الجمعة، 30 يونيو 2023

68 - وفي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ

 




النفس
النفس الآدمية خلق دال على العظمة الإلهية في خلق يحمل القدرة على التعلم والإبداع، من تشييد أبنية لا يُرى الإنسان إن وقف قربها لفرط فرق حجمهما، إلى إصلاح الإنسان بالطب والعلوم التي ما انفكت تتوسع وتُذهل. النفس هي أنت وأنت خلق الله. ألم تر أن الإنسان ما كُتب له الخلود في الأرض ومع هذا يعمرها، لا يغلبه إلا قضاء الله. وإبداعه يأتي بحسن إدارة أقدار الله باتباع سنن الكون؛ فالنفس الآدمية غير الجسد البشري، إنها أنا وأنت وكل كينونة حية من بني آدم. ولعل ما ذهب إليه المفسرون في أغلب الأحيان هو الأفعال الحيوية الموجودة في كل الأحياء المعروفة تقريبا، فهي ليست ميزة، وإنما التمييز للنفس التي تفكر وتقرر وتستوعب وترتقي درجات، وكلما تقدمت في العلم تجددت فكرا بازدياد المعرفة والخبرة والتفكر بها وهضمها.

علينا أن نوضح التباسا دارجا بين النفس وبين الروح التي تعني الأمر بالتكوين لكل الخلائق، فخلق جبريل أمر وخلق آدم أمر وكل صنف بأمره واسمه، فالروح لم تأت إلا مفرد في القرآن وتعني أمر الخلق والحديث عن النفس بمفردة النفس وجمعها.

عمل النفس ومنظومتها العقلية

المنظومة العقلية التي هي النفس الآدمية حقيقة الأمر، والنفس لتقريب الصورة كالخزان الرئيس للحاسوب لكنه فاعل يعقل ويتخذ قرار أي له مساحة العزيمة والإرادة، فلا بد إذن أن يمتلك الأهلية كاملة ليحكم عليه وفق ما يملك من معلومة ويحللها فيستقرئ أو يستنبط أو يضيف لها الجديد، وهذه المنظومة تفقد الأهلية عندما لا يُتاح لها التفكير أو القرار حتى وإن فكرت، فالنفس تعتمل في منظومتها العقلية مسارات (سيناريوهات) متعددة لكل أمر وكل شيء ومشاهدات يحللها الفؤاد وكذلك نزوات وغرائز وحاجات تحكم صلاحيتها معايير أخلاقية، وتستقر السيطرة لأحدها فتتحول إلى إرادة التنفيد فإما أن تنفذ أو لا يكون لها فعل، بيد أن للزمن دورا كبيرا في إحياء النوايا بتكامل الأسباب.

الوعظ لا يصلح النفوس:

مع الزمن تتطور المدنية وتفرض محددات ومتطلبات سلوك، فليست الأخلاق منفردة تعمل في واقعنا كمعايير وإنما هنالك عامل إضافته الحداثة، لكنه حوّل المعايير الأخلاقية إلى شعارات تُزعم لكن لا تطبيق لها في أرض الواقع، ربما تستغل في التنمر على الآخرين، فهي ليست منكرة ولكن لا بيئة لتطبيقها. وفي أقوام أخرى تعتبر النفعية معيارا يحدث السلوك الحسن، فيكون الإنسان في دور العبادة شيئا وعندما يغادرها يعود لحياة أخرى ولا يشذ الواعظ نفسه عن هذا الوصف؛ وهذا الأمر خلق ازدواجا وتنحية للقيم عن الواقع، فلم يعد الوعظ والواعظون وسيلة إصلاح أو قدوة، بل نحتاج إلى نموذج على الأرض من خلاله يجري الخطاب الأخلاقي. وهذا النموذج ليس قالبا يفرض فوقيا، وإنما ينمو مع خطط التنمية في الحياة المدنية.

علاقات النفس:

في النفس هنالك دولة كاملة بوزاراتها الرئيسة، فهنالك وزارة تعنى بالداخلية ممكن أن نسميها الإدارة المحلية، وهي تدير تعاملات الداخل وتطوير الذات ومراجعة المعلومات وتقديم التقارير لاتخاذ القرار، تتعامل مع المعلومة والحاجات والغرائز والقيم المكتسبة وما يأتي من الخارجية التي تتعامل مع العادات والتقاليد وعلاقات الإنسان مع الآخرين، ومدى قوة العلاقة وأبعادها وتتفاعل الأفئدة هنا لتشكيل ردود الأفعال ومدى انضباط المنظومة العقلية في ترشيد الأفعال وردود الفعل.

هنالك تصويب للتفكير ومتانة المعايير والمتغيرات، فالآدمي السليم هو من ملك قلبا سليما أي منظومة عقلية سليمة تتفاعل مع المعطيات وتحسن التعامل.

الإنسان مخلوق يمتلك أدوات إصلاح ذاته وتتطور، ورضا الإنسان عن ثبات ذاته موت سريري ومباهاة بإشهار التخلف بسوء فهم معنى الثبات والحقيقة، لهذا فكر المفكر ليس في كتاب أو مقال منشور بل في كتاب يكتبه.

كيف تعرف نفسك:

النفس (أنا) لها استقلالها، وتندمج مع اسمها في مرحلة متقدمة عندما تعلم أن الاسم الذي ينادونها به يحمل تصور الآخرين لها وليس تصورها ثم تعتاد أن تكون كما تريد البيئة أو تفهم البيئة نظرتها لذاتها فتقول أنا، وفي البداية لا تقول أريد وإنما فلان أو فلانة تريد. والتربية مهمة في تصويب النفوس فمن تربت نفسه على الشك بالبيئة لا يستقيم له حال ولا تجد له عِشرة دائمة ناجحة، ومن زادت ثقته بالناس تعرض لامتحان سفه الآخرين، لكنه يبقى برقي الإنسانية يألف ويؤلف وهي صفة ممدوحة في الإسلام.. والنفس تستعبد بما تعتاد عليه ما لم تثبته عندما تراجعه، فتحررها هو تحرر من تصوراتها وقيودها ووضع مسارات لأحداث ليست حقيقية فيتملكها الخوف المعطل، بينما التغيير هو نوع من إبدال المسارات أو التراجع عن المتاهات المسدودة لخيارات أخرى، وسنة الكون الحركة والبقاء في ذات الدوار هو تضييع لأمور أفضل قد تكون وراء الجبل الذي ينبغي أن ترتقي سفحه.

ميزان الحكمة

النفوس التي لا تتوسع فكرا ولا تتطور علما ولا ترشد رأيا، نفوس ميتة فلن تتمكن من الارتقاء بالبشرية، والنفوس التي لا تحب لا تهدي للرشاد، والنفوس التي ملكتها الأنا فقيرة مهما ملكت من مال ووضيعة مهما أحاطها الجاه، فلا يمكن يُستعبد الإنسان وإن استعبد! ما لم تستعبده ذاته بالأنا، فلننظر إلى أنفسنا كيف صنعها الله وهي تدير ذاتها بأدواتها وكيف تشح عن غنى وكيف تعف عن فقر وكيف ترتقي بالمعرفة عندما تتفكر ويكون لها عزما، تلك النفس التي نُبهنا إليها أن نبصر ببصيرة المنظومة العقلية ولم يقل أفلا تنظرون، لأن النظر يرى السلوك والظاهر أما البصيرة فهي تفكر وتدبر ترى القيم في ظاهر السلوك وباطن العزم والإرادة واللتين يعبر عنهما الفعل والفاعلية في المجتمع.

الأحد، 25 يونيو 2023

67 - استراتيجيات ملحـــــــــة

 


مشكلة المنطقة:

 في واقعنا الإقليمي العربي والمحيط الإسلامي بها لا نجد لها أي حساب في الاستراتيجيات الكبرى وإنما هي واقعة ضمن التكتيك ككيانات وظيفية يتمكن بعضها من بعض ويعادي بعضها بعضا وبحراك وإيعاز ضمن التكتيك في استراتيجيات الدول الكبرى وفي صراع الدولتين الأكبر نفوذا وسيطرة على الاقتصاد، على الرغم من أن هذه الدول العربية والإسلامية هي مركز الأرض وتملك الطاقة والثروات الطبيعية والبشرية التي تبدد بسوء الإدارة ومن خلال التداعي وعدم الاستقرار، فلا خطط حقيقية تبنى ولا تعاون مخطط له أو تدرس جدواه وفوائده، لكن أحيانا تتحرك بعض الدول في تكتيك دولة عظمى ضد مصلحتها وربما وجودها ككينونة أو سلطة هي السبب في الخوف والانصياع، بينما لو اتجهت هذه الدول للتكامل في متعدد القضايا التي موضوع الساعة والتي هي مجرى الدم واللمف في جسد الدول الصناعية لكان لها وجود ورأي وذكر بدل التجاهل الآن وكأنها ليست على الخارطة إلا آبار نفط ومناطق استهلاك.

◄ أسباب ذلك:

تجهيل: عوامل كثيرة لن احصرها حتى لو أردت لكن أتحدث عما يمكن أن يراه المواطن الذي يفكر في واقع الحال، فنلاحظ البارز أن الاهتمام بالكراسي والوجود عليها وطلب حمايتها ممن لا يهتم بها والخوف من الشعب الذي هو القوة الحقيقية التي تدعم النظم، فيكون كما يقال العدو داخلي تحتار بان تقضي عليه أو أن ترضيه، فلا ترتبط السلطات إلا بالمنتفعين، أو جيوش من الجهلة الذين يتغير موقفهم وفق ما يرونه مصلحتهم وهم أصلا لا أهلية لهم للحكم على المصلحة فتندثر النخب وتوأد الكفاءات أو ترحل تلك التي تجعل بجهدها ومخرجاتها قيمة لأي كيان.

أفيون العصبيات: 

إثارة وتأطير الخلافات العقدية أو ما ينتج عن إثارة غريزة التدين أمام معلومة أو فهم قليل، فيربى الناس على التدين وليس الدين ثم يستغل هذا في تأجيج الصراعات وهذا لا يخلق تفاهما مدنيا بل أحادية النظرة، يرى عيوبه في الآخر كما يراه ولا يرى نفس العيوب فيه، وهذا العماء لا يعتمد على علم وثقافة أو تأهيل علمي وظيفي بل يميزه التوقف والمراجعة مع الفهم وتحسس الأمة بسرطان ينمو داخلها، وهذا لا يقتصر على المتدينين بدين بل المتدينين بالعلمانية وما تحويه من أفكار منقولة من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار فهو أفيون يضرب موطن العقلانية بالوهم وان سمى البعض نفسه بالعقلانيين، المشكلة أن الكذب في هذا الاتجاه ليس بتصديق الناس له وإنما بتصديق من يكذب لنفسه فيكون الفساد.

تبديد الثروة:

 هنالك فائض نقدي وإمكانيات للاستثمار بل توطين الصناعات والهيمنة الاقتصادية على العالم والتحول من الوظيفية إلى الفواعل فقيادة الاقتصاد العالمي في المال والأعمال والسياسة، والمعاملات الاقتصادية من بنى تحتية كالثروات الطبيعية والبشرية متاحة ومتوفرة، بيد أننا نرى أن هنالك مجالات مفتوحة لتبديد المال باستثمارات لا معنى لها أو قيمة في ارتقاء البلد، أو شراء لكماليات وطاقات لا يحتاجها الواقع مجرد تبديد للأموال وقناعة السلطات بينما هنالك معاناة للطاقات وسوء معاملة واهتمام بالكوادر التي في المنطقة وإحساس بالدونية أمام الكوادر الأجنبية وصرف الأموال لتقوية إنتاجهم ولكن لبلدانهم، وهنا تأتي عملية الطرد بلا امر وإنما ارتحال الطاقات لتخدم بلا ذكر أو عوائد للبلد الذي تهرب منه الطاقة، فتجد مستشفيات يديرها أطباء عرب من عباقرة الطب ويستدعى طبيب اجنبي ربما اقل مهارة بأموال طائلة نتيجة الهزيمة النفسية والإحساس بالدونية، الاستثمار خارج الإقليم يشجعه ديمومة الخلافات وعدم الاستقرار التي تثيرها أيدولوجيات مثارة مزعومة محصلتها إبقاء التخلف وتبديد الثروات مهما كانت أو وصفت الأسباب من غباء وتفاهة.

◄ ما الحل؟

الحل ليس صعبا ولا هو سحر أو معجزة، بل هو متاح ويحتاج مراجعة من الدول الرئيسة التي تمتلك الطاقة والثروة وحكمة في السياسة مع تفاهمات بينية تحل التنازلات الخارجية، ولست أدرى إن كان ما تفعله السعودية أو الإمارات في هذا الاتجاه فمن الصعب استبيان الاستراتيجيات إن بنيت بسرعة في عمر الزمن لكنها لا يمكن أن توصف بغير «الحصيفة» وهي تتوجه نحو الشرق أو قراءات الإمارات الواقعية من خلال تحركها نحو تركيا، وكذلك قطر في حراكها بذات الاتجاه أيضا وهذا سابق لهذا الوقت بحكم وظيفتها السياسية في المنطقة فمن الطبيعي أن تحافظ على روابط ودول الجوار الإسلامي.

الموضوع بالتأكيد لن يغطيه مقال.

https://al-sharq.com/opinion/25/06/2023/%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%84%D8%AD%D8%A9

السبت، 24 يونيو 2023

66- الفكر الشامل والحكـــــــم الشمـــــــولي

 

 

الفكر الشامل والحكم الشمولي

الشامل والشمولي

الفكر الشامل هو ما له نظرة عن الكون والإنسان والحياة، وأسس لقوانين تدير هذه الحياة.

الإسلام فكر شامل في تركيبته الأساس وليس(شموليا) ففيه أحكام متعددة وتتكيف مقاصدها عبر العصور وهي غير التشوه الشمولي الذي نعرفه أو الذي يتعامل به "اغلب" من يصل إلى السلطة من يرفعون يافطة الإسلام، فتراهم يحكمون بما يسمى الحق الإلهي وهم يظنون انهم يحكمون بالإسلام ويظنون أن البيعة بالصناديق أو غيرها هي توقيع عبودية على بياض.

فالشامل في أحكامه لأمور الحياة بمقاصد عصر حكمه هو غير الشمولي الذي ينتقل عبر العصور بلا تغيير فتراه عاجزا عن الظهور بغير الفعل الغريزي أو الديمومة بغير استثارة الغرائز من حب البقاء أو التملك أو السلطان أو التدين كحالة مضافة في الإسلام عن العلمانية أو اليسارية التي تفرض الراي بالدم.

لا يكفي أبدا أن يطلق الاسم على فكر عامل أو نظام حاكم ليكون فعلا هو التطبيق للفكر، وإنما هي اجتهادات أحيانا وأحيانا أخرى تخلف وبلادة، حتى في الأفكار التي نبعت من منظومة عقلية فلسفية بشرية، تحتاج إلى فهم وتفسير، والا فان الصراع لا يخلق الاستقرار اللازم لمدنية إنسانية أو حياة كريمة تليق بالآدمية.

فالفكر الشامل هو من يملك قواعد وأسس التشريع وآليات التجديد من داخله، والإسلام هو كذلك لولا أن عطله الإسلاميون بالعيش في الماضي فيعجز عن أي إصلاح للواقع بل يفسد الداعون إليه أنفسهم بحمل أوزار الماضي ولا يرون فسادهم باعتبار فعلهم حق لمالك وهروب من فكر طوباوي لا يناسب الواقع والحياة فيدمر النفسية التي تحمله لتدمر هي الأخرى الحياة.

عندما يتعامل المسئول مع الشعب وكأنه سيد هذا الشعب وليس أجيرا عند الشعب فانت أمام حكم شمولي.

إن كان المواطن آخـــر هموم السلطة فانت أمام سلطة شمولية

 إن ثبتت منظومة الحكم ميزات ما فاق الواجب فهو مال مغتصب وان كان بقانون لكنه ليس شرعيا، فانت أمام حكم شمولي وان لبس لبوس الإسلام وزعم الورع والتقوى.

من يحكم؟ أم كيف سيحكم

من البديهيات في عالمي الأفكار والأشياء  أن المنظومات المتخلفة دوما

 لا تتحدث عن الإنجاز لتختار من يحكم وهو يعرف كيف يحكم بل تتحدث

 عمن يحكم أن كان منها أو من غيرها، وترى الناس تتفاعل وتتحدث

 عن الانتخابات ومن سيفوز فيها ولا تسال عن (كيف يحكم) أي رؤيته

 وبرامجه وكيف سيحقق لها آمالها التي تنساها هي ومعاناتها التي

 أصبحت من ضمن حراك الحياة اليومية، كانت الناس هذه تسمى

 اللامبالية أو غير المهتمة، لكنها في عصرنا تسمى حشود المجالس

 والكيبورد، لن ترى من يسال كيف ستقوم بعملك وماهي رؤيتك لهذا

 العمل، بالمقابل يعتب هؤلاء العاملين بالسياسة على من لا ينتخبهم بل

 يعتبرون عدم الخروج للانتخابات ذنب كبير دون أن يرى الجرم في اختلال الموازين وفقدان الرؤية لتحسين حياة الناس.

لا دولة بلا تخطيط:

الدولة ليست تسيير حياة يومية من خلال أجهزتها المتعددة وكفى، بل الدولة ما لها رؤية تجاه متعدد الأمور في الحكم والعلاقات الدولية والجيوسياسية أو استراتيجية.

البلد مهما ملك من مقومات وآليات متاحة وثروات بشرية وطبيعية فهو لن يتجاوز مرحلة السلطة في أحسن الأحوال ما لم يمتلك القدرة العقلية والمنظومة العقلية المتوازنة التي تفكر بطريق استراتيجية وتنتج ما يمكنها من استثمار الثروات بكافة أنواعها بشكل صحيح، وسبق الزمن في سد متطلبات تصبح معيقة وملحة وتدخل البلاد في حرج إن لم تُفعّل، وهذا ما يحصل في بلداننا بشكل وكأنه امر طبيعي ليست القيادات مسؤولة عنه.

خلاصة القول:

حكم الفكر الشامل انشغال أهل الفكر باستقراء الواقع واستنباط ما يدير الحياة بشكل عادل وما يعين الناس على الاختيار وتمكينهم من أنفسهم (امتلاك الأهلية) لان الله جعل الآدمية في الأرض لاختبار أهليتها، وليس واجب الدولة أن تجبر مخلوقا على ما لايري أو يعاقب على تفكيره مالم يشع فاحشة في المجتمع أو يسيء لبنيته وترابطه ووجوده، فالحكم للفكر الشامل حكم خدمة وأجراء لإدارة المصالح الداخلية والخارجية والتفكير بدقائق الأمور لتمكين الناس ما كان استطاعة لذلك.

وأما الحكم الشمولي فهو الإحساس بالسيادة لا على العمل بل على الناس، وظهور السطوة والسلوكيات المنحرفة والفساد وظلم العباد وباسم الحرية والعلمانية أو باسم الله تجري كل أنواع الجحود بالنعم وانتهاك كرامة خلقه، وتظهر أهمية من يتولى الحكم ولا يسأل عن رؤيته وقيادته، وليس كيف يحكم، أما كيف يحكم فلا يبدو اهتمام لان نجاحه هو أن يفشل غيره وبرنامجه هو منافسي فاشل.

إن الإسلام فكر وحكم شامل وليس شموليا وإنما ظهر شموليا لانه يستدعي اجتهادات حكم المتغلب أو الخلافات السياسية والفقهية القديمة ويتخاذل الدعاة والمثقفون عن التوجه للاتحاد واغرق الباب على الجهل والرجعية في التفكير والتبني، ومن ثم إبراز ما يقود العصر بفكر إسلامي وكان القرآن ينزل اليوم 

وليس باستدعاء سلبيات الماضي وفق قراءات مشوهة تنتقص من الدين والرسالة وتمزق الأمة إلى فرق بدون أن يكون لذلك مسوغ إلا الجشع والطمع وفاعلية الغرائز بدل المنظومة العقلية، ولاشك أن من يزعمون الليبرالية والعلمانية أو غيرها هم بذات الكهف والنفق المسدود لان طريق التفكير واحدة والجهاز المعرفي واحد وهم لا يعرفون كنه ما ينسبون أنفسهم إليه إلا ظنا؛ فالأمة لن تنهض إلا إن عرفت هويتها وكينونتها وهذا ما لن يكون وفق الأساليب العدمية اليوم التي تصدرها الجهل والجهالة.

https://arabi21.com/story/1520290/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D9%88%D9%84%D9%8A

السبت، 17 يونيو 2023

65 - بنـــاء الامـــــة وبناء الدولـــــة الجـــــ الثاني ـــزء

 



    

الدولة حاجة مجتمع وأمة:

الدولة، إدارة شؤون الشعب، الشعب كان عائلة من اسر، ثم قبيلة ثم مدينة، ثم اقتضت المصالح أن تتوسع الدولة إلى مدن لتتكامل مع بعضها في الإنتاج والأعمال، فكانت دولة إمبراطورية تصب إليها موارد من الأطراف لسد حاجتها، فتأطرت متطلبات جديدة للشرعية، كبرلمانات بشكل مجلس أعيان يعطي  الشرعية لعظيم أو قيصر، وان لم تك فبنقاء الدم والحق الإلهي، والسردية أن تتنازل الشعوب عن حرياتها وتعتاد الأجيال وتنسى أنها تنازلات، إلى أن أتى الإسلام بمبدأ البيعة المنطلق من مفهوم الشورى، والبيعة عقد بين الحاكم والمحكوم، وله حدود رأيناها في تكرار البيعة لرسول الله ﷺ مع تغير الظرف والحال وليس هنالك بيعة مطلقة إذ لابد أن يعود للشعب في اخذ ما يسد الموقف من شرعية، ومثال ذلك ما حدث في معارك بدر واحد والخندق والعقبة وغيرها من يراجع السيرة بتمعن يدركها، وانتقلت إلى الراشدين، إلى أن تحولت إلى الملكية في العهود التالية وفي الغرب عندما انقلبوا على الملوك تحولت إلى الدولة القومية، ثم دولة الحداثة التي تمتلك الإنسان برضاه ووفق نمط الحياة الذي يطلبه الواقع والقانون وهنا نرى أن الدولة باتت حاجة واقع مع الحاجة الاجتماعية بتعاظم الحاجات وتفرع العلوم والمعاملات، وتعدد الكيانات وتباين الراي والفكرة فلابد من موجه لكل هذه النغمات كيلا تكون نشازا.

إن بناء الأمة مهم جدا لتكون الدولة، فلا تتبنى الدول بالمستعارات الاصطلاحية الرنانة كالفسيفساء ودولة المكونات، فالمكونات التي لا تشكل أمة لا تستطيع بناء دولة، بل ستبقى كيان هلامي يستعد للتشظي والهروب من ضغوطات القوة والنفوذ، ومن يتعامل مع هكذا واقع لا ينبغي أن يعمل بشروطه وإنما بإقناع الكل بإصلاح شروط تفكك وان بدت الناس مجتمعة، فمن يجتمع هم باحثون عن مصالح آنية لا تنتج مدنية ولا عمران، ولا ثبات لدولة الإنسان.

هنالك سرديات غير هذه لحراك التأسيس للدولة بيد أنها بمعنى واحد في كل الأحوال، فالدولة دوما تحدّث كما وضعنا من سردية، فهي بمحتوى الفكرة والحاجة المستجدة أوجدت الحداثة في أوربا، وكانت الدولة المسيطرة على كل امر بمفهوم الوكيل المطلق الذي اخذ بعض حقوق المجتمع مباشرة واخذ الأخرى لسيادة القانون فكانت الأمور بيد السلطة والسلطة للدولة، لكننا هنا سنتحدث عن بناء الدولة، عن ضمان الأمن والاستقرار والنظام، أو نمط الحياة الهادئ ما امكن، وعن قوة مفوضة بالقانون وتطبق القانون فإما أن تنجح أو تتنحى لغيرها في انتخابات، هي كالبيعة لكن محددة بزمن أما البيعة فهي امر محدد بالشروط العقدية، والتي لابد عند تحديث العمل بها أن تحدد بحد اعلى للزمن كأحد أطرها وتديره آلياتها.

بناء الدول وبناء الأمم:

كيانات بنيت بلا تاريخ كالكيان الصهيوني، وكيانات وضعت في قالب الديمقراطية ولم تراعي بناء الأمة كجنوب السودان المتكون من مجموعات قبلية زجت في نظام ليس لها مقوماته، فأما الكيان الصهيوني فهو دعا إلى مشترك هو الدين لكن الدين اليهودي شريعته لا تحدّث فهي شريعة دين وليس دولة، فكان عامل الترابط هو الإعلام والانطباعات الجاهزة المستخدمة الدين كعصبية، وفي ذات الوقت الخوف من المحيط كأداة لتجمع غريزي ينفرط بالاستقرار إن حصل.

كذلك دول فككت وتشظى نسيجها كمجتمع، مثل الدول التي تعرضت للاحتلال أو قامت بها حروب داخلية كالعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها ممن هو مهدد بها، هذه الدول بحاجة إلى بناء نفسها كأمة فما نراه من تشكيل لبقايا إدارة تاريخية، أو سلطة لا يشكل حقيقة معنى الدولة التي تحفظ الأمن والاستقرار وكرامة الإنسان بما يعتقد أو التصالح مع كل هذا ليكون مقبولا عند الجميع بالعقلية والنفسية وليس مجاملة تخفي الاستنكار والاحتقار.

إعادة بناء الدولة: هو مشروع مهم يحتاج لأناس تفكر وإعلام حي فاهم ومدرب ومقتنع بعمله، وكلفة عالية مادية ومعنوية لتعديل الشخصية في هذه البلاد أي العقلية ومنظومة الجهاز المعرفي والنفسية، وهذا يعني التعامل مع المختلف كأمر طبيعي لا ينقص من كينونته شيء ولا يسمح بمس كرامته.

ماهي احتياجات بناء الدولة:

صراع الشرعيات هو اهم ما يواجه إنشاء الدولة، فشرعية سابقة، وقوى تجد نفسها أنها أحق بالحكم وشرعية قبلية وشعبية وثورية، وشرعية دينية أو مذهبية، وشرعية دولية تجد أنها تدافع عن نفسها من خطر قيام دولة، وشرعية قوة خارجية تريد أن تبني الدولة على مزاجها ووفق مصالحها، وشرعية ناس اتو من خلال الحراك كأدوات لكن أصبح لهم وجود وفق تخطيط الأحداث وتشوهات المتضادات، فكيف سنخرج من هذه الشرعيات بشرعية الدولة.... من المؤكد أن الحاجة للكثير منها ما يلي:

·      قيادة على قدر عال من المسئولية لا تبحث عن مصالح ضيقة أو خالية من الرؤية أو متشبعة بحب السلطة وترفض الآخر سواء كانت إسلامية أو علمانية أو أي تسمية أخرى، وإنما تثبط التحديات لكيلا تنشغل بها أو تعتبرها همها الأول.

·      قيادات قادرة للتحدث مع بعضها والوصول إلى حالة من بناء الأمة وثقافتها بعيدا عن منظومة تنمية التخلف والإقصاء وقادرة على التعاون لبناء الأمة؛ لا تختلف على الأولويات أو العائدات.

·      أن تكون هنالك رؤية وبرامج، لا تقارع الموجود أو المهزوم وإنما تطرح نفسها وتنشئ إنجازاتها.

·      ضرورة وقف الصراع، وجعل المعيار هو الإنجاز في طريق بناء الدولة وتراص المجتمع وليس البقاء في السلطة واستحصال النفوذ والمكاسب والمال، أو استخدام السلطة لفرض الراي.

·      الدولة ستحتاج إلى قوة جيش وشرطة كبيرة تحمل رؤيتها، لكن ضمن خطة السلم والحرب كالبناء والاستقرار والمصالح، وهذا يحتاج تربية ومنظومة تعليم خاصة.

النظم ديمقراطية، دكتاتورية، وراثية، كلها نظم لها مساوئها ومحاسنها، الغرض هو كيف يحصل الاستقرار وبناء الدولة فهي مسائل مدنية ليست أيدولوجيات ولا يمكن تحويلها إلى أيدولوجيات، إنما بناء الدولة يحتاج إلى عقليات استشارية نظيفة، وليس إلى هياكل منقولة عن تجارب أخرى تحمل الفساد وليست مهتمة لبناء الدولة وكذلك قوالب البرلمان والسلطة إلى لجان الإغاثة أو المؤسسات الدولية إلى كل ما هو في طريق بناء لن يكتمل أبدا بغير بناء الأمة وثقافتها وترابط أفرادها، لا تذكر فيها مكونات واختلافات وان كانت محترمة ضمنا لان ذكرها اعتراف بالتفكك وليس البناء.

رابط العــــــــربي 21

اضغط هنا

الفيسبوك




الجمعة، 9 يونيو 2023

64 - بناء الامة وبناء الدولة الجــــــــــــــ الاول ـــــــــــــزء

 



بنــــ الامــــــــــةــــــاء

اضحى لزاما تعريف المعاني والأفكار في زمن أصبح فيه عرض الحلول وكأنه راي مقدس، لا يتحاور الناس وإنما كل يرى أن ما اقترحه متكاملا رغم انه بلا دراسة وربما ليس في اختصاصه، ولا آليات أو منفدين هو لا شك استنارة يظنها البعض في طرح يؤيده البعض الآخر ممن يقلب صفحة لينسى ما قرأ.

هذا الموضوع مهم جدا بعد تفكك الأمة عبر القرون، وتمزق الدولة في كل تعاريفها، ونحن نشاهد الأثر الواضح في امتنا ما بين التقسيمات القومية والتقسيمات الطائفية والصراع غير المبرر بتعالي رفض الحراك الفكري والتعدد والتنوع الإيجابي والخلط الملتبس بين معنى الدولة والأمة ونقض غزل الاثنين بالجهل ومنظومة تنمية التخلف التي جعلتنا مفضوحين فعلا بكم التخلف المدني والانحدار الحضاري بعد أن سترنا ردحا بورقة التوت التي للأسف كانت دكتاتورية وطغيان ومصادرة لأهلية الشعب وحقوق الأنسان.

إن أي إنسان يمتلك القناعة انه يملك الحقيقة، فهو في الواقع يمتلك حقيقة إدراكه التي هي ادراك نسبي للبيئة الإنسانية المتعددة المساقط على ارض الواقع، لكن هذا لا يعني انه خطأ أو يعطيه الصواب بالمطلق، فالتفكير السليم هو الذي تدعمه سنن الكون ويستطيع التفاعل مع التعدد الفكري والدرجات في المدنية من خلال إيجاد واقع تعايش طبيعي وليس تكيف مضغوط، فالإنسانية لها واجبات رئيسة مما نراه من مجمل مخرجات المنظومات الإنسانية، وهي تشترك بها كقيمة ترتفع وتنخفض وفقها ألا وهي الإعمار والكرامة الإنسانية أو الآدمية وفق التعبير القرآني.

معظم من ينادي بالأيدولوجيات ويقدسها سواء المنسوبة للدين أو الأفكار الأرضية الشائعة تجده عند تطبيقها يفرغها، لتتحول بشكل وآخر إلى الاستبداد، لأنها لم تتجذر في الواقع كبذرة وإنما أضحت شجرة هرمة في الخيال لا تجد وسيلة لغرسها في الواقع إلا بخيال معتنقيها، وان مظاهر اتباعها في الواقع تعاني من انفصام بين الفكرة والتطبيق إلى أن تصبح الفكرة مجرد عادات أو تقاليد طقوس لها زمانها ومكانها وتنتهي بمغادرة هذا الزمان والمكان.

حتى الإسلام وهو المتميز عن الأديان بشريعته ذات المثاني، وثقافة مجتمع لا تقتضي أن يكون كله مسلما أو مؤمنا باي دين يعيش اتباعه كغيره هذا الانفصام لان من يدعو إليه لا يسمع ولا يقرأ أي محاولة لتجديد الخطاب واستقراء الواقع لاستنباط من المثاني واغرق في الرعوية أو مؤسسة دينية أصلا لاوجود لها في الإسلام، وإنما يعيشون في تقديس للماضي وبكل إيجابيات أضحت تاريخ، أو سلبيات مازالت متفاعلة تهدر طاقات الناس وتعيق اتحادهم أو فهمهم لصحيح الرسالة، التي هي رسالة لهذا الجيل كما هي رسالة لأجدادهم لكن منظومتهم العقلية استعمرت بالخرافات والخوارق واستحالة ادراك القدوات التاريخية أو الوصول إلى مكانتهم وعلمهم بمنطق محبط.

أي عقيدة أو فكر لا يمكن أن يستمر في قيادة المجتمع مالم يحوي أدوات تحديثه، والإسلام فيه أدوات التحديث لكنها أهملت بل أصبح الحديث عنها منكرا عند الغالب من المسلمين أنفسهم.

بناء الأمة:

الأمة ما تميزت بثقافة ومنهج معين وتجانس وتماهي رغم التعدد والتنوع، هذا ما اعرفه بها في عصرنا الحديث وواقعنا ، وان كان تعريف الأمة ممكن أن ينطبق على شخص واحد كنبي الله إبراهيم u فهو لو دققنا فانه ينطبق عليه تعريف الأمة الذي عرفناه، والأمة شعوب متعددة أو شعب واحد، والثقافة الاجتماعية مهمة في هذا حيث تجتمع عليها الأمم وان كانت متعددة الأعراق والعقائد، لكنها متجانسة في القبول لبعضها معاضدة متصالحة مع نفسها يجمعها السلوك الظاهر لغيرها وان كانت خصوصيات في الطقوس والملبس والمأكل لكل فرد أو مجموعة فيها، تتقدم إلى المجتمع من خلال أعرافها الخاصة لتصب في المنتج العام لها، فهي علاقة فكرية مدنية متصالحة منتجة متعاونة، أما إن لم تك منسجمة حتى لو كانت في ارض واحدة وتحت حكم واحد فهي ليست بأمة وإنما أطياف قابلة للصراع والفتنة والانعزال عن بعضها، فلا مصلحة تربطها بجمعها إن لم تك خصوصياتها الداخلية مفهومة وتجد مشاركة وتعضيد وحماية من المجموع، ويساعد في هذا البناء التصور المنقول للأجيال مالم يمزقه الجهل والخوف على الرعوية من تبديل المعتقدات وهذا سيجعل البعض يخلق حواجز مع أبناء الأمة وتتطور للكراهية والانعزال وفقدان الانتماء وربما تتولد حالة من الكراهية مؤذية للحياة المدنية.

بناء الأمة هو بناء تكاملي باحترام التعدد والقبول بقرارات المختلف التي بدورها تتفهم التنوع والاختلاف بالمشاركة والخبرة، وان لا تجري أي توسيع لمتطلبات الرعوية أو التميز والانا بشكل مبالغ فيه، يجعل هذا الجزء صغر ام كبر وكأنه قطعة ميكانو متخلخلة لا ينتقل من خلالها السائل اللمفاوي للحياة في الأمة، حالة انتماء عقلية وعاطفية إذن ترسخ في التربية البيتية وتقدس في دور العبادة والإرشاد والندوات والاحتفالات والمشاركة بنمط جامع أو مقبول يميز الأمة ككل عن طريق الإفهام والفاعلية المشتركة والاندماج والإعلام ووضع مشتركات في الآداب والفنون.

عندما نتحدث عن الأمة فإننا نتحدث عن محتوى مهم لإقامة الدولة وبغيرها قد تكون هياكل دولة بيد أنها سلطات، وربما من المتعارف عليه أن نتجه بتفكيرنا إلى الحكام عندما نتحدث عن الدولة، والى العقيدة عندما نتحدث عن الأمة، أو نمط حياة يتضح في الغرب، ويبدو عندنا في العادات والتقاليد التي هي عماد المظهر الثقافي، لكن الحقيقة أن الأمة من الفرد والفرد من الأمة هذه العلاقة التي تشكل المعنى الرصين مع كل ما ذكر من تفاصيل فكرية أو عقدية، الأمر يبدو معقدا في الوصف لكنه يفتح مجراه عمليا مع ما سنتحدث عنه في الجزء الثاني حول الدولة.

رابط عـــربـ21ـــي

https://arabi21.com/story/1517716/%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A9


السبت، 3 يونيو 2023

63 - اطر الافكـــــار لبنــــــــاء المجتمــــــــــــــع

 


المتشابه والمناسب

السيارة كلمة تطلق على أصناف وأنواع وأحجام، فهي ليست بمدلول واحد، كذلك هي ليست سواء في عصر واحد ولا بمكان واحد، فهي ابتكار مدني، لكل بلد له في صناعتها براءة اختراع ربما لكل جزء منها، كذلك السياسة فهي مدنية الطابع وهي سياسات، والنظم تسير في ذات المعيار، فعندما أركب سيارة موديل 1960 وأجدها مريحة، قد أفضّل نوعها لكن من الخطأ أن أقول إني لن أركب إلا تلك السيارة، وأن تحديثها جريمة لا تغتفر؛ أما أن استورد سيارة صُنعت للمناطق الباردة وأنا في منطقة حارة، فهذا يعني أني لن أستخدمها إلا لبضع كيلومترات، فإن كنت أريد صناعتي أن تعمّ العالم فلا بد أن أضعها بشكل مضمون ومواصفات تصلح للعالم ككل، بحيث يصل كل إلى هدفه وهو مرتاح والسيارة آمنة.

إن الإدارة والسياسة هي مسائل تتطور بتراكم الجهد البشري، والناتج الفكري يتوسع ليحتضن هذا التطور، ولطالما أخطأت البشرية بصنع الفكرة بقالب ما ثم تريد أن يحجّم الشعب نفسه ليتماهى وقالبها، وهذا لا يمكن مع أساس خلق الإنسان بمنظومة عقلية بلا حدود ضمن الوظيفة الكونية.

من الخطأ التصور أننا نقود الناس باستثارة الغرائز ونفاخر بأن لدينا أتباعا ومؤيدين بالملايين، ذلك أننا لم نقد منظومة الإنسان العقلية، وإنما قدنا نسخة مفرغة من الآدمية عندما جمدنا التفكير أو جعلناه مستعمرا لغريزة ما، ولا يختلف الأمر إن استغلت حاجاته لاستعباد نفسه التي لا يمكن أن توصف بالحياة ما لم تكن حرة.

المفاهيم

الناس خلقت مختلفة كبصمة الأصبع، لكنها تلتقي من أجل الأهداف وتحب التجمع؛ لذا كانت إنسانا، لكن متلازمة الاستبداد التي تنطلق من الأنا، تجعلنا نرى بوضوح أن أكثر حالات قتل الإنسان وقعا، ليست موته نتيجة تمرده، وإنما ذلك الذي يُترك ليعيش فاقدا للأهلية أو معطلة منظومته العقلية؛ إما بخوفها من التفكير أو أن ذلك ناتج عن التفريغ، كاستعمارها بغرائز كالخوف المُرافق لحب البقاء، أو التردي النفسي بغريزة التملك والنوع؛ هذا عندما لا يستطيع القادر على فرض إرادته بتمكنه من إيذاء الآخرين من الضغط على الناس ليكونوا مثله شكلا، لكنهم فارغون مضمونا. ولعلني مثلت هذا سابقا بفاعلية فايروس طروادة على الملفات، عندما يحوّلها كلها إلى شكل واحد لا يفتح وفارغ.

إن أخطر المفاهيم هي المفاهيم المشوهة عن أصل صائب؛ لأنها تفقد القيم الإنسانية والمتانة العقلية، وتبقي وسائل دفاعها التي تتخذ شكلا خاليا من الإنسانية والعقلانية التي يتصف بها الفكر الرصين. الفكر ينبغي أن ينعكس على السلوك، والسلوك الحسن ليس أساسه دوما فكر متماسك، وإنما قد يكون من ضرورات عقد اجتماعي تطلبه أنماط حياة معينة، تتعطل إن لم يك السلوك راقيا وإنسانيا.

المفاهيم والأفكار ليست ملموسة وهي في النظرية جميلة دوما، لكن نزولها إلى الواقع يتطلب فهما وتشبعا بالفكرة ومعايير أداء تحكمها، أي هنالك قانون وتعليم مستمر ينطلق من الواقع وليس من الفكرة المجردة، فالفكرة الأساسية نظريا سليمة، لكن عند تعاملها مع الواقع ستكون أمرا تطبيقيا له قواعد علمية.

لا بد إذن من تحليل الظاهر من استقراء الواقع، وليس استنباطا من تجربة نجحت في زمان آخر أو مكان آخر أو تاريخ آخر وثقافة أخرى، فالفكر يحتاج ثباتا عقديا، لكن المدنية إنسانية وتراكم للجهد البشري يمكن أن يتحرك بلا حدود، تستدعيه الحاجة إليه مع بعض التعديلات، كما ضربنا المثل بالسيارة؛ هي السيارة، لكن في المناطق الباردة تحتاج نظام تبريد مختلف، فالمسألة ليست بتعدد النظريات، وإنما بفهم الحراك التاريخي والتطور المدني للواقع.

النموذج

أود التركيز على الإخفاق التصوري؛ فتصور أن النموذج الناجح قبل ألف عام أو يزيد هو النموذج المطلوب تطبيقه حرفيا، هذا خطأ قاتل، التصور أن المجتمع جاهز لاستئناف تلك الحياة نوع من الهذيان، التصور أن الحاكم يبقى مدى الحياة وطاعته من طاعة الله. هذا تخلف وحجر على الأهلية والعقلية السليمة.. إذن لا بد من صنع نموذج "غير مقدس" في الواقع اليوم، وهذا النموذج قابل للتعديل والمراجعة والتراجع والتقدم، ولا يهتم أو يعتبر المنقول من الأفهام التي فرضتها تشوهات التاريخ أو اجتهادات الأولين، حتى لو كانوا من القريبين المقربين لعصر الرسالة.

فنحن بالتأكيد نريد منهجهم لأنهم فاهمون ومجتهدون لما يناسب عصرهم، ولكننا لا نريد اجتهادهم هذا وكأنه مقدس كالقرآن، فلا بد والحالة هذه وضع ما نراه يناسب الواقع، وفق خطوات منطقية إصلاحية وتعديلات على النموذج، وما تثريه التجربة إلى أن نصل إلى النموذج الذي نعرضه على العالم للعدل والبناء وخلافة الإنسان للأرض، بآليات قابلة لتطوير النموذج وتحويره بما بتعامل مع الزمكان؛ أي يمكن أن يطبق في منطقتنا مثلا، وذات النموذج يحور بآلياته المكتشفة ليستفيد منه أناس في أوروبا أو اليابان، كنظام مدني يتعامل مع الإنسان كأساس وجودي وليس كماكينة أو روبوت إنتاج يركض ولا يستطيع التوقف، ويمشي وفق قوانين صارمة لكي يبقى نمط الحياة سليما.

فكون الفكرة هي الحل، يعني أنها يمكن أن تنتج آليات متعددة لأزمنة مختلفة وأمكنة مختلفة؛ أي تتحرك هي باتجاه الزمن ولا نعيد الزمن ليناسب الفكرة، فالزمن مخلوق لا يعود والإنسان يمتحن بمنظومته العقلية التي إن جمدت فشلت.

إن النماذج الناجحة تختلف عن التجارب، فالنماذج هي تجارب ناجحة عدلت آلياتها وحوت آليات تطويرها ضمن منهجها. والإصلاح عملية منهجية مستمرة، فهي ليست للنقل كما هي، وإنما كمنهج فقط. نحتاج منظومات عقلية بها مرونة وليس لِينا ولا صلادة، ونحن كأمة انتقدت قيمها والتقليد الأعمى للماضي أو العيش فيه ذهنيا، وإنما أمرنا أن نعمر الأرض وننمي السلالة، لكننا نلاحظ أن الفهم للإسلام وكأنه أتى للماضي ومنه وليس أنه صالح لكل زمان ومكان، فيريدون نقل الواقع إلى الماضي ويستحضرونه بسلبياته، ناسين الفاعلية العقلية.

فالعيش في الماضي يخالف فطرة الإنسان ويفقده ميزته العقلية، ويتحول بذلك إلى مخلوق غريزي بعيد عن الآدمية ويهلك الحرث والنسل؛ لأن عقليته عدمية تتعامل مع الغريزة لا مع منظومة العقل، وهو يظن كل الظن أنه يفعل الصواب، فهو في واقع لا يناسب نفسيته، فيصبح كفايروس طروادة يعمل لأن تشبهه كل الملفات وتوصله مباشرة بسلبيات لا واقع لها في صناعة الحياة، بل هي ضد فكرة رسالة الإسلام نفسه.
نشر في العربي 21

السبت، 27 مايو 2023

62 - التمكين عند جالوت والمتفرعنين

 



الفراعنة والمتفرعنون، أناس قد تعجبك شعاراتهم وكلامهم، بيد أنهم إن تمكّنوا أفسدوا وأهلكوا الحرث والنسل، أقصوا الجميع ولا يتعاونون في البناء بأكثر من الكلام المبهرج. ولقد رأينا في واقعنا رؤية العين، من أجل هذا سنتحدث عن النفس الفرعونية في المستضعفين الذين إن تمكنوا تفرعنوا وما انفكوا متذمرين يرفعون الشعارات ويحطون الفعل.

"أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" (البقرة: 246).

* حالة التذمر، بل طلب التغيير بصوت عال وكأنهم في أفضل حالات الجهوزية للصلاح، فما بالهم يبقون تحت واقع لا يريدونه ويرونه نموذج للفساد؟!

* يريدون قيادة معززة للبدء بالتغيير.

* أمتأكدون أنكم مؤمنون بما تقولون وتدعون؟

* الجواب نعم، كيف نرى هذا الظلم والتردي ولا نغيره؟

من الفساد في الأرض عند التمكين إلى الإثارة والكلام والشعارات في مجتمعهم وهم غير متمكنين.. لماذا لا نفعل كذا وكذا، أنت أيها المصلح لماذا لا تقودنا لهذا الأمر وذاك؟ أتفعلون هذا حقا؟ الجواب الجاهز نحن لها؛ بل يشخّصون مواطن الضعف والنقاط الواجبة الإصلاح وما ينبغي أن يكون، ولكن وفق ما يشتهون وليس وفق الممكن والمتاح، ويسبق كلامهم (المفروض)..

وعندما يتطلب منهم المواقف وتصبح الأمور جدية تطلب من الداعين بصوت عالٍ التضحية، يتحجج الكثرة وأتباع المصالح ومن يريدون الزعامة والسلطة، وكانوا يتوقعون أنهم هم من سيختارهم النبي، فهم أصحاب النفوذ والمال والمكانة الاجتماعية. فكيف يختار لهم قائدا فقيرا لا عزوة له أو شخص يطلب منهم الاجتماع عليه؟ هكذا فعل بنو إسرائيل وهكذا نفعل نحن، فالناس سيتوجهون إلى عيوب المصلحين لا يهمهم المنطق ولا البرهان، بل تجدهم أول من يبتعد عن مسيرة الإصلاح، ويبقى مع المصلحين بعض المتأثرين بضرورة الإصلاح بمراحل متعددة من الإيمان، فيتساقطون في الاختبار.

والاختبارات أشار لها القرآن رمزا، والرموز تمثل الحاجة إلى الأشياء والضروريات، وغيرها مما يمكن الصبر عليه والاستغناء عنه، أو الاكتفاء بقدر الحاجة إليه، أُعد الناس وتكونت الأحزاب ونُظر لمن طال نضاله عند المناضلين، ومن ظهرت علامة السجود عليه عند المؤمنين، ومن تحمّل الجوع وما زالت عليه علامات السجن والغربة عند العاملين، لكن هل هؤلاء هم الصالحون؟

1- مع بداية المسيرة يأتي الجاه والمنصب، فمنهم من يغادر مسيرة طالوت إلى الجاه والمنصب حتى لو كان جالوت. وهنا تنتصر غريزة حب السيادة على ما طلب من مواجهة لجالوت.

2- تبدأ خطورة العمل والمواجهة للظروف القاسية وحرارة الواقع وجفاف وشظف العيش، فسيتوجه القسم الآخر إلى البيوت حيث الظل والأكل وبئر الماء. وهنا تسيطر غريزة حب البقاء على قيم تتطلب التضحية والعطاء، واحتمال فقدان النفس والمال في سبيل الإصلاح.

3- سيجد البعض أن المال أمامه سائب بيديه وهو من يقرر أمره، فيستطيب الأمر وتنهض غريزة حب التملك لتقضي على الأمانة لديه، فتحتضر القيم والمبادئ أمام الشهوات والرغبات.

4- ثم تأتي موازنة الحاجات التي أشار لها القرآن بالنهر، نعم أمامك نهر جار تخوض به، لكنه ممنوع عنك أن تفعل به ما تشاء، اللهم إلا إن اضطرت لكي تبقى على قيد الحياة، فلا بأس أن تغرف بيدك غرفة لتستمر.

ثلاثة نماذج لا ينبغي بقاؤهم كمتصدرين للإصلاح؛ لأنهم عناصر تثبيط ومشاريع فساد، والمداراة عليهم هي من معالم الفشل وتشييد صروح الفساد، هكذا قالت آيات سورة البقرة 246-248.

المثالية ليست حالة متوقعة:

النموذج القرآني يقول؛ إن هنالك ثلة ستجتاز كل هذا الامتحان مخلصة مضحية معطاءة، لكن عندما تأتي للمواجهة والشر، ستواجه هذه الثلة المؤمنة المصفاة من بينها من يثبطها. إن الفساد طاغ قاهر متجبر لا يمكن القضاء عليه أو مواجهته، والأفضل أن نسكت عليه، وأن نساومه، اسرق لكن ابنِ قليلا، لا تأكل كل الحقوق، لا تهرب بكل المال، لا تفسد كثيرا في الأرض، وإنما دع متنفسا للناس كيلا ينفجروا من شدة الظلم والفساد، ويبقى آخرون يصرّون على الإصلاح.

إن من سيواجه الفساد والظلم ليس من أصر على المطاولة، ولا من أصابه الإحباط من هول ما يرى، وإنما المنقذ من لا ينظر إليه أصلا؛ فتى صغير مثّله النموذج القرآني لا يحمل سيفا ولا صولجانا، وإنما الشباب الواعي الواثق بنفسه المتسلح بإيمان حقيقي والعلم والأناة، يعلم ما يريد ومتى يتحرك، هكذا كان داوود عليه السلام من نفض مقلاعه لينهي الجدل وتستقر الأمور.

إننا لن نواجه الفراعنة إلا بموسى وهارون، ولن نواجه جالوت إلا بداوود، وليس بالفرعون الذي داخلنا ولا بجالوت الذي يظهر فينا؛ إن تمكنا فحكم الفراعنة وجالوت هو هيمنة الظلم والفساد؛ لا بد أن نطرده من داخلنا وننقي أنفسنا من جالوت وفرعون لكي نسير مسيرة موسى ونحسم ظلم واستبداد جالوت، فلن يواجه فرعون فرعونا إلا ليكون محله، ولن يواجه جالوت جالوتا إلا ليكون باستبداده.

ولا بد أن نتأكد أننا نعبر النهر ولا نشرب، وأن نقول إن الصبر مفتاح الفرج والصبر ليس الاستكانة، وإنما الصمود على الحق وطلب العدل، فليست النفوس تحب المواجهة رغبة، وإنما دوما اضطرار عن خير الناس "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم"، وفي كل الحالات وكل الأزمان يصرح القرآن بحقيقة أن الله يدفع الظلم بالحق وليس بظلم مثله، وإن حصل فهو امتداد للظلم وصراع بين الفراعة وجالوت وشبيهه؛ لأن الحفاظ على حق الاختيار بالعقيدة وسلامة الضروريات، هي بوجود المؤمنين الذين لا يسقطون بالاختبار: "وَلَولَا دَفعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعضَهُم بِبَعض لَّهُدِّمَت صَوَ ٰ⁠مِعُ وَبِیَع وَصَلَوَ ٰ⁠ات وَمَسَـٰجِدُ یُذكَرُ فِیهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِیرا وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ" (الحج: ٣٨-٤٠).

لننظر كيف قدم الله جل وعلا الصوامع، وهي مناطق عبادة عامة، والبِيَع وهي للمسيحيين، وجعل المساجد آخرها، فالمسلم مكلف بالدفاع عن حق المعتقد ومكان العبادة لغير المسلم قبل المسلم.

الإسلام لا يقبل الانحراف، وأي انحراف مكشوف بالأفعال والسلوك، وتمكينه ليس تسلطا ولا جبروتا، ويعبر عنه من فهمه، والاهتداء به لا يكون إلا للمتقين "ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين".

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...