الجمعة، 21 يونيو 2024

111 - مراجعــــــــــات الأفكار السلبية

 


مراجعـــــــ الأفكار السلبية ـــــات

عربي 21 رجاء انقر هنا

الإسلام صالح لكل زمان ومكان.. ليست مقولة وإنما لأنه فكر محمول بكتاب الله وهو لا يمر عليه الزمن، لكنه ليس جاهزا لكل زمان ومكان، فلا بد من تجهيزه وهنا يأتي دور الفكر البشري والمراجعات الإيجابية المستمرة، أما الظن بأن تطبيق الإسلام كما هو تطبيقه في صدر الإسلام باجتهاد الصحابة والفقهاء -وهي رؤية بشرية في عصر آخر وبيئة أخرى- فهذه أفكار سلبية لن تصل بنا إلى إمكانية الاستفادة من الفكر الرباني، هذا انفصال عن الواقع الزماني والمكاني بأبسط توصيف.

اما اعتباره كدين موقوف ونتعامل معه باستحضار التاريخ ومشاكله ونريد أن نتمسك باجتهادات عصر من العصور فهذا من المعيقات لصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، فالإسلام لو جرى التفكر فيه فإنه سيتعامل في عصر وزمن واحد مع مدنيات متعددة في الرقي بطرق وتشريعات مختلفة، ولعلنا على سبيل المثال وليس التفصيل، نجد للشافعي اجتهادات فقهية متباينة بين ما أفتى في العراق وما أفتى في مصر في زمان واحد، وهذا في الفقه فما بالنا والزمن في تغير سريع مع معطيات المدنية؟ ونحن نحتاج إلى دراسات قرآنية مستمرة للمثاني القرآنية (الطيات أو المعاني التي تعطي أجوبة متعددة).

التطور في الواقع لا بد أن يرافقه توسع في الدراسات من أجل إبقاء العدل في الأمة والعدالة في اللوائح والقوانين المنبثقة عنها


التطور في الواقع لا بد أن يرافقه توسع في الدراسات من أجل إبقاء العدل في الأمة والعدالة في اللوائح والقوانين المنبثقة عنها، ففكرة التزمت أو ترك فهم العامة من الناس وأحيانا الغوغاء أو الرعاع أو الرويبضات فهذه حرب داخلية، وصديق جاهل مؤذ أكثر من عدو عالم يحفزك بتحديه على إنتاج المزيد من الرصانة وأحكام المخرجات للمنظومة العقلية.

ما زال قابيل يقتل هابيل:

لم يخلقنا الله لتطبيق احكامه بشكل انسيابي وإلا لكنا ملائكة وإنما أتينا لإعمال منظومتنا العقلية للقراءة والتبحر في المنهج الرباني للإنسان والحياة، ونتذكر ونذكر دائما أن إرادة الله هي بجعل سلالة في الأرض، فهذا ينبهنا إلى أن المعلومة لا تكفي وإنما إدارة المعلومة هي المهم لأن آدم كان يعرف كل ما يلزم من معلومة وأن إبليس عدوه، ومع هذا اتبع غريزة حب البقاء والتملك والتمكين عندما استثارها إبليس عنده فنسي وزل ولم تنفعه معلوماته لأنه لم يحرك منظومته العقلية ويفكر.

كذلك نحن أمامنا مغريات هي ذاتها، ما زلنا نجنح تاركين غرائزنا تستعمر في منظومتنا العقلية فنهين تلك المنظومة أمام مغريات الجاه والتمكين أو الشهوات والمال والسلطة، ويمكن أن يكون كل منا قابيل يقتل أخاه هابيل الذي هو أكثر آدمية منه وإنسان راق بدل أن يتعلم منه ويساعده، لكن مع فرق الإصرار على الفعل وينسى بل ربما لا يعلم أنه في اختبار منظومة يفشلها بغرائزه وتمكينه الزائف.

الله لم يجبرنا على نظام:

إن الأهلية عند الإنسان أساس لسلامة مسؤوليته عن قراره، وأن الإسلام ومجيئه إلى يوم يبعثون كمنهج رائد أعاقه المسلمون أنفسهم بعقلية لا تراجع ولا تقرأ، وتميل إلى التبسيط لا التعمق والتفكير بينما الإسلام عميق يحتاج إلى سعة وتفرع في التفكير.

إن الأهلية عند الإنسان أساس لسلامة مسؤوليته عن قراره، وأن الإسلام ومجيئه إلى يوم يبعثون كمنهج رائد أعاقه المسلمون أنفسهم بعقلية لا تراجع ولا تقرأ، وتميل إلى التبسيط لا التعمق والتفكير بينما الإسلام عميق يحتاج إلى سعة وتفرع في التفكير


أهلية الإنسان وامتلاكه لقراره مقابلة للعدل الإلهي في محاكمته، فلا يمكن أن يفرض الله عليه أمرا أو حكما أو حاكما ويستعبد برأي هذا وذاك ثم يحاسبه وكأنه حر. التشريع ينظر بعمق إلى الحر وغير المالك لإرادته، والله أرادنا أحرارا، لم يفرض الرسول نفسه على صحابته كحاكم إلا ببيعة ورأينا من السيرة أنها بيعة مشروطة بزمان ومكان؛ كما في بدر حيث طلب بيعة الأنصار، وعندما أراد الحرب لفقد عثمان، طلب البيعة تحت الشجرة، وهكذا مواقف كثيرة فهو يعلمنا معنى الحاكم أنه برأي الأمة رغم أنه نبي فما بالك بغير النبي.

لم يفرض الرسول نظاما ملكيا أو جمهوريا أو نظاما قبليا، وإنما اتبع وثيقة المدينة التي هي أول وثيقة مواطنة واضحة ومفصلة تبين الحقوق والعلاقات في مجتمع متعدد متنوع الاعتقاد والتحالفات.

المجتمع والدولة:

هذا عنوان لمقالتين سابقتين، فأوضحنا معنى المجتمع الذي يقيم الدولة، ولا دولة بلا مجتمع متعارف متفاهم وإلا فهو مشروع اضطراب وسقوط وليس استقرارا ونهضة، ومن ينظر في أمر المجتمع هو المجتمع نفسه، فليس في البشرية اليوم من هو أفضل من محمد r ليضع لنفسه سلطة ووكالة وولاية عن الأمة ما لم يضعها رسول الله لنفسه، وكان بإمكانه وضعها لكنه رسول جاء بالمنهج فقيل له قل فقال قل، لذا فكل نظام يمكن أن يفي بمنهج الإسلام يمكن أن يُتبع ويغير عندما نجد الأفضل منه، وهنالك قواعد عند المفكرين ومنطق للتصويب والتصحيح ومنع الاستبداد.

إن الاستبداد يأتي بشعارات لطالما كانت جاذبة (فلسطين قضيتنا الكبرى ولا بد ان نستقر حتى نحررها، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، أنا لا أريد إلا خيركم ومستعد للتضحية في سبيلكم)، والنتيجة واقعنا اليوم ولا يحتاج شرح أو توضيح، إنه الهروب الذي سنتحدث عنه في المقال الآتي.

السبت، 15 يونيو 2024

110 - مراجعــــــات --4- الابتــــــــــــــــــــــــــــــلاء

 


مدخل:

عندما نتحدث عن المراجعة، فإننا نتحدث عن أمر موسوعي يحتاج إلى موارد بشرية خاصة عالية الثقافة واسعة التفكير، مبدعة تفكر خارج الصندوق، وهي من الأمور المهمة التي تحتاجها المراجعة. وسبق هذا المقال عدة مقالات في موضوع المراجعة، وكيف أنها إن لم تضبط وفق قواعدها فهي ليست أكثر من زيادة الثقة بالخطأ، وإن لم تحدد أطرها، فإن عملية المراجعة محض بحث فشل في التكتيك، بينما الفشل قد يكون في الاستراتيجية أو تحديث الأيديولوجيا.

في حركات عقدية كالإسلامية، وهي ما يهمنا، هنا أن نفهم التالي:

1- ما هو الكون؟

2- ما هي الحياة؟

3- ما هو الإنسان؟

4- المهمات التي تحيط بخلق الآدمية ووجودها في الأرض.

5- معاني كالقضاء والقدر، الحضارة والمدنية، معنى الابتلاء والبلاء، وهكذا معان هي مفاهيم وليست مصطلحات، لكنها مما يؤسس عليه في الواقع، والفهم الجيد لها يعني فهما للحياة، وسيرا في طريق الحق، وابتعادا عن طريق الشر.

الماهيات الثلاث الأولى، تعبر عن تعريف ماهية الفكر، ولا يعد الفكر فكرا حضاريا ما لم تكن له نظرة عن الكون والإنسان والحياة. والحديث عنها يحتاج إلى كتب كبيرة، بيد أننا نقول؛ إن الكون هو خلْق الله بانفجار عظيم وما زال يتسع، وأن الحياة هي أن تكون ذات مهمة ومعنى بالنسبة للآدمية، وعموم المخلوقات أمم مُسخّرة وليست مكلفة كالآدمي، ومهمة الإنسان في الأرض عمارتها وديمومة السلالة، ومن خلال السعي يجري اختبار المنظومة العقلية وقدرتها على إدارة الحياة والأفكار والإبداع، نحن لسنا لتحقيق إرادة الله بما نظن أنه يرضيه، وإنما وجودنا بإرادته.

الإنسان في الأرض إذن ممتحن بمنظومته العقلية وتدويره للمعلومة بما يعمر الأرض، ويضع أسس الحياة ويتفاعل معها، فهناك الغني وهناك الفقير وهناك العاقل وهناك الأرعن والمخبول، وهذا ما لا حساب عليه وقد يكون امتحانا لغيره، بقي موضوع الابتلاء.

الابتلاء

ما يصيب الإنسان من شر ليس ابتلاء، وبالذات ما يكون بسبب المنظومة العقلية. الابتلاء الرباني في الرزق بأنواع الرزق والنعم، أما النجاح والفشل في تقدير الأمور، فهو من المنظومة العقلية عندما تتعلق الأمور في إدارة الحياة كمنظومات حكومية أو حزبية أو حتى أشخاص، والرزق بحد ذاته ابتلاء الوفرة والنقص، لكن تدبير الخالق للمخلوق واحد، فليس من إنسان يجمع كل شيء، فهناك مبتلى بالمال، أو الجاه، المنصب، أو المواهب، بعضها وليس كلها، فيزيد أحدها وينقص الآخر، وتبقى المنظومة العقلية تدير تلك المعطيات لسد النواقص، وقد يبتلى الإنسان فيها زيادة أو نقصانا.

الخلط بين الابتلاء والفشل هو ما يحصل غالبا عند المنظومات المؤدلجة كالتنظيمات الدينية، ويستعاض عن هذا عند العلمانيين واللادينيين بجملة: "يتآمرون علينا ولا يدعوننا نعمل أو ننجح". وأركز هنا على التنظيمات الدينية؛ لأنها تعدّ الابتلاء قدرا مقدورا ليغيب الاعتبار، فعندما تضع الفشل كابتلاء، فإنها ستستسلم لأنها ستعدّه مزيدا من الاختبار والأجر، ولا تأخذه كفشل منظومة، ومن ثم تلحق كوادرها والبلد تبعات يمكن تجاوزها بحسن التخطيط والتعامل مع المشكلة بحجمها، فتخطئ في موضع المراجعة؛ أهو من مفصل التنفيد الفلاني أم من بداية الخطة أم من أين؟ بينما يكون الخطأ في فهم الفكر ومطابقته مع الواقع.

وقد يعدّ هذا من المحرمات، وهو فهم خاطئ لتعامل الفكر مع الواقع وقراءته ليقود الزمان والواقع إلى الأمام، وليس إعادته إلى الخلف والعيش في التاريخ والماضي، أو إجبار الواقع على التخلف ليتناسق زمانيا مع الماضي، أو نقل المشاكل إلى الحاضر جراء نقل خلافات زمنها إلى الواقع. وهي أمور تديّن غريزي وليست دينا؛ لأن الواقع اليوم يحتاج منظومة ونظام إدارة، وما يأخذه من الدين هو القيم الأخلاقية وفكرة العدل والإحسان والتكافل الاجتماعي، ونشر المحبة والتفاعل مع متعدد العقائد على نسق واحد، وتلك قراءات لا بد أن تظهر.

أما السلطة الشكلية والاسمية دون القيم الأخلاقية والعدل وإقامة العدالة بالقوانين وتفسيرها بلوائح تطبيقية، فهو إفساد في الأرض يحتاج إلى تغيير بما يقيم العدل، فهو فشل للمنظومة العقلية الآدمية في الإدارة، بأن السلطة في الإسلام هي توفير الأجواء وتحرير المنظومة العقلية وإتاحة الخيار لها ومساعدتها برفدها بالمعرفة وشرحها.

التطور الحياتي والتوسع الفكري:

ما يجعل الابتلاء ليس بلاء، هو التفكير والاعتبار من التجربة وتحليلها، وهنا لا بد من مواصفات خاصة لمحلليها، وليس بذكر المحاسن أو النقاط الإيجابية واعتبار السلبية نوعا من الابتلاء. هذا عين البلاء إن لم تفهم الأمور بشكل صحيح، ويكون الاعتبار المؤدي للتصحيح. الاعتبار هو من يجعلك لا تعيد ذات خطوات الفشل، وهو ما يوسع الأفق في المهمة ويعدل برنامجك، وسيحدد لك السير بالدين القويم وليس بغريزة التدين أو أمنيات أوهام الذاكرة المعرفية بأنك تضع برامجك، وليتبعها الجميع شاء من شاء وأبى من أبى، كأي أيديولوجيا قومية أو غيرها عدمية تمحق الحاضر وتنفجر منتحرة بأهلها وشعوبها في المستقبل، فهذه ليست مشاريع عمارة الأرض، وإنما فضاءات فوضى الغرائز، كما حب السيادة والتملك يقود للظلم والاستبداد، كذلك غريزة التدين.

109 - المكونات والصدمات

 





لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ( 25 الحديد)

الطين والجدار المتين

عندما تكون بلد مكونات فانت تختار ما بين كرة الميكانو أو سبيكة الحديد التي هي اقوى من الحديد حقيقة، وكل خليط لسبيكة ميزات وسلبيات فاذا أريد أن تتميز هذه المكونات، فككرة الميكانو لها مفاصل تحتاج ربط ولا تربط المفاصل بأقطاب متنافرة وان أجبرت على تكوين الكرة العتيدة، أما أن فكر أحد المكونات بالاستئثار وهو في حالة من الانبهار عندها سيكون بأقرب مثال ككرة الطين والجدار المتين عند الشدائد ما أن تصطدم به حتى تضحى ترابا.

التنوع قوة إن كان سبيكة

الحقيقة أن سورة الحديد دالة ولها معان في القوة وصنع القوة، ليس قوة الحرب والإخضاع وإنما تقوية الذات والبنية، وتبيان بمادة الحديد ذاتها ما لا يعتبر إعجازا، فالحديد ليس مادة تكونت على الأرض ونسبتها في الشمس لا تكاد تذكر، وهي ليست بالتأكيد متجمعة من نيازك وإنما هي نزلت دفعة واحدة لتشكل وجودها الوافر وتكون لب الأرض مع النيكل، وهي اشد قوة عندما تتحد مع مواد اضعف منها لتشكل سبائك بمواصفات متعددة، فان خلطت مع النحاس استدامت وتحملت الضغط وامتصت الاهتزاز، وان خلطت مع الكروم ومواد أخرى أضحت مقاومة للصدأ والتآكل.

ورد ذكر الحديد في كتاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ في ست آيات متفرقات بمعان متعددة أو تشبيه للمتانة والقوة والدقة، والآيات لمن يتمعن بها يجد أن إعجازها بالإشارة فقط أن الحديد ليس من الأرض وربما ليس من المجرة التي نعرفها وإنما من معالم إعجازها أنها تمثل حالة المجتمع وان نسب ضئيلة من الكاربون بتغيرها تغير مواصفات هذا الحديد من الفولاذ الى الزهر الى أنواع تقاوم الحرارة وأخرى لينة للصناعة وأخرى تتحمل الضغط وأخرى تتحمل الشد.

فمجتمع المكونات إن أصبح كالسبيكة وتبادلت المكونات الأدوار فإنها ستكون مواجهة لكل المتغيرات من شد وجذب وسلام وإعمار وحرب، أما إن فكرت أن تبقي متكتلة فلن تكون لها هوية ولا مواصفات ولا تتعامل كسبيكة معروفة ومعرّفة، فيستغل الصدأ تلك الفقاعات ليتآكل المجتمع.

اصوات عالية

هنالك دوما في المجتمعات أناس جهلة أصواتهم عالية نظرتهم ضيقة يثيرون السلبية ويرون عيبا في المقابل لا يرون نفس العيب في أنفسهم، وهذا نتيجة التقوقع وفعل أكياس الهواء والصدأ فيتشقق المجتمع ولا يصلح للإعمار والبناء.

تأمل في آية إنزال الحديد: لننظر بعمق الى سياقات وأولويات هذه الآية لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ: إذن لابد من قيمة واضحة لبناء المجتمع الواحد وتفعيل المنظومة العقلية وليس استفزاز المختلف عنك بعقيدة أو عرق أو دين، تفكيره منطلق من دين أو فكرة أرضية، فالكل هم لهم أفكارهم ودوافعهم وهذه الناس ستحتاج أن تتفاهم لهذا انزل الكتاب، والكتاب كناية على الشرائع والمسارات في الحياة التي تتعدد باختيار البشر، بظن البشر انه يمتلك الحقيقة ويدعو الأخرين لاتباعها، فهو أما سيتجه الى التوجيهات في إدارة الخلاف وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، أو ستمزقه الأهواء مهما بدأ في ظنه بداية صحيحة، فالكتاب سيستنبط منه القوانين واللوائح وينظم حق البشر مع بعضهم ليقوموا بمهمة الإعمار، فلابد إذن من العدالة أو الميزان، وحساب كيف سيتفق الناس على كلمة سواء، فتنشأ العدالة وهي تفوق المساواة فالعدالة تنظر الى الظروف المحيطة والمساواة تعطي الجميع قيمة واحدة قد لاتحل المشكلة، فان قام الناس بالقسط وظهر الالتحام بينهم بدل الاختلاف والاستمرار بالحفاظ على شكل المكونات، فهم ككرة الميكانو عند أول صدمة بحائط متين تعود مكونات منفصلة وينتهي المجتمع ولا تقوم دولة والناس مستقطبة أبدا حتى السلطة إن أقيمت فهي سلطة تغلب هشة ليست دولة بمؤسسات متينة رصينة ممكن أن تحقق العدل وليس التشظي والتناحر، وهذا يقود للفوضى.

فان التحمت الناس كسبيكة كان هنالك مجتمع والمجتمع قادر على إقامة الدولة إن امتلك العزيمة أي أدار المعلومة والعدل والقيم ونظمها في تشريعات وقوانين ليسر البلد بشكل صحيح.

وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، رسالة الرسل الارتقاء بالمنظومة العقلية والتي ما انفك الإنسان يسيء الى نفسه بتركها فريسة لغرائزه، من نوع وحب سياد أو تملك… والرسالة التي تنزّلت على الخاتم واضحة المرامي وهي الآدمي كما خلقه الله رغم أن أمة اقرأ لا تقرأ أو تصغي لمن يزيدها ضلالا وتيه، والاختبار هو للمــــــــــنظومة العقلية فان نجحت فهو ناصر هؤلاء الناجحون أما إن استحبوا الشهوات والخداع والظلم فان الله قوي قادر أن يجعل تدميرهم في تدبيرهم وتنالهم سنة الكون التي لا تحابي أصلا والخيار بين كرة سبيكة الحديد و كرة الميكانو أو كرة الطين.‏

الجمعة، 7 يونيو 2024

108 - مراجعات- أضواء على إخفاقات الايدولوجيا



 التأسيس للفكرة:                                     انقر هنا لتقرأ النص الأصلي على عربي 21


من الطبيعي أن أي حزب لديه أيديولوجيا، هو حزب يجتهد بالحلول ويعد بتطبيقها إن كان في السلطة، وتسمية الأحزاب باسم الدين، إن غالبت التعريف بالمنهج فهذا قطع للجسور والأمل بفشل العمل، أو حتى بنجاح يعقبه استبداد. لذا فليس من قدسية للأحزاب العاملة في السياسة، ولا ينبغي أن تفرض نفسها للبقاء، إن عجزت زاعمة أنها تمثل بقاء الدين، فالفشل في الحياة المدنية هو فشل أيديولوجيا من الأيديولوجيات أو نجاحها، وانتهاء مهامها وترك المجال لأيديولوجيا إصلاحية أخرى، وإلا أصبحت مكان المستبد، ومكان منظومة فاشلة تقدمت هي لتزيلها.

فالأيديولوجيا في حزب يعتمد الخط الاشتراكي، هي أحد الأفهام باتجاه الشيوعية، ونمقت القول باتجاه العدالة الاجتماعية تعسفا على مصطلح العدالة الاجتماعية؛ لأنه مصطلح يخص شريحة اجتماعية، سواء الإسلامية يرتكز إلى تحريك الجماهير ضد النظم ثم السيطرة على الحكم؛ بواسطة الطبقة الكادحة والعمال، أو بواسطة المؤمنين الذين يتحركون بدوافع الدين، فهما يريان أن لا سبيل للقضاء على الظلم إلا بالقوة أو التدين الغريزي. وهذا أخطر من حراك الفاهم لدينه؛ لأنه يمكن أن يوجه للتخريب، بينما الفاهم للدين تحدده مسارات لا يتجاوزها باجتهاد بشري.

الحركات الشرقية شاملة للناس ممتدة غير قُطرية، لهذا، فهي عمليا تتجاوز النظام الوستيفاتلي، رغم أن هنالك الآن دولا كبرى تسمح لنفسها باحتلال دول وتغير النظم إلى أسوأ مما كانت عليه النظم السابق، بدل أن تساعد في تطويرها، إن كانت تعني الأهداف المعلنة، لكن عقلية الرأسمالية لها الأهداف نفسها بأساليب وآليات أخرى.

الواضح من وقفة ضرورية عند هذا الحد، أن نثبت أن العالم كله بحاجة إلى إصلاح آدميته قبل كل شيء؛ لأن المنظومة الأخلاقية إما محيّدة أو مفهومة بطريقة لا تؤدي لقيادة الواقع.

حجج البقاء:

عند فشل النظم الاشتراكية، فهي لا تذهب لمراجعة حقيقية أو لمكان حقيقي، فهي لم تؤسسها مراكز دراسات وإنما رأي قائد أو مفكر، فلا يوجد آلية للمراجعة ولا أدوات، وإنما هنالك ما يشبه التقديس عند المتدينين للرمزية وصلاحية الفكرة، فيتهمون الشعب بالتقاعس ومن ينتقدهم بالخيانة، بينما المتدينون يتهمون الشعب بضعف الإيمان، ومن يخرج عليهم لتصحيح المسار بالكفر، إن كان متدينا يحمل أيديولوجيا أخرى؛ لأنهم أيضا لم يؤسسوا بمركز دراسات أو يمتلكوا آليات للمراجعة والمتابعة والتصويب والتخطيط، وتحديث الأهداف من أجل الغايات.

المراجعة والتحديات:

التحديات مسألة طبيعية لكل منظومة ولكن ينبغي أن تُحسب، وليس أن يُنشغل بها وتُترك الأهداف أو يضعف العمل بها فتتعرقل الغايات. فالرأسمالية اليوم تتداعى كمنظومة آمنة مع طغيان الليبرالية الجديدة، نتيجة فشل النظام الرأسمالي كأيديولوجيا في تحقيق الرفاهية، بسبب تطرف أصحاب المصالح في استغلال التطلعات وجهد الإنسان، كما فشلت الشيوعية التي كانت تبني أيديولوجيتها مرافقة لاستعداء الطبقات بعضها على بعض، وأنها سرقت الأدوات عبر التاريخ، كما فشلت منظومات أيديولوجية إسلامية من خلال تقديس الماضي، بدل الاعتبار وفقدان المنظومة للاعتبار والاكتفاء بالتأقلم، فتبدو مزدوجة مخيفة تخفي الشر للغير.

وهذا ليس حقيقة، فهي تعيش اضطرابا بسبب الاجتهاد والتجديد، وخوفها من تعديل أفكار منقولة، فتجامل جمهورا متدينا بغير فهم الدين، وهو الأغلبية، لكيلا ينفض عنها، ففضلت التماهي بدل المصارحة التي قد تؤدي للقعود، وفقدت حتى مجالات العمل المفتوحة مع بعض الحكام والنظم؛ لأنها لم تضع أيديولوجيا مناسبة حاضنة بل منافسة، وربما منافسة لأيديولوجيات من منطلق ديني، فهنالك من ينطلق من غياب الشريعة ويريد أن يعيدها، فما إن يتمكن حتى يدخل هذا للتنفيذ، مستحضرا عصورا ماضية والناس قد تغيروا، فهذا قالب مثله مثل قالب الشيوعية ومن ينادي بها، ومثل الرأسمالية ومن ينادي بها، فالأمة ليست متهيئة لهذا، وتحتاج أن تختار، وأن تفكر، وأن تدخل جدلية ترتقي بفكرها وفهمها.

فلم يُنجِ الشيوعية أو الرأسمالية أن تقول هذا علم ولا ينبغي نكرانه، ولا أنتم مؤيدون للإمبريالية وخونة، ولا أنتم شعب غير مؤمن، وبعضهم يقول كافر لمجرد مخالفته بفكرة بسيطة، فإغلاق باب الحوار والاعتبار هو خنق لأي أيديولوجيا.

كيف الصواب للإسلاميين؟

أخص الإسلاميين هنا لأني أرى أن الإسلام منظومة إصلاح ومحبة وتعاون بين الأمم، وليس كما يشاع من كراهية وإلغاء وحروب وإقصاء. وهذا معلوم مدرك، حتى إنه مذكور بوضوح في سورة يوسف وفي الرعد، ولا أدري لِمَ لا يفهم أصحاب الأيديولوجيات أن المؤمنين بهذا هم الأقلية، وأن الإصلاح قدر الاستطاعة، وأن الوكالة لله وحده، وأن المسلم ليس مسؤولا عن معتقدات الآخرين إلا بحمايتها، إن كانت في دياره، وحمايتها لا تعني الوصاية والتدخل بها، وإنما حفظها من قوي متجبر.

الصواب بالفهم للدين وليس عواطف التدين، وبالفهم وليس الحفظ، وبالدين وليس التدين ومظاهره سواء عبادات أو هيئة أو صوت عال.

تعريف المهمة أنها تهيئة الناس ليختاروا مع الحرص على أهليتهم؛ لأن الله يحاسب الناس أفرادا وعند اختيارهم، وهم أصحاب أهلية لمنظومتهم العقلية التي يختبرها الله وليس نحن.

لذا، ينبغي أن يسري وعي في المنطقة العربية والإسلامية بنوع من التفاهم بين الحاكم وهذه المنظومات بشكل تبادلي، والناس سيرتقون ومنهم الحكام أنفسهم، فهم سيسمعون ما يقال، والحوار قد يكون له منظمات ودواوين من باب ثقافة المجتمع وبفهم للأصل، وليس تغليب النقل عن عصور لم يعد لأحكامها وجود في الواقع، فكان الانفصال بين عقلية الناس ونفسيتهم، حتى الوعاظ والحاملون للراية يتساقطون في الاختبارات؛ لأن الواقع غير ما هو في منظورهم.

إننا لسنا بحاجة إلى الذهاب للغرب والشرق محاربين، أو اعتبار المجتمعات المخالفة أعداء، ولا ينبغي أن يقف العالم من المسلمين موقفا معاديا، متى ما فهم الجميع أن الحوار مطلوب، وأن المؤامرات والإفساد وتسيّد الجهل والجهلاء والفساد والفاسدين على المجتمعات في الشرق والغرب، هو عمل لا يليق بالآدمية، وينقص من أهلية منظومتها العقلية.

إن إبليس ليس له منظومة آدم العقلية، فالإنسان سيكون أكثر شرا من إبليس، إن سخّر منظومته للشر فهو مبدع ونرى مثل هذا، لكنه إن بالغ في طيبته فسينافس الملائكة وهنالك مثل هذا، والمطلوب هو أن يكون آدميا يستخدم منظومته العقلية بشكل متوازن وسطي، كذلك كان أبونا آدم، وكذلك الفرق بين قابيل وهابيل.

السبت، 1 يونيو 2024

107 - مراجعــــــات : الايدولوجيــــــــــــــا

 


اقرأ المقال في عربي 21

صناعة الأيديولوجيا:

في واقعنا، تصنع الأيديولوجيات من شخص واحد ويتبعه الآخرون بالأمل، ولا تصنع الأيديولوجيا مؤسسات أو مراكز دراسات تبقى متابعة للأداء ومحسنة ومرممة للإخفاقات، فيأتي شخص أو مجموعة تدعمه ليقرر مشكلة الأمة، أو مشكلة الإسلام وأمة الإسلام، ليقع على نقطة معينة.

ولكوننا نحب التبسيط وحصر الأسباب بسبب واحد أو اثنين، فسيبني أيديولوجيا على هذا السبب وغيره يبني على سبب آخر، ولأننا لا نفهم معنى التواصل ولا التنافس والاجتماع، فسيظن كل منهم أن ورقة الحقيقة معه، فيعتبر الآخرين تافهين أو كَفَرة أو أي شيء. والآن، تطورت الأمور إلى استحلال الدماء لكل مخالف دون حوار، ولا الظن أن هنالك إمكانية للاستفادة من أحد آرائه، لهذا نرى فروقا متعددة متناحرة تنشغل ببعضها عن الهدف الحقيقي أو من أجله، ويتسرب إليها الفساد وتنحرف لتبقى تقدس حتى فسادها وفشلها.

الأيديولوجيات هذه لكي تتشبث بأنها تملك الحقيقة، ولأنها تفشل في أن تقدم شيئا للناس أو تحسين الواقع، تذهب للتأصيل لوجودها في الماضي، فلا تكتفي بأن تشوه الواقع بل تشوه التاريخ. وربما يقيد الإسلاميون الإسلام بأضيق ما يمكن من فهم وهو واسع، ولأنهم لا يقبلون المختلف عنهم بالتشخيص، فسيكون هنالك عداء وتسفيه بينهم. وكلهم يستخدم النصوص فيشوهونها هي الأخرى، ويعودون ليقولوا؛ إن الناس لا يؤمنون بدينهم ولا يتبعونه، فالسبب في فشلنا هم الناس.

كذلك العلمانيون، فهم يستوردون فكرة لا ضمانات لنجاحها أو مناسبتها لواقعنا، ومن شخص يربط ويؤصل لمشكلة أهله ويفشل في إدخال الناس في قالبها، ثم يقول إن الناس السبب.

وهكذا يجري القمع والإعدام كما تفعل الحركات المتطرفة، أو كما فعل ستالين من أجل تطبيق قانون واحد في الجمعيات الفلاحية، هذه القناعة التي تجرف المجتمع ونسيجه؛ "جئنا لنبقى ونغيركم كما نريد"، وليس جئنا لنخدم، فإن فشلنا فعليكم إيجاد البديل.. هي حركات عدمية لا تبني دولة للإنسان.

الناس والمؤيدون سيتبعون هذه الأيديولوجيا أو تلك على أمل المجتمع الشيوعي الذي يتساوى فيه الأفراد وكل أمر مشاع، أو على مجتمع ليبرالي كل شيء يؤدي للرفاهية والحياة الآمنة السعيدة، أو مجتمع إسلامي يقيم العدل ويرفع الأمة ونهضتها إلى ما كانت عليه. وهي نقطة نحتاج التوقف عندها في نقاش الحركات المؤدلجة.

خلاصة القول؛ إن هنالك حاجة لأيديولوجيا، ولكن أيديولوجيا تبنيها وتتابع مسارها وأداءها مراكز دراسات وتطوير متعددة، تنظر لكل خطوة وفكرة بتجرد وتعدّل المسارات.

فالأيديولوجيا كما عرفناها أعلاه بالسرد، نضع لها تعريفا أكاديميا مختصرا: هي تشخيص لمشكلة الأمة، ورؤية لحل، وأمل بمستقبل أفضل ونهضة للأمة.

حركات ذات أيديولوجيا:

الفكر الشيوعي: انبثقت عنه أيديولوجيات اشتراكية وقومية وأممية لا تحصى، كل يظن أنه يملك الحقيقة. وفشلت الفكرة الشيوعية عدى الفكرة الماوية في الصين، التي تطورت فلم تعد تدعو للأممية، وإنما اتخذت جانب الانتشار الاقتصادي المختلط، فدخلت في منافسة اقتصادية على السوق مع النظام الرأسمالي، وهو الذي انبثقت عنه وعن آلياته أيضا أيديولوجيات متعددة، لكنها حافظت على تنافسها في السوق من خلال أدوات سياسية اقتصادية لتستحوذ على مناطق النفوذ.

وهذا ما تحاول روسيا الآن الدخول به، لكنها جميعا لم تنجح في تحقيق وعودها، فتعتبر نظما أيديولوجيا عقيمة. كذلك الحال مع الأيديولوجيات الإسلامية، ومنها تنظيمات متعددة للإخوان المسلمين، وتنظيم التحرير وتنظيمات متشددة متطرفة مستعجلة لما فشلت به التنظيمات الإخوانية والتحرير؛ ووصلت مرحلة من السطحية الفكرية أضرت بالهدف، بالوسيلة والفكرة والمنهج.

الفكر عند التحرير يتشابه مع الإخوان في سبب الفشل بنقاط متعددة:

* الأيديولوجيا بناها شخص واحد كرد فعل على نقطة محددة؛ كسقوط الخلافة أو مفهوم الخلافة وأدبيات الفكر، لكن ما لاحظته، أنه بعد حسن البنا والنبهاني، لم يكونوا بمستوى هذين الصانعين لأيديولوجية جماعتيهما، ناهيك عن أن هذا سيؤدي إلى تقديس تلك الأفكار، مما يمنع مراجعتها وتعديلها وتطويرها، وهما وضعا البدايات لكن لم يضعا آليات التعديل والاعتبار.

* حركة الإخوان بعد دخولها المعترك السياسي، وجدت أن الفكر الإسلامي المتاح والمنقول من الماضي لا يعالج الواقع بعقلية الفقهاء في العصور السابقة، مع أن هذه النصوص لهؤلاء الفقهاء دخلت القدسية أيضا، وأن الخلافة كفكرة بذات النمط في صدر الإسلام، لم يُنظر إليها بمنطق التاريخ وأنها مرحلة تاريخية تحتاج لتعديل، وأن الخلافة على منهج النبوة ليس بالضرورة أن يكون شكلا بذات صفة الراشدين أو الأمويين والعباسيين أو العثمانيين. وهذه النظم بعد الراشدين تمثل شكلا ملكيا يكتسب شرعية المتغلب العرفية.

وهنالك أمور في الفقه المنقول متأثرة بظروف تاريخية ليست من الإسلام كنصوص وهدف، كأن تأخذ موقفا حربيا وعدائيا من الغرب كرد فعل على الموقف في عهد الروم وسلوكيات حروب الفرنجة وما فعله المحتلون، مما يرسخ هذا العداء عند الطرفين.

أما التحرير، فهو كالصين؛ لم يخف ما يريد فكانت مقاومته وإنهاء فاعليته أسهل، ناهيك عن أنه فكر لم يتطور أبدا، فأصبح مرتكزا على فكرة الخلافة وبعيدا تماما عن الواقع، رغم رقي طرح النبهاني وأسلوبه فيما يعد من رقي علم الكلام وفلسفة الفكر التي لم تتم؛ لأنه اعتبر الفلسفة شيئا سلبيا.

الحقيقة أن حجب المراجعة بتقديس الفكرة وبناء الرمزية قيّد فاعلية هذه الحركات وفهمها لفاعلية الإسلام، ما جعل هنالك تباعدا وعداء أحيانا بينها وبين النظم التي في البلاد الإسلامية. وكان بالإمكان أن تحقق نجاحا أكبر لو غادرت الشكلية في المنقول، وربما كسبت السياسيين والعوائل الحاكمة لأهدافها، لكن الفشل في المراجعات وتطوير الآليات وتوسيع الفكرة لفقدان المؤسساتية، كان من أسباب إعاقتها وتشتيتها رغم قوة تنظيمها.. وهو ما يناقش في المقال القادم.

الجمعة، 24 مايو 2024

106 - الكتاب والميزان

 


الرابـــــــــــــط   عـــــ الكتاب والميزان ـــــ21ــــربي


"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحديد: ٢٥).

ما لا يفهمه الناس:

مِن كرم الله وتكريمه للإنسان بخلقه هو منظومته العقلية التي تُستغل الآن في الغالب للشر والكراهية وليّ الحقائق، وهو فساد في الأرض كبير عندما يعم. ودوما نذكر فيما نكتب أن الله ميز الآدمية بمنظومتها العقلية المبدعة والقابلة للتوسع وتطور الأشياء، وتبتدع الوسائل وتخترع ما لم يك من قبل اختراعه معروفا وإنما هو استحداث باستخدام ذات القوانين العلمية المكتشفة لصنع الجديد.

الذي لا يفهمه الناس ويتجاهلونه، هو الغاية من وجودهم في الأرض، ولِمَ يتابع الخالق الآدمية بالحجج والبينات وليس بالصواعق ورفع الجبال كما رفع الطور، إلا إن كان القوم بهتا ولا يتبعون الحجة والبيان وإنما يخضعون للقوة والخوف، وهي حالة البشر عندما يُستعبدون ويتحررون فلا يعرفون معنى الحرية إلا تمردا وكبرا ونكرانا للمنطق فلا يعقلون الأمور، فالغاية من وجودنا في الأرض مسألة مهمة هي: "اختبار المنظومة العقلية التي يجب أن تمنح الأهلية ليكون الاختبار عادلا وحقا ويحاسَب الإنسان بمخرجات ما تميز به إن كان سيستخدمه بالصواب أم بالشطط".

لو فهمنا هذا لفهمنا الحجة لكل أمر متعلق بها ولتوحد المسلمون لإنجاز تكليفهم في الحياة بدل هذا الضياع لهم وللعالم.

عناصر ورابط:

في الآيات الكريمة هنالك عناصر مهمة:

1- ما بيناه من أن الحجة مع الرسل والأنبياء والصالح من الدعاة، وأن مخاطبة المنظومة العقلية هي الوسيلة للدعوة وليس أكثر من التبليغ والخطاب في ربط مع آيات بأخرى: "فذكر إنما أنت مذكر"، "ما أنت عليهم بوكيل"، ومثلهما العديد من الآيات، فالخطاب كخلاصة للمنظومة العقلية وأنها مكلّفة.

2- هنالك الكتاب، والكتاب دلالة على المنهج الذي يأتي به الرسول ليصوب الانحراف ويعيد الوعي إلى المنظومة العقلية، ورأينا عبر السير للأنبياء كيف انقسم البشر وكذلك هو الإنسان في عبر الزمكان مع كل دعوات الإصلاح عندما يرفض أن يشغل منظومته العقلية لتدوير المعلومة والصواب.

3- الميزان هو الذي يقود المنظومة العقلية لتحقيق العدل والعدالة في النظم الإدارية، وهنا يبدو واضحا أنه عمل مدني بشري فيه كفاءة وفاعلية المنظومة العقلية فإن انتظمت عدلت فنجت وإن غالطت فهي ظلمت فعوقبت.

4- إن الله يعلم من ينصره بلا ابتغاء لعلو في الأرض وفساد، وهو قوي عزير على الشطط.

صلابة المنظومة كالحديد

ليس من العدل أن يحاكمك الله على منظومة عقلية ويقيدك، بل إنها صلبة بما يكفي لتحقق العدل. لن يفرض عليك حاكما حتى لو كان نبيا أو رسولا وإنما أنت من تختار، لأنه إن فرض عليك حاكما فهو سيفرض مسارا وبالتالي على ماذا يحاسبك وهو قد سلب إرادتك في توجيه حياتك ومعاشك، فمن باب أولى أن لا يكون هذا لبشر وبالتالي من تجاوز فقد ظلم. الرسول محمد r اختير حاكما للمدينة بالبيعة وليس بأمر الله فهو رسول ولو أنزله حاكما لأنزله على مكة، ولكنه تفاعل فكريا وسياسيا ليشكل دولة في المدينة بها يقام العدل ويحفظ للمخالفين فيها حياتهم ودينهم ومعاشهم ما داموا لا يشكلون خطرا على غيرهم أو يخونون مجتمعهم وهي أول وثيقة مواطنة عادلة في التاريخ.

البيعة في الإسلام

البيعة في الإسلام ليس إطلاق اليد أو الحاكم وهواه، فلا مقدس إلا الله وكتابه والعصمة لرسول الله بالوحي كرسول، فعندما تغيرت الظروف أثناء حكم الرسول كان يطلب البيعة على المستجدات كل مرة.

* طلب الرسول البيعة عندما تحول الموقف إلى الحرب في بدر من الأنصار لأن بيعتهم على حمايته ومن معه داخل المدينة وليس خارجها.

* استجاب لمشورة الخبرة في موقع بدر ولم يرفض الرأي الصائب لأنه كان حينها حاكما وقائد ميدان وليس بصفة الرسالة.

* استجاب لرأي الشباب وخرج إلى أُحد رغم أن له رأيا مخالفا.

* طلب البيعة تحت الشجرة لتغير الموقف.

هذه نماذج من معنى البيعة ومفهوم الحكم، فالنبي ليس حاكما بأمر الله وإنما ببيعة المسلمين وإلا ما استشارهم في أمر، ويبقى للقائد هامش قرار بما لا يكلف شعبه كما فعل في صلح الحديبية، وهي حركة واجتهاد سياسي لقائد لا يوقع تكليفا على شعبه لكن القائد استحسن فعله ومتناسق مع دعوة الرحمة في الإسلام فليس القتال هدفا؛ فكانت نتيجته رائعة تاريخيا.

نحتاج إلى الفهم ومراكز دراسات وتطوير

إن رسالة الإسلام ليست السلطة والإرغام إلا في مواضع نتق الله فيها الجبل بسبب عناد وإقفال المنظومة العقلية على السوء والشر.

إنها رحمة للعالمين، أي دليل يصوب ويصحح ويعظ من يريد أن يتعظ، إنها ليست حزبا أو عشيرة أو فئة، أن ما فيه لكل عقيدة ودين نصح وتصويب للتوجه لا إكراه في المسار وإنما اليوم يوجد آلاف النسخ من القرآن بلغات العالم، وهو متاح لمن يقرأ ومتاح لمن يريد الرحمة ويزيل الشطط من نفسه والكراهية والاستقطاب بلا وصاية بشر.

* إن استعمار غريزة التدين للمنظومة العقلية شطط.

* غلبة غريزة النوع والتملك شطط.

* غلبة غريزة حب السيادة تقود للظلم وتمزيق المجتمع وطغيان وظلم فهي شطط

كان اسمه إبليس لكن عندما خالف ربه سمي شيطانا، فالخيار للآدمي أن يكون آدميا مستخدما لما كرمه الله به أو يُستعبد لغرائزه فيفسد ويظلم فيكون لإبليس صنوا، فكم ممن غلبت عليهم غريزة التدين فقتلوا وظلموا عندما أوقعوا شططهم على الناس الذين يخالفونهم، وهذا تاريخ العالم يشهد على الطغاة أتباع إبليس وهم يحكمون الناس في الدنيا.

إن الاعتبار مهم والسلطة العقلية على الذات مهمة، فالاعتبار في الدنيا مطلوب في الحكم والقيادة وكل حركة لبني آدم لأن الدنيا مرتبطة بالآخرة ولا يفصل بينهما إلا لفظ الأنفاس.

إننا كأصحاب رسالة في عصرنا الحالي لا ينبغي أن نسلك العقل الجمعي أو نتبع أيديولوجيا معينة ينشئها إفراد، بل لا بد من مراكز دراسات للبناء الفكري والتطوير.

وسنتحدث في مقالات قادمة عن الأيديولوجيا والابتلاء والاعتبار.

الجمعة، 17 مايو 2024

105- النحس والحســـــــــــــد

 



اقرأ المقــــــــــــــال على عـــــــــــربي 21

(ومضة المقال: قال صديق حصيف: إن أسوأ ما أبرزت الأحداث في مجتمعنا من العوامل السلبية هما النحاسة والحسد)

الحقيقة معيار مطلق:

الناس يظنون الظنون في الحقيقة وامتلاكها، وهذا متأتيٌّ من طبيعة الإنسان وتأطير كينونته بمحددات الزمان والمكان والانطباعات وغيرها، لهذا يظنون أن ما يعتقدون هو الحقيقة، والحقيقة مطلقة لا حدود لها ولا أطر، قد تكون الحقيقة اليوم مثلا مع مجتمع، إنسان، أو حزب، أو مظلوم، ولكنها غدا لا تكون مع دعاوى ذات هؤلاء الناس عندما يتفاعلون وتقلبات الحياة ويتغيرون معها، لهذا علينا أن ندرك ونحرص أن نكون مع الحقيقة وفي عالمها، فلا يمكن أن تكون الحقيقة معنا كيفما كنا، بيد أننا يمكن بشيء من الجهد أن ندور مع الحقيقة لأن سنن الكون لا تحابي أحدا.

الضحية هي الآدمية:

يعيب البعض على الناس المسالمين الذين لا يزعمون أنهم يمتلكون الحقيقة ولا يسعون للمواجهة، بينما هم يأخذون طريق السلام؛ فيوصفون بأنهم ضعفاء وربما يؤخذ منهم كل شيء؛ منصبهم، جاههم، وحتى مصادر عيشهم عندما تطرد الغرائز الحكمة.

المجتمع سيتردى وتنشط في واجهته ظاهرتان

الأولى:

النحاسة: والنحاسة لغة هي رؤية السوء في كل شيء وتسفيه الصواب.

والحسد: استكثار أي قيمة إبداعية أو موهبة عند أحد.

من يمارسون النحاسة هم مغطون ومنكرون للنخب الحقيقية ومبددون لجهدها، وهم يظنون أنهم يمتلكون الحقيقة ولكنهم لا يرون فشلهم القيمي والآدمي ولا الحيوانية في العقلية والنفسية التي تتملكهم، فيأتون إلى كل إضاءة فيطفئونها، ويفسرون تسامح من تؤذيه غفلة عندما لا يرد بسوء عليهم فيتمادون في إيذائه لأنهم يريدون أن يروا أثر أذيتهم عليه.

تمني زوال النعمة والموهبة والنجاح هذا حسد وليس تمحيصا للحقيقة، ومهاجمة قدوة أو نخبة أو تمنع ظهور مصلح، بالتعتيم على إنتاجه أو تسفيهه فلا تتم الاستفادة منه ولا يتم ترك أحد يستفيد. وهؤلاء يسعون لأهداف زائلة تافهة، يقتلون التجديد، تجدهم باسم الإعمار يطردون الكوادر البنّاءة، فيبدو المجتمع كشجرة مريضة تزدحم عليها الحشرات وتنخر لحاءها اليرقات.

في مجتمعٍ حيث الجرأة عند السفيه يرتفع بالتزييف والوشاية والإقصاء والإبعاد للخبرات المنتجة، تلك السنابل الممتلئة بالعلم وأقل الناس كفاءة في الدفاع عن نفسها أو تجنب الشباك والمؤامرات، حسدا وأنانية وجهلا، بسلوك سوداوي عدمي لا يرى غير نفسه ويسارع في تأييد السلبية والظلم على الآخرين؛ ليس لربح أو مكسب وإنما لأن هناك من يحب إبراز السلبية في كل شيء عدا ما يمسه. وهذا مرض للأسف يمحق ويجرّف طرق النهضة والتقدم عند ذلك سيكون البلد عقيما بإقصاء وإحباط الكفاءات بل تغييبها، وعندما يسند الأمر لغير أهله فلا تأمل إنتاجا؛ لتطمح إلى النجاح بالإبداع.

الطيبة ليست عيبا:

يقول فيودور دوستويفسكي في "الفقراء": "لماذا تعيش النفوس الطيبة النبيلة في الشقاء والهجران، بينما لا يحتاج غيرها حتى إلى البحث عن السعادة؟ لأن السعادة هي التي تلقي بنفسها بين ذراعيه"، بيد أن إجابته الأكثر أملا ووعيا في كتاب الفقراء ذاته، عندما يقرر أن "في النهايات يفوز ذوو النوايا الحسنة". والحقيقة أن فوزهم معنوي، فبيئة الظلم لا تنصف مظلوما وبيئة التخلف لا ترفع نهضويا وبيئة الجهل لا ترفع عالما، والناس يركضون وراء ذي النفوذ الفاسد رغم فساده ولا يحسون بالعالم.

إن مجتمعنا مريض ونخبتنا تحتاج إلى إعادة تأهيل لأنها تماهت، فما ثبتت ولا أصلحت واستغلت قدراتها لتعيش فقتلت السليم بالتهم والكيد والحسد، وسفهت وأحبطت من يحمل أملها وألمها وسجنت نفسها بخيال الماضي المفلتر لتستحضر الظلم وتبرر الفشل بدل أن تسعى لاستنهاض النخب الصاحية ودعمها لتستقيم الحياة.

وصف المشكلة ليس إبداعا:

إن وصف المشكلة ليس إبداعا، لكن الحلول واجب المسؤول عن العمل واستشراف المستقبل ليس أن تقول سنموت عطشا مثلا بعد زمن، وإنما ما يمكن أن أفعله لمواجهة ذلك خلال هذا الزمن. فالمشاكل من أجلها كانت المؤسسات والوزارات لتجد لها حلولا بإدارة الأزمات وليس انتظارها أو تبريرا عقيما بالوصف العدمي للعقبات.

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...