة أو الشرق، ولكن دون فهم أسسها أو آليات إدخالها إلى المجتمع، فالأفكار هذه مخرجات مدنية، لكنها فُصّلت وارتديت في مجتمعات أخرى، ومضى زمن على تطبيقها، جرى إصدار أشكال متجددة بالخبرة والمستجدات وفق قراءة أو استقراء الواقع، لكن مجتمعا لا يمكن أن تُدخل عليه النظام في التطبيق الاقتصادي، الذي تطور لمئات السنين كقوانين ضرائب أو مستشفيات القطاع الخاص أو غيرها، بلا آليات موجودة تخفف عن كاهل المواطن، ولو طُبقت بشكل تقليدي بلا فهم آلياتها عندنا، فستكون قاتلة للمواطن ومعاشه؛ لأنها تأخذ بمبدأ لكل شيء ثمن، ولكن بلا آليات صنعتها التجربة مع الزمن.

المجتمع تعرض لصدمات ومتغيرات ونظم متعددة، لهذا حتى تطبيق النظام الإسلامي كنظام سياسي لرعاية الأهلية وحفظ المعتقد لمواطنيه، يحتاج استقراء وقراءة للواقع وإنتاج ما يناسب المجتمع، ووضع آليات لتحديث قوانين الدولة وإداراته بشكل مؤسساتي، ففهم معنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان دون استقراء أو تحديث للآليات، لن يكون نظاما ناجحا ذا ديمومة، وإنما حاله حال أي نظام دخيل، لكنه سيتحول إلى الهوى، وهذا معنى الثيوقراطية، فليس من دين فعلا أو شريعة، وإنما باسم الدين تحل الفوضى والظلم.

من المهم القول: لا بد أن تمخر قوارب اليقظة في بحر التاريخ لتبحث عن العبرة وفي السلبيات وحقيقة المواقف والأحداث لنجيب على سؤال مهم: لماذا أعجزنا الإسلام أن يستمر في قيادة المدنية وتتلاشى حضارته الفكرية، لتغرق بالأوهام والخزعبلات وشتى التسميات التي تحمل التخلف والجهل، ويحارب المجددون الفاهمون لفكرة الإسلام والخليقة، وكأنهم وباء وليسوا عناصر إحياء الموات والبوار الذي نحن فيه؟ هذا ما نحاول وضع أسس للإجابة عليه في الجزء الثاني.

الجمعة، 22 نوفمبر 2024

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21


صراع قيمي

الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير منها في الإنترنت، لكن لا تواجه هذه المستجدات أفكارٌ جديدة تخاطب الواقع عندنا بل يهاجَم من يحاول الاجتهاد والتجديد؛ وأساليب المقاومة للسلوكيات السلبية من الوعاظ في كل الأديان أصلا ليست مجهولة للمنصوح، بل هو يستهجنها خفاء أو علنا لأنها لا تتماشى مع ما وصل إليه البشر من علوم وابتكارات.

هذه الأفكار نفسها تتصارع في الإنسان، فبعضها يبيح الفعل وبعضها يحرمه فتجد صراعا مستمرا ما بين القيم الأساسية والمنتحلة واضطراب نفسي سلوكي لمعالجة الحاجة. في العصر العباسي كان تبني للأفكار وتطويرها من جنس منهجها ومقاربات هزيلة شوهت الفكر الإسلامي رغم محاربتها لكنها دخلت في الشروح والفقه وجعلت الخزعبلات والخوارق مقبولة وهي من اصل الفلسفة الشرقية والغربية، وروج سوء الفهم للإسلام ومهامه بشكل مجحف.. "تُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشّاةِ القَرْناءِ"، هذا حديث يقال على المنابر بينما المكلف هو الإنسان، والحيوان مسخر غريزي لا منظومة عقلية له لتحاسب، وهذا للمثل إن أُخذ بنصه لغير العبرة فهو تشويه لفكرة الخليقة في القرآن، ونرى فرقا اليوم تخرج الإسلام عن مهمته بأسماء متعددة.

صراع نفسي:

مجموعة القيم والأفكار في صراعها سيواجه الإنسان مشكلة الاستقرار، واضطرابات نفسية في الحكم على غيره بممارسة ممكن أن يفعلها هو، وكلما زادت الأفكار التي تدخل المنظومة العقلية وتجيب عن أسئلة فيها فتكون من المدرك بالضرورة، تزداد المعاناة النفسية، وتأتي مقاربات كمقاربة معجبي الرأسمالية والشيوعية ومتبنيهما مع الإسلام، مثل مقاربة التكافل بالاشتراكية، والملكية الفردية بالرأسمالية، لكن يمكن تبني الأمور المدنية كالانتخابات لحين أن يفرز المجتمع أسلوبا يناسبه.

تفاعل الفكر والشروحات تجعل الميل إلى الخرافات من المضافات كمعجزات أو خوارق، وهذا في كل المعتقدات كمثل من حدد أن نهاية العالم 2000 أو 2012، ونبوءة المايا وضرب "ليون مستنغر" أمثال متعددة على فشل النبوءات كعودة المسيح، وأن مناحيم مندل قد يكون هو المسيح لكنه مات بسكتة دماغية 1994 فقالوا إنه سيعود "فالمسيح يستيقظ من بين الأموات"، ذات الشيء عن التنبؤ الحسابي بنهاية الكيان الصهيوني سنة 2023 وانتقل الآن إلى 2027.. والأمثلة كثيرة.

عندما يريد الإنسان أن تكون له مكانة وتفوق ويجد من هو أفضل منه فإنه يحاول تسفيهه بافتراض أنه مزايد أو دجال، على قاعدة العنب الذي لا يُطال حامض، بدل السعي للتكامل معه. غالبا الشخص الجيد ليس هو الذي يوقظ الناس وإنما هو من يطرح ما يفكرون هم به ليقودهم إلى حيث يريد وهو ليس ما يريدون، كذلك نرى الشعوب تلفظ المصلحين وتخضع للطغاة الذين يقمعونهم بحجة التحديات من الإمبريالية والاحتلال للجوار أو البلد أو فكرة مضادة.

معادلة مهمة: هي معادلة قبول الفكرة لنرى صيغة رياضية لها وبتحقيقها يحصل التناقض:

توافق الفكرة بمقاربة مع الفكرة الأساسية (افتراضية) + مقاربة مع النفسية والمزاج (مماهاة) + فقدان وسائل المعالجة (المجتمع وازدواج الأفكار عنده) + قيمة الفكرة (بها إطلاق) + الفعل الغريزي (وهو الأهم في التأثير) = التصالح بين مجموعة الأفكار المتناقضة على مجمل الإخفاقات.

في بيئتنا التي حصل بها ازدواج الأفكار وتعاظم في الحاجات مع تطور المدنية فنجد رفضا لمسالة تعدد الزوجات ونجد هنالك زنا ممن يحرّمه، وهذا يعبر عن خلل، بينما تصالح الغرب على أن هنالك عشيقا أو عشيقة دون أن يكون أمرا شاذا، وكل أمر يتطور يُرفض بداية ثم يُتوافق على وجوده كواقع حال بقانون تستجيب لشذوذه حتى الكنائس! يحتاجها للمصالحة مع غريزة التدين وليس فكرة الدين المناهض أصلا لهذا، وليكون مقبولا اجتماعيا، وكثير من الأمثلة صدرت بها تشريعات تنظيمية للمحافظة على مرتكبيها ضمن سلطة الدولة التي حلت محل الإله عمليا.

عند المجتمعات الشرقية يمر القبول في دورات أطول فتوافق مجتمعنا مع الرأسمالية ليس بسببها وإنما بسبب آليات فيها، والتي تحتاج إلى وقت وأنظمة وقوانين لضبط السلوكيات السلبية التي تنتج عنها. ويبدو شاذا ومشوها من يقر الشذوذ مثلا علنا، في حين أنه يكثر في مجموعات بشرية تهرب من المسؤولية أو يعتاد الإنسان وضعه من الشذوذ نتيجة استغلاله من أناس شاذين متنفذين بصيغة أو أخرى، ولا وسائل للمعالجة ويكتفي المجتمع بالإنكار.. لكن معظم حدود المعادلة متحققة.

مجتمعنا لا يحتاج أمرا كثيرا لكنه كبير والمقاومة له من منظومة التخلف في مجتمعنا استدعاء الماضي وافتراض أن الاجتهادات القديمة تناسب العصر أو أنها صحيحة والعالم الذي نحن فيه خطأ ولا يعالج، نعم الواقع خطأ ولكن استدعاء الماضي خطأ أيضا


معالجة هذا:

إن مجتمعنا لا يحتاج أمرا كثيرا لكنه كبير والمقاومة له من منظومة التخلف في مجتمعنا استدعاء الماضي وافتراض أن الاجتهادات القديمة تناسب العصر أو أنها صحيحة والعالم الذي نحن فيه خطأ ولا يعالج، نعم الواقع خطأ ولكن استدعاء الماضي خطأ أيضا، فنحن في خطأ مركب وهذا تمام معنى الكارثة، ولا يمكن إقامة فكر بلا آلياته وتنقيته، فالغرائز ستسيطر ويصبح التبرير والشعور بالذنب مرضا نفسيا.

بدل أن نتصالح مع أن المسلمين شيعة وسنة ونقر روابط هابطة؛ الأفضل أن نستحضر أصل القرآن ونرفع كل ما أضيف للإسلام من معوقات الإصلاح عبر أشخاص، وتُختصر المذاهب بتعاليم للعبادة مناسبة بكراريس صغيرة دون الدخول في تفاصيل أوجدها الهروب من واقع مر للسياسة، وبدل تبرير نوع الولاية نذهب إلى الشورى ونستمر في تحسين الأداء والآليات. الإسلام ينزل قرآنا كل يوم لكن نحن لا نفهم هذا ونحسبه آتيا من التاريخ، وهذا ليس مفهوم الإسلام لنفسه.

كل الأديان الأخرى لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم، وحتما ستكون تفاهمات اجتماعية لترشيد الرعوية عند القسس والواعظين والتي هي أساس خلخلة الانتماء وتزرع الكراهية بدل الاتفاق على بناء البيئة المشتركة، وهي مهمة الإنسان المحمية من أي حكم إسلامي الذي غايته الأساس حماية الأهلية والاختيار وفاعلية المنظومة العقلية، لحين ذاك فمنظومة تنمية التخلف تزيد من عمق جرف التخلف الهاري.

الجمعة، 15 نوفمبر 2024

135- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. وصف الظاهرة (1-2)

رابط عربي 21


"مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد"

 سمة المشكلة:


هنالك في هذه الجدلية نوعان من الازدواج، وكل نوع مركب من أطياف، وهي ليست مرضا ليعالج، وإنما اضطراب في تكوين الشخصية، وهي ليست متعلقة بدين أو عرق أو طائفة، وإنما هي متعلقة بتركيبة المجتمع ككل، ومفرزات هذا الازدواج أن هنالك حياة غير طبيعية، وأمة ليست قويمة غير قادرة على البناء ولا التعامل مع الواقع بشكل سليم.

1- دعوتنا ليست للدين، وإنما لتدين لا يفيد إلا سد غريزة التدين، بينما يمكن أن يحصل نقيض الدين في كل خلق وسلوك. نقول: الإسلام فيه الحل ولا نعرف أو نبحث كيف هو الحل! فإن أتانا من يدلنا سفّهناه وكفّرناه، واحترمنا الخزعبلات والانحرافات لأنها تبرر الكسل والضعف والفشل.

2- النمطية والأحادية في كل شيء، من الحاكم إلى الرأي الفردي.

3- يحكم بتطرف على خطأ غيره أو ما يقترف، في حين أنه قد يكون مرتكبا لنفس الخطأ.

4- فقدان للقواعد والقيمة وتعريف المهام، وتكرار الأخطاء وتبرير نتائج الفشل بقضاء الله.

5- مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ، ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد، رغم أنها سياسية مدنية أيضا في أصلها.

6- هنالك الكثير من السلبيات، لكنها كلها تعود إلى أسباب المسارات الحضارية والمدنية، وتراكم أفكار متعددة متصالحة في العقلية، وتؤدي إلى اضطرابات في النفسية، فما هو حلال في بعض الأفكار، حرام في أفكار أخرى. وما هو حسن في أحدها، فهو قبيح في أخرى. وما يسد النقص هنا، لا يصلح هناك. وهذا السبب الرئيس لازدواج ثنائي وثلاثي وأكثر في الشخصية، نتيجة الاضطراب في العقلية والنفسية، وهو ما يفسر انفصال السلوك عن الخطاب وبتعايش تام هو المشكلة.

ما جدلية الاضطراب وما علاجه؟

الإسلام عموما، أتى إلى بيئة في وقت بعيد عن التقنيات الحديثة، وأهم هذه التقنيات التي تفيد الإسلام كفكر، ليكون بعيدا عن تشويه الفكرة والنقاء حينها هي الاتصالات والمطابع، فالناس يتداولون المعلومة بطريق النقل والحفظ كما اعتادوا أن يتناقلوا الشعر والكلمة، ومنها الشروحات والرأي، فلم تترسخ الفكرة بشكل صائب، وإنما هي ظنون في الفكرة عند العامة من الناس، مع تصور أنهم معلمون ولهم رأي، وهو أمر جاذب في مجتمع تأتيه الحرية بعد قمع الامبراطوريات، وهي أحد أسباب الفتنة التي أدت إلى حكم التغلب لاحقا. فالفكرة، قد تبدأ بسلوك أو حدث مهما كان بسيطا، فإن لم تصحح تكبر، وربما ينظَّر لها لتكون أيديولوجيا، فإهمال الإخفاقات أو الانحرافات، أدى إلى صراعات وتعاظم للتخلف مستمر حتى الآن.

ثم اصطدمت الحضارة الفكرية التي استقر عليها الناس باختلافاتهم على الأمور البسيطة بمخرجات الفلسفة اليونانية، فكانت مادة للجميع لإرساء تنظيرات كل لفكره وإصراره عليه بمنطق تصوره مع غياب الفهم العميق للإسلام، ظهرت أسئلة الفلسفة اليونانية التي هي ليست أسئلة الفلسفة، أو فكر الحكمة الإسلامي، فماهية الإله الذي طرحته نظرية الفيض، هي ليست سؤالا في الإسلام، فالإسلام يأخذ الجانب المؤثر في الحياة.

أسئلة مثل: الإنسان هل هو مخيّر أم هو مسيّر؟ خلقت فرقا متعددة، وهي فكرة لا وجود لها لمن يفهم الإسلام، وهو يعرف ماهية الإنسان والحياة، وما انفك الناس يناقشون هذه الأمور دون فهم لتضارب الأفكار بين أمور محلولة أصلا، فلا يوجد هذا السؤال في الفكرة؛ لأن الإجابة أصلا موجودة بشرح السؤال، والسؤال عن القضاء والقدر مجاب، مثله مثل معنى الروح والقلب والفؤاد. الإسلام يجيب عن كل هذا ضمنا، بينما ما زال الناس يسألون والمفسرون والوعاظ والخطباء والكتاب يستخدمون كل هذه الأسئلة الوهمية والمصطلحات، عالم وهم يدورون في تيه افتراضي لا مخرج منه، كذلك هو حال الأمة اليوم.

عقدة التغيير وتراكم الأسئلة:

الأمة في منطقة ذات ثروات فتتصارع عليها الدول بأيديولوجياتها وأساليبها المتعددة للهيمنة عليها، من التعليم لإنشاء موظفين بأسلوب غربي، إلى إدخال لغات المحتلين وثقافتهم، إلى الأيديولوجيات كالشيوعية إلى انغلاق الفقهاء ورجال الدين، ورفض أي تجديد حتى يفرض نفسه أو محاولة مقاربته بالإسلام، تماما كما فعل السابقون مع الفلسفة، وهي ثقافة وفكر يحوي اختلاف الجوهر إن عومل كفكر حضاري وليس كمخرجات مدنية.

ولكوننا نحاول التأصيل في الدين لكل شيء اختلطت علينا الأمور فتفشل الفكرة عند التطبيق، هنالك من تحسس هذا ولم يدرك منه الحل له فقال؛ "إننا لن ننهض إلا إذا أخذنا ما عند الغرب كله بإيجابياته وسلبياته". وهذا يمثل حالة الخلط التي نوهنا إليها؛ لأننا نعتبر كل أمر عقدي، في حين أن المدنية تراكم للجهد البشري، أما الفكر الحضاري، فهو توسع بغرض الفهم لفكر عقدي أنزل كمنهج للإنسان وكقيم تستند عليها معايير السلوك وتصويبه، واستعاض الغرب عنها بالقانون وسيادة القانون وتقديس قوة الدولة وسيادتها، نجد هنا الدولة الإله ونجد القوانين بدل قيم الشريعة.

السلوكيات السلبية والمزدوجة:

السلوكيات المزدوجة عندما تلاحظ أن رجلا متدينا يحكم على مخالف الشرع بكل قسوة، وهو يمكن أن يزني ولا يؤثر هذا على شدة حكمه على الزاني مثلا. ما التوصيف والعلاج؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في الجزء الثاني.

الجمعة، 8 نوفمبر 2024

134 - سؤال كبير في التاريخ: لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين والحكم الإسلامي بقيادة المدنية؟ (2-2)

رابط العربي 21 

مدنية الحكم الإسلامي:

الإسلام ليس مدنية ولا أيديولوجيا حزبية ولا هو شريعة تراثية، هو منهج الإنسان كامل الأهلية في كل مفاصل الحياة، وقيم تعطي الأهلية والكرامة. وهنا أركز على الأهلية؛ لأنها مهمة لاختبار المنظومة العقلية التي هي سبب وجود الآدمية على الأرض، بأن تكون هنالك سلالة تعمر الأرض، فكل ما يتعلق بالحياة وإدارتها مدنيا، هو اجتهاد بشري، والسياسة منها، من أجل هذا كان القرآن مثاني، أي طيات، حمال أوجه من التفسير والاستفادة منه للتنظير عبر العصور، وليس تقديس عصر أو شخصية أو مجتهد أو فقيه.

ولعل تنحّي الأمة عن ريادة العالم هو فشلها في الإصلاح الهادئ، بل نشطت الانقسامات على الرأي والظن بامتلاك الحقيقة، فكانت فرق انقسمت سياسيا ثم راحت تؤصل لنفسها في الشرع والدين ليكون التكفير. وهنا عند هذا المفصل، كانت الكارثة والعجز والتنحي التدريجي عن ريادة المدنية في العالم؛ لأن العمل السياسي كان بمعزل عن الأمة، بل ملغي دورها، واعتبرت في كثير من الاجتهادات أن لا إرادة لها ولا اختيار، بل كان السلطان وكأنه متزوج من الأمة لتتبعه وخروجها عليه كفر. ونرى القرآن ينص على الشورى التي هي أوسع من مصطلح الديمقراطية، بل إن السيرة تؤكد وجوب رجوع الحاكم إلى الشعب في كل مستجد، وهذا ما رأيناه في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يقل لهم أنا نبي وأتصرف بالحق الإلهي، وإنما من يبايع، أو بايعوني؛ وهو أمر واضح في تفاصيل -مثلا لا حصرا- أحداث غزوة وبدر والخندق.

لعل تنحّي الأمة عن ريادة العالم هو فشلها في الإصلاح الهادئ، بل نشطت الانقسامات على الرأي والظن بامتلاك الحقيقة، فكانت فرق انقسمت سياسيا ثم راحت تؤصل لنفسها في الشرع والدين ليكون التكفير. وهنا عند هذا المفصل، كانت الكارثة والعجز والتنحي التدريجي عن ريادة المدنية في العالم؛ لأن العمل السياسي كان بمعزل عن الأمة، بل ملغي دورها، واعتبرت في كثير من الاجتهادات أن لا إرادة لها ولا اختيار.


الحكم في الإسلام ليس بشكله، وإنما بمحتواه وغايته، فهو يتطور كأي أمر مدني مع الزمن لكن يحتفظ بأساس مهم، هو الشورى، والانتخابات جزء من الشورى، وهي ليست شكلية أو حيلة شرعية كما يخدع البعض أنفسهم بمقاربة الحكم الشرعي مع الواقع، دون فهم واستقراء ومن ثم استنباط، وإنما تعامل مع النص بمنطوقه ثم مراوغته. اختيار الحاكم هو عقد خدمة للأمة، وفق شروط تدخل بها عدة عوامل، منها الزمان والمكان ونوع المهمة، وما يواجه الحاكم، وتمكن إقالته وتعيين غيره من الشعب. هذه نقطة مهمة.

الإسلام مر بعصور وأفهام واجتهادات، بعضها مقبول في عصرنا، وبعضها لا يفي في معالجة الواقع ومواكبة نوع العيش وصغر العالم وتقارب الوقت، فالمسلمون لو كانوا على قلب رجل واحد فهم خُمس العالم، وهذا يعني وجوب الاستقراء والفهم لمعنى الإسلام وسنن الكون، وكيفية التعامل مع المدنية الحديثة وعلوم الاقتصاد والتجارة، وتصريف الحالة البنكية، وكيفية حماية المواطنين وسلامة علاقتهم مع الله، من خلال المواءمة الإيجابية باجتهاد للعصر، وليس الذهاب إلى الرموز والمجتهدين عبر العصور لنبحث عندهم عن حل.

وهنا، نذهب للإجابة عن سؤال: لِمَ لمْ يستمر الحكم الإسلامي في قيادة المدنية؟ سنلاحظ أن كل القواعد فُقدت، الحكم فقد، الظلم بدأ يشيع، ولولا أن هنالك قناعات ارتكزت على التدين الغريزي وليس الدين، لانفرط العقد مبكرا، لكن ما حصل خلق فرقا ومعتقدات دخيلة؛ منها الثائر بلا عقل للأمور، ومنها المستسلم المستكين، وكلها لا تعطي أهمية للإنسان وأهليته. فهنالك انفصال بين الأمة والحكم، وهنالك ضياع في الفكرة الأساس، لهذا بدأ الجهل يسود ويحكم الجاهل المتغلب، ويركن إليه العالم ليقنع الجمهور أن يرضى بالاستبداد، فأضحت الأمة عقيمة وتدهورت فكريا ومدنيا وأضحت قابلة للاستعمار، وهي مستعمرة أصلا، فحلّ الخراب بدل العمران والجهل بدل العلم، وتغلبت أحادية القيمة حيث تزاح النخب من حب تسلط ذوي الأمراض.

وبذلك، تخسر الأمة أملها بسبب جرأة الفاشل وعجز العالم عن الدفاع عن نفسه، فما نحتاجه أن نبني تاريخنا اليوم بلا تعلق برموز أو تقديس بشر لمجرد أنه قديم، ومنع الجهلة من صراخ يغطي على همس العلم ونقاهته. نحن بحاجة إلى قوارب يقظة تعيد النظر في كل شيء ورفع التقديس عما ليس مقدسا، وإبطال ما أحدث في التاريخ من سلبيات وفرق ومحن وخزعبلات تجرنا إلى التخلف وتنزع الآدمية عنا لننهض، وإلا كل قوالب أتى بها العجز من أفكار وأيديولوجيات، ليست إلا أوهاما تزيد الألم بالانشقاقات وتعطل الطاقات بالانطباعات.

نحو اليقظة:

الصين عندما غادرت سلبيات التاريخ لتكون أمة وليست قبائل؛ عادت لصدارة العالم وبطريقتها السلمية وقوتها الاقتصادية وحنكتها في الإدارة.

أمريكا لولا أنها تخلت عن عوالق الغرب واعتبرت نفسها أمة لم تصل إلى صدارة العالم، كذلك ارتقت اليابان والاتحاد السوفييتي وكل كون مكانته وفق جذوره، ومعظمهم يستند إلى مدنيات وليس أفكارا حضارية.

العالم الإسلامي يختلف بوجود الفكر الحضاري، لكن هذا الفكر نفسه فيه إشكالية عندما أصر الناس على تقديس البشر وامتلاكهم للحقيقة، فكانوا كزنابير من خلايا متعددة، وُضعوا في حاوية واحدة لتشتعل بينهم معركة تدمر بعضهم، ولا يستطيعون بناء خلية، وكل يظن أن هذه خليته ولا بد أن يدافع عنها.

لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي وتحويله إلى منظومة معرفية تتفاعل مع الحياة والإنسان، ومخرجات أي مدنية تدل عليها ومكانتها، تدل على مشاركتها في الجهد البشري ككل، ولا بد من التمييز بين النص الإلهي وتفسير واجتهاد البشر.


إذا أردنا الارتقاء، فلا بد من التخلي عن:

- الموروث البشري الذي لم يعد مناسبا من تفسيرات للقرآن واجتهادات فقهية.

- التخلي عن الروابط الهابطة التي ترسبت نتيجة الإخفاقات، كالقومية والطائفية وتقديس الرموز.

- استعادة أصل الإسلام كقرآن وسنة وسيرة، وتجاوز اجتهادات قاصرة مهما كانت تسميتها غير الإسلام، فلا مذاهب ولا طوائف أو تمجيد، فهذه كلها تمثل مفرزات أزمات التاريخ أو الاصطدام بالمدنيات الأخرى، لا بأس من اجتهادات متعددة تقود العصر وصالحة لبنائه.

- الاعتماد على الإنسان والموارد وتجنيد الهمم للاستفادة من الوقت في النهضة بعد اليقظة، وهذه بإدارة حكومية تتبنى رعاية مصالح الأمة في الداخل والخارج، والسعي لتسهيل الحياة لمواطنيها.

لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي وتحويله إلى منظومة معرفية تتفاعل مع الحياة والإنسان، ومخرجات أي مدنية تدل عليها ومكانتها، تدل على مشاركتها في الجهد البشري ككل، ولا بد من التمييز بين النص الإلهي وتفسير واجتهاد البشر، فالأول يستنبط منه ومقدس، والثاني يتغير ويبدل مع الزمن ولا يؤول أو يقدس. وإزالة أثر سوء الأفهام على الجهاز المعرفي.

الجمعة، 1 نوفمبر 2024

133 - الاسئلة الكبــــــــرى الجزء الاول

 



رابط عربي 21 اضغط هنا رجاء

مدنيات وأفول:

لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين أو الحكم الإسلامي في قيادة المدنية؟ سؤال يُطرح وربما لا تجد جوابا واضحا له لأن قراءة التاريخ ليست واضحة، والمعلومة وأول ما يأتي الباحث من انطباعات ومسلمات وغموض وراء ذلك؛ تقود الباحث. نحاول هنا أن ننظر إلى كل مدنية تلمسا للجواب:

1- مدنية الصين: (المادة العلمية من مصادر متعددة أهمها ويكبيديا)

الصين فضاء واسع قبلي حكم بأشكال متعددة ما بين الفضاء الواحد إلى الفضاء الجغرافي، ولم يك العالم بتقسيم دول وإنما تقسيم قبلي, لكن سور الصين العظيم اقتضته الجغرافيا للدفاع عن الفضاء الصيني من الهجمات المفاجئة من القبائل، ولم يشر تاريخ الصين القديم إلى حالة توسعية وإنما كان همه الاستقرار والتجارة والدفاع عن النفس عدا في زمن حكمت فيه عائلة هان (206 ق.م إلى 220م)، والتي حكمت كإمبراطورية وأظهرت المواهب الصينية في التطور المدني. وتمثل عصر النهضة الصينية في كل المجالات وفتح طريق الحرير، وواجه التحديات بتمكن. ونشطت الفلسفة وعلوم الرياضيات وظهرت نظريات عديدة في الرياضيات والكتابة، وهي مدنية شبيهة بنهضة المسلمين في عصر الحداثة الإسلامي.

وفي هذا العهد خرجت جيوش الصين إلى ما يسمى الآن كوريا 1(09 ق.م) وفيتنام (111 ق.م)، واستمر نفوذ سلالة هان فيها إلى 938 ميلادي أي بعد تنحيها في الصين عام 220م مستمرة ما يزيد عن 1000 عام. وهذا ليس احتلالا بمفهوم عصرنا، فليس من اتفاق "Westphalia 1648" يعرف حدود الدول ونفوذها وإنما هو حراك قبلي (منيوي، نانيا، وديان) نقل إلى تلك المناطق وجنوب آسيا مدنية نشطة في السياسة وحركة التجارة.

لم تستمر كمدنية بدأت آلاف السنين قبل الميلاد لكن عادت إلى القيادة المدنية بعد تعديل المسارات حتى حين، ويبقى نقص القيم والعدالة والكرامة الإنسانية وغيرها مما يتعلق بالفكر الحضاري موضوع سؤال وعامل انفصال شعوري استطاع النظام الصيني بته لحد الآن، ولكن هذا يجعل النظام هشا أمام الأزمات المستجدة وتجاوزها قدرة منظومة الحكم في القيادة والسيطرة


ثم تعرضت الصين بعد ذلك إلى انحدار بسبب نفوذ سيطرة القبائل على الأباطرة في الحكم، وهم جهلة ويشبهون سلطة البرابرة ومساهمتهم في إسقاط نظام روما القديمة ودخولها في عصر الظلمات، حيث لم يك البرابرة يقرأون ويكتبون، ووافق هذا الكنيسة التي تقاسمت السلطة ثيوقراطيا مع ملوك الحق الإلهي، فدخلت الكتب إلى سراديب عميقة ليخرجها المسلمون بتبادلها مع الأسرى، ثم ليقضى على جمارة نخلة الحكم عن طريق المغول وهي ذات قبائل الأطراف التي شكلت التحدي للصين.

من يلاحظ سياسة الصين أنها تتبع نظاما يستقرئ واقعها وتطوره في الآليات غير متمسكة بأيديولوجيا ما وإنما آليات يعاد تقييمها، لا تميل لمواجهة حتى فيما تظن أنها حقوق لها مع الخارج، حاسمة قاهرة في الداخل، فهونغ كونج لم يرفع شعار ثوري لاسترجاعها من الإنكليز ولا ماكاو من البرتغاليين. ويذكر أن جمهورية الصين الوطنية أو فرموزا أو تايوان معترف بها من 14 دولة عضو في الأمم المتحدة ومن الفاتيكان وفيها مصالح وصناعات نادرة وخاصة للغرب، لكن الصين تذكر العالم دوما بأضواء بلا نار أن هذه الجزيرة تتبع البر الصيني.

ما أحدثت الصين:

الصين انفصلت عن تمجيد الرموز التاريخية والحديثة أيضا عندما بدأت تتقدم لتشكل باستقراء الواقع ووضع الحلول، وعلى أرض صلبة من إيجابيات التاريخ لتصنع تاريخا جديد وتكون قطبا يلعب دورا مهما في توازن القوى العالمي وبصمت، وهي بيدها اقتصاديات العالم رغم أن اقتصادها يحتاج لاستمرار الاستقرار بعد أن كانت ضعيفة أمام كيانات أصغر منها مساحة وموارد مادية وبشرية، هذا الاستقرار إذا كُسرت بنيته سيكون وبالا على العالم عندما تغيب إدارة حياة هذا الكم من البشر. وهي في التطور شبيهة باليابان بعد الحرب الثانية، وإن حاولت اليابان الاحتفاظ بمنظومة القيم التي لديها لكن مع التقدم الحياتي هنالك وإحلال وإبدال في المنظومة ككل.

لم تستمر كمدنية بدأت آلاف السنين قبل الميلاد لكن عادت إلى القيادة المدنية بعد تعديل المسارات حتى حين، ويبقى نقص القيم والعدالة والكرامة الإنسانية وغيرها مما يتعلق بالفكر الحضاري موضوع سؤال وعامل انفصال شعوري استطاع النظام الصيني بته لحد الآن، ولكن هذا يجعل النظام هشا أمام الأزمات المستجدة وتجاوزها قدرة منظومة الحكم في القيادة والسيطرة.

معادلة الصدارة للصين:

الصين منطقة محاطة عبر التاريخ بقبائل، وتقود الصين أُسر، لكن كانت جيوشها ذات عقيدة دفاعية بسبب قبائل المغول التي تشكل جنوب غرب روسيا اليوم، وللوقاية من هذه القبائل كانت فكرة إنشاء سور الصين العظيم.

عدد سكانها وعملهم في أنواع متعددة من الزراعة والوفرة المائية خلقت نوعا من الاكتفاء والتوجه نحو التجارة فكان طريق الحرير، الذي فتحته أسرة هان سنة 130 ق.م واستمر فاعلا حتى سنة 1453م وكان بطريقين: البري المشهور الذي يصل إلى أنطاكيا ثم بحرا إلى إيطاليا ومنها إلى دول أوروبا ليصل إلى إسبانيا، والجزء البحري فينطلق من ميناء كانتون ويلتف في البحار نحو الخليج العربي والبحر الأحمر.

الصين تسيطر على السوق دون حاجة إلى حروب، فقد كانت تستورد الذهب والخيول في حين أنها تصدر كل شيء وحسنت من فقرات إنتاجها الزراعي بجلب أنواع من النباتات لم تك في الصين


هذا الطريق كان ثقافة صينية عادت للعمل في الصين الحديثة لكن باستخدام تقنيات ووسائل غير طريق الحرير الذي هنالك أفكار لإعادته بشكل عصري، رغم أن السكك مستمرة نحو أوروبا في خط يمر من روسيا فتركيا. الصين تسيطر على السوق دون حاجة إلى حروب، فقد كانت تستورد الذهب والخيول في حين أنها تصدر كل شيء وحسنت من فقرات إنتاجها الزراعي بجلب أنواع من النباتات لم تك في الصين.

اليوم نراها تصدر كل شيء وتصنع ما يصنعه الغرب بأسعار أرخص، معظم الصناعات التكاملية عندها وعند تايوان، حتى للأجهزة التي تعد أمريكية أو غربية.

الصين ليس لديها أمور عقدية تبشيرية أو دعوية وإنما إدارة مواردها الطبيعية والبشرية، وهو كل ما تركز عليه لهذا تتجنب مشاكل العالم وتبقى فاعلة بالدرجة التي لا تؤثر على مسارها الاجتماعي أو خلق ثغرة نحو تحريك التنوع سلبيا، لهذا فهي مستمرة في الشيوعية لكن باقتصاد مرن، هذا التكيف مع العصر ومع الواقع المدني وليس التمسك بأيديولوجيا معينة ساعد كثيرا في استعادة مكانتها خصوصا وأنها عضو دائم في مجلس الأمن.

روسيا القيصرية كانت دولة واسعة أكثر من وصفها دولة عظمى فهي أميل للثيوقراطية المستبدة ولم تك تحمل عوامل الاستدامة بل التمرد والتذمر، وربما ترك بطرس الكبير البصمة المؤثرة في وضعها التاريخي، لتصبح دولة وظيفية تحوي السلاح النووي بعد الاتحاد السوفييتي الذي عزلها عن الحالة التقليدية لتتقدم قبل ارتداد بوتين للتقليدية القيصرية، وهي اليوم في طور ترسيمها كدولة وظيفية رسميا.

181 - الوستفالية ، وتعويضات أضرار العـــــــــراق

 رابط عـــــــــــــــــــــــــــــ 21 ــــــــــــــــــــربي حقوق تحتضر تحتاج مطالب عندما نتكلم بحثا عن الحقائق، لا نجامل صديقا ولا نظلم ...

يقظة فكر