السبت، 22 يوليو 2023

71 - التنظير والتفكير الاستراتيجي: انطباعات قاتلة (1-2)

 

 انطباعات قاتلة (1-2)

الثرثرة ليست تنظيرا:

الأحكام العامة هي داء في المجتمعات المتخلفة، لأنها لا تعتد بافتراض المصداقية عند الفرد فيحاول أن يبين أنه يمثل رأي الناس أو أكثرهم، أو المكانة الاجتماعية أو المكانة العلمية لدعم رأيه وإقناع الآخرين، غير منتبه إلى أن أكبر العلماء سقطت نظرياتهم التي اكتسبت الرصانة بمكتشفات أحدث منها.

التنظير من المصطلحات التي يستخدمها اليوم أشباه المثقفين لتسفيه رأي نخبة المثقفين، وهم ينجحون في إبعاد الناس عن تبني رأي ينفع الأمة وتضييع الجهد. لقد خسرنا كثيرا من الأفكار عندما يُصدر إنسان عادي أو مثقف أقل قدرة من مفكر حكما قاطعا مانعا محرجا بأن ما يقوله فلان هو تنظير، ويعني بذلك أمورا غير مفهومة ولا تطبق، ذلك لأنه يجهل معنى وأبعاد التفكير الاستراتيجي. وهكذا نجد أن في مراحل مهمة من عمر البلد أُلغي التخطيط كوزارة، وبالاستخفاف والتسفيه فقدنا كمّا من الأفكار كانت منطلقات لحلول بعقلية أصحاب القرار أو من أوكلوهم؛ فكانت مراكز الدراسات لا تعدو كونها ميدالية أو زهرة تزين سترة تشكيلاتهم التي لا ترتقي إلى تنظيم ناهيك عن حزب، بينما العالم يسير حثيثا مستندا على مخرجات هذه المراكز التي تضع الأفكار وتنسق لتهيئ للتخطيط المحكم (الاستراتيجي). وهنا يبدأ خلط آخر ما بين الاستراتيجية والتكتيك وبين الرقابة والمتابعة والعملية الكلية كموازنة وبين معادلة الميزانية، ولا يقصد هنا الجانب المالي فقط وإنما المعطيات والموارد.

التفكير الاستراتيجي والتخطيط المحكم:

التفكير الاستراتيجي هو تنظير في الموازنة لأنه ينظر إلى الأفكار المتاحة من خلال دراسة واقعها وقراءة الحاجة وبيئتها المحيطة، أما من يتحدث بارتجال وبالمفروض أن يكون من باب الانتقاد وعدم الرضا فهذا ليس تنظيرا بل تفكير متعدد الدرجات، يبدأ من التحسس ومحاولة الحل والانتهازية، وحتى التفكير النقدي، وهنا تظهر مشكلة الأمة في التحول نحو التفكير الفلسفي أو الاستراتيجي بالتسطيح والهروب من الجوهر.

فالتنظير إذن تحتاجه الأمة لأنه دفق فكري لكفاءة المنظومة العقلية البشرية، وهو من مخرجات موارد أي بلد إن دخل في التخطيط المحكم (الاستراتيجية) لذلك البلد.

الفرق بين التفكير الاستراتيجي والاستراتيجية التي باتت لا تقتصر على التخطيط العسكري والتي يمكن تعريبها إلى (التخطيط المحكم) هو أن التفكير يكون في مرحلة العصف الذهني لمواجهة أي مشكلة ومن أناس مختصين أو لهم اهتمام عميق بالموضوع، لكنه لا يبحث في التفاصيل، أما الاستراتيجية فهي تبحث في التفاصيل والآليات المتاحة والأدوات، وإمكانية توفيرها سواء محليا أو استيرادا وتحسب الجدوى الاقتصادية وتجري مفاضلة بين الجدوى وإلحاح الموضوع أو تغيير معاملات الجدوى لتأخذ في الاعتبار الحاجة للفكرة كقيمة عددية موجبة لصالح التنفيذ، والمشكلة الحقيقية عندنا هي استيعاب الذات المنفردة لذاتها ووضع الإنسان نفسه في الموضع الصحيح، أهو عالم أم متعلم؟ وأين أكون عالما وأين أكون متعلما؟ هل وأنا أحكم على الأشياء والأفكار مستوعب لها كتفاصيل ومآلات؟

عليه يمكن وضع التعريف للتفكير الاستراتيجي، أو التنظير كما يلي:

التفكير الاستراتيجي: هو مرحلتان؛ تنظير للكلية المستقبلية لا تلتفت إلى الخلف، تفاعلية، وهي أيضا منظومة تؤطر وتتفاعل وتتأمل وتستنتج. والمرونة سمة في التفكير الاستراتيجي لأنه لا يبني على ثوابت وإنما هو ما بعد الهدف لترسم خارطة النوايا التي نزمع القيام بها، وعندما يحين الوقت سنجد مجموعة كبيرة من مخرجات التفكير، وهنا تبدأ مرحلة تخطيط محكم لترشح الخيارات ويتم تبني أقربها لهذا الواقع كي نعبر من جديد لتخطيط مستقبلي.

 فالتفكير الاستراتيجي ليس هو ما يطرح من حوارات تعاد دوما وتلاحظها اليوم في مجموعات العالم الافتراضي والواتس؛ تغيب سنين لتعود وتجد نفس الأسئلة ونفس الأجوبة وكل يغرد على ليلاه ويرفض أن يرتقي بالتفكير إلى الصواب، وإنما يأخذ بفكرة الجهل المتغلب.

الأحزاب في عالم التفاهة:

اليوم وكما اعتاد الإعلام توصيف الأحزاب بأنها دكاكين، فهي محض مكاتب متقدمة لمصالح مبهمة لا علاقة لها بالدولة وبناء الدولة وإنما تفكر بالسلطة وتقاسمها لا الرؤية وكيف تنفذها، فهي تجمعات مصالح أفراد يضاف لبعضها صبغة أيديولوجية، وغالبا ما تكون محض صبغة وليس سمة تنعكس على السلوك، فهي تنقل اسما بلا قيم، ويتساوى بهذا العلمانيون (كما يسمون أنفسهم) والإسلاميون (كما يسمون أنفسهم). وهذا ليس في بلد هو من مخرجات الاحتلال كالعراق فقط بل في كل الدول التي تتمسح بالشرعية الديمقراطية، هذه الأحزاب عندها مراكز دراسات، ولكنها شكلية ليست مؤثثة بالمنظومات العقلية وإنما بمجموعة مداهنة لا تحل مشكلة تمتدح بعضها وتخرج بنتيجة واحدة: إننا على صواب وقيادتنا فذة ونظيفة وأن الشعب غير مؤهل وهو شعب فاسد، هذا في الغالب من أجل تبرير اغتصاب الحقوق وأهمها الأهلية التي تغتصبها الحكومات التي يحكمها طاغية أو دكتاتور، فهي سطحية لا تنتج بل تؤخر لأنها ستعتبر الشعب أو شرائح منه هي العدو وبالتالي لا تبني الأمة ولا تبني الدولة.

الأحزاب الحقيقية لديها رؤية وبرنامج يرتكز على التفكير الاستراتيجي والتخطيط المحكم ولديه فكر وأيديولوجيا، ومركز دراسات وتقويم وتأهيل، هذه الأحزاب تبني أناسا يسعون لقيم أخلاقية وخدمة عامة، وفقدان هذا التنظير الذي يُستهزئ به يجعل الأمة في تراجع وفساد وضحالة بسبب المتصدين للعمل السياسي، ويتحول المسؤول من أجير إلى باحث عن التربح ويتحول القانون لحماية المكاسب وجعلها في تشريعات.

المكاسب تجذب الانتهازيين والمستغلين وتبعد فرص الصادقين، ففي الغالب الطبقة المثقفة والعلماء وأصحاب الفكر أقل الناس قدرة على المماحكة والدفاع عن أنفسهم أمام الأساليب السوقية.

وسنتحدث بالجزء الثاني عن المراجعات.

للقراءة في   عـــــــربي 21

الجمعة، 14 يوليو 2023

70 - مسارات في الحرية والشريعة والحياة

 

الحرية والدعاة

أن تنادي بالحرية فهذا لا يعني أنك تفهم ما تنادي أو أنك تعلن قدرتك على تحمل مسؤولية حريتك، لذا فمعظم منتقدي التغيير والإصلاح مستلذون بالعبودية وانتقادهم للعبودية نفسها، ليسوا جادين بكرهها بل هم إلى ملاطفة القيد أقرب لأنها ترفع عنهم مسؤولية فشلهم، كذلك الطغاة أنفسهم والهادفون إلى أطماع سوداء يهمهم تعطيل أولو الحصافة؛ فهؤلاء يشكلون بارتقائهم عملاقا ماردا ولو كانوا هزيلي الجسم لا يجيدون تصويب بندقية صيد ليصطادوا أرنبا أو ليقتلوا أسدا، ولكن بالمقابل لن يخيف الطغاة من يحمل السلاح وهو يصوب بعيون تتصل بدماغ لا يعمل إلا في طلب حاجاته وغرائزه كأي من خلق الله.

الشريعة والحياة

إن حق الحياة يوجب تمام الأهلية، وهي الحرية المدعومة تكريم الخالق لخلقه وتوجيه الحياة من الاستعباد للشهوات رغم أهمية سدها كحاجات وإشباعها كغرائز/ لكن وفق ما تمليه معايير الأخلاق والشريعة. وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن الشريعة هي شريعة الكتاب التي هي مثاني وثوابت، وليست الشريعة المصطلح عليها في اليهودية، فالمنزل في اليهودية هي الوصايا وكانت دفعة واحدة أما الأحكام فهي أتت من المسيرة لبني إسرائيل واعتبرت شريعة ثبتت عندها الحياة فلا تصلح لزمان آخر.

وهذا ما يجعل الباحثين يخطئون في توصيف الاجتهاد على أنه شريعة في الإسلام وهو ليس كذلك وإنما قراءة من علماء عصر لعصرهم، لأن شريعة الإسلام في القرآن، وأن المثاني هي آلية تكييفها لتكون صالحة عبر الزمكان، فقد تكون متباينة وفق المكان في زمان واحد وهي بالتأكيد متباينة وفق الزمان في كل مكان، فهي اجتهاد آدمي من النص الإلهي. هذا الفهم يجعلنا ننظر بعمق إلى التراث وما يمكن أن نفيد منه لأنه ما خلا النص فهو اجتهاد بشري يؤخذ منه أو لا يؤخذ لأنه قد يكون ناجحا في عصره وزمنه لكن لا يناسب عصرنا وزمننا وتقييد ذلك سيؤدي إلى تحجيم فاعلية المثاني، فلا بد أن نعود إلى استقراء الواقع لاستنباط ما يفيد هذا الواقع بدل نقل تجارب أقوام أخرى وإسقاط سلبيات تاريخهم على واقعنا الذي لم يمر بذات الدورة التاريخية.

القوانين قراءة العصر للنص

إن نقلنا من عصور أخرى ما فهمه السلف الصالح وهو فهم لعصرهم، فإننا نأتي بقالب على واقع تغير ولم تعد مخرجات فهمهم إلا منبع تصادم إن لم نستعن بها لفهم جديد، في ذات الوقت قد يُتهم المصلحون بالنفاق فما فوقه إن نُقل الفهم القديم على واقع ليس له صلة به، بل إن الإصرار على هذا هو تبديد لفرص نهضة إسلامية جديدة عندما نصر أن نستدعي الماضي بأحكامه وتفسيراته ومشاكله بل بأحداثه التاريخية ومعالجات السلف لعادات وتقاليد قبلية جاهلية.

الطغيان ليس طغيان الحاكم فقط وإنما طغيان من يتمسك بأحادية النظرة ويقدس التراث البشري ويساويه بكلام الله وأشخاصه بالأنبياء. الطغيان أن يتعالى الجهل فتعيش بمشاكل التاريخ وتتغلف بالتخلف والتدني القيمي والسلوكي بحيث تنتقص من الآدمية، الطغيان أن تسود قاعدة ولاية المتغلب وهي مخالفة للشورى وإنما تماهت عند فقهاء عصرهم لسد ضعف وتهاوي حكم الملوك كما فعل الفرّاء والماوردي في كتب بعضها لا تكاد تميز من هو المؤلف، وهكذا أعقبهم البقية من العلماء وبأشكال كل بحسب ظرفه، فمن ولاية قريش إلى تغلب كما تغلب الأمويين إلى ولاية الشوكة وولاية المتغلب عسكريا لتسويغ التغلب كحل لفتنة نعيشها اليوم بأبشع صورها. وهنا تصبح الشورى وأهلية الناس أماني، كذلك المواطن نفسه يستسيغ أن لا دور له في إقلاق حياته، كل ما يتطلب منه أن يغلق تجارته إلى أن يستقر الأمر فيخرج إليها وكأن لا شيء حصل، أما اليوم فيهرب برأس ماله وأهله إلى حيث يستأنف حياته كيفما يحب فلا استقرار ولا دولة.

هذا الأمر أثلم الإسلام والأديان التي تعيش معه، فقد أصبح لا شيء يهم، ورضا بعبودية المتغلب على حرية تضعك أمام تضحية مطلوبة لاستقرار الحياة والمشاركة في بناء مدنية تتسارع وتطغى أيضا لأنها لا تقاد بعقلية حضارية لا يفهمها أهلها، وهم في تيه عنها فتاه العالم نتيجة هذا التخلي والكسل ومقاومة النخب والمنظومات العقلية المنتجة، فكان واقعنا نحن يقوده الانطباع الذي ولّدته تسميات الانتساب إلى الإسلام، في حين لم يسم الرسول دولته باسم الإسلام ولا الصحابة فعلوا ولا الأمويون ولا غيرهم من الملوك والسلاطين.

ما المغزى من هذا الكلام؟

* أننا في حالة انحدار حضاري وتخلف مدني كما الغرب في غياب حضاري فكري وأن القيمة الوحيدة عند الغرب هي النفعية التي تولد تطبع السلوكية، ونحن نرى كيف تتهاوى المدنية كنمط مع تداعي الأسس التي لم تعد قادرة على حمايتها، فالكل إذن في منظومة تنمية التخلف العالمية.

* أن هنالك جهازا معرفيا يحتاج إلى إصلاح، به تراكمات وزوايا تخرج للواقع عناكب من نوع الأم الحنون.

* أن هنالك جهازا معرفيا في الغرب مليء بالمغالطات والانطباعات حول الإسلام ويقيسه بمن ينتمون للإسلام في الهوية الشخصية ومنطق التحشيد المتوارث عن الحروب الصليبية.

* هذه الأمور المهمة تحتاج إلى دعم لإنشاء مراكز للدراسات تنتج أدبيات وتقيم محاضرات وتنتج برامج وأفلام وبلغات متعددة، فالعالم متقارب والظلم من القوي للضعيف اضحى سلوكا، وهذا يقع على الدول المتمكنة ماديا من بلاد المسلمين، فالإسلام وإن تمكن قوة فطريق انتشاره ليس كما في السابق وإنما فهمه عن طريق إدارة الميديا بحصافة لنعيش جميعا بسلام نفهم بعضنا، فليس بالضرورة أن نكون متجاوزين المنطق القرآني الذي يقول إن المؤمنين أقلية وأن الاختلاف من سنن الكون، وكذلك التعارف والأمران ليس واحد فالتعارف بين المختلفين رحمة، والتطابق التام سلبا أو إيجابا هو من معالم انتهاء الحياة ونحن نرى الغليان، آملين أن لا يكون الانفجار العظيم.

تابع الرابط الى عربي 21

السبت، 8 يوليو 2023

69 - الابراهيمية ورسالة الرسل




فهم الناس للأديان وتحول الرعوية إلى مفهوم التبعية وربما الاستعباد والتقديس للأفراد جنح بهذه النخب التي استسلمت لأهوائها الناس كموروث أو جهلا، وبلغ التقديس درجة التأليه العملي لهذه الناس التي تنزه عن نواقص الآدمية وما هي كذلك، الجهاز المعرفي هنا تتضارب أركانه وتختل الثوابت، عندما يحدثك النص عن العلاقة المباشرة مع الله ويحدثك النخب انهم وسطاء،  وعندما يقول القرآن إن اسمكم المسلمون وأنكم أمة واحدة ثم تسمى الناس بأسماء متعددة وانتماءات متضاربة وتكون أمم بتأكيد النخب استخفافا للناس أو طمعا بدنيا يغلب اليقين بالحق وهكذا سنجد تركيزا لفاعلية النخب في إبقاء حالة التجهيل بينما الله جل وعلا يدعو الناس للعلم والمعرفة واستنهاض قابلية الآدمية وإبداعها، ورغم هذا تجد إنسانا يحمل شهادات عليا ومن علماء عصره يخضع بقدسية إلى إنسان يفترض انه يعلمه دينه لكنه جاهل في العلمين، تجده عالما في علم الأحياء المجهرية يغسل أو يشرب ما يطرحه حيوان من بول أو روث، أو ماء آسن قد يكون من دورة مياه يتبارك به وينسى علمه وإن للعلم ولاية المعروف وهي ليست سلطة تستوجب الخضوع وإنما طاعة ما.

الإبراهيمية فكرة لا أساس لها:

الديانات مما نعلم ومما لا نعلم هي مصدرها واحد ما خلى التي نبعت من غريزة التدين عند الناس البدائيين أو تلك التي لا يعلم اصلها حقا مثل الديانات الوثنية الشرقية وهي بالمئات، منها لها اصل توحيدي ومنها لا اصل لها وإنما تشعبات مع الزمن تخاطب مخاوف وغرائز وحاجات الناس والتشبث بدافع الأمل في الذهن والعجز واقع الحال فتنحرف عن اصلها إلى ما يتجاوب ومحاولة التعايش مع العجز والمشاكل بخلق الوهم ودعمه بالنصوص أو الحِكَم، فالله عز وجل قدر الأرزاق في الأرض وسن قوانين الحياة والإنسان مكلف بالسلالة وعمارة الأرض، فهو مسخر له مسعاه في أنواع الرزق بعدل الله سواء رزق مادي أو رزق معنوي ولا تجتمع كل مجامع الرزق عند بشر وإنما تتوازن بالرضا، هذا المعيار المستمد من منطق الوجود يحدد مهمتك، وان تميزك للحق والصواب وإدارة الغرائز والحاجات وإبداع الأفكار واكتشاف الأشياء من خلال التجارب العلمية مع فهم القيم والأخلاق ومعاني الرسالة أيا كانت هو اختبار لمنظومة العقل.

فالديانات المعروفة هي اليهودية وهي بموسى من سلالة إبراهيم، والمسيحية وهي برسالة عيسى وهو ليس من صلب آدم وإنما خلقه خاص بروح (امر) خاص كما خلق آدم من تراب ثم قال له كن فكان، فلا تعتبر المسيحية منسوبة لسلالة إبراهيم، وأما الإسلام فهو من محمد وهو من سلالة إبراهيم، ولا علاقة لهذا النسب بتمييز ما، فبني إسرائيل الأوائل كافرهم ومؤمنهم كما موسى فالسامري وقارون من ذرية إبراهيم، وقبائل العرب المستعربة ومنها الرسول محمد من ذرية إبراهيم كما أبا جهل وأبا لهب وسائر كفار العرب من سلالة إبراهيم وكانوا يدينون بالوثنية وعبادة الأصنام، فهل عبادة الأصنام ديانة إبراهيمية، فالمسالة ليست السلالة وإنما الرسالة وفكرة الرسالة.

هذه الديانات متعددة الميزات لكن لها دعوة واحدة ومناهج وأغراض متعددة وليست متصادمة لو دققنا، لكنها لا تتفق بمراكز مهمة إلا إذا تحولت إلى أحدها، الإسلام كلمة شاملة كتوحيد ولكل منهاجه والإبراهيمية فكرة أحادية النظرة لا تتفق والإسلام القابل لخيارات الإنسان وأهليته ولا تتفق والمسيحية التي لها نظرة خاصة بالخلاص، ولا اليهودية التي لها ثقافة خاصة بالمعاملات والعيش، فالإبراهيمية دعوة سفسطائية لا اصل لها وإنما يراد منه تحويل الكل إلى نسب بشري قد يؤدي إلى الفوضى والإلحاد وتفكك المجتمعات بلا شريعة واضحة ومحددات سلوكية وأخلاقية.

اليهودية شريعة دين، وكانت صالحة لإدارة الحياة في زمنها لكن ليس فيها اجتهاد وقيدت أحكامها زمكانيا لكثرة الأسئلة فكانت أمة (اذبحوا بقرة) وكان ممكنا بهذا أن يذبحوا أي بقرة، لكن كثرة أسئلتهم جعلتها بقرة محددة، أما المسيحية فهي دين يتعامل مع التدين وينفي أن يكون له شريعة، وأما الإسلام فهو دين وشريعة؛ القرآن مثاني تفتح عبر العصور ويملك آلية التجديد (أمة اقرأ)، بيد أن نشوء المؤسسة الدينية وتعاظم تأثيرها، أفقد الأمة المرونة لتتصلب أمما.

الديانة الإبراهيمية المزعومة ضد طبيعة البشر التي ولدت فئات متضاربة بدين مفصّل لاتباعه كاليهودية، ومعرّف بدقة كالإسلام، واجتهدت الناس في الكينونة والمقدس واتجهت إلى فلسفة الأقانيم ودرجة القداسة لإثبات رؤية كل مجتهد كالمسيحية، وما نراه من المسلمين اليوم عجب العجاب وتسطيح رهيب للمنظومة العقلية الآدمية.... فالديانات الثلاث بفروعها ومذهبها، ليست واحدة بشرائعها رغم أن أصلها واحد هو الدعوة إلى التوحيد لله، ما بين شرائع أصولية وشرائع تتجدد بالفهم عبر الزمن وهذا أيضا لم يحصل عند المسلمين فبقت الناس تستحضر الماضي وتعيش أحداثه وبهذا غابت عن الواقع، الإبراهيمية نوع من الجمود بالفكرة وأحادية النظرة وتريد شيئا واحدا في عالم يتطور ويختلف ويلتئم وتتجاهل أن هنالك مئات الأديان الأخرى التي تفوق الديانات الثلاث مجتمعة في العدد، وتريد حصر الدين بطقوس لاتسمن ولا تغني من جوع وتعمق إيقاف الزمن، وتثبيت لرفض التنوع والاختيار، أي تلغي المنظومة العقلية ليكون التدين لإشباع الغريزة بدل الدين الذي يكون الثقافة والشخصية،  فهي ليست وسيلة تتناسب مع إرادة الله في اختبار منظومة الإنسان العقلية وامتلاكها أهليتها خياراتها وإنما استعباده من خلال فكرة وما تتفرع إليه وأهداف موجودة أو تستحدث هكذا دين واستقطاب باطل يحجب الهداية من أمم تفوق اتباع المناهج الثلاث لليهودية والمسيحية والإسلام، وهم بمجموعهم لا يشكلون نصف البشرية عددا كانتماء وواقعا اقل من هذا بكثير.

الحجاب في كل الأديان:

اليهودية كانت ومازالت تركز عل حشمة المرأة وملابسها جلباب اسود ونقاب وهو ما يرتديه المسلمون من السلفية، وهو ذاته بلا برقع ملابس المسيحيين لبداية القرن العشرين وظهور نظرية فرويد في الكبت وتأثيره السلوكي والتي مازالت فاعلة رغم أن المرأة البريطانية آنذاك لو عرضت عليها صورة ما يُلبس الآن، لما توانت بوصفه بأبشع الوصف، ولا شك أن ملابس السيدة مريم العذراء بتماثيلها تؤكد أنها كانت محجبة، وحصر الهيأة بدور العبادة هو إطاعة لفرويد ونسيان لما امر به كل دين وفق فهم الناس وسلوكها.

والآخر مع الفطرة

هنالك حراكان عمليا، أحدهما يعمل ضد الفطرة البشرية ويشيع الشذوذ ابتدأ بالملابس لكل جنس إلى العقائد اليوم وتغيير جنس الإنسان والاعتداء على الطفولة والبراءة، وهذا ليس أمرا غير منطقي فهو منطقي جدا في تعريف الدولة الحديثة التي هي بديل الاله بالطاعة وتتعامل مع الأفراد وليس الأسرة، وتعاظم الليبرالية الجديدة التي تهتم بالمتعة والخيارات التي تحرر الكبت حسب زعمهم ووفق ما سمعنا من شاذ التوصيف وهذا ما لا يتسع له فقرة في مقال.

رابـــــــــــــــــط عــــــــــربي 21    انقر هنا


الجمعة، 30 يونيو 2023

68 - وفي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ

 




النفس
النفس الآدمية خلق دال على العظمة الإلهية في خلق يحمل القدرة على التعلم والإبداع، من تشييد أبنية لا يُرى الإنسان إن وقف قربها لفرط فرق حجمهما، إلى إصلاح الإنسان بالطب والعلوم التي ما انفكت تتوسع وتُذهل. النفس هي أنت وأنت خلق الله. ألم تر أن الإنسان ما كُتب له الخلود في الأرض ومع هذا يعمرها، لا يغلبه إلا قضاء الله. وإبداعه يأتي بحسن إدارة أقدار الله باتباع سنن الكون؛ فالنفس الآدمية غير الجسد البشري، إنها أنا وأنت وكل كينونة حية من بني آدم. ولعل ما ذهب إليه المفسرون في أغلب الأحيان هو الأفعال الحيوية الموجودة في كل الأحياء المعروفة تقريبا، فهي ليست ميزة، وإنما التمييز للنفس التي تفكر وتقرر وتستوعب وترتقي درجات، وكلما تقدمت في العلم تجددت فكرا بازدياد المعرفة والخبرة والتفكر بها وهضمها.

علينا أن نوضح التباسا دارجا بين النفس وبين الروح التي تعني الأمر بالتكوين لكل الخلائق، فخلق جبريل أمر وخلق آدم أمر وكل صنف بأمره واسمه، فالروح لم تأت إلا مفرد في القرآن وتعني أمر الخلق والحديث عن النفس بمفردة النفس وجمعها.

عمل النفس ومنظومتها العقلية

المنظومة العقلية التي هي النفس الآدمية حقيقة الأمر، والنفس لتقريب الصورة كالخزان الرئيس للحاسوب لكنه فاعل يعقل ويتخذ قرار أي له مساحة العزيمة والإرادة، فلا بد إذن أن يمتلك الأهلية كاملة ليحكم عليه وفق ما يملك من معلومة ويحللها فيستقرئ أو يستنبط أو يضيف لها الجديد، وهذه المنظومة تفقد الأهلية عندما لا يُتاح لها التفكير أو القرار حتى وإن فكرت، فالنفس تعتمل في منظومتها العقلية مسارات (سيناريوهات) متعددة لكل أمر وكل شيء ومشاهدات يحللها الفؤاد وكذلك نزوات وغرائز وحاجات تحكم صلاحيتها معايير أخلاقية، وتستقر السيطرة لأحدها فتتحول إلى إرادة التنفيد فإما أن تنفذ أو لا يكون لها فعل، بيد أن للزمن دورا كبيرا في إحياء النوايا بتكامل الأسباب.

الوعظ لا يصلح النفوس:

مع الزمن تتطور المدنية وتفرض محددات ومتطلبات سلوك، فليست الأخلاق منفردة تعمل في واقعنا كمعايير وإنما هنالك عامل إضافته الحداثة، لكنه حوّل المعايير الأخلاقية إلى شعارات تُزعم لكن لا تطبيق لها في أرض الواقع، ربما تستغل في التنمر على الآخرين، فهي ليست منكرة ولكن لا بيئة لتطبيقها. وفي أقوام أخرى تعتبر النفعية معيارا يحدث السلوك الحسن، فيكون الإنسان في دور العبادة شيئا وعندما يغادرها يعود لحياة أخرى ولا يشذ الواعظ نفسه عن هذا الوصف؛ وهذا الأمر خلق ازدواجا وتنحية للقيم عن الواقع، فلم يعد الوعظ والواعظون وسيلة إصلاح أو قدوة، بل نحتاج إلى نموذج على الأرض من خلاله يجري الخطاب الأخلاقي. وهذا النموذج ليس قالبا يفرض فوقيا، وإنما ينمو مع خطط التنمية في الحياة المدنية.

علاقات النفس:

في النفس هنالك دولة كاملة بوزاراتها الرئيسة، فهنالك وزارة تعنى بالداخلية ممكن أن نسميها الإدارة المحلية، وهي تدير تعاملات الداخل وتطوير الذات ومراجعة المعلومات وتقديم التقارير لاتخاذ القرار، تتعامل مع المعلومة والحاجات والغرائز والقيم المكتسبة وما يأتي من الخارجية التي تتعامل مع العادات والتقاليد وعلاقات الإنسان مع الآخرين، ومدى قوة العلاقة وأبعادها وتتفاعل الأفئدة هنا لتشكيل ردود الأفعال ومدى انضباط المنظومة العقلية في ترشيد الأفعال وردود الفعل.

هنالك تصويب للتفكير ومتانة المعايير والمتغيرات، فالآدمي السليم هو من ملك قلبا سليما أي منظومة عقلية سليمة تتفاعل مع المعطيات وتحسن التعامل.

الإنسان مخلوق يمتلك أدوات إصلاح ذاته وتتطور، ورضا الإنسان عن ثبات ذاته موت سريري ومباهاة بإشهار التخلف بسوء فهم معنى الثبات والحقيقة، لهذا فكر المفكر ليس في كتاب أو مقال منشور بل في كتاب يكتبه.

كيف تعرف نفسك:

النفس (أنا) لها استقلالها، وتندمج مع اسمها في مرحلة متقدمة عندما تعلم أن الاسم الذي ينادونها به يحمل تصور الآخرين لها وليس تصورها ثم تعتاد أن تكون كما تريد البيئة أو تفهم البيئة نظرتها لذاتها فتقول أنا، وفي البداية لا تقول أريد وإنما فلان أو فلانة تريد. والتربية مهمة في تصويب النفوس فمن تربت نفسه على الشك بالبيئة لا يستقيم له حال ولا تجد له عِشرة دائمة ناجحة، ومن زادت ثقته بالناس تعرض لامتحان سفه الآخرين، لكنه يبقى برقي الإنسانية يألف ويؤلف وهي صفة ممدوحة في الإسلام.. والنفس تستعبد بما تعتاد عليه ما لم تثبته عندما تراجعه، فتحررها هو تحرر من تصوراتها وقيودها ووضع مسارات لأحداث ليست حقيقية فيتملكها الخوف المعطل، بينما التغيير هو نوع من إبدال المسارات أو التراجع عن المتاهات المسدودة لخيارات أخرى، وسنة الكون الحركة والبقاء في ذات الدوار هو تضييع لأمور أفضل قد تكون وراء الجبل الذي ينبغي أن ترتقي سفحه.

ميزان الحكمة

النفوس التي لا تتوسع فكرا ولا تتطور علما ولا ترشد رأيا، نفوس ميتة فلن تتمكن من الارتقاء بالبشرية، والنفوس التي لا تحب لا تهدي للرشاد، والنفوس التي ملكتها الأنا فقيرة مهما ملكت من مال ووضيعة مهما أحاطها الجاه، فلا يمكن يُستعبد الإنسان وإن استعبد! ما لم تستعبده ذاته بالأنا، فلننظر إلى أنفسنا كيف صنعها الله وهي تدير ذاتها بأدواتها وكيف تشح عن غنى وكيف تعف عن فقر وكيف ترتقي بالمعرفة عندما تتفكر ويكون لها عزما، تلك النفس التي نُبهنا إليها أن نبصر ببصيرة المنظومة العقلية ولم يقل أفلا تنظرون، لأن النظر يرى السلوك والظاهر أما البصيرة فهي تفكر وتدبر ترى القيم في ظاهر السلوك وباطن العزم والإرادة واللتين يعبر عنهما الفعل والفاعلية في المجتمع.

الأحد، 25 يونيو 2023

67 - استراتيجيات ملحـــــــــة

 


مشكلة المنطقة:

 في واقعنا الإقليمي العربي والمحيط الإسلامي بها لا نجد لها أي حساب في الاستراتيجيات الكبرى وإنما هي واقعة ضمن التكتيك ككيانات وظيفية يتمكن بعضها من بعض ويعادي بعضها بعضا وبحراك وإيعاز ضمن التكتيك في استراتيجيات الدول الكبرى وفي صراع الدولتين الأكبر نفوذا وسيطرة على الاقتصاد، على الرغم من أن هذه الدول العربية والإسلامية هي مركز الأرض وتملك الطاقة والثروات الطبيعية والبشرية التي تبدد بسوء الإدارة ومن خلال التداعي وعدم الاستقرار، فلا خطط حقيقية تبنى ولا تعاون مخطط له أو تدرس جدواه وفوائده، لكن أحيانا تتحرك بعض الدول في تكتيك دولة عظمى ضد مصلحتها وربما وجودها ككينونة أو سلطة هي السبب في الخوف والانصياع، بينما لو اتجهت هذه الدول للتكامل في متعدد القضايا التي موضوع الساعة والتي هي مجرى الدم واللمف في جسد الدول الصناعية لكان لها وجود ورأي وذكر بدل التجاهل الآن وكأنها ليست على الخارطة إلا آبار نفط ومناطق استهلاك.

◄ أسباب ذلك:

تجهيل: عوامل كثيرة لن احصرها حتى لو أردت لكن أتحدث عما يمكن أن يراه المواطن الذي يفكر في واقع الحال، فنلاحظ البارز أن الاهتمام بالكراسي والوجود عليها وطلب حمايتها ممن لا يهتم بها والخوف من الشعب الذي هو القوة الحقيقية التي تدعم النظم، فيكون كما يقال العدو داخلي تحتار بان تقضي عليه أو أن ترضيه، فلا ترتبط السلطات إلا بالمنتفعين، أو جيوش من الجهلة الذين يتغير موقفهم وفق ما يرونه مصلحتهم وهم أصلا لا أهلية لهم للحكم على المصلحة فتندثر النخب وتوأد الكفاءات أو ترحل تلك التي تجعل بجهدها ومخرجاتها قيمة لأي كيان.

أفيون العصبيات: 

إثارة وتأطير الخلافات العقدية أو ما ينتج عن إثارة غريزة التدين أمام معلومة أو فهم قليل، فيربى الناس على التدين وليس الدين ثم يستغل هذا في تأجيج الصراعات وهذا لا يخلق تفاهما مدنيا بل أحادية النظرة، يرى عيوبه في الآخر كما يراه ولا يرى نفس العيوب فيه، وهذا العماء لا يعتمد على علم وثقافة أو تأهيل علمي وظيفي بل يميزه التوقف والمراجعة مع الفهم وتحسس الأمة بسرطان ينمو داخلها، وهذا لا يقتصر على المتدينين بدين بل المتدينين بالعلمانية وما تحويه من أفكار منقولة من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار فهو أفيون يضرب موطن العقلانية بالوهم وان سمى البعض نفسه بالعقلانيين، المشكلة أن الكذب في هذا الاتجاه ليس بتصديق الناس له وإنما بتصديق من يكذب لنفسه فيكون الفساد.

تبديد الثروة:

 هنالك فائض نقدي وإمكانيات للاستثمار بل توطين الصناعات والهيمنة الاقتصادية على العالم والتحول من الوظيفية إلى الفواعل فقيادة الاقتصاد العالمي في المال والأعمال والسياسة، والمعاملات الاقتصادية من بنى تحتية كالثروات الطبيعية والبشرية متاحة ومتوفرة، بيد أننا نرى أن هنالك مجالات مفتوحة لتبديد المال باستثمارات لا معنى لها أو قيمة في ارتقاء البلد، أو شراء لكماليات وطاقات لا يحتاجها الواقع مجرد تبديد للأموال وقناعة السلطات بينما هنالك معاناة للطاقات وسوء معاملة واهتمام بالكوادر التي في المنطقة وإحساس بالدونية أمام الكوادر الأجنبية وصرف الأموال لتقوية إنتاجهم ولكن لبلدانهم، وهنا تأتي عملية الطرد بلا امر وإنما ارتحال الطاقات لتخدم بلا ذكر أو عوائد للبلد الذي تهرب منه الطاقة، فتجد مستشفيات يديرها أطباء عرب من عباقرة الطب ويستدعى طبيب اجنبي ربما اقل مهارة بأموال طائلة نتيجة الهزيمة النفسية والإحساس بالدونية، الاستثمار خارج الإقليم يشجعه ديمومة الخلافات وعدم الاستقرار التي تثيرها أيدولوجيات مثارة مزعومة محصلتها إبقاء التخلف وتبديد الثروات مهما كانت أو وصفت الأسباب من غباء وتفاهة.

◄ ما الحل؟

الحل ليس صعبا ولا هو سحر أو معجزة، بل هو متاح ويحتاج مراجعة من الدول الرئيسة التي تمتلك الطاقة والثروة وحكمة في السياسة مع تفاهمات بينية تحل التنازلات الخارجية، ولست أدرى إن كان ما تفعله السعودية أو الإمارات في هذا الاتجاه فمن الصعب استبيان الاستراتيجيات إن بنيت بسرعة في عمر الزمن لكنها لا يمكن أن توصف بغير «الحصيفة» وهي تتوجه نحو الشرق أو قراءات الإمارات الواقعية من خلال تحركها نحو تركيا، وكذلك قطر في حراكها بذات الاتجاه أيضا وهذا سابق لهذا الوقت بحكم وظيفتها السياسية في المنطقة فمن الطبيعي أن تحافظ على روابط ودول الجوار الإسلامي.

الموضوع بالتأكيد لن يغطيه مقال.

https://al-sharq.com/opinion/25/06/2023/%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%84%D8%AD%D8%A9

السبت، 24 يونيو 2023

66- الفكر الشامل والحكـــــــم الشمـــــــولي

 

 

الفكر الشامل والحكم الشمولي

الشامل والشمولي

الفكر الشامل هو ما له نظرة عن الكون والإنسان والحياة، وأسس لقوانين تدير هذه الحياة.

الإسلام فكر شامل في تركيبته الأساس وليس(شموليا) ففيه أحكام متعددة وتتكيف مقاصدها عبر العصور وهي غير التشوه الشمولي الذي نعرفه أو الذي يتعامل به "اغلب" من يصل إلى السلطة من يرفعون يافطة الإسلام، فتراهم يحكمون بما يسمى الحق الإلهي وهم يظنون انهم يحكمون بالإسلام ويظنون أن البيعة بالصناديق أو غيرها هي توقيع عبودية على بياض.

فالشامل في أحكامه لأمور الحياة بمقاصد عصر حكمه هو غير الشمولي الذي ينتقل عبر العصور بلا تغيير فتراه عاجزا عن الظهور بغير الفعل الغريزي أو الديمومة بغير استثارة الغرائز من حب البقاء أو التملك أو السلطان أو التدين كحالة مضافة في الإسلام عن العلمانية أو اليسارية التي تفرض الراي بالدم.

لا يكفي أبدا أن يطلق الاسم على فكر عامل أو نظام حاكم ليكون فعلا هو التطبيق للفكر، وإنما هي اجتهادات أحيانا وأحيانا أخرى تخلف وبلادة، حتى في الأفكار التي نبعت من منظومة عقلية فلسفية بشرية، تحتاج إلى فهم وتفسير، والا فان الصراع لا يخلق الاستقرار اللازم لمدنية إنسانية أو حياة كريمة تليق بالآدمية.

فالفكر الشامل هو من يملك قواعد وأسس التشريع وآليات التجديد من داخله، والإسلام هو كذلك لولا أن عطله الإسلاميون بالعيش في الماضي فيعجز عن أي إصلاح للواقع بل يفسد الداعون إليه أنفسهم بحمل أوزار الماضي ولا يرون فسادهم باعتبار فعلهم حق لمالك وهروب من فكر طوباوي لا يناسب الواقع والحياة فيدمر النفسية التي تحمله لتدمر هي الأخرى الحياة.

عندما يتعامل المسئول مع الشعب وكأنه سيد هذا الشعب وليس أجيرا عند الشعب فانت أمام حكم شمولي.

إن كان المواطن آخـــر هموم السلطة فانت أمام سلطة شمولية

 إن ثبتت منظومة الحكم ميزات ما فاق الواجب فهو مال مغتصب وان كان بقانون لكنه ليس شرعيا، فانت أمام حكم شمولي وان لبس لبوس الإسلام وزعم الورع والتقوى.

من يحكم؟ أم كيف سيحكم

من البديهيات في عالمي الأفكار والأشياء  أن المنظومات المتخلفة دوما

 لا تتحدث عن الإنجاز لتختار من يحكم وهو يعرف كيف يحكم بل تتحدث

 عمن يحكم أن كان منها أو من غيرها، وترى الناس تتفاعل وتتحدث

 عن الانتخابات ومن سيفوز فيها ولا تسال عن (كيف يحكم) أي رؤيته

 وبرامجه وكيف سيحقق لها آمالها التي تنساها هي ومعاناتها التي

 أصبحت من ضمن حراك الحياة اليومية، كانت الناس هذه تسمى

 اللامبالية أو غير المهتمة، لكنها في عصرنا تسمى حشود المجالس

 والكيبورد، لن ترى من يسال كيف ستقوم بعملك وماهي رؤيتك لهذا

 العمل، بالمقابل يعتب هؤلاء العاملين بالسياسة على من لا ينتخبهم بل

 يعتبرون عدم الخروج للانتخابات ذنب كبير دون أن يرى الجرم في اختلال الموازين وفقدان الرؤية لتحسين حياة الناس.

لا دولة بلا تخطيط:

الدولة ليست تسيير حياة يومية من خلال أجهزتها المتعددة وكفى، بل الدولة ما لها رؤية تجاه متعدد الأمور في الحكم والعلاقات الدولية والجيوسياسية أو استراتيجية.

البلد مهما ملك من مقومات وآليات متاحة وثروات بشرية وطبيعية فهو لن يتجاوز مرحلة السلطة في أحسن الأحوال ما لم يمتلك القدرة العقلية والمنظومة العقلية المتوازنة التي تفكر بطريق استراتيجية وتنتج ما يمكنها من استثمار الثروات بكافة أنواعها بشكل صحيح، وسبق الزمن في سد متطلبات تصبح معيقة وملحة وتدخل البلاد في حرج إن لم تُفعّل، وهذا ما يحصل في بلداننا بشكل وكأنه امر طبيعي ليست القيادات مسؤولة عنه.

خلاصة القول:

حكم الفكر الشامل انشغال أهل الفكر باستقراء الواقع واستنباط ما يدير الحياة بشكل عادل وما يعين الناس على الاختيار وتمكينهم من أنفسهم (امتلاك الأهلية) لان الله جعل الآدمية في الأرض لاختبار أهليتها، وليس واجب الدولة أن تجبر مخلوقا على ما لايري أو يعاقب على تفكيره مالم يشع فاحشة في المجتمع أو يسيء لبنيته وترابطه ووجوده، فالحكم للفكر الشامل حكم خدمة وأجراء لإدارة المصالح الداخلية والخارجية والتفكير بدقائق الأمور لتمكين الناس ما كان استطاعة لذلك.

وأما الحكم الشمولي فهو الإحساس بالسيادة لا على العمل بل على الناس، وظهور السطوة والسلوكيات المنحرفة والفساد وظلم العباد وباسم الحرية والعلمانية أو باسم الله تجري كل أنواع الجحود بالنعم وانتهاك كرامة خلقه، وتظهر أهمية من يتولى الحكم ولا يسأل عن رؤيته وقيادته، وليس كيف يحكم، أما كيف يحكم فلا يبدو اهتمام لان نجاحه هو أن يفشل غيره وبرنامجه هو منافسي فاشل.

إن الإسلام فكر وحكم شامل وليس شموليا وإنما ظهر شموليا لانه يستدعي اجتهادات حكم المتغلب أو الخلافات السياسية والفقهية القديمة ويتخاذل الدعاة والمثقفون عن التوجه للاتحاد واغرق الباب على الجهل والرجعية في التفكير والتبني، ومن ثم إبراز ما يقود العصر بفكر إسلامي وكان القرآن ينزل اليوم 

وليس باستدعاء سلبيات الماضي وفق قراءات مشوهة تنتقص من الدين والرسالة وتمزق الأمة إلى فرق بدون أن يكون لذلك مسوغ إلا الجشع والطمع وفاعلية الغرائز بدل المنظومة العقلية، ولاشك أن من يزعمون الليبرالية والعلمانية أو غيرها هم بذات الكهف والنفق المسدود لان طريق التفكير واحدة والجهاز المعرفي واحد وهم لا يعرفون كنه ما ينسبون أنفسهم إليه إلا ظنا؛ فالأمة لن تنهض إلا إن عرفت هويتها وكينونتها وهذا ما لن يكون وفق الأساليب العدمية اليوم التي تصدرها الجهل والجهالة.

https://arabi21.com/story/1520290/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D9%88%D9%84%D9%8A

السبت، 17 يونيو 2023

65 - بنـــاء الامـــــة وبناء الدولـــــة الجـــــ الثاني ـــزء

 



    

الدولة حاجة مجتمع وأمة:

الدولة، إدارة شؤون الشعب، الشعب كان عائلة من اسر، ثم قبيلة ثم مدينة، ثم اقتضت المصالح أن تتوسع الدولة إلى مدن لتتكامل مع بعضها في الإنتاج والأعمال، فكانت دولة إمبراطورية تصب إليها موارد من الأطراف لسد حاجتها، فتأطرت متطلبات جديدة للشرعية، كبرلمانات بشكل مجلس أعيان يعطي  الشرعية لعظيم أو قيصر، وان لم تك فبنقاء الدم والحق الإلهي، والسردية أن تتنازل الشعوب عن حرياتها وتعتاد الأجيال وتنسى أنها تنازلات، إلى أن أتى الإسلام بمبدأ البيعة المنطلق من مفهوم الشورى، والبيعة عقد بين الحاكم والمحكوم، وله حدود رأيناها في تكرار البيعة لرسول الله ﷺ مع تغير الظرف والحال وليس هنالك بيعة مطلقة إذ لابد أن يعود للشعب في اخذ ما يسد الموقف من شرعية، ومثال ذلك ما حدث في معارك بدر واحد والخندق والعقبة وغيرها من يراجع السيرة بتمعن يدركها، وانتقلت إلى الراشدين، إلى أن تحولت إلى الملكية في العهود التالية وفي الغرب عندما انقلبوا على الملوك تحولت إلى الدولة القومية، ثم دولة الحداثة التي تمتلك الإنسان برضاه ووفق نمط الحياة الذي يطلبه الواقع والقانون وهنا نرى أن الدولة باتت حاجة واقع مع الحاجة الاجتماعية بتعاظم الحاجات وتفرع العلوم والمعاملات، وتعدد الكيانات وتباين الراي والفكرة فلابد من موجه لكل هذه النغمات كيلا تكون نشازا.

إن بناء الأمة مهم جدا لتكون الدولة، فلا تتبنى الدول بالمستعارات الاصطلاحية الرنانة كالفسيفساء ودولة المكونات، فالمكونات التي لا تشكل أمة لا تستطيع بناء دولة، بل ستبقى كيان هلامي يستعد للتشظي والهروب من ضغوطات القوة والنفوذ، ومن يتعامل مع هكذا واقع لا ينبغي أن يعمل بشروطه وإنما بإقناع الكل بإصلاح شروط تفكك وان بدت الناس مجتمعة، فمن يجتمع هم باحثون عن مصالح آنية لا تنتج مدنية ولا عمران، ولا ثبات لدولة الإنسان.

هنالك سرديات غير هذه لحراك التأسيس للدولة بيد أنها بمعنى واحد في كل الأحوال، فالدولة دوما تحدّث كما وضعنا من سردية، فهي بمحتوى الفكرة والحاجة المستجدة أوجدت الحداثة في أوربا، وكانت الدولة المسيطرة على كل امر بمفهوم الوكيل المطلق الذي اخذ بعض حقوق المجتمع مباشرة واخذ الأخرى لسيادة القانون فكانت الأمور بيد السلطة والسلطة للدولة، لكننا هنا سنتحدث عن بناء الدولة، عن ضمان الأمن والاستقرار والنظام، أو نمط الحياة الهادئ ما امكن، وعن قوة مفوضة بالقانون وتطبق القانون فإما أن تنجح أو تتنحى لغيرها في انتخابات، هي كالبيعة لكن محددة بزمن أما البيعة فهي امر محدد بالشروط العقدية، والتي لابد عند تحديث العمل بها أن تحدد بحد اعلى للزمن كأحد أطرها وتديره آلياتها.

بناء الدول وبناء الأمم:

كيانات بنيت بلا تاريخ كالكيان الصهيوني، وكيانات وضعت في قالب الديمقراطية ولم تراعي بناء الأمة كجنوب السودان المتكون من مجموعات قبلية زجت في نظام ليس لها مقوماته، فأما الكيان الصهيوني فهو دعا إلى مشترك هو الدين لكن الدين اليهودي شريعته لا تحدّث فهي شريعة دين وليس دولة، فكان عامل الترابط هو الإعلام والانطباعات الجاهزة المستخدمة الدين كعصبية، وفي ذات الوقت الخوف من المحيط كأداة لتجمع غريزي ينفرط بالاستقرار إن حصل.

كذلك دول فككت وتشظى نسيجها كمجتمع، مثل الدول التي تعرضت للاحتلال أو قامت بها حروب داخلية كالعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها ممن هو مهدد بها، هذه الدول بحاجة إلى بناء نفسها كأمة فما نراه من تشكيل لبقايا إدارة تاريخية، أو سلطة لا يشكل حقيقة معنى الدولة التي تحفظ الأمن والاستقرار وكرامة الإنسان بما يعتقد أو التصالح مع كل هذا ليكون مقبولا عند الجميع بالعقلية والنفسية وليس مجاملة تخفي الاستنكار والاحتقار.

إعادة بناء الدولة: هو مشروع مهم يحتاج لأناس تفكر وإعلام حي فاهم ومدرب ومقتنع بعمله، وكلفة عالية مادية ومعنوية لتعديل الشخصية في هذه البلاد أي العقلية ومنظومة الجهاز المعرفي والنفسية، وهذا يعني التعامل مع المختلف كأمر طبيعي لا ينقص من كينونته شيء ولا يسمح بمس كرامته.

ماهي احتياجات بناء الدولة:

صراع الشرعيات هو اهم ما يواجه إنشاء الدولة، فشرعية سابقة، وقوى تجد نفسها أنها أحق بالحكم وشرعية قبلية وشعبية وثورية، وشرعية دينية أو مذهبية، وشرعية دولية تجد أنها تدافع عن نفسها من خطر قيام دولة، وشرعية قوة خارجية تريد أن تبني الدولة على مزاجها ووفق مصالحها، وشرعية ناس اتو من خلال الحراك كأدوات لكن أصبح لهم وجود وفق تخطيط الأحداث وتشوهات المتضادات، فكيف سنخرج من هذه الشرعيات بشرعية الدولة.... من المؤكد أن الحاجة للكثير منها ما يلي:

·      قيادة على قدر عال من المسئولية لا تبحث عن مصالح ضيقة أو خالية من الرؤية أو متشبعة بحب السلطة وترفض الآخر سواء كانت إسلامية أو علمانية أو أي تسمية أخرى، وإنما تثبط التحديات لكيلا تنشغل بها أو تعتبرها همها الأول.

·      قيادات قادرة للتحدث مع بعضها والوصول إلى حالة من بناء الأمة وثقافتها بعيدا عن منظومة تنمية التخلف والإقصاء وقادرة على التعاون لبناء الأمة؛ لا تختلف على الأولويات أو العائدات.

·      أن تكون هنالك رؤية وبرامج، لا تقارع الموجود أو المهزوم وإنما تطرح نفسها وتنشئ إنجازاتها.

·      ضرورة وقف الصراع، وجعل المعيار هو الإنجاز في طريق بناء الدولة وتراص المجتمع وليس البقاء في السلطة واستحصال النفوذ والمكاسب والمال، أو استخدام السلطة لفرض الراي.

·      الدولة ستحتاج إلى قوة جيش وشرطة كبيرة تحمل رؤيتها، لكن ضمن خطة السلم والحرب كالبناء والاستقرار والمصالح، وهذا يحتاج تربية ومنظومة تعليم خاصة.

النظم ديمقراطية، دكتاتورية، وراثية، كلها نظم لها مساوئها ومحاسنها، الغرض هو كيف يحصل الاستقرار وبناء الدولة فهي مسائل مدنية ليست أيدولوجيات ولا يمكن تحويلها إلى أيدولوجيات، إنما بناء الدولة يحتاج إلى عقليات استشارية نظيفة، وليس إلى هياكل منقولة عن تجارب أخرى تحمل الفساد وليست مهتمة لبناء الدولة وكذلك قوالب البرلمان والسلطة إلى لجان الإغاثة أو المؤسسات الدولية إلى كل ما هو في طريق بناء لن يكتمل أبدا بغير بناء الأمة وثقافتها وترابط أفرادها، لا تذكر فيها مكونات واختلافات وان كانت محترمة ضمنا لان ذكرها اعتراف بالتفكك وليس البناء.

رابط العــــــــربي 21

اضغط هنا

الفيسبوك




136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...