السبت، 31 أغسطس 2024

122 - الانحـــــــــــــراف

 رابط عـــــــربي 21

فلسفة الانحراف:

الانحراف هو خروج عن الخط مستقيما أم معوجا بزاوية ما، ماهيته أنه اختلاف بنيوي عما يبدو مرتبطا به، ويتسع إن تصورنا محورين باتجاهين مختلفين، ليتطابق مع الاتجاه المعاكس إن كان مستقيما، أو ليتقاطع معه إن كان متعرجا.

عرفنا الانحراف كمصطلح عن الاستقامة الإيجابية، بيد أن الانحراف عن المسار السلبي انحراف أيضا، فالإنسان متنقل في أسباب خروجه وانحرافه عن الصواب أو ما يراه مجتمعه الصواب، ومستغفر منيب لتضعف زاوية انحرافه فتلامس الصفر، وما تراه في مجتمع ما سليما يعد منحرفا في مجتمع آخر، لكن في عالمنا المتعرج البعيد عن الاستقامة، تتقاطع خطوط منحرفة عن مجتمعاتها مع المجتمع  الأكبر،  فتوافقه تارة وتبتعد عنه تارة، ومهما كانت الزاوية صغيرة، فهي ستكبر مع الزمن ببعدها عن منطلقها أو تعدد الانحرافات مع صدمات الحياة، والثابت بها فيما يبدو قليل، لهذا نرى عالم اليوم بحاجة إلى منظومة إصلاح كبيرة تعيد مساره، فالجدليات متعددة والأحداث الصادمة كثيرة، ولن تعيد المنظومة الانحراف المجتمعي كليا إلى الصواب الذي يُتفق عليه؛ لأنه الصواب والتراجع يمحي الخطايا مهما كانت، وبأي منطق عقدي يمكن أن نتعامل معه.

وأجتزئ أثرا من قول لابن عباس يدل على فهم الإسلام في جانب التعامل مع الله والمجتمع وفهم الإسلام للنفسية البشرية؛ "أنَّهُ لا كبيرةَ معَ استِغفار، ولا صغيرة معَ إصرار"، الراوي: سعيد بن جبير، ابن مفلح، الآداب الشرعية (١/١٥٣)، إسناده صحيح. إلا أن السلبيات على الأرض قد تتطور وتستمر بالتعاظم، وكذلك الإيجابيات، وإن تراجع محدثها.

النفس البشرية تحلق وتشتط وتفكر وتتفكر وتخطئ وهو طبعها، لكن فاعلية المنظومة العقلية تنحرف بها عن مسار الخطأ لتصل إلى الاستغفار، عندما تستقيم مع استقامة الخط القويم أيا كان هذا الخط الذي سيصل به إلى رضا الله: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر: 53).

الانحراف هنا قد يتمثل بالناس الذين يجعلون لأنفسهم الوكالة، فيكفرون هذا وينجون ذاك ويخالفون الله وهم يظنون أنهم على استقامة. وانحراف هؤلاء الناس بمستويات متعددة، فالفهم هو رأس زاوية الانحراف، ليصل إلى فقدان القيمة الإنسانية.

نستخلص من هذه الفقرة، أن فلسفة الانحراف ترينا أنه ليس بمعنى واحد ولا باتجاه واحد ولا بمستوى واحد، فهو بداية التغيير نحو اتجاه آخر قد يستقر عنده وقد يعود، وقد يتجه بانحراف آخر وزاوية أخرى إلى منطقة فكرية أو سلوكية جديدة له.

الانحراف والسلوك:

الانحراف ليس سلوكا، وإنما السلوك قد يوصف بالانحراف قياسا لقيمة أو معيار، فهو إذن ليس معيارا أيضا؛ فلو تمعنا نجده صفة لحالة أو حراك نسبي لكن غلب الاصطلاح على الأداة، ووحدة قياس مطلقة نسبة لفكرة أو أيديولوجيا أو قيم ما دينية أو اجتماعية.

أما النفاق، فهو انحراف سلوكي لفساد المنظومة، التي صنفها خالقها بأنها الأسوأ، وذلك لخلل دائم في الشخصية؛ عقلية منحرفة مع نفسية وضيعة، وقد تجده أنيق المظهر حسن الكلام يتماهى معك قريبا إلى خطاب غرائزك، لكنه من أبشع الخلق في داخله، التقرب منه إذلال وخسارة لأنه ليس مخلص الحس ولا سوي التفكير، لهذا في الآخرة "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا" (النساء: 145)، لكن ليس من عقاب إلا ما يظهر من سلوك سيئ في المجتمع ومضر للمجتمع، أما إن كان في عون العدو، فذاك يخضع لقانون الخيانة الطبيعي للمجتمع.

الانحراف ليس دوما متصاعدا، وإنما يمكن أن يحدد بقيمة معينة ليكون معبرا عن المرونة:

- الانحراف عن المواصفات التي تحدد قيمة معينة تزيد أو تنقص لمنتج معين، لتكون مقبولة ولا تؤثر سلبيا على النوعية، وهذا ينطبق على كل منتجات وصناعات وأبنية، لكن تختلف النسبة وفق محددات أخرى، كأهمية الجزء وموقعه في المنشأة أو الآلة أو الجهاز.

- الانحراف في الوصول إلى الأهداف عسكرية أو تجارية أو مدنية بشكل عام، حتى ولو كان في ميدان رمي، وهنا تتحدد نسبة الانحراف التي قد لا تقبل أحيانا إلا أن تكون صفرا، فالانحراف في إطلاق النار سيكون ضمن المغزى من الإطلاق، فإن كان الجرح وتسبب بالموت، فهو انحراف غير مقبول، أو أن هنالك إصابة أو لا تكون إصابة، فليس هنالك وصف وسطي معياري.

إن الرشد والمنطق مصوبان مهذبان حارسان لاتجاه ومعادلة وموازنة أي انحراف عن الأهداف، فالاندفاع مثلا قد يكون محمودا بمعيار الإخلاص والولاء، لكن الاندفاع بلا رشد عقبة أمام تمهيد الطريق نحو الأهداف، فالرشد متى وجد يكون الانحراف بالإمكان إصلاحه حتى من الإنسان ذاته، والرشد بالتأكيد معلوم أنه غير الذكاء أو المعرفة، وإنما هو جوهر من النضج مهم يحمي الآدمية في الإنسان.

زاوية أخرى

التجمعات البشرية منها ما يكون مجتمعا إن اعتمد أيا من القيم، ومنها ما يكون جمعا متحركا بالعقل الجمعي في المجموعات البشرية الخاضعة للظلم والاستعباد.

ففي منظومة تنمية التخلف، القيم تُركب ولا تُحمل، والرسالات تؤخذ ظروفها لتعلب بها الأهواء وتنزع الرسوم الحقيقية لتؤطر الصور الزائفة، وينمق كل شيء ليستخدم فيما يظن أنه مصلحة بأنانية طاغية وإنسانية محطمة، لا تندم كما ندم آدم لمخالفته ربه ولا ندم قابيل عندما قتل أخاه، والفرق بين أن تكون سويا ومجرما، ليس كم قتلت أم كم سرقت، وإنما هي الجريمة الأولى والإصرار عليها.

أما المجتمع، فهو إما طالب للحرية عن فكر أو أنه خاضع حالم ينتظر المخلص، فأما من يطلب الحرية عن فكر، فهو لا ينتقم ولا يخرب وإنما يحيل الظالم إلى القانون، وأما إن أتى من يلبس لبوس المخلص، فإن باشر بالقتل فسيتبعه العقل الجمعي ليشارك بالجريمة إلى أن يدرك أنه أبدل مجرما بدل مجرم، وأن التلوث قد أصاب يديه؛ فلا بد أن نصلح الجهاز المعرفي لكي يبنى المجتمع على الفاعلية واليقظة، وتأتي قيادات تنهض بالبلدان وتشيد العمران، وعندها يكون الإنسان إنسانا.

الجمعة، 23 أغسطس 2024

121 - التفكير الانتقادي

 الرابط في عربي 21


(ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل)

مرض وأعراض

لطالما أضاع الكثرة من الناس أوقاتا ثمينة من أعمارهم القصيرة نسبيا بجدل لا يفيد أو بتفكير في أمر عقيم وانتظار الوهم تبديد للحياة، ولعل الجدل العقيم من أبرز ما يضيع فيه الوقت والصحة، والأهم من كل هذا إقبال نحو الضلال بالعناد مع الحق أو تجاهله بنيّة تهميشه وتسفيهه.

النقد بتعريف مقتصب هو تبيان وصفي لموضوع الحديث فيه الإيجابيات وفيه السلبيات لذات الموصوف، وهو إيجابي النتيجة والمنطلق لتصويب وتعديل الفكرة والمنتج.

والانتقاد: هو التركيز على السلبيات في الوصف والتوصيف، وغالبا ما يتجه إلى المسارات السلبية في قراءة حاضر ومستقبل كل شيء في محيطه، وقد يظهر بشكل مرض وسواس قهري أو تلذذ بهذه الصيغة من القراءات السلبية، فتجد جدلا بلا هدف ولا قيمة للهدف إن كان موجودا، ومحاولة الانتصار للذات ولو بمغالطة المنطق.

* في هكذا جدل، لا تجد تتابعا منطقيا فيه ليكون حوارا، فلا أحد يسمع أحدا بمعنى السماع والإدراك، والكل يتكلم والكل يرد والكل عالم لا يحتاج لعلم رغم أنه قد لا يكون فاهما للموضوع.

* مصادرة للفكرة عبر الانتقال ما بين الفرع والأصل من الموضوع وفق تصوره.

* شخصنة النقاش والاتجاه إلى شخص المتحدث لتبيان انتمائه وتحليل غاياته السيئة وسلوكه السيئ وفق تصور المنافس، فلا تمكن تسمية هذا النوع بالمحاور.

* تجد الدليل يأتي بأن معظم الناس يتفقون على، أو أن القائد الفلاني يقول كذا.. وغالبا ما يكون هذا القائد المزعوم ممن يصعب نقده أو أنه دخل سور التقديس.

غالبا لا يرتكز التفكير الانتقادي إلى فكرة واضحة فهو لا يهتم بالمناقشة والحوار من أجل الفهم، وإنما يهتم بإطلاق السلبيات التي تكونت عنده مباشرة، ويتجه إلى منحدر التأملات السلبية ليصل إلى أسوأ ما يمكن فيما لا يرى مصلحة فيه


* يهاجم من يأمن شره ويتجنب من قد يضر بمصلحته إن أبدى سلبيته.

التفكير الانتقادي يرى الشر المطلق، والإحباط انتصارا، والتجاهل والتهميش قوة في الشخصية.

التفكير الانتقادي سطحي:

غالبا لا يرتكز التفكير الانتقادي إلى فكرة واضحة فهو لا يهتم بالمناقشة والحوار من أجل الفهم، وإنما يهتم بإطلاق السلبيات التي تكونت عنده مباشرة، ويتجه إلى منحدر التأملات السلبية ليصل إلى أسوأ ما يمكن فيما لا يرى مصلحة فيه، وهو ذاته سيكون الأفضل والنادر والمنقذ إن كانت له مصلحة فيه.

هب أنك عرضت أن تذهب إحدى بناته للدراسة في جامعة ما، سيذهب حتما إلى أنها ستدرس في جو مختلط، وإن كل الطلبة ليس لهم حدود وقيم وأنها ستتعرف إلى أحد هؤلاء ثم تفقد نفسها، وهي لن تستطيع العودة إليه بعد هذا وربما ستضطر لتسلك سلوكا سيئا.. هو لا يقول إن قريته أو مدينته بحاجة إلى اختصاصها وأنها ستعود لتعالج سلبيات مجتمعهم بشكل علمي، وهكذا سواء درست الطب أو التعليم أو علم الاجتماع أو الإدارة والاقتصاد أو حتى المهارات في الفنون الجميلة.

التفكير النقدي والتفكير الانتقادي:

التفكير النقدي هو ضمان لدخول معلومة سليمة ومعالجتها وإخراجها لتكون فاعلة بسلامة، أي أنها متوازنة مدروسة محققة، لهذا غالبا لا تجد ردا سريعا من الذين بُرمجت منظومتهم العقلية على التفكير النقدي في الإنسانيات، أما في العلوم فهم يطبقون القواعد التي لديهم ليعطوك أسرع قرار ما لم تك حاجة تستدعي الإبداع؛ عندها سيكون التفكير والقرار بالمشورة أو الدراسة أو جماعيا، وغالبا في مجتمعنا نرى أن العمل كمجموعة نادر، وهذا من تأثير وجود تغلب لعقليات انتقادية تتكلم كثيرا ولا تنتج حلولا، وتنتقد كل ما يأتي أمامها مبيّنة سوءته دون ذكر ما هو صالح، وإن ذكر فهو رجم بالغيب بلا آليات متاحة للتنفيذ.

في العقلية النقدية تجد محاولة لالتقاط الفكرة الصائبة، أما التفكير الانتقادي فهو يذهب إلى السلبية حتى ولو كانت مختفية، ليجعلها هي المنظر العام لأي إنجاز.

العقلية الانتقادية ليست دائما لها غايات شريرة وإنما لا تفكر بمنطق بعيد يقيس ظرف الآخر، فقد يحب أن يزور صديقا لكن يفترض سلبيا أن صديقه ليس حريصا على التواصل معه أو زيارته، لكن الصديق يكون في شغل آخر أو ظرفه غير ملائم، وقد يشتري هدية لابن صديق على اعتبار سد نقص الصديق تجاه ولده، بينما الوالد لا يريد أن يشتري له هذا ليس لأنه غير مهتم أو لا أبالي أو ليس عنده ما يكفي، وإنما له نظريته في التربية.

الجدل ابن العجز:

عندما لا يملك الإنسان حلا فهو سيدخل في جدل وربما يناصر حلا ليس مدروسا ولا ملائما للبيئة والظرف، كذلك الحال عندما لا يملك القرار لتنفيد حلول يقترحها فإنه سيحس بالتجاهل والعدمية


عندما لا يملك الإنسان حلا فهو سيدخل في جدل وربما يناصر حلا ليس مدروسا ولا ملائما للبيئة والظرف، كذلك الحال عندما لا يملك القرار لتنفيد حلول يقترحها فإنه سيحس بالتجاهل والعدمية، وهو أمام حالتين: إما الاستمرار والتكديس لأفكار ونهايات سائبة، أو التوقف والانتظار.. ومجتمعنا أغلبه مجتمع انتظار لمنقذ أو لفرصة لا يعلم كيف ستاتي، لأنه لا يملك أمره وأحلامه أوهام لأنها تولد ميتة وتنمو في الخيال فيجادل دفاعا عن هذا الوهم الذي قد يكون مشتركا في شريحة من شعب أو من مصلحته نمو هذا الوهم ليديره في منفعة له.

فالجدل ابن العجز ينميه طغيان الأنا والذات وفقدان منطق التسلسل في التكوين كسفسطائية البيضة والدجاجة، فأنت لا يمكن أن تنتقل من ضفة إلى ضفة بوجود مقتربات الجسر فقط مثلا أو الجسر نفسه بلا مقتربات، وهذا يحصل في واقعنا عند فقدان المنطق وعقلية البناء والإعمار وهي مهمة الآدمية أصلا، وأي من هذه الإخفاقات ستجد وراءها الأنا، والجدل تجده في الشعوب العاجزة عكس الحوار الذي تجده في مجتمع متمدن تهمه الأهداف كعوائد للعام.

مجتمعنا

فالجدل السفسطائي الغالب على مجتمعنا لا يبقي ودا وينشر النفاق والتملق للقوي وتهميش الطاقات وإحباطها، فتجد تعظيما لشرير واضح الشر وتسفيه لعالم واضح العلم. الإنسان ليس شرا كله ولا خيرا كله، لكنه في التفكير الانتقادي إما شر كله فهو الشرير أو خير كله فهو ملاك مقدس لا يلبث إن سقط، أو ذهب الخوف منه ومن جبروته أن يتحول جدلا إلى الشطط والإجرام.

الجمعة، 16 أغسطس 2024

120 - هلاك القــــــــــرى

 رابط عــــــربي 21 اضغط رجاء



الانحراف

الانحراف في الإنسان أو قبول خداع نفسه باعتماد رأي بدوافع فؤادية من المشاعر والغرائز أو اتحاد المشاعر والغرائز معا؛ مع تغييب أعمال المنظومة العقلية واتخاذ القرار، هذا في الحقيقة ليس بلا إرادة أو اتباع لشخص أو فكرة، بل هو بإرادة كإرادة آدم عندما أكل من الشجرة لم يستحضر المعلومة ولم يستخدم منظومة العقل، فكانت إرادة لكن بلا عزم، أما واقعنا فيحصل فيه استعمار للمنظومة العقلية واستخدامها في التخطيط للانحراف والفساد، أو الخداع من أجل استغلال جهد الآخرين وكل ما يمكن أن يُنال وبكلام معسول أو بترهيب وتأليب.

لو تأملنا! فالإنسان المنحرف فاعل عندما تسير الحياة بلا تحديات أو اعتراض، وفاعل فيما يفعل من فساد ويعتقد راسخا أن من يمنعه عن ظلمه ظالم يستحق العقاب وخائن يستحق العذاب، لأنه مستمر في تسيد العاطفة وتفعيل أثر غريزة أو مجموعة غرائز، أي الإنسان يمتلك إرادته لكن بتقييم عاطفي وغرائزي تافه وليس بتفعيل المنظومة العقلية؛ فيبدو للآخرين أنه معتقد بكل الحالة التي يمر بها حتى هو أحد هؤلاء المقتنعين كما بيّنا في مظهره ودواخله، الحالة هنا فساد العزم في الإنسان أي قواعد التفكير وتحليل البيانات والنوايا، فبالتالي يكون هذا الإنسان شيطانا يبرأ إبليس منه لإصراره على الخطأ والرأي الواحد.

القرى هالكة والمدن معتبرة:

في النسق القرآني القرى تعذب وتهلك والمدن يخص العذاب بمن أساء، فالمدن فيها تنوع وشر وحسن، أما القرى فتطلق على الرأي الواحد والصنف الواحد المهيمن والمفسد، ويشترك أهلها في الفساد كسمة عامة


في النسق القرآني القرى تعذب وتهلك والمدن يخص العذاب بمن أساء، فالمدن فيها تنوع وشر وحسن، أما القرى فتطلق على الرأي الواحد والصنف الواحد المهيمن والمفسد، ويشترك أهلها في الفساد كسمة عامة. إذن القرآن يتحدث عن منظومة عقلية فاسدة ترفض الآخر والمخالف وتطرده أو تعذبه أو تقتله، وهنالك 55 مرة ذكرت القرية والقرى مع الهلاك والعذاب، والهلاك هو نهاية لا رجعة فيها ولا عودة: "وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ" (الأنبياء: 95) بينما المجتمع المتنوع هنالك قوانين وانضباط وتعارف ومسار حياتي يتسق مع الغاية من الخلق والتعارف والإبداع وتحفيز المنظومة العقلية في درب الإصلاح.

فسعي الإنسان أن يقنع الناس لتؤمن بما يؤمن ليس عيبا وإنما العيب في الإجبار ونشر الكراهية والاضطهاد والظلم، سواء بالهمز واللمز أو التصريح أو التعذيب والقتل والترويع والتهميش، عندها يكون هنالك استئصال لهذه القرية لأنها وصلت حدا يصعب إصلاحها وأضحت مضرة للبشرية.

كونوا مثلي أو ارحلوا؛ هي قرية قوم لوط: "وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدا" (الكهف: 59) وهم على وضع من السوء، لكن الناس المتوحدين على العدل بالرأي والفكرة والتوجه هم قرى لكنهم مصلحون ومتفقون على الإصلاح بما يرضي الله؛ لا ضرر ولا أذى ولا تهميش ، ودوما تجد في الناس الذين يتفقون على رفض الآخر موانعَ الإصلاح من المتكبرين الذي فسدت منظومتهم العقلية: "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ" (سبأ: 34)

إن هلاك الدول التي تتبع الشر والظلم يحصل في الدنيا قبل الآخرة حتما، وإن المدن المتنوعة قد يعذب الظالم منهم في الدنيا والآخرة لكنها تتداول الأيام بين صالح وطالح شرير لكنه ليس بالمنبت وإنما ظالم غير مجمع على ظلمه من أهل المدينة، وهنا ننتبه أن هنالك نوعا من التعدد والحراك للمنظومة العقلية وكل منها تحاسب وفق ما ارتكبت أو أحسنت..

القرية في القرآن لا تمثل مجمعات بشرية سكنية فقط، بل هي حزب يرفض الآخر ويظن أنه يمتلك الحقيقة، دول وأنظمة، أي مجموعة من أشخاص أو تنظيمات، بل حتى الفرد الواحد الذي يعيق مسيرة التعارف والبناء هؤلاء إزاحتهم بسلم رحمة لهم، فإن أصروا على المناكفة فسنن الكون لا تحابي والهلاك للقرى الظالمة مصير محتوم


الحقيقة من خلال استطلاع آيات المدن والقرى، نجد أن العذاب مرافق لتسمية القرى لأن منظومتها العقلية فاسدة، وأن الحساب فردي أو لجزء أيضا بسبب منظومتهم العقلية كإنذار للاتعاظ والتحول نحو الإصلاح والتطوير والتنمية، وتنقية المنظومة العقلية من المسيئات لها من ترهات وظلم وإنكار للحق وسلوك طريق الباطل، فهي منظومة يمكن أن تتوب وتعيد حياة طيبة صالحة وليست ممحوقة كالتي وُصفت في القرى. وما أكثر القرى في واقعنا وأندر المدن، في عالم يدعي الإسلام ظلما له وهو لا يفقهه، ويمارس أبشع الظلم بسبب الأفكار والاختلاف والأمور التي لا تصنع تنمية ولا رقيا. لذا أدعو للعودة لكلام الله وعدله، فعندما أوقف قوم يونس منظومتهم العقلية بدأت سلسلة العذاب ولما اتعظوا وآمنوا اختلف الأمر، فلعل الناس يتعظون: "فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ" (يونس: 98).

وهناك شعور المترفين بالتمكين وغفلة الفاسدين، وظلم الظالمين الذين لن يروا إلا الهلاك وبجنس ظلمهم: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" (الأنعام: 123).

التجديد والتحديث وإعمال المنظومة العقلية بالتفكير والارتقاء بها هو ما يبني المدن والمدنية، أما التخلف والركود ورفض الآخر والاهتمام ورفع ما لا يفيد مهمتك في عمارة الأرض؛ فهو فساد وهلاك: "وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ" (الزخرف: 23).

إن القرية في القرآن لا تمثل مجمعات بشرية سكنية فقط، بل هي حزب يرفض الآخر ويظن أنه يمتلك الحقيقة، دول وأنظمة، أي مجموعة من أشخاص أو تنظيمات، بل حتى الفرد الواحد الذي يعيق مسيرة التعارف والبناء هؤلاء إزاحتهم بسلم رحمة لهم، فإن أصروا على المناكفة فسنن الكون لا تحابي والهلاك للقرى الظالمة مصير محتوم.

الجمعة، 9 أغسطس 2024

119 - الظلام لنا وحدنا

 رابط المقال في عربي 21 اضغط هنا 



"كنت أظن أن الذي يحبّني سيحبّني حتى وأنا غارقٌ في ظلامي، حتى وأنا ممتلئٌ بالندوب النفسية، حتى وأنا عاجزٌ عن حب نفسي.. سيحبّني رغما من هذا ولكن لا!.. لا أحد يخاطر، كلهم يريدوننا بنسختنا السعيدة.. الظلام لنا وحدنا" (أحمد خالد توفيق)

لفت انتباهي أن هذه العبارة مقتبسة كثيرا مع بعض التحريف لتبدو أكثر خصوصية بمقتبسها، ولا يذكر اسم قائلها، وهذا الأمر إن أُخذ بشكل أكاديمي فهو سرقة لحقوق فكرية، وربما تنظر للناقل نظرتك إلى السارق، بيد أننا اليوم في واقع معاناة ترك بصمته بقوة على الناس ولما يسلم منه أحد وفق ظني، إلا أناس أصلا هم كانوا أو أصبحوا يعيشون على الهامش هاربين من الأيام التي تتوالى، وكل يأمل في يوم أو عهد أو حكم آخر أفضل من سابقه بيد أنه لا يرى إلا الأسوأ وإن كان من أهل العهد الجديد، لأن الإنسان إن ظُلم من غيره فهو مظلوم، بيد أنه إن ظلم من نفسه فهو شيطان فقد المروءة، درى أم لم يدر، والظلم في وصفه قليل؛ هذه العبارة سؤال أكثر من كونها تقريرا، وحيرة تحتاج جوابا ولهذا نجدها منقولة معبرة عن حيرة من تألم في أحد روافدها ليعاني الغرق في نهرها مع الاختلاط بالروافد عند تفاقم الأمور.

الإنسان إن ظُلم من غيره فهو مظلوم، بيد أنه إن ظلم من نفسه فهو شيطان فقد المروءة


الحب ليس زرعا بلا بذور

الحب نوع من فاعلية الفؤاد المتماهية مع المنظومة العقلية وإن كان حبا عاطفيا وحسب، فهو يتفاعل مع الغريزة ويسخّر المنظومة العقلية للاستجابة للغرائز، وهذا لا يعني النوع معبرا عن الجنس بل حب السلطة وهي من غريزة حب السيادة، وحب المال من غريزة حب التملك، فترى هياما فائضا عالي الموج بين جنسين، ثم يهدأ وتتلبد الغيوم بلا رياح ولا حراك وتعصف بعد ذلك لتلقي كل شخص في طرف من جزيرة الوهم الذي ظنوه حبا، فيأتيه هذا التساؤل ليتوقف عنده وكأنه حقيقة الجواب.

وقد يهتم الناس بذي المال طمعا في كرمه، ولكن تفسيره هو أن هذه المحبة لشخصه دون أن يسأل نفسه ما هو المميز فيه ليحبه الناس لذاته، ولو أنه سأل نفسه هذا السؤال فهو مميز فعلا، عند تخلي الناس عنه سيذهب إلى هذا المنطق بمعناه وإن اختلف منطوقه ليقنع نفسه بأنه مظلوم وأن الناس يتخلون عنه وقت ظلام حاله.

الله تعالى وصف الحب بين الزوجين بالمودة والرحمة، فهناك عنصر الود ثم الحياة والتفاهم والاختلاف وصيغ مواجهة الاختلاف وتعوّد البعض على الآخر، وإن غضب أحدهما فهو لا يفجر أو يفقد الحنان، أو تكون هنالك رغبة في الانتقام، ويبقى أمام الواجب تلك القاعدة للصواب ولكن شاذها لا يقل عن ملازمها عندما تُهمش القيم، أو تتدنى الإنسانية، وإلا فهي رحمة، فالمودة تسقى مع الزمن ليكون هنالك التفاهم والواجب والمسؤولية تجاه الرفيق.

صراعات

الحب لا يزول وإنما يتحول شكله، كنت حسنا فكان تشجيعك ظاهرا، تحولت إلى طريق السوء كان دعمك بمحاولة إيقافك، وبذات المنهج يفسر وعلى نحو ما فصلنا الغنى والفقر والقوة والضعف في مسيرة الحياة


الحياة دار امتحان فالراحة هدف لا يحظى به أحد لكن الأمل من يدفع للعمل، فالكل مشغول في استحصال الاستقرار النفسي والعاطفي والتوازن العقلي والبدن يجهد والفكر يعمل، فإما هو محصن بالقيم قائم بها وإما هو مستعمر من الغرائز يخدمها والطريقان بممرات متعددة وسرع متباينة. والإنسان يمكن عند أي منعطف وفي أي وقت أن يتحول من طريق إلى طريق ليكمل مسيرة العمر نحو نهايته وينزل لتستمر الحياة تحمل أو لا تحمل منه في الذاكرة، فإن تصادف أن يكون دعمك ضمن الطريق فستدعم وتحمل، أما إن شكلت ظاهرة سلبية فستترك وتهجر، فالناس يريدون أن يتقدموا. والإنسان عليه أن يدرك أن المصائب والملمات من الحياة، لكل ما في الأمر أن يضع نفسه في حجمها الصحيح في المرحلة، عندها سيجد أنه ليس مهملا وليس يعيش الظلام وهو ليس وحده، أما التخلي فهو وارد وحادث لكن صنع نظام للمجتمع كدولة ونظام اجتماعي للعلاقات سيحيط بالسلبيات ويرفعها بالتكافل.

ما الذي يمكن استنباطه؟

الحب لا يزول وإنما يتحول شكله، كنت حسنا فكان تشجيعك ظاهرا، تحولت إلى طريق السوء كان دعمك بمحاولة إيقافك، وبذات المنهج يفسر وعلى نحو ما فصلنا الغنى والفقر والقوة والضعف في مسيرة الحياة.

الحقيقة أن من يحسن إدارة هذا -وأغلبنا لا يحسنها- فهو سيعيش الحياة بمرها وحلوها وليس من ظلام، مرة هو يقوم بالواجب ومرة هو من يحظى بالواجب، فالعبارة التي في العنوان هي وصفية ومعبرة عن فشل المجتمع بالامتحان.

الجمعة، 2 أغسطس 2024

118 - التأسيس والحركـــــــــــــة

 



رابـــــــــــــــط عربي 21 هـــنا

الحركة في ماهية الخلق:

من يدرس الكون سيجد أنه في حركة وبأنواعها، وهي حركة إهليجية سريعة وفق المعايير والقياسات البشرية، حتى الشمس التي تدور حولها كواكب المجرة تتحرك أيضا وكلها متجهة إلى حيث أراد الله لها مستقرا. والمستقر هو نهاية حياتها ورحلتها، بل المجرة كلها تدور وكل بحركته يشكل جانبا من الظاهر وديمومة الحياة والتعاقب الزمني والمعايير والقياسات والجاذبية وتغيير الفصول. وبالحركة توسع للكون وثبات، فالماء المتحرك الجاري لا يتأسن، فإن ركد تأسن مع الوقت. وبتتابع التقادم كما يشير الإحساس الذي تكونه كلمة (يتأسن وتقادم) لأن البكتريا والحشرات وما يسبب أسنه يكون فاعلا عند الركود.

التأسيس والإنبات:

الحركة أنواع وتسمياتها عدة تصف السير ورد الفعل، فإن أتينا للحركة في الحياة المدنية وما يتعلق بها من سياسة واقتصاد وأمن، وهذه أيضا مسارات، فهي مسارات إنتاجية أو مخرجات لكل منظومة في الواقع، وهذا ما يحتاج إلى تأسيس وتخطيط أو مسارات إصلاح أو صيانة لأمور ومنتجات تحتاج إلى صيانة، وهذه تلزمها المتابعة وإلا تهدمت واندثرت ولمّا تنتهي مهمتها زمنيا.

الحركة أنواع وتسمياتها عدة تصف السير ورد الفعل، فإن أتينا للحركة في الحياة المدنية وما يتعلق بها من سياسة واقتصاد وأمن، وهذه أيضا مسارات، فهي مسارات إنتاجية أو مخرجات لكل منظومة في الواقع، وهذا ما يحتاج إلى تأسيس وتخطيط أو مسارات إصلاح أو صيانة لأمور ومنتجات تحتاج إلى صيانة


والتأسيس يحتاج إعدادا وإرساء للجذور، للثبات وليس الإنبات لأن العواصف والرفض والتحديات كثيرة في تغيير وإصلاح الحياة، وما لم يك التأسيس جيدا والتجذير والارتكاز ثابتا فستنكسر المنظومة.

لننظر إلى أشجار الخيزران تطرح البذور وتسقيها لسنين لا ترى إلا برعما ثابتا لا يكاد يُرى، بينما تمتد الجذور على رقتها لتؤسس لنمو الخيزران، فبعد الصبر لخمس سنين تبدأ الحركة والنمو في الساق لترتفع مترا في اليوم أو أقل من هذا لتصل إلى ثلاثين مترا ومائة متر، وهي تقاوم الريح وتصمد لتحصد وتقام عليها الصناعات.

العمل المدني والفكري الحضاري كالخيزران لا يأتي عشوائيا أبدا؛ وإنما تنشأ له مراكز دراسات تسقى بالطاقات وتتغذى بالدعم المالي والفكري وتضع الخطط وتتعلم وتعلم وتقيم الدورات والندوات وتثقف الكوادر المعدة للبناء، ثم يمارسون القيادة للفكر والعمل لكن لا ينفصلون عن هذه المراكز التي تصوّب في الخطط وما يوجب التغيير أو الإصلاح وكيف تتغير المسارات وما هي الحلول عند الأزمات والمنعطفات.

معنى النجاح:

الأغلبية من الناس تقيم النجاح على مخرجات الإنسان وليس على تفاعلها مع البيئة وما أفادت منظومته أو منظومة المجتمع ككل، بل هنالك مقاومة وتسفيه وتجاهل واستخفاف بالمنظومات البشرية المنتجة للفكر أو التي تدل الآخرين على طريق الرشاد، لأنها منظومات تدعو إلى تشغيل وحركة وجهد للإنجاز والتغيير وليس لديها قوة إلا قوتها في الفكرة والعزيمة، وإرادتها مقيدة بفهم المجتمع وجهوزيته للنهضة، لهذا نجد أن من يهرب من هذه الطاقات من منظومة مجتمعه إلى مجتمع حاضن تبدو كفاءته واضحة وفاعليته متعاظمة، فيكتفي مجتمع كمجتمعنا الجغرافي بالتباهي بالمنجزات وربما لومه لما قدم في بلد آخر ولم يستفد منه بلده، والحقيقة أن هذا النوع من المتكلمين هم أحد أسباب تعطيل الطاقات لأنهم يتصورون أنفسهم يفكرون ويعملون بينما الحقيقة أنهم مرضى بالتكديس وليس الإبداع.

الجدل العقيم والنجاح:

من معالم الأمم المتخلفة هو الجدل العقيم وعبادة الأشخاص وتقديسهم وهم ليسوا أنبياء، وحتى الأنبياء يصوب الله أفعالهم وكلامهم بالوحي والقرآن زاخر بهذه التصويبات للأنبياء، فتقديس الناس من معالم التخلف وفشل للمنظومة العقلية، فأنت أمام الله فرد. تلك فكرة النهاية والرقابة والحساب، وأنت في الحياة ضمن مجتمع لا بد أن تبنيه بالصواب واتباعه وليس بجدل عقيم لا فائدة منه ولا مخرجات وتضييع الهمم والقدرة على تحويل المعطيات إلى عمل منظم.

الجدل مفيد في مراحل تكوينية عندما تناقش الفكرة قبل إنضاجها لمعرفة سبل تأثيرها وأين ستؤثر وما هي فوائدها الجانبية وأضرارها العرضية المتوقعة وكيفية معالجة أو الاستفادة من كل هذا كفكرة أولية، انتظارا لظرف العمل والتكتيك أو التخطيط المرحلي في إعادة النظر بالفكرة الموضوعة في الموازنة العامة لأي عمل، فالموازنة هي مخرجات التخطيط في نواح عدة والتخطيط في أمر جزء من الموازنة، 

البحث عن الفكرة الصواب هي حقيقة سلامة المنظومة العقلية وصحتها ونفعها للبشرية؛ أن العالم يتغير وهندسة الخليقة تنبهنا لهذا، فالكون قيامته بتوقف حركته فينهار كل شيء

فهنالك التخطيط في المال والتخطيط في الفكر وتوجهاته وكيفية طرحه بالعموم، وهنالك التصاميم في موازنة المشاريع وبحوث العمليات في التنفيذ والتي تعدل أثناء التنفيذ وفق مستجدات المعطيات، وهذا نظريا شامل للحراك البشري.

الجدل العقيم عند ركود الفكر عند ظن الاكتفاء والعالم يسير ويتحرك، تثبيت فكرتك مثلا عن فعل شخص عمره في العشرين، ثم تأتي بذات نظرتك ومصرّا عليها وأنت في الخمسين، ملغيا الزمن، كذلك خطابك لأمة في القرن الواحد والعشرين بعقلية القرن الثامن أو العاشر الميلادي، أنت تخاطب نفسك ولا تخاطب الناس. بدون أن تدرس وتعيد النظر والتخطيط فلا نجاح.

النتيجة من كان متدينا فإنه سيكفر الآخرين ويعتبرهم خارج الطاعة دون أن ينظر إلى أن خطابه ليس مناسبا، ومن كان علمانيا ومن أحزاب العلمانية أو فكرها فسيُخَوّن الأمة أو أي شخص يناقضه أو يطرح سلبية لقائد حركة يقدسه وكأن الباطل لا يأتيه من خلفه أو بين يديه، فهذا بسبب الركود عند زمان ومكان وفكرة ولم يتطور في ذهنه، واقتنع أنه سيقاتل العالم الذي يتغير بدل إصلاحه أو مراجعة فكره. إن كانت الغاية مما يحمل مصلحة بلده فليعلم أين المصلحة، فالعبودية للأشخاص هي بتنزيههم كالآلهة وعبادتهم بهذا التنزيه رغم أنك تسجد لله في ظنك، وأن البحث عن الفكرة الصواب هي حقيقة سلامة المنظومة العقلية وصحتها ونفعها للبشرية؛ أن العالم يتغير وهندسة الخليقة تنبهنا لهذا، فالكون قيامته بتوقف حركته فينهار كل شيء.

128 -نحو استراتيجية عراقية للموارد المائية

 رابط صحيفة الزمــــان الدولية المياه في العراق قصة مدنيات نشأت على الحوضين، وكانت الأنهار دوما تسجل في حياتهم الأساطير والى يومنا هذا؛ هو م...