الجمعة، 1 سبتمبر 2023

79 -الحكمـــــــــــة والمعـرفــــــــــــــة

 



التأمل والتفكر والتدبر

عندما نتأمل في كتاب الله نجد أن هنالك دعوة للتفكّر وعقل ما يقال حتى في آيات الله وكتابه، وعندما نتدبر نجد أن عاملا مهما يبرز بذاته وهو المنظومة العقلية ذات الأهلية. فلم ينزل القرآن بافعل ولا تفعل، أو قل ولا تقل أو هذا حسن وذاك قبيح، وإنما وضعت تعاليمه قيما، ولا بد من يقرأ القرآن على مكث أن يتفاعل معه بالتفكير فأسلوبه ليس إملائيا بل مثيرا للتساؤل ومتفاعلا مع السؤال، ويبين أن الإنسان حر وكامل الأهلية في خياراته. يقول الله تعالى إن الله يكره كذا وكذا، ذلك ما يعظكم به، فهو وعظ وليس إجبار لاختيار لأنك أصلا في تصميم الخليقة كامل الأهلية وليس هنالك من يحاسبك في الدنيا والآخرة إلا الله على خياراتك، ما لم تضر القوانين والمجتمع أو تقلق استقراره وتخترق قوانينه عندها يحاسبك القانون والسلطة.

السلالة التي أراد الله جل وعلا أن تكون في الأرض هي سلالة آدمية، ويبدو من التأمل في الآيات أن هنالك نسخا سابقة وسلالات سابقة في الأرض كانت تفسد فيها، لكن علم الله أوسع من المشاهدة، ففي هذا المخلوق البشري ميزة مختلفة من التصوير الحسن إلى ميزة التفكير والحفظ والتذكر وفيه مع الغرائز منظومة العقل هذه التي تدير المعلومة. هل أدار آدم المعلومة؟ وهنا الدرس الأول للآدمية بآدم نفسه، فقد أعطاه الله المعرفة وعلمه كل شيء، لكنه لم يتفكّر بالمعلومة وهذا درس للبشرية بأبيهم أن المعرفة وحدها ليست نافعة بلا تدويرها في الذهن والتدبر والاستفادة منها في الأحداث، فنسي التحذير من مخلوق اتضحت كراهيته له كمخلوق وليس كراهية السلوك وهنا نقف وقفة قصيرة.

منطق الكراهية يجعلك مؤمنا أو شيطانا

عندما نظر إبليس إلى آدم نظر إلى مخلوق مكرم، لم يفعل آدم شيئا ولم يرتكب هفوة، ولم يبدُ على ملامحه السوء، ارتفعت الأنا عند إبليس وأثارت الحسد فالحقد لأن هذا المخلوق آدم نال تكريم خالقه. إذن الكراهية الإبليسية هي كراهية الذات للذات وكراهية الإنسان للإنسان والتي تأتي من حسد وحقد، كذلك كان قابيل عندما قتل هابيل. وأما كراهية المؤمن فهي كراهية الفعل من الإنسان وليس كراهية الإنسان، كذلك كانت كراهية هابيل لفعل قابيل، كراهية أي إنسان سوي لفعل في إنسان آخر فان أصلح أفعاله فلا كراهية ولا سوء. قال ﷺ: "الإسلام يجبّ ما قبله"، أي إن اعتدال الأفكار يجعل الإنسان نقيا تخلى عن ماضيه بما فيها ذنوبه وهو أمام منهج جديد، فالكراهية لفعل الإنسان هي رغبة بالخير له بصلاح فعله وإيجابية تعامله ونقاء فكره ورقي إنسانيته.

عندما يندمج الإنسان بفعله، ويصبح بالأنا الإبليسية متوحدا مع أفعاله فهو يخرج عن منهج الآدمية وسجيتها. عندما أخطأ آدم كان فعلا تبرأ منه بالتوبة والاستغفار الذي احتاج كلماته ليعلمه خالقه الأمر الذي يظهر مدى تكريم الله لهذا المخلوق وهو الأعلم بخفايا نفسه. لكن الأنا الإبليسية أصرت على التكبر والعصيان، كذلك يكون الإنسان المصر على العصيان فيكون "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ"، ومع هذا رأف الله بنوح فلم يجعله يرى غرق ابنه، لأن الإنسان له من العواطف ما تجعله أضعف ما يكون أمامها، لكنه ينيب
السلوك دال على مدى فاعلية المنظومة العقلية ومدى الفهم للقيم، وليس من ملائكة على الأرض، فالإنسان يخطئ ويصيب وإنابته باعتذاره وحسن إصلاحه للأمور، والأولى أن يفكر ولا يصر فالإصرار هو غياب للحكمة وغياب الحكمة هو الفشل للآدمية، والتصالح مع الذات بتصويبها وليس بالإصرار على الخطأ، اللهم إلا من كان مريضا فذاك إنابته بعلاج ذاته ليعود نافعا لأهله وبيئته. ومن هنا نرى الحيز الضيق لكره الإنسان لاندماجه وسلوكه المتشبع بالشر.

الحكمة والمعرفة

لقد كان آدم مزودا بالمعرفة، ولم يفعّلها في تفكيره فكان ما كان، فالمعرفة التي لا تستفيد منها الأمم بخاصتها وعامتها هي كمثل بني إسرائيل عندما لم يفهموا التوراة لا تكفي المعرفة وحدها بلا حكمة وشفافية وإخلاص، مثل الحمار يحمل أسفارا، ينقلها للاستخدام من غيره بيد أنه لا يفيد منها وما أكثرهم بل ما أشدهم قسوة في محاسبة الناس ونسيان أنفسهم، لذا لم يقل الله من يؤت المعرفة، بل قال ومن يؤت الحكمة فالحكمة هي التي تجعل منك آدميا بما لديك من معرفة وليس مكتبة متنقلة بلا سلوك متفق مع القيم التي تتحدث بها.

الحرص على عوامل الحكمة تنعكس على السلوك، لأن من فقد حكمته شوه ما يحمل من علم بمخالفته أو بسوء سلوكه: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ" (الصف: 2)، إنهم مؤمنون بما يقولون ولكن ضعفت النفسية فأمروا الناس بالبر ولم يفعلوه وعلموا الصواب وخالفوه، فيكون بعضهم للناس أذى ومنفرا في القول والفعل وسوء السلوك والمعاملة وقدوة سيئة.. إن مقت الله آت لفقدان التوازن في المنظومة العقلية والسلوك.


الجمعة، 25 أغسطس 2023

78 - الانتشـــــــ الاميـــريكي ـــــار الجديد

 



مقدمة: إخفاقات

يعرف المثقفون أن الدولة هي أرض وشعب وحكومة، والحقيقة أن ما يعنونه هو السلطة فهذا آت من الذاكرة المعرفية والتي تعتبر مقدسة نتيجة اختلال في تعاريف أخرى، كالحضارة والمدنية مثلا، ومعنى المقدس وتشابك الأفكار المنقولة من الماضي تقليدا مع الحاضر؛ حفظا وتقليدا وأسلوب إملاء وليس التدقيق والتمحيص.. كل هذه تجعلنا أمام حالة فشل دائم في استقراء البديهيات أو تشكيل العلاقات الندية، بل ومعنى الندية نفسه وتحويله إلى سلوك كغيره من المصطلحات والمفاهيم.

سلطة الجهل في قلب الأمة ما زالت تعرف القلب أنه المضخة في الجوف، بينما فكرها الأساس الذي لم تبنَ عليه مدنية صافية يعرفه أنه في الصدر (مقدمة الرأس أو الناصية)، وأنه أداة التفكير. يقولون صالح لكل زمان ومكان ويحرّمون التفكير، بينما عقيدتهم ترفض التقليد وأخذ الأمور بظواهرها وسطحيتها. ولا أدري كيف سيصلح لكل زمان ويأتي أناس يديرون دولة بعقلية الماضي السحيق أو بجمود عند فكرة تبث الجهل وتحرك العقل الجمعي، فينشأ "الفساد السلوكي" الذي يسطح الأخلاق والقيم ويكون الفساد ليس مقتصرا على المال والجريمة بأنواعها وإنما في كل مناحي الحياة، بل المجتمع يتبنى حالة مزدوجة غير متجانسة بين الحداثة بلا مقوماتها وآلياتها وفكرها؛ وبين المتوارث من العادات والتقاليد والأفكار الجامدة التي تستعمر الغريزة بها المنظومة العقلية فتشلها تماما وتفقدها الكينونة بفقدان الشخصية السوية.

فالبشر ماكينة تجمع المتناقضات كمحرك تعمل أجزاؤه بشكل متخالف فلا تبنى ثقافة ولا تفاهم بين الناس ولا غيرها من مقومات الأمة، ولا تتكون أمة وبالتالي لا تتكون دولة. فلا حضارة فكرية ولا تطور مدنيا نابعا من المشاركة المدنية للعالم وربما يُكتفى باستيراده للاستخدام، فترى مظهرا وعقلية مشوهة لا هي متمدنة ولا هي متحضرة ولا لها وضوح ثقافي اللهم إلا إن اعتبرت هذه التناقضات ثقافة الأمم الهامشية.

وهذا واقع مجموعتنا البشرية وهو واقع كثير من دول العالم المتخلفة وإن اختلفت بالتفاصيل، وهنا لست أشخص فالحلول دوما مطروحة لكن عاجزة عن إيجاد البيئة وسط تجهيل لا يقابله تعليم صحيح وإنما يدعم الجهل بتضاده، ويدعم الفساد بتفاصيله ويؤسس للفشل الذي لا يحتاج إلى جهد لينتشر، وعندما تتكلم أحاسيس ترفض التخلف تتوجه إلى تآمر الآخرين وكأن المؤامرة قدر مقدور وليست أكثر من واقع خطط الآخرون للاستفادة منه، وأغنام لا صاحب لها فوجد شخص حاجته في حلبها، وعندما يفكرون بالتطور يحلبون أنفسهم ويقدمونه لهذا المستغل أو ذاك، وبدل أن يبنوا شخصيتهم وثقافتهم يمارسون التقليد للمستغل بشكل ممجوج من الضحالة السلوكية أمام قوى تخطّط وتدبّر وتنظّر وتنفّذ ما يصل إليه مفكروها بمتعدد توجهاتهم وبناء استراتيجيات كالتي نحن بصدد إحداها.

التحشيد والأهداف فالغاية:

الولايات المتحدة دولة حديثة بمعنى الدولة التي هي كل شيء ومسؤولة عن إدارة كل شيء ضمن نظام رأسمالي لتحقيق أهداف أصحاب المصالح. الرأسماليين. الدولة لها قيمة واحدة هي النفعية. ولست هنا بصدد شرح لتفصيل معنى الدولة الحديثة فكل ما نراه مما نفهم أو لا نفهم مما نقبل أو نستنكر هو مخرجات الدولة الحديثة، فدولة كهذه لا تتحرك بالأهواء ولا يقودها شخص واحد. قد تتأجل الغايات بها بتغييرات التكتيك في الأهداف تطول أو تقصر وكلها وفق مخرجات الدراسة والخطط المتعددة المسارات، لكن ما نراه اليوم من تحشيد هو ضمن خطة تنمو كما ينمو الجنين في بطن أمه؛ لا تبدو ملامحه إلا في الولادة وتتغير صورته وحركته إلى أن يبلغ وينجز مهمته.

هذا التصوير هو نوع من المبالغة الواجبة كتكبير الصورة لتفهم، فالعراق بدأ احتواؤه بعد إزالة العهد الملكي، وتابعوا كم من تغييرات وتغييرات مضادة برد الفعل جرت إلى أن وصلنا إلى 2003 لتنتشر الخطة على المنطقة ويجري إفراغ وتشويه "الإسلام السياسي" بخيارات وولادات قبل أوانها أو ولادات ميتة أصلا؛ فيدير البلد أموات يسيرون كما يسمونهم الزومبي الذين لا همّ لهم إلا عض وأكل لحوم الأصّحاء

في التكتيك كما الاستراتيجية هنالك حمل أي تخطيط وتحشيد وأهداف وغايات، الغايات لا تعلم من الميداني وإنما من ركائز السياسة، فالميداني مهمته ميدانية ولا يعلم أكثر فكل مسؤول عن جزء في صناعة الحدث. القوات اليوم هي في مرحلة التحشيد، واسأل من تسأل فلن يعرف الأهداف الأولية بتسلسلها والتي بتراكمها وتصاعدها ستصل الحملة إلى الغاية، ولكن مع كل هدف سيخرج محلل يقول ألم أقل إن الغاية كذا؟ لكنها محض مرحلة في حياة الجنين، هكذا سارت الأمور مذ عرفنا من اللاعب في أرضنا فالغاية لن تُعرف إلا عندما تنتهي المرحلة إن كانت هذه هي نهاية مخطط دام طويلا وربما التحشيد ضمن استراتيجية أخرى وما يحصل هو تأمين الأطراف.

لماذا نتقبل الأمور كقدر؟

معظم من سيقرأ سيتخذ ما كتبته ضمن السرديات القدرية، لكنها ليست قدرية، كل ما في الأمر أن اللغة مختلفة بيننا وبين الغرب، فنحن نقدم حقوق بقايا الأمة مع فنجان قهوة في مضيفنا، أو نعبر عن مشاعر الود والعرفان كما يريد محتل أرضنا وقد تركنا نعبث ونحن في السقوط الحر والانفصال التام عن الجمهور والعجز عن إنشاء أمة ونشاط غرائزنا من حب التملك والسيادة والأنا الإبليسية التي تدفع للظلم بوهم التمكين فيسهل التقدم في الأهداف نحو الغاية.

هو فهم خاطئ عندما يعبر قائد عربي عن الود والطاعة ورعاية المصالح ولا يطلب أي شيء كثمن لهذا إلا بقاءه في سلطة أصلا هو موضوع فيها ضمن المطلوب، إن من يسمعه سينظر إليه باستخفاف تام بل يمعن في إذلاله فهو لا يبدو له مؤهلا عقليا، هو وحش؛ وقد تربي وحوشا لكنك تضع اللجام عليها فإن أرادت التجاوز عن طول الحبل سُحبت وربما ضُربت ولن تقتل حتى تسوية العمليات، لكنها ستفهم أنها أمام سيدها وأن حركتها محددة بما يسمح لها.. لن يُقتل من يفهم اللغة وإن كان صلبا رافضا بعقل، وأعاد تنظيم بلده وتحالفاته وسدد منظماته وجمع النخبة الواعية ووضع الخطط، ونزع اللجام وإن بقي الرسن بيد من كان سيده.

الخلاصة أننا أمة متى وُجد لنا قادة حقيقيون وليسوا أناسا متسلطين، فعندها سنصنع نموذج الند ونكون شركاء مدنية نعين داعمين وليس تابعين لا نصد طغيانا ولا نفعل إلا زيادة الضعف الفكري ونخر الكينونة فنكون وحشا بيد المحتلين؛ وخططهم قدر مقدور نتبعها وننفذها صاغرين فسلطاتنا لم تتعلم أن تأخذ بنصح ودراسات أبناء الأرض، لكن هم يأخذون حتى بكلامي هذا.
للقراءة في عربي 21 اضغط هنا لطفا

الجمعة، 18 أغسطس 2023

77- جــــــــــــدليــــ الحكــــــ والاهـــــداف ـــــــــم ـــــــة


 


جدلية الحكم:

حتما ليس طول مدة الحكم ولا بقائه عنوان نجاحه ولا خلوه من الأصوات المضادة أو الإصلاحية دليل صلاحه؛ ولا الحق بكثرة مناصريه ولن يمسي باطلا بقلتهم، والنصح لا يأتي من منافق، ولا الصواب إلا من حصيف. فما سأكتبه هنا نصرة لمستقبل أمة تتراجع عندما لا نعظم الجوانب الإيجابية ممن سبقنا أو من معنا، رغم أن الدارج هو مرآة الساحرة، لذا كثر النفاق والتسول بالتقرب من المتمكنين في أمل تدفعه الأنا عند الطرفين ويصدق "اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ" (مت 15: 14). وإنما معالم اليقظة أن يبطل النفاق فتكون نهضة في دول متمكنة تتبع سبل الاستمرار والثبات في الطريق: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة: 71).

من أجل هذا نجد أن مراجعة ضرورية لمسار حرج فيه نجاحات وفيه إخفاقات، ونركز على الإخفاقات بغية إصلاحها، وإذا بحثنا في الواقع العربي فإننا سنجد إخفاقات مع سلطات تفتقر إلى الاستقرار. ومن المتجاوز لمتن هذا المقال البحث في الفشل المتواصل وسوء الإدارة فيها، بيد أننا إن نظرنا إلى النظم الوراثية من الملوك والأمراء والمشايخ نجد أنها مستقرة ومعالم الإخفاق فيها ممكن حصرها، لأن فيها أيضا تقدم وتطور مدني يسير بخطى واثقة تعلو وتهبط لكنها بالاتجاه المقبول وأحيانا تسبق الأحلام وأحيانا تقصر عنها وهنالك تخلف في بعضها واضحا أيضا، بيد أن هنالك مفقودات مهمة جدا في الرحلة هذه وهي تختلف من بلد إلى آخر منها:

* معالم الشخصية الحضارية التي لم يبق منها إلا العنوان.

* الاستيراد للمدنية دون اهتمام الأكثرية بأن توطن وتتوالد في البلد.

* التشتت في الجيل الثاني وتهدم فيما بناه الجيل الأول من إيجابية.

* غياب الرؤية الحضارية والمدنية.

مفقودات الأمة:

لم تتعامل الأمة مع الدين سواء الإسلامي أو غيره إلا بصيغة المقدس، وافعل ولا تفعل، وفي دول تحكمها الشريعة المتوارثة ووفق فهم محدد لسلطة هذا حلال وذاك حرام أو صالح وكافر. يولد الطفل ليكبر متمسكا بالمظهر وما يظن أنه الدين بفاعلية الغريزة، فينقسم ما بين متعصب وبين منافق يزعم الالتزام ولكن سلوكياته ظرفية وليست ملتزمة بمعايير القيم، خالٍ من الأهداف حتى في توجهه إلى تأدية فرائضه فهو يكون نموذجا في السلوك السيئ المنفر، وأناس عابدين طيبين، فكانت استفاقة بتأثير ما ليس محددا ولم تدع مجالا واسعا للاعتدال بل إلغاء كل شيء بشكل مبرمج وخروج نقاط الضعف في التربية السابقة لتكون فوضوية... هذا يؤشر كتراجع يحتاج إلى تكييف.

هنالك تطور مدني كبير لكن هذا التطور بالشكل ينقصه بناء الإنسان وتعلمه كيف يعمل على صيانة هذه المدنية بنفسه دون حاجة لأعداد تفوق أعداد السكان الأصليين من دول مختلفة عنه ثقافيا ودينيا وقوميا، وربما الزمن وطول الإقامة تستوطن هؤلاء الناس فيخلق مشاكل حقوق بينما لو تدربت الكوادر على خدمة نفسها وصيانة منشآتها والدخول في الإبداع والإعمار وانتقلت من حالة شراء المدنية واستيرادها إلى المشاركة في بنائها لكان الوضع مختلفا، فاستيراد المدنية وهم لتجلي الحلم لكن ليس واقعا في يقظة.

الجيل الأول من الأنظمة المستقرة وهي في مجلس التعاون الخليجي والمغرب والأردن بنت وتكيفت، وأنتجت دول الخليج مجلس التعاون الخليجي، وهي الآن وفق الإحصائيات لبعض المنشور على الإنترنت نحو 25 مليون نسمة من السكان الأصليين، وهو مجلس لضبط إيقاع تلك الدول وتسوير نفسها بتنسيق القرار والحماية وجوانب من المال والأعمال، هذا المجلس تعرض لنوع من التفكك مع الجيل الثاني، تجاوز غياب التنسيق والتماهي والانسجام بينما الواقع العالمي وبنظرة الشباب الذي يحكم كان عليه أن يتجه إلى العكس تماما لخلق موضع لدول الخليج في النظام العالمي، وأن يكون كل أمر مدروس ومحسوب حتى التكتيك بدرجة من التخطيط المحكم. فهذا نوع من التراجع ومسار عكس المطلوب وتسهيل لابتلاع وتجيير المصالح بشكل منفرد وإبقاء دول الخليج ضمن الغنائم التي تتقاسمها الدول المتصارعة كمناطق نفوذ كذلك بقية الدول العربية، بينما لو اتحدت وأعادت تنظيمها بما يلائم المستجدات وضمت في أطرافها الدول العربية باتفاقات إما توسعة العضوية أو التعاون المشترك أو التحالف البيني؛ لكان الأمر مختلفا وستخرج المنظومة قوية لها كلمة فصل وقوة قرار.

جدلية الأهداف

لا شك أن هذه المنطقة تجمعها منظومة أخلاقية قيمية حضارية مختفية برمال التاريخ المتحركة وعواصفه، وأن الأمة لا تقوم بغير هذه القيم إلا كما تشيّد عمارة بلا أسس. وهذا ثابت من حركة التاريخ نفسه، بيد أنها تحتاج إلى رؤية وفتح الطيات (المثاني) القرآنية، وهذا يأتي من خلال تحرير المنظومة المعرفية وإبراز ثقافة وشخصية الأمة بشكل واضح جلي له الكلمة أمام منظومة نفعية تنهار ولا بديل لها، وستأتي بمنظومة أشد مسخا من هذه بغياب يقظة فنهضة تقودها دول وتتبناها لتوضح الرؤية والبرنامج بواسطة مفكرين ينبغي أن يبحث عنهم لانهم الأمل وليس ينظر لهم بعين الارتياب أو من خلال الهزيمة الحضارية، فمن الطبيعي أن من يصلح الواقع لا يوافق الواقع ولكن هذا لا يعني أنه من المخاطر بل هو من سيعين الحكام بالفكرة على تصويب المنظومة المعرفية.

إن أي جدلية إيجابية بين الحكم والأهداف تحدده الرؤية وبرامج تبني أيديولوجيا وتحدد مسارات، وهذا لا يأتي بالتقليد أو استيراد المدنية أو البرامج المتماهية مع ثقافات مختلفة وإنما من داخل المنظومة يكون الإصلاح، وعدا ذلك سيخلق القلق ثم الفوضى والانكسار وتشتت الأمة. فلا بد أن ينظر القادة إلى هذا ويستخدموا شواهد ودلائل من داخل الأمة، فالمفكر الناصح الأجنبي أو المنبهر بثقافات أخرى أول ما يفعله يفقدك الثقة والاحترام لكينونتك كي تسمع الهراء الذي يبثه في ترسيخ الدونية أو الازدواجية والانبهار بما سيقدمه، وهو بالتأكيد لن يفهم قيم الأمة ليتواصل مع ثقافة ينتزعها ليحل محلها تجنيد القرار وتكييفه لصالح إبقائك متلقيا منه

هذا ليس تآمرا بل مثله كمثل الواعظ الذي يستنبط من الذاكرة المعرفية المنقولة ويريد أن يتطبع الحاضر بها كقالب فيشوه الفكر ويقطع سبل تصحيح المسارات، كذلك المفكر الأجنبي يستنبط من ثقافته كقالب ليضع شعب الدولة التي تستعين به ويرى انه الأكثر تمدنا أمام متخلفين، وتبخل هذه الدول على إنشاء مراكز فكرية لنهضة مجتمعها بفكرها من خلال استقراء الواقع واستنباط ما يصلح لعلاجه.

للقراءة في عربي 21 اضغط هنا رجاء

السبت، 12 أغسطس 2023

76 - اعادة تأهيــــــــل قبــائل سايكس-بيكو

 



كلام لا بد منه:

العرب قبل الإسلام قبائل لها عرفها المعروف، لكن قبائل العصر لا يحكمها فكر ولا رؤية وإنما الغرائز والحاجات وقيم تميّز أمة عن أمة وفقا لما يمكن أن نسميه واقع السلطات السياسي وتطوره كمدنيات تسمى الآن حضارات لكنها ليست حضارات، فالحضارة فكر وما ينتج عنه وهذا لم يعرف إلا بعد مجيء الإسلام رغم أنه لم يُعَرَّفْ إلا وجوبا في العصر الحديث لكن لم ينتشر؛ لميل الناس للتقليد.

ما حصل بعد ردح من زمن حكم الراشدين أن الحكم الإسلامي انحسر نحو التدين وليس الدين، وانفصل عن الحكم بمؤسسة اعتبارية مثلها فقهاء العصور، وهؤلاء بين محاولات التوافق والتماهي مع واقع الحال وبين إصلاحه أنتجوا نظريات لا علاقة لها بمنظور الإسلام في الحكم ومعاني الشورى وكيفية اختيار الحاكم.

ولعل الخوف من تكرار ألطف كان سببا في التقليد وحذر التجديد، فأصبح الخليفة اسما مؤسلما للملوك والسلاطين، وبقي التدين سمة للحاكم والمحكوم وليس الدين، فلا يوجد نظام حكم إسلامي شوري يفترض أن يتطور إلى مؤسساتي مع الزمن وتوضع له آليات، لكن رأينا تداول قبائل تعظم لتكون دولا ودخل من الثوابت توارث الحكم والسلطنة.

وحكم المتغلب في الحقيقة هو المعيار من معاوية بن أبي سفيان إلى يومنا هذا، تعددت أشكاله وتبدلت صيغه، وإن ظهر للناس رأي انقلب عليه ليعود التغلب خصوصا بعد أن ترك المحتل الذي استعمر الأفكار والناس ليحكم العسكر. ووسيلة العسكر لتبادل الحكم هي الانقلابات وليس الانتخابات، والانتخابات ما هي إلا نوع من التجميل لمظهر يرانا به من لا ينخدع به ونحن نعرف أنه لا ينخدع به، وهو يعرف أننا نعرف أنه يعرف أننا نعرف أنه لا ينخدع به.

عندما تكون الأمة في حالة انحدار حضاري وتخلف مدني تعيش في الفوضى وأحلام اليقظة.. فمن أمة ممتدة لمشارق الأرض ومغاربها مكانيا وبعد أن فقدت حضارتها الفكرية وتقوقعت في محاريب السلطة؛ انهارت وتفككت فلم يعد هنالك وجود لما يجمعها فاتجهت إلى الروابط الهابطة التي تخاطب الغريزة ولا تنتج فكرا


عندما تكون الأمة في حالة انحدار حضاري وتخلف مدني تعيش في الفوضى وأحلام اليقظة.. فمن أمة ممتدة لمشارق الأرض ومغاربها مكانيا وبعد أن فقدت حضارتها الفكرية وتقوقعت في محاريب السلطة؛ انهارت وتفككت فلم يعد هنالك وجود لما يجمعها فاتجهت إلى الروابط الهابطة التي تخاطب الغريزة ولا تنتج فكرا، كالقبلية عند الحوادث والطائفية عند خلل القيم، أو كما حصل عند الحاجة للنهضة فاختاروا أسوأ الطرق في تقليد للغرب المتصاعد مدنيا في الدعوة إلى القومية والقومية.. فكرة لا تنتج فكرا، لهذا كل ما فعله دعاتها ومن توصلوا الحكم عن المحتل ترسيخ حدود نفوذ المستعمرين ونادوا بالقومية العربية وغيرها إلى أن أصبحوا يغزون بعضهم بعضا.

وعندما فقدت الشعوب المصطنعة الأمل بوحدة قومية بقيادة مجموعات عوائل وعسكر اتجهت لتقديس سايكس بيكو، بعد أن كانت دعوة وحدوية.

 هذه أمة لا قيامة لها بأي فكر سيئ أو مشوه حتى لو حمل اسم الإسلام وسكن المساجد.

كيانات الأقطار الآن هيكلية مدنية كدول لكن بعقلية قبائل الجاهلية، ففي الجاهلية تديّن أيضا لكن بلا دين؛ فكيف نجد حلا لأرض ونفوس دمرها جنوح الأفعال ومرض الأفكار وسلطة الرعاع؟

الأمة في مأزق فكيف الإصلاح؟

أمتنا هيكل أمة بلا محتوى ومسلمة تجهل الإسلام رغم تدين معظمها لكنه تدين غريزي يتعبد بعضه بالإسلام ويرفضه على حقيقته أنه نظام سياسي اقتصادي ومنهج حياة، لا لشيء وإنما لأنهم يخشون أي جديد أو أي تغيير حتى يفرض نفسه، والإسلام لا يفرض نفسه لأنه خطاب للمنظومة العقلية عند الإنسان، وتجاوز البعض لهذا المنطق يوقعه فريسة الغرائز من حب السيادة والتملك والاعتداء على أهلية الناس الآخرين، وهذا ما حصل فعلا مع ظهور الحركات التي تطرفت واستغلت لاحقا لتدمير المجتمع ومنع قيام الإسلام بسلوكياتها التي أعطت نموذجا عدميا لا يعترف إلا بما تعتقده.

لذا فإن أمتنا بحاجة إلى ترميم، وهذا يأتي بالنظر إلى الواقع ودراسة البيئة والممكنات والعواقب لكل حركة، ورص الأمة لذاتها، فهي بغير الإسلام مجموعات بشرية وليست مجتمعا، والمجموعات نفسها مجموعات أصغر وأصغر فلا توجد روابط حقيقية لأمة وإنما روابط هابطة متضادة في مصالحها لا تقيم دولا بل تخرب الحياة نفسها. وعندما أقول الإسلام هنا لا أتحدث عن عبادة بأركان الإسلام، وإنما أتحدث عن منهج حياة وثقافة ودولة بسياسة وقيادة تنهض بالمدنية عبر العصور ومجتمع متعدد المعتقدات والأعراق، وتبنى الأمة بائتلافها على المنهج واحترامها لبعضها حبا لا تقية، وهذا يأتي بالقناعة وإعمال التفكير وفهم الإسلام الغائب.

الحالة الجديدة تبنى على صفحات الزمن المر بإعادة الاصطفاف وتقام معاهدة تبقي السلم بين الجميع، كمعاهدة وستفاليا التي حوت في الحقيقة عدة معاهدات في الأمور السياسية والمعتقدات والاقتصاد، وأوقفت الحروب بعد ثلاثين عاما 1618-1648من الهراء؛ حيث تمر أمتنا في أحداث مقاربة لها من الهول والتفاهة


حلول مؤلمة للتقليدية

إن لم يك هذا ممكنا، فلا بد للعودة إلى دراسة الواقع والبيئة وبناء الأمة بطريق مختلفة لا تنظر إلى سايكس بيكو ولا غيرها وإنما إلى روابط التاريخ والجغرافية فيعاد تنظيم البلدان بحيث تكون أمما مستقرة متوافقة، وأخشى أننا نقترب من هذا إن لم تظهر الحكمة عند الناس وتقود الأمة أفضلها وليس أدناها وهو أمر صعب لكن ليس مستحيلا، وكما بُنيت سايكس بيكو على واقع عثماني، فالحالة الجديدة تبنى على صفحات الزمن المر بإعادة الاصطفاف وتقام معاهدة تبقي السلم بين الجميع، كمعاهدة وستفاليا التي حوت في الحقيقة عدة معاهدات في الأمور السياسية والمعتقدات والاقتصاد، وأوقفت الحروب بعد ثلاثين عاما 1618-1648من الهراء؛ حيث تمر أمتنا في أحداث مقاربة لها من الهول والتفاهة.

إن دعوة بلا نموذج ليست إلا كلاما يجتهد فيه الجهلاء فيزيدون الأمل تحطيما، ولا بد أن نتعامل مع البيئة وليس بتطبيق قوالب أحلامنا على حقيقة مختلفة.

رابط العربي 21 اضغط هنا لطفا

الاثنين، 7 أغسطس 2023

75ـــ مواطن الاحسان في القيادة والادارة

 



نشر في الـــــــــزمان الدولية

الإحسان:

هذه الكلمة تدل على مخرجات منظومة عمل فكرية أو فعل محسوس، حينما تدقق في جملة تكتبها وتتأكد مما تحمل في معناها فهو إحسان، الإحسان هو الإجادة في التوجه الإيجابي لان المفكر الذي يجهد نفسه لتغليف الحقائق أو يصر على خطأ بسبب الانا فهو لا يحسن صنعا، بل يظن انه يحسن صنعا، أولئك وصفهم الله ? بالأخسرين أعمالا، والإحسان في الحقيقة معيار أخلاقي في جانب منه لانه يعبر عن كفاءة المنظومة الآدمية في عمارة الأرض وإقامه السلالة والعمل على استثمار الموارد إيجابيا من أجلها، تماما عكس ما يحصل في واقعنا من محاولات لتدمير السلالة البشرية وقفل المنطق في النظر إلى الماهية البشرية مما جعل الإنسان يبدو وكانه عبارة عن طفرة سيئة وليس مخلوقا بقضاء ولا قدر له، ومن الإحسان هو الرغبة والتوجه بهمه دؤوب إلى الحقائق والتعلم مهما كان علمك، هنالك أمور يخلط بها الناس بين الراي والثابت من الوقائع، فالراي هو راي ليس ثابتا البتة لانه في المراجعة إلى أن ينتج عنه عمل فيحكم عليه كواقع إن كان حسنا أم قبيحا، لكن احترام الراي هو احترام المعتقد وتوجه الناس، أما ما هو دارج الآن الاختلاف لا يفسد للود قضية فهو في مسائل المعتقدات وليس تشكيل الافكار والانطباعات مهما كانت وفي درجة من الفاعلية البشرية، تبيان المساوئ بما يظن أنها مساوئ دون دراية فهذه افعال وأقوال ليست محترمة وإنما تخضع لقوانين تفكيك السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي، وهذه النظرة الخاطئة تكون خطرة إن استقرت في عقل صاحب قرار أو سياسي أو مدير، عندها سيفقد موقعه اهم ما به من المرونة المطلوبة في سياسة الظرف وإدارة الأحوال.

من اجل هذا سنتطرق هنا إلى موضوع الإحسان في القيادة والإدارة ومنها السياسة وما يعنيه الإحسان في وصفها وتثبيت أركان السليم منها وهذه ليست إلا زاوية نظر لمفهوم الإحسان الواسع.

الإحسان سمة الإداري الناجح:

معايير الاخلاق

الإداري الناجح هو إنسان يحمل السمو في معايير الأخلاق، لكن في ذات الوقت هنالك إداريون مستمرون في قيادة المنظومات وهم ليسوا يحملون سمو السلوك ومعايير الأخلاق ومنها الإحسان الإيجابي وان كانوا مبدعين في الجوانب السلبية.

الأنانية أولى معالم الإبداع في الإضرار بالموقع الإداري لانه لن ينتج إيجابية واستمرار للارتقاء بالمنظومة إلى مطاف الأمان وتمتلك الصيرورة أي القدرة الآمنة على التقدم أثناء عملية التحول الإداري بين الأزمان أو الأشخاص أو الظروف الصعبة في متغيرات المعطيات البيئية أو الموارد البشرية أو نوعية التحديات التي تواجه المنظومة، وهذا يتطلب برنامجا تدريبا وتأهيليا للأسف ما انفك فقدانه واضحا في دول العالم المتخلف، رغم وجود تسميته وهياكله لكن بلا رؤية أو إحسان في العمل بهذا الاتجاه، رغم أن هنالك نوع من السيطرة الظاهرة، لكن نتيجة عدم الاطمئنان من المدير أو القائد الميداني، وعدم الاطمئنان هذا يخنق الإبداع ويلغي حالة الاندماج الإيجابي بين المستويات الوظيفية المتعددة أو التكاتف بين المستوى الوظيفي الواحد لأداء العمل فالسلطة ليست كل الإدارة أنما بالإدارة ترسّخ السلطة وان الأنانية توظف مواصفات القائد ومواهبه نحو العدمية في النظرة إلى المستقبل والدمار لمؤسسة أو وحدة عسكرية أو مدنية.

إن القائد الصالح لمهمته بالإحسان يعتبر نفسه في كينونة المؤسسة ولا يمتلكها بل ينتمي لها وسعادته عندما يكون فيها أو يحقق نجاحات جزئية هو أو يشجع عليها ويكون نوعا من التكامل بين المواقع، ومنها القيادي أو المدير القائد، وهذه الصفاة لا تتوفر في مدير يطبق اللوائح ويحسن استغلالها ويحقد ويتصيد الفرص للانتقام ممن يعتبره متجاوزا عليه أو يخاف على كرسيه منه، بل على العكس يرتب ويطور من يحتمل أن يكونوا البدلاء لتستمر بعده في نجاح مستمر، لا غيرة من مبدع ولا حسد على مكافأة مادية تأتي لمن معك ولا تشملك فيعيق هذا عن استحصالها كحق للزملاء ممن يعملون في المؤسسة أو الوحدة أو الشركة، وعندما يكون هذا باعثا للارتياح عند المدير فهو مدير ناجح وقيادي.البخل على المبدع أو التخلف عن الدفاع عنه يعني أن المدير أو القائد ليس محسنا وإنما يتجه إلى السلبية ولو كان إنصافا لقيّم سلبا لانه تجاهل دعم كادر مهم تحسبا لمنصبه بلا اهتمام لمصلحة المؤسسة أو المنظومة أي كانت وهو إعدام للإبداع بينما المدير المحسن هو من يسعى لنجاح كل فرد من أفراد مؤسسته وإبرازهم وتقديمهم والسعي لان يكون عملهم مثمرا كل حسب طموحه وتوجهه وسيكون هذا النوع من الإحسان مفيدا للقائد والسياسي والمدير، فالنجاح لم يك أبدا بذات الإنسان وإنما بإدارة الطاقات وتوجيهها واختيار المفكرين والمبدعين وتمكينهم من الإحسان في مواهبهم وطاقاتهم لتســتمر وليس ومضة وتخفت أو انه يتأذى منها فيموت في الحياة.

السبت، 5 أغسطس 2023

74 -جانب من مراجعة الأفراد للذات

 


ينبغي النظر إلى إعادة بناء الذات بما يضفي السعادة والحيوية إلى محيطك وتكون إيجابيا فيه ومنتجا.. (الأناضول)
ينبغي النظر إلى إعادة بناء الذات بما يضفي السعادة والحيوية إلى محيطك وتكون إيجابيا فيه ومنتجا.. (الأناضول)
قناعتي أني على صواب ولا أتغير أبدا هو عدمية ومظهر للتخلف..

من أين المراجعة؟

تحدثنا في مقالات سابقة عن التفكير الاستراتيجي والمراجعة من أين ينبغي أن تكون، من مراجعة التنفيد التكتيكي إلى مراجعة أصل الفكرة واصل استنباط الأفكار منها ومدى فاعليته وأين الخلل في المسار والانحراف الذي أدى إلى تعطيل الفكرة، عندما يأتي مفكر باستنباط ما من فكرة ما بعد استقراء الواقع لكن تقليد اتباعه له وتمسكهم بما انتج، يجعلهم ينسون عاملي الزمان والمكان وتغيير الناس كنفسية وعقلية نتيجة تأثير البيئة وتقلباتها، فيصبح اصل فكرة المفكر موضوع المراجعة وليس عمل حقلي لمن تبعه فقط، أي يكون التغيير على مسارين، مسار الحاجة لمفكر جديد وتفكير جديد وأولويات وكل ما يتعلق بالواقع من فقرات، وهذه ممكن تجاوزها بوضع آليات الإصلاح من الداخل بوجود منظمة تفكير لا تنظر بقدسية لشيء في داخل المنظومة وتُسْمِع.

مراجعة الإنسان للذات

في هذه الجمل القليلة نحاول توضيح إخفاق المراجعات الفردية ومن أين ينبغي أن يصلح الإنسان نفسه.

لقد علمنا النص القرآني من نصوصه منطق الشروع والنظر إلى الداء البشري مباشرة وهو (الأنا) فالإنسان لا يتهم نفسه غالبا وإنما يقذف بالأخطاء على زوج أو صديق أو ا ما وأب أو ظرف أو عقبات اعترضت مساره في الطريق لذا اقسم الله بالنفس اللوامة، تلك النفس التي تبدأ مراجعة الخطأ انطلاقا من الذات:
لم أنا أعاني من مشاكل وزوجي واصل به/  بها إلى طريق مسدود لا حل له إلا الافتراق.
ـ لم أنا أتعرض لنفور من الزملاء أو الأصدقاء ولا أكون مقبولا عندهم أو لا اقبل فلان وفلانة.
ـ لم يحاول البعض بما يبدو لي حسدا أو كرها أن يمنع عني أي مصلحة هي تغير وتؤثر في حياتي.
ـ لم لا يعجبني هذا العمل وأريد تغييره
ـ لم لا أجيد التفاهم مع أبي ويبدأ الشحن العصبي من عدة كلمات، وأتصور للحظة أن أبي أو أمي ممكن أن يكرهاني.

إن إصلاح النفس لا يمكن أن يكون من خارجها مالم تقتنع النفس إنها بحاجة إلى مساعدة، ومحاولة تغيير رؤية الناس أو درجة الفاعلية للإنسان كمنظومة من تغيير الذات، فبدون تغيير الذات مظهرا وجوهرا لن يكون هنالك نجاح، تغيير أسلوب التعامل مع الآخرين، محاولة تغيير الخارج كمحاولة تغيير انعكاس صورتك على الماء لا تزيدها إلا تشوها ومستحيل أن تظهر صورتك بملابس بيضاء وأنت تتشح بالسواد.

مشكلة هذه الناس التي امتلكتها الأنا المرضية إنها لا تنتحر فقط بإصرارها على بقائها كما هي بل هي سوداوية ماحقة للجمال في المقابل، فالرجل ممكن أن يحطم زوجه وشخصيتها وكل معاني الجمال فيها بحيث يرتاح لحالة الاستعباد التي يمارسها والقهر المريض، يعينه في ذلك أسلوب التربية الخطأ الذي يقدم المرأة قربانا وضحية لمن قلت مروءته ولم يبق من رجولته إلا ذكورته فتصبر إلى أن تستنزف وتدمر ولم يبق أمامها قدرة على الاستمرار، كذلك المرأة إن  أجبرت على رجل تكرهه فهي على استعداد لتحطيمه خلال اشهر وأيام ، ولا يملك من وقع تحت سلطة الاستبداد إلا الخلاص والطلاق من حلول الرحمن لهذا الإنسان، لكي يستعيد كل ذاته ويحاول أن يرمم حياته.

إن محاولة الإنسان في خلق الإيجابية وتحسين أفعاله وردود الفعل لأفعال الآخرين، سيجعل الجو تدريجيا إيجابيا مرضيا له ولذاته، أما إجبار المحيط على ما يريد دون تمهيد أو مقابل وبالسلبية فهو سيخلق جوا لا مجال للإيجابية فيه، فالانا كما تعلمنا لا ترضي الخالق وليست صفة أهل النعيم.
الإنسان لابد أن يتفاعل مع واقعه إيجابيا ليس بالانحراف مع المنحرفين وإنما بتعظيم الإيجابية عند الناس فلا يوجد إنسان خير كله ولا شر كله، ومن تجاوز حدود الاثنين بشكل مَرَضيٍّ فهذا يحتاج إلى تصويب، ومن اختار الطيبة فهو يعرف ويسامح فذاك رقي في الإنسانية، ومن اختار الشر فذاك خطر على المجتمع الذي هو فيه، وقواعد الإصلاح معروفة نموذج منها:

التصالح مع الذات لا يعني التسامح معها وما إلى ذلك مما يطرحه بعض مربي الأنا وتعميقها، بل بمراقبتها فالإنسان على نفسه بصيرة، ينبغي النظر إلى إعادة بناء الذات بما يضفي السعادة والحيوية إلى محيطك وتكون إيجابيا فيه ومنتجا، متجاوزا الإخفاقات قدر الإمكان بلا صراعات وموازنة الأمور والقرآن فيه من المعالجات ما يغني عن غيره أهمها ترويض الأنا، وان لا تكون ظالما وتضطر الآخرين لتجاهلك أو الابتعاد عنك.

مكانة الإنسان متباينة الموقع

إن مكانة الأنسان متغايرة، فمكانته في عمله إن كانت الأولى فمكانته بين أصدقائه قد تكون الثالثة والرابعة ومكانته عند أهله تعظم بخفض الجناح لمن يجهد في إدارة بيته وتحمل عبئ تربية أولاده وإعداد طعامه وكل هذا ليس أمرا أو مهمة أو واجب وإنما صدقة وتضحية وتطوع (خيركم خيركم لأهله) فكلما كان الإنسان محترما أهله فسيحترمه الناس وكلما كان الإنسان محترما لزوجه وذريته فسيحترمه الناس وسيحترمونهم، والمرأة في البيت إن لم تك ملكة محترمة فلا نرجو من حياتنا قيمة أو صفو أو مآل، فلا ينقص من الإنسان قيمته إن أطاع أهله ونظر الى نفسه من خلالهم وليس العكس فالأنانية تمحق الحياة الفردية بمحق الأسرة.

إن محاولة الإنسان في خلق الإيجابية وتحسين أفعاله وردود الفعل لأفعال الآخرين، سيجعل الجو تدريجيا إيجابيا مرضيا له ولذاته، أما إجبار المحيط على ما يريد دون تمهيد أو مقابل وبالسلبية فهو سيخلق جوا لا مجال للإيجابية فيه، فالانا كما تعلمنا لا ترضي الخالق وليست صفة أهل النعيم.

الأربعاء، 2 أغسطس 2023

73 - بعض المعوقات البنيوية لصدارة الدول العربية والإسلامية

 



ماهي المشكلة:

1-    مشكلة امتنا مركبة والتركيبة في التفكير والجهاز المعرفي المشوه في البلاد العربية هو تقريبا ذات الجهاز الذي ابتليت به دول العالم الثالث، بعضها تمكن من الخروج منه كومضة فترة زمنية خلق صناعة وأفعال لكنه ارتبط بأشخاص حققوا الصعود المدني مع بقاء التخلف الفكري الحضاري فكان هبوطا، ربما مهاتير محمد احد النماذج الإصلاحية الحقيقية والطيب اردوغان، ومازالت محاولات في بلاد العرب لكنها تحت المجهر تقمع عند ظهور برنامج أو رؤية تسعى ليكون للبلاد مكانة عند العالم، هذا النموذجان اللذان وضعتهما هنا لم يقاربا الغرب بروح الهزيمة وإنما توجه كل إلى اقرب مدنية ليكون معها نوعا من المشاركة بكوادر بلدهما وهما يحملان فكرا حضاريا إسلاميا متفتحا فتكاملت الهوية مع الكينونة مع الرؤية التي تحتاج تعديلا لأنها عمليا مرتبطة بوجودهما في الحكم والإنسان عمره محدود.

2-    نحن نتعامل بعقلية عدمية تقودها الدعايات الفارغة وتعظيم القيادات الحكومية لدرجة أن تصدق هذه القيادات أنها تفعل إنجازا فعلا فتطغى فيعود الشعب المصفق إلى بودقة النفاق، فيمتدحهم أمامهم ويدعو الله أن يزيلهم ويبقى جيش من الجهلة المنتفعين المشحونين بالكراهية يقومون بتعميق أسس ترسيخ الأخطاء بدل النصح، وإدامة حالة الصراع والمجتمع بدل محاولة أن يكون الحاكم قائدا حقيقيا يحيطه ناس وعقول تخطط وتقارب فيجد نفسه رغم جهله وكانه عالم العلماء وخبير لا يدانيه خبير، مخيف برد فعله النزق فلا يقبل نصيحة لانه يعتبرها شتيمة وخطرا على كرسي حكمه...... من هنا نجد أننا في القرار لا في العير ولا في النفير ولا أحد يذكر مناطقنا رغم ثرواتها وأنها تملك روح العالم وطاقته، وتملك أفريقيا ثروته ورفاهيته، والناس هنا تحكمها الأنانية والدونية فلا مناص من إبقاء حالة التخلف طالما بقي تفكير الحاكم والمحكوم كسلطة فوقية تبعد النخب العالية التي ممكن أن تؤسس لدولة، ومادام هنالك استجابة لوقف التكامل بالأمن الغذائي والاقتصادي وحتى السياسي فشعب عريق ينبغي أن يكون له الاستقرار والتوافق والتصالح مع نفسه وتنوعه ميزة لما ذكرنا.

الخلل وجدليته:

دون شك أن الخلل في الإدارة، والإدارة ليست الإدارة العامة فحسب بل ما يقود هذه الإدارة وهو التوجهات والفهم السياسي لمعني الحكم والدولة، وفي بلداننا تمازج رهيب بين الأثر من ولاية التغلب وقبولها النفسي على مدى عصور وبين ما زرعه الغرب من دونية وسلطات عسكرية غالبا أو دنية تمثل حالة من التخلف في الحكم والتوجه نحو القمع وخلق الأسباب، ففي الوقت الذي كانت القضية الفلسطينية شماعة الطغاة في القمع كان الاغتصاب الصهيوني في وضع مستفيد حتى من إعلام معادي له وعمليات عسكرية اقل تأثيرا من تلك العمليات التي يقوم بها الجيش ضد الشعب وقمعه، بل استفاد الصهاينة من الخوف في توحيد مجموعات متنوعة ثقافة وأصول في محاولة لجعلها مجتمع واحد وغذت المشاعر بالكراهية مقابل كراهية بدل أن تحاول الاندماج ضمن الناس دون حاجة لإقامة دولة بلا مقومات حقيقية أو دستور أو حدود، لكن العدوانية جزء من التركيبة لتثبيط الاختلافات عبر الزمن وولادة جيل آخـر لكن الفساد في النظام جعل معاناة كافية ضد هذا الاندماج حاله حال الأنظمة المحيطة به والتي باتت في حاله تخادم معه وتعادي الشعوب والنشاط السياسي والمجتمعي من حيث تدري ولا تدري فتعيش الصراع المبدد بدل رعايتها وتنظيمها وفق توجه الدولة والاستفادة من تلك التنظيمات، وهنا نجد أن هذه التنظيمات تخاطب مظلومية الشعب فتتجه إلى معاداة الحكام والحاكم والذي لا يتساهل مع هذا فكانت شيطنة النظم وشيطنة الحركات متبادلة مما أضعف خطط التنمية الحقيقية والاستثمار والترابط الاجتماعي والمجتمعي من أنشطة مدنية أو حكومية وهذا عمليا يؤدي إلى تصادم وتبدد الطاقات الموجودة عند هذه التنظيمات والدولة، والتعامل بين الدول تعامل بلا ثقة أو تخطيط، والنتيجة فقدت التفاهمات لاهم ما يحتاجه الزمن الحالي في وضع الدول العربية والإسلامية وهو فضاءات التكامل في إدارة الموارد بأنواعها وتوزيع المهام فتباينت الشعوب وبالمحصلة افتقرت من ناحية وان اغتنت من ناحية، فالتكامل الثقافي والمعرفي والبشري والاستثمارات والقوة والأمن الغذائي والصناعة والاقتصاد ممكن بين الدول العربية وبينها ونبين الدول الإسلامية، لكنه يحصل بتردد وبلا تخطيط محكم أي خلق بالتفكير الاستراتيجي استراتيجية لعموم الحياة فتكون المنطقة رقما مهما كما عوامل مؤهلاتها المتبددة، وهذا واقع لو تفكر به قادة السلطات وقرروا الإصلاح لإنشاء دول حقيقية فواعل في العالم ولما قطب من خلال اتحاد أو نظام ما يجدونه مؤثرا يجيد التعامل مع الأقطاب الأخرى كالصين والولايات المتحدة أو أي قطب يظهر بدل من يختفي.

ما نستخلصه:

نحتاج إلى إعادة نظر في الجهاز المعرفي السائد بين الحاكم والمحكوم والإيجابية وليس العدمية وعلى الصدق المنتج وليس النفاق المخدر، وان نصنع التاريخ لا أن نفقد الحاضر ونعرقل المستقبل، وان نفهم معنى السياسة المستدامة، ونؤسس لرؤية لا تعتمد على شخص وإنما تؤمن بها وتتبناها الأمة وهذا ممكن جدا وان ندرك أن قوتنا في داخلنا وحماة حكم الحكام هم الشعب وان واجبنا خدمة الشعب وإقامه حضارتنا الفكرية ومشاركتنا ببناء المدنية وليس شرائها ونبقى مستخدمين لا منتجين فيستخف بقادتنا أناس ليسوا ذوي قيمة رفعتهم مكانتهم وأوصلهم شعبهم والأمثلة وحاضرة.

 

                                                             للقراءة في الشبكة مبـــاشر


136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...