مراجعـــــــ الأفكار السلبية ـــــات
الإسلام صالح لكل زمان ومكان.. ليست مقولة وإنما لأنه فكر محمول بكتاب الله وهو لا يمر عليه الزمن، لكنه ليس جاهزا لكل زمان ومكان، فلا بد من تجهيزه وهنا يأتي دور الفكر البشري والمراجعات الإيجابية المستمرة، أما الظن بأن تطبيق الإسلام كما هو تطبيقه في صدر الإسلام باجتهاد الصحابة والفقهاء -وهي رؤية بشرية في عصر آخر وبيئة أخرى- فهذه أفكار سلبية لن تصل بنا إلى إمكانية الاستفادة من الفكر الرباني، هذا انفصال عن الواقع الزماني والمكاني بأبسط توصيف.
اما اعتباره كدين موقوف ونتعامل معه باستحضار التاريخ ومشاكله ونريد أن نتمسك باجتهادات عصر من العصور فهذا من المعيقات لصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، فالإسلام لو جرى التفكر فيه فإنه سيتعامل في عصر وزمن واحد مع مدنيات متعددة في الرقي بطرق وتشريعات مختلفة، ولعلنا على سبيل المثال وليس التفصيل، نجد للشافعي اجتهادات فقهية متباينة بين ما أفتى في العراق وما أفتى في مصر في زمان واحد، وهذا في الفقه فما بالنا والزمن في تغير سريع مع معطيات المدنية؟ ونحن نحتاج إلى دراسات قرآنية مستمرة للمثاني القرآنية (الطيات أو المعاني التي تعطي أجوبة متعددة).
التطور في الواقع لا بد أن يرافقه توسع في الدراسات من أجل إبقاء العدل في الأمة والعدالة في اللوائح والقوانين المنبثقة عنها، ففكرة التزمت أو ترك فهم العامة من الناس وأحيانا الغوغاء أو الرعاع أو الرويبضات فهذه حرب داخلية، وصديق جاهل مؤذ أكثر من عدو عالم يحفزك بتحديه على إنتاج المزيد من الرصانة وأحكام المخرجات للمنظومة العقلية.
ما زال قابيل يقتل هابيل:
لم يخلقنا الله لتطبيق احكامه بشكل انسيابي وإلا لكنا ملائكة وإنما أتينا لإعمال منظومتنا العقلية للقراءة والتبحر في المنهج الرباني للإنسان والحياة، ونتذكر ونذكر دائما أن إرادة الله هي بجعل سلالة في الأرض، فهذا ينبهنا إلى أن المعلومة لا تكفي وإنما إدارة المعلومة هي المهم لأن آدم كان يعرف كل ما يلزم من معلومة وأن إبليس عدوه، ومع هذا اتبع غريزة حب البقاء والتملك والتمكين عندما استثارها إبليس عنده فنسي وزل ولم تنفعه معلوماته لأنه لم يحرك منظومته العقلية ويفكر.
كذلك نحن أمامنا مغريات هي ذاتها، ما زلنا نجنح تاركين غرائزنا تستعمر في منظومتنا العقلية فنهين تلك المنظومة أمام مغريات الجاه والتمكين أو الشهوات والمال والسلطة، ويمكن أن يكون كل منا قابيل يقتل أخاه هابيل الذي هو أكثر آدمية منه وإنسان راق بدل أن يتعلم منه ويساعده، لكن مع فرق الإصرار على الفعل وينسى بل ربما لا يعلم أنه في اختبار منظومة يفشلها بغرائزه وتمكينه الزائف.
الله لم يجبرنا على نظام:
إن الأهلية عند الإنسان أساس لسلامة مسؤوليته عن قراره، وأن الإسلام ومجيئه إلى يوم يبعثون كمنهج رائد أعاقه المسلمون أنفسهم بعقلية لا تراجع ولا تقرأ، وتميل إلى التبسيط لا التعمق والتفكير بينما الإسلام عميق يحتاج إلى سعة وتفرع في التفكير.
أهلية الإنسان وامتلاكه لقراره مقابلة للعدل الإلهي في محاكمته، فلا يمكن أن يفرض الله عليه أمرا أو حكما أو حاكما ويستعبد برأي هذا وذاك ثم يحاسبه وكأنه حر. التشريع ينظر بعمق إلى الحر وغير المالك لإرادته، والله أرادنا أحرارا، لم يفرض الرسول نفسه على صحابته كحاكم إلا ببيعة ورأينا من السيرة أنها بيعة مشروطة بزمان ومكان؛ كما في بدر حيث طلب بيعة الأنصار، وعندما أراد الحرب لفقد عثمان، طلب البيعة تحت الشجرة، وهكذا مواقف كثيرة فهو يعلمنا معنى الحاكم أنه برأي الأمة رغم أنه نبي فما بالك بغير النبي.
لم يفرض الرسول نظاما ملكيا أو جمهوريا أو نظاما قبليا، وإنما اتبع وثيقة المدينة التي هي أول وثيقة مواطنة واضحة ومفصلة تبين الحقوق والعلاقات في مجتمع متعدد متنوع الاعتقاد والتحالفات.
المجتمع والدولة:
هذا عنوان لمقالتين سابقتين، فأوضحنا معنى المجتمع الذي يقيم الدولة، ولا دولة بلا مجتمع متعارف متفاهم وإلا فهو مشروع اضطراب وسقوط وليس استقرارا ونهضة، ومن ينظر في أمر المجتمع هو المجتمع نفسه، فليس في البشرية اليوم من هو أفضل من محمد r ليضع لنفسه سلطة ووكالة وولاية عن الأمة ما لم يضعها رسول الله لنفسه، وكان بإمكانه وضعها لكنه رسول جاء بالمنهج فقيل له قل فقال قل، لذا فكل نظام يمكن أن يفي بمنهج الإسلام يمكن أن يُتبع ويغير عندما نجد الأفضل منه، وهنالك قواعد عند المفكرين ومنطق للتصويب والتصحيح ومنع الاستبداد.
إن الاستبداد يأتي بشعارات لطالما كانت جاذبة (فلسطين قضيتنا الكبرى ولا بد ان نستقر حتى نحررها، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، أنا لا أريد إلا خيركم ومستعد للتضحية في سبيلكم)، والنتيجة واقعنا اليوم ولا يحتاج شرح أو توضيح، إنه الهروب الذي سنتحدث عنه في المقال الآتي.