الأربعاء، 1 فبراير 2023

44 - الزواج رفقة وليس عبودية

 





في مجتمعنا ظهرت أمورٌ تزيد من التفكك الأسري نتيجة فهم يقارب الخطيئة في معنى القوامة والعلاقة الزوجية التي تقتل المودة والرحمة واضحى الطلاق نسبة عالية لمتزوجين اشهر أو نيف من السنين، وصفة الزواج بعقد النكاح لإعطاء شرعية واضحة للعلاقة وليس لأنه ملتصق بالغريزة لصفته هذه، وهو عقد بين اثنين كاملي الأهلية والنضج العقلي وليس لإشباع غريزة فقط أو انه عقد تملك وعبودية وإنما لديمومة السلالة وإقامة مجتمع، فمعنى الزواج الموصوف بوضوح في القرآن انه علاقة راقية عقلية عاطفية متوازنة ووضعها ليس في باب الشراكة وإنما الرفقة التي يمكن مغادرتها مالم يحصل وفاق واتفاق، إن الإسلام إنسانيا وليس ذكوريا، أما تفسير الإشارة إلى المسؤولية (القوامة) وترجمتها بصيغة فوقية وسلطة يد عليا إنما هو تحريف عملي لمعاني القرآن في التطبيقات الحياتية بخلط سلوكيات متخلفة جاهلية بعد أن حفظ الله لفظه من التحريف.

[عن زيد بن أرقم:] بعثَ رسولُ اللهِ ﷺ معاذَ بنَ جبلٍ إلى الشامِ..........لَوُ كنتُ آمِرًا أحدًا أنْ يسجدَ لَأَمَرْتُ المرأةَ أنْ تسجدَ لِزَوْجِها. الهيثمي (ت ٨٠٧)، مجمع الزوائد ٤‏/٣١٣... وضعفه البخاري وجماعة

هذا الحديث  بمتعدد مراجعه ومتونه وتعدد روايات حالته وظروف طرحه كثرة من علماء الحديث ضعفوه وقليل من قال صحيح حسن، وبعضهم أسقطه، والمطلع على علم الحديث يجد أن هنالك شروط وأحوال تنقل الحديث من درجة إلى درجة ربما ترفع من الضعف إلى الصحيح والعكس صحيح، لكن مقارنة الحديث مع جوهر الإسلام ونوع العلاقات سنجد انه حديث اشتهر رغم أحواله لأنه يعطي للرجل شيئا، وتجاوزوا انه مسبوق بحرف امتناع لامتناع وهذا يعني انه ليس موجودا أصلا وإنما استطرادا في الحوار لا يبنى عليه حكم، هذا الحال لم يك واقعا في سير الصحابة الكرام الإعلام كالراشدين وأهلهم، ولن ينفع أن يكون في واقعنا ولا يحتج به إلا من ضعفت شخصيته وزاد ظلمه، والرجل الذي يظلم المرأة إنسان فاقد للمروءة وحقير، فالرجولة أن ترفع من مقام زوجك ووجودها وسترفعك حتما عند هذا لتسد نقص تفكيرك أو ضعف عيشك أو ضيق الدنيا ورخائها فالمرأة ينبوع عطاء وسلم ارتقاء إن كسرته بقيت وضيعا.

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21، الروم)، والتفكر عند العقلاء والأصحاء وهو تحقيق المراد من السكينة وليس الاعتداء والإرغام بالقول والعمل أو عبودية

والبعض يفسر الآية التالية على هواه باجتزاء من اصل المتن {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، والدرجة هنا ليس للتفضيل وإنما ما مطلوب من الرجل اكثر لتحقيق للاستقرار من جديد بعد طلاق، وليس الاستشهاد بها لتحقيق سلطة ذكورية وهمية لا تقبلها شخصية الفكر الإسلامي في جعل العلاقة علاقة رفقة والرفيق هو من سرت وأياه في طريق لا تخضعه ولا تستغله ولا سلطة لك عليه إلا بحكم اللياقة والتفاهم، وهذه لله الحمد متاحة في نفسية المرأة التي هي عنوان العطاء والعاطفة والود؛ فعطاء المرأة ومساهمتها في القوامة أي المسؤولية صدقة أما الرجل فواجب عليه لا منّة ولا فضل إن قصر حوسب من أهل الأرض ومن الله، وقد وردت الآية السابقة في سياق الطلاق والافتداء؛ (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) حيث إن الطلاق حقُ الرجل في إنهاء الحياة الزوجية دون رجوعه لأحد، بينما الافتداء حق المرأة في إنهائها، لكن بإشراف الولي؛ كضمانٌ لحق المرأة ومنعٌ من ابتزاز الزوج إياها وليس حجرا لرايها أو استخفافا بقرارها فهي ذات أهلية وحق والآية لا تجبرها على الرجوع أصلا لكن تعطي الرجل فسحة للتراجع إن طلق لحماية النسل.

وعلى أي حال لا يُفهم من قوامة الرجل تسلطه على المرأة أو إذعانها له، وإنما تبقى العلاقة كما قررتها الآيات بنيانها السكينة والمودة والرحمة، وكل ما يرد مخالفة لمنهج القرآن ينبغي أن يكون فيه نظر كاللعن لمن لا تحقق رغبة بلا رغبة فالعلاقة هي اكتفاء لاثنين وليس حق للرجل فقط واللعن ليس لمؤمن.

إن سوء تصرف بعض الأزواج واحتجاجهم بالذكر الحكيم هو تلفيق على الله وكتابه، وتشويه لسمعة الدين الحنيف لا تقل عن إبداء الإهانة والاستهانة بكتاب الله كالتي يفعلها بعض الحاقدين؛ بل سلوك هذا البعض من الرجال يجعلها تزيد لأنها تحرف معانيه في بناء المبادرة والسلوك والنموذج وتشوه مقاصده وتميت النظام الاجتماعي في العلاقات الأسرية وقوته بسبب مرض الذكورية الذي يعاني منه البعض أو الأمراض النفسية التي يفرغها في أهله بدل رفع الضغط عنهم، أو كسل البعض عن البحث في المثاني القرآنية.


الاثنين، 30 يناير 2023

43- أخطاء سلوك الاحتلال البريطاني

 أخطاء سلوك الاحتلال البريطاني

مراجعة إيجابية



مقدمات

لست بصدد الذهاب الحديث عن التاريخ البعيد لبريطانيا، لكنها كدولة حديثة تماما عندما أعلنت ما بين 1 مايو 1707 و1 يناير 1801 ليعقد البرلمان في 22 يناير؛ ولندع التغييرات التي حدثت في القرن العشرين بعد تراجع بريطانيا واستقلال المستعمرات، عندما تتأمل ما يذكرك بالسيدة تاتشر رحمها الله وهي تعبر عن موثوقية عندما تقول هذا دستورنا لكتاب فريدريش حايك، فهذا يحتاج تأمل لأنه يعتبر خارج الحداثة التي تمثلها الولايات المتحدة التي كانت تاتشر تقول عنها أنها نتاج الفلسفة، بينما بريطانيا نتاج التاريخ، فقد تلاقحت بريطانيا وثقافات متعددة لتكون بريطانيا المختلفة عن بقية الدول الغربية لتكون عقليتها مميزة في الغرب لكن لنتوقف عند نتاج التاريخ والسمعة التي صنعها إعلام الاستعمار حينها في رفع القيمة وإشعار أهل المستعمرات بالدونية، وهو من مقتضيات السيطرة عليهم، لكنه أيضا من أسباب الثورة، لأنه اتخذ منهجا أصم وهو عكس ما يمكن إن اسميه (بالتماهي الإيجابي) عندما اندمجت أقوام متعددة من القبائل الأصلية والانكلوساكسون والنورمانديين ليكونوا أمة لا تتردد أن تجعل من تراثها شخصية كريتشارد قلب الأسد الذي لا يتكلم الإنكليزية، وتعتبره ملكا رغم أن بعض المؤرخين يعتبره يمثل دوقية فرنسية لم يستقر على الأرض بقدر ما خاض من حروب لصالح الفرنسيين، أو قبول فكرة أن يكون رئيس الوزراء من اصل هندي وهي المستعمرة القديمة.

بريطانيا وأخطاء التاريخ (الاستعمار للعراق نموذجا):

سبق التخطيط لاستعمار العراق من البريطانيين الحرب العالمية، ولكن تشكيل العراق بشكله الحالي كان نتيجة لإحدى تطبيقات سايكس بيكو في التحول من التقسيم العرضي إلى الطولي، كانت بريطانيا تخطط قبل الحرب العالمية في ضم ما تسيطر عليه ، باعتباره ضرورة مع تطور المدنية ومتطلبات التجارة والمواد الأولية، ربما لم تك بغداد في المخطط هذا، ومن خلال حكم ذاتي أو ضمها إلى حكومة الهند الشرقية التي يديرها البريطانيون، لكن حصول الحرب وضغط المتطوعين الجهادين مع الدولة العثمانية أوجد حالة ضرورة لاحتلال البصرة التي لم تستغرق وقتا فشجع هذا للتقدم إلى الكوت، التي قاتلت ببسالة فاتت بريطانيا بقوات انكسرت عند المدائن وأعاد العثمانيون البريطانيين إلى الكوت، لكن لم يكملوا فتتابع التقدم البريطاني إلى الفتحة وهي حدود ولاية الموصل ومن ثم دخلت القوات البريطانية سلميا بانسحاب الأتراك دون معارك، ولم تنجح بريطانيا بالملخص لاختلاف لغة التفاهم وفقدان الثقة ولو سعت منذ البداية لتقوية العراق الغني بالموارد البشرية والطبيعية لبقت في الصدارة.

بريطانيا كمساحة نصف مساحة العراق، رغم أن سكانها الآن ضعف سكان العراق لهذا فهي تستعمر وتبني لحاجتها مما في المستعمرات فاستثماراتها في الموارد البشرية والطبيعية والجغرافية قائم لحاجتها فهي استعمار إن أردنا التمييز عن الاحتلال الذي لا يبني، لكن هذا الأسلوب لم يعد صالحا، وممكن تحقيق علاقات تكاملية لكل الدول من خلال الاستثمار والتنمية بالمشاركات (J.V)

أخطاء بريطانية:

1_ لجوء البريطانيون إلى العنف واستقدام أقواما أخرى تبحث عن إقامة وطن أو مكاسب لقتال أهل الولايات واستخدام الهند الشرقية في البدء بحركة استعمارية جعلت من بريطانيا محتلا مشكوك في سلوكه المدني.

2_ استخدام الهند الشرقية نقل تجربة الحاكم البريطاني من الهند إلى العراق تجاهلا لاختلاف الشعب في البلدين من حيث الطبائع والانتماء، ففي الهند أتى الإنكليز وقضوا على حكم المغول الذين كانوا يحكمون الهند وحلوا محلهم واستطاعوا إدارة التشظي وإقناعهم بالحكم الذي استخدمهم في الجيش وفي الحكومة بوظائف ثانوية، هذا مختلف عن قدومهم على دولة بها مسلمون وتحكمهم منظومة إن اختلفوا مع حكامها فهم لا يختلفون مع شرعيتها، فكان لابد أن تدار من أناس يعرفون طبائعها لا أن تأتي بهنود حاولوا أن ينقلوا عوائلهم ليؤسسوا لحكم البلاد، رغم أن بعضهم ترك بعد ثورة العشرين ليذوبوا في المجتمع العراقي.

3_ لم تركز أن ضباط الملك هم ضباط في الجيش العثماني، لهم رؤيتهم الخاصة من منطلق المملكة الكبيرة التي تضم كل البلاد وليس العراق فقط، فعندما حصروا في العراق بدأت شكوكهم في نوايا المستعمر ووعوده ولا شراكة بدون نوايا واضحة وشفافة، ورؤية سلوك بريطانيا المتجاوز لعصبة الأمم وقراراتها بتغطية إدارة الهند الشرقية بدل الحكم بصيغة مباشرة جديدة ونوع جديد من الاتفاقيات وليس تطبيق تجربة تكونت من شعب آخر مختلف الثقافة، فكان عداؤهم للوطنين لانهم يعتبرونهم ضد هيمنتهم رغم أن هؤلاء ممكن أن يكونوا شركاء لمصلحة بلادهم، عداؤهم لطه الهاشمي وياسين الهاشمي المواليين للملك وغيرهما هدد النظام لانهم لم يدعموهما بترددهم الكبير أمام حركة بكر صدقي الذي كان ضد توجه الملكية في حقيقة الأمر واعتبر الإنكليز شكوك الأخوين وأخرين من النخبة بنواياهم أمرا مبررا للتردد وهكذا سوء إدارة وفهم للثقافة المحلية أدى بالنتيجة إلى انحسار طموحاتهم بشركة النفط ليُسَلَّم البلد للعسكر.

عقلية المستعمر أضاعت شريكا أكبر حجما ومواردا، ولو أنها استمرت مع أحلام الملك الشهيد وعائلته حيث بدأ دوار الدم، ولم تأت بالمغامرين كما أتت أمريكا بالفاسدين لكان مفهوما أنها سياسة كما يزعم وتفوق في التخطيط، لكن ما نراه كنخبة من مستعمرة سابقة أن هذا ليس فشلا في السياسة وجمود عن التطور في ميكانيكية إدارة المستعمرات التي ينبغي أن تتحول إلى شراكات وليس تسليمها بيد المغامرين والفاسدين، بل هو إرادة إبقاء التخلف وعقلية عدمية لا تختلف جوهريا عن محتل لم يأت ببناء.

الفكرة المركزية من المقال: 

هنالك اختلاف في لغة الفهم من الأجانب مع أهل البلد والأدهى بين أهل البلد بينهم وأنفسهم فبناء الدول لا يأتي إلا بالتفاهم وعقد اجتماعي يتخلى الكل عن أفكاره السلبية والفئوية التي تجعله قابلا للانفجار والاستعمار؛ بتثقيف المجتمع على الاندماج وهو امر ليس عسيرا، فالمجتمعات كلها خليط (وبريطانيا نموذجا) تنجح مدنيا في ضفاف العدل وتفشل إن شحنت بالروابط الهابطة براكين الاختلاف وضربنا في بداية المقال على اندماج مع الزمن وتجانس خليط متعادي لا يتجانس، كما أن فكرة الهيمنة التي تحكم عقلية الغرب لابد أن ترتقي كمطلب من متطلبات الزمن لتلتفت إلى المشاركات المدنية (J.V).


الجمعة، 20 يناير 2023

42- قراءة في مزرعة الحيوان

 




قوانين المعاناة

عندما تكون الحالة النفسية سليمة عندي فلا أتوقع أن أوقف بقرة لتعلمني قواعد الإدارة، أو انبهر بنهيق الحمار وابحث عن مقاصد عميقة في نهيقه، لكن هذا ما يحصل فعلا عند انبعاث الصراصير فإنك ستسمع أسئلة عن الكيمياء من عريرها وكيفية تحويل الأجواء المليئة بالأوكسجين إلى جو مشبع بالميثان، إنها الهزيمة التي تجعل بغلا يتفاخر بنسب أبيه ويتحدث عن الأصالة مثلا، ونحن نضرب مثلا بمخلوقات الله التي لم تخلق لتتماشى مع خيالنا، فهي مخلوقات لها مهام وفق التوازن البيئي، وان ما نريده منها هو خارق للطبيعة إن فعلته تذهب الطبيعة إلى الدمار ويصبح الإنسان مشروع تلاشي ولعلنا والحال هذه نستذكر رواية مزرعة الحيوان التي بدأت بحلم رآه خنزير عجوز "ميجر"ثم ليحققه ثلاث خنازير طموحة؛ عندما أخذت الحيوانات دورا غير دور خلقها في قراءة أخرى لتلك الرواية العميقة، والتي لم تخرج صاحبها ليصنف ككاتب روائي بل بقى صحفيا عند من يقيم هذه الدرجات، مع عمق تلك الروايات التي كتبها ولكن من يبحث عن وضع الناس في صناديق لن يمكنه تقييم عباقرة كجورج أورويل كما سمى نفسه.

الحيوانات التي ثارت بعد الم وجوع وإهمال من السيد (الإنسان) وعماله الكسالى وسيطرت على المزرعة كما في الرواية سنت قوانينها الطموحة والتي تعبر عن معاناتها من السيد (الإنسان)، لكن الخنزير سنوبل الذي وضع القوانين وكان متضامنا معه الخنزير نابليون الطموح من غير كفاءة وسكويلر البوق الإعلامي العتيد، لم يكونوا قد مارسوا الحكم فما لبثت القوانين أن تمطت لتعطي معاني استرخاء عن الفكرة الثورية إلى السيطرة الفردية، عندما يطرد نابليون التافه سنوبل بواسطة كلاب مدربة من سلالة كلاب السيد الإنسان  متهما له بالعمالة للسيد الإنسان منذ البداية دون تفسير أن يكون هو قائد الثورة وعميل في آن؛ فيصبح قتل الحيوان للحيوان ممكنا أحيانا، وارتداء الملابس ممكنا والنوم على السرير ضرورة .

تقاعد التكنوقراط

انتهت حياة الحصان بوكسر التكنوقراط المتفاني في عمله، والذي لم يكن يكف عن ترديد جملة "الزعيم نابليون دائما على حق"، على يد زعيمهم نابليون، حيث قام ببيعه، لكبر سنه وتدهور صحته، لجزار الحيوانات بائع اللحوم دون أن يرف له جفن. امتعضت الحيوانات لما حل بالحصان، فحدثت فوضى واختل القانون لبعض الوقت في المزرعة لكن استعادة نابليون وسكويلر لسيطرتهم على الحيوانات المغيبة امر سهل.

إن المخلصين والتكنوقراط الذين يعملون ولا يهمهم من يحكم يكونون دوما ضحايا الشذوذ والفوضى والفساد؛ رغم انهم أناس يعملون ولا يسألون عن جهدهم لكنهم يهملون عند أول فرصة يتمكن الفساد بها من إبعادهم، وهذه سنّة ثبتها القرآن في حالة فجة من الشذوذ والفساد "فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" بينما الفاسد منهم يبقى متمكنا كذراع للفساد مقابل الفتات وذاك ثمن بخس. 

الإحساس بالظلم لا ينشئ فكرا وإنما يكون دافعا لتهيئة الجيوش لطغاة مازالوا يستثمرون الألم لركوب زفرات الحزن نحو قلاع وزنزانات وجلادين، وان غياب الخطة القريبة والبعيدة يجعل الحراك فاشلا ليس بالضرورة أن يسقط وإنما أن يرتد إلى ما أنكره الثائرون على من ثاروا عليه فكان سببا لثورتهم عندما نفترض أن النوايا سليمة، وهكذا يحاول نابليون أن يقلد السيد الإنسان فيسير على قدمين ليكون شعار السير على أربع "حسنا"، متحولا إلى أن من يسير على قدمين "أحسن"، وأسوأ الناس من ينسى ألمه عند رخاء، لان ألمه لم يك لإحساس باهله وبيئته ؛بل كان الم الحسد للظالم وتمني مكانته وذاك تمام العبودية للحاجات والغرائز بلا حدود.

معادلة خماسية

لم يتحقق للحيوانات إزالة الظلم بل عاد بشكل الطغيان، ولم يك السبب هو الإنسان وإنما غرائز حب السيادة والتملك ذاتها ولم يك نابليون ولا بوكسر ممثلان لأقصى اليمين واليسار ليستمرا بنجاح، ذلك أن المعادلة تحتاج حضور العوامل الخمس والنجاح حاصل ضربها ببعضها واي منها تنخفض قيمته يؤثر على الجميع أو يعطي الصفر علامة الفشل الحتمي ما لم تعدل المعاملات.

احتمالية النجاح = الحس بالحاجة للتغيير والتطوير للذات (وتشمل ثقة الجمهور) × الخطة المرحلية وقريبة المدى والتي تحدّث بتكتيك التنفيد× الرؤية بعيدة المدى كاستراتيجية إصلاح وتغيير يتعامل مع الزمكان× المــــــــــــــــــــال × أناس تفهم الفكرة وآليات تطويرها والا تموت مع معدها أو تجمد زمكانيا عنده=1.

القيم ليست رقمية وإنما وجود (1) والغياب (صفر)، وإذا أردنا أن نحصل على أرقام لنسبة نجاح متوقعة فلابد من إعطاء وزن لكل عامل من مائة ثم جمعها وهنا يكون للقيادة والإدارة دور هام.

التقليدية

الجهاز المعرفي في حل المشكلات له أهمية كبرى حيث يلجأ معظم الناس إلى التقليدية وتحقيق الغايات رغم خطورة المغامرة في عصر التقدم التقني ولا يتبنى الحديث الذي هو أدق وأفضل وأنجع، وهذا سيكون مشكلة عندما يفكر بهذه الطريقة عناصر مهمة كالطبيب والمهندس عندما لا يجلب التقنية الأحدث وأصحاب الفكر في استدعاء الماضي كرد على الإخفاق في الحاضر وإبعاد حقيقة أن الفكر الأم يلد الجديد مع العصور.


الخميس، 5 يناير 2023

41- الثقافة في الجهاز المعرفي

 





الثقافة في الجهاز المعرفي

الجهاز المعرفي في المجتمعات كافة هو كم من المعلوماتية والمعايير التي ترسخ في المجموعة البشرية لتشكل ما يمكن أن نسميه مجتمعا وان كانت كمية الاختلافات والتناقضات في محتواه كبيرة حجما ومتسعة مسافة ما بين اليمين واليسار، لكنها تتفق في أنها تنظر إلى الأمور وكأنها ثوابتا وتميل لتقديس كل شيء فكرة أو راي وهذا لا يختلف كثيرا في التطبيق العملي ما بين متعدد الأفكار لان من يتحكم بها الغرائز وليس إعمال المنظومة العقلية.

(حاول أن تتعلم شيئاً واحداً عن كل شيء، وكل شيء عن شيء واحد) - توماس هنري، هذه المقولة حصرت الثقافة وجعلت نغمة فكرتها بالتطبيق سدا منيعا أمام التغيير والتطوير، ولست بصدد مناقشتها لكنها مقولة رنانة محتواها مقفلا في أوله وطوباويا في آخره، فمعرفة كل شيء عن شيء قد تتخذ في إيقاف الجديد المبتكر عن التبني في مجتمعات لم تبلغ النضج أو تقع أمام من يظن أن معرفته هي المعيار وان لا جديد إلا ما ينتجه.

أما تعلم شيء عن كل شيء وعزوف الناس في مجتمعنا عن القراءة الجادة، فهو سيلتقط شيئا عن كل شيء وفق فهمه، ويعتبره بطبيعة الجهاز المعرفي والميل للتقديس وتعاريف معنى الثبات على الراي والمتانة ومصداقية المعلومة بثباتها وليس بتطويرها، فسنجد حتما أناسا تتحدث وتناقش المختص في اختصاصه وتسفه رايه وهي لم تتعلم إلا معرفة انطباعية عن شيء مما هو مختص به، بل هذا الشيء ستجد له أفهاما متعددة وربما تسبب جدلا عقيما فليس هنالك استعداد لنزع القدسية عن المعلومات المكتسبة.

الجهاز المعرفي عند مجتمع ما يقف أمام التجديد وقبول التغيير خصوصا إن لم يفهم بان التحديث من مقوماته؛ كما يجهل المسلمون وجوده في الإسلام بل الفهم بضده رغم وضوح نصه، وغالبا ما ينتقل الجهاز المعرفي مع الإنسان وان تغير المجتمع الذي يعيش فيه وهنا تبدأ عملية من الصراع قد تفشل في التفاهم مع المستجدات فتبدأ هجرة معاكسة ليعود إلى حيث هاجر عن بلده أو مجتمعه الأول.

الانتقاد والنقد ما بين القيمة والسلوك

حينما نتحدث عن السلوك السلبي وننتقده هو أو أي ظاهرة أو تصرف أو سلبية في مجتمع ما فإننا لن نحدث التغيير لان تبيان المشكلة لن يحل المشكلة أو يفرض حالة التغيير عليها بل تبقى مسالة راي مصطدمة بالجهاز المعرفي الذي يتبنى السلبية التي يراها أي من يشخصها وهي في الحقيقة إفرازات التهاب لمرض مجتمعي نتيجة تكلس الرتابة وعجزها عن المواكبة لحديث حاصل أو تحديث مطلوب، لذا فلابد عندما نعالج أن ننتق أي ظاهرة أو فكرة، أي تبين الإيجابية والسلبية وما هي تكاليف التغيير أو إلغائها المادي أو المعنوي، وهذا مؤشر للتغيير المطلوب فعلا وتحديد اتجاهه ضمن دراسات ونقله إلى المجتمع بخطاب عقلي لا يناقش السلبيات بأسلوب الانتقاد وإنما يوضح التغيير الفكري ويزرع القيم الجديدة والفهم الجديد، وسنجد اثر ذلك حتما تدريجيا في تغيير السلوك بقناعة لتحل منظومة صالحة محل أخرى، وهنا لابد أن نكون حريصين أن لا نقنع الناس بانهم سيمتلكون الحقيقة ا وان ما تعلموه من الثوابت، وإنما هي الحياة تعني التغيير بالنقد لا الانتقاد، والمفهوم وليس السلوك الذي ينفلت عادة عندما تستثار الغرائز كحب (التدين، التملك، النوع، السيادة).

مؤسسات الثقافة:

لمؤسسات الثقافة دورا كبيرا مهملا في واقعنا بل مشوها، فعندما تتحدث عن الثقافة وضع انطباعا ذهنيا أنها الموسيقى والغناء والفلكلور وغيرها، بينما لا تجد الفكر الذي ينشئ السلوك الذي بدوره يظهر معالم ثقافة الأمم سواء بتأثير قيمي عميق حضاري أو بتأثير قيمي متمدن.

هذا السلوك يأتي من بناء الفكر ومهمة الإنسان كوجود لوجود أهمية لوجوده؛ وهذا يتطلب حوارات هادفة وتطوير للفكر البشري وشرح للمهام الآدمية وكيفية التعامل معها سواء كفرد أو مجموعة أو مجتمع بدولة وقوانين، وما هو مطلوب من المجتمع كوجود، وهنا تكون مؤسسات الثقافة فاعلة عن طريق نشر الأفكار التجديدية التي تعيد الأمل والثقة للإنسان بذاته وأهمية كينونته وأهميته كآدمي بإرساء برامج هادفة إحيائية بالتوأمة وقنوات بكفاءة قناة الجزيرة مثلا.

إنك لن تكافح سوء الخلق بانتقاده، ولا المخدرات بتبيان مساوئها، الم ترى أن علبة السكاير كتب عليها انه يؤدي للسرطان فأصبح المكتوب عليها تلك العبارة هي المفضلة للمدخن!

إنما مكافحة السلبية تأتي من خلال دراسة نفسية المجتمع وما هي أسباب إدمان البعض أو شذوذ تصرفاتهم أو خلقهم أو سلوكياتهم، وهنا تأتي الأمور عن الجهة القانونية والردع والتثقيف من طرف آخر، لان الردع يثير الغرائز الحاكمة، أما الإرشاد فيخاطب المنظومة العقلية والمنظومة العقلية لا تخاطب عندما تغيّب

إن الشجرة المريضة تصبح عشًا للحشرات تضع في شقوقها بيوضها وعلى لحائها تتغذى اليرقات ... ولا يمكن أن تزال تلك الحشرات بالكلام عن مساوئها أو التقاطها بالملقط بل بمبيد للحشرات، لكن طلي الشجرة للوقاية لا ينفع إلا السليمة. 

الخميس، 8 ديسمبر 2022

40 - قـــــــــــــوارب يقظـــــــــة فكـــــــــــــر

 



القــــوارب:

الامة بكافة اتجاهاتها علمانية بمسمياتها وإسلامية بفروعها، تعبر عن حالة غرق لقوارب مهترئة لم تعد صالحة للإبحار في الحياة، والحديث عن الأفضلية هو حديث في الصندوق واجترار للفشل المنطلق من نقطية التفكير لا شموليته، والحاجة ماسة ليقظة فكر جديدة للامة وفكرها الحضاري الممثل لحالتين:

1.   الحالة الأولى انه فكر يمثل حضاريا هوية الامة، وفيه قيم تعرّف السلوك.

2.   الحالة الثانية انه يمثل مفهوما حضاريا أيضا يراد ان يكون له واقعا مدنيا وهو العدل وواقعه يكون بالإنصاف للإنسان بما كرمه الله تعالى وكدولة تطرح المساواة امام الناس بالعدل وليس بفكرة المساواة بالعطاء، وتحدثت عن هذا في مقال سابق (مواضع العدل والمساواة والانصاف)[1].

نحن اليوم نحتاج الى ثورة فكرية حقيقية في نفض غبار التاريخ وركوب قوارب تمخر في الفكر وتنقي ما رسبه التاريخ من كوارث فكرية مزقت الامة بسيف حاد شتت الانسان بين ازدحام الأيدولوجيات وتتبع كتبا بشرية حتى في الدين وضعت كشروحات بعلم زمان مضى نفعت حينها وأضر الامة أولئك المقلدون الذي وضعوها في قدسية تغلبت على كلام الله وهي فعل او كلام بشر، وتركوا القرآن وطياته (مثانيه) ومر الزمن ولم يفتحوها وانما استمروا بمنهج الشروح على الشروح، بل بات كل جديد محدث وضلالة والضلالة وصاحبها في النار تكرر الى يومنا، وبقينا نرفض الجديد الى ان يتمكن فنبرر له وجوده، لكن بقت التربية النفسية والعصبيات تصيب الجميع إسلاميين وعلمانيين حتى باتت العلمانية دين ضد الدين بفهم المتخلفين ممن يصفون انفسهم بها.

كيف نقيم اليقظة بفكر الامة:

أولا: الإسلام منهج حياة: الفهم ضرورة، ان الإسلام منهج حياة بمعنى انه دليل وليس مجموعة من القوانين التي يقولها مفسرو عصر سابق او اجتهادات لخلفاء او ملوك، وانما نحتاج الى فتح طية كمنهج لعصرنا وهذه تليها طيات وطيات ليستمر متجددا وبمفكرين مجددين على مر الزمن.

ثانيا: العدل وليس الكرسي: ان مفهوم الحكم ليس بتسميته وانما بماهيته، فالحكم اساسه العدل والعدل هو حكم الإسلام وان لم يكنَّ بالإسلام

ليس حكم الإسلام ان يسمى بالإسلام بلا محتواه ويعمم الظلم.

ثالثا: الإسلام صالح لكل زمان ومكان: ان الحكم مؤسسة وليس شخص وبوجود التقنيات الحديثة فهي منظومات تباعدت ام تقاربت تكون مؤسسات لا قدسية لها ولا طاعة عمياء وانما تحاسب كما تعمل ضمن نصوص قوانين توضع وفق مقتضيات الزمكان، وهذا معنى الاسلام صالح لكل زمان ومكان.

رابعا: الاهلية والكرامة الإنسانية: ان الانسان لكي يحاسبه الله فلابد ان يكون له كامل الاهلية، وهو ما ينبغي ان يوفره له (نظام العدل والانصاف)، وخياراته محترمة ككرامته والدولة توجه نصحا وليس بفرض القرار، فالله جل وعلا وعظ عباده ولم يأمر إلا بضروريات لا تقبل الهوى كالعدل والإحسان والصلات بين الناس والدولة تحمي مواطنيها من التغرير بهم او الضعف من خلال ضعفها هي بتحسين معاشهم وتغذيتهم أخلاقيا لتساعد سلوكهم الى الصواب.

خامسا: الدولة تخطط (ولا تسمح باستنزاف مواردها البشرية من جشع الشركات المستثمرة): الدولة لابد ان تضع تخطيطا لكل شيء وتوظف عندها من يتطوع للعمل معها وتتيح منافذ العمل بتسهيلات للأعمال والاستثمارات وفق نظام يجعل لمواردها البشرية ان تُستثمر من كل داخل للاستثمار في البلدان، لا ان يستعبدوا ويمتصوا ثم يتركون بلا حقوق او مصدر عيش بعد ان يستنزفون.

سادسا: جدلية الحضارة والمدنية: كما لا يحقق الهوية ولا العدل ان تستورد فكر الامة وهو من أسباب الازدواج الذي فيها وتبلد الإحساس وهلامية حضورها، بينما أبنائها يبدعون حيث وجد القانون والنظام ويحترمونه، وهنا تأتي المدنية وقوانينها، وان لا يبني شيئا كنقل عشوائي وانما وفق تخطيط وتدريب مجتمعي وتوعية والانتباه لكل حركة وخطأ مهما كان صغيرا وتربية النشأة على المصداقية والصراحة لا المراوغة وكيف يتخلص من اثر القوانين، وهذا كله مرة أخرى يحتاج للعدل والمصداقية وإزالة اثر المحسوبية والانحراف وخيانة الامانات ثم الذهاب بعدها والنوم مرتاح الضمير، ولكي يكون المعنى واضحا الخص معنى الحضارة( انها فكر الامة وهي تتوسع وتنمو ولا يتغير اصلها وجذرها) والمدنية (هي تراكم الجهد البشري وتجاربه في العلوم والإدارة والسياسة والتكنولوجيات وغيرها)

سابعا: الجميع عليه ان يفكر وان يرتقي بعيدا عن تقليد الماضي او الشرق والغرب، حتى بات الجميع رجعيا متخلفا عن جدلية يقظة الفكر المطلوبة

خلاصة القول: نحن بحاجة الى تمرد على تخلف أنفسنا، واستعادة الهوية وإقامة العدل بالإنصاف، وإزله الرواسب والكف عن تقديس التاريخ وتقليد تجارب الاخرين بعبودية واغلاق للمنظومة العقلية فقد فعل كل مجتهد لعصره سواء إسلاميا ام لبراليا ام شيوعيا ونحن في امة لم ولن تنهض بالتقليد والتبعية العمياء، وان ما نحتاجه هو الاجتهاد ويقظة المنظومة العقلية في مسار نهضة الامة والحديث مَنْطِقُهُ الحاجة والامل.

 

 

                                                                                   

الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

39 - الشطط والإصلاح الفكري

 


قضاء وقدر وسنن:

ليست الخليقة عشوائية بل هي في قضاء محتوم كحركة الكواكب والمجرات وما نراه في الطبيعة من بعض صفاتها، وهو قدر مقدورا من الأرزاق والأقوات للناس وتدار حركته بسنن الكون التي إن اتبعت فهي من فضل الله على عباده إن سخرها لهم، وان لم تتبع فالسوء من الإنسان نفسه على نفسه، ومن فهم سنن الكون وأدارها سار في الحياة ناجحا كمنظومة آدمية؛ ومن لم يفهمها ظلم نفسه عندما لم يفعّل منظومته العقلية لفهم الصواب فزل كما زل آدم، ولا علاقة في الأمر لمعتقد أو دين.

كيد الشطط:

الشطط هو الخروج عن الصواب ومن يخرج عن الصواب فهو شيطان، من اجل هذا سمي إبليس بالشيطان، فليس الشيطان هو إبليس وإنما إبليس هو شيطان كذلك كل من خرج عن جادة الصواب، ليس له من تأثير على النفوس إلا بقناعاتها، ولا يحدث الضرر بها إلا من خلال استجابتها للإغراءات وظن ان الصالح عند الطواغيت في الشطط والطاغوت قد يكون هوى النفس المتبع أو قناعات نظنها هي الصلاح، فالشطط لا تسوله النفس على انه امر سيء، فلم يقل إبليس لادم انه سيخالف الله إن اكل من الشجرة، بل قال له إن لك فيها الخلود وملك لا يبلى، فاضر آدم بنفسه وزوجه عندما اقتنع بهذا القول ونسي انه يحدث مخلوقا حقودا حسودا طاغ في الأنانية، فاتاه من الأنا التي يدرك هو كيف تكون نقطة الضعف، وأثار غريزتي التملك والبقاء بالخلود ثم لتاتي غريزة النوع وهكذا كان آدم وكان الامتحان لكل ذريته لمنظومة عقلية هي ميزة آدم على الخلق بالإبداع وان لديه القدرة على الاختيار وضبط النفس والسيطرة على ذاته وهو مبدع بنّاء ومن شط فمخرب شيطان انس.

قل هو من عند أنفسكم:

يتعذر البعض عن الخطأ بانها انزلاقه بدفع إبليس في اعتقاده، لكن حقيقة الأمر أنها شطط نفسه وذاته، فاتباع الأهواء ورغبات النفس من خلال الغرائز وليس المعالجة العقلية هو الشطط بحد ذاته، فالغرائز تستعمر منظومة العقل ما لم تدرس الأمور وتقاس وفق القيم، والا فكلما صدرت نزوة من احد أو رغبة او أي شيء مهما كان عمقه ثم نفذ دون مراعاة للقيم الأخلاقية والمجتمعية التي تتجاوزها ثورة الغريزة، فان بيوتا تخرب ومصانع تتوقف، وحروب بلا معنى تغرق البشرية وهو ما يحصل فعلا، هكذا يكون الشطط ويكون الإنسان شيطانا لان ما حركه هو الأنا والغرائز وأدار بمنظومة عقلية مكلفة بالبناء للحرث والنسل فجعلها مدمرة للحرث والنسل.

واقعنا اليوم:

ما نراه من فوضى ليس إلا إفساد في الأرض، وقد يقول قائل إن هذا رقي في العلم والتطور التقني أعطى التمكين للقوي، لكننا رأينا سرعة تفكك الأواصر وما بدى انه متماسك، ما يحصل هو إبداع المنظومة العقلية لكن بقيادة الهوى والشطط، فقيميا ليس إلا تحوير لعقلية النياندرتال في التعامل مع الحياة، فيبدو الشطط وديعا في مجتمعه لكنه مدمرا لغيره وهذا ليس رقيا وإنما انحرافا بمهام المنظومة العقلية.

لكن الحضيض ليس بالظلم وإنما بالاعتقاد أن الظلم يبقى مهيمنا وان كيده قويا مترابطا، فالظلمة هي ظلام التفكير الذي يوحي ألاّ نورا قادم وأن الظلام دائم وان النور لن يولد مع بزوغ آخر لشمس الحقيقة فذا من سنن الكون وكل ما علينا السعي للفرصة صناعة وليس انتظارا، فتمام عقم الإصلاح هو الانتظار.

ما المطلوب:

المطلوب هو الإصلاح الفكري قبل مناقشة السلوك المنحرف والتصرف السلبي، فليس من الفهم أن أرى نفسي حكما على الآخرين، وليس من الصواب وانا مصلح أن أرى في كلماتي دعوة للكراهية من اجل الرعوية وباسم المحبة والتميز بها، فواجب المصلح والإنسان عموما البحث عن الصواب وليس أن يثبت انه الأفضل وان ما يعتقد هو الصواب وكل الشر فيما عداه، فهذا لب من حقيقة الشطط التي تقودها شياطين بلبوس القيم، ودعوات باسم الديانات المتعددة في الأرض، والفوضى في زي الاستقرار فهم كمن يقول للناس "جئتكم بالخلود وملك لا يبلى"، ولكن واقع الأمر أننا نرى كل ما عكس ذلك فهو إفساد يحتاج مراجعة وإصلاح وتوبة كتوبة آدم التي علمه الله كلماتها وكل كلمات التوبة صحيحة إن فهمنا معناها واردنا أن نبني ونعمر في الأرض ونقيم السلالة فهي ملك الإنسان في الدنيا وهي لهذا المالك امتحان.

الآدمية مطلوبة:

عندما نستخدم منظومتنا العقلية في الشر فإننا نرى ما نرى، لكن المطلوب أن نستعيد انفسنا ليس ملائكة بلا أخطاء كما يتصور البعض في المصلحين، بل إنسان ممكن أن يخطئ ويصيب لهذا العمل الجماعي مهم والتعارف مهم بين كل الناس باختلاف وتنوع عقائدهم، لكن من اجل هدف ليس رفض الآخر وإنما كيف ننجح كمنظومة يعلم صانعها أنها ليست تفسد فقط وإنما ممكن أن تكون أداة إصلاح وبناء، ضعفنا حقيقة متى التجانا لغرائزنا وأهوائنا، ولكننا اقويا ءان نظمت هذه الغرائز والحاجات نتفاعل نتسامح مع تصويب التطلعات؛ لا نكون عدميين عندما يخطئ مصلح نهدم كل ما بناه، فالكمال لله وحده شيطان انس من ادعاه

وفي موقع كتابات


https://kitabat.com/2022/11/30/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b7%d8%b7-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1%d9%8a/



الأحد، 20 نوفمبر 2022

38-التباس النخب في معاني الرأي والرأي العام

 

الرأي:

عندما تتحدث وجمع من الناس سيتردد على مسمعك (هذا رايي، واحترام الراي واجب، والخلاف في الراي لا يفسد للود قضية)، كلام يقارب الترديد بالتقليد، فاكثر الناس تعبر عن رد الفعل وانطباع عن موقف ما بالرأي بينما هذا ليس رايا، فالراي يتكون عندما يكون عندك بوابات نقد تحمل صفة تفكير النقد، والنقد ليس معناه الانتقاد حتما، أي تبيان المساوئ، بل النقد كتبسيط لمعناه هو عرض الإيجابيات والسلبيات لأي فكرة ، وحقيقتها أنها عرض الإيجابيات والسلبيات ليس من وجهة نظرك إليها وحسب بل من وجهة نظر من يطرحها كحجج منطقية متشكلة بعد تفكير يظن من فكر انه تفكير عميق وهذا يعتمد على آليات التقييم والقيم الحاكمة إن وجدت، عندها سيتحول انطباعك عن الموضوع بما قد يخالف ما تكون أول مرة إلى راي وهذه النتيجة خالية من الأنا وإنما هي عملية علمية عقلية بحتة لهذا فهي لا تفسد الود لان لا علاقة لها بالود، واحترام الراي كمخرجات تفكير علمية ويرد عليها بمخرجات تفكير عقلية وليس بالتسفيه أو التقليل من شأنها وهذا ما يعنيه احترامها.

والراي مهم لأنه يعتبر ركيزة تتحول كحقيقة موثوقة علميا مالم تدحض بالتجربة والبديل وخلاصة عندما تدخل التجربة ومعترك الصراع السياسي أو الاقتصادي وتنجح لزمكان ما، لكن الراي ليس موقفا عقديا أو قيميا وإنما هو من مخرجات التفكير بالدليل العلمي وان كان يتحد مع البحث العقلي الاستقرائي والاستنباطي لكنه اساسا علميا لا يعتبر ولا يؤدي إلى ثوابت أو مواقف حدية لا تقبل الجدل والتراجع، وادراك هذه التفاصيل مهما لان ما يجري في واقعنا من مآسي هو الذي يتعلل به الفاشلون بالثبات على الموقف باعتبار رايهم موقفا وهذا ليس صحيحا وفق ما ذكرنا.

الراي العام:

الراي العام هو انطباع وايحاء بالراي وإقناع بالتعامل مع الغرائز والحاجات من أناس يجيدون هذا باساليب علمية أو مخاطبة تلك الغرائز مباشرة لاستحصال راي عام مؤقت لفترة مؤقتة حول قضية أو حزب أو امر يحتاج إلى دعم للثبات في سوق السياسة والاقتصاد، بالعموم هو راي يتشكل عند عامة الناس أو راي شعبي غالب وبه عدة أنواع تعتمد على منطق الاستقبال للفكرة والراي أو ما يمكن أن يكون كرد فعل وقابلية الناس على رد الفعل أو العمل الإيجابي، وقد يكون راي عام دولي يستقطب لفكرة يقودها طرف ما دفاعا عن قضية تهم البشرية أو يكون لها زرعا في الاهتمام الدولي وحصادا للنتائج ويمكن أن يتكون نتيجة التقاء المصالح المتعددة في الانحياز لراي أو فكرة.

أنواع الراي العام:

الراي العام ما بين ظاهر وباطن يعتمد على قوة وفاعلية الحراك الشعبي لإبراز أو إخفاء الراي خشية إظهاره، وهو غالبا ما يكون عند شعوب العالم المتخلف متدنيا بغياب معنى الدولة وان كان بها تراتيب ومسميات إدارية وليس من الغرابة أن يصرح اثنان في لقاء واحد برأيين متناقضين وكل يصر انه يعبر عن راي الجمهور بل عموم الشعب.

الراي العام السلبي وهو في وجهين إما تلقي الأحداث والمطروح بالانسياق وراءه بحثا عن مصلحة مرتجاة أو اتخاذ جانب الانتقاد بلا أية دراسة أو أفكار بديلة وإنما رفض كل شيء إما كرها بالمقابل أو عجزا عن تقديم حل أو الرغبة بالسعي لتحقيق المطلوب، أو قبول كل شيء نتيجة الجهل والأمية أو المعتقدات المتخلفة والتي تخاطب غريزة التدين سواء كانت دينا أم لم تك فهي تدخل في باب التقديس وغالبا ما يكون هذا في مجتمع مفكك بغلب عليه قصر النظر وأحادية النظرة والركض وراء متطلبات الغرائز والحاجات، وهذا مجتمع ميت يتنفس ممكن أن يكون وقودا لأي مغامر أو دجال، أو صراعات عبثية من اجل رفض الآخر.

الراي العام قد يكون ليس بحثا عن الحقيقة وإنما المصلحة ومحكوم بالجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والتشابه في النظم بين الدول.

معظم الأمور التي ترتكز إلى غير الفهم هي توافقات مؤقتة ومشاريع بركانية خامدة محتملة الثورة في أي وقت، فراي الأغلبية تجاه فكرة اقتصادية أيا كان هو تجاهل لحقيقة عند الأقلية قد تكون أنجع فعلا، والتوافقات هي تحييد لمشاكل فاعلة لكن دون إطفائها.

أين النخب:

إن كنا نعني بالنخب كتلة التأثير فهي حاضرة دائما لأنها من يصنع المشهد غوغاء أم رعاع أو نبلاء حملة الفكر والقلم ونظريات الاقتصاد والسياسة.

أما إن كنا نعني النخبة الإيجابية في المجتمع السلبي أو المفكك وفق ما وصف سابقا، فان هذا لا يعني الطبقة المنتقدة المتذمرة السلبية والتي تلقي عجزها على الجمهور، ولا يعني الإيجابية المتفاعلة مع الواقع لتعضيده، ولا السلبية المتفاعلة مع الواقع في تعطيله بإضرار البلاد والعباد.

ولعل المفكرين هم الأسوأ حظا عندما يظنون بان النخب ممكن أن تصنع من خيالهم أو فيه فيخططون لها أمورا لا يمكن إلا أن تكون جهدا عبثيا يعبر عن هفوة فيلسوف أو مفكر وهذا الأمر يحصل تكرارا.... فلا يمكن أن تكون الأدوات الفاسدة منارات إصلاح وان تمكنت فهي تتمكن لتفسد، ولا يمكن أن يكون العاجز قائدا لأنه لن يأمل أكثر من كرسي يرضي غروره.

النخب التي نعني تضع الآليات وسبل إدارة الأزمة ليس تبريرا وإنما وفق تخطيط وتدبير لقيادة الواقع نحو ما يحبه الشعب ويصمت عنه، وللأسف هذه النخب شحت مع الزمن وغلبة المصالح والغرائز على النخب نفسها فتصطف في الجانب السلبي من مصلحة الجمهور لأنها لم تعد تبني على علم وإنما يغرها أن تتجمع الناس وهي تقرع كالطبول.

 

                                                                                                          محمدصالح البدراني

https://arabi21.com/story/1475713/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AE%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85



104 - النشوء والارتقاء في الامم والافراد

قراءة الاصــــــل عربي 21 انقر هنا من فضلك الله خلق الكون وفق قوانين ما زال العلماء يكتشفونها أو يضعون نظريات وتجرب فتفشل ليضعوا غيرها، فيثب...