الديمقراطية في تعريفها الأساس طوباوية غير ممكنة التحقيق وهي (حكم الشعب بنفسه لنفسه)، فهذا لم يحصل أبدا، ديمقراطية أثينا التي استبعدت الأجانب والنساء والعبيد وفق قيم اجتماعيه في النظرة الى المرأة والعبيد ليس هنا مجال شرحها، ولم تك النظام المحبذ لدى طلاب سقراط لان النظام هذا يحلب الغوغاء عندما تسود الغوغائية والرعاع البلاد، وحسب ويكيبديا أن الأثينيين كانوا نحو 300 ألف ولم يك يحق للتصويت إلا نحو 30000 أو 50000 أي رسميا نحو 20 % من السكان، ومع هذا كان هنالك إحساس بالظلم رغم أن الانتخابات مباشرة وهي اقرب للديمقراطية كفكرة نظريا، فانقطعت واستعيدت، واستمرت الى 440 ق.م حيث دخلت اسبرطة لتقضي على الديمقراطية، فنظام إسبرطة نظاما عسكريا يعتمد الإخضاع والإذلال للعدو وهو شبيه بالنظام العسكري الأمريكي والذي لا يظهر بوضوح إنما يراه من يقع تحت الاحتلال، وهو يتماهى والمشاعر البدائية التي تجدها عند الجماعات المتطرفة المتخلفة التي تشبع عندهم غريزة حب السيادة فيشعرون باللذة التي لا تلبث أن تتحول الى أمراض نفسية إما بالارتداد نحو يقظة الضمير أو الاستغراق بالجريمة.
ولعل من المبالغة وصف الديمقراطية الرومانية بالمباشرة ما خلا الرومانية القديمة الى أن أتت لاحقا الأباطرة كيوليوس قيصر ثم سلطة مجلس الشيوخ (القناصل في الجمهورية) ومن أشهرهم أنطونيوس ماركوس وكان من مساعدي يوليوس قيصر وفابيوس الذي انتخب قنصلا خمس مرات أيضا كدكتاتور مرتين وفق معلومات ويكيبديا
النظام الديمقراطي في العصر الحديث:
ليس غير سويسرا تتبع نظام الديمقراطية المباشرة، في استفتاء الشعب.
في الولايات المتحدة كنموذج يبدو اليوم في وضوح الديمقراطية بحسناتها ومساوئها، وليس ممثلا لها بمحافظتها كبريطانيا، فان الأحزاب من تقرر الشخصيات التي تحكم البلاد والشعب يختار من بين المعروض الى أن وصلنا اليوم الى ترامب وبايدن وكان الولايات المتحدة عقيمة ليس فيها غيرهما، وبعد تراجع بايدن سنجد احتمال أن تكون كمالا هاريس المرشحة والتي ستواجه ترامب والأرجح في تقديري أنها ستفوز في الانتخابات ليس لانها افضل من ترامب فهو رجل ميزته انه من أصحاب المصالح ممن يمكنهم الظهور والا فهما ليسا مختلفين من حيث الثقافة العامة أو نظرتهم الى العالم والجغرافية.
المجتمع في أمريكا ظهر كمدن تأتلف على أشخاص يديرون أمرها ثم تكونت الدولة الكونفدرالية ثم الفدرالية لكن هذه المجتمعات بدأت تدريها عمليا القوى المتنفذة ورؤوس الأموال والذين يؤثرون في اختيار من يرعى مصالحهم.
وعندما ظهرت الأحزاب فهي أحزاب برامج ومدنية لها برامجها في التنمية وترعاها طبقة من أصحاب المصالح سماها كارل ماركس (الرأسمالية)، والنظام كله آليات دائمة التحديث لحماية الرأسمالية ومصالحها وضبط الأفعال عند الجمهور ليكون راس المال آمنا والتنمية والسوق فاعل وتثبيط أي شعور بالغبن أو إحباط فاعليته التي تؤدي الى ثورة أو فوضى معيقة للأمن الذي لا يمكن لاي مدنية أن تنمو بفقدانه، وكل ما نراه هو ترجيح المصالح وإدارة التوجهات لتحقيق افضل حالات الاقتصاد للولايات المتحدة التي يثبت اقتصادها سلطة الدولار الذي تثبته القوة العسكرية وإمكانية الردع للمخالف لها، وان بدأت روسيا اليوم تتعامل بالروبل إلا أن القاصمة إن اتفقت الصين ودول أخرى على التعامل بغير الدولار، وربما الدول النفطية الأقدر على إنجاح هذا التحدي إن استخدمت عملة ترتكز على النفط في الوقت المناسب وهو ليس الى ما لانهاية مع التقدم التقني والعلمي؛ وهذا قد يبدو غريبا إلا انه بالتأكيد يعتمد على مدى فاعلية روسيا في حربها على أوكرانيا والتي تتردد في حسمها لان الغرب لن يتردد في دخول خرب عالمية من اجل ألا تفوز روسيا.
الديمقراطية بالخلاصة اليوم اختيار وليس انتخاب، وهي لا تمثل الشعب وإنما الأحزاب، لهذا نرى الاضطراب في دول العالم الثالث ما بين بركان يغلي وبركان متفجر، أو خامد لا تعلم متى يطلق حممه، كل هذه الفوضى من نظام عالمي ينقصه العدالة وليس العدل فقط.
لماذا كمالا هاريس:
ترامب شخص يغلب عليه الغرور مع السطحية، وهذا امر خطر عند العقلاء ولا شك أن أصحاب المصالح عقلاء في اتجاه مصالحهم، فهم يريدون أن تمضي مصالحهم مع واجهة مطيعة، وفي هذا الوقت والتوتر العالمي لا يحتمل النظام الأمريكي المفاجئات، لان معاناته كثيرة وهم لا يخافون أن يبدأ ترامب حربا، بل قد يخافون ألاّ يبدأها فالرجل من خلال سيرته ينمي المال ويستدره باستغلال نقاط الضعف والخوف عن الآخرين، فيستثيرها ويتعامل بطريقة اسبرطة مع من يظن انهم أدنى منه وانهم يملكون ما لا يستحقون وليسوا إلا سوقا لبضائعه وهذا خطر جدا إن صدر قرارا من هذه الدول بعكس الاتجاه، لكنه يحترم القوة عند ايران وروسيا، اللذان يبدو انهما لا يدركان ذلك بتأكيد وإنما يختبران ردود الفعل ويثبطاها، وهي فرصة للدولة الأمريكية العميقة أن تزيد معاملات معادلة النجاح في إخضاع الدولتين.
كمالا هاريس كانت تمتحن في فترة توليها نيابة بايدن والأرجح أنها كانت تنسجم مع إرشادات الخطوط العريضة لأصحاب المصالح لذا لم نجد أي تردد في ترشيحها مباشرة، فهي مناسبة اكثر من الجميع، وحتى لو فاز بايدن فانه كان سيترك الرياسة متنحيا لها غير انه وصل حدا لم يعد به منافسا منطقيا يحقق المنطق الديمقراطي عند فوزه، فكانت الحركة الأخيرة التي ستبقي المصلحة وترامب لن يفوز أبدا بمنهجه القديم المستخف بالآخرين وزمن الاعتراف بالقدرات ضروري بعد طوفان الأقصى، الذي مازال فعلا ليس له رد فعل في البلاد المحيطة بغزة، غير أن منطق فوزه إن بقى بايدن هو الأرجح بعد حادثة اطلاق النار وتعاطف السطحية الغالبة التي تقدس لمسات الإثارة في مشاهد واقع الحياة
ومع هذا فهنالك سياسات كثيرة سيعاد النظر فيها بما يسترجع من توجه الى الجمهوريين وترامب لأهمية ذلك في المرحلة الحرجة القادمة، لكن هذا سيفرض تغييرا منهجيا في الحزب الديمقراطي.