الجمعة، 15 نوفمبر 2024

135- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. وصف الظاهرة (1-2)

رابط عربي 21


"مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد"

 سمة المشكلة:


هنالك في هذه الجدلية نوعان من الازدواج، وكل نوع مركب من أطياف، وهي ليست مرضا ليعالج، وإنما اضطراب في تكوين الشخصية، وهي ليست متعلقة بدين أو عرق أو طائفة، وإنما هي متعلقة بتركيبة المجتمع ككل، ومفرزات هذا الازدواج أن هنالك حياة غير طبيعية، وأمة ليست قويمة غير قادرة على البناء ولا التعامل مع الواقع بشكل سليم.

1- دعوتنا ليست للدين، وإنما لتدين لا يفيد إلا سد غريزة التدين، بينما يمكن أن يحصل نقيض الدين في كل خلق وسلوك. نقول: الإسلام فيه الحل ولا نعرف أو نبحث كيف هو الحل! فإن أتانا من يدلنا سفّهناه وكفّرناه، واحترمنا الخزعبلات والانحرافات لأنها تبرر الكسل والضعف والفشل.

2- النمطية والأحادية في كل شيء، من الحاكم إلى الرأي الفردي.

3- يحكم بتطرف على خطأ غيره أو ما يقترف، في حين أنه قد يكون مرتكبا لنفس الخطأ.

4- فقدان للقواعد والقيمة وتعريف المهام، وتكرار الأخطاء وتبرير نتائج الفشل بقضاء الله.

5- مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ، ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد، رغم أنها سياسية مدنية أيضا في أصلها.

6- هنالك الكثير من السلبيات، لكنها كلها تعود إلى أسباب المسارات الحضارية والمدنية، وتراكم أفكار متعددة متصالحة في العقلية، وتؤدي إلى اضطرابات في النفسية، فما هو حلال في بعض الأفكار، حرام في أفكار أخرى. وما هو حسن في أحدها، فهو قبيح في أخرى. وما يسد النقص هنا، لا يصلح هناك. وهذا السبب الرئيس لازدواج ثنائي وثلاثي وأكثر في الشخصية، نتيجة الاضطراب في العقلية والنفسية، وهو ما يفسر انفصال السلوك عن الخطاب وبتعايش تام هو المشكلة.

ما جدلية الاضطراب وما علاجه؟

الإسلام عموما، أتى إلى بيئة في وقت بعيد عن التقنيات الحديثة، وأهم هذه التقنيات التي تفيد الإسلام كفكر، ليكون بعيدا عن تشويه الفكرة والنقاء حينها هي الاتصالات والمطابع، فالناس يتداولون المعلومة بطريق النقل والحفظ كما اعتادوا أن يتناقلوا الشعر والكلمة، ومنها الشروحات والرأي، فلم تترسخ الفكرة بشكل صائب، وإنما هي ظنون في الفكرة عند العامة من الناس، مع تصور أنهم معلمون ولهم رأي، وهو أمر جاذب في مجتمع تأتيه الحرية بعد قمع الامبراطوريات، وهي أحد أسباب الفتنة التي أدت إلى حكم التغلب لاحقا. فالفكرة، قد تبدأ بسلوك أو حدث مهما كان بسيطا، فإن لم تصحح تكبر، وربما ينظَّر لها لتكون أيديولوجيا، فإهمال الإخفاقات أو الانحرافات، أدى إلى صراعات وتعاظم للتخلف مستمر حتى الآن.

ثم اصطدمت الحضارة الفكرية التي استقر عليها الناس باختلافاتهم على الأمور البسيطة بمخرجات الفلسفة اليونانية، فكانت مادة للجميع لإرساء تنظيرات كل لفكره وإصراره عليه بمنطق تصوره مع غياب الفهم العميق للإسلام، ظهرت أسئلة الفلسفة اليونانية التي هي ليست أسئلة الفلسفة، أو فكر الحكمة الإسلامي، فماهية الإله الذي طرحته نظرية الفيض، هي ليست سؤالا في الإسلام، فالإسلام يأخذ الجانب المؤثر في الحياة.

أسئلة مثل: الإنسان هل هو مخيّر أم هو مسيّر؟ خلقت فرقا متعددة، وهي فكرة لا وجود لها لمن يفهم الإسلام، وهو يعرف ماهية الإنسان والحياة، وما انفك الناس يناقشون هذه الأمور دون فهم لتضارب الأفكار بين أمور محلولة أصلا، فلا يوجد هذا السؤال في الفكرة؛ لأن الإجابة أصلا موجودة بشرح السؤال، والسؤال عن القضاء والقدر مجاب، مثله مثل معنى الروح والقلب والفؤاد. الإسلام يجيب عن كل هذا ضمنا، بينما ما زال الناس يسألون والمفسرون والوعاظ والخطباء والكتاب يستخدمون كل هذه الأسئلة الوهمية والمصطلحات، عالم وهم يدورون في تيه افتراضي لا مخرج منه، كذلك هو حال الأمة اليوم.

عقدة التغيير وتراكم الأسئلة:

الأمة في منطقة ذات ثروات فتتصارع عليها الدول بأيديولوجياتها وأساليبها المتعددة للهيمنة عليها، من التعليم لإنشاء موظفين بأسلوب غربي، إلى إدخال لغات المحتلين وثقافتهم، إلى الأيديولوجيات كالشيوعية إلى انغلاق الفقهاء ورجال الدين، ورفض أي تجديد حتى يفرض نفسه أو محاولة مقاربته بالإسلام، تماما كما فعل السابقون مع الفلسفة، وهي ثقافة وفكر يحوي اختلاف الجوهر إن عومل كفكر حضاري وليس كمخرجات مدنية.

ولكوننا نحاول التأصيل في الدين لكل شيء اختلطت علينا الأمور فتفشل الفكرة عند التطبيق، هنالك من تحسس هذا ولم يدرك منه الحل له فقال؛ "إننا لن ننهض إلا إذا أخذنا ما عند الغرب كله بإيجابياته وسلبياته". وهذا يمثل حالة الخلط التي نوهنا إليها؛ لأننا نعتبر كل أمر عقدي، في حين أن المدنية تراكم للجهد البشري، أما الفكر الحضاري، فهو توسع بغرض الفهم لفكر عقدي أنزل كمنهج للإنسان وكقيم تستند عليها معايير السلوك وتصويبه، واستعاض الغرب عنها بالقانون وسيادة القانون وتقديس قوة الدولة وسيادتها، نجد هنا الدولة الإله ونجد القوانين بدل قيم الشريعة.

السلوكيات السلبية والمزدوجة:

السلوكيات المزدوجة عندما تلاحظ أن رجلا متدينا يحكم على مخالف الشرع بكل قسوة، وهو يمكن أن يزني ولا يؤثر هذا على شدة حكمه على الزاني مثلا. ما التوصيف والعلاج؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في الجزء الثاني.

الجمعة، 8 نوفمبر 2024

134 - سؤال كبير في التاريخ: لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين والحكم الإسلامي بقيادة المدنية؟ (2-2)

رابط العربي 21 

مدنية الحكم الإسلامي:

الإسلام ليس مدنية ولا أيديولوجيا حزبية ولا هو شريعة تراثية، هو منهج الإنسان كامل الأهلية في كل مفاصل الحياة، وقيم تعطي الأهلية والكرامة. وهنا أركز على الأهلية؛ لأنها مهمة لاختبار المنظومة العقلية التي هي سبب وجود الآدمية على الأرض، بأن تكون هنالك سلالة تعمر الأرض، فكل ما يتعلق بالحياة وإدارتها مدنيا، هو اجتهاد بشري، والسياسة منها، من أجل هذا كان القرآن مثاني، أي طيات، حمال أوجه من التفسير والاستفادة منه للتنظير عبر العصور، وليس تقديس عصر أو شخصية أو مجتهد أو فقيه.

ولعل تنحّي الأمة عن ريادة العالم هو فشلها في الإصلاح الهادئ، بل نشطت الانقسامات على الرأي والظن بامتلاك الحقيقة، فكانت فرق انقسمت سياسيا ثم راحت تؤصل لنفسها في الشرع والدين ليكون التكفير. وهنا عند هذا المفصل، كانت الكارثة والعجز والتنحي التدريجي عن ريادة المدنية في العالم؛ لأن العمل السياسي كان بمعزل عن الأمة، بل ملغي دورها، واعتبرت في كثير من الاجتهادات أن لا إرادة لها ولا اختيار، بل كان السلطان وكأنه متزوج من الأمة لتتبعه وخروجها عليه كفر. ونرى القرآن ينص على الشورى التي هي أوسع من مصطلح الديمقراطية، بل إن السيرة تؤكد وجوب رجوع الحاكم إلى الشعب في كل مستجد، وهذا ما رأيناه في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يقل لهم أنا نبي وأتصرف بالحق الإلهي، وإنما من يبايع، أو بايعوني؛ وهو أمر واضح في تفاصيل -مثلا لا حصرا- أحداث غزوة وبدر والخندق.

لعل تنحّي الأمة عن ريادة العالم هو فشلها في الإصلاح الهادئ، بل نشطت الانقسامات على الرأي والظن بامتلاك الحقيقة، فكانت فرق انقسمت سياسيا ثم راحت تؤصل لنفسها في الشرع والدين ليكون التكفير. وهنا عند هذا المفصل، كانت الكارثة والعجز والتنحي التدريجي عن ريادة المدنية في العالم؛ لأن العمل السياسي كان بمعزل عن الأمة، بل ملغي دورها، واعتبرت في كثير من الاجتهادات أن لا إرادة لها ولا اختيار.


الحكم في الإسلام ليس بشكله، وإنما بمحتواه وغايته، فهو يتطور كأي أمر مدني مع الزمن لكن يحتفظ بأساس مهم، هو الشورى، والانتخابات جزء من الشورى، وهي ليست شكلية أو حيلة شرعية كما يخدع البعض أنفسهم بمقاربة الحكم الشرعي مع الواقع، دون فهم واستقراء ومن ثم استنباط، وإنما تعامل مع النص بمنطوقه ثم مراوغته. اختيار الحاكم هو عقد خدمة للأمة، وفق شروط تدخل بها عدة عوامل، منها الزمان والمكان ونوع المهمة، وما يواجه الحاكم، وتمكن إقالته وتعيين غيره من الشعب. هذه نقطة مهمة.

الإسلام مر بعصور وأفهام واجتهادات، بعضها مقبول في عصرنا، وبعضها لا يفي في معالجة الواقع ومواكبة نوع العيش وصغر العالم وتقارب الوقت، فالمسلمون لو كانوا على قلب رجل واحد فهم خُمس العالم، وهذا يعني وجوب الاستقراء والفهم لمعنى الإسلام وسنن الكون، وكيفية التعامل مع المدنية الحديثة وعلوم الاقتصاد والتجارة، وتصريف الحالة البنكية، وكيفية حماية المواطنين وسلامة علاقتهم مع الله، من خلال المواءمة الإيجابية باجتهاد للعصر، وليس الذهاب إلى الرموز والمجتهدين عبر العصور لنبحث عندهم عن حل.

وهنا، نذهب للإجابة عن سؤال: لِمَ لمْ يستمر الحكم الإسلامي في قيادة المدنية؟ سنلاحظ أن كل القواعد فُقدت، الحكم فقد، الظلم بدأ يشيع، ولولا أن هنالك قناعات ارتكزت على التدين الغريزي وليس الدين، لانفرط العقد مبكرا، لكن ما حصل خلق فرقا ومعتقدات دخيلة؛ منها الثائر بلا عقل للأمور، ومنها المستسلم المستكين، وكلها لا تعطي أهمية للإنسان وأهليته. فهنالك انفصال بين الأمة والحكم، وهنالك ضياع في الفكرة الأساس، لهذا بدأ الجهل يسود ويحكم الجاهل المتغلب، ويركن إليه العالم ليقنع الجمهور أن يرضى بالاستبداد، فأضحت الأمة عقيمة وتدهورت فكريا ومدنيا وأضحت قابلة للاستعمار، وهي مستعمرة أصلا، فحلّ الخراب بدل العمران والجهل بدل العلم، وتغلبت أحادية القيمة حيث تزاح النخب من حب تسلط ذوي الأمراض.

وبذلك، تخسر الأمة أملها بسبب جرأة الفاشل وعجز العالم عن الدفاع عن نفسه، فما نحتاجه أن نبني تاريخنا اليوم بلا تعلق برموز أو تقديس بشر لمجرد أنه قديم، ومنع الجهلة من صراخ يغطي على همس العلم ونقاهته. نحن بحاجة إلى قوارب يقظة تعيد النظر في كل شيء ورفع التقديس عما ليس مقدسا، وإبطال ما أحدث في التاريخ من سلبيات وفرق ومحن وخزعبلات تجرنا إلى التخلف وتنزع الآدمية عنا لننهض، وإلا كل قوالب أتى بها العجز من أفكار وأيديولوجيات، ليست إلا أوهاما تزيد الألم بالانشقاقات وتعطل الطاقات بالانطباعات.

نحو اليقظة:

الصين عندما غادرت سلبيات التاريخ لتكون أمة وليست قبائل؛ عادت لصدارة العالم وبطريقتها السلمية وقوتها الاقتصادية وحنكتها في الإدارة.

أمريكا لولا أنها تخلت عن عوالق الغرب واعتبرت نفسها أمة لم تصل إلى صدارة العالم، كذلك ارتقت اليابان والاتحاد السوفييتي وكل كون مكانته وفق جذوره، ومعظمهم يستند إلى مدنيات وليس أفكارا حضارية.

العالم الإسلامي يختلف بوجود الفكر الحضاري، لكن هذا الفكر نفسه فيه إشكالية عندما أصر الناس على تقديس البشر وامتلاكهم للحقيقة، فكانوا كزنابير من خلايا متعددة، وُضعوا في حاوية واحدة لتشتعل بينهم معركة تدمر بعضهم، ولا يستطيعون بناء خلية، وكل يظن أن هذه خليته ولا بد أن يدافع عنها.

لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي وتحويله إلى منظومة معرفية تتفاعل مع الحياة والإنسان، ومخرجات أي مدنية تدل عليها ومكانتها، تدل على مشاركتها في الجهد البشري ككل، ولا بد من التمييز بين النص الإلهي وتفسير واجتهاد البشر.


إذا أردنا الارتقاء، فلا بد من التخلي عن:

- الموروث البشري الذي لم يعد مناسبا من تفسيرات للقرآن واجتهادات فقهية.

- التخلي عن الروابط الهابطة التي ترسبت نتيجة الإخفاقات، كالقومية والطائفية وتقديس الرموز.

- استعادة أصل الإسلام كقرآن وسنة وسيرة، وتجاوز اجتهادات قاصرة مهما كانت تسميتها غير الإسلام، فلا مذاهب ولا طوائف أو تمجيد، فهذه كلها تمثل مفرزات أزمات التاريخ أو الاصطدام بالمدنيات الأخرى، لا بأس من اجتهادات متعددة تقود العصر وصالحة لبنائه.

- الاعتماد على الإنسان والموارد وتجنيد الهمم للاستفادة من الوقت في النهضة بعد اليقظة، وهذه بإدارة حكومية تتبنى رعاية مصالح الأمة في الداخل والخارج، والسعي لتسهيل الحياة لمواطنيها.

لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي وتحويله إلى منظومة معرفية تتفاعل مع الحياة والإنسان، ومخرجات أي مدنية تدل عليها ومكانتها، تدل على مشاركتها في الجهد البشري ككل، ولا بد من التمييز بين النص الإلهي وتفسير واجتهاد البشر، فالأول يستنبط منه ومقدس، والثاني يتغير ويبدل مع الزمن ولا يؤول أو يقدس. وإزالة أثر سوء الأفهام على الجهاز المعرفي.

الجمعة، 1 نوفمبر 2024

133 - الاسئلة الكبــــــــرى الجزء الاول

 



رابط عربي 21 اضغط هنا رجاء

مدنيات وأفول:

لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين أو الحكم الإسلامي في قيادة المدنية؟ سؤال يُطرح وربما لا تجد جوابا واضحا له لأن قراءة التاريخ ليست واضحة، والمعلومة وأول ما يأتي الباحث من انطباعات ومسلمات وغموض وراء ذلك؛ تقود الباحث. نحاول هنا أن ننظر إلى كل مدنية تلمسا للجواب:

1- مدنية الصين: (المادة العلمية من مصادر متعددة أهمها ويكبيديا)

الصين فضاء واسع قبلي حكم بأشكال متعددة ما بين الفضاء الواحد إلى الفضاء الجغرافي، ولم يك العالم بتقسيم دول وإنما تقسيم قبلي, لكن سور الصين العظيم اقتضته الجغرافيا للدفاع عن الفضاء الصيني من الهجمات المفاجئة من القبائل، ولم يشر تاريخ الصين القديم إلى حالة توسعية وإنما كان همه الاستقرار والتجارة والدفاع عن النفس عدا في زمن حكمت فيه عائلة هان (206 ق.م إلى 220م)، والتي حكمت كإمبراطورية وأظهرت المواهب الصينية في التطور المدني. وتمثل عصر النهضة الصينية في كل المجالات وفتح طريق الحرير، وواجه التحديات بتمكن. ونشطت الفلسفة وعلوم الرياضيات وظهرت نظريات عديدة في الرياضيات والكتابة، وهي مدنية شبيهة بنهضة المسلمين في عصر الحداثة الإسلامي.

وفي هذا العهد خرجت جيوش الصين إلى ما يسمى الآن كوريا 1(09 ق.م) وفيتنام (111 ق.م)، واستمر نفوذ سلالة هان فيها إلى 938 ميلادي أي بعد تنحيها في الصين عام 220م مستمرة ما يزيد عن 1000 عام. وهذا ليس احتلالا بمفهوم عصرنا، فليس من اتفاق "Westphalia 1648" يعرف حدود الدول ونفوذها وإنما هو حراك قبلي (منيوي، نانيا، وديان) نقل إلى تلك المناطق وجنوب آسيا مدنية نشطة في السياسة وحركة التجارة.

لم تستمر كمدنية بدأت آلاف السنين قبل الميلاد لكن عادت إلى القيادة المدنية بعد تعديل المسارات حتى حين، ويبقى نقص القيم والعدالة والكرامة الإنسانية وغيرها مما يتعلق بالفكر الحضاري موضوع سؤال وعامل انفصال شعوري استطاع النظام الصيني بته لحد الآن، ولكن هذا يجعل النظام هشا أمام الأزمات المستجدة وتجاوزها قدرة منظومة الحكم في القيادة والسيطرة


ثم تعرضت الصين بعد ذلك إلى انحدار بسبب نفوذ سيطرة القبائل على الأباطرة في الحكم، وهم جهلة ويشبهون سلطة البرابرة ومساهمتهم في إسقاط نظام روما القديمة ودخولها في عصر الظلمات، حيث لم يك البرابرة يقرأون ويكتبون، ووافق هذا الكنيسة التي تقاسمت السلطة ثيوقراطيا مع ملوك الحق الإلهي، فدخلت الكتب إلى سراديب عميقة ليخرجها المسلمون بتبادلها مع الأسرى، ثم ليقضى على جمارة نخلة الحكم عن طريق المغول وهي ذات قبائل الأطراف التي شكلت التحدي للصين.

من يلاحظ سياسة الصين أنها تتبع نظاما يستقرئ واقعها وتطوره في الآليات غير متمسكة بأيديولوجيا ما وإنما آليات يعاد تقييمها، لا تميل لمواجهة حتى فيما تظن أنها حقوق لها مع الخارج، حاسمة قاهرة في الداخل، فهونغ كونج لم يرفع شعار ثوري لاسترجاعها من الإنكليز ولا ماكاو من البرتغاليين. ويذكر أن جمهورية الصين الوطنية أو فرموزا أو تايوان معترف بها من 14 دولة عضو في الأمم المتحدة ومن الفاتيكان وفيها مصالح وصناعات نادرة وخاصة للغرب، لكن الصين تذكر العالم دوما بأضواء بلا نار أن هذه الجزيرة تتبع البر الصيني.

ما أحدثت الصين:

الصين انفصلت عن تمجيد الرموز التاريخية والحديثة أيضا عندما بدأت تتقدم لتشكل باستقراء الواقع ووضع الحلول، وعلى أرض صلبة من إيجابيات التاريخ لتصنع تاريخا جديد وتكون قطبا يلعب دورا مهما في توازن القوى العالمي وبصمت، وهي بيدها اقتصاديات العالم رغم أن اقتصادها يحتاج لاستمرار الاستقرار بعد أن كانت ضعيفة أمام كيانات أصغر منها مساحة وموارد مادية وبشرية، هذا الاستقرار إذا كُسرت بنيته سيكون وبالا على العالم عندما تغيب إدارة حياة هذا الكم من البشر. وهي في التطور شبيهة باليابان بعد الحرب الثانية، وإن حاولت اليابان الاحتفاظ بمنظومة القيم التي لديها لكن مع التقدم الحياتي هنالك وإحلال وإبدال في المنظومة ككل.

لم تستمر كمدنية بدأت آلاف السنين قبل الميلاد لكن عادت إلى القيادة المدنية بعد تعديل المسارات حتى حين، ويبقى نقص القيم والعدالة والكرامة الإنسانية وغيرها مما يتعلق بالفكر الحضاري موضوع سؤال وعامل انفصال شعوري استطاع النظام الصيني بته لحد الآن، ولكن هذا يجعل النظام هشا أمام الأزمات المستجدة وتجاوزها قدرة منظومة الحكم في القيادة والسيطرة.

معادلة الصدارة للصين:

الصين منطقة محاطة عبر التاريخ بقبائل، وتقود الصين أُسر، لكن كانت جيوشها ذات عقيدة دفاعية بسبب قبائل المغول التي تشكل جنوب غرب روسيا اليوم، وللوقاية من هذه القبائل كانت فكرة إنشاء سور الصين العظيم.

عدد سكانها وعملهم في أنواع متعددة من الزراعة والوفرة المائية خلقت نوعا من الاكتفاء والتوجه نحو التجارة فكان طريق الحرير، الذي فتحته أسرة هان سنة 130 ق.م واستمر فاعلا حتى سنة 1453م وكان بطريقين: البري المشهور الذي يصل إلى أنطاكيا ثم بحرا إلى إيطاليا ومنها إلى دول أوروبا ليصل إلى إسبانيا، والجزء البحري فينطلق من ميناء كانتون ويلتف في البحار نحو الخليج العربي والبحر الأحمر.

الصين تسيطر على السوق دون حاجة إلى حروب، فقد كانت تستورد الذهب والخيول في حين أنها تصدر كل شيء وحسنت من فقرات إنتاجها الزراعي بجلب أنواع من النباتات لم تك في الصين


هذا الطريق كان ثقافة صينية عادت للعمل في الصين الحديثة لكن باستخدام تقنيات ووسائل غير طريق الحرير الذي هنالك أفكار لإعادته بشكل عصري، رغم أن السكك مستمرة نحو أوروبا في خط يمر من روسيا فتركيا. الصين تسيطر على السوق دون حاجة إلى حروب، فقد كانت تستورد الذهب والخيول في حين أنها تصدر كل شيء وحسنت من فقرات إنتاجها الزراعي بجلب أنواع من النباتات لم تك في الصين.

اليوم نراها تصدر كل شيء وتصنع ما يصنعه الغرب بأسعار أرخص، معظم الصناعات التكاملية عندها وعند تايوان، حتى للأجهزة التي تعد أمريكية أو غربية.

الصين ليس لديها أمور عقدية تبشيرية أو دعوية وإنما إدارة مواردها الطبيعية والبشرية، وهو كل ما تركز عليه لهذا تتجنب مشاكل العالم وتبقى فاعلة بالدرجة التي لا تؤثر على مسارها الاجتماعي أو خلق ثغرة نحو تحريك التنوع سلبيا، لهذا فهي مستمرة في الشيوعية لكن باقتصاد مرن، هذا التكيف مع العصر ومع الواقع المدني وليس التمسك بأيديولوجيا معينة ساعد كثيرا في استعادة مكانتها خصوصا وأنها عضو دائم في مجلس الأمن.

روسيا القيصرية كانت دولة واسعة أكثر من وصفها دولة عظمى فهي أميل للثيوقراطية المستبدة ولم تك تحمل عوامل الاستدامة بل التمرد والتذمر، وربما ترك بطرس الكبير البصمة المؤثرة في وضعها التاريخي، لتصبح دولة وظيفية تحوي السلاح النووي بعد الاتحاد السوفييتي الذي عزلها عن الحالة التقليدية لتتقدم قبل ارتداد بوتين للتقليدية القيصرية، وهي اليوم في طور ترسيمها كدولة وظيفية رسميا.

135- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. وصف الظاهرة (1-2)

رابط عربي 21 "مجتمعنا مضغوط بالعيش في التاريخ ويستدعي التاريخ فتطغى خلافات التاريخ على إضاءاته، فإضاءاته مدنية وخلافاته أُلحقت بالعقائد...