الجمعة، 21 أبريل 2023

57 -هل آن الاوان لتقاعد الاخوان

 



فشل منظومة الحداثة

عاملان يتفاعلان مع الإنسان بتأثير متبادل، هما الحضارة وهي في معناها الفكر المشكل للهوية وإطار الثقافة للأمة مهما تنوعت أو تعددت في تركيبتها، والمدنية التي هي تراكم للجهد البشري ككل لكنه يتطور في كيان مدني؛ دولة أو بقعة جغرافية عن غيرها وبأشكال متعددة. فنحن نرى بلدانا كالولايات المتحدة والصين تتصدر تنمية المدنية وتتسابق بها لدرجة تبدو أنها تفقد السيطرة على مساراتها، وتأخذ الدول الأخرى كالدول العربية دورا استهلاكيا، بينما هنالك دول نامية في ثورة التنمية كتركيا وكوريا، ويمكن أن تجعل اليابان في رأس القائمة لبعض الإنصاف؛ وتقدم في جوانب عسكرية إضافة لجوانب صناعية مثل باكستان والهند وايران.. التصنيف هنا ليس على الصناعة فحسب وإنما الكفاءة ومعالم التطور.

الولايات المتحدة التي حاول سياسيوها الانعزال عن امتدادهم الأوروبي، لم يكونوا بحاجة إلى أيديولوجيا أو سردية تجيب على أسئلة كبيرة وكذلك دول أوروبا، بعد أن أقنعوا أنفسهم بما فعلوه ويفعلونه بمعيار النفعية والبحث عن المتعة والرفاهية. أوروبا استسلمت لقيادة وتأثير الولايات المتحدة، والعالم بدا غير مقاوم بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، لكن نظامها ويتبعها النظام الأوروبي فاقد لفلسفة يستمد منها الثبات أمام المتغيرات مع تقارب المسافات وصغر العالم بتقدم التقنيات والمواصلات والاتصالات.

وكان للإنترنت دور كبير في هذا من ناحية إيجابية وأخرى سلبية، فهذه الاتصالات سارعت العالم ودوران الفكرة وتساقط الكلمات وإعادة تشكيل الجُمل، والميل للاختصار وقراءة الجمل وإعطاء الحلول التكتيكية، وهذا يثبط بناء الاستراتيجيات أو التفكير الاستراتيجي على المدى الطويل ويغير آلية حل المشاكل، وربما يسبب ألما لفئة أو شعب، عن طريق التعامل وفرض الهيمنة من أجل قوة الاقتصاد المبني على القوة وإخضاع الدول ذات مصادر الطاقة والثروة، كما أمسكت ورقة حماية الخليج ولم تك مخلصة بها لأنها كانت تعتبرها ورقة مساومة لإخضاع دول أخرى بطرق مختلفة، رغم أن قوتها الاقتصادية أغلبها تعتمد على بيع النفط بالدولار، إلى أن وصل جيل جديد للحكم لم يعد يحتمل هذا الأسلوب ورأينا حراك التغييرات الجيوسياسية الحاد في المنطقة، ذات الشيء حصل تجاه دول أخرى كفرنسا في أفريقيا.

أمريكا تصدرت العالم وفشلت في قيادته، فالقيادة تحتاج الى فلسفة أيديولوجية ليست متوفرة في الولايات المتحدة، فما لديها قيمة النفعية التي تجمع بها مجموعة من الآليات فشلت في أن تكون أيديولوجيا رغم ما يتكلم به السطحيون والمنبهرون في مجتمعات غيرها، وهم يرون منظومة السلوكيات التي نضجت لضرورات التعامل والتوازن المجتمعي؛ لتكون ثقافة محمية بقوة وصرامة القانون الذي يعني التفكير باختراقه اختراقا لنمط الحياة ككل، والذي بات اليوم مهددا وكأنه انتحار ذاتي بدواعي الرفاهية والمتعة والبحث في الضياع، لنرى الشذوذ الجنسي المقدس، وإرغام الآخرين على تبني قيم شاذة، وهذا يجعل من الولايات المتحدة ومن يشبهها في الغرب يشكل خطرا على البشرية دون أن يفكر دعاة الشذوذ والحكومات التي تحميه بمدى خطورة ذلك، مرتكزة على قوى يمكن أن تتهاوى في أية لحظة واقتصاد يعتمد دعائيا على تلك القوة، والحقيقة أنه يعتمد على اقتصاديات بلاد هي أول من يحس بالتهديد لمثل هذا المسخ والتشوه في النظام الدولي.

منظمات إسلامية منتهية الدور نحتاج منظومات بديلة:

في عالم تتأرجح فيه القوى المدنية العظمى لا بد من إيقاظ فلسفة فكرية تستطيع أن تنقذ العالم من هذا التيه، والظاهر من الإسلام هو ليس الإسلام نفسه وإنما صيغ مشوهة عمدا أو نتيجة تمشية سياسات الإخضاع والأطماع من دول محلية في العالم المسمى بالإسلامي، أو من دول خارجية متعاونة مع وكلائها الذين أورثتهم السلطة.

منظومة كمنظومة الإخوان المسلمين، من الواضح أنها شاخت وأخذت بالتفتت نتيجة الرغبة في الحفاظ عليها، إنها منظومة لامست إتمام 95 سنة على انطلاق فكرتها من مجدد توقفت عنده عملية التوسع والتماهي بشكل استراتيجي من أصل الفكرة، وإنما كانت براغماتية ارتجالية تقف عندما يطلب منها تجاوز الخطوط الحمراء.

إن أي منظومة تعبر جيل ولا تتحقق في ريادة الحكم وهي ترتكز عليه في فكرتها لا بد أن تتقاعد لأنها لم ولن تتغلب على التحديات، وهذا ظاهر الأمر لكن في داخلها تقوقعت وجف ينبوع التطور فيها منذ زمن؛ وتعتبر أي تغيير أو تعديل هو تهديد يتناغم مع التحديات. هذه المنظومة لن تنجح لأنها عندما تستلم السلطة ستحكم بقوانين الطغاة ولا بديل لديها لأنها تعيش في الماضي، ولم تنتج ما يقود حاضرا تستلمه وتركز على الولاء وتعطي درجة أدنى للخبرة، فلا قانون الطغاة يحكم الطغاة أو يدينهم ولا يعيق امتداداتهم التي هي أسوأ منهم. إذن هي الثورة المضادة فيظهر فشل منظمة لم يكتشف فشلها نتيجة المحرمات على التجديد الفكري والوقوف عند علوم الأقدمين، بل تقديسها واعتبارها ثوابت لا تُمس وقد يُعزل مخترقها.

وهنا كان الاختراق عشوائيا وأنتج أناسا ناقمين على الحركة متطرفين في ردود الفعل ضد كل السلمية التي فشلت في تحقيق شيء، ونتج أيضا أناس يقدسون الماضي بأنه النموذج الذي لا يطال وانحصرت مثاني القرآن المكتشفة على التغني بما يكتشفه متحررون نسبة لغيرهم كالغزالي والشعراوي، وأصبح العداء مع الأنظمة القائمة سمة أو تعاونا منقوصا مشروطا والخطأ في جمود المنهج وتقديس الأثر القريب والبعيد.

الغاية من هذا الكلام ليس توصيف أسباب ما آلت إليه الأمور ولا انتقاد الحركة، وإنما القول باننا بحاجة كأمة إلى فكر يستقرئ الواقع لاستنباط ما يقود هذا الواقع لإنقاذ البشرية؛ فما يحصل من تقليد أو الانبهار أو التبعية هو ظلم للآدمية وقيمة الإنسان.

إنشاء منظومة جديدة بفكر جديد تؤسس لفكرة حكم رشيد تفيد منه النظم الحالية لإصلاح ذاتها وتقوية وضعها؛ أمر مهم لأننا أمة ضائعة بلا هويتها ولا بد أن يضحّي الكل ويصغي لحركة التاريخ خشية عبور طيات الفكر، ونحن في سبات أو نقتل الأمل، فليس معقولا أن تستمر الأمة في صراعات داخلية ولا تتصالح مع نفسها وتنتج فكرها وتفيد من ثرواتها الحالية والقادمة في الطاقة العالمية، ليس معقولا أن يكون الصراع بين الحكام ومنظمات الإصلاح وإنما ينبغي أن يتفقوا على كلمة سواء لتوحيد الجهد والبناء المجتمعي والقيمي التدريجي مهما امتد من زمن، وتكون عكازة يستند القوى العظمى عليها وتضربها بذاتها أو بخلافاتها مع النظم؛ بينما هي مؤهلة إن فكرت استراتيجيا أن تقود العالم إلى الرفاهية والكرامة الإنسانية والسلم العالمي والحديث عميق لم نتغلغل إلى أعماقه.

نشرت في العربي 21

الرابhttps://arabi21.com/story/1507938/%D9%87%D9%84-%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86ط

الجمعة، 14 أبريل 2023

56 - الدولـــــــــــة الحديثــــــة واشكــاليــــــــة فهمهــــــــــا

 



مفهوم المواطنة ما بين وثيقة المدينة والدولة الحديثة:

من المعلومات التقليدية التي احتواها جهازنا المعرفي عن مفهوم الدولة، أنها تعاريف طوباوية ليست حقيقية عند التطبيق. ومن هذه التعاريف أن الدولة هي عقد اجتماعي يُتفق عليه في الأمة لتقوم هذه الدولة من خلال تفويضها بمهام خدمة المواطن بالنيابة، كوظيفة بعلاقة تبادلية تعطي بعض الصلاحيات لحفظ النظام وتضارب المصالح من خلال قوى تسمى القوة الأمنية؛ كشرطة لحماية الداخل وجيش لحماية الحدود للدولة الوستفالية، أو لما عرف قبلها للتوسع وجلب الغنائم أو الدفاع عن البلاد المشمولة بالنفوذ من الطامعين. هذا بكل تبسيط مفهوم الدولة بشكل عام.

وان أردنا أن نفهم معناها بالنسبة للإسلام، فهي تراتيب إدارية تتوسع وتتقلص وفق الحاجة وإدارة الموارد مع حاجات الناس، وبرأس منتخب فعلا وليس مختارا كما في الديمقراطية. ولكن معالم هذا الانتخاب لم تتبلور جيدا، فقد حصلت الفتنة لتتحول الدولة إلى مَلَكية، تاركة أثر الرسول ﷺ في تحديد أول وثيقة تؤسس لمفهوم المواطنة الذي لم يحافظ عليه تماما؛ بتغلب النبرة القبلية مع الملكية الأموية والعباسية وما تلاها من حكم السلاطين، الذين لم يراجعوا بل لم يسمحوا بالمراجعة، حتى عندما اعتكف معاوية بن يزيد ناكرا أن يكون هو الخليفة الشرعي لمجرد انه ابن يزيد، الذي مات موتا غامضا تاريخيا لتنتقل السلطة إلى البيت المرواني، فكانت دولة بمواصفات عالية عند عبد الملك بن مروان.

الخطأ الذي نفسر به ما يحدث في الحداثة من تقلبات تصل لصناعة حرب هنا وهناك أو حرب عالمية كبرى؛ هو جهازنا المعرفي الذي ينسب السلوك إلى الأخلاق بافتراض التطابق؛ بيد أن السلوك ليس الأخلاق، لأن السلوك فعل على الأرض والأخلاق قيمة


وثيقة المدينة تمثل حالة متطورة من المواطنة التي تثبت العلاقات وحقوق المواطنين بينهم وبعضهم وبينهم وبين الحاكم الذي بويع حينها، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يتصرف في الحكم كأي بشر.

مفهوم المواطنة في الغرب لم يك واضحا بعد النهضة، لكنه اتخذ شكلا ليس متعاملا في الحقوق فحسب بل إن المواطن هو صنيعة الدولة (وهذا الوصف أتى دقيقا من الدكتور وائل حلاق)، فالمواطن محدد بقوانين الدولة حتى في طريقة تعبيره عن رأيه، وإن أي خروج عن هذا النمط يعني أنه خارج عن القانون مهما كان. وأقرب الأمثلة هو رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب ومحاكمته، وهذا ليس من باب العدالة وإنما خروج عن النمط أو لإقرار مصلحة ما لأصحاب المصالح.

الخطأ الذي نفسر به ما يحدث في الحداثة من تقلبات تصل لصناعة حرب هنا وهناك أو حرب عالمية كبرى؛ هو جهازنا المعرفي الذي ينسب السلوك إلى الأخلاق بافتراض التطابق؛ بيد أن السلوك ليس الأخلاق، لأن السلوك فعل على الأرض والأخلاق قيمة. وناقشنا الفرق في مقال سابق، فالدولة الحداثية بمفهومها المختلف نشأت مع ثورة التنمية (development) التي سميت بالنهضة (Renaissance). فالنهضة أساسا ينبغي أن تقوم على أسس فكرية حضارية، بينما التنمية تقوم على جوانب التطور المدني، فهي احتاجت إلى المواد الأولية من مصادرها فذهبت لاستعمار مناطق.

وما يعرف من تفاصيل في هذا الأمر، فإن أساسها خال من قيم أخلاقية ما عدا قيمة النفعية التي ما زالت تحكم الحداثة وتتحكم بالسلوك حتى تبدو ثقافة مجتمع وهي لم تعد بمكارم الأخلاق، بيد أننا نجد تمردا إيجابي عليها في ظهور ردود فعل إنسانية، أو سلبية نلاحظها في عالم التشرد والجريمة ومراوغة الدولة وقوانينها.

محاولة مواءمة الحداثة الحالية مع الإسلام، مع الاحتفاظ بقوانين الحداثة، هو أمر كمواءمة حصلت سابقا بين الفلسفة اليونانية الوثنية بنظرية الفيض وبين الإسلام التوحيدي، وكانت إحدى مشوهات التفسير وظهور شريعة تكاد تشوه الإسلام ومقاصده عبر التاريخ


وربما يستنكر مستنكر أن ما يراه في الغرب مراعاة للإنسان، فإن هذا منطلقه فلسفة النفعية وضرورات استقرار الحياة لنمو المدنية، وهذا يتضح بعنصرية معاملة "الآخر" اليوم في الغرب.

الموائمة المشوهة للحضارة الفكرية

محاولة مواءمة الحداثة الحالية مع الإسلام، مع الاحتفاظ بقوانين الحداثة، هو أمر كمواءمة حصلت سابقا بين الفلسفة اليونانية الوثنية بنظرية الفيض وبين الإسلام التوحيدي، وكانت إحدى مشوهات التفسير وظهور شريعة تكاد تشوه الإسلام ومقاصده عبر التاريخ، إلى أن ظهر فكر المقاصد وهو محاولة للتخلص من القيود التي باتت مقدسة في الاجتهادات، وظهور مصطلحات تؤطر شيئا لا يؤطر بمعنى التقييد، كالفكر الإسلامي العالمي والعابر للزمكان، ولكن لم ينفضه لاستمرار مجاملة المنقول. وهنا نجد محاولة تقريب بين لا جذور الحداثة وجذور الفكر الإسلامي، وبين لا أخلاقية الحداثة الحالية والمرتكزة على النفعية، وبين منظومة قيمية أخلاقية تعتمد على الإنسان المالك للأهلية التي فُقدت مع تشويه الإسلام ونظام الحكم، فأصبح الإنسان في عالمنا بلا أهلية ومسلوب الإرادة لكل من حكم من خلال تشريع ولاية المتغلب وهيمنة المؤسسة الدينية.

أين المشكلة:

المشكلة أساسا بدأت بطريقة نقل الغرب للمدنية ومحاولة إنكار دور العرب والمسلمين فيها، فنقلها بلا ثقافة بيئتها مع مجموعة من الأكاذيب في المراجع لتثبيت هذا. المدنية تراكم للجهد البشري تنتقل وتتطور، ولا يمكن أن تكون بلا أطر أو تتطور وهي نائمة.

والحداثة كانت فكرية منذ مجيء الرسالة الإسلامية ونشوء ما نسميه اليوم بنظام الدولة القائم على القيم والشريعة، هذا النظام طور صيغ الدولة وأسس لها بشكل واضح وجدول العلوم وارتقى بها، لكن الغرب عندما أخذها؛ أخذها منزوعة من القيم المضافة إلا ما علق بها ولا يمكن التخلص منه، وهو ما جنّد في النفعية إلى تصرفات سلوكية. أما عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة فكان عزلا آخر مع الغرب نفسه، لتتوالد سلوكيات مرتبطة بسطوة القانون وقوته وتمجيد الدولة والرضا بسيادتها، حتى وأنت تحتج على أي شيء وتعود إلى بيتك لتنام بسلام أو ترفض كل هذا وتكون في الشارع مشردا عرضة للممنوعات ومساءلة القانون في أي وقت، القانون الفصل الذي متى ما حصلت الفوضى أصبحت السلوكية الواضحة بلا قانون أو السلوك بلا إنسانية عندما يبيح لك القانون قتل أي مصدر للخطر.

نحن أمة لديها كل مقومات قيادة نهضة عالمية بلا حروب أو إسقاطات فشل الحداثة التي تحتضر؛ وليست قائمة إلا لفقدان البديل ولن تطيل عمرها حرب كونية أخرى


عزل الحداثة عن جذورها الإسلامية هو عزلها عن منظومة قيمية ونظام تكافلي حسي وعقد اجتماعي، وليس سيادة السلطة الظاهرة أو الباطنة متمثلة بأصحاب المصالح الذين سماهم لينين الرأسماليين.

كيف يمكن للحركات الإسلامية أن تتماهى مع هذا؟ لا يمكن طبعا فتقول إن الديمقراطية ليست الطريق! الحقيقة أن المشكلة ليست في الديمقراطية فهي آلية، لكن المشكلة في فهم معنى الدولة الحديثة الطوباوي عند الإسلاميين، ومزج القيم مع منافسين لا يتعاملون بها فتكون واهية من السهل فيها انتزاع السلطة من قبل أي مغامر أو مجنون.

إننا بحاجة إلى حكام ونظام ذي أهلية يفهم معنى الإسلام، ينظر إلى الأمام لا الخلف وفي سقطات التاريخ، وفتح مثاني القرآن (طياته) للبحث عن قيادة واقعنا واختيار الناس وفق معايير سليمة؛ وليس وفق معايير جعلتنا أمام العالم بموقف العبد الثري الذي يشتري له سيدا يرأف به. ونحن أمة لديها كل مقومات قيادة نهضة عالمية بلا حروب أو إسقاطات فشل الحداثة التي تحتضر؛ وليست قائمة إلا لفقدان البديل ولن تطيل عمرها حرب كونية أخرى.

رابط النشر الاصلي في العربي 21

https://arabi21.com/story/1506577/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D8%A9-%D9%88%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%87%D9%85%D9%87%D8%A7

الجمعة، 7 أبريل 2023

55 - لماذا نحن متخلفون ...... الجزء الثاني

 



العالم اليوم وضرورات الفهم:

العالم اليوم يعيد التموضع من جديد، وهي ضرورة لاستعادة المرونة في مفاصل الحداثة المتجمدة العاجزة عن تحقيق السكينة للإنسان الراكض من أجل الحياة. ونحن اليوم في هامش هذا الحراك اللهم إلا من صرخات احتجاج أو تململ، لكن بلا استراتيجية أو تحديد منطق أهداف تتابع إلى غايات محددة، بل نجد أنفسنا ننتقل من معسكر شرقي إلى معسكر غربي أو من معسكر غربي إلى معسكر شرقي، لكن لا كينونة لنا بل نتناحر مع بعضنا أو نتفق اتفاقا مهلهلا كالغربال لأننا لسنا في تصالح مع أنفسنا ولا نعرف العمل الجماعي، وإنما الأمم التي تفرقت بإزاحة الإسلام عن حياتها العملية أضحت تبحث عن سيادة وهمية فلا تتفق إلا بسيادة الغرب والشرق عليها.

انطباعات تعزز التخلف:

1- لقد استطاع المستعمرون والقوى الضاغطة المهيمنة ترسيخ الدونية كإحساس في الأمة من خلال توطين السلطة بيد أناس متناقضين متضادين، أو عسكر منقلبين يتبادلون السلطة يبعدون مواطن النهضة ونخبها بأي أسلوب وتحت أي تهمة، ليرسخوا هذا الإحساس بالفشل والتخلف، وإبقاء الماضي المقدس الذي يلتفت إليه الجميع حتى النخب؛ فهي تسير غير منتبهة لخطواتها فتسقط في الحفر ولا تنتج أكثر من إحباط متزايد وعجز مترسخ.

رغم أن علماء الكيمياء والفيزياء كانوا تاريخيا هم فقهاء في الدين، نجد إسقاط النموذج الغربي في فرض العداء بين الدين والتطور المدني، حيث ينهض الغرب حتى تخلص من سطوته لأنه كان قامعا للعلم وأهله، رغم وجود بعض من اهتم بالعلم من رجال الدين، لكن اهتمامهم هذا مزج بنقلهم للمدنية بلا جذورها نتيجة التعصب فولدت المدنية والنمطية الغربية خديجة ثائرة، لتسقط الدين من حسابها وتتجه نحو الحداثة بفكرة النفعية والمتعة


2- إسقاط التاريخ الأوروبي ومقارباته حول العلاقة بين الدين والدولة، ونحن نقرأ في التاريخ أن ومضات الأمة الصاعدة عندما تقترب من الدين وتنخفض بابتعادها وميلها إلى السطوة والسلطان.. فرغم أن علماء الكيمياء والفيزياء كانوا تاريخيا هم فقهاء في الدين، نجد إسقاط النموذج الغربي في فرض العداء بين الدين والتطور المدني، حيث ينهض الغرب حتى تخلص من سطوته لأنه كان قامعا للعلم وأهله، رغم وجود بعض من اهتم بالعلم من رجال الدين، لكن اهتمامهم هذا مزج بنقلهم للمدنية بلا جذورها نتيجة التعصب فولدت المدنية والنمطية الغربية خديجة ثائرة، لتسقط الدين من حسابها وتتجه نحو الحداثة بفكرة النفعية والمتعة، وهي تتطور طبيعيا لنرى اليوم ما وصلت إليه من طرق مسدودة ببعد المنظومة الأخلاقية الإسلامية التي تحولت محض سلوك نفعي في المعاملات الغربية عند نقل المدنية بلا عناوين إسلامية.

3- خطأ تفسير أحاديث العلم: في العصور المتأخرة تكونت المؤسسة الدينية التي لا وجود لها في الفكر الإسلامي، ففسرت العلم النافع بأنه العلم الشرعي وقدست مخرجاته لدرجة احتكار الحقيقة، وهذا أدى إلى اجترار رهيب لمقومات التخلف الذي ما زلنا فيه، بينما العلم عام وهو يشمل الطب والهندسة والفضاء والفلك والفلسفة وكل ما يقود العالم اليوم من علوم الفيزياء والكيمياء والإلكترونيات.

مخرجات واقعية

مخرجات ما ذكرنا أعلاه هي واقعنا هذا، فمقالتي هذه لو يكتبها شخص أوروبي لكانت متداولة في فضاءات التواصل ويشار إليها كدستور لا يأتيه الباطل من خلفه أو بين يديه، فقناعة الناس بتفوق المستعمر بل التخلق بسلوكياته القشرية، والابتعاد عن مصادر القيم التي تتفق مع السلوكيات النفعية لكن بقيمة دينية وأخلاقية، بينما السلوكيات النفعية توجد حيث المنفعة واللذة وتختفي في غير ذلك. ولا يخلو الإنسان من فطرة الطيبة لتكون حالات إنسانية لا تكاد تميزها عن كونها شاذة، بل هي النموذج الحقيقي لأخلاقيات نُقلت لسلوك بلا أصلها الفطري.

معالم النهضة

1- الاقتصاد: المستعمر ترك محددات واتفاقيات بحيث لا يكتفي البلد الغني ذاتيا، بل تبقى المجاعة مع سوء الأنظمة التي لا تقوم بكفالة مواطنيها وتنظيم حياتهم إيجابيا رغم تدخلها بالتفاصيل وقمع الناس، بل إن ما خُلق من فتن حدد التكافل المجتمعي وبقايا الثقافة الإسلامية. ولم تقم الدولة بهذا الدور كما يحصل في الغرب، ولا تهتم بأبسط احتياجات المواطن والحياة من صحة ومعاش الكفاف وحاجاته اليومية وما تتطلب من تسهيلات كالبنى التحتية وتوابعها، كالطاقة والرفاهية بأبسط صورها؛ فبقي الغرب القدوة وتقليده بما نرى ما يقود للتفاهة والاستخفاف بالقيم ولليس بالتطور المدني أو الاستلال الذاتي؛ لأن من يحكم غير مؤهل لهذا بل يمنع من يصل إلى السلطة وله تلك القابلية من خلال الانقلابات أو الديمقراطية المشوهة التي لكم تكتسب التأهيل في مجتمعنا.

2- قيام دولة حقيقة وليس سلطة، وهذا يأتي من خلال ناس لهم الأهلية.

3- تطوير العلوم ومنها علوم الدين بفهم واسع ولكل الأديان، والإسلام بالذات لكونه ثقافة ونظام مجتمع ونمط حياة يمكن أن يتعامل مع الجميع إن فُهم بشكل صحيح؛ وليس بالمسخ والتشوه المصنّع الذي نراه، وهذا أمر معروف فلإسلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

كيف نحقق ذلك:

إن أول ما نهضت عليه أوروبا أنها أدخلت ما يشبه مراكز الدراسات، هذه تحدد كل المتغيرات وتدرس الأوضاع وتفاصيل متطلبات الاقتصاد والسياسة والعلوم، وهو أمر عندنا موجود بشكل مظهري ليس فعالا.

إنشاء عملتك بدعم ثروتك:

إن أهم معالم الاستقلال الاقتصادي هو استقلال العملة والقدرة بالتحكم بالثروات، فبلدان نفطية لا بد لها من عملة مدعومة بالإنتاج المحلي الطبيعي أو المنتج كالنفط والثروات التي يمكن أن يؤسس لها في استثمار عوائد النفط، بدل إنفاقها على شراء النوادي الرياضية والسيارات واليخوت ورفاهية لا يتمتع بها الحاكم الذي يقتنيها لأنها أمر غير منسجم مع البيئة، ويعتبر المؤرخون إنشاء عبد الملك بن مروان العملة الخاصة بداية عهد الدولة القوية حقيقة.

اليوم نواجه أزمات في المياه والاقتصاد والحروب التي تنظر لمنطقتنا كجائزة الفائز للهجوم عليها مستسلمة وافتراسها، فلا بد من خلق نوع من التكامل الإداري والسياسي وبناء استراتيجيات وأيديولوجيا متكاملة غير متضادة تتعاون في كل شيء، ولا تتنافس سلبيا أو تتبنى السلبيات التاريخية وتعظمها فتكون هي أساس الأيديولوجية أو مغذيات الصراع


لقد استثمر الغرب الذهب المسروق والمعادن الثمينة من أمريكا عند اكتشافها ببناء بنية صناعية وتحتية ومراكز دراسات تجيب على أسئلة النهضة، وما زال الغرب يسرق أفريقيا ودول العرب والمسلمين؛ وهم جياع يعيش بعضهم على النفايات وفي العشوائيات بلا سياسة اقتصادية أو إدارة للموارد بكل أنواعها أو إمكانية التعاون فيما بينهم. الفرصة اليوم مواتية لإنشاء اقتصاد خاص بدل دعم اقتصاد دول أخرى.

التكامل في إدارة الموارد:

اليوم نواجه أزمات في المياه والاقتصاد والحروب التي تنظر لمنطقتنا كجائزة الفائز للهجوم عليها مستسلمة وافتراسها، فلا بد من خلق نوع من التكامل الإداري والسياسي وبناء استراتيجيات وأيديولوجيا متكاملة غير متضادة تتعاون في كل شيء، ولا تتنافس سلبيا أو تتبنى السلبيات التاريخية وتعظمها فتكون هي أساس الأيديولوجية أو مغذيات الصراع.

ولا بد من تطوير العلوم مثلا كيف نطور الطب والهندسة وبحوثهما والإدارة والصناعة بشكل مشترك مؤسساتي، والابتعاد عن السرديات التي تخاطب الغرائز ومنها التدين؛ إلى تحقيق المقاصد من أرقى عقيدة وثقافة، بالبحث فيها بما يقود الحياة والمستقبل وليس استحضار الماضي.

https://newsformy.com/news/1621667


الأربعاء، 5 أبريل 2023

54- ومضات جيواستراتيجية

 



أوكرانيــــــــــــا وروسيا:

في أول مقال حول حرب أوكرانيا ذكرنا أن هنالك حاجة لتفهم وضع روسيا الجيواستراتيجي، وما يحتويه من متطلبات مهمة على مرونة الحركة لأساطيلها البحرية التجارية والعسكرية وكون البحر الأسود والقرم ومنطقة جنوب أوكرانيا الحالية لمنطقة مصب الدنيبر، وتبقى المنطقة الأخرى من أوكرانيا منطقة نفوذ لروسيا وليس لحلف الأطلسي أي امتداد فيها.

الحرب الروسية الغربية من خلال أوكرانيا واقع حال لكن إعلانها يحبطه الخوف من حقيقة وجودها الا أن هذا لن يمنع اندلاعها مع انتقال أمريكا للضغط على الصين ذلك التنين الذي يتحرك ببطيء ويتثاءب.

الولايات المتحدة:

مذهب الولايات المتحدة الإسبرطي المتوافق تماما مع نشأتها ونوعية النفسية والعقلية التي قامت عليها والتي تدارت لضرورات النفعية والنظام الرأسمالي وتطور إدارته وتكامل مستمر في سد الثغرات، هذه كلها تجعل الاسبرطية تحيط بسلوكية الولايات المتحدة الخارجية، فهي إن بنت في الداخل وهو موضوع به تفاصيل كثيرة، فان الهدم ما تفعله حقيقة تحليل سلوكها خارجا، لا تتعامل من خلال منظومة قيمية والخارج لأنها ستتضارب مع قواعد النفعية في الداخل وهذا يعني أن حكامها في امتحان سؤال التوازن الدولي والعالم الخارجي المتكرر لأنها لا تجيد سياسة دون الإخضاع، وهذه تجعل الخاضع ورقة مساومة والمقاوم لها خصم تجري عليه خطوات الاحتواء، وهي تبدو ظاهرا نوعا من التفهم لكنها واقعا إحكام السيطرة وصبر القط على فريسته لا تهجم إلا على عندما لا تتوقع أية مقاومة أو عون من احد.

دول الخليج

دول الخليج دول مهام ولها أدوار في الجيوسياسة ولكنها ليست حرة التصرف بقناعتها بوجوب التزامها بحدود وتعليمات ما مقابل ما تظن انه حماية والتزام، لكن الولايات المتحدة لا التزام لها وإنما هو اعتبار أن هذا رضوخ وفق العقيدة الاسبرطية بينما عند القيم البدوية هي كياسة وعطاء للصديق خصوصا انه حليف وقت الشدة، وكانت بعض الجوار تمثل تهديدا واضحت مع مرور الزمن وسقطات وإخفاقات العلاقة بين الولايات المتحدة وبين دول الخليج أن تكون هنالك مواقف متعددة في الخليج من كل حالة، وهذا أشير هنا إلى وجوب إنهائه وفورا وليس من حاجة إلى اكثر من مصارحة وبغرض التفاهم والتنازل للبعض.

سوء التفاهم كان واضحا عندما يحدث موقف حيث يأخذ الحليف منه مواقف وفق مصلحته ويتصور انه سيأمر ويطاع بلا تفكير بينما يكون موقف العرب خلافه متجاوبا مع المخاوف التي من أجلها أقيم الحلف المنظور من زاويتين، وهنا يواجه برد الفعل القوي، حصل هذا مع الملك عبد العزيز ووزير الخارجية سعود الفيصل والملك فيصل الشهيد، ورد فعل سابق من سمو ولي العهد مثالا لا حصرا وإنما ظهر الأمر لان الموقف متابع من الأعلام.

الولايات المتحدة كانت تخيف المنطقة بإيران وسلوكيات إيران تؤكد تلك المخاوف لكن وان كانت تبدو الولايات المتحدة في حالة إرضاء لإيران حتى على حساب الكيان، فإنها واقعا تستنفر المنطقة لتكون بلا رد فعل عندما لا تجد رد فعل من الصين وروسيا وتركيا، عندما تأتي ساعة احتواء أي دولة في المنطقة ومنها إيران وتحويلها العدو الأخطر في التعريف الجديد لقائمة الأعداء.... هذا التفكير الاستراتيجي الذي ينظر إلى هذه الاستراتيجية بطريقة وأخرى اتخذته دول من الخليج، السعودية نتيجة إغراق المملكة بسوء السلوك والفهم الأمريكي، الإمارات وقطر كل من خلال دوره في السياسة والمال والأعمال، وكان توجه السعودية لحسم الأمر مباشرة خطوة أنهت حالة التخويف المستمر والضرر بالمصالح دون وجود داع لهذا الخلاف الذي انتهى بمساعدة دول عدة كل بدورها وزمنها ليستقر القرار النهائي في الصين وهنا يأتي السؤال المهم، هل ينبغي أن تستغل هذه من اجل أي جهة أو يجري تفاهم وتعاون في الجانب المدني وإزالة أي محتوى قد يرى مصعدا للخلاف أو الإضرار بالمصالح، هذا راجح خصوصا وان ما حصل لا يهدف إلى استقطاب أو دخول محور على حساب محور، بل لإيقاف جر المنطقة هذه إلى أتون حرب قادمة نتيجة وضع الجدران وتخويفها بعضها من بعض.

التموضع لدول الخليج:

مرة أخرى نقول بضرورة تفعيل مجلس التعاون الخليجي ومهام إضافية له أيضا، وان يستفيد من التحول في السياسة تجاه إيران بشكل إيجابي، وان ينفضوا طريقة التعامل بالعطاء وانتظار الآخر للفعل لنقوم برد الفعل، وهذا التردد سيضيع فرصة تاريخية لتكون هذه الدول في مكان عليا بان تقود اقتصاد العالم وتؤثر في قرار التداعي نحو حرب متسارعة في منحدر، النفط هو من يدعم العملة، وان كانت تخاف رد الفعل فممكن أن تكون هذه العملة ليست موحدة مع دول الخليج فقط، هذا الموقف وضع الغرب نفسه به لأنه لم يتعامل بالتكافؤ وفق المعطيات علميا بين الغرب ودول المنطقة وإنما بالتمكين ومقومات القوة، وعدم الوفاء لدول قبلت أن تكون مواردها داعمة لاقتصاد الولايات المتحدة بقبولها الدولار كعملة تداول للنفط، أما أن الداعم هو الاقتصاد الأمريكي فالاقتصاد هو من قوة الدولار ولولا تلك القوة الآتية من النفط الخليجي بالذات لأصبح اقتصادا ذو مديونية مرتفعة جدا ومطالب بها.

ما هو المطلوب:

المطلوب هو إعادة التموضع الجماعي دون كسر طرف لطرف، ودون استغلال سيء، فمن مصلحة دول المنطقة أن يكون هنالك خليجا قويا بأطرافه واقتصاده، وإلا فالاحتواء له خططه وان نقصت أدواته فلا يُعجز عن صناعة أدوات جديدة

السبت، 1 أبريل 2023

53 - لمــــــــــاذا نحن متخلفـــــــون ............ (الجزء الاول)

 



مدخل

من المهم التأكيد دائما على ضرورة تعريف الكلمات لقيادة المعنى بالاتجاه الصحيح.

ما هو التخلّف؟

أن تبقى في محلك أو تتباطأ في السير نحو هدف هو تخلّف، وأن يصبح هدفك اللحاق بالركب هو تطلّع نحو التقدم، وألاّ تعرف الطريق للوصول للهدف هو جهل، وأن تضع لك طريقا ومنهجا للوصول إلى الهدف فتلك محاولة جادة للحركة، وأن يقال لك هذا الطريق خطأ بالبراهين وتصر على طريقك المقلوب فهذه جهالة، أي انحراف فكري وانحدار حضاري مرافق لتخلّفك عن مسيرة الآخرين نحو التقدّم (المدنية)، وبمرور الزمن تحصل تنمية للتخلّف. وعندما تقاد هذه العملية أيديولوجيا عندها نصبح أمام منظومة هي "منظومة تنمية التخلّف".

في البداية كانت هنالك مدخلات لهذه المنظومة مختلطة ولكن كانت مخرجاتها تخلّفا وفاعليتها مع البيئة كانت تواجه نوعا من التحديات العاطفية الغارقة في الجهل.. وهكذا اختفت التحديات لتصبح المنظومة بكاملها -مدخلاتها كفاءتها مخرجاتها فاعليتها بيئتها- تشكّل حالة التخلّف التي نحن فيها.

إذن التخلّف عندنا هو عدم إدراكنا كم التخلّف الذي نحن فيه (الطريق، أسلوب التفكير، ردود الفعل، الأفعال). هو حالة الانحدار الحضاري في البيئة ومنظومتها، هو التأخر المدني، وما يعنيه هذا من تفاصيل تغطي مناحي الحياة ونواحيها.

التخلّف عندنا هو عدم إدراكنا كم التخلّف الذي نحن فيه (الطريق، أسلوب التفكير، ردود الفعل، الأفعال). هو حالة الانحدار الحضاري في البيئة ومنظومتها، هو التأخر المدني، وما يعنيه هذا من تفاصيل تغطي مناحي الحياة ونواحيها


نوعان من التخلّف:

1-التخلّف بسبب الانحدار الحضاري:

حينما تخرج عن أركان الحضارة تدخل في حظيرة التخلّف، فعندما تحوّلت الخلافة إلى ملك عضوض ذهبت ولاية الأمة ودخلت عناصر الظلم واغتصاب الحقوق والشعور بالغبن، وظهرت حركات يؤيدها العجز والحيرة، ولم تكن هذه الحركات إلا آراء متباينة فاحتاجت لدعم فكري، والدعم الفكري قد يكون رأيا مؤصلا أو اختلاقا.

ولعوامل الضعف وانتشار الهوى ومحاولة تكييف الأحكام لتبرير الجور في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ ولخوف الأمة من الفتنة جعلها تتجه للفتنة المؤصلّة على أحكام تاريخية كالتي نعيش فيها؛ لذا كان ضروريا:

1- التوقف والقول بضرورة الاعتراف بالتخلف الفكري والحركي.

2- الفصل بين أهمية السيرة النبوية في التشريع وعدم أهمية التاريخ، بل الدعوة للتوقف عن اعتبار أحداث التاريخ والصفحات السوداء فيه كأحكام تستنبط منها الأحكام الشرعية التي يراد بناء الواقع الإسلامي الجديد عليها؛ لأن هذا يعني إعادة تغذية منظومة تنمية التخلّف بطريقة محبطة قد تؤثر على استقرار العالم كلّه.

3- تغيير وتعديل للجهاز المعرفي بات ضروريا لنقل فكرة الصراع إلى فكرة التعايش.

4- فكرة الصراع وعدم قبول المخالف في حقيقتها نتائج لهذا الانحدار الحضاري الذي أضعف ارتباط الأمة بالسبب الذي جعل منها أمة فاعلة، أما الاحتلال وتمزق الأمة وغير ذلك من أمور يمكن سردها في هذا المجال؛ فهي محض إسقاط لهذا الانحدار الحضاري على أرض الواقع وحتمية تغلّب الهوية البديلة عند فقدان الهوية.

ويمكن قراءة ظواهر باعتبارها نتائج وفي ذات الوقت كعوامل قامت على مدى التاريخ القريب؛ بإعادة تغذية منظومة تنمية التخلف وبشكل مستمر، ومنها:

نلاحظ أن الأمة قد سُلبت منها إمكانية التعمق الهادئ بحكم التطبيقات الاستعمارية وضغوط الصنائع التي هي أشد بأسا وقهرا، بل إن ثقافات ولغات وحتى عادات فُرضت، واستحوذ على الأمة ما يشبه الاستسلام الفكري من خلال المسلّمات الموروثة والأمثال المتخلّفة والتي تُطرح وكأنها حِكَمٌ ومُسَلّمات


أ- أساليب التربية:

نلاحظ أن الأمة قد سُلبت منها إمكانية التعمق الهادئ بحكم التطبيقات الاستعمارية وضغوط الصنائع التي هي أشد بأسا وقهرا، بل إن ثقافات ولغات وحتى عادات فُرضت، واستحوذ على الأمة ما يشبه الاستسلام الفكري من خلال المسلّمات الموروثة والأمثال المتخلّفة والتي تُطرح وكأنها حِكَمٌ ومُسَلّمات. ونرى ما يدعو للتساؤل؛ لماذا يسارع الكثرة من الناس وبجهد مبذول ومشقة وراء ما يظنون أن فيه نفعا ماديا لهم -وقد لا يكون أكثر من دعاية مضللة- بينما لا يكادون يحرّكون أنفسهم للبحث عن الحقيقة والتخلّص من التشويش؟ ولا يبحث الكثرة من الناس عن الذي يرضي الله في الواقع، وهذا ما يعزى لوصف "الضياع، الغفلة، الجهل".

وهذه إنما هي نتائج، لكن المسببات -فيما أرى- هي دخول بعض الانطباعات إلى العادات فتدخل في طباع الناس مع التقادم بسبب أسلوب التربية الذي يقدّم نتائج مستخلصة قد تكون صحيحة أو خاطئة دونما نقاش، لأنها لُقنت دون نقاش أو شروح ويتم نقلها حسب الفهم لها. وهذا نتيجة لظروف الإرعاب التي ولدت الحاجة لإملاء المعلومات بحكم السريّة في التعبير عن المشاعر الحقيقية التي عاشت وما زالت، وتترسخ هذه الانطباعات مفقودة الجذور مزدوجة ومركونة، تخرج عند وجود استثارة لغريزة أو حاجة وتتعايش مع الزمن ولا تتعارض، ذلك أنها ليست مفاهيم يؤيدها الدليل كي تتعارض، فترى الشخصيات المضطربة الآمرة بالخير ولا ترى المضادة في سلوكها.. وهكذا.

ب- المخاض الصعب للخروج من العبودية:

تمر الأمة بمرحلة يسميها المفكرون بالصحوة، والحقيقة أنها ليست صحوة وإنما هي تشخيص للمشاكل وبلا حل، فترى الناس يطربون لكلام الدعاة ويمتدحونهم ولكنهم ليسوا على استعداد لحمايتهم، بل في أفضل الحالات سيقفون موقف المتفرّج عند إدانة أحد الدعاة ما لم ينضموا إلى قائمة المشككين بمصداقيتهم.

وما ينطبق على هذه الأمة هو وضع بني إسرائيل أثناء دعوة موسى (ص)، وبعد الخروج من التذمر جرّاء أي خوف أو توقع لأذى، والبحث عن صنم للعبادة، فتراهم يعارضون إزالة آثار استعبادهم وقد كانوا يكرهونها بالأمس. وهذا نوع من مقاومة إعادة التنظيم في أية منظومة.

الجائع يتصور أن مشكلة العالم هي رغيف الخبز بتعميم رهيب، ويأتي لينفذ خطته ليكتشف أنه دمر الكثير ولم يوفر رغيف الخبز فيقضي الوقت المتبقي قبل إزاحته من ثائر آخر لا تدري ما وجهة نظره، وهو يقمع ويقتل ويهتم بتثبيت ملكه، ويحتج بأنه فشل في تحقيق "برامجه ومخططاته الطموحة" لأن الإمبريالية والصهيونية تتآمر عليه لإزاحته لأنه خطر عليها. وبهذا الهذيان كانت منظومة تنمية التخلف قد ازدادت فاعلية ورسّخت التخلّف في بيئتها


2- التخلّف المدني:

ليس هنالك علاقة مباشرة بين التطور المدني والرقي الحضاري، اللهم إلا من حيث توجهات المدنية وتسخير مخرجات منظوماتها. وكان التخلّف المدني واضحا لفترة طويلة، فلم تبن أسس وقواعد للمدنية الحديثة، وباحتلال بلاد المسلمين وإكمال تجزئتها هيّأ المحتل هذه البلاد لتكون مستهلكة، وعندما نهضت الثورات كانت ثورات ليس لها برامج كاملة، وإنما تنطلق من توجه معارض وتشخيص سطحي ووضع حلول بلا بدائل لكونها حلولا غير مدروسة.

فالجائع يتصور أن مشكلة العالم هي رغيف الخبز بتعميم رهيب، ويأتي لينفذ خطته ليكتشف أنه دمر الكثير ولم يوفر رغيف الخبز فيقضي الوقت المتبقي قبل إزاحته من ثائر آخر لا تدري ما وجهة نظره، وهو يقمع ويقتل ويهتم بتثبيت ملكه، ويحتج بأنه فشل في تحقيق "برامجه ومخططاته الطموحة" لأن الإمبريالية والصهيونية تتآمر عليه لإزاحته لأنه خطر عليها. وبهذا الهذيان كانت منظومة تنمية التخلف قد ازدادت فاعلية ورسّخت التخلّف في بيئتها، إنها الجاهلية المعتقدة بهذيانها دون دليل.

ولعلّنا أصبحنا قريبين من الإجابة على السؤال لماذا نحن متخلّفون؟

أولا: التخلّف الحضاري:

عندما نجهل ديننا ونصرّ على جهله، ويتصدى الجهلة للدفاع عن قيمه بطريقة قتل العصافير لحماية البيدر أو وضع الرؤوس في الرمال، يصبح التخلّف الحضاري حقيقة، ويغدو المجددون شذاذ آفاق، ويخرج من يصدر الفتاوى المقلصة لحقوق الناس خوفا عليهم ولحمايتهم، وما ذلك إلا لعجزه عن المواجهة وتخلّفه.

ثانيا التخلّف المدني:

ليس هنالك من تطوّر مدني بلا استقرار وبلاد المسلمين غير مستقرة لعدة أسباب، منها:

1- أطماع الدول الخارجية.

2- تعدد المراجع الفكرية وصراعاتها على السلطة، وهذا ليس تعدد رأي وإنما تعدد مرجعية. فتعدد الآراء هو اختلاف الأحزاب في برامجها كعلاج وليس في المبدأ الأساس، فلن يُقبل بالشيوعية في هذه البلدان بينما عندنا كل أفكار العالم وتجاربه النظرية ولا تُحارب من الجميع مثل حضارة الأمة؛ جهلا أو كرها.

نشر في عربي 21  ..

                                               انقر سيظهر الرابط اقرأ في عربي 21

السبت، 25 مارس 2023

52 -الرعوية ومنظومة تنمية التخلف

 



الجمهور والخطاب الشعبوي:

معظم شعوب العالم ومنطقتنا بالذات، استرخت على العبودية الخفية بل استطابتها وتدافع عنها، وهذه الشعوب لا تقبل التغيير بل تمجد الظالم خوفا وطمعا، وتتمنى زواله لكن لا تسعى لذلك، بل أثبتت التجارب أن هذه الشعوب ترغب باستعادة الظالم لأنها تحس بفراغ المظلومية، وما يتطلب رفع العجز من مسؤولية، وتستهزئ بالمصلح أو تعتبره أحيانا خطرا عليها؛ لأنه يطالبها بأن تنفض الشعور المترسخ في النفوس بالمظلومية غير المحددة هذه. وهي لا تعرف كيف تعيش خارج القفص، وتهاب صوت الحرية، وترى أنها ستتحمل مسؤولية نفسها بدل أن يتحمل الظالم مسؤولية ظلمها.

إننا حتما سنجد من يخاطب هذه المشاعر، يجتمع له جمهور غفير ويتمتع بكلامه الذي يصف مظلوميتهم ويشتم الظالم، بل يتفنن في ضرب الأمثال، أما من يتحدث عن التطور المدني التنموي والنهضة الحضارية، فقد تجد متسعا من المكان لتسترخي فيه بل وتنام أيضا؛ لأنه سيحدثك عن أمور ربما تتطلب منك أمرا أصلا أنت مقرر ألا تفعله.

الخطاب الشعبوي لا ينتج أفكارا ولا يؤدي إلى عمل بل هو انتقاد وشكوى، حيث ينفس الخطيب أو المحاضر أو أيّا كان عن المتلقي، فيرتاح المتلقي ولا ينتج تحسينا للحال. وكنا نرى هذا في أنحاء العالم بخطب أو محاضرات بعض الخطباء والدارسين للواقع، رغم أنهم لا يختلفون من حيث المضمون عن أبسط الناس في تشخيصه بأكثر من الأسلوب وطريق التعبير.

الخطاب الشعبوي لا ينتج أفكارا ولا يؤدي إلى عمل، بل هو انتقاد وشكوى، حيث ينفس الخطيب أو المحاضر أو أيًّا كان عن المتلقي، فيرتاح المتلقي ولا ينتج تحسينا للحال.


الرعوية وبث الكراهية:

نوع آخر من الخطاب وخاصة عندما يستشعر بعض القائمين على الأحزاب أو الدين بحالة من قلق الجمهور وأسئلة كبيرة تصعب إجابتها، خصوصا رجال الدين على المنابر والقداسات في الكنائس، ومع غزو الإلحاد أو الهروب من الضبابية في التساؤلات إلى دين آخر، فيحتاط البعض وخصوصا مع المغتربين في البلاد الأجنبية التي تواجه الشذوذ والمثلية، أو السؤال عن الثقافة العامة المنقولة إلى البلاد الأخرى، مع الجهاز المعرفي للمهاجرين، فيبدأ بضخ نوع من الانتقاد للأديان الأخرى في تلك البلاد، أو ما يحتويه الجهاز المعرفي للمهاجرين، بكتابة تاريخ وهمي وتلقينه ليكون حقيقة عند المتلقي وفيه كراهية لكل ما غيره، للشذوذ كخطر وليس كمرض، وللأديان في المحيط، كالإسلام مثلا، بل يجري نوعا من التبرئة لبعض آخر من الأديان، التي لا تشكل خطرا لكسب المصداقية، وتجنيد إحساس المظلومية معه، فتجد إنسانا جميلا مهذبا يتحول إلى كتلة بشعة عندما يتكلم عن الآخر، بل يتحدث عن الإنسانية والمحبة، لكن ردود فعله وقوله على أي أذى، يصيب مخالفه هو رد فعل خال من الإنسانية بشع مقيت بالكراهية.

الرعوية هذه هي من أسباب البحث عن فرص مغادرة المكان وفقدان الشعور بالانتماء، رغم الحنين الطبيعي للوطن، ولكن بلا من يكرهه فيه.

الانتماء مسالة تأتي ليس للأرض وإنما للبيئة ككل، ومنها المجتمع الذي تزرع فيه الكراهية دون قصد، وإنما للمحافظة على الرعوية، وهذا أمر تحس بالأسف له عندما تطالع وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك، وتجد أن كل المخالف شيطان رجيم، وأن الملاك هو هذا المسخ المليء بالكراهية، وتجد هذه المسوخ من كل الأديان والطوائف لا تكاد تميزها في تطرفها عما تتكلم هي عنه بالذم، ولكن لا تشعر بأنها تحمل ذات الصفات. فمنظومة تنمية التخلف كما كتبت مرارا، شعارها "نحن نحب الظلم ونحب أن نظلم، ولكن نكره الظلم حين يقع علينا"، و"إن منع الظالم عن ظلمه يعده الظالم ظلما له".

الانتماء مسالة تأتي ليس للأرض وإنما للبيئة ككل، ومنها المجتمع الذي تزرع فيه الكراهية دون قصد، وإنما للمحافظة على الرعوية، وهذا أمر تحس بالأسف له عندما تطالع وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك، وتجد أن كل المخالف شيطان رجيم، وأن الملاك هو هذا المسخ المليء بالكراهية.


فالتحريض وبث ما يؤدي إلى الكراهية ينبغي أن يراجع حتما من الناس المؤثرين، الذين يقودون المجتمع؛ لأنه ضد الإنسانية، عندما تحطم استئناس الإنسان وأخيه الإنسان. والاستئناس ضروري حتى بين العائلة والأسرة الواحدة، إن فقد التكافل والمحبة، ولا يفيد أمر لإحياء الميت اللهم بإعادة تنظيم الأسرة، انطلاقا نحو المجتمع.

الاستئناس:

الاستئناس من الإنسان، آدم أنس حواء، قبل أن تكون هنالك أحاسيس ببعضهما كجنس مختلف، لذا فكل ما ظهر بعد الإحساس بأنهما جنس مختلف لا قيمة له إن فقد الاستئناس، فلا حب ولا رغبة، ولا تعاون ولا تكافل بلا استئناس. فلو أخذنا الأسرة، منذ بدأ التكوين فستجد أن الاستئناس هو الأساس، فالجمال راحل مع الكبر، والمتع تتضاءل مع مواجهة الحياة، وكل الحياة في حركة ويبقى الدافع للالتئام والتعاضد هو الاستئناس، الذي إن فقد فإن من أسهل الأمور الاستغناء عن جميلة الجميلات، وألطف الرجال معاملة ووسامة وغنى من أموال وأملاك، ومع الاستئناس يبقى الجمال رغم الزمن ويبقى الغنى وإن امتد الفقر.

والاستئناس مزرعته النفس عابرة للزمكان، فمهاجر الوطن مع المحبة لا يهجر معارفه وقد أنس إليهم، فالمكان لا يفقد المحبة والتآلف وكم منا ما زال يتواصل مع مهاجر قد يختلف عنه بالعقيدة والدين والقومية وما كان يجمع بينهما إلا الاستئناس، وهنا ترتقي عظمة الإنسانية التي هي بداية الخلق للآدمية، حيث لم يك إلا آدم وحواء لا يجمعهم إلا الاستئناس، فلم يأتهم إبليس ليريهما أنهما مختلفان.

هذه الحقيقة التي ينبغي البناء عليها من الدعاة والوعاظ في خطبهم والقداسات وفي محاضرات النخب، مهما تغير معتقد من معك. حافظ على أنسك لأنك بهذا فقط تكون آدميا كما خلقك الله إنسان.

https://arabi21.com/story/1501733/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B9%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AE%D9%84%D9%81

الجمعة، 17 مارس 2023

51 - جناحـــــــا العقاب

 

إن الحكمة في السلوك من معالم الحكمة في التفكير الاستراتيجي، والتفكير الاستراتيجي هو تعبير عن إدارة الحياة ككل، وتعبير عن فضاءات التكامل أمام الظرف وما فيه من معوقات ومشاكل؛ بل منعطفات مصيرية تهدد الأمة من أخطاء يرتكبها الجميع مقصودة أو غير مقصودة وإنما تأتي من خلال سياقات العمل، ومن يعمل يخطئ حتما في بعض الخطوات، بيد أن القيادات الدؤوبة والفطنة تستعيد الأمور لتعيد تركيب المعادلة بما يتجاوب مع المتغيرات وأمانة الأمة ككل؛ التي يحملها كل طرف.

راية العقـاب:

إن راية العُقاب يرفعها دوما جناحان متماثلان في إتمام وتكامل عناصر القوة والارتقاء والتحليق عاليا لرؤية المشهد بشكل أوضح، الأمة ككل بتفاصيلها بحاجة إلى تغيير وتعديل وإصلاح للجهاز المعرفي للأيديولوجيا وللغايات، بشكل ينسجم مع واقع ومستجدات الحياة. وقوة كهذه تحتاجها تفاصيل الأمة في ضمان حقوقها والسلام فيما بينها لتتحد من أجل أن تشارك في تطور المدنية، ولا تبقى تبعا أو عالة أو عرضة للإخفاق أمام التحديات، بينما فيها طاقات إيجابية وتنوع تعرقل مزاياه الصراعات.

في منطقتنا هنالك جناحان قابلان للتكامل والتحليق العالي للحفاظ على معادلة الاستقرار والأمن بكل أنواعه في المنطقة؛ هما تركيا بقيادة حصيفة وعقلية بنّاءة واستراتيجية التفكير، والسعودية التي تعتبر بقيادتها الشابة تحمل معاني كبيرة من الحراك والطموح؛ وتعد الجانب الموازن للجناح التركي من نواح عدة تدعم الديمومة والمطاولة، وفي الاقتصاد والمرونة السياسية والعلاقات الدولية


في منطقتنا هنالك جناحان قابلان للتكامل والتحليق العالي للحفاظ على معادلة الاستقرار والأمن بكل أنواعه في المنطقة؛ هما تركيا بقيادة حصيفة وعقلية بنّاءة واستراتيجية التفكير، والسعودية التي تعتبر بقيادتها الشابة تحمل معاني كبيرة من الحراك والطموح؛ وتعد الجانب الموازن للجناح التركي من نواح عدة تدعم الديمومة والمطاولة، وفي الاقتصاد والمرونة السياسية والعلاقات الدولية العميقة زمنيا، والتي ستصبح لامعة عندما تتكامل وتتناغم مع دولة كتركيا في دعم بعضهما للإقلاع بالمنطقة في جو التكامل والتموضع بعد ما هو ينذر بوقوعه في مكان جديد، في معادلة دولية قادمة -تعززت أثناء كتابة المقال- والصمود والإضافة للبشرية، ولتكون المنطقة كالعقاب منيعة شجاعة لا تظلم أحدا ولا تسمح لأحد أن يظلمها، ثاقبة النظر وهي تتعامل مع الفوضى تماما كما في عالم الطيور حيث الصقور والنسور كالعُقاب مهابة لكنها لا تتجاوز حقوقها في الحياة والمحيط.

فضاءات التكامل بين تركيا والسعودية:

من اللافت للنظر تلك الرؤية البعيدة المدى والتي بادرت لها السعودية بدعم الحركة النقدية لتركيا، وهي دولة تمثل نوعا من الاكتفاء والسند في الأمن الغذائي والدبلوماسي والعسكري. فتركيا بحجمها الكبير إن دعمت فهي ولا شك تتكامل مع السعودية للنهوض بالبيئة المضطربة في المنطقة.

التكامل هذا بعيد المدى ويمكن أن يحتوي الصالح من دول المنطقة وما يمكن أن ينهض بمواجهة أزمات عالمية كالجفاف والنقص في الموارد المائية والغذائية والحركة الاقتصادية ونوعية الاحتياجات، لإبقاء درجة من الرفاهية تعطي مطاولة زمنية لتحمل المتغيرات من عامة الناس.

الشركات التركية تستطيع أن تحقق كثيرا من المشاريع والأفكار مثل التي طرحناها في مقالات سابقة:

1- كإدخال الميناء الرئيس إلى داخل الأراضي السعودية أو دراسة هذه مع إكمال فتح قناة تربط الخليج العربي في البحر الأحمر، وهو ما ستكون له أهمية وفرص استثمار لا تقل عن أهمية وجود قناة السويس، بل هنالك خيارات متعددة ستظهر في الحركة التجارية العالمية وخطوطها، وانعكاس ذلك على الاستراتيجية للسعودية، وتطور وتعدد الموارد المالية والاقتصادية، وإقامة أسواق حرة ونقل سلس للبضائع، ومشاريع سياحية، ومد المياه وتحليتها بدرجات متعددة للزراعة وزيادة المساحة الخضراء.

2- إحياء مشروع الأنابيب التركي الخليجي من سيحان وجيحان إلى سد حديثة، إلى أن يتوزع في جنوب السد إلى جميع دول الخليج لنقل مياه عذبة لا تحتاج أكثر من محطات تصفية عادية ليكون ماء صحيا صالحا للشرب متاحا وبكلفة إنشاء الخطوط أو ما يمكن أن يُتفق عليه وفق عقود إنشاء واستثمار أو استخدام بين كل الدول المستفيدة.

تميزت السعودية عند تركيا بموقفها من الأزمة، والآن في دعم تثبيت الاقتصاد لكيلا تؤثر الأزمة عليها، وإن ما سينشأ من علاقات متينة هي مهمة ومُفرحة بقدر ما تُحزن أعداء البلدين


3- طاقات البناء والإنشاء لن تكون كغيرها، بل سيدرَّب كادر سعودي على البناء وصيانة المنشآت بل وتنفيذ المشاريع وإدارتها هندسيا خلال الإنشاء وما بعده في مراحل الصيانة والتشغيل، وامتلاكه من الخبرة ما تمكنه من تحوير هذه المشاريع مع تطور التقنيات والتكنولوجيا في العالم.

لا شك أن بلاد الحرمين هي انتماء كل مسلم ويهمه استقرارها وأمنها بقدر لا يدانيه اهتمام آخر، فهي منطلق الوطن العقيدة الذي يعيش فيه المسلم أينما كان ولا يعرف هذا الإحساس إلا من زار الأرض وتعبد بأمانها وشاهد تطورها العمراني والتسهيلات الجادة التي تتسابق مع متغيرات الزمن.

لقد تميزت السعودية عند تركيا بموقفها من الأزمة، والآن في دعم تثبيت الاقتصاد لكيلا تؤثر الأزمة عليها، وإن ما سينشأ من علاقات متينة هي مهمة ومُفرحة بقدر ما تُحزن أعداء البلدين، لذا فالحذر واجب وتدعيم الخطى وأرضياتها مهم، بل وعمل مركز دراسات استراتيجي لتطوير العلاقات وكيفية بنائها برصانة وديمومة، فإن عُقاب المنطقة سيعلو حتما بجناحيه إن تناسقت حركتهما وسيكون مركزا لحراك أفلاك ثرية ذكية تحتاج فعلا لنواة كي تصلح ذاتها وتعدل المسارات، خصوصا بعد أن تستعيد السعودية علاقتها بإيران، فإن هذا سيجعل الوضع أكثر متانة واستقرارا إن توحدت التوجهات مدنيا، فالمنطقة بحاجة ماسة إلى استقرار زمنا طويلا.

https://arabi21.com/story/1500322/%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%AD%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%A8

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...