نواقيس في عالم النسيان – محمد صالح البدراني
نواقيس في عالم النسيان – محمد صالح البدراني
في منطقة شعبية عشنا وما زالت أحب بقاع الأرض رغم أنها هدمت كأحد ضحايا طغيان الحمق وسقم التفكير الذي خلط الأوراق في بلد عظيم فعلا كالعراق، بيد انه باع ذكاءه وفعل ما رفض فعله الصبي في قصة حكمة متناقلة في التراث تقول (قيل لصبي ذكي أتعطينا ذكاءك ونعطيك ألف درهم؟ فقال: إن أعطيتكم ذكائي سيبقى حمقي فأضيع الألف درهم بحمقي ويبقى لي حمقي فكأني استبدلت ذكاء بحمق) كنا أطفالا بأعراف أخرى ومجتمع متداخل دون تصنع نسمع ونرى كل شيء بشفافية، حكى لنا كهلا قصه حبه عندما كان شابا وفتاة أحبها ترسل له رسالة تفارقه؛ بها لحن كانت النفوس تطرب لسجعه وهي عفوية لن يتخيلها ما تلا الجيل لتغير النفسية فقالت له في رسالة لا جواب لها حتما (…وستبقى في الذاكرة كناقوس يدق في عالم النسيان فوداعا وداعا يا إحسان).
أحلام أهلنا لمستقبلهم كحب إحسان نراهم يعيشون الصدمة وقد تغيرت طباعهم وتاهوا عن الفعل والقرار كجيش محاصر بلا لوجستيات وانقطعت عنه المؤنة والعتاد؛ ذاك الحب الذي أنتج الأفكار عندما ساء وضع البلد لكن يبقى عنوان الحب محكوما بهيمنة التخلف والانا التي لا تستوعب شيئا كي تخطط للمستقبل فتبقى المشاريع والآمال كنواقيس تدق في عالم النسيان وتقول وداعا فوداعا يا إنسان.
ويبقى دوار الملاچ والسرگال والفلاح بمتعدد أشكاله يتكرر بجدلية وظائف الرقابة العثمانية للسوق السرسرية والشلايتية فالأمر لا يحل إلا بنقاء الضمير والا ما يولد القناعة عند حكام أفريقيا بالبقاء عبيدًا موظفين على ثروات بلادهم ليتمتع المحتل السابق للبلاد بالثروات بينما الشعب الذي يسوده هو والمسئول عنه جائع يتلظى بعذاب العَوَز بأقسى أنواع العوز وكان هنالك قناعة بالعبودية والتبعية بانها حقيقتهم بل يدافعون عنها وتعتبر إهانة لهم إن مس احد أسيادهم بكلمة وهم انفسهم سادة البلد لو تمردوا على سيدهم الأوربي لما وجدوا إلا الدعم من شعوبهم التي يمارسون عليها مهمة الجبناء وهي الأقسى فالعبد دوما اقسى من سيده عندما ينفد أوامره على أقرانه.
دولة متوقعة
الله عز وجل جعل أقدار الأرض بمقادير دقيقة وحساب دقيق وبما يمكن للإنسان من استثماره مع استهلاكه لينتج بمنظومته العقلية البدائل، وكل ما نراه من عذابات بعض الأمم وترف بطر من أمم يدل على أن الإنسان والآدمية ليست ناجحة في تحقيق الغاية من وجودها، فليست الثروات من حق هذا الجيل بل واجب هذا الجيل استثمارها لتقديم بدائل للجيل التالي وتطوير المدنية والآليات لمقاومة المتغيرات والمستحدثات والإبقاء على الحياة الآدمية مع تعاظم أعدادها وتنوع حاجاتها ومتطلباتها.
لم يجعل الله اقدار الثروات الطبيعية لتسرق ويترف ترفا البعض ويجوع الآخر أو تأتي أجيال تعاني من الماء والكهرباء وحتى وقود التدفئة في بلاد تنتج النفط وتصدره لكنها لا تستثمره كما لا تستثمر واردات بلادها من الأموال وإنما تذهب بالفساد إلى جيوب وخزائن لا تفيد ولا يستفيد منها حتى جامعيها أحيانا، إن هنالك استدامة مطلوب فهمها وعملها ولكن سيطرة السراگيل وئدت العلماء والنخب من المفكرين وعلماء المال والاستثمار والأعمال، وبدل تحويل الطاقة لتلد مصادر للطاقة أو معامل تستوعب الشباب، أو إنتاج بدائل لمصادر المياه زمن الشحة بدل الاتهامات والتشكي، أو تطوير الأعمال بما يجعل المجتمع حيا، استنزف الفساد هذه الأموال لتكون عند فئة من الناس بينما ينتشر الجوع والتشرد والبغضاء والانحلال في المجتمع فلا يمكنه أن يكون له وجود أو تأثير والناس تبحث عن مصدر رزق لها إضافة إلى الاستنزاف من النخب الحاكمة من أنواع البشر بما لا يحصى هي الأخرى تستنزف الدولة فلا يعود أمام الشباب إلا الراتب هو الهدف لان المشكلة باتت في حب البقاء لا الإبداع وإثبات الذات وليس العمل وهذا سيخلق العيوب التي نراها بما لا تحتاج وصف أو كلام بينما الوظيفة هدفها البناء والراتب للعيش حق مفروض.
لا يحدث صراع الأيدولوجيات التقدم والتطور بل هو القلق عدو التمدن، فلا ترى اهتماما حقيقيا بالعلماء ونخبهم بل العلماء لا يظهرون لأنهم غرباء في أرضهم بينما يعتلي المغامرون والمزايدون ومن يسكتون على الفساد أو يرضون أن يكونوا أدواته وهكذا يجوع من يملك مناجم الثروة.