السبت، 30 نوفمبر 2024

138- السياسة وإدارة الموارد المائية

رابط : المقال منشور في عراقيون 


أين المشكلة: هنالك تغييرات تحصل بما يمكن تسميته بيئة الموارد المائية، اضطراب مناخي، سدود تنشأ في دول المنبع، إدارة ضبابية للمياه في العراق حيث تصدر تصريحات بها نوع من الغرابة في المعايير العلمية وهي أخبار بان هنالك عجز وكوارث محتملة وان مشاكل كثيرة في الأفق متوقعة منها الجفاف في العراق بعد بضع سنين، وكلمة الجفاف مبالغ بها حتما.

المحللون والجهات المهتمة تسارع إلى التحليل وإبداء الراي بلا دراسة معمقة أو استبيان الأمور، وغالبا ما تلجأ إلى الحل الأسرع والأسلم والوحيد وهو إلقاء اللوم على دول المنبع بانها تحجز المياه، وفي ذات الوقت تعبر عن الشحة والاضطراب المناخي وكأنه في العراق فقط، وهذا امر طبيعي أن يتجه الإنسان إلى ما يرد إلى ذهنه، لكن من غير الطبيعي أن بلدا يمر به نهران، ليس فيه دراسات استراتيجية حقيقية وان كان هنالك تسميات، لكن لو كانت فاعلة لرأينا حلولا وليس أوهاما أمام واقع سياسي في المنطقة ليس طبيعيا وليس مستقرا.

مازلنا نفكر في الأهوار بأسلوب تقليدي وكذلك في البحيرات الطبيعية التي كانت ملجأ المياه الفائضة وهي ممالح بمجملها ومسطحات للتبخر، وتسمع كثيرا كلاما يفتقر للمهنية والعلمية.

حديث الفانتازيا الذي تصفق له العامة:

مفهوم الراي العام عندنا مفهوما سياسيا بان الناس يجب أن تعرف التفاصيل، لكن ما تعرف الناس من تقنيات الموارد المائية وإدارتها والعلاقات الدولية وصيغة المعاهدات وهل هنالك التزام لمن نريد أن نفرض عليه التزاما في الزمن الصعب والفوضى السياسية والمناخية والإدارية في المنطقة، حتى ما له علاقة في سد النهضة الأثيوبي على سبيل المثال لا الحصر.

العراق ليس بينه وبين الجوار إلا ما ورد في اتفاقية الجزائر مع إيران، وهذه المعاهدة المعنية – لا تعلم إن كانت فاعلة أم ملغاة – 54% من واردات دجلة تقريبا محسوبة كواردات داخل العراق ، لان أساسها هو سياسي، وتبقى خاضعة للتفسيرات مالم يحصل تفاهما عليها، أما تركيا فلا يوجد اتفاق حول المياه أكثر من المشافهة ومعالجة ظروف آنية ونتيجة زيارات ولقاءات لساسة البلدين، أما الحديث عن إجبار الجوار على معاهدة ما، فهو نوع من كلام بلا خلفية أو سند.

واقع المياه في دول المنبع والمصب:

دول المنبع كناية عن المنابع التي تشكل البحيرات الأم أو الروافد من منابعها في ايران وتركيا، هذه الدول لديها احتياجاتها المائية ومتعرضة للاضطراب المناخي والشحة وبالتالي فهي لا تصنع المياه أو تنتجها صناعيا وترسلها انهارا، وهذا يعني بالمجمل أنها بغياب اتفاقات دولية تسد حاجتها وتطلق المتبقي مع ما تخرجه سدودها نتيجة التوليد للطاقة وبرنامج الخزن والتفريغ السنوي وفق الفصول سد جزرة مثلا والذي سعته النشطة وفق اكثر التقارير منطقية(لا تتوفر معلومة دقيقة) هي 88مليون مهو ضروري لتنظيم إطلاقات أليسو البالغة 1200م3/ثا من المحطة بطاقتها الكلية فقط.



التفكير الاستراتيجي:

التفكير الاستراتيجي للمياه يقوم على فرضيتين:

الأولى: فرضية عودة الأوضاع المناخية بعد استقرار حكة لب الأرض والمغناطيسية إلى وضعها الأول فنعتمد استراتيجيات تعاونية.

الثاني: أن يحدث انقلاب مغناطيسي وبها احتمالات منها

  • يحل الجفاف النسبي وتغيير المواسم وشحة للمياه متوقعة
  • فيضانات وأمطار غزيرة تحتاج إلى إدارة ضد الكوارث

ممكن أن يتوقع العلماء أنماطا لكن تأكيدها وفق حسابات معهود بيد إنني أرى أن هذا تغييرا في النظام العام للأرض ينبغي الاستعداد لدراسته بشكل إنشاء قواعد بيانات للحالة المتغيرة، وهذا ليس معلوما متى يستقر بسنة أم عشرات السنين

توضيح الفرضيات والتفكير خارج الصندوق

الفرضية الأولى تستوجب تعاونا وإدارة مشتركة بين دول المنبع والمصب ووفق مؤسسة موحدة ومعرّفة المهام تساعدها تنفيذيا الوزارات في البلدان المرتبطة بهذه المؤسسة من حيث إنشاء السدود وبرامج التنمية الزراعية والثروة الحيوانية والاستفادة من تفعيل الموارد البشرية، فنحن نحتاج إلى معرفة بأمان سدود تركيا من حيث الزلازل والإنذار المبكر وهو ما نخشى منه أكثر من حجز المياه، وبحاجة إلى اتفاقات إدارة المياه ومعالجة سياسية تحويل مجرى الأنهر التي تتبعها إيران وهي معنية بنصف واردات دجلة وحياة شمال شرق العراق

كذلك إحياء مشاريع بتصاميم جديدة وأهداف جديدة كمشروع الأنابيب من نهري سيحان وجيحان وشبيهتها مع تركيا والتعاون مع إيران بطريق مرضية.

الفرضية الثانية: العراق لابد أن يتجه إلى منظومة خارج المعروف، كالاتجاه لتحلية المياه وتخزينها وضخها بشبكة أنابيب تشمل كل تجمع سكاني، واعتماد الطاقة الشمسية بشكل واسع في العمل ومحطات الضخ والتقوية لتبقى المياه آمنة ونظيفة ومتاحة دون مفاجآت.

علينا أن نخرج من صندوق الحصص المائية وليس معنى هذا التوقف عن التفاوض حوله لكن الجمود عليه مضيعة للوت وانكشاف أمام الكوارث، كما أن الرثاء والعتب والاتهامات والكلام عن مؤامرات كلها تصب في خانة العجز… فالمطلوب التوجه نحو الحلول وبمديات متعددة ووفق الاحتمالات كافة:

  1. فليس معقولا أبدا ما يتحدث عنه تراثيا حول مسطحات مائية كالأهوار وهي تستنزف بالتبخر أرقاما عالية جدا من المياه أو نتحدث عن خزين استراتيجي في ممالح طبيعية كالرزازة والثرثار دون السعي لتصميم أرضية الثرثار مثلا بإبدال التربة وصب الأرضيات وكل ما يمنع ملامستها لما تلامس المياه اليوم، العملية مكلفة لكننا نحصل على سد مرن وناظم ولدراسة الجدوى الفصل.
  2. نقول علينا تغيير الأساليب التقليدية في المياه التي تهدر الموجود ونجلس دون تخطيط لذلك أو إعادة تدويرها.
  3. دراسة المياه الجوفية في المنطقة الغربية وما بين النهرين “كاحتمال وجود مجرى” أكثر من كونه خزين بحكم طبيعة الجيولوجيا من تكوين قنوات وفوالق وإقرار نظام للاستفادة من استثمار الأرض لسد حاجة النمو السكاني وفرصة المدى العمري الحالي للعمر الفاعل.
  4. إنشاء مراكز دراسات وتأهيل للتطوير الإداري والفني استشرافية بحثية عملية منفردة ومتشاركة مع دول أخرى.


الجمعة، 29 نوفمبر 2024

137 - قراءة التاريخ (1-3) الزوايا المظلمة

 رابط عربي 21


فلسفة التاريخ:

تجارب وأحداث يمكن أن نفيد منها العبرة وكثير منها لا يفيد، والأسوأ هو التضليل للذات في اختيار النموذج ووصفه وعبادة الرموز بعد تأليهها، وهي بشر تلمس طريقها في الحدث، أصابت مرة وأخطأت أخرى، نتحدث بتمجيد حتى عن الأساطير التي تُستقى من حدث حقيقي أحيانا كالطوفان، وتختلط بالخرافات، فتغدو أسطورة يكتبها مبدع شعرا أو نثرا، ليجعل من طغيان شخصية جلجامش نموذجا.

ذات الشيء، عندما يُغفِل التاريخ جانبا من السردية ليبقي جانبا مضيئا منها، كسردية صلاح الدين وبيت المقدس مع أنه ترك الساحل للصليبيين، وإغفال السلطان قلاوون وابنه أشرف خليل الذي أنهى الاحتلال الإفرنجي نهائيا، استكمالا لإنهاء احتلال كان بسبب ضعف الدولة استمر 198 عاما لعكا؛ التي تعرضت لمذبحة وجريمة ضد الإنسانية باسم الصليب قام بها ريتشارد قلب الأسد، إلى سقوط حصن حراس المعبد، الذين كانت نهايتهم سيئة جدا، بعد أن اتهمهم البابا كليمينت الخامس بالهرطقة، واختلاس الأموال من فيليب الرابع (ويكبيديا).

التاريخ ينقل حدثا، الاستقرار عنده واجتراره نتيجة الجهل والتخلف هو امتهان للكرامة الإنسانية، وإحياء وتخيل الفتن منه بالتأكيد يضعف أهمية التاريخ، بل يجعل منه ثقلا في بحر الظلمات التي تعيش به الأمة عائمة غير مستقرة.

الفردانية التي تبرز في التاريخ وهي تتحدث عن البطل، تضع أساطير أو ما يشبهها وتضفي قدسية تقارب التحول إلى مرتبة الآلهة، وهذا يفقد الأمة القدوة والإيمان بالعمل الجماعي، فلا قائد يمكن أن ينتصر بغير جند أشداء مؤمنين بما يفعلون؛ ليس من ناحية عقدية فحسب، بل مهنية عندما تصبح الفروسية مثلا قيمة أو الجندية قيمة أو المجد قيمة.

حاضر في تاريخ معتم:

الأمم التي تهتم بالرموز والنقاط المضيئة في التاريخ وتهمل مهامها أو تتعظ من السلبيات والزوايا المظلمة فيه، هي أمة ماهرة في صنع الأصنام، لكنها لا تصنع الحياة، تنجذب لتعظيم شروط للتخلف لأنها لا ترى المستقبل، والكسل ديدنها؛ لأنها بلا دافع للبناء ولا دافع التنمية، والغرائز ضمن القانون ولا دافع من فهم القيم. يفكر السواد الأعظم منها بما له لا بما عليه، فهو يرى العمل موارده لا مهامه، والحياة تتأرجح وفق غلبة الغرائز وأيها تطغى، فمن طغت عنده غريزة التملك سعى للمال، ومن طغت عنده حب السيادة سعى لقمع محيطه، وهكذا بقية الغرائز قياسا لنصل إلى إنسان التخلف والضياع ومجتمع يغلب فيه الفساد ويطغى، فلا يحاسب ليكون الفساد طبيعيا وليس منقصة عندما يحضر فاعلها.

وهذا نراه واقعا ليس تحليلا؛ لأننا نرى المصفقين ونرى من ينتقدون المفكر المصلح ويسفّهونه ويحاولون تبيان نواقص فيه، بينما ذات الأشخاص وهم ناقدون للفساد يداهنون الفاسدين ويحاولون التقرب منهم، ويبحثون عن الطموح الذي داخلهم والنفعية الغازية لضمائرهم في أشخاص تافهين، هم في شغل عن الذين لا يرون نفعا منهم، سواء صالح مصلح أو منافق وصولي.

معظم نخبة القوم ومن يزعمون أنهم يتصدون لقضايا الأمة أو عقيدتها أو قيمها، أول من يكذب معظمهم عليه هو أنفسهم، ولا يرى انكشافه وتفاهته التي أحيانا كثيرة تكون واضحة أمام الناس، هذه الفئة أنواع شتى وغالب أنواعها طاقتها ضد نهضة أمتها، وهنالك منها ما يسعى لمجده هو، فلا يبحث عن الحقيقة بل يعدّ جهله غاية في العلم، وربما يفرضه على مجتمعه أو يخونهم، إن لم يك بتوجه ديني، وإن كان متدينا أو واعظا، فإنه يكفّر مخالفه وكلاهما يفعلان بتعميم لأمر ليس عامّا.

دوافع التخلف:

دوافع الهزيمة والتخلف هي دوافع للنهضة، لكن ينقصها الفهم وليس بالضرورة تنقصها المعرفة، فرواد التخلف مثقفون ومتكلمون متفانون وذوو حجة، بل إصرار وتضحية حتى بالنفس لكنهم في ضلال.

فأمة التخلف تشخص كدعاة النهضة وربما تتطابق معهم أحيانا، فهو إحساس بالألم، وهو يبحث عن حل وإنقاذ، بيد أنه لا يخرج من الصندوق، ويبقى في دوار الأفكار المهيمنة، ويبقى يأتي إلى حلول معادة تتناوب الإحلال مع بعضها. ولا شك أننا نستطيع أن نضيف المنبهرين بمدنية الغرب المتقدمة أو الشرق، ولكن دون فهم أسسها أو آليات إدخالها إلى المجتمع، فالأفكار هذه مخرجات مدنية، لكنها فُصّلت وارتديت في مجتمعات أخرى، ومضى زمن على تطبيقها، جرى إصدار أشكال متجددة بالخبرة والمستجدات وفق قراءة أو استقراء الواقع، لكن مجتمعا لا يمكن أن تُدخل عليه النظام في التطبيق الاقتصادي، الذي تطور لمئات السنين كقوانين ضرائب أو مستشفيات القطاع الخاص أو غيرها، بلا آليات موجودة تخفف عن كاهل المواطن، ولو طُبقت بشكل تقليدي بلا فهم آلياتها عندنا، فستكون قاتلة للمواطن ومعاشه؛ لأنها تأخذ بمبدأ لكل شيء ثمن، ولكن بلا آليات صنعتها التجربة مع الزمن.

المجتمع تعرض لصدمات ومتغيرات ونظم متعددة، لهذا حتى تطبيق النظام الإسلامي كنظام سياسي لرعاية الأهلية وحفظ المعتقد لمواطنيه، يحتاج استقراء وقراءة للواقع وإنتاج ما يناسب المجتمع، ووضع آليات لتحديث قوانين الدولة وإداراته بشكل مؤسساتي، ففهم معنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان دون استقراء أو تحديث للآليات، لن يكون نظاما ناجحا ذا ديمومة، وإنما حاله حال أي نظام دخيل، لكنه سيتحول إلى الهوى، وهذا معنى الثيوقراطية، فليس من دين فعلا أو شريعة، وإنما باسم الدين تحل الفوضى والظلم.

من المهم القول: لا بد أن تمخر قوارب اليقظة في بحر التاريخ لتبحث عن العبرة وفي السلبيات وحقيقة المواقف والأحداث لنجيب على سؤال مهم: لماذا أعجزنا الإسلام أن يستمر في قيادة المدنية وتتلاشى حضارته الفكرية، لتغرق بالأوهام والخزعبلات وشتى التسميات التي تحمل التخلف والجهل، ويحارب المجددون الفاهمون لفكرة الإسلام والخليقة، وكأنهم وباء وليسوا عناصر إحياء الموات والبوار الذي نحن فيه؟ هذا ما نحاول وضع أسس للإجابة عليه في الجزء الثاني.

الجمعة، 22 نوفمبر 2024

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21


صراع قيمي

الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير منها في الإنترنت، لكن لا تواجه هذه المستجدات أفكارٌ جديدة تخاطب الواقع عندنا بل يهاجَم من يحاول الاجتهاد والتجديد؛ وأساليب المقاومة للسلوكيات السلبية من الوعاظ في كل الأديان أصلا ليست مجهولة للمنصوح، بل هو يستهجنها خفاء أو علنا لأنها لا تتماشى مع ما وصل إليه البشر من علوم وابتكارات.

هذه الأفكار نفسها تتصارع في الإنسان، فبعضها يبيح الفعل وبعضها يحرمه فتجد صراعا مستمرا ما بين القيم الأساسية والمنتحلة واضطراب نفسي سلوكي لمعالجة الحاجة. في العصر العباسي كان تبني للأفكار وتطويرها من جنس منهجها ومقاربات هزيلة شوهت الفكر الإسلامي رغم محاربتها لكنها دخلت في الشروح والفقه وجعلت الخزعبلات والخوارق مقبولة وهي من اصل الفلسفة الشرقية والغربية، وروج سوء الفهم للإسلام ومهامه بشكل مجحف.. "تُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشّاةِ القَرْناءِ"، هذا حديث يقال على المنابر بينما المكلف هو الإنسان، والحيوان مسخر غريزي لا منظومة عقلية له لتحاسب، وهذا للمثل إن أُخذ بنصه لغير العبرة فهو تشويه لفكرة الخليقة في القرآن، ونرى فرقا اليوم تخرج الإسلام عن مهمته بأسماء متعددة.

صراع نفسي:

مجموعة القيم والأفكار في صراعها سيواجه الإنسان مشكلة الاستقرار، واضطرابات نفسية في الحكم على غيره بممارسة ممكن أن يفعلها هو، وكلما زادت الأفكار التي تدخل المنظومة العقلية وتجيب عن أسئلة فيها فتكون من المدرك بالضرورة، تزداد المعاناة النفسية، وتأتي مقاربات كمقاربة معجبي الرأسمالية والشيوعية ومتبنيهما مع الإسلام، مثل مقاربة التكافل بالاشتراكية، والملكية الفردية بالرأسمالية، لكن يمكن تبني الأمور المدنية كالانتخابات لحين أن يفرز المجتمع أسلوبا يناسبه.

تفاعل الفكر والشروحات تجعل الميل إلى الخرافات من المضافات كمعجزات أو خوارق، وهذا في كل المعتقدات كمثل من حدد أن نهاية العالم 2000 أو 2012، ونبوءة المايا وضرب "ليون مستنغر" أمثال متعددة على فشل النبوءات كعودة المسيح، وأن مناحيم مندل قد يكون هو المسيح لكنه مات بسكتة دماغية 1994 فقالوا إنه سيعود "فالمسيح يستيقظ من بين الأموات"، ذات الشيء عن التنبؤ الحسابي بنهاية الكيان الصهيوني سنة 2023 وانتقل الآن إلى 2027.. والأمثلة كثيرة.

عندما يريد الإنسان أن تكون له مكانة وتفوق ويجد من هو أفضل منه فإنه يحاول تسفيهه بافتراض أنه مزايد أو دجال، على قاعدة العنب الذي لا يُطال حامض، بدل السعي للتكامل معه. غالبا الشخص الجيد ليس هو الذي يوقظ الناس وإنما هو من يطرح ما يفكرون هم به ليقودهم إلى حيث يريد وهو ليس ما يريدون، كذلك نرى الشعوب تلفظ المصلحين وتخضع للطغاة الذين يقمعونهم بحجة التحديات من الإمبريالية والاحتلال للجوار أو البلد أو فكرة مضادة.

معادلة مهمة: هي معادلة قبول الفكرة لنرى صيغة رياضية لها وبتحقيقها يحصل التناقض:

توافق الفكرة بمقاربة مع الفكرة الأساسية (افتراضية) + مقاربة مع النفسية والمزاج (مماهاة) + فقدان وسائل المعالجة (المجتمع وازدواج الأفكار عنده) + قيمة الفكرة (بها إطلاق) + الفعل الغريزي (وهو الأهم في التأثير) = التصالح بين مجموعة الأفكار المتناقضة على مجمل الإخفاقات.

في بيئتنا التي حصل بها ازدواج الأفكار وتعاظم في الحاجات مع تطور المدنية فنجد رفضا لمسالة تعدد الزوجات ونجد هنالك زنا ممن يحرّمه، وهذا يعبر عن خلل، بينما تصالح الغرب على أن هنالك عشيقا أو عشيقة دون أن يكون أمرا شاذا، وكل أمر يتطور يُرفض بداية ثم يُتوافق على وجوده كواقع حال بقانون تستجيب لشذوذه حتى الكنائس! يحتاجها للمصالحة مع غريزة التدين وليس فكرة الدين المناهض أصلا لهذا، وليكون مقبولا اجتماعيا، وكثير من الأمثلة صدرت بها تشريعات تنظيمية للمحافظة على مرتكبيها ضمن سلطة الدولة التي حلت محل الإله عمليا.

عند المجتمعات الشرقية يمر القبول في دورات أطول فتوافق مجتمعنا مع الرأسمالية ليس بسببها وإنما بسبب آليات فيها، والتي تحتاج إلى وقت وأنظمة وقوانين لضبط السلوكيات السلبية التي تنتج عنها. ويبدو شاذا ومشوها من يقر الشذوذ مثلا علنا، في حين أنه يكثر في مجموعات بشرية تهرب من المسؤولية أو يعتاد الإنسان وضعه من الشذوذ نتيجة استغلاله من أناس شاذين متنفذين بصيغة أو أخرى، ولا وسائل للمعالجة ويكتفي المجتمع بالإنكار.. لكن معظم حدود المعادلة متحققة.

مجتمعنا لا يحتاج أمرا كثيرا لكنه كبير والمقاومة له من منظومة التخلف في مجتمعنا استدعاء الماضي وافتراض أن الاجتهادات القديمة تناسب العصر أو أنها صحيحة والعالم الذي نحن فيه خطأ ولا يعالج، نعم الواقع خطأ ولكن استدعاء الماضي خطأ أيضا


معالجة هذا:

إن مجتمعنا لا يحتاج أمرا كثيرا لكنه كبير والمقاومة له من منظومة التخلف في مجتمعنا استدعاء الماضي وافتراض أن الاجتهادات القديمة تناسب العصر أو أنها صحيحة والعالم الذي نحن فيه خطأ ولا يعالج، نعم الواقع خطأ ولكن استدعاء الماضي خطأ أيضا، فنحن في خطأ مركب وهذا تمام معنى الكارثة، ولا يمكن إقامة فكر بلا آلياته وتنقيته، فالغرائز ستسيطر ويصبح التبرير والشعور بالذنب مرضا نفسيا.

بدل أن نتصالح مع أن المسلمين شيعة وسنة ونقر روابط هابطة؛ الأفضل أن نستحضر أصل القرآن ونرفع كل ما أضيف للإسلام من معوقات الإصلاح عبر أشخاص، وتُختصر المذاهب بتعاليم للعبادة مناسبة بكراريس صغيرة دون الدخول في تفاصيل أوجدها الهروب من واقع مر للسياسة، وبدل تبرير نوع الولاية نذهب إلى الشورى ونستمر في تحسين الأداء والآليات. الإسلام ينزل قرآنا كل يوم لكن نحن لا نفهم هذا ونحسبه آتيا من التاريخ، وهذا ليس مفهوم الإسلام لنفسه.

كل الأديان الأخرى لها ما للمسلمين وعليها ما عليهم، وحتما ستكون تفاهمات اجتماعية لترشيد الرعوية عند القسس والواعظين والتي هي أساس خلخلة الانتماء وتزرع الكراهية بدل الاتفاق على بناء البيئة المشتركة، وهي مهمة الإنسان المحمية من أي حكم إسلامي الذي غايته الأساس حماية الأهلية والاختيار وفاعلية المنظومة العقلية، لحين ذاك فمنظومة تنمية التخلف تزيد من عمق جرف التخلف الهاري.

الجمعة، 15 نوفمبر 2024

135- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. وصف الظاهرة (1-2)

رابط عربي 21


"مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد"

 سمة المشكلة:


هنالك في هذه الجدلية نوعان من الازدواج، وكل نوع مركب من أطياف، وهي ليست مرضا ليعالج، وإنما اضطراب في تكوين الشخصية، وهي ليست متعلقة بدين أو عرق أو طائفة، وإنما هي متعلقة بتركيبة المجتمع ككل، ومفرزات هذا الازدواج أن هنالك حياة غير طبيعية، وأمة ليست قويمة غير قادرة على البناء ولا التعامل مع الواقع بشكل سليم.

1- دعوتنا ليست للدين، وإنما لتدين لا يفيد إلا سد غريزة التدين، بينما يمكن أن يحصل نقيض الدين في كل خلق وسلوك. نقول: الإسلام فيه الحل ولا نعرف أو نبحث كيف هو الحل! فإن أتانا من يدلنا سفّهناه وكفّرناه، واحترمنا الخزعبلات والانحرافات لأنها تبرر الكسل والضعف والفشل.

2- النمطية والأحادية في كل شيء، من الحاكم إلى الرأي الفردي.

3- يحكم بتطرف على خطأ غيره أو ما يقترف، في حين أنه قد يكون مرتكبا لنفس الخطأ.

4- فقدان للقواعد والقيمة وتعريف المهام، وتكرار الأخطاء وتبرير نتائج الفشل بقضاء الله.

5- مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ، ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد، رغم أنها سياسية مدنية أيضا في أصلها.

6- هنالك الكثير من السلبيات، لكنها كلها تعود إلى أسباب المسارات الحضارية والمدنية، وتراكم أفكار متعددة متصالحة في العقلية، وتؤدي إلى اضطرابات في النفسية، فما هو حلال في بعض الأفكار، حرام في أفكار أخرى. وما هو حسن في أحدها، فهو قبيح في أخرى. وما يسد النقص هنا، لا يصلح هناك. وهذا السبب الرئيس لازدواج ثنائي وثلاثي وأكثر في الشخصية، نتيجة الاضطراب في العقلية والنفسية، وهو ما يفسر انفصال السلوك عن الخطاب وبتعايش تام هو المشكلة.

ما جدلية الاضطراب وما علاجه؟

الإسلام عموما، أتى إلى بيئة في وقت بعيد عن التقنيات الحديثة، وأهم هذه التقنيات التي تفيد الإسلام كفكر، ليكون بعيدا عن تشويه الفكرة والنقاء حينها هي الاتصالات والمطابع، فالناس يتداولون المعلومة بطريق النقل والحفظ كما اعتادوا أن يتناقلوا الشعر والكلمة، ومنها الشروحات والرأي، فلم تترسخ الفكرة بشكل صائب، وإنما هي ظنون في الفكرة عند العامة من الناس، مع تصور أنهم معلمون ولهم رأي، وهو أمر جاذب في مجتمع تأتيه الحرية بعد قمع الامبراطوريات، وهي أحد أسباب الفتنة التي أدت إلى حكم التغلب لاحقا. فالفكرة، قد تبدأ بسلوك أو حدث مهما كان بسيطا، فإن لم تصحح تكبر، وربما ينظَّر لها لتكون أيديولوجيا، فإهمال الإخفاقات أو الانحرافات، أدى إلى صراعات وتعاظم للتخلف مستمر حتى الآن.

ثم اصطدمت الحضارة الفكرية التي استقر عليها الناس باختلافاتهم على الأمور البسيطة بمخرجات الفلسفة اليونانية، فكانت مادة للجميع لإرساء تنظيرات كل لفكره وإصراره عليه بمنطق تصوره مع غياب الفهم العميق للإسلام، ظهرت أسئلة الفلسفة اليونانية التي هي ليست أسئلة الفلسفة، أو فكر الحكمة الإسلامي، فماهية الإله الذي طرحته نظرية الفيض، هي ليست سؤالا في الإسلام، فالإسلام يأخذ الجانب المؤثر في الحياة.

أسئلة مثل: الإنسان هل هو مخيّر أم هو مسيّر؟ خلقت فرقا متعددة، وهي فكرة لا وجود لها لمن يفهم الإسلام، وهو يعرف ماهية الإنسان والحياة، وما انفك الناس يناقشون هذه الأمور دون فهم لتضارب الأفكار بين أمور محلولة أصلا، فلا يوجد هذا السؤال في الفكرة؛ لأن الإجابة أصلا موجودة بشرح السؤال، والسؤال عن القضاء والقدر مجاب، مثله مثل معنى الروح والقلب والفؤاد. الإسلام يجيب عن كل هذا ضمنا، بينما ما زال الناس يسألون والمفسرون والوعاظ والخطباء والكتاب يستخدمون كل هذه الأسئلة الوهمية والمصطلحات، عالم وهم يدورون في تيه افتراضي لا مخرج منه، كذلك هو حال الأمة اليوم.

عقدة التغيير وتراكم الأسئلة:

الأمة في منطقة ذات ثروات فتتصارع عليها الدول بأيديولوجياتها وأساليبها المتعددة للهيمنة عليها، من التعليم لإنشاء موظفين بأسلوب غربي، إلى إدخال لغات المحتلين وثقافتهم، إلى الأيديولوجيات كالشيوعية إلى انغلاق الفقهاء ورجال الدين، ورفض أي تجديد حتى يفرض نفسه أو محاولة مقاربته بالإسلام، تماما كما فعل السابقون مع الفلسفة، وهي ثقافة وفكر يحوي اختلاف الجوهر إن عومل كفكر حضاري وليس كمخرجات مدنية.

ولكوننا نحاول التأصيل في الدين لكل شيء اختلطت علينا الأمور فتفشل الفكرة عند التطبيق، هنالك من تحسس هذا ولم يدرك منه الحل له فقال؛ "إننا لن ننهض إلا إذا أخذنا ما عند الغرب كله بإيجابياته وسلبياته". وهذا يمثل حالة الخلط التي نوهنا إليها؛ لأننا نعتبر كل أمر عقدي، في حين أن المدنية تراكم للجهد البشري، أما الفكر الحضاري، فهو توسع بغرض الفهم لفكر عقدي أنزل كمنهج للإنسان وكقيم تستند عليها معايير السلوك وتصويبه، واستعاض الغرب عنها بالقانون وسيادة القانون وتقديس قوة الدولة وسيادتها، نجد هنا الدولة الإله ونجد القوانين بدل قيم الشريعة.

السلوكيات السلبية والمزدوجة:

السلوكيات المزدوجة عندما تلاحظ أن رجلا متدينا يحكم على مخالف الشرع بكل قسوة، وهو يمكن أن يزني ولا يؤثر هذا على شدة حكمه على الزاني مثلا. ما التوصيف والعلاج؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في الجزء الثاني.

الجمعة، 8 نوفمبر 2024

134 - سؤال كبير في التاريخ: لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين والحكم الإسلامي بقيادة المدنية؟ (2-2)

رابط العربي 21 

مدنية الحكم الإسلامي:

الإسلام ليس مدنية ولا أيديولوجيا حزبية ولا هو شريعة تراثية، هو منهج الإنسان كامل الأهلية في كل مفاصل الحياة، وقيم تعطي الأهلية والكرامة. وهنا أركز على الأهلية؛ لأنها مهمة لاختبار المنظومة العقلية التي هي سبب وجود الآدمية على الأرض، بأن تكون هنالك سلالة تعمر الأرض، فكل ما يتعلق بالحياة وإدارتها مدنيا، هو اجتهاد بشري، والسياسة منها، من أجل هذا كان القرآن مثاني، أي طيات، حمال أوجه من التفسير والاستفادة منه للتنظير عبر العصور، وليس تقديس عصر أو شخصية أو مجتهد أو فقيه.

ولعل تنحّي الأمة عن ريادة العالم هو فشلها في الإصلاح الهادئ، بل نشطت الانقسامات على الرأي والظن بامتلاك الحقيقة، فكانت فرق انقسمت سياسيا ثم راحت تؤصل لنفسها في الشرع والدين ليكون التكفير. وهنا عند هذا المفصل، كانت الكارثة والعجز والتنحي التدريجي عن ريادة المدنية في العالم؛ لأن العمل السياسي كان بمعزل عن الأمة، بل ملغي دورها، واعتبرت في كثير من الاجتهادات أن لا إرادة لها ولا اختيار، بل كان السلطان وكأنه متزوج من الأمة لتتبعه وخروجها عليه كفر. ونرى القرآن ينص على الشورى التي هي أوسع من مصطلح الديمقراطية، بل إن السيرة تؤكد وجوب رجوع الحاكم إلى الشعب في كل مستجد، وهذا ما رأيناه في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يقل لهم أنا نبي وأتصرف بالحق الإلهي، وإنما من يبايع، أو بايعوني؛ وهو أمر واضح في تفاصيل -مثلا لا حصرا- أحداث غزوة وبدر والخندق.

لعل تنحّي الأمة عن ريادة العالم هو فشلها في الإصلاح الهادئ، بل نشطت الانقسامات على الرأي والظن بامتلاك الحقيقة، فكانت فرق انقسمت سياسيا ثم راحت تؤصل لنفسها في الشرع والدين ليكون التكفير. وهنا عند هذا المفصل، كانت الكارثة والعجز والتنحي التدريجي عن ريادة المدنية في العالم؛ لأن العمل السياسي كان بمعزل عن الأمة، بل ملغي دورها، واعتبرت في كثير من الاجتهادات أن لا إرادة لها ولا اختيار.


الحكم في الإسلام ليس بشكله، وإنما بمحتواه وغايته، فهو يتطور كأي أمر مدني مع الزمن لكن يحتفظ بأساس مهم، هو الشورى، والانتخابات جزء من الشورى، وهي ليست شكلية أو حيلة شرعية كما يخدع البعض أنفسهم بمقاربة الحكم الشرعي مع الواقع، دون فهم واستقراء ومن ثم استنباط، وإنما تعامل مع النص بمنطوقه ثم مراوغته. اختيار الحاكم هو عقد خدمة للأمة، وفق شروط تدخل بها عدة عوامل، منها الزمان والمكان ونوع المهمة، وما يواجه الحاكم، وتمكن إقالته وتعيين غيره من الشعب. هذه نقطة مهمة.

الإسلام مر بعصور وأفهام واجتهادات، بعضها مقبول في عصرنا، وبعضها لا يفي في معالجة الواقع ومواكبة نوع العيش وصغر العالم وتقارب الوقت، فالمسلمون لو كانوا على قلب رجل واحد فهم خُمس العالم، وهذا يعني وجوب الاستقراء والفهم لمعنى الإسلام وسنن الكون، وكيفية التعامل مع المدنية الحديثة وعلوم الاقتصاد والتجارة، وتصريف الحالة البنكية، وكيفية حماية المواطنين وسلامة علاقتهم مع الله، من خلال المواءمة الإيجابية باجتهاد للعصر، وليس الذهاب إلى الرموز والمجتهدين عبر العصور لنبحث عندهم عن حل.

وهنا، نذهب للإجابة عن سؤال: لِمَ لمْ يستمر الحكم الإسلامي في قيادة المدنية؟ سنلاحظ أن كل القواعد فُقدت، الحكم فقد، الظلم بدأ يشيع، ولولا أن هنالك قناعات ارتكزت على التدين الغريزي وليس الدين، لانفرط العقد مبكرا، لكن ما حصل خلق فرقا ومعتقدات دخيلة؛ منها الثائر بلا عقل للأمور، ومنها المستسلم المستكين، وكلها لا تعطي أهمية للإنسان وأهليته. فهنالك انفصال بين الأمة والحكم، وهنالك ضياع في الفكرة الأساس، لهذا بدأ الجهل يسود ويحكم الجاهل المتغلب، ويركن إليه العالم ليقنع الجمهور أن يرضى بالاستبداد، فأضحت الأمة عقيمة وتدهورت فكريا ومدنيا وأضحت قابلة للاستعمار، وهي مستعمرة أصلا، فحلّ الخراب بدل العمران والجهل بدل العلم، وتغلبت أحادية القيمة حيث تزاح النخب من حب تسلط ذوي الأمراض.

وبذلك، تخسر الأمة أملها بسبب جرأة الفاشل وعجز العالم عن الدفاع عن نفسه، فما نحتاجه أن نبني تاريخنا اليوم بلا تعلق برموز أو تقديس بشر لمجرد أنه قديم، ومنع الجهلة من صراخ يغطي على همس العلم ونقاهته. نحن بحاجة إلى قوارب يقظة تعيد النظر في كل شيء ورفع التقديس عما ليس مقدسا، وإبطال ما أحدث في التاريخ من سلبيات وفرق ومحن وخزعبلات تجرنا إلى التخلف وتنزع الآدمية عنا لننهض، وإلا كل قوالب أتى بها العجز من أفكار وأيديولوجيات، ليست إلا أوهاما تزيد الألم بالانشقاقات وتعطل الطاقات بالانطباعات.

نحو اليقظة:

الصين عندما غادرت سلبيات التاريخ لتكون أمة وليست قبائل؛ عادت لصدارة العالم وبطريقتها السلمية وقوتها الاقتصادية وحنكتها في الإدارة.

أمريكا لولا أنها تخلت عن عوالق الغرب واعتبرت نفسها أمة لم تصل إلى صدارة العالم، كذلك ارتقت اليابان والاتحاد السوفييتي وكل كون مكانته وفق جذوره، ومعظمهم يستند إلى مدنيات وليس أفكارا حضارية.

العالم الإسلامي يختلف بوجود الفكر الحضاري، لكن هذا الفكر نفسه فيه إشكالية عندما أصر الناس على تقديس البشر وامتلاكهم للحقيقة، فكانوا كزنابير من خلايا متعددة، وُضعوا في حاوية واحدة لتشتعل بينهم معركة تدمر بعضهم، ولا يستطيعون بناء خلية، وكل يظن أن هذه خليته ولا بد أن يدافع عنها.

لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي وتحويله إلى منظومة معرفية تتفاعل مع الحياة والإنسان، ومخرجات أي مدنية تدل عليها ومكانتها، تدل على مشاركتها في الجهد البشري ككل، ولا بد من التمييز بين النص الإلهي وتفسير واجتهاد البشر.


إذا أردنا الارتقاء، فلا بد من التخلي عن:

- الموروث البشري الذي لم يعد مناسبا من تفسيرات للقرآن واجتهادات فقهية.

- التخلي عن الروابط الهابطة التي ترسبت نتيجة الإخفاقات، كالقومية والطائفية وتقديس الرموز.

- استعادة أصل الإسلام كقرآن وسنة وسيرة، وتجاوز اجتهادات قاصرة مهما كانت تسميتها غير الإسلام، فلا مذاهب ولا طوائف أو تمجيد، فهذه كلها تمثل مفرزات أزمات التاريخ أو الاصطدام بالمدنيات الأخرى، لا بأس من اجتهادات متعددة تقود العصر وصالحة لبنائه.

- الاعتماد على الإنسان والموارد وتجنيد الهمم للاستفادة من الوقت في النهضة بعد اليقظة، وهذه بإدارة حكومية تتبنى رعاية مصالح الأمة في الداخل والخارج، والسعي لتسهيل الحياة لمواطنيها.

لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي وتحويله إلى منظومة معرفية تتفاعل مع الحياة والإنسان، ومخرجات أي مدنية تدل عليها ومكانتها، تدل على مشاركتها في الجهد البشري ككل، ولا بد من التمييز بين النص الإلهي وتفسير واجتهاد البشر، فالأول يستنبط منه ومقدس، والثاني يتغير ويبدل مع الزمن ولا يؤول أو يقدس. وإزالة أثر سوء الأفهام على الجهاز المعرفي.

الجمعة، 1 نوفمبر 2024

133 - الاسئلة الكبــــــــرى الجزء الاول

 



رابط عربي 21 اضغط هنا رجاء

مدنيات وأفول:

لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين أو الحكم الإسلامي في قيادة المدنية؟ سؤال يُطرح وربما لا تجد جوابا واضحا له لأن قراءة التاريخ ليست واضحة، والمعلومة وأول ما يأتي الباحث من انطباعات ومسلمات وغموض وراء ذلك؛ تقود الباحث. نحاول هنا أن ننظر إلى كل مدنية تلمسا للجواب:

1- مدنية الصين: (المادة العلمية من مصادر متعددة أهمها ويكبيديا)

الصين فضاء واسع قبلي حكم بأشكال متعددة ما بين الفضاء الواحد إلى الفضاء الجغرافي، ولم يك العالم بتقسيم دول وإنما تقسيم قبلي, لكن سور الصين العظيم اقتضته الجغرافيا للدفاع عن الفضاء الصيني من الهجمات المفاجئة من القبائل، ولم يشر تاريخ الصين القديم إلى حالة توسعية وإنما كان همه الاستقرار والتجارة والدفاع عن النفس عدا في زمن حكمت فيه عائلة هان (206 ق.م إلى 220م)، والتي حكمت كإمبراطورية وأظهرت المواهب الصينية في التطور المدني. وتمثل عصر النهضة الصينية في كل المجالات وفتح طريق الحرير، وواجه التحديات بتمكن. ونشطت الفلسفة وعلوم الرياضيات وظهرت نظريات عديدة في الرياضيات والكتابة، وهي مدنية شبيهة بنهضة المسلمين في عصر الحداثة الإسلامي.

وفي هذا العهد خرجت جيوش الصين إلى ما يسمى الآن كوريا 1(09 ق.م) وفيتنام (111 ق.م)، واستمر نفوذ سلالة هان فيها إلى 938 ميلادي أي بعد تنحيها في الصين عام 220م مستمرة ما يزيد عن 1000 عام. وهذا ليس احتلالا بمفهوم عصرنا، فليس من اتفاق "Westphalia 1648" يعرف حدود الدول ونفوذها وإنما هو حراك قبلي (منيوي، نانيا، وديان) نقل إلى تلك المناطق وجنوب آسيا مدنية نشطة في السياسة وحركة التجارة.

لم تستمر كمدنية بدأت آلاف السنين قبل الميلاد لكن عادت إلى القيادة المدنية بعد تعديل المسارات حتى حين، ويبقى نقص القيم والعدالة والكرامة الإنسانية وغيرها مما يتعلق بالفكر الحضاري موضوع سؤال وعامل انفصال شعوري استطاع النظام الصيني بته لحد الآن، ولكن هذا يجعل النظام هشا أمام الأزمات المستجدة وتجاوزها قدرة منظومة الحكم في القيادة والسيطرة


ثم تعرضت الصين بعد ذلك إلى انحدار بسبب نفوذ سيطرة القبائل على الأباطرة في الحكم، وهم جهلة ويشبهون سلطة البرابرة ومساهمتهم في إسقاط نظام روما القديمة ودخولها في عصر الظلمات، حيث لم يك البرابرة يقرأون ويكتبون، ووافق هذا الكنيسة التي تقاسمت السلطة ثيوقراطيا مع ملوك الحق الإلهي، فدخلت الكتب إلى سراديب عميقة ليخرجها المسلمون بتبادلها مع الأسرى، ثم ليقضى على جمارة نخلة الحكم عن طريق المغول وهي ذات قبائل الأطراف التي شكلت التحدي للصين.

من يلاحظ سياسة الصين أنها تتبع نظاما يستقرئ واقعها وتطوره في الآليات غير متمسكة بأيديولوجيا ما وإنما آليات يعاد تقييمها، لا تميل لمواجهة حتى فيما تظن أنها حقوق لها مع الخارج، حاسمة قاهرة في الداخل، فهونغ كونج لم يرفع شعار ثوري لاسترجاعها من الإنكليز ولا ماكاو من البرتغاليين. ويذكر أن جمهورية الصين الوطنية أو فرموزا أو تايوان معترف بها من 14 دولة عضو في الأمم المتحدة ومن الفاتيكان وفيها مصالح وصناعات نادرة وخاصة للغرب، لكن الصين تذكر العالم دوما بأضواء بلا نار أن هذه الجزيرة تتبع البر الصيني.

ما أحدثت الصين:

الصين انفصلت عن تمجيد الرموز التاريخية والحديثة أيضا عندما بدأت تتقدم لتشكل باستقراء الواقع ووضع الحلول، وعلى أرض صلبة من إيجابيات التاريخ لتصنع تاريخا جديد وتكون قطبا يلعب دورا مهما في توازن القوى العالمي وبصمت، وهي بيدها اقتصاديات العالم رغم أن اقتصادها يحتاج لاستمرار الاستقرار بعد أن كانت ضعيفة أمام كيانات أصغر منها مساحة وموارد مادية وبشرية، هذا الاستقرار إذا كُسرت بنيته سيكون وبالا على العالم عندما تغيب إدارة حياة هذا الكم من البشر. وهي في التطور شبيهة باليابان بعد الحرب الثانية، وإن حاولت اليابان الاحتفاظ بمنظومة القيم التي لديها لكن مع التقدم الحياتي هنالك وإحلال وإبدال في المنظومة ككل.

لم تستمر كمدنية بدأت آلاف السنين قبل الميلاد لكن عادت إلى القيادة المدنية بعد تعديل المسارات حتى حين، ويبقى نقص القيم والعدالة والكرامة الإنسانية وغيرها مما يتعلق بالفكر الحضاري موضوع سؤال وعامل انفصال شعوري استطاع النظام الصيني بته لحد الآن، ولكن هذا يجعل النظام هشا أمام الأزمات المستجدة وتجاوزها قدرة منظومة الحكم في القيادة والسيطرة.

معادلة الصدارة للصين:

الصين منطقة محاطة عبر التاريخ بقبائل، وتقود الصين أُسر، لكن كانت جيوشها ذات عقيدة دفاعية بسبب قبائل المغول التي تشكل جنوب غرب روسيا اليوم، وللوقاية من هذه القبائل كانت فكرة إنشاء سور الصين العظيم.

عدد سكانها وعملهم في أنواع متعددة من الزراعة والوفرة المائية خلقت نوعا من الاكتفاء والتوجه نحو التجارة فكان طريق الحرير، الذي فتحته أسرة هان سنة 130 ق.م واستمر فاعلا حتى سنة 1453م وكان بطريقين: البري المشهور الذي يصل إلى أنطاكيا ثم بحرا إلى إيطاليا ومنها إلى دول أوروبا ليصل إلى إسبانيا، والجزء البحري فينطلق من ميناء كانتون ويلتف في البحار نحو الخليج العربي والبحر الأحمر.

الصين تسيطر على السوق دون حاجة إلى حروب، فقد كانت تستورد الذهب والخيول في حين أنها تصدر كل شيء وحسنت من فقرات إنتاجها الزراعي بجلب أنواع من النباتات لم تك في الصين


هذا الطريق كان ثقافة صينية عادت للعمل في الصين الحديثة لكن باستخدام تقنيات ووسائل غير طريق الحرير الذي هنالك أفكار لإعادته بشكل عصري، رغم أن السكك مستمرة نحو أوروبا في خط يمر من روسيا فتركيا. الصين تسيطر على السوق دون حاجة إلى حروب، فقد كانت تستورد الذهب والخيول في حين أنها تصدر كل شيء وحسنت من فقرات إنتاجها الزراعي بجلب أنواع من النباتات لم تك في الصين.

اليوم نراها تصدر كل شيء وتصنع ما يصنعه الغرب بأسعار أرخص، معظم الصناعات التكاملية عندها وعند تايوان، حتى للأجهزة التي تعد أمريكية أو غربية.

الصين ليس لديها أمور عقدية تبشيرية أو دعوية وإنما إدارة مواردها الطبيعية والبشرية، وهو كل ما تركز عليه لهذا تتجنب مشاكل العالم وتبقى فاعلة بالدرجة التي لا تؤثر على مسارها الاجتماعي أو خلق ثغرة نحو تحريك التنوع سلبيا، لهذا فهي مستمرة في الشيوعية لكن باقتصاد مرن، هذا التكيف مع العصر ومع الواقع المدني وليس التمسك بأيديولوجيا معينة ساعد كثيرا في استعادة مكانتها خصوصا وأنها عضو دائم في مجلس الأمن.

روسيا القيصرية كانت دولة واسعة أكثر من وصفها دولة عظمى فهي أميل للثيوقراطية المستبدة ولم تك تحمل عوامل الاستدامة بل التمرد والتذمر، وربما ترك بطرس الكبير البصمة المؤثرة في وضعها التاريخي، لتصبح دولة وظيفية تحوي السلاح النووي بعد الاتحاد السوفييتي الذي عزلها عن الحالة التقليدية لتتقدم قبل ارتداد بوتين للتقليدية القيصرية، وهي اليوم في طور ترسيمها كدولة وظيفية رسميا.