الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

39 - الشطط والإصلاح الفكري

 


قضاء وقدر وسنن:

ليست الخليقة عشوائية بل هي في قضاء محتوم كحركة الكواكب والمجرات وما نراه في الطبيعة من بعض صفاتها، وهو قدر مقدورا من الأرزاق والأقوات للناس وتدار حركته بسنن الكون التي إن اتبعت فهي من فضل الله على عباده إن سخرها لهم، وان لم تتبع فالسوء من الإنسان نفسه على نفسه، ومن فهم سنن الكون وأدارها سار في الحياة ناجحا كمنظومة آدمية؛ ومن لم يفهمها ظلم نفسه عندما لم يفعّل منظومته العقلية لفهم الصواب فزل كما زل آدم، ولا علاقة في الأمر لمعتقد أو دين.

كيد الشطط:

الشطط هو الخروج عن الصواب ومن يخرج عن الصواب فهو شيطان، من اجل هذا سمي إبليس بالشيطان، فليس الشيطان هو إبليس وإنما إبليس هو شيطان كذلك كل من خرج عن جادة الصواب، ليس له من تأثير على النفوس إلا بقناعاتها، ولا يحدث الضرر بها إلا من خلال استجابتها للإغراءات وظن ان الصالح عند الطواغيت في الشطط والطاغوت قد يكون هوى النفس المتبع أو قناعات نظنها هي الصلاح، فالشطط لا تسوله النفس على انه امر سيء، فلم يقل إبليس لادم انه سيخالف الله إن اكل من الشجرة، بل قال له إن لك فيها الخلود وملك لا يبلى، فاضر آدم بنفسه وزوجه عندما اقتنع بهذا القول ونسي انه يحدث مخلوقا حقودا حسودا طاغ في الأنانية، فاتاه من الأنا التي يدرك هو كيف تكون نقطة الضعف، وأثار غريزتي التملك والبقاء بالخلود ثم لتاتي غريزة النوع وهكذا كان آدم وكان الامتحان لكل ذريته لمنظومة عقلية هي ميزة آدم على الخلق بالإبداع وان لديه القدرة على الاختيار وضبط النفس والسيطرة على ذاته وهو مبدع بنّاء ومن شط فمخرب شيطان انس.

قل هو من عند أنفسكم:

يتعذر البعض عن الخطأ بانها انزلاقه بدفع إبليس في اعتقاده، لكن حقيقة الأمر أنها شطط نفسه وذاته، فاتباع الأهواء ورغبات النفس من خلال الغرائز وليس المعالجة العقلية هو الشطط بحد ذاته، فالغرائز تستعمر منظومة العقل ما لم تدرس الأمور وتقاس وفق القيم، والا فكلما صدرت نزوة من احد أو رغبة او أي شيء مهما كان عمقه ثم نفذ دون مراعاة للقيم الأخلاقية والمجتمعية التي تتجاوزها ثورة الغريزة، فان بيوتا تخرب ومصانع تتوقف، وحروب بلا معنى تغرق البشرية وهو ما يحصل فعلا، هكذا يكون الشطط ويكون الإنسان شيطانا لان ما حركه هو الأنا والغرائز وأدار بمنظومة عقلية مكلفة بالبناء للحرث والنسل فجعلها مدمرة للحرث والنسل.

واقعنا اليوم:

ما نراه من فوضى ليس إلا إفساد في الأرض، وقد يقول قائل إن هذا رقي في العلم والتطور التقني أعطى التمكين للقوي، لكننا رأينا سرعة تفكك الأواصر وما بدى انه متماسك، ما يحصل هو إبداع المنظومة العقلية لكن بقيادة الهوى والشطط، فقيميا ليس إلا تحوير لعقلية النياندرتال في التعامل مع الحياة، فيبدو الشطط وديعا في مجتمعه لكنه مدمرا لغيره وهذا ليس رقيا وإنما انحرافا بمهام المنظومة العقلية.

لكن الحضيض ليس بالظلم وإنما بالاعتقاد أن الظلم يبقى مهيمنا وان كيده قويا مترابطا، فالظلمة هي ظلام التفكير الذي يوحي ألاّ نورا قادم وأن الظلام دائم وان النور لن يولد مع بزوغ آخر لشمس الحقيقة فذا من سنن الكون وكل ما علينا السعي للفرصة صناعة وليس انتظارا، فتمام عقم الإصلاح هو الانتظار.

ما المطلوب:

المطلوب هو الإصلاح الفكري قبل مناقشة السلوك المنحرف والتصرف السلبي، فليس من الفهم أن أرى نفسي حكما على الآخرين، وليس من الصواب وانا مصلح أن أرى في كلماتي دعوة للكراهية من اجل الرعوية وباسم المحبة والتميز بها، فواجب المصلح والإنسان عموما البحث عن الصواب وليس أن يثبت انه الأفضل وان ما يعتقد هو الصواب وكل الشر فيما عداه، فهذا لب من حقيقة الشطط التي تقودها شياطين بلبوس القيم، ودعوات باسم الديانات المتعددة في الأرض، والفوضى في زي الاستقرار فهم كمن يقول للناس "جئتكم بالخلود وملك لا يبلى"، ولكن واقع الأمر أننا نرى كل ما عكس ذلك فهو إفساد يحتاج مراجعة وإصلاح وتوبة كتوبة آدم التي علمه الله كلماتها وكل كلمات التوبة صحيحة إن فهمنا معناها واردنا أن نبني ونعمر في الأرض ونقيم السلالة فهي ملك الإنسان في الدنيا وهي لهذا المالك امتحان.

الآدمية مطلوبة:

عندما نستخدم منظومتنا العقلية في الشر فإننا نرى ما نرى، لكن المطلوب أن نستعيد انفسنا ليس ملائكة بلا أخطاء كما يتصور البعض في المصلحين، بل إنسان ممكن أن يخطئ ويصيب لهذا العمل الجماعي مهم والتعارف مهم بين كل الناس باختلاف وتنوع عقائدهم، لكن من اجل هدف ليس رفض الآخر وإنما كيف ننجح كمنظومة يعلم صانعها أنها ليست تفسد فقط وإنما ممكن أن تكون أداة إصلاح وبناء، ضعفنا حقيقة متى التجانا لغرائزنا وأهوائنا، ولكننا اقويا ءان نظمت هذه الغرائز والحاجات نتفاعل نتسامح مع تصويب التطلعات؛ لا نكون عدميين عندما يخطئ مصلح نهدم كل ما بناه، فالكمال لله وحده شيطان انس من ادعاه

وفي موقع كتابات


https://kitabat.com/2022/11/30/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b7%d8%b7-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1%d9%8a/



الأحد، 20 نوفمبر 2022

38-التباس النخب في معاني الرأي والرأي العام

 

الرأي:

عندما تتحدث وجمع من الناس سيتردد على مسمعك (هذا رايي، واحترام الراي واجب، والخلاف في الراي لا يفسد للود قضية)، كلام يقارب الترديد بالتقليد، فاكثر الناس تعبر عن رد الفعل وانطباع عن موقف ما بالرأي بينما هذا ليس رايا، فالراي يتكون عندما يكون عندك بوابات نقد تحمل صفة تفكير النقد، والنقد ليس معناه الانتقاد حتما، أي تبيان المساوئ، بل النقد كتبسيط لمعناه هو عرض الإيجابيات والسلبيات لأي فكرة ، وحقيقتها أنها عرض الإيجابيات والسلبيات ليس من وجهة نظرك إليها وحسب بل من وجهة نظر من يطرحها كحجج منطقية متشكلة بعد تفكير يظن من فكر انه تفكير عميق وهذا يعتمد على آليات التقييم والقيم الحاكمة إن وجدت، عندها سيتحول انطباعك عن الموضوع بما قد يخالف ما تكون أول مرة إلى راي وهذه النتيجة خالية من الأنا وإنما هي عملية علمية عقلية بحتة لهذا فهي لا تفسد الود لان لا علاقة لها بالود، واحترام الراي كمخرجات تفكير علمية ويرد عليها بمخرجات تفكير عقلية وليس بالتسفيه أو التقليل من شأنها وهذا ما يعنيه احترامها.

والراي مهم لأنه يعتبر ركيزة تتحول كحقيقة موثوقة علميا مالم تدحض بالتجربة والبديل وخلاصة عندما تدخل التجربة ومعترك الصراع السياسي أو الاقتصادي وتنجح لزمكان ما، لكن الراي ليس موقفا عقديا أو قيميا وإنما هو من مخرجات التفكير بالدليل العلمي وان كان يتحد مع البحث العقلي الاستقرائي والاستنباطي لكنه اساسا علميا لا يعتبر ولا يؤدي إلى ثوابت أو مواقف حدية لا تقبل الجدل والتراجع، وادراك هذه التفاصيل مهما لان ما يجري في واقعنا من مآسي هو الذي يتعلل به الفاشلون بالثبات على الموقف باعتبار رايهم موقفا وهذا ليس صحيحا وفق ما ذكرنا.

الراي العام:

الراي العام هو انطباع وايحاء بالراي وإقناع بالتعامل مع الغرائز والحاجات من أناس يجيدون هذا باساليب علمية أو مخاطبة تلك الغرائز مباشرة لاستحصال راي عام مؤقت لفترة مؤقتة حول قضية أو حزب أو امر يحتاج إلى دعم للثبات في سوق السياسة والاقتصاد، بالعموم هو راي يتشكل عند عامة الناس أو راي شعبي غالب وبه عدة أنواع تعتمد على منطق الاستقبال للفكرة والراي أو ما يمكن أن يكون كرد فعل وقابلية الناس على رد الفعل أو العمل الإيجابي، وقد يكون راي عام دولي يستقطب لفكرة يقودها طرف ما دفاعا عن قضية تهم البشرية أو يكون لها زرعا في الاهتمام الدولي وحصادا للنتائج ويمكن أن يتكون نتيجة التقاء المصالح المتعددة في الانحياز لراي أو فكرة.

أنواع الراي العام:

الراي العام ما بين ظاهر وباطن يعتمد على قوة وفاعلية الحراك الشعبي لإبراز أو إخفاء الراي خشية إظهاره، وهو غالبا ما يكون عند شعوب العالم المتخلف متدنيا بغياب معنى الدولة وان كان بها تراتيب ومسميات إدارية وليس من الغرابة أن يصرح اثنان في لقاء واحد برأيين متناقضين وكل يصر انه يعبر عن راي الجمهور بل عموم الشعب.

الراي العام السلبي وهو في وجهين إما تلقي الأحداث والمطروح بالانسياق وراءه بحثا عن مصلحة مرتجاة أو اتخاذ جانب الانتقاد بلا أية دراسة أو أفكار بديلة وإنما رفض كل شيء إما كرها بالمقابل أو عجزا عن تقديم حل أو الرغبة بالسعي لتحقيق المطلوب، أو قبول كل شيء نتيجة الجهل والأمية أو المعتقدات المتخلفة والتي تخاطب غريزة التدين سواء كانت دينا أم لم تك فهي تدخل في باب التقديس وغالبا ما يكون هذا في مجتمع مفكك بغلب عليه قصر النظر وأحادية النظرة والركض وراء متطلبات الغرائز والحاجات، وهذا مجتمع ميت يتنفس ممكن أن يكون وقودا لأي مغامر أو دجال، أو صراعات عبثية من اجل رفض الآخر.

الراي العام قد يكون ليس بحثا عن الحقيقة وإنما المصلحة ومحكوم بالجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والتشابه في النظم بين الدول.

معظم الأمور التي ترتكز إلى غير الفهم هي توافقات مؤقتة ومشاريع بركانية خامدة محتملة الثورة في أي وقت، فراي الأغلبية تجاه فكرة اقتصادية أيا كان هو تجاهل لحقيقة عند الأقلية قد تكون أنجع فعلا، والتوافقات هي تحييد لمشاكل فاعلة لكن دون إطفائها.

أين النخب:

إن كنا نعني بالنخب كتلة التأثير فهي حاضرة دائما لأنها من يصنع المشهد غوغاء أم رعاع أو نبلاء حملة الفكر والقلم ونظريات الاقتصاد والسياسة.

أما إن كنا نعني النخبة الإيجابية في المجتمع السلبي أو المفكك وفق ما وصف سابقا، فان هذا لا يعني الطبقة المنتقدة المتذمرة السلبية والتي تلقي عجزها على الجمهور، ولا يعني الإيجابية المتفاعلة مع الواقع لتعضيده، ولا السلبية المتفاعلة مع الواقع في تعطيله بإضرار البلاد والعباد.

ولعل المفكرين هم الأسوأ حظا عندما يظنون بان النخب ممكن أن تصنع من خيالهم أو فيه فيخططون لها أمورا لا يمكن إلا أن تكون جهدا عبثيا يعبر عن هفوة فيلسوف أو مفكر وهذا الأمر يحصل تكرارا.... فلا يمكن أن تكون الأدوات الفاسدة منارات إصلاح وان تمكنت فهي تتمكن لتفسد، ولا يمكن أن يكون العاجز قائدا لأنه لن يأمل أكثر من كرسي يرضي غروره.

النخب التي نعني تضع الآليات وسبل إدارة الأزمة ليس تبريرا وإنما وفق تخطيط وتدبير لقيادة الواقع نحو ما يحبه الشعب ويصمت عنه، وللأسف هذه النخب شحت مع الزمن وغلبة المصالح والغرائز على النخب نفسها فتصطف في الجانب السلبي من مصلحة الجمهور لأنها لم تعد تبني على علم وإنما يغرها أن تتجمع الناس وهي تقرع كالطبول.

 

                                                                                                          محمدصالح البدراني

https://arabi21.com/story/1475713/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AE%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85



135- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. وصف الظاهرة (1-2)

رابط عربي 21 "مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد...