الاثنين، 8 أبريل 2024

99 - ذلك لمن خشي ربــــــــــــه

 




العربي 21

الشبكة مباشر

كتابات

"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (119" ـ هود

من يريد بناء مجتمع لا يبنيه على التمايز وإنما عناصر الارتباط، تنوع المعتقدات هي من ضمن التكوين للبناء ويلتزمها الجميع كميزة من سمات المجتمع وليس كمكون أو خصوصية لا تهم الآخرين، فالتعامل معها بإيجابية واجب في ذات الوقت لا ينبغي التجاوز على هذه المواطن الصغيرة التي لا يحب الفرد أو الجماعة التجاوز عليها بفرض الرأي أو الاعتقاد بأني الأفضل والأكثر صوابا.

في مجتمع فككته غرائز كالتدين وحب السيادة والتملك والحليم فيه حيران سنبحث عن حل له في الآيتين الكريمتين:

ـ كنت "أقلية" وتخاف أن تنقص الأقلية بالذهاب من رصيدك الرعوي إلى الآخر الأكبر.
ـ كنت "الأكبر" وترى التمكين أن يكون الكل مثلك.
ـ لديك القوة والسلطة بغض النظر عن كونك أقلية أو أكثرية.

سلوك الأقلية:

غالبا ما تحاول "الأقليات" جمع نفسها وتتقوقع بأساليب متاحة ترتكز أغلبها على العقل الجمعي وإثارة المشاعر، وهنا يأتي العقل بدور اختيار الطريق الصائبة للتفاهم، فأما أن يطرح الانسجام والالتئام والتقبل باعتبار الأكبر آخر لكنه يعيش معك وهذا ما يطرحه الرعاة على الرعية بالعقلية الرعوية التي مازالت فاعلة مع الروابط الفرعية الهابطة، أو مجابهة المشاعر السلبية بصناعة الخوف والكراهية والتسفيه والتشكيك والوقوع في فخ الصدام العقدي "والآخر"، وفي ذات الوقت زيادة الارتباط "والمحبة" وهي كناية عن العصبية، لان الحب للمجموعة لا يمكن أن يجتمع مع كراهية الآخر فهما مثل الزيت والماء لا يمتزجان، لهذا نرى "ما يسمى الأقليات" في الغالب تعاني من ازدواج الإحساس بالمواطنة لكنها تبحث عن الاستقرار بعد تجربة عنيفة عندها تدرك أن المواطنة والوطن ضرورة وليس الوهم بالبحث عن الاستقرار في مجتمع يحمل ثقافة مختلفة ليعاني من غربة من نوع آخر فمجتمعه الذي يحمل ثقافته متماهية بامتزاج عبر سنين طويلة.

الخلاف إذن من سنن الكون، ولو أراد الله لكانت الناس متشابهة لكن الغاية من وجودنا في الأرض ستنتفي، وهي اختبار منظومتنا العقلية بإحداث التباين ومن ينجح في إدارته، قال للمسلمين، عليك أن تفهم المخالف لك لأن الأكثرية لن تكون مسلمين

ومما أنصح إعادة النظر فيه هو الحديث عن تميز أو خصوصية بشكل يعزل أو يعادي المجتمع الكبير فيكون كجزء غير منسجم وهذا ليس تميز بل تقوقع، بيد أن فقدان العقلية القيادية وغلبة الرعوية عند رجال الدين أعمت عن رؤية هذا، "فكلمة أقلية" لا ينبغي إطلاقها على مواطن بل على جالية، لان المواطن جزء من التكوين الكلي وفق نظام وعرف مفهوم عبر التاريخ الطويل، وهذا ما ينبغي الحفاظ عليه لان خلق حال التمايز ستمزق النسيج وتظهر الوان لكن لا ثبات لها ولا كينونة تعيش وتموت كجسم لا منتمي غريب وهذا غيض من فيض عندما تلعب لا الأوهام والعصبيات بلا إدارة لوضع المجتمع.

سلوك الأكبر:

الأكبر أيضا تمتلكه حالة الجنوح عندما يريد الكل أن يكون نسخة منه والا فهو عدو، ويعزل نفسه في وقت ينبغي أن يتحد مع الكل، وهنا يستفز من يظنه الأقلية فيكون الظلم.

مالك القوة: هم أليغارشية الحكم المتغلب، وهذه حقيقة مازالت فاعلة في واقعنا، عندما تنعزل طبقة حاكمة وأجنحتها وذيولها فيصبح همها الوجود، فكان التنظير للترقيع عبر التاريخ للتغلب فأصبح من مسلمات الانطباعات عندنا، ومشكلة هذا أنك طائع ولكن غير راضي فلا أنت منتمي ولا أنت معادي، ثم نصل إلى يومنا من اوليغارشيات متنوعة تريد البقاء بتفرقة المجتمع وتشظيه، فتكون إمارة على كومة حجارة، ليس مدنيا وعمرانا متدني وخراب بل نفوس خربة وأجساد تعيش كالزونبي؛ الحياة بالنسبة لها نوع العبئ الثقيل.

نستنتج

الخلاف إذن من سنن الكون، ولو أراد الله لكانت الناس متشابهة لكن الغاية من وجودنا في الأرض ستنتفي، وهي اختبار منظومتنا العقلية بإحداث التباين ومن ينجح في إدارته، قال للمسلمين، عليك أن تفهم المخالف لك لأن الأكثرية لن تكون مسلمين (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين 103 يوسف)، أما أنك تريدهم كمعتقدك باعتبارك أنك الأصوب، فعليك أن تقبل تفكير الآخر (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون 106 يوسف) ولننظر قوله تعالى في الرعد (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون 1).آية (مت 5: 44): وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) انظر انسجام الرسالات في تحييد المشاعر السلبية وعقل الأمور.

فإن تفهم بعض الناس لبعضهم وكانوا ممن رحم ربي وآمنوا أن التعايش بالمحبة للآدمية وإن (ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل الأنعام 107)، هذه الآية لك يا من تريد أن يؤمن الناس بما تؤمن به مهما كان معتقدك حرصا منك عليهم، فانت لست من يحفظهم ولا أنت وكيل عليهم؛ (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر-الغاشية 21-22) وهذا الخطاب لك يا من تمتلك القوة، فليس التمكين فرض رايك على الناس بالقوة، بل هذا هو فشل المنظومة العقلية ويعني انك آدمي من حصب جهنم، وضمن حالة مجتمعنا فإن كان حوار فهو بين الخاصة (قل هاتوا برهانكم..111 النمل..) (ادع إلى سبيل ربك....125 النحل)، فان كان هنالك جهالة (.. وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) الأعراف).

"لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا". (لو 9: 50 ؛ الهدف واحد وهو طرد الشر، فان لم تفهم الرسالة تطرفت وتعصبت وارتكبت الشر واحتضنته.

هذه خطوط عريضة للجميع أفراد، علماء، قسس، حاخامات، نعم خلقكم هكذا ليمتحنكم كما امتحن أبانا آدم واتبعته حواء حبا بدل منعه، فاحرصوا ألا تفشل منظومتكم العقلية فتكونوا وراء من شط لأنكم الأن تعرفون كما عرف إبليس وأدرك ففسق وليس كأدم عرف ولم يدرك فنزل إلى الاختبار الذي نحن فيه فمن ينجح إلى الجنة وتمتلئ ومن فشل إلى جهنم وستمتلئ فقد قفلنا منظومتنا العقلية ونحن بذلك من الفاشلين والعذاب الأكبر لمن يضل غيره ظنا انه صلاح له فانتبهوا يامن تؤثرون في الناس وسلوكهم تجاه بعضهم.

السبت، 6 أبريل 2024

98 - كنتــــــم خير امـــة اخرجت للناس

 




ما معنى كنتم خير أمة:

إن الأمة ليست قوم وإنما فكرٌ وطن له الكينونة والصفة المتميزة كثقافة أو قيمة أخلاقية بحيث يكون قدوة فيما يحمل من صفة وقيم بمدلول لفظ المصطلح، كان أقول فلان مسلم فأنا أعنى القيم وليس انتسابا وراثيا للدين ثبتته غريزة التدين: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (120-النحل).

هل نحن خير أمة:

إنه ليس وصف الأجداد بالخيرية ولا المسلمين لأنهم ورثوا التسمية بل الخيرية في شروطها أبد الآبدين “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” (110-آل عمران) …. هذه الخيرية هي صفة الأمة، فالخير أن: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، وهذا معناه أن تجسدوا القيم في سلوككم كما جسد إبراهيم القيم وكان قدوة فهو أمة، بيد أننا الآن لسنا أمة ولا خير الأمم، لسنا أمة لأننا لا نعرف بهوية وقيم، ولا وطن لنا نعرف حقيقته، كمن يعيش في عالم افتراضي، بل إن هدم الهوية والقيم وقطع الأغصان التي نجلس عليها ماض على قدم وساق، لا نمسك شيئا إلا أبليناه ولا نستخدم صالحا إلا شوهناه، نعشق الخلاف ونعتقد أن غلبة بعضنا على بعض تمكين.

عندما تتحدث الآيات عن قيم وأفكار فإنها تتحدث عن فكر حضاري وعن عقلية سليمة ونفسية سليمة تجيد التفاهم وإنصاف الآخرين، وليس عن علم أو تطور مدني وتفوق علمي وإداري على الآخرين، فتلك قدوة في التمدن ليس السلوكي وإنما العلمي، أقول هذا لأن بعض المفكرين يفترض أن الخيرية تعني التفوق.

هل الغرب قدوة أو خير أمة أخرجت للناس:

قال مهاتير محمد “عندما أردنا الصلاة اتجهنا صوب مكة وعندما أردنا بناء البلاد اتجهنا صوب اليابان” هو يشير إلى مسألتين مختلفتين تتلقي الأولى بغريزة التدين، فهذه تتوجه بها إلى الكعبة ، فالتوجه إلى الكعبة فقط للتدين فلم يعد هنالك في شرق البحر الأبيض المتوسط إضاءة للعلم والمعرفة، لكنه قطعا لم يك يتحدث عن القيم ولا الفكر الحضاري، وعندما توجه إلى اليابان فهو توجه إلى حيث التطور في الإعمار والبناء، وهي مسالة نقل للمدنية والمشاركة فيها لأن المدنية هي تراكم للجهد البشري يشترك فيه كل البشر، وهو مهمة الآدمية جمعاء، ولا علاقة له بالقيم والمعاني الأخلاقية التي تحكم السلوك، وهكذا عندما تشوه معنى الإسلام عندنا تشوهت سلوكيتنا، ولم نعد منارا للعلم وإنما بلاد محتلة يسيطر على كل ما فيها المحتلون بطرق مباشرة أو وكالة، وهكذا تكون الأمم المتخلفة حيث تكون مثالا ونموذجا لمنظومة تنمية التخلف، في كفاءتها العالية ومخرجاتها التي تزيد البيئة دمارا. والبيئة أصلا مفككة، متمردة على لا شيء، لا تعرف الطريق ولا تسمع القدوات الأفراد لتنهض بل هم يقتلون القدوات وهذه ليست صفة في مجتمعاتنا المفككة، بل هي صفة الإنسان المتخلف الضيق التفكير.
في رواية قد تكون ذات مدلول سلبي لكنها تُذكر، قيل أن تشي جيفارا طلب قبل إعدامه أن يلتقي بذلك الراعي الواشي ويسأله عن سبب وشايته به بعد أن ضحى بحياته وأفنى عمره مقابل أن يمنح الرعاة والفقراء وأبناءهم حقوقهم، فكانت إجابة الراعي بأن حروب جيفارا مع الجيش كانت تثير الرعب في أغنامه وتمنعه لأيام من الخروج لتأمين الماء والطعام للأغنام، وبذلك فإن تلك الحروب كانت تمنعه من طلب الرزق.

اليوم عندما يسأل أحد عن خير الأمم في واقعنا، فسيقول أمريكا أو الغرب في مغالطة معرفية تتجه للتفوق التكنولوجي، لكن هذه التكنولوجيا في بلدان لا قيمة عندها إلا النفعية وهي حقيقة لا يخجل منها القائمون على نمط حياة الدولة الحديثة، وحتى الليبرالية، أخذت بالتجاوز عن الحقوق وحماية الذات، من خلال ما يطرح ويعمل به في الليبرالية الحديثة، ونحن نرى كل ما يمكن أن يوصف بسيء الأعمال موجود، ومع هذا فهذه الدول متفوقة علميا ومدنيا، لكنها ترى قتيلا صهيونيا جريمة ولا ترى عشرات الألوف من الضحايا في غزة وبتصريحات متلفزة ومتكررة وواثقة.

إن الغرب متطور لكنه متردٍ قيميا، وسيستمر في التردي ما لم يعِ، ونحن سنبقى في التخلف والتردي ومنحدره الذي اجتمعت الآدمية فيه بطريقة أو أخرى وتنزلق إلى الحضيض.

الدول الصناعية متطورة مدنيا لكن لا تنطبق عليها معايير خير الأمم، فالأمم اليوم كما وصفنا كلها في منحدر التدني القيمي الآدمي، فهي لا تأمر بالمعروف، بل تأمر بالمنكر كما رأينا ذلك في انحطاط المعايير الخلقية، وإيمانها بالله أمر لفظي لا فعل له، ولاشك وفق هذا فإن أمتنا متخلفة مدنيا ومنحدرة حضاريا، سقيمة والقيح منها يقزز الناظرين، حتى الصالح وإن قل مُحاربًا (اخرجوا آل لوط)، وترى شعوبنا كقطعان الأيل الغالب منها لا يهمه إن لعبت السباع في قطيعه إن نجا ولا يرى ما يحصل في الغزال، ناهيك عن أنهم إن سقط جريحا فيهم افترسوه.

هل سنستعيد صفة الأمة:

اليوم تعلو المناداة المبتعدة عن الإسلام وكأنها بهذا تصل إلى الخيرية، لكننا لن نصل حتى نكون فعلا أمة تعرف الخير معرفة واعية ملائمة لقيادة العصر تتعلمه وتعلمه، فتدعو له وتنصح به، وتجذب الناس إلى عقلانية فيشاد الوطن وتكون أمه، فإن أحسنت إيمانها قولا وفعلا وتدينت عقلا وغريزة، عندها تعود خير أمة، فهذه أعمال ودرجات لا تورث وإنما يحققها الجهد الخاص.


الجمعة، 29 مارس 2024

97 - فلسفة نشأة الجهاز المعرفي

 


عوامل التشكيل المعرفي:

الإنسان مهما تغيرت أفكاره وأحب أن يوصف بوصف ما ويتلمس أن يوضع في صندوق ما، لكنه في الحقيقة سيتخذ مظهر ما يحب أن يوصف به بينما طريقة تفكيره هي الحاكمة، وطريقة التفكير تتبع في تصميمها منظومة التفكير التي لبها الجهاز المعرفي، والجهاز المعرفي يدخل في معظم خطوط الإنتاج الفكري والبنيوي للإنسان، وهذا يعني التركيبة للعقلية وأغلب نواحي النفسية، لذا نرى المجتمع يتقارب في العقلية وجانب النفسية، وجانب نفسية الآخر الخاضع للظرفية هو من يتمايز بين الطبائع في الأمة الواحدة تحت متعدد المواقع الجغرافية أو البيئية الدقيقة، وهو ما يميز مثلا العراقي عن السوري عن المصري. وهي ظروف متداخلة سياسية وسلطوية وتأثيرات خارجية وداخلية على النفسية التي تؤثر في إعادة تفسير أو تشكيل للعقلية، وهي ظروف آنية بعمر التاريخ قابلة للإصلاح والتغيير، وهذا يمكن أن اسميه "السمة البيئية".

وعوامل التشكيل المعرفي هي:

1- الطفولة والأم، الطفولة والأسرة.

2- المدرسة، والبيئة المحيطة.

ظروف متداخلة سياسية وسلطوية وتأثيرات خارجية وداخلية على النفسية التي تؤثر في إعادة تفسير أو تشكيل للعقلية، وهي ظروف آنية بعمر التاريخ قابلة للإصلاح والتغيير، وهذا يمكن أن اسميه "السمة البيئية"


3- المعارف المستسقاة والتي يواجها أثناء البحث.

4- خلاصة تجارب الآخرين وتجربته الشخصية.

5- السمة الذاتية للطفل في تركيبته الجينية، وهذه نفسية تدير التوجه المعرفي ومنظومة العقل.

مسار التلقي المعرفي وتكوين الجهاز المعرفي:

الناس في موضوعنا هنا نوعان، نوع يتلقى ولا يُبدع وإنما يدخل المعلومة في صلب اليقين؛ ونوع يناقش المعلومة ويقسمها وفق ما توصل إليه من تشكل لمعايير فإن تغيرت معاييره نتيجة سعة أفق أو معلومات حديثة تفتح أبواب فهم جديد فالطبيعي أن يعيد النظر في كل ما سبق لتتوازن العقلية مع النفسية وهما عنصرا الشخصية، لكن ليس دائما ينعكس تأثير الجهاز المعرفي وتأثيراته على الذاكرة المعرفية والنفسية، فأحيانا نجد من يهاجم ما كان مؤمنا به وربما يعاقب من يقف ضده، لكن في تأمل لحالته نجد أنه أنكر فعلا مظهر ماضيه وبعض تفاصيله وبقيت طريقة التفكير نفسها بتحول نحو رؤية يظن أنه تحول إليها يقينا.

1- الأم والطفولة والأسرة:

الأم مدرسة التعليم المستمر لأبنائها وبناتها، وهي الأقرب إليهم حتى لو كانت أشد قسوة من الأب، ومنها يتلقون الانطباعات المعرفية. وإن كانت متعلمة أو مثقفة لها خططها في التربية يمكن أن تشرح الأمور لتتحول من انطباعات إلى فواعل معرفية في التفكير عند أبنائها لأنها أقامت الدليل على ما علمتهم. وتعليمها يعبر في الحقيقة عما تعلمته هي أيضا فهي الأساس في كل المراحل التالية من الأسرة والى حيث يصل، فهي إذن تمهد للتلقي التالي وهذا عامل مهم إن كانت الأم واعية تحمل فكرا حيا وتفكيرا سليما، وهو عامل مهم أيضا إن حملت الخزعبلات والانطباعات الجامدة. وهنا قد يحمل الطفل تناقضات ومعلومات غير مستقرة من الأسرة أو العائلة التي خاضت تجارب الحياة بشكل إضافي، فتكونت انطباعات عن البيئة وحلول ما ومعايير اجتماعية للحكم على ما سيوجه في المستقبل.

2- المدرسة والبيئة المحيطة:

وهنا تأتي الإضافات سواء كانت إضافة خبرات أو انطباعات أو صداما بين ما اعتبره ثابتا وبين آخرين قد يخالفون ما تولد عنده وينمو، وتلاقح الأفكار الهشة مع الأقوى لتجد هنالك قناعات يرفضها وأخرى يتماهى معها وأخرى يعتنقها وإن خالفت الأسرة؛ لوقعها الأقرب لفهمه وذهنه.. زملاؤه ومدرسوه لهم منظومتهم المعرفية وقناعات جديدة، وهذا يتعرض له الإنسان الشاب بغض النظر عن انتماء أهله، وسيجد مقاومة في داخله ومن أهله، وربما هذا ينعكس على نفسيته، إضافة لعقليته لنجد تغييرا في الشخصية وكأنها لم تخرج من هذه العائلة.

الصراعات في البيئة والتحديات ستشكل عنده عقدة ومفصلا، أما العقدة في الموقف المتوارث وأما المفصل فهو ما يتحرك به خارج ما متعارف عنه في عائلته.

3- المعارف المستسقاة والتي يواجها أثناء البحث

الآدمي أثناء بحثه وقراءاته ومستجدات المعرفة قد ينتج الجديد أو يكرر التقليد، فإما يشكل نحوها انطباعا عدائيا أو إمكانية تقبل أو لا يهتم بها.

4- خلاصة تجارب الآخرين وتجربته الشخصية:

قد تأتي خلاصة تجارب الآخرين ومعارفهم لتضاف له كانطباع لكن ليس بالضرورة أن تتوافق مع مسيرته، وبالتالي سيكرر الفشل في امر نجح سابقا لكن تغيرت حيثياته وظروفه، وهذا لب المشكلة عندما يكون الجهاز المعرفي رافضا للتحديث مقاوما للتغيير، ويحكم على كل ما يمر به متوقفا عن التفكير لأنه يعتقد أن التجارب الناجحة عنده وهو لا يحتاج أن يفكر أو يتفكر أو يجرب ويمر بالصح والخطأ والتعديل.

5- السمة الذاتية للطفل في تركيبته الجينية وهذه نفسية تدير التوجه المعرفي ومنظومة العقل:

فالجينات والوقفات السلبية في القدوة كالأب وألام والأستاذ والبطل الذي يظهر أنه ليس بطلا، إضافة للأمراض النفسية والعقلية المتوارثة وطفراتها، كل ذلك يجعل الإنسان إما متقبلا للتغيير بلا حدود والشطحات بلا توقف، أو يرفض كل شيء ويكون انطباعا عن شيء ولا يغيره فهذا أصبح بقوة المبدأ والمعيار بينما هو فهم كلامك خطأ فقط ليفرض فهمه عليك الذي قلت الكلام.

ما هو المشترك؟

لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي والبناء للإنسان لكن أي بناء مدني يمكن أن يصبح خرابا في أيام إن لم تبنَ شخصية الأفراد ويقام المجتمع على أساس العدل، لا حقوق المكونات في ظل اختلال المعايير وتوازن القوى والعصبيات


المشتركات بين كل هؤلاء والتي تكون نقلية وفهما انطباعيا تشكل لب الجهاز المعرفي بما يحوي من معلومات حقيقية أو خزعبلات وتقوقع نفسي وخوف من المتغيرات يخلق حالة من أغرب الحالات، التجاوب مع القوة مثلا ورفض الحق بقوة إن لم يكن له قوة، وهذا أمر يعيق النهضة والتغيير والفهم والتطوير وإبقاء التخلف المدني والانحدار الفكري الحضاري وتلاشي أمم قد تملك أسلحة الانتصار على ما يستعبدها لكنها لا تستخدمها بل ترفضها وتتمناها وهي جانبها، فنجد العلماني يتحدث عن حكم بلا تدخل الدين ويعني القدسية، وهو لا يعرف أن هذا موجود في الإسلام وفق معايير حضارية فكرية، ويتحدث المرء عن سلوك يستفقده في مجتمعه وهو ذاته يسلكه ويحارب الفكر الموصل إليه.

فلا بد من إصلاح للجهاز المعرفي والبناء للإنسان لكن أي بناء مدني يمكن أن يصبح خرابا في أيام إن لم تبنَ شخصية الأفراد ويقام المجتمع على أساس العدل، لا حقوق المكونات في ظل اختلال المعايير وتوازن القوى والعصبيات.

رابط عربي 21

الاثنين، 11 مارس 2024

96 -الجــــــــــ الســــــــ الثاني ـــــياسة ـــــــزء

 


اطـــــــــــر سياسية 

                    عــــــــــربي 21          

بعد أن عرفنا من هو السياسي، لا بد أن نذهب إلى الأمور العلمية التي تؤطر العمل السياسي، فلا شيء عشوائي في العلاقات السياسية المحلية أو الدولية.

(2) السياسة الدولية وعلاقتها بالسياسة الداخلية القرار السياسي:

العلاقات الدولية ترتكز على المصالح، وواقع العالم اليوم هو وجود تنافس اقتصادي على السوق، فالصين بعد أن استُنهضت لتثبيط الاتحاد السوفييتي اقتصاديا أضحت منافسا شرسا للغرب، والإحاطة بالصين بطريق ناعمة بحلفاء وقواعد لا تبدو مجدية. فالصين تسلك دوما أسلوب المناورة والنفس الطويل في تحويل الأعداء إلى أصدقاء، وأن عالم الطاقة المرتكز على منطقة الشرق الأوسط أصابه الخلل بالاستقرار الوهمي.

والغرب يعاني أيضا من أدلجة خفية تطل برأسها لتميز الكيان رغم تكاليفه على علاقات سليمة مثمرة مع دول الطاقة، مستغلة التناقض بين الشعوب والحكومات لتشكل طينة الحكم بما تشاء خوفا وطمعا، وتستدر الأموال والسيطرة على السياسة النفطية، وهو عنصر يتحكم بتسويرها للصين التي أحدثت اختراقا في المنطقة.

السياسة مدنية تحتاج إلى جو هادئ متفاهم، لهذا تقام المجالس التأسيسية، فإن كان محاصصة فلا ينبغي أن تكون أرجحية في امتلاك القوة؛ وإلا فإن العملية الصحيحة تقام عن أحزاب ذات أيديولوجيا تتنافس على آليات التنفيد وأكثرها خدمة للمجتمع، فإن لم تك هذه الشروط موجودة فالعملية السياسية هي تغطية لواقع غير متمدن ولا يبقى إلا قناعة عامة بتحويل الأمور إلى دستورية

ولطول الأمد فإن الشرق الأوسط يعد جيوسياسيا من ثوابت الاستقرار، وهو ما أدركته الولايات المتحدة عندما عزمت على نقل كل نشاطها لتسوير الصين فقابلته الصين بكسب مهم في السوق في الدول النفطية وغيرها، ذلك لأن الغرب عموما عندما طال إشرافه على المنطقة أشرف عليها كسوق ومصدر للخام كما كل أفريقيا، فلم ينشئ مشاركات أو صناعات تفيد في تقليل الاستهلاك للطاقة في بلده أو استثمار للطاقة في المنطقة، وهذا نتيجة عنصر ما منقول في الحروب الصليبية من رواسب فكرية، واستخفافا بقدرة المنطقة على أي فعل مؤثر.

عموما، هذا التخلي أبرز هشاشة المنطقة وأنها ليست قوية بذاتها لافتقاد المنطقة إلى أيديولوجيا حقيقية واعتمادها على سلطة متغلب مدعوم من الغرب كحارس على ما اعتبره ملكه، وهذا واضح تماما في أفريقيا ودعم حُماة مناجمها.

من أجل هذا فإن العداء ليس أسلوبا وإنما خلق المشاركات البينية أحد الأساليب في تحصين المنطقة واستقرارها، وهو استقرار للعالم ببناء قواعد السلوك.

(3) طريق التفكير السياسي:

نتحدث في منطقتنا عن "حقي وحق الآخر" ولم كان هنالك آخر أصلا، بيد أن من السطحية بمكان أن يطالب بهذا والقوى لا توازن بها أو هنالك صراع فوق الدستوري، وهنا تبقى الخيارات قليلة جدا غالبا ما تحصل التحولات بثورة محدودة الأهداف كرد فعل.

السياسة مدنية تحتاج إلى جو هادئ متفاهم، لهذا تقام المجالس التأسيسية، فإن كان محاصصة فلا ينبغي أن تكون أرجحية في امتلاك القوة؛ وإلا فإن العملية الصحيحة تقام عن أحزاب ذات أيديولوجيا تتنافس على آليات التنفيد وأكثرها خدمة للمجتمع، فإن لم تك هذه الشروط موجودة فالعملية السياسية هي تغطية لواقع غير متمدن ولا يبقى إلا قناعة عامة بتحويل الأمور إلى دستورية، وتعريف الأهداف بدل الاستمرار في التخلف والاضطراب الذي قد يدار لفترة طويلة من أصحاب المصالح من دول الخارج والإقليم بسياسة التخادم معها في أدوار تكتيكية ليست استراتيجية.

فلن يكرر الغرب تجربته، والصين عندما دعمت لعلها تنافس وتضعف الاتحاد السوفييتي عندما أخطأت بإهمال عامل الأيديولوجيا، نفس السبب الذي يجعل من القوى الناشئة عن الصين أو غيرها عناصر أخطر من الصين نفسها، ذلك لأن الأيديولوجيا عامل ضعيف في نظام الدولة الحديثة في الغرب فلا تعطيه وزنه الحقيقي في التخطيط ولمن الولاء فيه.

من إخفاقات التفكير السياسي أننا نتصور أن المنافسين في الداخل هم وحدهم وهذا لغياب مفهوم الأحزاب الحقيقية ودورها، فتتم التسمية لأغراض تعاضد انتخابي بلا أيديولوجيا أو مراعاة أقدام الكرسي لاستقراره في السلطة.. فما هو الحزب؟ وما هي عوامل التحكم في حزب أو فاعل سياسي وفق العلوم السياسية المتعارف عليها؟

الحزب الحقيقي: معرّف كما تعرض أي بضاعة من واجهة زجاجية، وله تموضع في الساحة السياسية كقيمة أيديولوجية، وله استراتيجية في التعامل ورؤية ومراكز دراسات فاعلة لخلق التصور وتوجيه الحراك وحتى كلام الأعضاء المعبر عن رؤية واحدة.

أما عوامل التحكم بأقدام كرسي الحزب:

أ) جمهور الحزب أو السلطة وقوة ارتباطهم به وأن له أيديولوجيا أم لا، لأن الأيديولوجيا تقاوم التحديات.

يمكن أن تطيل قوة أيّ من ركائز البقاء لكن بلا استقرار، فلو كانت أجهزة الحكم مثلا متماسكة ستطيل عمر البقاء، لكنها ليست مستقرة كذلك على ركيزة أو اثنتين أو ثلاث

ب) الجماهير من خارج العمل السياسي والحزب أهي تدعم توجهاته وتراه محققا لأهدافها، وهنا نعيد ما بدأنا به أن لا لوم على الجمهور إن لم يساند عملا سياسيا.

ج) العامل الإقليمي في بلد لم يصل مرحلة الدولة وتأثيره في كل تفاصيله وبنيته التحتية التي هي أساس رضا الجمهور وشهادة إنجاز.

د) العامل الدولي وما وضع البلد ضمن تخطيطه الاستراتيجي، وأين سيكون مستعدا لإنشاء دولة وما هي مواصفاتها.

أي نقص في هذا هو نقص في استقرار الحزب وإن كانت السلطة بيده، واللجوء إلى سلوك فوق الدستور يطيل ألم البلاد ويجعل الأطراف أكثر سادية.

يمكن أن تطيل قوة أي من ركائز البقاء لكن بلا استقرار، فلو كانت أجهزة الحكم مثلا متماسكة ستطيل عمر البقاء، لكنها ليست مستقرة كذلك على ركيزة أو اثنتين أو ثلاث.

تتساقط اليوم في أفريقيا مثلا لا حصرا حكومات بعد أن أخفت عوامل القوة والدعم الغربي؛ لأن بلدا بلا سياسة أو يفهم العاملون بالسياسة أن السياسة هي سلطة وهيمنة ومهمشة للشعب، فإن المهيمن يستثمر ويمتص بلدانا ثرية وشعبها جائع متخلف مدنيا خادم لدول النفوذ، فهذه القيادات بلا ضمان، لذا فالوضع واقع ضمنا كتكتيك ضمن استراتيجية عوامل إقليمية أو دولية، فإن فقد جمهورها الثقة بمصداقيتها فثباتها مع عمر التكتيك، لهذا نلاحظ انقلابات لا ندري أهي تحررية أم تتبع المنطق في تبديل السيد لمن هو أكثر قوة ونفوذا. وهذه قواعد علمية كما سبق أن أشرنا.                  

الأحد، 10 مارس 2024

95- السيـــاســـــ الجزء الاول ـــــــــــــة من هو السياسي وكيف يفكر

 


رابط المقال في عربي 21

رابط المقال في الزمـــــــــــان الدوليـــــــــــــة

الفصل بين السياسة والعمل في السياسة مهم، ومجرد عمل الفرد -بغض النظر عن كفاءته وثقافته- في السياسة لا يعني أنه سياسي؛ لأن تصوره أنه أضحى سياسيا سيجعله يتخذ قرارات مضرة بمستقبله، وسيؤثر بشكل أو آخر على مجتمعه، لذا سنضع محاور لهذا الموضوع.

(1) من هو السياسي وكيف يفكر؟ (2) السياسة الدولية وعلاقتها بالسياسة الداخلية القرار السياسي، (3) طريق التفكير السياسي.

1- السياسي هو دواء لواقعه وليس قاضيا أو مدعيا عاما على مواطنيه، تطوع للعمل مهما كانت دوافعه؛ فهي مشروعة إلا خيانة الأمانة بكل ما تعنيه من تفاصيل واسعة ودقيقة. وعندما يتحدث السياسي كقاض في لوم الجمهور معزيا فشله لسلوكهم فهو ليس سياسيا، بل هو هاوٍ مندفع لمصلحة لا علاقة للجمهور بها إن لم تك مؤذية، ففشله في إقناع الجمهور يستدعي المراجعة والتخطيط والدراسة، وليس اعتبار الصواب عنده والجمهور لا يعرف الصواب. هذه وحدها تدل أن إقصاءه يعني أن الجمهور يعرف الصواب.

الأنا العمياء التي تصور للعاملين في السياسة امتلاك الحقيقة، أو أن الجمهور لا بد أن يكون جميعه مؤيدا لهم على الصواب والخطأ، وأن لا غيرهم قادر على إدارة البلد؛ هذا النوع لا يجيد الإدارة كما لا يجيد السياسة.

السياسي هو دواء لواقعه وليس قاضيا أو مدعيا عاما على مواطنيه، تطوع للعمل مهما كانت دوافعه؛ فهي مشروعة إلا خيانة الأمانة بكل ما تعنيه من تفاصيل واسعة ودقيقة. وعندما يتحدث السياسي كقاض في لوم الجمهور معزيا فشله لسلوكهم فهو ليس سياسيا، بل هو هاوٍ مندفع لمصلحة لا علاقة للجمهور بها إن لم تك مؤذية، ففشله في إقناع الجمهور يستدعي المراجعة والتخطيط والدراسة، وليس اعتبار الصواب عنده والجمهور لا يعرف الصواب.


التخطيط مهم والتغيير لا يأتي اعتباطا، وإنما بالتخطيط (العزم) والتنفيذ المبرمج (الإرادة). وليس للأمنيات والرغبات تصور عن النتيجة وإن حصلت صدفة، أو لخلو الساحة السياسية فلا أمنيات. قد تنجح تكتيكيا في مفاصل عدة، لكنك في خمرة الإحساس بالتمكين، لا ترى غبار العاصفة التي ستقلع ما بنيت؛ لأنك نجحت تكتيكيا لكونك ضمن استراتيجية من يخطط فعلا ليحكم. وليس الوصول هدفه فحسب، بل  استخدام طاقاتك ومساحة إمكانياتك في مخططه، فلطالما تشجع الدول المحتلة الانقسامات وتوازن مراكز القوى ضمن أهدافها، فلا تحمل وزر الدماء والفساد والتدهور الاقتصادي؛ لا لأنها غافلة أو عاجزة، وإنما هي تريد أن يصل هذا البلد إلى درجة من التفكك والهدم بحيث يمكن أن يقبل أي بناء تخطط له. ويفاخر المستخدم الوسيط بقوته، وهذا سيبرر دوليا لاستخدام القوة عند الحاجة، بل إبادته عند وصوله إلى الخط النهائي لاستخدامه، فيجري تنظيف الساحة للمرحلة الأخرى.

فمن وجد نفسه في هذا الموضع فليحاول إصلاح ما أفسد؛ لأنه لن يجد من يحزن عليه، فالقوى العظمى صفرية أمام عدوها وإن لم تبدُ صفرية، والقوى الضعيفة تبحث عن التنافسية لإيجاد محل، فإن ظهر خلاف ذلك فهو خلل، لكن يصدقه من استثيرت غرائزه في السيادة والتملك فتوقفت منظومته العقلية عن إدراك الصواب.

حالنا هو هذا التفاخر والتباهي، وليس حسابا علميا للخسائر ومدى تقدمنا نحو الغايات والأهداف ودرجاتها، وبذلك نكون ضحايا ونزعم البطولة، فلا نتذمر إن وجدنا العالم ضدنا، ولا يرى ظلما نحن أول من أنكره بصوتنا العالي.

يأتي هذا من خلل التفكير المؤدلج الذي لا ينظر بواقعية؛ لأن الجهاز المعرفي يعتمد البطولات بمفهوم ما ليس بالضرورة مناسبا لواقعنا، وإنما يتبع النصوص المرنة التي يزعم أنها تنطبق عليه وهو ليس كذلك، كأن يقول؛ إن الله سينصر المؤمنين وهو لا يرى أنه ليس ضمن مواصفات أولئك المؤمنين في الوعد؛ لأنه لو كان منهم لتحققت أسباب الانتصار في تخطيطه وسلوكه وتصرفاته وعقليته ونفسيته، وليس بافتراضه الوهمي لتوصيف نفسه وهو يعدم العدالة بسلوكه ويمثل الظلم، أو يتوقع معجزة على فرضية فرضها لنفسه.

السياسي ينبغي أن يتدرب ويدرس الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، وأن يعلم مواطن الضعف في ذاته والعمل كفريق، فالتدريب مهم ومعرفة سير السياسيين ليس كسرديات، وإنما كخلاصات ومادة تفكير في ورشات تفكير سياسي، ويتعلم أن لا تغلبه الأيديولوجيا.


أما التفكير العلمي، فهو العقل قبل التوكل، وهو الدراسة والتخطيط، والنظرة لواقع الحال والمتاح، ووضع الأهداف المتتابعة نحو الغايات، ولا شيء مرتجل أو يعتمد على الأمل بالنجاح، فإن كنت محتلا مهزوما مدمرا لا تملك حقيقة ما يواجه به أعداؤك، فإظهار أنك بطل هو لإرضاء نفسك، وإظهار كأن ما تحدثه من خسائر تبريرا لعدوك بقتلك، ومشاهدة الأمم ذلك لأنها ستتصورك المعتدي وهو المظلوم، وأنت خطر على نفسك لتتولى أمرها، فأنت تعمل ضمن استراتيجية العدو وأنت لا تدري.

تدريب السياسي:

السياسي ينبغي أن يتدرب ويدرس الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، وأن يعلم مواطن الضعف في ذاته والعمل كفريق، فالتدريب مهم ومعرفة سير السياسيين ليس كسرديات، وإنما كخلاصات ومادة تفكير في ورشات تفكير سياسي، ويتعلم أن لا تغلبه الأيديولوجيا، وإنما ينظر إلى الحالات من خلال عوامل ثبات الكرسي (لاحظ الجزء الثاني)، وكذلك إزالة سلبيات الجهاز المعرفي والتربية المعتمدة على المبالغة، وإيهام الذات بما لا وجود له حقيقة، فيكون تفكيره خارج الواقع وهذا من الكوارث، أو يقدم من لا فكرة له عن بناء الدولة، وإنما يسلك الأساليب فوق الدستورية. فهذا ينبغي ترويضه بالتدريب وملء الفراغات بالفكر السياسي بدل الوهم، أو تتمكن غريزة حب السيادة، عندها يصبح الحديث عن القيم والتوجهات من مظاهر الفشل؛ لأن هذا العامل في السياسة قد يسلك ما ينكره ليشبع غريزته في السلطة، وهو لم يتدرب جيدا على أهداف حقيقية وواقعية أو جادة، وإلا لجعلها تسير على الأرض. وهذه الحالة بالذات مضرة للمجتمع، وتحبط في عملية التطور المدني على مسارات متعددة..

السبت، 24 فبراير 2024

94 -حرب القرم ما بين الحتمية والمصداقية / ج2 او حرب اوكرانيا في عامها الثاني

 

رابـــــــــــــــــــ عربي 21 ــــــــط                                                         رابط الزمان الدوليـــــــــــــــة

رابط الشبكة مباشـــــــــــــر



"حرب القرم بين المصداقية والعدمية"

هذا عنوان مقال تحدث استشرافا عن حرب القرم تصادف نشره يوم 24 شباط/ فبراير 2022، وهو التاريخ الذي دخلت فيه القوات الروسية إلى أوكرانيا، وقلنا فيه إن القوات الروسية ستتوقف في ضواحي كييف لتبدأ مفاوضات يفترض أن تقود لحل، أو أن هنالك حالة صفرية تتفاقم لتمتلك القرار؛ الذي قد يؤدي إلى حرب عالمية لا تكون تقليدية، واستمر الحال حتى أوضحه لقاء الرئيس بوتين مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون، فقد بيّن اللقاء كثيرا من الأمور التي أزالت غموضا يسمح بتفسير الماضي واستشراف الحدث في المستقبل.

روسيا مدركة لدورها الوظيفي على مضض

من الواضح أن هنالك خيبة أمل روسية من حالة الجفاء الاستراتيجي التي يقابل بها الروس كلما حاولوا التقارب مع الغرب، باعتبارهم وريث الاتحاد السوفييتي لكن بلا شيوعية، وهذا التبرؤ من الشيوعية كان واضحا في حديث السيد بوتين بأنه كان بنيّة حياة جديدة تفتح التفاهم والغرب وليس للتخلي عن القطبية، من خلال استعراضه للقاءاته مع الرؤساء الأمريكيين وطرحه إنشاء منظومات دفاعية شرقية وغربية؛ لكنهم بدوا أنهم ليسوا صناع السياسة الأمريكية أو لهم القدرة على تنفيذ رؤيتهم الخاصة في هذا الاتجاه. وهو سيف ذو حدين، فمن ناحية أنه عمل مؤسساتي استراتيجي (دولة ودولة عميقة)، ومن ناحية أخرى أن الحديث مع الرؤساء ليس للخروج بقرارات ناجعة أو مصيرية في العلاقات الدولية أو بناء الاستراتيجيات، وإنما على من يطرح أمرا ألاّ يتفاءل بالجواب الفوري بل ينتظر اللقاء التالي أو الرسالة ما بعد اللقاء الأول.

أدرك يلتسين وبعده بوتين أن الأمر يتطلب أكثر من وراثة رسمية لمكانة الاتحاد السوفييتي، فهذه الدولة تحتاج أن تكون قوة اقتصادية وصناعية بلا كوابيس أو مفاجآت، لكن العقيدة السبرطية الأمريكية ترى أن انحلال الاتحاد السوفييتي ليس لأنه يريد حياة جديدة تعتمد على السوق والصناعة وإنما خسر المطاولة وركع فعليه الخضوع الأبدي أو العقاب.

روسيا كانت تفكر بتقاسم العالم بين محورين، لكن روسيا ليست لهذا الدور إطلاقا وطموح بوتين ليس من استراتيجية الولايات المتحدة وإنما في التكتيك كدوره في سوريا أو ربما العراق أو غيرهما، كفاعل وليس كقطب دولي، فالأمريكيون لا يفكرون في تقاسم العالم أو العمل معا بتنسيق عسكري استراتيجي


ما يريده بوتين من تعاون ليس ممكنا. ما السبب؟ الصين دعمها الغرب بخطوط صناعات فاتكل عليها بدل أن يأسرها. فقد كانت الغاية لتسوير الاتحاد السوفييتي بالحلفاء بكل الوسائل التقنية؛ وربما لم يبق من هذا السور إلا الهند (التي تتجه إلى محور أمريكا بعد أن كانت تمسك العصا من وسطها) وكوريا الجنوبية؛ بيد أن الصين لم تك أداة لضرب الاتحاد السوفييتي وإنما استفادت الصين لبناء الدولة التي نراها اليوم، وقد بنت اقتصادا ضاربا وقوة عالمية منافسة مستقلة غير مضمون الصراع معها، وهي لا تريد الصراع واللعب باستقرار نسبي لمليار ونصف إنسان أو يزيد، لكن الغرب لا ينوي تكرار الخطأ مع روسيا.

لم يفكر الأمريكيون بإقامة علاقات رباعية بينهم وأوروبا والصين وروسيا، فهذا سيؤثر على المنافسة الحرة في السوق الرئيس وهو الدول المتخلفة، وهي طبيعة النظام الرأسمالي الصناعي، ولهذا فان البقاء يعني سلطة القوة، والولايات المتحدة سلطتها هي القوة العسكرية التي تحمي الدولار الذي هو عمليا المسيطر على الاقتصاد، لكن الدولار كما قال بوتين يدخل المعركة اليوم بدون تفكير بعيد المدى أو يستقي تجربة الحرب، وهذا سيجعله معرضا للإبدال كما حصل بإبدال الدولار بالروبل فارتقى الاقتصاد رغم الحرب.

إثارة القلق ودعم المتمردين ودعم أوكرانيا الآن يعد مشكلة هي مصلحة عند الأمريكان. الصين وكوريا الشمالية تراقبان الحدث لكن لن يكون من صالحهما تلاشي روسيا كقطب دولي وإن كان وهميا كما هي حقيقة تصميم وجوده، لذا فإن كسر العظم مسألة تحتاج نظرا عميقا.

تقاسم العالم

روسيا كانت تفكر بتقاسم العالم بين محورين، لكن روسيا ليست لهذا الدور إطلاقا وطموح بوتين ليس من استراتيجية الولايات المتحدة وإنما في التكتيك كدوره في سوريا أو ربما العراق أو غيرهما، كفاعل وليس كقطب دولي، فالأمريكيون لا يفكرون في تقاسم العالم أو العمل معا بتنسيق عسكري استراتيجي كبناء سلاح، أو الاتحاد بحلف عسكري، أو التفاهم حول النفوذ في أسواق التكنولوجيا والتقنيات. وهذه النقطة غير حقيقية في التفكير الأمريكي ويمكن أن يناور بها الروس لإسقاط عوامل القوة كالهند وحكومتها المتجهة نحو الأمريكان، أو التفكير بالتكامل الصناعي مع الصين ودول نامية مؤهلة لاستقبال التقنيات كالسعودية، ويمكن أن تحمي روسيا أجواءها لتفريغ منتجات المعامل الإلكترونية، لكن هذا لا يأتي بيوم وليلة، الدول النفطية ما زالت متمسكة بالدولار ولا نية عندها لاستخدام عملة خاصة لبيع واستيراد أو أية معاملات تجارية والعالم، فبالتالي ما زالت كما كانت دائما كفة الولايات المتحدة وجناحها الأطلسي مسيطرا على الساحة لأي حدث.

مآل حرب القرم

بعد أن اقتنع بوتين بسحب قواته من محيط كييف للبدء بتفاوض يحفظ كرامة كييف أسقطت كل الاتفاقات الشفوية معه، أو هكذا قال؛ هنالك جرح وإحساس بالاستهانة، وان كان حاليا يوازن اقتصاده وما تستنزفه الحرب، وجمود الحالة ككل، فإن صراع القوى والنفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا سيجعل الأطراف أمام "حلول صفرية" 

الوضع ربما أكثر ميلا لحرب شاملة مع اختلاف اللغة التقليدي بين الشرق والغرب، لأن بوتين في زاوية ميتة وقد استنفد الأمل بقبول الغرب الأمر الواقع ويريدون منه الاستسلام والخضوع له، وهذا مستحيل

بعد هذه المدة من "الحالة الصفرية" وبلا حلول. وربما لا يبقى أمام بوتين إلا خيارات محدودة؛ الضغط على زر حرب نووية غير معلومة لمن ستحسم وكيف ستحسم مع الأسلحة المتطورة وبعضها دون شك نجهله (وهذا احتمال جدي يتجاهله الغرب)، أو انه سيصل إلى مفترق طرق للتفاوض على إبقاء منفذ على البحر الأسود وربما يعزز سيعزز سيطرته على جنوب أوكرانيا في الفترة القادمة استعدادا لمفاوضات.

أما الانسحاب إلى داخل روسيا وهذا مستبعد جدا إلا بغياب بوتين نفسه ووعود ألا يترتب على روسيا أي عواقب أو متابعة عسكرية أو قانونية، فإن هذا كرد فعل سيؤدي لاندثار روسيا تماما باستسلام خفي، وهذا يعرفه من حول بوتين. وربما تغييب بوتين يحتاج بدائل واحتمالات منها احتياط لمنع تفكك روسيا بعملية جراحية.

الوضع ربما أكثر ميلا لحرب شاملة مع اختلاف اللغة التقليدي بين الشرق والغرب، لأن بوتين في زاوية ميتة وقد استنفد الأمل بقبول الغرب الأمر الواقع ويريدون منه الاستسلام والخضوع له، وهذا مستحيل.

الحل الأمثل أن يعطى بوتين منفذا على البحر الأسود (القرم)، وأن تعتبر أوكرانيا بلدا محايدا ومعترفا بتقاربه مع الروس.

السبت، 17 فبراير 2024

93- ازدحام بلا نظام

 





رابط العــ 21 ـــربي

في منظومة تنمية التخلف يكون المبدع غريبا في قومه، ولعل هذا ذكرني بمالك بن نبي الذي استخدم كلمة التكديس في تقليد مؤسسات للدول الغربية عندنا، واستحضار تفاصيل مؤسساتها التي أنشئت لحاجتها هي.

الأصل بالحكومة والسلطة هي عقد اجتماعي ليقوم بعض الناس من الناس أنفسهم برعاية مصالح المجتمع نيابة عنهم وتطبيق القوانين المتفق عليها بينهم، وهذه تنشأ تدريجيا ولا تأتي كحزمة واحدة من قائد مجموعة صيد أو غزو.. إلى أن نصل لعلاقات خارجية وداخلية ومراكز دراسات وغيرها، فالأمم التي تقدمت بنت حسب الحاجة، أنشأت كليات لتدريس ما يحتاجه اقتصادها، ووضعت مراكز دراسات تقرر نوع وعدد المطلوب لها في مرحلة زمنية بالسنين وتبعا للسوق، لكن الأمر مدروس والكوادر تخرج إلى مهامها.

كذلك الأحزاب أتت لتعبر عن أيديولوجيا أو وجهة نظر اجتماعية أو سياسية أو إدارة الأولويات، ولها برامج تعرض على الجمهور فيكون انتخابها كاستفتاء ضمني على برامجها. وعادة ما تكون حزبين أو ثلاثة.

الأمم التي تقدمت بنت حسب الحاجة، أنشأت كليات لتدريس ما يحتاجه اقتصادها، ووضعت مراكز دراسات تقرر نوع وعدد المطلوب لها في مرحلة زمنية بالسنين وتبعا للسوق، لكن الأمر مدروس والكوادر تخرج إلى مهامها


هياكل لا نحتاجها

أما في البلدان المتخلفة، فقد نقلت الهيكليات دون الحاجة لوظيفتها، فمثلا ما حاجتك لمركز دراسات صناعية وأنت لا تصنع، وبحوث زراعية وأنت لا تزرع، ومجالس محلية وبرلمان وأنت تقودك العشيرة أو "الرجل الفذ" أو الطفيلي؟.. ثم مع الانفتاح تجد عشرات ومئات الأحزاب بلا أيديولوجيا أو مشروع؛ متصارعة على السلطة والمال لا الإنتاج ولا مشاريع الإنماء؛ فليس هنالك منطق دولة للاختلاف، هذا التكديس التجميلي كعمليات التجميل الفاشلة التي تشوه وجها كان جميلا، وعندما تريد أن تثبت نفسها فستكون كأثاث يعترض الطريق يخفف سرعة الحركة أو يتعثر به المشغول وهنا تنشأ الفوضى في الحلول.

الوظيفة المفقودة

إذن الوظيفة مفقودة، لكن المال موجود فتتخم الدولة بعناوين لا فائدة منها ولا عمل حقيقيا، وعندما تتعاظم الأعداد في مدارس وجامعات "استثمارية" بلا تخطيط وتنمية مقابلة تتخلص من البطالة العملية أو المقنعة، هذا سيجعل التعليم كيفيا وليس برؤية تنموية، فيتجهون للاختصاص الأعلى راتبا، وينزح الشباب من القرى لتصطدم بدولة متخمة لم تعد قادرة على المزيد من العمالة بدون عمل.

فمن درس في الجامعة لم يعد بإمكانه أن يعود مزارعا أو سائق أجرة أو صباغ أحذية وهو مقتنع، وإنما تأهيله لسوق عمل وهمية؛ هكذا وطّن نفسه يدرس من أجل الرزق بالوظيفة، وهنا تبدأ الاضطرابات والانتفاضات، وبدل أن تكون هذه كناقوس يدق عاليا بضرورة إعادة تنظيم الدولة إداريا وبطرق علمية وتوظيف حقيقي للموارد البشرية، يُتهم هؤلاء الشباب بأنهم أتباع لهذا الطرف أو ذاك وأنهم يتآمرون ضد الحالة التي يراها من في السلطة مثالية، فلا يشعر بحرارة الصحراء في منتصف تموز إلا من غادر خيمته المكيفة.

بقاء الحال يهدد أي نظام مهما كانت أدوات أمنه، فلا بد أن تعالج ظواهر العمل في توظيف الموارد البشرية ليس بمجرد التوظيف وإنما إدخالها في سوق العمل من خلال تنظيمها في مجموعات عمل تتنافس على التنفيذ ويُحكم على نوعية مخرجاتها؛ إلى أن تندمج هذه المجموعات لتكون شركات كبيرة تنافس الدولة في التوظيف بعد زمن، ولكن هذا يحتاج دراسة وتخطيطا حقيقيا ونوعيا، فمجموعات العمل التخصصي مهمة في التوسع لأسواق خارج الحدود القُطرية.

كيف ولماذا تبنى المؤسسات؟

المؤسسات لا تبنى لأنها هياكل في دول متقدمة، الأصل في الهياكل هو المهمة وليس الهيكل يخلق المهمة؛ المهام بالتخطيط والموازنة، فإيجاد هياكل إدارية أو مجالس أو أية مسميات لمجرد وجودها في بلدان متقدمة صناعية ومتقدمة لا يعني أن هذا سيخلق تنمية بل سيخنق التنمية لأنها أجهزة ستكون منفذا لتبديد الأموال في وظائف غير ضرورية، كما أنها بيئة للفساد عندما لا يكون هدفها الخدمات


المؤسسات لا تبنى لأنها هياكل في دول متقدمة، الأصل في الهياكل هو المهمة وليس الهيكل يخلق المهمة؛ المهام بالتخطيط والموازنة، فإيجاد هياكل إدارية أو مجالس أو أية مسميات لمجرد وجودها في بلدان متقدمة صناعية ومتقدمة لا يعني أن هذا سيخلق تنمية بل سيخنق التنمية لأنها أجهزة ستكون منفذا لتبديد الأموال في وظائف غير ضرورية، كما أنها بيئة للفساد عندما لا يكون هدفها الخدمات التي أصلا لم تصل لدرجة الحاجة لهذه الهياكل وأنها تقدم فعلا للمواطن.

وهنا يأتي دور مراكز الدراسات في الدولة والشركات، فهي مهمة لتحشيد الخبرة والكفاءات ورسم السياسات والاقتصاد ومعالجة الإخفاقات ونقاط الضعف والتداعيات في المجتمع والسياسات والابتكارات والعلوم، وعملها طويل زمنيا وربما إن لم توظف الكفاءات بدعم عال جدا فإن مخرجاتها قد تكون متأخرة عن تقدم التفكك والانحلال.

فالمؤسسات تبنى كأدوات تنفيدية لما خُطط له، وقد تعتمد مؤسسات الدولة في إنشائها أو تنشئ مجموعات تمتهن اختصاصات معينة قابلة للمناورة في القطاع الخاص وتساعد الحكومة من خلال تعاقدها مع شركات الخبرة الأجنبية لتنفيد الأعمال، وهذا يعني أنها ستدرب كوادر محلية تتولى العمل مستقبلا.

لا بد للدراسات أن تعالج أيضا المسألة الأيديولوجية المفقودة أعماقها، واستكشافها وتوظيفها للرقي المجتمعي، وهذا مهم لتنشئة المدنية دون جنوح، لترتبط بالقيم والهوية.

إن تكديس المؤسسات مثله كمثل الأثاث الزائد يعيق الحركة فيتم التخلص منه إما برميه أو وضعه في مخزن القديم، فلا بد من إعادة النظر من العقلاء.

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...