السبت، 6 مايو 2023

60 - معوقات اليقظة

 


الجهاز المعرفي:

الجهاز المعرفي يمثل مجموعة الأفكار وطريق التفكير ومنهج التفكير والفهم، كما أنه يرتب الأولويات ويقدم ويؤخر في المواضيع، من أجل هذا، فإن ما يصيب أي أمة من تخلف هو بسبب فشل جهازها المعرفي، كذلك النجاح والصعود بسمو الجهاز المعرفي، فإن جمد ولم يواكب الزمن، عاد الجهاز ذاته ليكون سببا في التخلف، فالحياة تتوسع في متطلبات الفكر وتتطور بمتطلبات المدنية.

كيف يفسر الجهاز المعرفي بعض المفاهيم والمصطلحات:

التمكين، غالبا ما يفهم بأنه القدرة على البقاء والتأثير وكسر شوكة الأعداء أو المخالفين مع مرور الزمن، وأن بقاء الحاكم دليل نجاحه، وهذا ليس صحيحا، فتناغم الحاكم والمحكوم وارتباطهما بعقد قبول بعضهما لبعض، هو التمكين وهو النجاح، أي إن الحياة في المجتمع وتجانسها بما يمثل كلا من الحاكم والمحكوم هو النجاح، وإن لم يستمر الحاكم بحكم الظرف أو لأي سبب.

كذلك فإن مصفوفة الفكر عادة تكون تعاملات تشبه الرياضيات، لتنتج أمرا منطقيا من تشخيص وتحديد اللوازم والتخطيط لحل أي من الأسئلة، كذلك هي قادرة على معالجة التحديات كفاعلية ضمن التخطيط والتحصين. أما الظن بأن التخطيط من الآخر قدر مقدور، وتعيين جملة من المسلّمات التي تدعم بمقولات دينية لا تدري مصدرها في حقيقة الأمر، فيخلق حالة من الاستسلام الإرادي والقبول بالإخفاق ووقف التخطيط.

وهذا الخلل أيضا من الجهاز المعرفي الذي نقل بفهم خطأ للقضاء والقدر وعلم الله، وهنا تظهر حالتان، فإما الاستهانة بالمخاطر والتحديات دون دراسة أو معطيات، بل لا أحد يفكر بها وهو يهذي بكلمات وهتافات عاطفية دون فعل، أو الاستسلام الذي ذكرناه. فلا بد إذن من دراسة واعية ومراكز دراسات ترتقي بالناس وتوجه في ذات الوقت، تضع الخطط وتثقف وتدرب.

فاعلية السلوك:

فاعلية السلوك تظهر في المجتمع وتمثل ثقافته، كذلك في الحاكم وخطواته. ادعاء الحسن من الفعل والنتيجة هو كذب على الذات، يقفل طريق اليقظة والإصلاح ليستمر السبات، وهذا بالتأكيد يعني وجوب البحث عن الحقيقة المتجددة التي لا تملك، وإنما يكون الوصول إليها هدفا وليس الغاية للفعل؛ لأن مجرد الوصول إليها تكون الأمور قد توسعت وامتدت وأضحى المطلوب أكثر حداثة، فلا امتلاك للحقيقة، ولا يوجد نهاية للعالم ما دام الإنسان يعيش عليها والقيامة لم تقم.

الفهم:

إن فهمك لما تعتقد، هو ما ينبغي أن يجسد السلوك والأهداف ثم الغايات، ففهم المتدين للدين يمثل ما فهم وليس الدين، كذلك فهم المنقول من قيم إيمانية أو إلحادية أو أي ما يمكن أن يكون معتقدا للآدمي ومخرجات تفاعل فكره، فنحن نحتاج إلى الاستنارة بالحقيقة، وليس امتلاكها والجمود عند الظن بامتلاكها؛ لأن من يظن أنه امتلك الحقيقة، فهو لن ينظر لجديد ما لم يكن منفتح الذهن، فهو يستنير بها وتنعكس على أحاسيسه وخلجات نفسه، بل عموم سلوكه وإبداعه.

منهج الراشدين وليس ما اجتهد الراشدون:

النجاح الذي حققه الراشدون؛ لأنهم كانوا يفهمون المنهج القرآني؛ فعمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ الذي تفتخر الأمة بعدله ولا يختلف على هذا اثنان، اجتهد اجتهادات لو فعلها أو استحدثها في عصرنا أي متصدر في الحراك الإسلامي، لخرجت أصوات تسفهه وتكفره، بل لشنّعت عليه أنه عطل الحدود وغيّر توزيع الغنائم، وكثير من الأمور التي احتاجتها الدولة والحكم.

تلك هي الطريق الصائبة وذاك هو منهج عمر اجتهد لعصره، بينما منهج يتبع اليوم لا يسمح بالتجديد وإدارة الدولة نحو المستقبل، بل الكل كسر رقبة الأمة بالالتفات إلى الخلف، ولا يريد أن يوقف الزمن فحسب، بل أن يعيد الماضي بأحداث التاريخ ومشاكله واجتهادات رائعة في عصرها لكن لا تصلح لعصرنا، ناسين أن الله جل وعلا ذم التقليد والاتباع الأعمى، ودعا إلى إعمال المنظومة العقلية والتجديد مع الزمان والمكان وتغيراته، وقال؛ إن القرآن مثاني (طيات) افتحوها وعيشوا زمانكم، خلاصة القول: ما لم نتوقف عن هذا، فهذه الأمة لن تنهض بل ستبقى في تخلف، محتقَرة مهانة عالة على الوجود؛ لا فاعلية لها بما يجري حول العالم من تدهور للقيمة الآدمية، فمن لا ينهض بالآدمية في نفسه لا يستطيع أن يرتقي بها لغيره.

التطور المدني:

اليوم أبسط الناس ممن يستخدم التقنيات الحديثة والابتكارات والصناعات، يعيش عيشة الملوك في الماضي. علماء عصرنا ومفكروه والباحث أمام حاسوبه، يستحضر علوم الأولين والحاضرين بكبسة زر. إننا إذن أولى بالاجتهاد من التقليد أو التصديق والتسليم الأعمى بما أنتجه فقهاء وعلماء لعصرهم وفق ما حصلوا عليه، لسنا مجبرين أن نقدس رأيا لأناس حديثي الإسلام في عصر لم يكن فيه إلا أربع نسخ من القرآن معتمدة ثم تزايدت، لكن لم تصل دفعة واحدة من دفعات المطابع في عصرنا والمتاح على شبكات التواصل وبلغات متعددة.

ليس هذا يعني أن نلغي ونحدّث، بل توسيع لحاء الشجرة الطيبة من أصلها الثابت لتنتج ثمارا ولا تقف متيبسة عقيما. إن واجبنا ليس تمجيد الماضي ونصرة المظلوم في التاريخ، ونحن لا ننصر الحق في الحاضر ونظلم الناس فنظلم بظلم أبرياء بل باختراع الحدث كما نهوى، ونوسع بيئة الجهل بدل أن نقاومه وندعو للعصبيات. وقد تبرأ الرسول من جنس العصبية حتى لو كانت لحب الدين من منطلق غرائزي وانفعالي ومهين لأعظم ميزة للآدمي، هي منظومته العقلية.

إن الحياة إلى نهاية كما بدأت، والكل عائد إلى الله بلا مال ولا جاه ولا منصب ولا نصرة لذاته أو خسارة أكثر من عمله وسلامة ما توصلت إليه منظومته العقلية، ولا يحمل وزرك أحب الناس عندك وأحبهم أنت لفؤاده.


https://arabi21.com/story/1510719/%D9%85%D8%B9%D9%88%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%82%D8%B8%D8%A9


الأحد، 30 أبريل 2023

59 - شــــــــــروط النهضـــــــــــــــــة

 



معوقات النهضـة:

تكلمنا عن التخلف وأسبابه في مقالات سابقة، لكن التخلف له علاج كما حاولت أوروبا ونجحت عبر عصور أن تحقق التنمية والتطور بغض النظر عن التفاصيل والمآل الحالي، بيد أننا وعند النظر إلى مجتمعنا نجد انطباعات متأثرة بالغرب زُرعت لكن نحن من نسقيها وننميها لتكون أدغالا تسد طريق التنمية والنهضة؛ لأننا لم نصمم كشركاء وإنما مستهلكين سنجد نمو القشور وغياب الفاعلية الإيجابية.

أوتاد خيمة التخلف:

تغييرات أثرت في مسارات الاجتهاد والتجديد في منطقتنا، كما ظهر جوهر هذه التغيرات في أوروبا، فعلى سبيل المثال كان الوقف يمثل تكاملا والمجتمع عندما يقر علماء الدين بقبول الاجتهاد المشجع لتنمية الأوقاف من حيث الإدارة ومن يدير وكيفية استثماره، بينما يجمد عندما لا يباح استثمار وتنمية أوقاف المسلمين. وكان يدخل في تفاصيل حياة الناس مثلا استخدام ذهب الأوقاف للعرائس أثناء الزفاف ومراسم الزواج، هذا نموذج من تكافل المؤسسات وكذلك الزكاة والصدقات التي تترك أثرا نفسيا إيجابيا عند المحسِن والمحسَن إليه. الدولة تقوم بهذا الأمر في الحداثة فهي تجمع الضرائب وغيرها وتدير عملية رعاية اجتماعية في احتياجات الناس من البقاء، ونجد نظام التأمين والضمان الصحي وغيرها مما لا يوجد عندنا بشكل عملي ونافع ليؤدي الغرض في احترام كرامة الإنسان؛ لأنه كغيره من النظم الرأسمالية الليبرالية منقول بلا حيثياته ولا غضاضة في الآلية ما لم يطَلها فساد.

إبان زمن النهضة الأوروبية تحرك رأس المال ليغزو بلاد المواد الأولية ومنها منطقتنا، وعند هذه النقطة نشأت الحداثة. لم يك الاحتلال الذي سلك أسلوبَ استعمار المناطق والناس وتطبيق الوصاية عليهم وإذلالهم لدرجة إقناعهم بهذه المهانة والتفوق حتى نجد اليوم تقديسا صامتا، لكنه يظهر في سلوك الناس تجاه القوى المجددة وتحييدها أو إحباطها. فالاستعمار بنى فكرا كما يريد وثقافة كما يريد، وباختصار نفسية وعقلية عبيد عند مجموعة من النخبة، ومن تركهم بعده يحكمون المنطقة كانوا نوعا من القادة لا تذكرهم الكتب الحديثة بلا رؤية، مقفلين يمثلون حالة من الهلامية والضيق في الأفق وحجاب أمام النهضة الحقيقية. فهم ليسوا مديرين لمنظومة الحكم ولا قادة رجال دولة يفكرون في رقي بلدانهم، ولا أصحاب مشاريع حقيقية، بل يستدعون الصراعات الوهمية من أجل استغلالها في قمع المخالف وإذلاله.

الحركات المعارضة:

عندما قامت الحركات المعارضة للنظم لم تك تحمل رؤية، فهي من ذات المدرسة التي تطمح إلى السلطة، وعندما تصل للسلطة تتحول إلى القمع والتنكيل بمن سيظهر كمعارض. وأخذت أشكالا قيمية من القيم الرفيعة للأمة، لكنها شوهت هذه القيم فأضرت بالأمة حين تلبست بقيمها.

الإسلاميون ظهرت أفكارهم عند تداعي الدولة العثمانية، فكانت أفكارا برد الفعل وليس الفعل الحقيقي المدروس وله منهج يقابل التحديات والتشوهات الفكرية والاجتماعية وإدارة عملية الإصلاح بلا مشاكل، فنجد أن هنالك من وضع الجهاد في غير موضعه، وهنالك من وضع فكرة السلم في غير موضعها، فكانت الحالتان مهلهلة مليئة بالفتحات كالغربال.

هنالك من فكر باستئناف الحياة الإسلامية وكأنها توقفت قبل ساعة، وهنالك من اعتبر النموذج هو نموذج الراشدين أو العباسيين أو الأمويين أو غيرهم، وسادت فكرة التغلب مع العجز فأضحى الحكام الانقلابيون شرعيين، وأتى من لا يفهم في إدارة شؤون الناس لكن يجيد قمعهم وجلدهم وتضييع النخب؛ بل تشويه مخرجات النخب الفكرية من شدة ألم التعذيب والسجون.

الحركات بمجملها كلما تقدم الزمن تخلفت عمليا ومارست القمع ضد أي تجديد من داخلها، فنتج عن ذلك ما نراه اليوم من انحرافات في الحكم وفساد لدى العلمانيين والإسلاميين، والنتيجة دمار عملي عندما تتوسع الشقة بين منطقتنا والتطور المدني لنصبح مستهلكين مع هذه العقلية العدمية؛ فلا مراكز دراسات ولا رؤية وإنما انجرار نحو هاوية التخلف.

تقليد الحداثة المشوه:

نتيجة التطور المدني في الصناعة والاقتصاد والاختراعات التي تواكب التطور كانت فكرة براءة الاختراع، وهي فكرة فرضها نظام يرتكز على النفعية؛ فله قوانين تكاملية، وقد تأثرت النخب عندنا بطرق متعددة، كإخفاء المعلومة، واستغلال الاختصاص في امتصاص المال دون النظر إلى الفقير، وهذا بغياب يد الدولة، فيقتل الناس بمرض وجوع والحياة عموما بالعَوَز.

الدولة عندنا سلطات ذكرنا ماهيتها، فهي ليست تتعامل مع تحصينات النظام الرأسمالي، والمنبهرون بالرأسمالية يعتبرون تطبيق أي فكرة وكأنها انتصار نتيجة انغلاقهم؛ ولأن رؤيتهم للنظام الرأسمالي انطباعية وليست عن فهم عميق. وهذا الذي لا يختلفون به عن الإسلاميين الذين يعتبرون مثلا منع الخمر بالقوة نصرا وكلاهما لم يعالج الجوهر. التفكير بنظم مقولبة لا يأتي بنظام تنمية، بل بنظام الربح فيه أهم من الإنسان، ودولة لا تبني مثلا نظاما صحيا يجعل المسؤول مطمئنا أن يعالج نفسه به إن مرض.

شروط النهضة:

إن التقدم لا يحصل إلا بفهم سنن الكون الاجتماعية بالذات، والتناغم بين الدولة والشعب، وهذا يصعب في واقعنا وقلما يحصل بعمق اللهم إلا ظاهريا نتيجة الخوف أو النفاق، والخوف لا يبني كما اللص لا يحافظ على المال ولا المنافق يهمه غيره.

تغيير النفوس أولى معالم التغيير: لأنها تضبط قواعد السلوك والإحساس بأن البلد بلدك وكل ما في الشارع هو ملك الأمة التي أنت جزء منها، وهذا يقود إلى ضرورة وجود الحكم الرشيد الذي تثق به الأمة، شخصية الإنسان هي أهم شرط من شروط النهضة وتفكيره انعكاس لإحساسه؛ فإحساسه بالرقي يعني النهضة وإحساسه بالدونية يعني أنه لا يتوقع خيرا من محيطه فلا يهتم بتطويره إلا استيرادا وشكليا، وهو واقعنا اليوم.

الرؤية والقيادة الأخلاقية: وهنا دور مهم للقيادة في وضع الرؤية الواضحة وكيفية إدارتها، وإحباط الزوائد العفنة التي تحطم الإنجاز وتثبيط السلوكيات المنحرفة وتحجيم المعارضة للتغيير؛ سواء الطبيعية أو من يحس بتضرره لتغيير مصالحه وإرساء القيم العليا عمليا ومن خلال القدوة وأن يكون للأمة رسالة تحملها وتدافع عنها وتربط بين أفراد المجتمع لتحقيقها.

المعايير العلمية والدراسات: وهذا يعني التركيز على مسارات النهضة وإنشاء مراكز دراسات واختيار العاملين عن دراسة ودراية، وليس عشوائيا، وإجراء الموازنات والميزانيات المالية والتخطيط والرقابة والمتابعة عند التنفيذ.

علينا أن نعرّف وندرك دقائق ما ندعو إليه، فأكثر زاعمي الليبرالية والعلمانية والناقدين لمجتمعهم لا يعرفون حقيقة ولا تفاصيل ما يزعمونه، وهذا سيجعل القيادة بيد مسوخ قشرية.

 كذلك قدسية الإسلام ببلوغ مقاصده وليس بتقليد الأولين وتقديسهم، فنحن مكلفون كما هم كانوا مكلفين، والإسلام العمود الأساس لنهضة الأمة بما حوت من أديان، فهو ليس دينا رعويا وإنما منهج إدارة حياة كقيم وثقافة ينتمي لها الجميع وملك للجميع، وأن التقدم ليس بمسايرة الغرب والشرق وإنما بالتعاضد للتعاون في صنع الحياة، فإسقاط تاريخي صنع نظما كالرأسمالية مثلا، سيكون مسخا إن لم ينقل بكامله، ونقله بالكامل يحتاج إسقاطا تاريخيا ليس متاحا في مجتمعنا.

من أجل هذا علينا بفهم جديد وقراءة جديدة لمثاني القرآن من أجل حياة تنتجها منظومة عقلية كما أرادها الله؛ لا كما استعمرها التخلف وغرائز البشر.

الجمعة، 28 أبريل 2023

58 الموارد المائية ما بين الطاقة والتنجيم

 



ســـوء التدبير وفوضى صنع القرار

الموارد المائية والطاقة بين الإدارة والتنجيم – محمد صالح البدراني

حينما يكتب المختصون وذوي الخبرة في الموارد المائية؛ فذاك من حرصهم على أن تدار الأمور بشكل صحيح وربما حاولوا دائما أن تكون كذلك ولكن العمر أو الظرف أخرجهم خارج المجرى ولم يحققوا الكثير اللهم خبرة لا يهتم بها وصوت بح فلا يسمع وان سمع فلا يفهم.

لا ازعم أن ما يطرح ذوي الخبرة والاختصاص هو حلول ناجعة؛ بل غالبا ما يكون طرحهم استعراضا وصفيا للمشكلة ويخلص الكل في كتاباته طالت أم قصرت إلى عبارات متعددة الصياغة، “أن البلد بحاجة إلى مراكز دراسات” وليس مركزا واحدا يتعامل مع مخلفات الماضي وركود الحاضر لما سنواجه بل نحن فعلا نواجه منذ بضع سنين.

البلد يعاني من فقر إداري متراكم ونبرات نشاز عدمية لمعالجة المشاكل وصوت عالي دون أن يملك البلد مواجهة تبعات هذا الصوت وصداه، ومازالت خيارات المسؤولين لمستشاريهم أو من يكونون في مواضع الدراسة والقرار ترتكز على الولاء والطاعة وراحة البال وتبرير الأمور ولا نرى معالجات أو أفكارا لعلاج موضوع لن يحل مع مرور الزمن وإنما تتعاظم مشاكله وتلتف على بعضها بعقد سيكون يوما ما هنالك استحالة لحلها دون دفع أثمان باهضه، فإبقاء الوضع على ما هو عليه والزمن يمشي والمحيط يتطور؛ هو قرار ألاّ يصنع قرار سواء عن علم وتفضيل السلامة بالسكون أو عن جهل لضعف مؤهلات من وضع موضع القرار وغالبا ما تجتمع الحالتان، وتبقى الحاجة قائمة لبناء ما كان ينبغي بناءه منذ زمن لعلنا نتدارك الأمر.

الإبداع العلمي

ليس من النجاح أن يدخل الماء من الشمال ليخرج من الجنوب أو نراه وقد امتد إلى الضفاف فنرتاح نفسيا، المهم ما نفعل بهذا الماء، وان كان الوقت والعراق يمر من حصار إلى مشاكل داخلية وخراب بينما الآخرون مشغولون في بناء بنيتهم التحتية، وربما تركيا التي دوما يركز الكتّاب عليها في المياه بحكم أن الكمية الكبرى تأت من منابعها رغم أنها لا تمثل اكثر من 20 بالمئة  من مساحة الحوض لكنها الأوفر بالينابيع والثلوج، هذه الدولة بدأت من نمو تحت الصفر عام 2002 لتكون الآن ما نراها وهذا ليس اعتباطا وإنما هنالك خبراء تداولوا المهام ليرتقوا بهذا البلد صناعيا واقتصاديا، وأما المياه فقد استشرفوا ما يحصل منذ زمن بعيد فبنوا السدود ذات المهمتين، الخزن عند الوفرة، وجمع ما يمكن وبتوزيع جغرافي يخدم اجتماعيا واقتصاديا البلد واستقراره عند الشحة، ومازال دجلة يجري والفرات في العراق ونقف حائرين يهددنا الطوفان بالأمطار، ذلك لان البنية التحتية غائبة مع توسع للمدن بلا ضوابط وترك القرى خاوية لأنها تحت وطأة الظروف أضحت مكانا ليس صالحا للعيش، وهذا له اثره من الناحية البيئية والاجتماعية والاقتصادية بل العراق بلا إنتاج عمليا، ولابد أن تعود الناس لأماكنها وهي تحمل معها مشاريع تفيد الأمن الغذائي للبلد من ثروة حيوانية وزراعها ومصانع تقوم عليها…. لماذا اذكر هذا؟ لان هذا كله لا يأتي بلا ماء، والماء لن يأتي بشتم الجوار أو انتقاد من حول المجرى كحل غريب لن ينفع على المدى الطويل أو خزن المياه وهي تتجه نحو الجفاف…… حوض دجلة والفرات يحتمل تعرضه للغياب، ويحتمل أن يفيض فلا توجد ملامح دراسات تبت في هذا اللهم إلا من يفكر بعقلية المنجمين، ولا تعاون واضح بين دول المنبع والمصب ولا اتفاقيات عدى اتفاقية الجزائر 1975، وبغض النظر عن الاتفاقيات فالظرف الآن يهدد الجميع ولابد أن يتعاون الجميع لحله، الوزارة في أي فرع من فروع الطاقة، النفط ، الكهرباء، الماء، ليست وزارة وظيفية وتمشية أعمال يومية، وإنما هي وزارات استراتيجية للبلد وقيام دولة، المشاريع فيها لا ينبغي الحديث عن صيانتها إلا عندما تبلغ ما صممت له، وإنما الحديث ينبغي أن يكون عن علاج وحلول لتأهيلها لمهمتها، العراق تخلف كثيرا وضاع منه وقت كثير  عن دول تقدمت بلا نفط والنفط ما لم يستثمر طاقة مهدورة، لذا فنحن نحتاج إلى قادة مبدعين قادرين على العمل بروح الفريق وتحويل الموارد البشرية إلى موارد منتجة اهتمامها بالإنتاج ورقي البلد.

من هذا الملخص نأتي إلى امر جامع، نحتاج ببساطة إلى رؤية واضحة وتعاون حقيقي بين الدول الأربعة، وربما أن تكون معها دول الخليج والأردن للقيام بتخطيط لمشاريع استراتيجية تواجه الوضع الغامض القادم وكشف غموضه بتعاون بين هذه الدول….. إذن لابد من قيادات مبدعة ومراكز دراسات حقيقية منفردة ومشتركة، وفضاءات التكامل في إدارة الموارد المائية والطاقة عموما لان ما يقال اليوم لا أستطيع أن أقول انه علما أو حلولا وإنما في أحسن أحواله تشخيص، وما خلا ذلك من خيارات فهي عدمية العجز عن إيجاد الحلول وتنجيم.

{  مهندس استشاري



الجمعة، 21 أبريل 2023

57 -هل آن الاوان لتقاعد الاخوان

 



فشل منظومة الحداثة

عاملان يتفاعلان مع الإنسان بتأثير متبادل، هما الحضارة وهي في معناها الفكر المشكل للهوية وإطار الثقافة للأمة مهما تنوعت أو تعددت في تركيبتها، والمدنية التي هي تراكم للجهد البشري ككل لكنه يتطور في كيان مدني؛ دولة أو بقعة جغرافية عن غيرها وبأشكال متعددة. فنحن نرى بلدانا كالولايات المتحدة والصين تتصدر تنمية المدنية وتتسابق بها لدرجة تبدو أنها تفقد السيطرة على مساراتها، وتأخذ الدول الأخرى كالدول العربية دورا استهلاكيا، بينما هنالك دول نامية في ثورة التنمية كتركيا وكوريا، ويمكن أن تجعل اليابان في رأس القائمة لبعض الإنصاف؛ وتقدم في جوانب عسكرية إضافة لجوانب صناعية مثل باكستان والهند وايران.. التصنيف هنا ليس على الصناعة فحسب وإنما الكفاءة ومعالم التطور.

الولايات المتحدة التي حاول سياسيوها الانعزال عن امتدادهم الأوروبي، لم يكونوا بحاجة إلى أيديولوجيا أو سردية تجيب على أسئلة كبيرة وكذلك دول أوروبا، بعد أن أقنعوا أنفسهم بما فعلوه ويفعلونه بمعيار النفعية والبحث عن المتعة والرفاهية. أوروبا استسلمت لقيادة وتأثير الولايات المتحدة، والعالم بدا غير مقاوم بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، لكن نظامها ويتبعها النظام الأوروبي فاقد لفلسفة يستمد منها الثبات أمام المتغيرات مع تقارب المسافات وصغر العالم بتقدم التقنيات والمواصلات والاتصالات.

وكان للإنترنت دور كبير في هذا من ناحية إيجابية وأخرى سلبية، فهذه الاتصالات سارعت العالم ودوران الفكرة وتساقط الكلمات وإعادة تشكيل الجُمل، والميل للاختصار وقراءة الجمل وإعطاء الحلول التكتيكية، وهذا يثبط بناء الاستراتيجيات أو التفكير الاستراتيجي على المدى الطويل ويغير آلية حل المشاكل، وربما يسبب ألما لفئة أو شعب، عن طريق التعامل وفرض الهيمنة من أجل قوة الاقتصاد المبني على القوة وإخضاع الدول ذات مصادر الطاقة والثروة، كما أمسكت ورقة حماية الخليج ولم تك مخلصة بها لأنها كانت تعتبرها ورقة مساومة لإخضاع دول أخرى بطرق مختلفة، رغم أن قوتها الاقتصادية أغلبها تعتمد على بيع النفط بالدولار، إلى أن وصل جيل جديد للحكم لم يعد يحتمل هذا الأسلوب ورأينا حراك التغييرات الجيوسياسية الحاد في المنطقة، ذات الشيء حصل تجاه دول أخرى كفرنسا في أفريقيا.

أمريكا تصدرت العالم وفشلت في قيادته، فالقيادة تحتاج الى فلسفة أيديولوجية ليست متوفرة في الولايات المتحدة، فما لديها قيمة النفعية التي تجمع بها مجموعة من الآليات فشلت في أن تكون أيديولوجيا رغم ما يتكلم به السطحيون والمنبهرون في مجتمعات غيرها، وهم يرون منظومة السلوكيات التي نضجت لضرورات التعامل والتوازن المجتمعي؛ لتكون ثقافة محمية بقوة وصرامة القانون الذي يعني التفكير باختراقه اختراقا لنمط الحياة ككل، والذي بات اليوم مهددا وكأنه انتحار ذاتي بدواعي الرفاهية والمتعة والبحث في الضياع، لنرى الشذوذ الجنسي المقدس، وإرغام الآخرين على تبني قيم شاذة، وهذا يجعل من الولايات المتحدة ومن يشبهها في الغرب يشكل خطرا على البشرية دون أن يفكر دعاة الشذوذ والحكومات التي تحميه بمدى خطورة ذلك، مرتكزة على قوى يمكن أن تتهاوى في أية لحظة واقتصاد يعتمد دعائيا على تلك القوة، والحقيقة أنه يعتمد على اقتصاديات بلاد هي أول من يحس بالتهديد لمثل هذا المسخ والتشوه في النظام الدولي.

منظمات إسلامية منتهية الدور نحتاج منظومات بديلة:

في عالم تتأرجح فيه القوى المدنية العظمى لا بد من إيقاظ فلسفة فكرية تستطيع أن تنقذ العالم من هذا التيه، والظاهر من الإسلام هو ليس الإسلام نفسه وإنما صيغ مشوهة عمدا أو نتيجة تمشية سياسات الإخضاع والأطماع من دول محلية في العالم المسمى بالإسلامي، أو من دول خارجية متعاونة مع وكلائها الذين أورثتهم السلطة.

منظومة كمنظومة الإخوان المسلمين، من الواضح أنها شاخت وأخذت بالتفتت نتيجة الرغبة في الحفاظ عليها، إنها منظومة لامست إتمام 95 سنة على انطلاق فكرتها من مجدد توقفت عنده عملية التوسع والتماهي بشكل استراتيجي من أصل الفكرة، وإنما كانت براغماتية ارتجالية تقف عندما يطلب منها تجاوز الخطوط الحمراء.

إن أي منظومة تعبر جيل ولا تتحقق في ريادة الحكم وهي ترتكز عليه في فكرتها لا بد أن تتقاعد لأنها لم ولن تتغلب على التحديات، وهذا ظاهر الأمر لكن في داخلها تقوقعت وجف ينبوع التطور فيها منذ زمن؛ وتعتبر أي تغيير أو تعديل هو تهديد يتناغم مع التحديات. هذه المنظومة لن تنجح لأنها عندما تستلم السلطة ستحكم بقوانين الطغاة ولا بديل لديها لأنها تعيش في الماضي، ولم تنتج ما يقود حاضرا تستلمه وتركز على الولاء وتعطي درجة أدنى للخبرة، فلا قانون الطغاة يحكم الطغاة أو يدينهم ولا يعيق امتداداتهم التي هي أسوأ منهم. إذن هي الثورة المضادة فيظهر فشل منظمة لم يكتشف فشلها نتيجة المحرمات على التجديد الفكري والوقوف عند علوم الأقدمين، بل تقديسها واعتبارها ثوابت لا تُمس وقد يُعزل مخترقها.

وهنا كان الاختراق عشوائيا وأنتج أناسا ناقمين على الحركة متطرفين في ردود الفعل ضد كل السلمية التي فشلت في تحقيق شيء، ونتج أيضا أناس يقدسون الماضي بأنه النموذج الذي لا يطال وانحصرت مثاني القرآن المكتشفة على التغني بما يكتشفه متحررون نسبة لغيرهم كالغزالي والشعراوي، وأصبح العداء مع الأنظمة القائمة سمة أو تعاونا منقوصا مشروطا والخطأ في جمود المنهج وتقديس الأثر القريب والبعيد.

الغاية من هذا الكلام ليس توصيف أسباب ما آلت إليه الأمور ولا انتقاد الحركة، وإنما القول باننا بحاجة كأمة إلى فكر يستقرئ الواقع لاستنباط ما يقود هذا الواقع لإنقاذ البشرية؛ فما يحصل من تقليد أو الانبهار أو التبعية هو ظلم للآدمية وقيمة الإنسان.

إنشاء منظومة جديدة بفكر جديد تؤسس لفكرة حكم رشيد تفيد منه النظم الحالية لإصلاح ذاتها وتقوية وضعها؛ أمر مهم لأننا أمة ضائعة بلا هويتها ولا بد أن يضحّي الكل ويصغي لحركة التاريخ خشية عبور طيات الفكر، ونحن في سبات أو نقتل الأمل، فليس معقولا أن تستمر الأمة في صراعات داخلية ولا تتصالح مع نفسها وتنتج فكرها وتفيد من ثرواتها الحالية والقادمة في الطاقة العالمية، ليس معقولا أن يكون الصراع بين الحكام ومنظمات الإصلاح وإنما ينبغي أن يتفقوا على كلمة سواء لتوحيد الجهد والبناء المجتمعي والقيمي التدريجي مهما امتد من زمن، وتكون عكازة يستند القوى العظمى عليها وتضربها بذاتها أو بخلافاتها مع النظم؛ بينما هي مؤهلة إن فكرت استراتيجيا أن تقود العالم إلى الرفاهية والكرامة الإنسانية والسلم العالمي والحديث عميق لم نتغلغل إلى أعماقه.

نشرت في العربي 21

الرابhttps://arabi21.com/story/1507938/%D9%87%D9%84-%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86ط

الجمعة، 14 أبريل 2023

56 - الدولـــــــــــة الحديثــــــة واشكــاليــــــــة فهمهــــــــــا

 



مفهوم المواطنة ما بين وثيقة المدينة والدولة الحديثة:

من المعلومات التقليدية التي احتواها جهازنا المعرفي عن مفهوم الدولة، أنها تعاريف طوباوية ليست حقيقية عند التطبيق. ومن هذه التعاريف أن الدولة هي عقد اجتماعي يُتفق عليه في الأمة لتقوم هذه الدولة من خلال تفويضها بمهام خدمة المواطن بالنيابة، كوظيفة بعلاقة تبادلية تعطي بعض الصلاحيات لحفظ النظام وتضارب المصالح من خلال قوى تسمى القوة الأمنية؛ كشرطة لحماية الداخل وجيش لحماية الحدود للدولة الوستفالية، أو لما عرف قبلها للتوسع وجلب الغنائم أو الدفاع عن البلاد المشمولة بالنفوذ من الطامعين. هذا بكل تبسيط مفهوم الدولة بشكل عام.

وان أردنا أن نفهم معناها بالنسبة للإسلام، فهي تراتيب إدارية تتوسع وتتقلص وفق الحاجة وإدارة الموارد مع حاجات الناس، وبرأس منتخب فعلا وليس مختارا كما في الديمقراطية. ولكن معالم هذا الانتخاب لم تتبلور جيدا، فقد حصلت الفتنة لتتحول الدولة إلى مَلَكية، تاركة أثر الرسول ﷺ في تحديد أول وثيقة تؤسس لمفهوم المواطنة الذي لم يحافظ عليه تماما؛ بتغلب النبرة القبلية مع الملكية الأموية والعباسية وما تلاها من حكم السلاطين، الذين لم يراجعوا بل لم يسمحوا بالمراجعة، حتى عندما اعتكف معاوية بن يزيد ناكرا أن يكون هو الخليفة الشرعي لمجرد انه ابن يزيد، الذي مات موتا غامضا تاريخيا لتنتقل السلطة إلى البيت المرواني، فكانت دولة بمواصفات عالية عند عبد الملك بن مروان.

الخطأ الذي نفسر به ما يحدث في الحداثة من تقلبات تصل لصناعة حرب هنا وهناك أو حرب عالمية كبرى؛ هو جهازنا المعرفي الذي ينسب السلوك إلى الأخلاق بافتراض التطابق؛ بيد أن السلوك ليس الأخلاق، لأن السلوك فعل على الأرض والأخلاق قيمة


وثيقة المدينة تمثل حالة متطورة من المواطنة التي تثبت العلاقات وحقوق المواطنين بينهم وبعضهم وبينهم وبين الحاكم الذي بويع حينها، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يتصرف في الحكم كأي بشر.

مفهوم المواطنة في الغرب لم يك واضحا بعد النهضة، لكنه اتخذ شكلا ليس متعاملا في الحقوق فحسب بل إن المواطن هو صنيعة الدولة (وهذا الوصف أتى دقيقا من الدكتور وائل حلاق)، فالمواطن محدد بقوانين الدولة حتى في طريقة تعبيره عن رأيه، وإن أي خروج عن هذا النمط يعني أنه خارج عن القانون مهما كان. وأقرب الأمثلة هو رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب ومحاكمته، وهذا ليس من باب العدالة وإنما خروج عن النمط أو لإقرار مصلحة ما لأصحاب المصالح.

الخطأ الذي نفسر به ما يحدث في الحداثة من تقلبات تصل لصناعة حرب هنا وهناك أو حرب عالمية كبرى؛ هو جهازنا المعرفي الذي ينسب السلوك إلى الأخلاق بافتراض التطابق؛ بيد أن السلوك ليس الأخلاق، لأن السلوك فعل على الأرض والأخلاق قيمة. وناقشنا الفرق في مقال سابق، فالدولة الحداثية بمفهومها المختلف نشأت مع ثورة التنمية (development) التي سميت بالنهضة (Renaissance). فالنهضة أساسا ينبغي أن تقوم على أسس فكرية حضارية، بينما التنمية تقوم على جوانب التطور المدني، فهي احتاجت إلى المواد الأولية من مصادرها فذهبت لاستعمار مناطق.

وما يعرف من تفاصيل في هذا الأمر، فإن أساسها خال من قيم أخلاقية ما عدا قيمة النفعية التي ما زالت تحكم الحداثة وتتحكم بالسلوك حتى تبدو ثقافة مجتمع وهي لم تعد بمكارم الأخلاق، بيد أننا نجد تمردا إيجابي عليها في ظهور ردود فعل إنسانية، أو سلبية نلاحظها في عالم التشرد والجريمة ومراوغة الدولة وقوانينها.

محاولة مواءمة الحداثة الحالية مع الإسلام، مع الاحتفاظ بقوانين الحداثة، هو أمر كمواءمة حصلت سابقا بين الفلسفة اليونانية الوثنية بنظرية الفيض وبين الإسلام التوحيدي، وكانت إحدى مشوهات التفسير وظهور شريعة تكاد تشوه الإسلام ومقاصده عبر التاريخ


وربما يستنكر مستنكر أن ما يراه في الغرب مراعاة للإنسان، فإن هذا منطلقه فلسفة النفعية وضرورات استقرار الحياة لنمو المدنية، وهذا يتضح بعنصرية معاملة "الآخر" اليوم في الغرب.

الموائمة المشوهة للحضارة الفكرية

محاولة مواءمة الحداثة الحالية مع الإسلام، مع الاحتفاظ بقوانين الحداثة، هو أمر كمواءمة حصلت سابقا بين الفلسفة اليونانية الوثنية بنظرية الفيض وبين الإسلام التوحيدي، وكانت إحدى مشوهات التفسير وظهور شريعة تكاد تشوه الإسلام ومقاصده عبر التاريخ، إلى أن ظهر فكر المقاصد وهو محاولة للتخلص من القيود التي باتت مقدسة في الاجتهادات، وظهور مصطلحات تؤطر شيئا لا يؤطر بمعنى التقييد، كالفكر الإسلامي العالمي والعابر للزمكان، ولكن لم ينفضه لاستمرار مجاملة المنقول. وهنا نجد محاولة تقريب بين لا جذور الحداثة وجذور الفكر الإسلامي، وبين لا أخلاقية الحداثة الحالية والمرتكزة على النفعية، وبين منظومة قيمية أخلاقية تعتمد على الإنسان المالك للأهلية التي فُقدت مع تشويه الإسلام ونظام الحكم، فأصبح الإنسان في عالمنا بلا أهلية ومسلوب الإرادة لكل من حكم من خلال تشريع ولاية المتغلب وهيمنة المؤسسة الدينية.

أين المشكلة:

المشكلة أساسا بدأت بطريقة نقل الغرب للمدنية ومحاولة إنكار دور العرب والمسلمين فيها، فنقلها بلا ثقافة بيئتها مع مجموعة من الأكاذيب في المراجع لتثبيت هذا. المدنية تراكم للجهد البشري تنتقل وتتطور، ولا يمكن أن تكون بلا أطر أو تتطور وهي نائمة.

والحداثة كانت فكرية منذ مجيء الرسالة الإسلامية ونشوء ما نسميه اليوم بنظام الدولة القائم على القيم والشريعة، هذا النظام طور صيغ الدولة وأسس لها بشكل واضح وجدول العلوم وارتقى بها، لكن الغرب عندما أخذها؛ أخذها منزوعة من القيم المضافة إلا ما علق بها ولا يمكن التخلص منه، وهو ما جنّد في النفعية إلى تصرفات سلوكية. أما عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة فكان عزلا آخر مع الغرب نفسه، لتتوالد سلوكيات مرتبطة بسطوة القانون وقوته وتمجيد الدولة والرضا بسيادتها، حتى وأنت تحتج على أي شيء وتعود إلى بيتك لتنام بسلام أو ترفض كل هذا وتكون في الشارع مشردا عرضة للممنوعات ومساءلة القانون في أي وقت، القانون الفصل الذي متى ما حصلت الفوضى أصبحت السلوكية الواضحة بلا قانون أو السلوك بلا إنسانية عندما يبيح لك القانون قتل أي مصدر للخطر.

نحن أمة لديها كل مقومات قيادة نهضة عالمية بلا حروب أو إسقاطات فشل الحداثة التي تحتضر؛ وليست قائمة إلا لفقدان البديل ولن تطيل عمرها حرب كونية أخرى


عزل الحداثة عن جذورها الإسلامية هو عزلها عن منظومة قيمية ونظام تكافلي حسي وعقد اجتماعي، وليس سيادة السلطة الظاهرة أو الباطنة متمثلة بأصحاب المصالح الذين سماهم لينين الرأسماليين.

كيف يمكن للحركات الإسلامية أن تتماهى مع هذا؟ لا يمكن طبعا فتقول إن الديمقراطية ليست الطريق! الحقيقة أن المشكلة ليست في الديمقراطية فهي آلية، لكن المشكلة في فهم معنى الدولة الحديثة الطوباوي عند الإسلاميين، ومزج القيم مع منافسين لا يتعاملون بها فتكون واهية من السهل فيها انتزاع السلطة من قبل أي مغامر أو مجنون.

إننا بحاجة إلى حكام ونظام ذي أهلية يفهم معنى الإسلام، ينظر إلى الأمام لا الخلف وفي سقطات التاريخ، وفتح مثاني القرآن (طياته) للبحث عن قيادة واقعنا واختيار الناس وفق معايير سليمة؛ وليس وفق معايير جعلتنا أمام العالم بموقف العبد الثري الذي يشتري له سيدا يرأف به. ونحن أمة لديها كل مقومات قيادة نهضة عالمية بلا حروب أو إسقاطات فشل الحداثة التي تحتضر؛ وليست قائمة إلا لفقدان البديل ولن تطيل عمرها حرب كونية أخرى.

رابط النشر الاصلي في العربي 21

https://arabi21.com/story/1506577/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D8%A9-%D9%88%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%87%D9%85%D9%87%D8%A7

الجمعة، 7 أبريل 2023

55 - لماذا نحن متخلفون ...... الجزء الثاني

 



العالم اليوم وضرورات الفهم:

العالم اليوم يعيد التموضع من جديد، وهي ضرورة لاستعادة المرونة في مفاصل الحداثة المتجمدة العاجزة عن تحقيق السكينة للإنسان الراكض من أجل الحياة. ونحن اليوم في هامش هذا الحراك اللهم إلا من صرخات احتجاج أو تململ، لكن بلا استراتيجية أو تحديد منطق أهداف تتابع إلى غايات محددة، بل نجد أنفسنا ننتقل من معسكر شرقي إلى معسكر غربي أو من معسكر غربي إلى معسكر شرقي، لكن لا كينونة لنا بل نتناحر مع بعضنا أو نتفق اتفاقا مهلهلا كالغربال لأننا لسنا في تصالح مع أنفسنا ولا نعرف العمل الجماعي، وإنما الأمم التي تفرقت بإزاحة الإسلام عن حياتها العملية أضحت تبحث عن سيادة وهمية فلا تتفق إلا بسيادة الغرب والشرق عليها.

انطباعات تعزز التخلف:

1- لقد استطاع المستعمرون والقوى الضاغطة المهيمنة ترسيخ الدونية كإحساس في الأمة من خلال توطين السلطة بيد أناس متناقضين متضادين، أو عسكر منقلبين يتبادلون السلطة يبعدون مواطن النهضة ونخبها بأي أسلوب وتحت أي تهمة، ليرسخوا هذا الإحساس بالفشل والتخلف، وإبقاء الماضي المقدس الذي يلتفت إليه الجميع حتى النخب؛ فهي تسير غير منتبهة لخطواتها فتسقط في الحفر ولا تنتج أكثر من إحباط متزايد وعجز مترسخ.

رغم أن علماء الكيمياء والفيزياء كانوا تاريخيا هم فقهاء في الدين، نجد إسقاط النموذج الغربي في فرض العداء بين الدين والتطور المدني، حيث ينهض الغرب حتى تخلص من سطوته لأنه كان قامعا للعلم وأهله، رغم وجود بعض من اهتم بالعلم من رجال الدين، لكن اهتمامهم هذا مزج بنقلهم للمدنية بلا جذورها نتيجة التعصب فولدت المدنية والنمطية الغربية خديجة ثائرة، لتسقط الدين من حسابها وتتجه نحو الحداثة بفكرة النفعية والمتعة


2- إسقاط التاريخ الأوروبي ومقارباته حول العلاقة بين الدين والدولة، ونحن نقرأ في التاريخ أن ومضات الأمة الصاعدة عندما تقترب من الدين وتنخفض بابتعادها وميلها إلى السطوة والسلطان.. فرغم أن علماء الكيمياء والفيزياء كانوا تاريخيا هم فقهاء في الدين، نجد إسقاط النموذج الغربي في فرض العداء بين الدين والتطور المدني، حيث ينهض الغرب حتى تخلص من سطوته لأنه كان قامعا للعلم وأهله، رغم وجود بعض من اهتم بالعلم من رجال الدين، لكن اهتمامهم هذا مزج بنقلهم للمدنية بلا جذورها نتيجة التعصب فولدت المدنية والنمطية الغربية خديجة ثائرة، لتسقط الدين من حسابها وتتجه نحو الحداثة بفكرة النفعية والمتعة، وهي تتطور طبيعيا لنرى اليوم ما وصلت إليه من طرق مسدودة ببعد المنظومة الأخلاقية الإسلامية التي تحولت محض سلوك نفعي في المعاملات الغربية عند نقل المدنية بلا عناوين إسلامية.

3- خطأ تفسير أحاديث العلم: في العصور المتأخرة تكونت المؤسسة الدينية التي لا وجود لها في الفكر الإسلامي، ففسرت العلم النافع بأنه العلم الشرعي وقدست مخرجاته لدرجة احتكار الحقيقة، وهذا أدى إلى اجترار رهيب لمقومات التخلف الذي ما زلنا فيه، بينما العلم عام وهو يشمل الطب والهندسة والفضاء والفلك والفلسفة وكل ما يقود العالم اليوم من علوم الفيزياء والكيمياء والإلكترونيات.

مخرجات واقعية

مخرجات ما ذكرنا أعلاه هي واقعنا هذا، فمقالتي هذه لو يكتبها شخص أوروبي لكانت متداولة في فضاءات التواصل ويشار إليها كدستور لا يأتيه الباطل من خلفه أو بين يديه، فقناعة الناس بتفوق المستعمر بل التخلق بسلوكياته القشرية، والابتعاد عن مصادر القيم التي تتفق مع السلوكيات النفعية لكن بقيمة دينية وأخلاقية، بينما السلوكيات النفعية توجد حيث المنفعة واللذة وتختفي في غير ذلك. ولا يخلو الإنسان من فطرة الطيبة لتكون حالات إنسانية لا تكاد تميزها عن كونها شاذة، بل هي النموذج الحقيقي لأخلاقيات نُقلت لسلوك بلا أصلها الفطري.

معالم النهضة

1- الاقتصاد: المستعمر ترك محددات واتفاقيات بحيث لا يكتفي البلد الغني ذاتيا، بل تبقى المجاعة مع سوء الأنظمة التي لا تقوم بكفالة مواطنيها وتنظيم حياتهم إيجابيا رغم تدخلها بالتفاصيل وقمع الناس، بل إن ما خُلق من فتن حدد التكافل المجتمعي وبقايا الثقافة الإسلامية. ولم تقم الدولة بهذا الدور كما يحصل في الغرب، ولا تهتم بأبسط احتياجات المواطن والحياة من صحة ومعاش الكفاف وحاجاته اليومية وما تتطلب من تسهيلات كالبنى التحتية وتوابعها، كالطاقة والرفاهية بأبسط صورها؛ فبقي الغرب القدوة وتقليده بما نرى ما يقود للتفاهة والاستخفاف بالقيم ولليس بالتطور المدني أو الاستلال الذاتي؛ لأن من يحكم غير مؤهل لهذا بل يمنع من يصل إلى السلطة وله تلك القابلية من خلال الانقلابات أو الديمقراطية المشوهة التي لكم تكتسب التأهيل في مجتمعنا.

2- قيام دولة حقيقة وليس سلطة، وهذا يأتي من خلال ناس لهم الأهلية.

3- تطوير العلوم ومنها علوم الدين بفهم واسع ولكل الأديان، والإسلام بالذات لكونه ثقافة ونظام مجتمع ونمط حياة يمكن أن يتعامل مع الجميع إن فُهم بشكل صحيح؛ وليس بالمسخ والتشوه المصنّع الذي نراه، وهذا أمر معروف فلإسلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

كيف نحقق ذلك:

إن أول ما نهضت عليه أوروبا أنها أدخلت ما يشبه مراكز الدراسات، هذه تحدد كل المتغيرات وتدرس الأوضاع وتفاصيل متطلبات الاقتصاد والسياسة والعلوم، وهو أمر عندنا موجود بشكل مظهري ليس فعالا.

إنشاء عملتك بدعم ثروتك:

إن أهم معالم الاستقلال الاقتصادي هو استقلال العملة والقدرة بالتحكم بالثروات، فبلدان نفطية لا بد لها من عملة مدعومة بالإنتاج المحلي الطبيعي أو المنتج كالنفط والثروات التي يمكن أن يؤسس لها في استثمار عوائد النفط، بدل إنفاقها على شراء النوادي الرياضية والسيارات واليخوت ورفاهية لا يتمتع بها الحاكم الذي يقتنيها لأنها أمر غير منسجم مع البيئة، ويعتبر المؤرخون إنشاء عبد الملك بن مروان العملة الخاصة بداية عهد الدولة القوية حقيقة.

اليوم نواجه أزمات في المياه والاقتصاد والحروب التي تنظر لمنطقتنا كجائزة الفائز للهجوم عليها مستسلمة وافتراسها، فلا بد من خلق نوع من التكامل الإداري والسياسي وبناء استراتيجيات وأيديولوجيا متكاملة غير متضادة تتعاون في كل شيء، ولا تتنافس سلبيا أو تتبنى السلبيات التاريخية وتعظمها فتكون هي أساس الأيديولوجية أو مغذيات الصراع


لقد استثمر الغرب الذهب المسروق والمعادن الثمينة من أمريكا عند اكتشافها ببناء بنية صناعية وتحتية ومراكز دراسات تجيب على أسئلة النهضة، وما زال الغرب يسرق أفريقيا ودول العرب والمسلمين؛ وهم جياع يعيش بعضهم على النفايات وفي العشوائيات بلا سياسة اقتصادية أو إدارة للموارد بكل أنواعها أو إمكانية التعاون فيما بينهم. الفرصة اليوم مواتية لإنشاء اقتصاد خاص بدل دعم اقتصاد دول أخرى.

التكامل في إدارة الموارد:

اليوم نواجه أزمات في المياه والاقتصاد والحروب التي تنظر لمنطقتنا كجائزة الفائز للهجوم عليها مستسلمة وافتراسها، فلا بد من خلق نوع من التكامل الإداري والسياسي وبناء استراتيجيات وأيديولوجيا متكاملة غير متضادة تتعاون في كل شيء، ولا تتنافس سلبيا أو تتبنى السلبيات التاريخية وتعظمها فتكون هي أساس الأيديولوجية أو مغذيات الصراع.

ولا بد من تطوير العلوم مثلا كيف نطور الطب والهندسة وبحوثهما والإدارة والصناعة بشكل مشترك مؤسساتي، والابتعاد عن السرديات التي تخاطب الغرائز ومنها التدين؛ إلى تحقيق المقاصد من أرقى عقيدة وثقافة، بالبحث فيها بما يقود الحياة والمستقبل وليس استحضار الماضي.

https://newsformy.com/news/1621667


الأربعاء، 5 أبريل 2023

54- ومضات جيواستراتيجية

 



أوكرانيــــــــــــا وروسيا:

في أول مقال حول حرب أوكرانيا ذكرنا أن هنالك حاجة لتفهم وضع روسيا الجيواستراتيجي، وما يحتويه من متطلبات مهمة على مرونة الحركة لأساطيلها البحرية التجارية والعسكرية وكون البحر الأسود والقرم ومنطقة جنوب أوكرانيا الحالية لمنطقة مصب الدنيبر، وتبقى المنطقة الأخرى من أوكرانيا منطقة نفوذ لروسيا وليس لحلف الأطلسي أي امتداد فيها.

الحرب الروسية الغربية من خلال أوكرانيا واقع حال لكن إعلانها يحبطه الخوف من حقيقة وجودها الا أن هذا لن يمنع اندلاعها مع انتقال أمريكا للضغط على الصين ذلك التنين الذي يتحرك ببطيء ويتثاءب.

الولايات المتحدة:

مذهب الولايات المتحدة الإسبرطي المتوافق تماما مع نشأتها ونوعية النفسية والعقلية التي قامت عليها والتي تدارت لضرورات النفعية والنظام الرأسمالي وتطور إدارته وتكامل مستمر في سد الثغرات، هذه كلها تجعل الاسبرطية تحيط بسلوكية الولايات المتحدة الخارجية، فهي إن بنت في الداخل وهو موضوع به تفاصيل كثيرة، فان الهدم ما تفعله حقيقة تحليل سلوكها خارجا، لا تتعامل من خلال منظومة قيمية والخارج لأنها ستتضارب مع قواعد النفعية في الداخل وهذا يعني أن حكامها في امتحان سؤال التوازن الدولي والعالم الخارجي المتكرر لأنها لا تجيد سياسة دون الإخضاع، وهذه تجعل الخاضع ورقة مساومة والمقاوم لها خصم تجري عليه خطوات الاحتواء، وهي تبدو ظاهرا نوعا من التفهم لكنها واقعا إحكام السيطرة وصبر القط على فريسته لا تهجم إلا على عندما لا تتوقع أية مقاومة أو عون من احد.

دول الخليج

دول الخليج دول مهام ولها أدوار في الجيوسياسة ولكنها ليست حرة التصرف بقناعتها بوجوب التزامها بحدود وتعليمات ما مقابل ما تظن انه حماية والتزام، لكن الولايات المتحدة لا التزام لها وإنما هو اعتبار أن هذا رضوخ وفق العقيدة الاسبرطية بينما عند القيم البدوية هي كياسة وعطاء للصديق خصوصا انه حليف وقت الشدة، وكانت بعض الجوار تمثل تهديدا واضحت مع مرور الزمن وسقطات وإخفاقات العلاقة بين الولايات المتحدة وبين دول الخليج أن تكون هنالك مواقف متعددة في الخليج من كل حالة، وهذا أشير هنا إلى وجوب إنهائه وفورا وليس من حاجة إلى اكثر من مصارحة وبغرض التفاهم والتنازل للبعض.

سوء التفاهم كان واضحا عندما يحدث موقف حيث يأخذ الحليف منه مواقف وفق مصلحته ويتصور انه سيأمر ويطاع بلا تفكير بينما يكون موقف العرب خلافه متجاوبا مع المخاوف التي من أجلها أقيم الحلف المنظور من زاويتين، وهنا يواجه برد الفعل القوي، حصل هذا مع الملك عبد العزيز ووزير الخارجية سعود الفيصل والملك فيصل الشهيد، ورد فعل سابق من سمو ولي العهد مثالا لا حصرا وإنما ظهر الأمر لان الموقف متابع من الأعلام.

الولايات المتحدة كانت تخيف المنطقة بإيران وسلوكيات إيران تؤكد تلك المخاوف لكن وان كانت تبدو الولايات المتحدة في حالة إرضاء لإيران حتى على حساب الكيان، فإنها واقعا تستنفر المنطقة لتكون بلا رد فعل عندما لا تجد رد فعل من الصين وروسيا وتركيا، عندما تأتي ساعة احتواء أي دولة في المنطقة ومنها إيران وتحويلها العدو الأخطر في التعريف الجديد لقائمة الأعداء.... هذا التفكير الاستراتيجي الذي ينظر إلى هذه الاستراتيجية بطريقة وأخرى اتخذته دول من الخليج، السعودية نتيجة إغراق المملكة بسوء السلوك والفهم الأمريكي، الإمارات وقطر كل من خلال دوره في السياسة والمال والأعمال، وكان توجه السعودية لحسم الأمر مباشرة خطوة أنهت حالة التخويف المستمر والضرر بالمصالح دون وجود داع لهذا الخلاف الذي انتهى بمساعدة دول عدة كل بدورها وزمنها ليستقر القرار النهائي في الصين وهنا يأتي السؤال المهم، هل ينبغي أن تستغل هذه من اجل أي جهة أو يجري تفاهم وتعاون في الجانب المدني وإزالة أي محتوى قد يرى مصعدا للخلاف أو الإضرار بالمصالح، هذا راجح خصوصا وان ما حصل لا يهدف إلى استقطاب أو دخول محور على حساب محور، بل لإيقاف جر المنطقة هذه إلى أتون حرب قادمة نتيجة وضع الجدران وتخويفها بعضها من بعض.

التموضع لدول الخليج:

مرة أخرى نقول بضرورة تفعيل مجلس التعاون الخليجي ومهام إضافية له أيضا، وان يستفيد من التحول في السياسة تجاه إيران بشكل إيجابي، وان ينفضوا طريقة التعامل بالعطاء وانتظار الآخر للفعل لنقوم برد الفعل، وهذا التردد سيضيع فرصة تاريخية لتكون هذه الدول في مكان عليا بان تقود اقتصاد العالم وتؤثر في قرار التداعي نحو حرب متسارعة في منحدر، النفط هو من يدعم العملة، وان كانت تخاف رد الفعل فممكن أن تكون هذه العملة ليست موحدة مع دول الخليج فقط، هذا الموقف وضع الغرب نفسه به لأنه لم يتعامل بالتكافؤ وفق المعطيات علميا بين الغرب ودول المنطقة وإنما بالتمكين ومقومات القوة، وعدم الوفاء لدول قبلت أن تكون مواردها داعمة لاقتصاد الولايات المتحدة بقبولها الدولار كعملة تداول للنفط، أما أن الداعم هو الاقتصاد الأمريكي فالاقتصاد هو من قوة الدولار ولولا تلك القوة الآتية من النفط الخليجي بالذات لأصبح اقتصادا ذو مديونية مرتفعة جدا ومطالب بها.

ما هو المطلوب:

المطلوب هو إعادة التموضع الجماعي دون كسر طرف لطرف، ودون استغلال سيء، فمن مصلحة دول المنطقة أن يكون هنالك خليجا قويا بأطرافه واقتصاده، وإلا فالاحتواء له خططه وان نقصت أدواته فلا يُعجز عن صناعة أدوات جديدة

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...