التوبة:
أحيانا التوبة تكون عنوانا رئيسا وسببا مهما بل شرطا لنجاح شعب أو عشيرة أو أي مجتمع، ويكون خداع الذات والمغالطة وما سنتحدث عنه سببا في ديمومة وتعاظم منظومة تنمية التخلف.
التوبة هي قرار ذاتي لاسترجاع وضع قريب لما بعد الخطيئة، وهو يفوق إيجاد العذر للخطأ ومسبباته بتحمل المسؤولية وإزالة أو ترميم ما نتج من آثار، فليس ممكنا أن تجبر المجتمع على احتواء قاتل يبرر جريمته أو ينكرها وهي ثابتة عليه ويراه المظلوم أمامه متمتعا بعائدات أعقبت الجريمة.
في مرحلة البناء والاستثمار بالذات أو عند فشل في تخطيط سلمي أو حربي؛ إن خروج متصدي حزب أو فرد أو قائد معركة أو رئيس سلطة وهو يتكلم بلغة إنشائية ويبرر دمار للمدنية وكوارث في الفكر الحضاري والثقافة المجتمعية والنسيج الرابط للمجتمع، وهذه أسس تكوين أمة تقوم عليها الدولة؛ لن يفيد كلام هذا المتصدي وهو يلقي اللوم على الظرف أو على الشعب أو شريحة منه بل عليه أن يقف أمام ذاته في نقد ذاتي لرؤيته وآليات تنفيذها.
ما بعد تصويب الواقع السياسي وإزالة الظلم تجري عملية تسوية الحقوق والمظلومية وهي ما تسمى بالعدالة الانتقالية، وهذا النوع أيضا يعتبر توبة عندما يتعلق المعنى بواقع وقانون ومجتمع.
التحديات ملازمة لأي منظومة:
التحديات جزء لا يتجزأ من الحياة وتواجه أي منظمة أو منظومة، من الفرد إلى المؤسسات إلى الدول إلى المساحات الجغرافية وعموم الأرض وحتى علاقة ما خارج الأرض بالأرض، فكله نظام متكامل لتتوفر الحوافز وواجب الإصلاح والفاعلية عبر الأثر ورد الفعل من البيئة ليعيد تغذية المنظومة وإلا لتوقفت الحياة.
أمة واهمة:
أمتنا ليست نائمة وإنما واهمة تعاني من العيش على الماضي وفيه وما سطر التاريخ من سلبيات ليختلفوا عليها ومن إيجابيات فيتفاخرون بها، ومن علوم ليقدسوها، لكنها حياة أشبه بالهلوسة في واقع مدني متطور وعالم يحتاج ما هو متوفر عند هذه الأمة.
حُيّدنا كأمة وتخلينا عندما توقف الإبداع والاجتهاد والتعامل مع الحياة بالنظرة الكلية لتكون حياة رتيبة، فُقد الدافع، لم تعد الاهتمامات واحدة، تغيرت معايير المسؤولية وحدودها. العري الذي بات واقعا رفضناه فكيف يمكن أن تتعرى أمة راسخة وقوية وتبدل عندها تعريف القوة في الذهن المهزوم؟ فهو سيتمسك بمجد مضى ولا يبحث عن تطوير الذات، ويزداد البون إلى أن وصلنا إلى واقع تستورد سلاحك ممن تعاديه وتظن أنه سيزودك بسلاح يمكّنك منه أو من حلفائه، فأسراره معلومة ومضادات له مصنوعة، ومع عقلية تفتقد للسياسة تصبح عملية التطور لدرجة المشاركة في إنتاج المدنية مسألة تتداخل والخيال، ولا يتاح جو للمبدعين فلا بد لهم من الهجرة ليبنوا من هناك.
وما زالت بعض فضاءات التفكير الحالمة تظن أن السلاح الذي يعطى لنا يتجاوز في مهمته وجيوشه أكثر من الفتك ببعضنا، جيوش وجيوش أو شعوب ومنظمات ليست مؤهلة أو لها مهام وهمية فتتجه إلى الفساد، وكأنه يريد عندما يقلد أن يلحق ويسبق دونما تخطيط أو معرفة أولوية المنظومة العقلية والفكرية وفهم الأمور، بل إن بلداننا كما ذكرت هي طاردة للطاقات التي تصنع الحياة.
تشخيص خاطئ وفعل عاجز:
عندما نشخص لا نجلد الذات كما يقال، فأمتنا أمة خيرية بعقيدتها لكنها لا تفهم دينها حقا وجمدت على أفهام سلبية لا تسمح بالتجديد واستدعت الخلافات التاريخية، البعض الإسلامي يكفر، والعلماني منها يخوّن الآخر، فالجهاز المعرفي واحد وإن تعددت واختلفت العقائد، لا قدرة على التفاهم والحوار، ثم نقول إن أعداءنا هم من يكيدون لنا ويفعلون هذا بنا، وكأننا آلات أو روبوتات يحركها هذا وذاك، أو أن الأعداء ليس من حقهم الكيد لك وإضعافك، وأن القوة من تصنعها أنت وستنتصر حتما في جانب ما، فالانتصار ثمرة جهد متجمع والحرب معارك في التكتيك والحرب في التخطيط العام والاستراتيجية.
هل من قائد وقف عند الفشل واعترف بأنه مخطئ وأن عليهم أن ينظروا في أخطائه ويخرج، اللهم إلا إن ضمن وعبأ الجماهير ليعود خاضعا لإرادة شعبه الذي يمجد البطل المهزوم والمخطط الفاشل، وأن النقد ما لم ينته بالانتصار والأشعار من قصائد الانتصار بفشل الأعداء إزاحة القائد المغوار؛ لن يكون إخلاصا ولا وطنية!
ما هي الخلاصات:
1- مواجهة الفعل وانتقاده غير متاح عمليا، ويعتبر الاعتراف بالخطأ هزيمة بينما هو أول خطوات إعادة التقييم لتقويم الدرب، وأن نهضة الأمم تقوم أساسا على عوامل منها النقد والمراجعة.
2- نقدس المتسلطين لدرجة نجعل منهم آلهة وأنهم لا يخطئون ويصدقون هم بدافع غريزة حب السيادة وطغيانها ما يعتبرونه من حقهم، لدرجة أن القتل الرحيم يعتبر مكرمة لمن ينتقدهم.
3- اعتبار تشخيص السلبية اعتداء على الذات، وينبري من يمتدح الأجداد ومفاخر الأمة وإيجابيات تاريخها بما يستوجب اعتذار الناقد الذي أصابه الشطط.
4- نعيش في الماضي بعجز عن صناعة المستقبل ونختلف عليه، بل نعيد خلافات اختلف عليها الأجداد ولم تعد موجودة لنوجدها ونوجد بيئتها ونقتتل عليها بسلاح مَن تطور ويحتاج هكذا سقما في العقلية ليجرب أسلحته بأموالهم وخيراتهم، فترى دولا غنية شعبها جائع أو حكاما كما في أفريقيا محض وكلاء لاستخراج النفائس والمعادن وتسليمها لمن نصّبهم مع إبقائهم معرضين للخطر الداخلي؛ وهم يحتاجونه لبقاء سلطاتهم بدل مصالحة شعوبهم.
إن الأمة بحاجة إلى إعادة كشف حساب حقيقي وأن تسمح لمفكريها بأن ينقذوها، بدل الذهاب في مخدرات استحضار التاريخ وسلبياته ونسيان الحاضر والمستقبل بهذا الأفيون الذي يستغله الطغاة وكهنة الآلهة ببعديها التاريخي والعصري، وهياكلها ويطورونه ليقيدوا به المنظومة العقلية، بحيث يبقى نفوذهم في ثنائية ثيوقراطية وإن كانت علمانية، ولا يهمهم أن الأمة تفقد وجودها وتعيش على هامش الحياة في جوع وجهل ومرض.