التأسيس للفكرة: انقر هنا لتقرأ النص الأصلي على عربي 21
من الطبيعي أن أي حزب لديه أيديولوجيا، هو حزب يجتهد بالحلول ويعد بتطبيقها إن كان في السلطة، وتسمية الأحزاب باسم الدين، إن غالبت التعريف بالمنهج فهذا قطع للجسور والأمل بفشل العمل، أو حتى بنجاح يعقبه استبداد. لذا فليس من قدسية للأحزاب العاملة في السياسة، ولا ينبغي أن تفرض نفسها للبقاء، إن عجزت زاعمة أنها تمثل بقاء الدين، فالفشل في الحياة المدنية هو فشل أيديولوجيا من الأيديولوجيات أو نجاحها، وانتهاء مهامها وترك المجال لأيديولوجيا إصلاحية أخرى، وإلا أصبحت مكان المستبد، ومكان منظومة فاشلة تقدمت هي لتزيلها.
فالأيديولوجيا في حزب يعتمد الخط الاشتراكي، هي أحد الأفهام باتجاه الشيوعية، ونمقت القول باتجاه العدالة الاجتماعية تعسفا على مصطلح العدالة الاجتماعية؛ لأنه مصطلح يخص شريحة اجتماعية، سواء الإسلامية يرتكز إلى تحريك الجماهير ضد النظم ثم السيطرة على الحكم؛ بواسطة الطبقة الكادحة والعمال، أو بواسطة المؤمنين الذين يتحركون بدوافع الدين، فهما يريان أن لا سبيل للقضاء على الظلم إلا بالقوة أو التدين الغريزي. وهذا أخطر من حراك الفاهم لدينه؛ لأنه يمكن أن يوجه للتخريب، بينما الفاهم للدين تحدده مسارات لا يتجاوزها باجتهاد بشري.
الحركات الشرقية شاملة للناس ممتدة غير قُطرية، لهذا، فهي عمليا تتجاوز النظام الوستيفاتلي، رغم أن هنالك الآن دولا كبرى تسمح لنفسها باحتلال دول وتغير النظم إلى أسوأ مما كانت عليه النظم السابق، بدل أن تساعد في تطويرها، إن كانت تعني الأهداف المعلنة، لكن عقلية الرأسمالية لها الأهداف نفسها بأساليب وآليات أخرى.
الواضح من وقفة ضرورية عند هذا الحد، أن نثبت أن العالم كله بحاجة إلى إصلاح آدميته قبل كل شيء؛ لأن المنظومة الأخلاقية إما محيّدة أو مفهومة بطريقة لا تؤدي لقيادة الواقع.
حجج البقاء:
عند فشل النظم الاشتراكية، فهي لا تذهب لمراجعة حقيقية أو لمكان حقيقي، فهي لم تؤسسها مراكز دراسات وإنما رأي قائد أو مفكر، فلا يوجد آلية للمراجعة ولا أدوات، وإنما هنالك ما يشبه التقديس عند المتدينين للرمزية وصلاحية الفكرة، فيتهمون الشعب بالتقاعس ومن ينتقدهم بالخيانة، بينما المتدينون يتهمون الشعب بضعف الإيمان، ومن يخرج عليهم لتصحيح المسار بالكفر، إن كان متدينا يحمل أيديولوجيا أخرى؛ لأنهم أيضا لم يؤسسوا بمركز دراسات أو يمتلكوا آليات للمراجعة والمتابعة والتصويب والتخطيط، وتحديث الأهداف من أجل الغايات.
المراجعة والتحديات:
التحديات مسألة طبيعية لكل منظومة ولكن ينبغي أن تُحسب، وليس أن يُنشغل بها وتُترك الأهداف أو يضعف العمل بها فتتعرقل الغايات. فالرأسمالية اليوم تتداعى كمنظومة آمنة مع طغيان الليبرالية الجديدة، نتيجة فشل النظام الرأسمالي كأيديولوجيا في تحقيق الرفاهية، بسبب تطرف أصحاب المصالح في استغلال التطلعات وجهد الإنسان، كما فشلت الشيوعية التي كانت تبني أيديولوجيتها مرافقة لاستعداء الطبقات بعضها على بعض، وأنها سرقت الأدوات عبر التاريخ، كما فشلت منظومات أيديولوجية إسلامية من خلال تقديس الماضي، بدل الاعتبار وفقدان المنظومة للاعتبار والاكتفاء بالتأقلم، فتبدو مزدوجة مخيفة تخفي الشر للغير.
وهذا ليس حقيقة، فهي تعيش اضطرابا بسبب الاجتهاد والتجديد، وخوفها من تعديل أفكار منقولة، فتجامل جمهورا متدينا بغير فهم الدين، وهو الأغلبية، لكيلا ينفض عنها، ففضلت التماهي بدل المصارحة التي قد تؤدي للقعود، وفقدت حتى مجالات العمل المفتوحة مع بعض الحكام والنظم؛ لأنها لم تضع أيديولوجيا مناسبة حاضنة بل منافسة، وربما منافسة لأيديولوجيات من منطلق ديني، فهنالك من ينطلق من غياب الشريعة ويريد أن يعيدها، فما إن يتمكن حتى يدخل هذا للتنفيذ، مستحضرا عصورا ماضية والناس قد تغيروا، فهذا قالب مثله مثل قالب الشيوعية ومن ينادي بها، ومثل الرأسمالية ومن ينادي بها، فالأمة ليست متهيئة لهذا، وتحتاج أن تختار، وأن تفكر، وأن تدخل جدلية ترتقي بفكرها وفهمها.
فلم يُنجِ الشيوعية أو الرأسمالية أن تقول هذا علم ولا ينبغي نكرانه، ولا أنتم مؤيدون للإمبريالية وخونة، ولا أنتم شعب غير مؤمن، وبعضهم يقول كافر لمجرد مخالفته بفكرة بسيطة، فإغلاق باب الحوار والاعتبار هو خنق لأي أيديولوجيا.
كيف الصواب للإسلاميين؟
أخص الإسلاميين هنا لأني أرى أن الإسلام منظومة إصلاح ومحبة وتعاون بين الأمم، وليس كما يشاع من كراهية وإلغاء وحروب وإقصاء. وهذا معلوم مدرك، حتى إنه مذكور بوضوح في سورة يوسف وفي الرعد، ولا أدري لِمَ لا يفهم أصحاب الأيديولوجيات أن المؤمنين بهذا هم الأقلية، وأن الإصلاح قدر الاستطاعة، وأن الوكالة لله وحده، وأن المسلم ليس مسؤولا عن معتقدات الآخرين إلا بحمايتها، إن كانت في دياره، وحمايتها لا تعني الوصاية والتدخل بها، وإنما حفظها من قوي متجبر.
الصواب بالفهم للدين وليس عواطف التدين، وبالفهم وليس الحفظ، وبالدين وليس التدين ومظاهره سواء عبادات أو هيئة أو صوت عال.
تعريف المهمة أنها تهيئة الناس ليختاروا مع الحرص على أهليتهم؛ لأن الله يحاسب الناس أفرادا وعند اختيارهم، وهم أصحاب أهلية لمنظومتهم العقلية التي يختبرها الله وليس نحن.
لذا، ينبغي أن يسري وعي في المنطقة العربية والإسلامية بنوع من التفاهم بين الحاكم وهذه المنظومات بشكل تبادلي، والناس سيرتقون ومنهم الحكام أنفسهم، فهم سيسمعون ما يقال، والحوار قد يكون له منظمات ودواوين من باب ثقافة المجتمع وبفهم للأصل، وليس تغليب النقل عن عصور لم يعد لأحكامها وجود في الواقع، فكان الانفصال بين عقلية الناس ونفسيتهم، حتى الوعاظ والحاملون للراية يتساقطون في الاختبارات؛ لأن الواقع غير ما هو في منظورهم.
إننا لسنا بحاجة إلى الذهاب للغرب والشرق محاربين، أو اعتبار المجتمعات المخالفة أعداء، ولا ينبغي أن يقف العالم من المسلمين موقفا معاديا، متى ما فهم الجميع أن الحوار مطلوب، وأن المؤامرات والإفساد وتسيّد الجهل والجهلاء والفساد والفاسدين على المجتمعات في الشرق والغرب، هو عمل لا يليق بالآدمية، وينقص من أهلية منظومتها العقلية.
إن إبليس ليس له منظومة آدم العقلية، فالإنسان سيكون أكثر شرا من إبليس، إن سخّر منظومته للشر فهو مبدع ونرى مثل هذا، لكنه إن بالغ في طيبته فسينافس الملائكة وهنالك مثل هذا، والمطلوب هو أن يكون آدميا يستخدم منظومته العقلية بشكل متوازن وسطي، كذلك كان أبونا آدم، وكذلك الفرق بين قابيل وهابيل.