https://m-salihalbdrany.blogspot.com/ فكــــــر اليقظـــــــة Mindfulnesshttps://m-salihalbdrany.blogspot.com/

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 أكتوبر 2025

210 - الانبهار والمنظومة العقلية

رابط عربي 21 


معنى الانبهار

في اللغة العربية يعني حالة من الإعجاب الشديد أو الدهشة والذهول أمام شيء مدهش أو مبهر، سواء كان ذلك بسبب جماله، أو روعته، أو تميزه. وهي تعبر عن شعور بالتأثر العميق أو الانجذاب القوي نحو شيء يثير الإعجاب أو يفوق التوقعات.

والانبهار يحصل لجمال امرأة لا تتوقع جمالها، أو امرأة تنبهر برجل يفوق وصف تخيلها، أو لمنظر خلاب قد يمتلك كيانك وتضطر للتوقف إن كنت تقود سيارة لحين استعادة توازنك، وهذا حصل مرة أمامي عندما انبهر سائق سيارة بمنظر بحيرة، فاضطررت أن أوجهه بهدوء ليتوقف جانبا ثم يتأمل المنظر، أو تطور علمي يفوق التوقعات، أو كما يحصل غالبا بانبهار مهاجرين إلى الغرب بنمط الحياة الغربية.

هل يزول الانبهار؟

عندما نقول إن الانبهار سببه أن يفوق ما يبهرك التوقعات، فإن إدراك حقيقة ما يبهرك سيعيد التوازن إلى الإنسان ويتحول التقرير من الفؤاد إلى القلب؛ حيث يعقل المرء، والقلب ليس الذي في الجوف وإنما في الرأس وما اصطلح على تسميته العقل، وهنا يفكر الإنسان ليعطي إطارا ومحتوى حقيقيا لما انبهر له.

وذهابا مع الأمثلة التي ضربت، فقد يقود الانبهار بالمرأة إلى أمر حسن ثم زواج، أو انكسار وانسحاق إن كانت المرأة تولّد عندها استقراء سلبي لهذا الشخص، وباختلاف الأعمار تختلف الأفعال وردود الفعل لكن سيكون أي نوع من المسارات هو انتهاء لحالة الانبهار وحكم الواقع. ولعل هذا أحد الأسباب التي تشارك بارتفاع نسبة الطلاق عندما لا يجري إعمال للتفكير وعقل الأمور، لكن إن توازن التفكير فمن اليسير أن تمهد الطرق ويخطط لبناء الحياة لما بعد الانبهار؛ فإما أن يكونا معا أو ككلمة عابرة في تاريخ حياتهما، وهذا غالبا ما يحصل عند الناضج من الرجال والنساء.

ومن الطبيعي ألّا يدوم الانبهار بالمنظر إلا ضعف أو عدة أضعاف الانبهار بالضوء، والذي يعني غياب الرؤية نتيجة قوة الضوء، سواء الخروج من مكان مظلم إلى مضيء أو بفحص العيون، فهو زمن توازن البؤبؤ مع الإضاءة.

معالم الانبهار:

رؤية الأمور بعين المعجب الذي لا يرى أية وجهة نظر لأي مقارنة، والعطاء المستمر وبلا حدود أو لحظة تفكير، سواء كان ما تعطيه إنسانا أم منطقة أم دولة أم نظاما يستحق فعلا، أو أن هنالك سؤالا عن ماهيته وحقيقته. الإعجاب غير المحدود هو كاندفاع تسونامي، وهو ليس سلبيا بالكلية لكن سلبياته خطيرة، فمعظم المنبهرين بوطنهم الجديد سواء كان في الغرب أو حتى في بلد كبلدان الخليج ووجدوا جوا يستقبل اندفاعهم، وهذا حتما يحصل في الغرب لطبيعة النظام، فإنهم سيُبدعون ويتحولون إلى كتلة نشطة وعقلية مختلفة، أو أن الإنسان الباحث عن راحته غير مبال بمنظومة عقله سيجد راحته وتحول غرائزه حبه للجديد إلى معاداة للقديم أو الوطن الأم بما حمل، لأنه يرى أنه ليس ناجحا في وطنه الجديد فينسب فشله إلى ماضيه ليرتاح بكسله وجهله.

النموذج الأوسع:

ما يغلب على نماذج الانبهار المستمرة هو نظرة المغتربين للغرب ممن لا يفكرون بعمق وإنما يتعاملون مع سطحية السلوك، وحتى الفرد الغربي لا يدرك تماما ما اعتبر من طبعه وتعامل معه بسلمية وإن اختلف معه، الذي حصل في الشرق أن هنالك دينا ومنظومة أخلاق تضبط السلوك، فقضي على أساس منظومة الأخلاق فبقيت العادات والتقاليد والتي غالبا تزداد تصلبا لأنها تعطل الحلول ليس بتغطية البيدر بل بقتل العصافير. فقد فقدت عمليا صلتها بالأصل رغم أنه قرآن يُتلى، وعندما يُستقرأ الواقع لا يُعرض عليه للحل وإنما على تفاسير واجتهادات بشرية، فبالتالي يجري إيجاد حلول كالتي ذكرناها، فبدل قراءة المثاني واستنباط الجديد تبدأ الحلول بالتعصب والرفض كأي مجتمع آخر حتى في الغرب ريثما يحدث انتشار، إلى أن يتغلب فيصبح قانونا في الغرب على أنه مقبول من المجتمع، فلا ضوابط أخلاقية وإنما هو عرف اجتماعي، أما في منطقتنا فيبقى مذموما لكن بلا حلول، وهذا أدى إلى منع المرأة لأجيال من الدراسة، ودوما معاملتها على أنها شرف العائلة والكل وصي عليه، والكل لايفهم لا المرأة ولا الأبناء ولا الآباء، وهكذا يصبح المجتمع في حالة حرجة، ورأينا كيف انتكست سلطة العادات والتقاليد وتفككت منظومة القيم في بلدنا بعد الفوضى، وما زالت تتفكك بسبب ظهور الرعاع وعلو صوت الجهل وانكفاء النخب لفقدانها الآليات في حقيقة الأمر وليس بسبب أي شيء آخر، أما المفكرون فهم في حيص بيص وكل له مشاربه ولا يتوقف لإعادة التفكير جديا وإنما لمسايرة الواقع المؤلم، لهذا انكفأت أدوات الإصلاح لعيوب في تنظيمها فكانت علامات الاستفهام عند المثقف الباحث وهو يرى أناسا عاديين يحسبون أنفسهم من المفكرين فينتقدون ويسفّهون ولا يقرأون لأنهم يحسون أنهم مكتفون، لكن أخطاءهم السلوكية فيشيرون لها ليس كأخطاء بشرية أو ضعف بشري فهذا لا يسلم منه أحد، ولكن في ممارسة الفساد وتأييده من أجل فتات لا يسمن ولا يغني من جوع.

أما الغرب فهو نظام أساسا لم يُبن على قيم أخلاقية معهودة وإنما حوّل الإيجابي إلى سلوكيات مرتبطة بالنفعية، فالجندي البريطاني لم يك يقتل بريطانيا لكنه كان يقيم مذابح في المستعمرات، كذلك الفرنسي كان يقيم من المستعمرات نماذج للتجارب النووية كما في الجزائر، ورأينا سلوك الأمريكان في أبو غريب ومشاركتهم الكيان في مذابح غزة والإبادة التي كان العالم كله يراها والشعوب منتفضة في الغرب، لكن ترامب لما سئل قال أنا لم أر إبادة جماعية إلا في 7 أكتوبر. فما تراه من سلوك ومراعاة للمواطن أو المقيم هو أنه داخل التقاليد، فهو أصلا لسد أسباب أي خطورة على الدولة الحديثة وأي خطورة على رأس المال، ومع هذا يفشل النظام في الأعداد الكبيرة فنرى المشردين وأنواعا من اللصوص والمجرمين تدفعهم الحاجة التي يسببها النظام نفسه، لكن القانون صارم في التعامل لهذا نرى الفوضى عندما يسقط القانون الذي يشبه في تأثيره دكتاتور العالم المتخلف، فرأينا بسقوط النظام العارقي في 2003 ما اصطلح عليه بالحواسم، وهم يسرقون أمورا ليست مهمة لكن تخرب المؤسسات والدوائر.

الانبهار إذن أنواع، وقد يمنح سعادة مؤقتة أو قلقا مؤقتا وربما غشاء من تقييد الرؤية الدائم، لكن الانبهار علاجه تفعيل المنظومة العقلية عندها تتحول الأمور إلى الإيجابية.

السبت، 18 أكتوبر 2025

209- السرعات المتباينة وتبديد الفرص

 رابط عربي 21 هنا لطفا


السرعات المختلفة:

تتسم الحياة بتنوّع تحديات التنفيذ والتفاعل وكيفية تجسير الفجوات، الأمر الذي يظهر في إيقاعات الأفراد المختلفة، سواء في التفاهم، أو السعي نحو الأهداف، أو التعبير عن المشاعر، أو مستوى التفاعل مع المهام.

مفهوم "السرعات المختلفة" يعكس هذا التباين في الوتيرة التي يتحرّك بها الأفراد، سواء في إنجاز المهام، أو التفاعل مع القضايا التي تهمّهم، أو بناء العلاقات. أحيانا، يواجه الشخص الحريص على التنفيذ تحديا عندما لا يجد نفس مستوى التفاعل من الآخرين، حتى لو كان الأمر يهمّ المتفاعل معه، فقد يبدو شخصا مهتمّا بك لدرجةٍ أنّه ينتظر ردّك ليعدّل ما حاول مساعدتك به، وأنت تضعه على فتات الوقت كغيره دون تقديرٍ لهذا التفاني في جهده، هذا اختلاف في السّرعة قاتل للتعاون ويهدر الطاقات.

فهم السرعات المختلفة

قد يدفع شخص ما لتغييرٍ إيجابيٍّ، لكنّه يجد قلة استجابةٍ من الآخرين رغم أهمية القضية، وهذا أسبابه كثيرة، منها تصور الكثرة امتلاك الحقيقة والإصرار على ما يرون وإن كان خطأ، وفقدان القدرة على التعاون والعمل الجماعيّ


إنه التباين في الإيقاعات التي يتبنّاها الأفراد في التفكير، أو اتخاذ القرارات، أو التعبير العاطفيّ، أو إنجاز المهام. على سبيل المثال، قد يكون شخص ما سريعا في تنفيذ المهام، بينما يتأخّر آخرون في التفاعل حتى لو كان الموضوع يهمّهم. هذا التباين قد يظهر في الآتي:

1- التفاهم الفكريّ: اختلاف سرعات في استيعاب الأفكار أو اتخاذ القرارات.

2- السير نحو الأهداف: تفاوت الوتيرة في تحقيق الطموحات.

3- المشاعر والتقارب: تباين سرعات بناء الثقة أو التعبير العاطفيّ.

4- التفاعل مع المهام: الحرص على التنفيذ مقابل التأخّر أو اللامبالاة من الآخرين.

أسباب السرعات المختلفة

تتعدّد العوامل التي تؤدّي إلى السرعات المختلفة، خاصة في سياق التنفيذ والتفاعل:

- الأفكار السلبية: في مجتمعنا، يعتبر البعض التفاعل نوعا من الخفّة أو الاندفاع السلبيّ، والتباطؤ نوعا من القوة في الشخصية والدلال، وهذا أحد الأفكار القاتلة التي تضيع منك المخلص الدؤوب وتبقي المنتفع أو الضارّ.

- الطباع الشخصية: الأفراد ذوو الشخصيات المنظّمة قد يحرصون على الإنجاز السريع، بينما يميل آخرون إلى التأجيل، وهذا لا يعني التأنّي إلا في حالاتٍ قليلةٍ يختلط فيها التردّد والتأنّي.

- الأولويات: قد يرى شخص ما المهمة ذات أولويةٍ عاليةٍ، بينما يعتبرها آخرون ثانوية، أو أنّ الفاعل يرى من الضرورات ما لا يرى صاحب المشكلة نفسه، فينظر إليه أنّه يبالغ، وهذا يتأتّى عندما لا يدرك البعض أهمية الفرق المعرفيّ والتحليليّ والفكريّ، ويتصوّر أنّه أكثر درايةٍ بمصالحه من مستشارٍ أو صديقٍ.

- الخلفيات والتجارب: التجارب السابقة تؤثّر على مدى الحماس أو الحذر في التفاعل، ويندرج في هذا الوضع الاجتماعيّ والأسريّ والعلاقات العامة والعادات والتقاليد، وكلّ ما هو مؤثّر وفاعل باتفاقٍ وقبولٍ من المجتمع بسلبياته وإيجابيات، فتلك التقاليد.

- الدوافع الداخلية: قد يفتقر البعض إلى الحافز الكافي، حتى لو كان الأمر يهمّهم، بسبب الضغوط أو انعدام الثقة.

- التواصل غير الكافي: عدم وضوح الأهداف أو الأهمية قد يؤدّي إلى تفاوتٍ في التفاعل.

تحدّي الحرص على التنفيذ مقابل ضعف التفاعل أحد أبرز التحديات في السرعات المختلفة هو عندما يبذل شخص جهدا كبيرا لإنجاز المهام بسرعةٍ وحماسٍ، لكنّه يواجه ضعفا في التفاعل من الآخرين، حتى لو كان الموضوع يهمّهم. على سبيل المثال:

- في بيئة العمل، قد يعمل قائد فريقٍ بجدٍّ لإنهاء مشروعٍ، لكنّ أعضاء الفريق يتأخّرون في تقديم مدخلاتهم.

- في العلاقات الشخصية، قد يبادر أحد الطرفين بالتخطيط لمستقبلٍ مشتركٍ، بينما يبدو الآخر متردّدا أو غير متفاعلٍ دون إيضاحٍ، ويكتفي بالهروب مظهرا عدم الاهتمام رغم ما يؤذي به الآخر، وهو بإمكانه إيضاح وجهة نظره، وقد يكون من الممكن إزالة مخاوفه.

- في المجتمعات، قد يدفع شخص ما لتغييرٍ إيجابيٍّ، لكنّه يجد قلة استجابةٍ من الآخرين رغم أهمية القضية، وهذا أسبابه كثيرة، منها تصور الكثرة امتلاك الحقيقة والإصرار على ما يرون وإن كان خطأ، وفقدان القدرة على التعاون والعمل الجماعيّ.

هذا التباين يؤدّي إلى:

1- الإحباط والتوتر: الشخص الحريص قد يشعر بأنّ جهوده لا تقدّر.

2- فقدان الدافع: ضعف التفاعل قد يثني الشخص عن مواصلة الجهد.

3- سوء التفاهم: قد يفسّر البطء أو اللامبالاة على أنّها عدم اهتمامٍ.

4- تأخّر الإنجاز: عدم الانسجام في الإيقاعات يعيق تحقيق الأهداف.

كيفية تغطية سلبيات السرعات المختلفة

جزء طبيعيّ من التفاعلات البشرية في المجتمع المنكسر أو الذي تتساوى به الأمور، لكنّها قد تشكّل تحديا عندما يواجه الحرص على التنفيذ ضعفا في التفاعل من الآخرين، من خلال التواصل الفعّال، وفهم الدوافع، والتحفيز، والمرونة


لتقليل التحديات المرتبطة بالسرعات المختلفة، خاصة ضعف التفاعل مقابل الحرص على التنفيذ، يمكن اتّباع الاستراتيجيات التالية:

1- تعزيز التواصل الفعّال: التواصل الواضح هو الحلّ الأول لتجسير الفجوة. يجب مناقشة الأهداف، والأولويات، وأهمية المهام مع جميع الأطراف. على سبيل المثال، في بيئة العمل، يمكن لقائد الفريق توضيح أهمية المشروع وتأثيره على الجميع لتحفيز التفاعل.

2- فهم دوافع الآخرين: ضعف التفاعل قد يكون ناتجا عن نقص الدافع أو الضغوط الشخصية. فهم الدوافع والتحديات التي تواجه الآخرين تساعد في معالجة البطء؛ يمكن أن يتّضح بالسؤال نحو "ما الذي يمنعك من التفاعل؟" أو "كيف يمكنني دعمك؟".

3- تحفيز المشاركة: لتشجيع التفاعل، يمكن استخدام أساليب تحفيزيةٍ مثل تقديم مكافآتٍ معنويةٍ أو ماديةٍ في بيئة العمل، أو إظهار التقدير في العلاقات الشخصية. على سبيل المثال، إشراك الآخرين في اتخاذ القرارات يعزّز شعورهم بالمسؤولية.

4- وضع أهدافٍ واضحةٍ ومراحل تدريجيةٍ: تقسيم المهام إلى مراحل صغيرةٍ مع مواعيد نهائيةٍ واضحةٍ يساعد في تحفيز الجميع على المشاركة. هذا يقلّل من الشعور بالإرهاق والتكيّف.

5- الصبر والمرونة: الشخص الحريص على التنفيذ يحتاج إلى ممارسة الصبر وتفهّم أنّ التفاعل قد يتطلّب وقتا، فكلّ قرارٍ يحتاج وقتا للسريان وإن كان خاصّا.

6- استخدام أدواتٍ مساعدةٍ: في بيئات العمل، يمكن استخدام أدوات إدارة المشاريع. في العلاقات، الأهمّ هو الحوار.

خاتمة

السرعات المختلفة جزء طبيعيّ من التفاعلات البشرية في المجتمع المنكسر أو الذي تتساوى به الأمور، لكنّها قد تشكّل تحديا عندما يواجه الحرص على التنفيذ ضعفا في التفاعل من الآخرين، من خلال التواصل الفعّال، وفهم الدوافع، والتحفيز، والمرونة. السرعات المختلفة عائق قاتل في العلاقات العملية والإنسانية وهو تعبير عن سوء تقدير أو سوء توزيع الاهتمام، مع هذا فلا بدّ من إدارة هذه الظاهرة بلا تذمّرٍ، وإنّما بالتدريب والتأهيل أو زيادة الثقة بين الأفراد، فقد تفقد نفائس وأنت تهملها ببطء سرعات احتضانها منشغلا بوهم من أوهام الحياة.

الجمعة، 10 أكتوبر 2025

208 - طاعة الله باعمال المنظومة العقلية

رابط عربي 21 

  
نقاط مهمة في المقال

1- اننا يجب ان نستمر في البحث والدراسات القرآنية والسيرة النبوية لمعالجة المستجدات في فهم صحيح اي استقراء للواقع ثم الاستناط منها وبعلم وليس تكهنات او فرض راي 

2- امر المسلمين شورى بينهم وليس للحاكم قدسية بل هو اجير عند الشعب لرعاية المصالح وهذا يعني كل المنظومة الادارية ومؤسساتها

ا3- ان الاساس هو تكريم الله للانسان وكرامته هذه تشير الى مهمته في الارض ووجوب ان يملك الاهلية ليحاسب وفرض الوصاية عليه هو ليس من الاسلام ابدا فليس من العدل ان تحاسب مجبرا او فاقد لارادته


المتن
عندما لا نعيد تفسير المعلومة مع المستجدات فنحن دون أن ندري نجمد منظومتنا العقلية ونعطلها كما فعل أبونا آدم عندما استخدمها كحافظة وليس كمعمل لاستنباط الأفكار والفهم وتجديد الفهم والاستيعاب، وهكذا نرى الحال الذي وصلنا إليه حينما يخرج أناس يرتدون زيا ويسمون برجال الدين، مع أن الإسلام ليس فيه رجال دين وكهنوت ولا لاهوت كما هي، والدخول في الأسماء والصفات وغيرها ليس من فكر الإسلام، وتعريف منظومة معينة للحكم ليس من الإسلام، وإنما هنالك قيم ومواصفات يحققها المسلمون لإدارة حياتهم والإعمار، أما ما يسبب الاختلاف والمناكفة فلم تأت به الرسالة المحمدية من الإسلام، بل كانت رسالتها تحقيق الأهلية للإنسان وخياراته ومنع الشطط من التمدد، وانحسار الظلم والباطل وكل ما ينتقص من الكرامة الإنسانية.

عندما نضع الإسلام في صندوق وقوالب، أو نقبل أن نضع فكرنا ومنظومتنا العقلية في صندوق وقوالب تجعل منا بلا أهلية وكأننا في الأرض لننفذ قوالب معينة، فهذا فهم خاطئ لمشيئة الله في خلقه ويسجل درجة قليلة في سلم نجاح المنظومة العقلية.

كثير من المسلمين يقلد ولا يفهم من الإسلام إلا مما سمعه من هنا وهناك أو قرأه في كتب أحد المشاهير، كذلك معظم الذين يسمون أنفسهم بالعلمانيين أو الليبراليين أو غيرهم هم أصلا لا يعرفون حقا ما يدعون إليه، لكن من الواضح أنهم أعمق جهلا بالإسلام من العمائم التي تتحدث بما ينسف الدين وفهمه، وما بين هؤلاء وهؤلاء، تحدث الفوضى ويسكن عمل إبليس ويخرج آدم وزوجه من الجنة، فلماذا نكرر إخفاق آدم عليه السلام؟

معضلة الحكم في الإسلام:

هذه المعضلة أتت من إخفاق منظومة العقل عند المسلمين وليس من الإسلام نفسه أو من سيرة الرسول، بل الفهم الخطأ الذي يفسر أفعال الصحابة وهم فاهمون للإسلام، وفهمهم واضح بما فعلوا، بل لم يفهم غيرهم بعدهم ما فهموا، ويذهب البعض شرقا والآخر غربا بينما جوهر الفهم هو في رؤية الرسالة نفسها. والنسبة للإسلام ما ليس فيه أحيانا يصبح شرعا ما يخالفه نتيجة عدم النأي بالنفس من رجال الدين، فاضحت مثلا ولاية التغلب عملا شرعيا مقلدا معتمدا، وهي ليست من الإسلام ولا تمت للإسلام بصلة، ولكن لمجرد منح الموثوقية لها من الاستسلام لواقع الحال وإضفاء الشرعية على ما لا شرعية له.

من يفهم الإسلام ورؤيته سيعلم أن أي حديث يوصي بالحكم لصحابي هو حديث موضوع، وأن أي فكرة تنتقص من كرامة الإنسان أو يسامح الحاكم بها كميزة عن غيره هو محض حديث موضوع ولا أصل له، فالحكم في الإسلام محض صيغة جماعية تنظيمية توحد الرأي، وما تتفق عليه النخبة هو ملزم كي لا تحدث الفتن، وليس بسبب السلطة أو تعظيما للحاكم أو العالم.

وكل أمر هو شورى في حياة المسلمين لمن يفهم الصواب، فالقرار في الأسرة شورى وفي العائلة شورى وفي القبيلة شورى وفي المدينة شورى وفي الدولة شورى. والشورى ليست رأي الأكثرية فقط، وإنما من السيرة تعلمنا أنها رأي أصحاب الأمر بما يتعلق بهم، كما في بدر والرسول يطلب المشورة ويريد الأنصار، وكما في موضع القتال حيث ألغي رأي الرسول نفسه كحاكم وقائد أمام الخبرة، عندما اتبع رأي الحباب بن المنذر، وإنها رأي الأكثرية، عندما أراد الصحابة الخروج إلى أحد فاتبع الرسول رأيهم، لكنه اتخذ الرأي غير المنظور للجميع عندما أقر صلح الحديبية، لأن غايته استجلاب السلام وتجنب الحروب، فالمشركون هم أعداء إن حاربوا وهم مشاريع دعوة في السلم فحوّلهم إلى مشروع دعوة.

أساس الرؤية:

1- أن الآدمي هو بشر له منظومة عقلية ذات كفاءة عالية وفاعلية مباشرة.

2- هذا الآدمي مكرم وتكريمه من الله مثبت بأمر السجود له.

3- أن له كامل الأهلية والتفكير رغم أن الله قال له: لا تقرب الشجرة، لكن عندما اقترب منها اعتبرها زلة لأنه أول قرار يتخذه، وعندما فكر ندم وهذه أولى بوادر حركة المنظومة العقلية.

4- القرآن عندما يقول "إن الله يأمر.." يتبعها بـــ"يعظكم.."، فالأمر هنا توجيه سلوكي وليس فرضا على المنظومة العقلية، وإنما دعوة للتفكير والاستنباط بما هو في صالح الأمم ووضعها لقوانين تدير البشرية.

5- أن الله عادل ولا ينقص عدله بتقييد من هو بامتحان، فالإنسان كامل الأهلية.

6- لم يوص الرسول لأبي بكر أو عليّ رضي الله عنهما لأنه إلغاء للأهلية، فلا يصح مع العدل أن يحكم رأي الأمة بنسق لا خيار لها فيه؛ والأهلية هي أساس العدل في محاسبة الإنسان على قراراته لاختياره، ونلاحظ مدى تمزق الأمة في الاختلاف على أمر لم يك مشكلة متعلقة بالدين أبدا، بل لم يشكل أي مشكلة والمنقول هو تبرير لما هو شائع.

7- من المحسوس أن العلمانيين والإسلاميين والليبراليين واللادينيين، بل أتباع المذاهب وهم قد ورثوها وتكونت أفكارهم بانطباعات خارج منظومة العقل والرؤية، يتهمون بعضهم البعض بالتعصب والطائفية، وتنتشر بينهم الكراهية لتعطيل المنظومة العقلية وتحكيم العواطف مع الجهل حتى بما ينسبون إليه أنفسهم أو ما يزعمون. وهذا ديدن كل رافض للآخر، فالكيان الصهيوني لا يرى ما يقتل ويدمر ولا يعتبره جريمة، بينما يعتبر أتفه الأمور ضده جريمة ضد الإنسانية، والأمر واضح قد ينسب للصلافة لكنه لا يشعر (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).

المشكلة الأساسية هي الفهم، والفهم لا يأتي بأن تترك منظومتك العقلية مستعمرة من الأنا الإبليسية أو أهوائك أو غرائزك كالتملك والسيادة وعواطفك.

حتى الكفر لم يفهموا معناه، فأصبح الكل يمتلك الحقيقة والكل يظن أنه مؤمن ومخالفه كافر. هؤلاء الناس نسوا أنفسهم لنسيانهم الله وغوصهم في التفاهة "وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ" (الحشر: 19).

إن طاعة الله بأن تحترم الرؤية لما خلق، والآدمية تعني المنظومة العقلية، فإعمال التفكير هو عبادة وتطبيق للغاية من الخلق، أما التقليد والتدين الغريزي وإيقاف المنظومة العقلية فهي مسألة أظنها تحتاج إلى تفعيل المنظومة وهي عند الجميع، هذا لا شك فيه!

السبت، 4 أكتوبر 2025

207 - القيم بين الادعاء والتطبيق

 رابط عربي 21



ظواهر لفهمها وليس للحكم عليها:

كثيرا ما نسمع "الجماعة الفلانية أفكارها هدامة وأنهم أناس يتكلمون ولا يفعلون، وإن ائتُمنوا خوانين وإن كُلفوا فاسدين"، والحقيقة أن الأفكار الهدامة هي ما يحمله المجرمون وفاقدو القيم، لكن ضعف تركيز مثقفي المجتمع وانجرارهم وراء السوقية والرغبة بتحقيق الذات -وهذا عيب كبير ومرض نفسي خفي خطير- يجعلهم ينساقون وراء ما اصطلح عليه بالشعبوية وهي كلمة تقلل من قيمة التوجه نحو إرضاء العامة من الناس.

الأفكار بشكل عام تحمل إضاءة وتنويرا عاليا، لا فرق في ذلك بين الأحزاب أيا كانت؛ علمانية سطحية الفكر تخاطب الجمهور أو شيوعية انقرضت ولم تتخط الاشتراكية التي كانت تسير بضيق وسوء التطبيق، أو رأسمالية في وعود الرفاهية والقيمة الإنسانية التي بانت في الفترة الأخيرة أنها واهية، لكن عند التطبيق الأمر مختلف وكل له أسبابه. وهو ذات الأمر ينطبق على الأحزاب الإسلامية التي غالبا ترى في كوادرها تدينا ولكن فيهم أناس يتسللون للقيادات وهم يرون أنهم هم الدين رغم أن سلوكياتهم لا دين فيها وكلامهم محض نفاق مبين.

فأما ما يهمنا الآن فهو تراجع نظام الرأسمالية بتخلخل أذرع حمايتها في خلق مجتمع مستقر، ونرى أن مجرد المخالفة تتحول الدولة إلى سلطة من العالم الثالث. لكن ما زال هنالك من يؤمن بما يعتقد في السلطة فيوقف تدهور المجتمع نحو الدكتاتورية أو امتهان الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، وهذا مقروء للجميع عند حصول احتجاجات تخالف السياسة في الدولة، فليس من قبول للآخر المختلف فكيف للمخالف؟ ونحن نرى مثلا ما حصل من تدهور في العلاقات بين إيلون ماسك الذي دعم ترامب للوصول إلى الرياسة لأنه وضع صديقه الديمقراطي في ناسا، ثم برر ذلك بأنه لا يجوز إدارة هذا الصديق لناسا وماسك له مصالح فيها.

أما الإسلاميون، فلطالما عاشوا حياة سرية وتواجدهم كان في المساجد، فالمساجد تستقطب المظلوم الضعيف وغالبا هؤلاء متدينون غريزة وعاجزين وليسوا عاملين لقيمة ومبدأ؛ اللهم إلا بما تفرزه المظلومية من كلام تلك المساجد التي تركها معظم من تولى السلطة، فقد انتفت حالة الضعف والشعور بالقهر والغبن وعاد لطبعه متقنعا بتطبّعه، وحل هو محل الظالم واحتفظ بالاسم الذي أوصله إلى ما هو فيه ولم يك حقيقة يفهم ما اتصف به، فتمكن مفسد مؤذ معيق لتقدم الفكر بمنع مفكريه وإهمالهم إن لم يك معاداتهم وهم أصل الفكر وغذاؤه، لكن المتحول نحو دنيا؛ خسارتها جعلته يذهب إلى المسجد فيلتقطه أناس يتصورون أنه على خلق ودين ويضمونه إليهم؛ يقوم بدور طائر الوقواق الذي يطرد الأصل ليطعمه من يجهل نوعه.

إن الأفكار العظيمة ليس بالضرورة عظيم من يدعيها ولو كان من قياداتها، وعلى هذا فليست أفكارا هدامة تلك التي يزعم امتلاكها أناس هدامون، أو سفلة فاسدون وان زعموا أنهم منتمون للدين؛ وإنما هؤلاء مسوخ لبسوا لبوس الصلاح وبشاعة تقنعت بنور الهداية.

ومن البشاعة في واقعنا استغلال الإنتاج المدني لشعوب أخرى باستخدام سيئ، أو بما تطوره عقلية الفساد، فتجد أن البدايات فاسدة كاستخدام الذكاء الاصطناعي في الغش والشر وتندمج مع النفسية، لتصبح أمرا معتادا بتقديم المكانة الاجتماعية أو القيمة المادية على القيم العليا، فبالتالي تخلق حالة من تعايش الفساد مع الاعتقاد ومعرفة الفضيلة، فيظهر كلام يقطر فضائل ودعوات بالإصلاح بينما نجد أن هؤلاء هم أشد العابثين عند هذا يكون المجتمع عاجزا عن الإصلاح والمطلوب تفعيل التفكير للتغيير.

الموقف والخدمة:

إنك لا تصنف الموقف من عظمة الفعل وإنما من ماهيته، وقد يكون دافعه إنسانيا عاطفيا، أو فكريا عقائديا واعيا، أو يكون لسجية عند الإنسان في حب العطاء. وهذا النوع تكثر مواقفه الإيجابية، والمواقف من الفضائل كما الخدمة للناس بتسهيل أمورهم من الفضائل، بيد أن الاختلاف بين المواقف والفضائل أن المواقف لا تسدد وهي دين غير مطلوب وفاؤه لكنه لا يوفى وإن جازيت مَن عمل الموقف على موقفه إلا بالوفاء، لأن الوفاء من الفضائل التي لا ثمن لها ودَين بلا سداد. أما الخدمة فهي بحكم الواجب، فإن لم تك فهي تسدد بخدمة، وهنا يكون للمصالح سوق وفعل ومن الناس من يقوم بالخدمة ليس لينال مقابلا لها من بشر وإنما هي في سبيل الله، فتعلو عند الله ما يفوق علو الموقف عند البشر للبشر.

هذه أمور يتساوى بها الزعم بالتطبيق، فإن زعم من ينسى التنفيذ فهذا ارتداد عن مكارم الأخلاق وخداع للناس وفساد في النفس مهما كانت غايته. فهنا لا صغيرة ولا كبيرة، فكل أمر عند محتاج له كبير، والمحتاج كالأعمى من دله على طريق حاجته أو أتاه بها فذاك خير وإن فعل العكس فتلك خيانة، وإن لم يفعل رغم وعده فذاك مضيعة للفرصة والوقت، لذا قيل "الوعد دين" لوجوب الوفاء له.

السبت، 27 سبتمبر 2025

206-الظلم وصناعة النموذج العادل

 رابط عربي 21


"خيط رفيع بين العدل والظلم يتعلق بسلوك الفرد والمجتمع والدولة التي مهمتها الإنسان نفسه"- CC0
أمام الله:

إن أخطر نتائج الظلم على الظالم نفسه، خاصة عندما يظلم استقواء على من ليس له عزوة تردع الظالم، عندها سيكون الظالم أمام الله مباشرة وهو يحمل ظلما لتسديده ويتمنى له أنه لم يك شيئا، فالظالم يظلم نفسه بظلمه للآخرين لأنه يفقد الكثير بما لا يربح مقابله وقد يدخل الجنة بحسناته أناس ظلمهم كذلك يفعل الكيان وهو يمزق إنسانية الإنسان.

العلاقة مع الله تمثل حالة التوازن القيمي والتعاملات وتقود السلوك الهادف المبني على قيم، لأنها مصلحة الإنسان عندما يكون عمله ومعاملاته من خلال طلب رضا الله وليس نفاقا من أجل مصلحة آنية، فإن غابت المصلحة ساء السلوك أو على الأقل خرج من الاهتمام.

المجتمع:

التعامل مع القيم لا بد أن يكون عقلا تروض معه الغرائز، أما إثارة الغرائز بلا وجود واقع يتفاعل معها أو قيم فاعلة في المجتمع فهو محض تحفيز يولد البلادة واعتياد مخالفة القيم عن علم ومعرفة بها، فالقيم غير الفاعلة لا تتفاعل مع السلوك بشكل راسخ. وهنا لا يختلف الفاسد والناسك فالكل معرض للزلل، ولهذا نجد الوعاظ في المنابر يستثيرون غريزة التدين في ظنهم أنهم يُصلحون الناس، لكن الحقيقة أن الناس بعد خفوت الاستثارة يواجهون واقعا ليس ما استثار مشاعرهم فعلا، وربما الخطيب نفسه ينزل من المنبر شخصا آخر براغماتيّا.

القيم كأي زرع طيب يحتاج بيئة ورعاية، والأهواء كالأدغال لا تحتاج الكثير لتملأ المكان، إن القيم تحتاج أن تكون في القلوب المفكرة لا العواطف والانفعالات، أي تكون لها فلسفة ورؤية في أهمية السلوكيات المنبثقة عنها لبناء المجتمع وأمنه. التعامل إن ابتعد عن الله فالسلوكيات لن تكون إلا مرتبطة بما ينفع الفرد، لكن تضبطها القوانين بالعقاب.. لكن إدراك الأفراد أن الالتزام بالقيم هو سلامة للمجتمع وهم منه، وسيؤدي إلى انضباط يصبح في السلوك كالعادات والتقاليد، أما إن اتفق الحاكم والمحكوم على سوء التعامل مع الله والقيم فهو ظلم لأنفسهم قبل أي أحد، "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" (هود: 102).

لماذا الازدواج السلوكي:

ما ذكرنا هو أساس الازدواج السلوكي عند اختلاله، لكل منظومة قيم آليات حماية لسريانها، ولكل نظام آليات تطبيق. الاجتزاء يشوه ويضعف ويلاشي الفعل المؤثر لأي منظومة وليس للقيم فقط، فعندما تريد تطبيق النظام الرأسمالي، فلا بد من تغيير تفكير المجتمع وتهيئة أدوات النظام من منظمات ومنظومات وتطبقه كنظام متكامل، أما اجتزاء الآليات كالديمقراطية أو السلوكيات الليبرالية أو اجتزاء من اللب كالتعامل مع حالة في الاقتصاد أو البنوك أو أي جزئية، فهذا ظلم للمجتمع وإن كانت النية الإصلاح.

نفس الكلام صحيح على النظام الشيوعي الذي لم يصل للتطبيق لأنه عجز عن تجاوز مرحلة الاشتراكية والنتيجة، لقد أتعب المجتمع بلا آليات الرضا واستخدام العنف والاضطهاد لفرض سلطته، بل أغلب من اعتنق الفكرة في بلداننا وجدها وسطا ملائما لنمو بكتيريا وحشيته ووضاعته، ومنهم من ظن أنها الدرب الرشيد لكن لم تصل لقناعات حتى عند قادته في مرحلة التنفيذ وإسقاط الفكرة على الواقع، فنجد التحول الفجائي نهاية القرن مقابل الدخول الثوري في بداية القرن.

نفس الكلام يقال لمن يريد أن يطبق الشريعة الإسلامية مثلا وهو يأتي بأحكام غائبة لقرون ومنقطعة لألف وأربعمائة عام لم تتجدد ولم تفتح مثاني جديدة، فهذا ظلم للمجتمع ووسيلة لانحرافه ونشر النفاق وفشل النموذج المطلوب لفجر الإسلام، لكن بما يملك المجتمع من عاطفة وغريزة تدين فإن لم يطبق ما يناسب العصر فقد أثبتت التجربة حصول ارتداد ولدرجة الإلحاد والكفر، لأن النموذج الذي قُدم هو نموذج مشوه قاصر يطبقه أناس عقيمو التفكير والإبداع؛ تعمدا أو جهلا فهذه محاور أخرى للتقييم.

من الأولى صنع النموذج بما يعزز غريزة التدين لتكون مشبعة بفعل إيجابي، وتقوية الانتماء الشعوري إلى انتماء حقيقي ليكون مجتمعا صحيحا سليما ليس فيه من الأمراض ما تسيطر عليه وتفشل النموذج الذي سيكون قابلا للتوسع والتطوير.

الحالة نفسها يمكن إذا أن تكون ظلما إن وُضعت كقالب جاف تريد أن يتشكل وفقه المجتمع، وهي تكون عدلا عندما تبنى الحياة بأسلوب صحيح لا فرضا ولا جبرا، وإنما للإنسان أهليته يرشد إلى الطريق الصائب ولا يُجبر عليه لأنه قد يرفضه بداية لكنه سيعود له عند توازن منظومته العقلية، أما إن أجبر فسيكفر وإن لم يعلن كفره. وهنا نرى الخيط الرفيع بين العدل والظلم يتعلق بسلوك الفرد والمجتمع والدولة التي مهمتها الإنسان نفسه، وتوفير الأجواء لأهليته وبرامج التفكير والتطوير وتقديم القدوة والنموذج للمجتمع بفهم وعلم ورضا.

السبت، 20 سبتمبر 2025

205 - لماذا اليوم افضل من غــــــد ---- الجـــــــ 2ـــزء

 رابط عربي 21


اليوم أسوأ من أمس

ليس في هذا القول تشاؤم محض، ولا تفاؤل أعمى، وإنما هو قراءة دقيقة للواقع الاجتماعي والفكري والإنساني. نحن أمام زمن تتداخل فيه المعايير وتتساقط فيه القيم كما تتساقط أوراق الخريف، زمن يبدو فيه أن ما كان بالأمس، وإن بدا صعبا، يحمل من الخبرة والعبرة ما يجعلنا ندرك خطورة الوضع الحالي، بينما اليوم، برغم محاولاتنا للتجديد، يبرز فيه خلل الأدوات وفقدان الرؤية، أما الغد فهو الغموض بعينه، لأنه سيأتي بما زرعناه اليوم وما أهملناه أمس.

ما معنى أن اليوم أسوأ من أمس؟

ليس في الأمر مدح للماضي، وإنما إدراك أن في حاضرنا عوامل هدم تحكم، وإذا لم نواجهها ونعمل على إصلاحها، فلن يكون الغد أفضل أبدا. الأدوات التي يفترض أن تبني المجتمع تعطلت أو شُوهت بفعل ازدواجية المسؤولين، وسيطرة أصحاب المصالح الشخصية على ما يفترض أن يكون خدمة عامة، ففي مجتمع تتبدل فيه القيم الأخلاقية بسرعة وتغيب فيه النخبة المبدعة، يصبح أي حديث عن غد أفضل مجرد أمنية بلا أفق، أو دعوة للعزوف عن العمل البناء، لأن منطق الهدم يهيمن على أدوات البناء.

ليس في الأمر مدح للماضي، وإنما إدراك أن في حاضرنا عوامل هدم تحكم، وإذا لم نواجهها ونعمل على إصلاحها، فلن يكون الغد أفضل أبدا. الأدوات التي يفترض أن تبني المجتمع تعطلت أو شُوهت بفعل ازدواجية المسؤولين، وسيطرة أصحاب المصالح الشخصية على ما يفترض أن يكون خدمة عامة


الأدوات والقيم

من دون معايير واضحة، ومؤسسات قوية، وأطر اجتماعية تحترم الكفاءة والنزاهة، لا يمكن لأي جهد فردي أن يصنع فرقا، فالمجتمعات التي تُترك لأهواء المسؤولين المزدوجين تشهد تراجعا مستمرا، لأن كل عمل بنّاء يُقابَل بمحاولات هدم، وكل قيمة أخلاقية تُستبدَل بقوانين مرنة لمصلحة شخصية. الغد لن يكون أفضل إلا إذا أعدنا النظر في أدواتنا ومعاييرنا، وإذا كانت الأدوات معطلة والقيم مهدرة، يصبح الغد استمرارا لسلسلة الهبوط والانحدار.

الازدواجية: مفتاح الانحدار

حين يتحدث المسؤول عن المصلحة العامة ويخالفها عمليا، حين يستشهد بالدين ويخالفه في أفعاله، حين يلتزم بالمصلحة الوطنية بينما يسعى خلف مصالحه الشخصية، فإننا أمام ازدواجية خطيرة، هذه الازدواجية لا تهدم البلد مباشرة، لكنها تضعف من قدرته على النمو والتطور، لأنها تخلق فراغا قياديا، وفراغا أخلاقيا، وفراغا اجتماعيا؛ وكل فراغ يملؤه من لا هم له إلا مصالحه الشخصية يجعل البناء شبه مستحيل، فالقادة الذين يلتزمون بقيمهم ويعملون بإخلاص، هم الذين يمكن أن يجعلوا من الغد أفضل من اليوم، وليس العكس.

القيم الاجتماعية والأخلاقية

لا يمكن النظر إلى أي مجتمع بمعزل عن قيمه الأخلاقية والاجتماعية، وعندما تتراجع هذه القيم، تتحول المؤسسات إلى أدوات هدم، ويتحول العمل الجماعي إلى لعبة مصالح شخصية. ومن هنا نفهم لماذا يشعر الناس بالاستياء من الحاضر، فالذاكرة الجمعية تمثل خط الدفاع الأول أمام فوضى اليوم، لكن استعادة الماضي مجرد وهْم وطلب النجاة بما لا ينجي، ففي ذاك الماضي كانت أدوات الهدم وتغير حاملوها من جيل آخر، ولا بناء حقيقيا، لأن الزمن يتغير، ولا بد من معايير جديدة تتطلب أدوات جديدة، ومبدعين قادرين على تحويل الرؤية إلى واقع.

ومحاولة كل مسيطر على الحكم أن يجرب أفكاره المستوردة بسطحية مؤدلَج؛ وليس بعمق عالم فقد التوازن لصالح التخلي عن القيم لأمور تافهة وغاب النظام الاجتماعي الذي يعبر عن إدارة العلاقات بين الأفراد، فمن التلاحم والتكاتف وثوابت القيم إلى أن أصبحت العائلة بل الأسرة الواحدة مفككة وإن بدت مترابطة. ومن الطبيعي أن يكون الأمس أفضل من اليوم واليوم أفضل من الغد فلا رؤية للبناء ولا معايير لاختار القادة، والنتيجة أن يعظّم كل ما كسب، وهذا يعني تراكم الهدم وتعرية القيم، بل أصبحت قيم كانت تعيب عشيرة إن فعلها الفرد؛ نوعا من الشطارة، أما الإخلاص فنوع من المثالية والغباء في إدارة الحياة، والذي يقضم أكثر هو الأشطر، بينما هذا الأشطر لا يجد من ترضى به زوجا قبل انحراف العقلية والنفسية، وهذا الخراب بعينه. لذا فسرّ المقولة اليوم أفضل من غد هو تراكم الهدم بسبب غياب الرؤية والبيئة الحافظة للقيم والرافعة لرؤية البناء المجتمعي بخلق التوازن الذي هو عنوان الرفاهية بالرضا، حيث تجد كل مستوى معاشي له برامجه وحياته في معاني الرفاهية والحياة.

إن السعي وراء الرفاهية في مجتمع كهذا سراب يحسبه الظمآن ماء، فالكل يركض للغنى والغنى في البناء، بينما الركض هذا في بيئة الفساد حيث الهدم ولا بناء، فبغياب الرؤية تسود الرعاع والأهواء

الأمل والعمل

إذا أردنا أن يكون الغد أفضل، لا يكفي الانتظار ولا الأمنيات، بل لا بد من مواجهة الواقع بكل صراحة. علينا استعادة أدوات البناء، وتمكين المبدعين والنخب، وإعادة تأسيس القيم، ومحاسبة كل من يخالفها. العمل الفردي والمبادرات المجتمعية الصادقة يمكن أن تصنع فرقا، ولكنها تحتاج إلى دعم مؤسساتي وقيادة تتسم بالنزاهة، وإلى مجتمع واعٍ يدرك خطورة الازدواجية.

اليوم أسوأ من أمس من حيث عوامل الهدم، وأفضل من غد من حيث الإمكانات والفرص المتاحة لإصلاحها؛ الغد لن يكون أفضل إذا لم نعمل على مواجهة الهدم وإصلاح الأدوات والقيم، ما نفعله اليوم يحدد مصير الغد، والقيم والأدوات والنخبة والقيادة، هي مفاتيح المستقبل


ليس بالضرورة أن أقف حكَما أو أنتقد، ولكن من الضروري أن أصوب وأدعم من به أمل أو بصيصه وأبقيه معي كيلا يكون ذلك الينبوع الغائب في نهر عكر. تشجيع النقاط المضيئة وتصويبها ليس بالضرورة لتتقدم إلى عمل قد يهدمها من ضمن عملية الهدم، وإنما تصويبها لديمومة البنائين لزمن البناء، وليس من نقطة مضيئة تفكر في مصلحتها الخاصة فقط فهذه؛ ستأخذ معرفتك وتجعلها إطارا لما تريد أن تضع فيه من كلام أو صورة، وهذا إخفاق في مهمة المصلحين الذين غالبا انتفت إمكانية تأثيرهم من تمكن الفساد.

خلاصة

اليوم أسوأ من أمس من حيث عوامل الهدم، وأفضل من غد من حيث الإمكانات والفرص المتاحة لإصلاحها؛ الغد لن يكون أفضل إذا لم نعمل على مواجهة الهدم وإصلاح الأدوات والقيم، ما نفعله اليوم يحدد مصير الغد، والقيم والأدوات والنخبة والقيادة، هي مفاتيح المستقبل، من يدرك هذه الحقيقة ويعمل وفقها، يمكن أن يكتب تاريخا أفضل، ومن يغفلها سيظل يعيش في فوضى الحاضر بينما الغد سيزداد سوءا.

فماذا نفهم؟ أن اليوم ليس أفضل من غد، وإنما عوامل الهدم ما زالت تنتج الهدم ليكون اليوم أفضل وأننا نتكيف لمزيد من التقبل للتخلف والسوء متبرئين من الواقع بالانتقاد ولا عمل من أجل الإصلاح، ونداري عجزنا بإبراز فشل الآخرين. من صنع اليوم هو عجزنا في الماضي وتبرير العجز بالصبر، وكنا وما زلنا كأي شعوب الوهم تنتظر المنقذ، بينما المنقذ هو أنت أو على الأقل حاول أن تحمل عقلية ونفسية المنقذ قبل ألا تستطيع حمل شيئا

الجمعة، 12 سبتمبر 2025

204 - لماذا اليوم أفضل من الغد؟.. الخوف من التغيير (1)

 




الانطباع والحقيقة:

هنالك كثير من المفاهيم تحولت إلى ما يشبه المصطلحات بعد التشوه في فهمها، لهذا فإني ممن يعدون الفهم الصحيح أساس ومنطق عقل الأمور، وهو الضمير الذي به تحكم على المحيط أو بيئة منظومتك -والإنسان منظومة- وما فيها.

وحصل هذا الخلل في الانطباع حتى على عهد الرسول عندما يحكم الناس بفهمهم ويظنون أنه الصواب والحقيقة، ويبدأون بالتقييم والحكم على الآخرين من خلال فهمهم وهواهم، فقيّموا فلانا أنه يعطي رياء، وفلانا يعطي أمرا لا يستحق أن يسمى عطاء وإنما هو ليظهر أنه يحتاج الصدقة، فنزلت الآية: "الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (التوبة: 79).. حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم من هؤلاء الناس: "وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ" (التوبة: 58)، واليوم نجد الكثير ممن ينسون أنفسهم ولا يصلحوها ويتجهون إلى الدخول في دواخل الناس وتأويل سلوكهم من خلال قناعاتهم وربما الإضرار بهم، وإن سألتهم سيقولون: نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، والحقيقة أنهم لا يتوقع شرا ممن ينتقدونهم فأطلقوا لأنفسهم العنان، ولم يشكوا لحظة أنهم قد يكونون على خطأ وأن من ينتقدهم على الصواب.

الانطباع عن العرف أنه السائد في المجتمع خطأ، وأنكر الإسلام هذا: "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُون، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (الأنعام: 116-117). انظر إلى الحسم الذي لا يراه الرافضون للآخر، المتعصبون لفهمهم ولا يناقشونه، وهم يسفّهون المختلف. إن الله أعلم بالضال وأعلم بالمهتدي، لذا فالتوجه نحو التصويب والصيانة والتحديث لمعلوماتك وليس اعتبار الرأي البشري وكأنه قرآن.

الانتباه للناس وسلوكهم ليس لنكون قضاة عليهم بل لاستطلاع إن كان ممكنا إعانتهم ليعودوا إلى الصواب، فلربما الفعل ليس فعلا وإنما رد لفعل وأثر، والدولة نفسها ينبغي عليها معالجة الإخفاقات الحياتية، وعندها من يخالف القانون في مجتمع مستقر متكافل يعاقب، أما قبل ذاك فالإصلاح؛ ما لم يُحدث سلوكه ضررا أو يشيع فاحشة. فالحدود عندما توضع في قوانين وعلى إشاعة الفاحشة وضررها للمجتمع، هي ولا شك تنظر إلى المستجدات، وهو ما فعله الراشدون في تطبيق الأحكام عندما أوقفوا وعطلوا بعض الأحكام لمصلحة واقع الأمة، واليوم القانون علم متطور يمكن أن يدخل في تفاصيل وحيثيات كثيرة.

التغيير المرعب:

نحن الآن في عصر التفاهة، وخطاب التغيير لا بد أن يخاطب هذه العقلية والنفسية المنكسرة المستسلمة أو المتمردة العشوائية بفهم الفعل ورد الفعل والعجز المتمثل بغودوا المنقذ الذي لن يأتي يوما لينقذ القرية. الحكومات التي رافقت الاحتلال (القرون الماضية)، كانت أدوات تنفيذية ترعى المزرعة، فالتطور والإدارة والعوامل المتعلقة بتحسين النوع والإنتاج كان في الحسبان لكي لا تكون عالة إدارية أو عسكرية على المحتل؛ المهم الولاء والصيغ من الحكم ما يوافق ثقافة البلاد وتبجيلها للحاكم، خصوصا في المناطق المتنوعة إثنيا، أو غيره ذلك.

فحكومة كحكومة العراق الملكية كانت واعدة قابلة للتطور ضمن منهج بريطانيا في إدارة المستعمرات وتوظيف الأهالي ببرنامج خدمي ما زال مستمرا أي لا تلامس الهوية مباشرة وإنما تثبطها، إلا أن سياسة المحتل الفرنسي خلقت عداء لأنه يلامس الهوية والثقافة ويلغي أهل البلاد علنا. أما بريطانيا فكان لها أسلوبها في الاعتماد على الشعوب وإخراج حكومات تجمع الكل تحت خيمتها، غير أن نجم الإمبراطورية أفل وأضحت إدارتها مكلفة، فكان التفكيك ضروريا لإبقاء التخلف وإلا فتمدن متطور غير مسيطر عليه قد يُحدث ما يفوق التصور.

ورأينا نموذج التغيير المرعب الذي لا يملك من قام به أي رؤية أو حتى ثقافة عامة كافية، فبقيت الدولة كمؤسسات تسيّر المجتمع ولم يك هنالك إرادة أو محاولة لتغيير نمط إدارتها، غير الأفكار التي باتت تتكاثر وتتنوع وتتصارع من أجل التمكن من السلطة لتحقق أيديولوجياتها، والتي غالبا كانت تقليدية وحسب فهم دعاتها لها لكن بلا رؤية واضحة، فكان هذا الصراع في المعتقدات التي قسمت المجتمع بين أفكار قومية متعددة ومتصارعة حتى في القومية الواحدة بل في البيت الواحد وهكذا الليبرالية والاشتراكية بأفهامها، ثم الإسلامية ومشاربها، وكلها تتحرك من باب امتلاك الحقيقة وليس من خلال رؤية واضحة للمجتمع والدولة. فلا توجد قدرة للجلوس للتفاهم وإنما قادة وتعظيم القادة والرموز، فلم يعد عيبا أن تمجد الرموز فتجعل منهم طغاة كالنار وأول من تحرق القريب منها، فتكررت التغييرات وتكرر سفك الدماء والانتقام والإعدام والسجون، فكانت المؤسسات الحكومية وقد دخل أفرادها في هذا الإعصار عناصر هدم لا تنظر إلى الكفاءة والخبرة أو تنميتها وإنما إلى الولاء، وهنا تتنوع الولاءات وأنواعها واستغلال هذا الفتق في المؤسسات الذي نراه اليوم بوضوح فلا ترى إعمارا بل هدما ودمارا.

خلاصة القول إن هنالك آلات هدم وبرامج هدم وثقافة هدم مرافقة للتغيير، فكان كل تغيير يمثل رعبا ثم استرخاء لبعض الوقت ثم قهرا جديدا، ودوما هنالك تدن في النوعية. من هنا أتى سيناريو حقيقي بأن اليوم أفضل من غد! والناس تعودوا أن يغازلوا الوهم بالعجز وأن ينتظروا الفرج وأن ينتظروا الأمل، وتحور معنى الصبر ومعنى العمل وأصبح الناس يقتلون الأمل لأن الأمل حركة تغيير والناس يريدون السكون والانتظار، فهم من يعينون الظالم على من يثور عليه لأجلهم، يسفهّونه ويقتلونه ولا يفهمونه لأنهم لا يريدون أن يفهموه، ويحسسهم الطغاة بالسكون لأن عجزهم يصبح حكمة، فالكل يخاف والكل ساكن والكل مستباح.

210 - الانبهار والمنظومة العقلية

رابط عربي 21  معنى  الانبهار في اللغة العربية يعني حالة من الإعجاب الشديد أو الدهشة والذهول أمام شيء مدهش أو مبهر، سواء كان ذلك بسبب جماله، ...

يقظة فكرgoogle-site-verification: google25f7d3ebc2fdac29.html