بنــــ الامــــــــــةــــــاء
اضحى لزاما تعريف المعاني والأفكار في زمن أصبح
فيه عرض الحلول وكأنه راي مقدس، لا يتحاور الناس وإنما كل يرى أن ما اقترحه
متكاملا رغم انه بلا دراسة وربما ليس في اختصاصه، ولا آليات أو منفدين هو لا شك
استنارة يظنها البعض في طرح يؤيده البعض الآخر ممن يقلب صفحة لينسى ما قرأ.
هذا الموضوع مهم جدا بعد تفكك الأمة عبر
القرون، وتمزق الدولة في كل تعاريفها، ونحن نشاهد الأثر الواضح في امتنا ما بين
التقسيمات القومية والتقسيمات الطائفية والصراع غير المبرر بتعالي رفض الحراك
الفكري والتعدد والتنوع الإيجابي والخلط الملتبس بين معنى الدولة والأمة ونقض غزل
الاثنين بالجهل ومنظومة تنمية التخلف التي جعلتنا مفضوحين فعلا بكم التخلف المدني
والانحدار الحضاري بعد أن سترنا ردحا بورقة التوت التي للأسف كانت دكتاتورية
وطغيان ومصادرة لأهلية الشعب وحقوق الأنسان.
إن أي إنسان يمتلك القناعة انه يملك
الحقيقة، فهو في الواقع يمتلك حقيقة إدراكه التي هي ادراك نسبي للبيئة الإنسانية
المتعددة المساقط على ارض الواقع، لكن هذا لا يعني انه خطأ أو يعطيه الصواب
بالمطلق، فالتفكير السليم هو الذي تدعمه سنن الكون ويستطيع التفاعل مع التعدد
الفكري والدرجات في المدنية من خلال إيجاد واقع تعايش طبيعي وليس تكيف مضغوط،
فالإنسانية لها واجبات رئيسة مما نراه من مجمل مخرجات المنظومات الإنسانية، وهي
تشترك بها كقيمة ترتفع وتنخفض وفقها ألا وهي الإعمار والكرامة الإنسانية أو
الآدمية وفق التعبير القرآني.
معظم من ينادي بالأيدولوجيات ويقدسها
سواء المنسوبة للدين أو الأفكار الأرضية الشائعة تجده عند تطبيقها يفرغها، لتتحول
بشكل وآخر إلى الاستبداد، لأنها لم تتجذر في الواقع كبذرة وإنما أضحت شجرة هرمة في
الخيال لا تجد وسيلة لغرسها في الواقع إلا بخيال معتنقيها، وان مظاهر اتباعها في
الواقع تعاني من انفصام بين الفكرة والتطبيق إلى أن تصبح الفكرة مجرد عادات أو
تقاليد طقوس لها زمانها ومكانها وتنتهي بمغادرة هذا الزمان والمكان.
حتى الإسلام وهو المتميز عن الأديان
بشريعته ذات المثاني، وثقافة مجتمع لا تقتضي أن يكون كله مسلما أو مؤمنا باي دين
يعيش اتباعه كغيره هذا الانفصام لان من يدعو إليه لا يسمع ولا يقرأ أي محاولة
لتجديد الخطاب واستقراء الواقع لاستنباط من المثاني واغرق في الرعوية أو مؤسسة
دينية أصلا لاوجود لها في الإسلام، وإنما يعيشون في تقديس للماضي وبكل إيجابيات أضحت
تاريخ، أو سلبيات مازالت متفاعلة تهدر طاقات الناس وتعيق اتحادهم أو فهمهم لصحيح
الرسالة، التي هي رسالة لهذا الجيل كما هي رسالة لأجدادهم لكن منظومتهم العقلية
استعمرت بالخرافات والخوارق واستحالة ادراك القدوات التاريخية أو الوصول إلى
مكانتهم وعلمهم بمنطق محبط.
أي عقيدة أو فكر لا يمكن أن يستمر في
قيادة المجتمع مالم يحوي أدوات تحديثه، والإسلام فيه أدوات التحديث لكنها أهملت بل
أصبح الحديث عنها منكرا عند الغالب من المسلمين أنفسهم.
بناء الأمة:
الأمة ما تميزت بثقافة ومنهج معين وتجانس وتماهي رغم
التعدد والتنوع، هذا ما اعرفه بها في عصرنا الحديث وواقعنا ، وان كان تعريف الأمة
ممكن أن ينطبق على شخص واحد كنبي الله إبراهيم u فهو لو دققنا فانه ينطبق عليه تعريف الأمة الذي عرفناه، والأمة
شعوب متعددة أو شعب واحد، والثقافة الاجتماعية مهمة في هذا حيث تجتمع عليها الأمم
وان كانت متعددة الأعراق والعقائد، لكنها متجانسة في القبول لبعضها معاضدة متصالحة
مع نفسها يجمعها السلوك الظاهر لغيرها وان كانت خصوصيات في الطقوس والملبس والمأكل
لكل فرد أو مجموعة فيها، تتقدم إلى المجتمع من خلال أعرافها الخاصة لتصب في المنتج
العام لها، فهي علاقة فكرية مدنية متصالحة منتجة متعاونة، أما إن لم تك منسجمة حتى
لو كانت في ارض واحدة وتحت حكم واحد فهي ليست بأمة وإنما أطياف قابلة للصراع
والفتنة والانعزال عن بعضها، فلا مصلحة تربطها بجمعها إن لم تك خصوصياتها الداخلية
مفهومة وتجد مشاركة وتعضيد وحماية من المجموع، ويساعد في هذا البناء التصور
المنقول للأجيال مالم يمزقه الجهل والخوف على الرعوية من تبديل المعتقدات وهذا
سيجعل البعض يخلق حواجز مع أبناء الأمة وتتطور للكراهية والانعزال وفقدان الانتماء
وربما تتولد حالة من الكراهية مؤذية للحياة المدنية.
بناء الأمة هو بناء تكاملي باحترام التعدد والقبول
بقرارات المختلف التي بدورها تتفهم التنوع والاختلاف بالمشاركة والخبرة، وان لا تجري
أي توسيع لمتطلبات الرعوية أو التميز والانا بشكل مبالغ فيه، يجعل هذا الجزء صغر
ام كبر وكأنه قطعة ميكانو متخلخلة لا ينتقل من خلالها السائل اللمفاوي للحياة في
الأمة، حالة انتماء عقلية وعاطفية إذن ترسخ في التربية البيتية وتقدس في دور
العبادة والإرشاد والندوات والاحتفالات والمشاركة بنمط جامع أو مقبول يميز الأمة
ككل عن طريق الإفهام والفاعلية المشتركة والاندماج والإعلام ووضع مشتركات في
الآداب والفنون.
عندما نتحدث عن الأمة فإننا نتحدث عن محتوى مهم لإقامة الدولة وبغيرها قد تكون هياكل دولة بيد أنها سلطات، وربما من المتعارف عليه أن نتجه بتفكيرنا إلى الحكام عندما نتحدث عن الدولة، والى العقيدة عندما نتحدث عن الأمة، أو نمط حياة يتضح في الغرب، ويبدو عندنا في العادات والتقاليد التي هي عماد المظهر الثقافي، لكن الحقيقة أن الأمة من الفرد والفرد من الأمة هذه العلاقة التي تشكل المعنى الرصين مع كل ما ذكر من تفاصيل فكرية أو عقدية، الأمر يبدو معقدا في الوصف لكنه يفتح مجراه عمليا مع ما سنتحدث عنه في الجزء الثاني حول الدولة.
رابط عـــربـ21ـــي