السبت، 4 مايو 2024

102- نحو بناء نظام عالمي جديد لادمية مكرمــــــــــــة

 

 رابط العربي 21

هنــــــا


"الناس من خوف الذل في ذل ومن خوف الفقر في فقر" (الإمام علي بن أبي طالب رضي  الله عنه".

ما علمنا الله ونسيناه:

إن الله جل وعلا حدث الإنسان في كتابه العزيز عن مستويين من المعرفة التطبيقية، أنه تعالى خلق الكون وهو الرحمن ذو الجبروت القاهر، وهو الرحيم الذي كتب الرحمة على نفسه وأمر عباده بالرحمة والقسط؛ فلا ينبغي أن يغتر العبد ويظن أن من معالم التمكين ظلم العباد ودمار البلاد، أو إجبار الناس على قبوله مرغمين بكل ما يطرح من أكاذيب أو يقهر الأمة ويرغمها.

قال الحسن البصري رحمه الله: "قرأت في تسعين موضعا من القرآن، أن الله قدر الأرزاق وضمنها لخلقه، وقرأت في موضع واحد: الشيطان يعدكم الفقر، فشككنا في قول الصادق في تسعين موضعا، وصدقنا قول الكاذب في موضع واحد".

انطبع فهم التمكين مع القوة والهيمنة بل الظلم، وهذا ليس المعنى من التمكين، فالتمكين هو القدرة على تحقيق الأهداف.


وقال محمد الغزالي: "كل دعوة تحبب الفقر إلى الناس أو ترضيهم بالدون في المعيشة أو تقنعهم بالهوان في الحياة، أو تصبرهم على قبول البخس أو الرضا بالدنية، هي دعوة فاجرة يراد بها التمكين للظلم الاجتماعي، وإرهاق الجماهير الكادحة في خدمة فرد أو أفراد، وهي قبل ذلك كله كذب على الإسلام وافتراء على الله".

الظلم ليس تمكينا:

انطبع فهم التمكين مع القوة والهيمنة بل الظلم، وهذا ليس المعنى من التمكين، فالتمكين هو القدرة على تحقيق الأهداف، فليس التمكين في الأسرة مثلا هو التسلط على الأسرة، وإنما كيف نصنع المحبة التي يفشل كثير منا في صنعها، ليس أن تتسلط على زوجتك، بل كيف تكون لك رفيقا ودليلا في منعطفات الحياة.

انطباع الجهل والتخلف:

لقد اقترن التمكين عندنا بالقدرة على تحقيق وفرض رؤيتك وأفكارك، وربما سحق وإذلال من تراهم أعداءك أو منافسيك، أي التغلب، وهذا لا يمكن أن يمارس إلا مع عدو وليس مع من يعيش معك ومشاربه مختلفة، أي له دين آخر، عقيدة أخرى، رأي آخر، فهم آخر، فهذا كصراع الزنابير في خلية واحدة، وأسلوب اعتمده الأسبرطيين مع أعدائهم في المدن الأخرى، وتعتمده الولايات المتحدة في حروبها، ونحن نلاحظ في عصرنا كم الفشل والدمار للمدنية الذي يحدثه هذا الأسلوب، وزراعة وتنمية الأعداء، وتسريع ضعف منظومة الدولة.

الأفكار المتطرفة التي ترفض الآخر، لا تستطيع إقامة دولة صحية، بل تبقى كيانا هشا متعرضا لانقلابات ودورات التغيير، بشعب يزداد تفككا وفوضى، غير متصالح بين أفراده، وهذا ليس تمكينا؛ لأن التمكين يرافقه بناء وكرامة للإنسان الذي كرمه الله؛ والتحام للداخل بحيث يكون منيعا، أما هذا، فظلم وتحسس من الظلم، وصراع، ولا يقل عن وضع بركان لا تعلم متى ينفجر. والحقيقة أن تغيير هذا المصير عند أناس أحاديي النظرة ليس بالأمر اليسير، وإنما يحتاج إلى تمكين التوعية ومراكز دراسات وأفكار إيجابية وإعلام.

ليس حلا أن يجبر الناس على قبول الذل، فهذا أمر يستحيل استمراره، وليس حلا أن تخاف على الرزق خشية الفقر الذي يصوره هذا الخوف، وليس صحيحا أن تفرح بمظاهر تمكنك من ظلم الآخرين وقمعهم.

التمكين بالعطاء:

الناس عادة يأخذون موقفا عدائيا من الجديد أو حذرا على الأقل، فإن ظلما ثبت عندهم أنه طغيان واجب الإزالة ولو بعد حين، لكن احتجاجهم أو نقدهم للجديد لا يعني أنهم سيتخذون موقفا مضادا منه، فالأمور ترتبط برعاية مصالح الشعوب، ومن أجاد خدمة شعب ملك ولاءه، فالخدمة بصدق ورفع درجة الاستقرار والرفاهية، هما تمكين في داخل كل بلد.

التمكين بالعلاقات الخارجية:

في العلاقات الخارجية، غالبا ما تأتي الدبلوماسية كأسبقية في التعاملات أو الجبر عليها من خلال مرحلة حرب تتخللها، الإنسان ما زال في حالة تخلف في علاجه للمشاكل بعقلية المقاطعات والمدن، لكن العالم نتيجة التطور التقني والتكنولوجيا أضحى متقاربا يتأثر ببعضه، فعقلية التغلب والسياسة القذرة وسحق الآخر من أجل أن أحمي نفسي، تعبر عن ضعف في العقلية والنفسية والمسافة الشاسعة بين التنافر النفسي والعقلية المنحدرة، أمام التقارب الزمني والمكاني بحكم التقنيات الحديثة، لذا فمن الممكن أن يحل التوازن بالتفكير بأن السياسة هي كيف تصدق النصيحة والشراكة والحلول، وتعطي ما عليك من حق وتأخذ ما لك، تعيد النظر لترد مظلوميتك وظلمك في آن واحد.

أما الهيمنة والظلم، فهذا يدل على انحدار حضاري وخلل في التوازن بين التطور المدني والعقلية، وهذا ما نرى نتائجه على الأرض.


أما الهيمنة والظلم، فهذا يدل على انحدار حضاري وخلل في التوازن بين التطور المدني والعقلية، وهذا ما نرى نتائجه على الأرض، ففي العصور التي كان الحل فيها الاحتكام للسلاح قد يموت عشرات ومئات وفي الحرب العظيمة يموت الألوف، لكن التقنيات تطورت وبات يمكن بخطأ بسيط أن تبيد البشرية، أو تعيدها إلى عصر ما قبل التكنولوجيا.

المطلوب:

أن يطرح ويتبنى القادة العقلاء برنامجا أمميا لإعادة النظر في العلاقات الدولية، وأن يتبنى المصلحون برنامجا لترتيب البيت الداخلي لكل دولة، وتوضع دراسات تطبيقية وإصلاحية لإعادة النظر بكل شيء؛ لأن هذه الهزات بين الدول وداخل الدول تسبب الكوارث وستتعاظم الكوارث مع الأيام، والاستباق في التفكير والإجراءات يمثل ضرورة ملحة، ونحن نقترب من مشاكل بيئية وفي خضمها مشاكل اقتصادية، ومكانية تعالج بعقلية وقيم أزمنة ماضية، لا تتناسب وتفكير مطلوب للعصر.

إن القرآن الكريم بمثانيه، يحتاج مؤسسات فكرية لاستنباط الحلول الملائمة للواقع بفهمه وتحييد الجهاز المعرفي الموروث عند الجميع، الذي هو عنصر تخلف وصدام وليس رقيا للآدمية.

السبت، 27 أبريل 2024

101 - امـــــــة الزومبي





رابط عــــــ21ـــــــربي



من عبادة الأصنام إلى عبادة الأعلام

ملاحظات تحمل ألما أظهره باستحياء من أمه الزومبي، لمحة من سلبيات تحتاج حل لنحيا:

1- إن الناس يقدسون الأشخاص وينزهونهم لمجرد أنهم مشهورون أو أن هنالك ارتباطا مصلحيا معهم، بل يعظمونهم لدرجة الاستعداد لكسر أية طاقة واعدة قد تكون هي وسيلة إنقاذهم. هذه العبادة الخفية والجاهلية في العقلية والنفسية لكي يبقى هذا الشخص أو الجماعة في مرتبة المعصوم رغم أن غير عبدته يرون أخطاءه أو سوء أدائه في الليلة الظلماء.

2- ومعروف أن الناس باتوا يسمعون بألسنتهم ويتجهون مع الدعايات التي من الطبيعي أن تصاغ بشكل منطقي إن أريد تشويه سمعة البعض مجموعة أو أفراد حزب أم عشيرة، فنرى الحكم العام بالسقوط أو الارتفاع والنزاهة، فهو يبدو بالعقل الجمعي ما بين الكفر ببعض وعبادة آخر.

3- شعوب العالم تحتج على إبادة أهل غزة ونحن لا حس ولا حراك بل هجوم داعم للكيان من الإعلام، وشعب لا مظاهرة ولا احتجاج وحكام ذيول وعبيد. والعبد المتسلط أقسى من سيده في قمع أي محاولة لحرية إخوانه من المستعبدين، نفاخر بمظاهرات من اجل غزة في بلاد تحاربها، وتسير حياتنا كالزومبي، نعيب على الغريق أن يبحث عن شهقة.
لأننا تقليديون نرفض الإبداع والتغيير، نحمل أوزار الماضي فخرا وجاهلية أو جهلا ولا نرميه لنرتقي جبال الحياة الوعرة، ونمنع من يعيننا في شفاء العميان كيلا يرى أحد بدوائه فلا نصل القمة وحتى إن وصلنا فما لدينا إلا التقليد!

4- الناس لا يراجعون ما ورثوا من اعتقاد أو اتخذوا من انطباعات، رغم أن هؤلاء من درجة علمية عالية فلا يسعفهم منهجهم البحثي لتصويب أنفسهم نتيجة الانغلاق الفكري عندهم.

5- الحقيقة وامتلاكها شعور سائد على انطباعات بأدلة منطقية أو غير منطقية بحيث يعتبر العالم من غير فكره عالما آخر، رغم انه لايري لفكره تطبيقا أو ملامسة تؤكد انه حقيقة.

6- ملايين من الناس يمارسون طقوس العبادات وينسون أهمها، عندما يرون أن هذه الأموال التي يصرفونها في الطقوس هنالك أناس أكثر حاجة لها لكي يصمدوا ويواصلوا صبرهم على الرباط، فقد رأينا ملايين في عمرة وهنالك مليونا محاصر جائع ويشارك في حصارهم أبناء جلدتهم. هؤلاء الناس بلغت بها غريزة التدين درجة الخدر، الحقيقة الواضحة أن تغلب الغريزة سواء كانت تدينا أو نوعا من حب البقاء والتملك، كلها سواء في أنها تغيّب العقل الباحث عن الحقيقة وتستعمره لإشباعها، الحيوانات تفعل ذلك حتى أنها تبدو عاقلة مثل الإنسان، والحقيقة أن هذا صواب عندما يجنب العقل الغرائز عن الإنسان، ولأن رقي الإنسان في الإبداع في التفكير والبحث عن الصواب، وعمارة الأرض وتنظيم السلوك، وبناء الأولويات وما إلى ذلك، لكنه أبشع من الحيوان إن تملكته الغريزة لأنها غرائز مستدامه يخطط لها وليس دوافع نزوية.

7- إننا نفعل ذات الفعل الذي نحكم عليه بقسوة عند الآخرين ونتعايش معه في أنفسنا.

لأننا تقليديون نرفض الإبداع والتغيير، نحمل أوزار الماضي فخرا وجاهلية أو جهلا ولا نرميه لنرتقي جبال الحياة الوعرة، ونمنع من يعيننا في شفاء العميان كيلا يرى أحد بدوائه فلا نصل القمة وحتى إن وصلنا فما لدينا إلا التقليد!

مجموعة يظن كل منها أنه يملك الحقيقة تعني مجموعة من الزنابير في خلية واحدة، كل يهدم ما يبنيه الآخر ليبني ما يريد فيهدمه الآخرون. وهكذا فالخراب الفكري والتمزق الاجتماعي حاصل بانفصال حقيقي لا يحله أن يستقل كل بجزء من أرض، لأنه واقع أمة فقدت البوصلة عندما أوقفت ميزتها الآدمية في التفكير وانحرفت لتقودها الغرائز كل حسبما تغلب فيه.

جدلية الظلم والتخلف

هذا الظلم للنفس، وظلم الحاكم إن حكم أو المتسلط بسلطته، لا يأتيه الفلاح، فلم تبنَ سنن الكون على الظلم، لهذا عندما تعظم الأمم الجيل العامل البنّاء ويأتي جيل الرفاهية تبدأ مرحلة الهبوط فتنحدر الأمم ليحل محلها آخرون، ما لم تمتلك عنصر التجديد الواعي. وأمتنا اليوم بعيدة عن الارتقاء لأنها جامدة في تفكير أفرادها، تكرر ذاتها ولا تملك أدوات المراجعة، تفهم المراجعة أن تعود بنفس الطريق لتصل نفس النتائج فهي على صواب إذن، والآخرون يمنعونها من التقدم فهي لا تحتاج للتغيير، ويستمر عنصر الغلبة عندها، والتمكين هو قهر المختلفين داخلها لبعضهم فيستمر التخريب والتخلف.

إغاثتنا من غيرنا

دائما ننظر إلى القوة ونتصور أن إغاثتنا من غيرنا وقد فشلنا في أن نكوّن أمة ودولة، بينما يمكن أن نتفاهم إن ثبطنا غرائز طغت عندنا.. إغاثة الغير المنتظرة، واستجداء حكمه الإيجابي ورضاه، لكن لا شرعية تأتي من عبودية الغير واستعباد الأهل ظلما لتمكن التوافه من الصدارة وهذا يقود للتخلف.

الفهم وليس الحفظ
كل بلاد المسلمين لا بد أن تراجع وتتصالح مع سبب حياتها وتفهم ما عندها وليس أن تتحدث به وترميه في الممارسات والسلوك بعيدا

عندما أتحدث عن المسلمين فأنا أتحدث عن الأمة بتنوعها وليس عن دين وإنما ثقافة، آدم أبونا جميعا كان يعلم الأسماء كلها، لكنه لم يدورها بالفهم، كذلك نحن الكل يتحدث عن الأمانة زمن الغدر، والنزاهة زمن الفساد، والعفة، فإن افتضح أحدهم تبرأ الآخرون.

نعرف أن الله قال كفوا أيديكم، والناس يمدون اليد بالأذى ويكفونها عن الخير ويعملون للفانية ويتغافلون عن الباقية، ويخونون الأمانة وهي معيار سلوكي، فالأمانة في كل حركة، وأبشع الخيانة مراوغة الحقائق ونكث العهود من عالم أو قدوة كنخب فاعلة بما يسبب الكراهية والظلم، إننا حقا أمة أوتيت جدلا فنمخر بالوهم عمق بحر الفشل.

الأمانة والعهد

كل بلاد المسلمين لا بد أن تراجع وتتصالح مع سبب حياتها وتفهم ما عندها وليس أن تتحدث به وترميه في الممارسات والسلوك بعيدا؛ نحن متخلفون عن الإسلام بل لو نجا الإسلام من سوء صورة نقدمها لما دعونا أن ينقذ الإسلام من المسلمين.

قيم الإسلام المطلقة والتي تشمل مناحي الحياة يتكلم فيها الجميع ويبدو أنها ليست مفهومة من الجميع، لأن "القرية كلها في المسجد فمن سرق حذائي؟" 

الجمعة، 19 أبريل 2024

100 - رجــــــــل الدولــــــــــة

 العربي 21

الشبكة


ما بين اللقب والأداء:

الحقيقة أن تبني التعريف للسياسة بأنها فن الممكن والقدرة وما إلى ذلك، لم يرتق بها وإنما تخلف بها كعامل مدني أصابه العطب في أنحاء العالم. والأمر ليس حديثا، فعندما أراد الرئيس الفرنسي رينه كوتي (1954-1959) تعريف رجل الدولة والسياسي قال: "رجل الدولة يعمل من أجل بلاده، والرجل السياسي يريد من بلاده أن تعمل من أجله". إذن معنى السياسة المنقول لنا وفق تقليدنا للغرب هو هذا، فالسياسي الذي نعنيه هو من يملك المقاربات وإدارة المصالح والمرور من طرق ضيقة لينتهي إلى حيث يريد، وهي مبلطة لانتقاله من جديد، وعندما يكون من حملة القيم وهموم الناس والسعي الجاد من أجلها فهو يضع خطواته ليكون رجل دولة، فرجل الدولة فوق الأحزاب وإن كان حزبه وفوق المساومات وإن كانت ربحه لمنصب أو مال، هكذا ألمح الرئيس فنسنت أوريول رغم أنه كان رئيسا لحكومة مؤقتة.

الفرق بين السياسي ورجل الدولة:

في تعريفنا للسياسة كإدارة مصالح الأمة فالسياسي يعد من رجال الدولة، لكن رجل الدولة ليس بالضرورة أن يكون في السلطة أو يعمل في الدولة، بل هو كل من يساهم في نهضة بلده بأفكار أو أعمال أو رفع هموم الناس والسعي لتخفيفها أو مساعدة النخبة في الدولة لفعل ذلك.

فرجل الدولة يفكر في الأجيال، وإن كان سياسيا فهو لا يساوم بمصالح الناس من أجل الفوز بمكان في السلطة، وغالبا العامل في السياسة مراوغ وليس شفافا، فيما رجل الدولة شفاف واضح. ويمكن أن نرى هذا في تاريخ الساسة في العراق مثلا؛ نوري السعيد كسياسي ورجل دولة، وفي العهد الجمهوري عبد الرحمن البزاز.

المساومات، الصفقات، التسويات.. هذه لا يعتبرها العامل في السياسة أمرا يخجل منه، أو يرى الفساد إن مارسه، لكنه يرى الفساد في الآخرين وبالذات من يظن أنه غلبه على ما يراه غنيمته، ولهذا هو ينسى ولا يتذكر كذبا أو حقائق قالها أو فعلها لأنه يريد عبور اللحظة. وهذا ليس عند رجل الدولة الذي يضع من قيمه حدودا لما يكسبه كشخص حتى لو مُنح له قانونا، فهو سيستعين به لرعاية هدفه في تحسين وضع المواطن، لأن الجمهور ووضعه استراتيجية عنده وليس تكتيكا أو وسيلة صوت ليصل الكرسي.

العامل في السياسة لا يهمه ما يحصل من استثارة السلبية في مشاعر المواطن، وهذا ليس ديدن رجل الدولة الذي يهمه أن يجمع الأمة بالمقاربات ويوجه وسائله للتقارب والتعايش وتخفيف الألم والتصدعات إن وجدت.

كم من فاشل تمكن من السلطة بلا كفاءة وفاعلية سلبية وسفيها، لأن أحد العاملين في السياسة احتاج رفعه لكيلا يرتفع إنسان كفؤ نظيف متمكن، ظنا أنه يمكنه السيطرة عليه وتوجيهه لمصلحته، لكن نسي أن هؤلاء الناس يرتقون السلالم ويدفعونها.


رجل الدولة يبحث عن مشاريع دائمة واستراتيجية تتوسع وتعطي عملا للكثرة ويجمع حوله الخبراء ورجال الفكر والدولة، أما العامل في السياسة، فهو يرى المشاريع صفقة، ولا برنامج مستقبليا إلا لشخصه ومن يحيطون به، وهم مجموعة من الطبول الفارغة التي تمجد من في السلطة.

رجل الدولة ينظر إلى المنصب كمهمة لهذا عندما لا تسير الأمور كما يشتهي يغادر ويعلن فشل المهمة ويغادر، فالكرسي عنده آلية وأداة فقط، أما من يحب السلطة فلا يشعر بالفشل وإنما يعكسه على آخرين بأنهم لم يسمحوا له بأن يقوم بعمله كما ينبغي.

حب الظهور وكلام كثير بلا استراتيجية أو هدف، رسائل مداهنة لهذا وذاك وذم هذا وذاك وتنازلات وتراجع عند اللزوم، المهم أن يتمسك بما وجده من حلاوة الكرسي وميزاتها، أما رجل الدولة فهو رجل أفعال، والتضحية من أجل القيم والاستقرار بل من أجل الناس هي ميزة رجل الدولة في السلطة وخارجها أيضا.


هل كل عامل بالسياسة رجل دولة؟

طالما يُكال المديح بنزع لقب رجل الدولة في الإعلام من مختلف الطبقات؛ ممن يعرف أو لا يعرف معنى قوله تقييما وتصنيفا لهذا أو ذاك من القادة أو السياسيين أو مسؤولي الدولة، وكأن المصنف هذا يجد نفسه مؤهلا لإصدار تلك الأحكام ومن الواضح أنه لا يعرف معناها وأنه محض مداهن يتقبله محبو السلطة، وهذا من عيوب الميديا التي تظهر أجرأ الناس على الكلام نتيجة جهلهم وتغفل نخب المثقفين فعلا لأنهم لا يعتمدون الإثارة، فالمتكلم والمتلقي صفتهم السطحية.

رجل الدولة إن تولى حل الأزمة ورفع النقمة ورفّه شعبه وجانسه ووحّده على قيمة، استصغر عظائم أعماله ودعا النخبة للتخطيط وليس للتمجيد ووزع المهام والمقترحات لدراستها. فترك الاجتهاد بلا تخطيط ضياع للجهد، والأمر ليس بأن تقترح أفكارا إيجابية بل أن يكون هنالك مسار لتنفيذها، وإلا ضاع جهد منظمات المجتمع والحكومة وجهد الصالحين ورأي رجال الدولة من غير الحاكمين بمجاملة الأمنيات ومخاطبة الضعف والحاجة بلا حلول، أو امتداح الفشل المتعاظم انفجاريا على أنه نجاح، فكم رأينا الأمة -نتيجة التضليل- تتمسك بفاشلين عبر التاريخ المنظور حولوا الذهب رمادا، لهذا تأخرنا عن الأمم حين قتلنا أملنا بتغييب الصالحين وتسفيه العلماء والنخب والمثقفين، بل هنالك من يجند المادحين ويكرمهم فيزداد رصيد النفاق، ويبقى الناس في سبات العجز يرون ولكن لا يقوون على الفعل فيميلون للنوم والحلم بما لم يحققوه.

مهمة الإنسان البناء وليس المناكفة، ومهمة رعاية المصالح إعلاء النخب العاملة والفاعلة في النهضة والبناء وليس تعظيم الغوغاء والرياء أو الجدل العقيم والتخلف.

الاثنين، 8 أبريل 2024

99 - ذلك لمن خشي ربــــــــــــه

 




العربي 21

الشبكة مباشر

كتابات

"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (119" ـ هود

من يريد بناء مجتمع لا يبنيه على التمايز وإنما عناصر الارتباط، تنوع المعتقدات هي من ضمن التكوين للبناء ويلتزمها الجميع كميزة من سمات المجتمع وليس كمكون أو خصوصية لا تهم الآخرين، فالتعامل معها بإيجابية واجب في ذات الوقت لا ينبغي التجاوز على هذه المواطن الصغيرة التي لا يحب الفرد أو الجماعة التجاوز عليها بفرض الرأي أو الاعتقاد بأني الأفضل والأكثر صوابا.

في مجتمع فككته غرائز كالتدين وحب السيادة والتملك والحليم فيه حيران سنبحث عن حل له في الآيتين الكريمتين:

ـ كنت "أقلية" وتخاف أن تنقص الأقلية بالذهاب من رصيدك الرعوي إلى الآخر الأكبر.
ـ كنت "الأكبر" وترى التمكين أن يكون الكل مثلك.
ـ لديك القوة والسلطة بغض النظر عن كونك أقلية أو أكثرية.

سلوك الأقلية:

غالبا ما تحاول "الأقليات" جمع نفسها وتتقوقع بأساليب متاحة ترتكز أغلبها على العقل الجمعي وإثارة المشاعر، وهنا يأتي العقل بدور اختيار الطريق الصائبة للتفاهم، فأما أن يطرح الانسجام والالتئام والتقبل باعتبار الأكبر آخر لكنه يعيش معك وهذا ما يطرحه الرعاة على الرعية بالعقلية الرعوية التي مازالت فاعلة مع الروابط الفرعية الهابطة، أو مجابهة المشاعر السلبية بصناعة الخوف والكراهية والتسفيه والتشكيك والوقوع في فخ الصدام العقدي "والآخر"، وفي ذات الوقت زيادة الارتباط "والمحبة" وهي كناية عن العصبية، لان الحب للمجموعة لا يمكن أن يجتمع مع كراهية الآخر فهما مثل الزيت والماء لا يمتزجان، لهذا نرى "ما يسمى الأقليات" في الغالب تعاني من ازدواج الإحساس بالمواطنة لكنها تبحث عن الاستقرار بعد تجربة عنيفة عندها تدرك أن المواطنة والوطن ضرورة وليس الوهم بالبحث عن الاستقرار في مجتمع يحمل ثقافة مختلفة ليعاني من غربة من نوع آخر فمجتمعه الذي يحمل ثقافته متماهية بامتزاج عبر سنين طويلة.

الخلاف إذن من سنن الكون، ولو أراد الله لكانت الناس متشابهة لكن الغاية من وجودنا في الأرض ستنتفي، وهي اختبار منظومتنا العقلية بإحداث التباين ومن ينجح في إدارته، قال للمسلمين، عليك أن تفهم المخالف لك لأن الأكثرية لن تكون مسلمين

ومما أنصح إعادة النظر فيه هو الحديث عن تميز أو خصوصية بشكل يعزل أو يعادي المجتمع الكبير فيكون كجزء غير منسجم وهذا ليس تميز بل تقوقع، بيد أن فقدان العقلية القيادية وغلبة الرعوية عند رجال الدين أعمت عن رؤية هذا، "فكلمة أقلية" لا ينبغي إطلاقها على مواطن بل على جالية، لان المواطن جزء من التكوين الكلي وفق نظام وعرف مفهوم عبر التاريخ الطويل، وهذا ما ينبغي الحفاظ عليه لان خلق حال التمايز ستمزق النسيج وتظهر الوان لكن لا ثبات لها ولا كينونة تعيش وتموت كجسم لا منتمي غريب وهذا غيض من فيض عندما تلعب لا الأوهام والعصبيات بلا إدارة لوضع المجتمع.

سلوك الأكبر:

الأكبر أيضا تمتلكه حالة الجنوح عندما يريد الكل أن يكون نسخة منه والا فهو عدو، ويعزل نفسه في وقت ينبغي أن يتحد مع الكل، وهنا يستفز من يظنه الأقلية فيكون الظلم.

مالك القوة: هم أليغارشية الحكم المتغلب، وهذه حقيقة مازالت فاعلة في واقعنا، عندما تنعزل طبقة حاكمة وأجنحتها وذيولها فيصبح همها الوجود، فكان التنظير للترقيع عبر التاريخ للتغلب فأصبح من مسلمات الانطباعات عندنا، ومشكلة هذا أنك طائع ولكن غير راضي فلا أنت منتمي ولا أنت معادي، ثم نصل إلى يومنا من اوليغارشيات متنوعة تريد البقاء بتفرقة المجتمع وتشظيه، فتكون إمارة على كومة حجارة، ليس مدنيا وعمرانا متدني وخراب بل نفوس خربة وأجساد تعيش كالزونبي؛ الحياة بالنسبة لها نوع العبئ الثقيل.

نستنتج

الخلاف إذن من سنن الكون، ولو أراد الله لكانت الناس متشابهة لكن الغاية من وجودنا في الأرض ستنتفي، وهي اختبار منظومتنا العقلية بإحداث التباين ومن ينجح في إدارته، قال للمسلمين، عليك أن تفهم المخالف لك لأن الأكثرية لن تكون مسلمين (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين 103 يوسف)، أما أنك تريدهم كمعتقدك باعتبارك أنك الأصوب، فعليك أن تقبل تفكير الآخر (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون 106 يوسف) ولننظر قوله تعالى في الرعد (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون 1).آية (مت 5: 44): وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) انظر انسجام الرسالات في تحييد المشاعر السلبية وعقل الأمور.

فإن تفهم بعض الناس لبعضهم وكانوا ممن رحم ربي وآمنوا أن التعايش بالمحبة للآدمية وإن (ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل الأنعام 107)، هذه الآية لك يا من تريد أن يؤمن الناس بما تؤمن به مهما كان معتقدك حرصا منك عليهم، فانت لست من يحفظهم ولا أنت وكيل عليهم؛ (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر-الغاشية 21-22) وهذا الخطاب لك يا من تمتلك القوة، فليس التمكين فرض رايك على الناس بالقوة، بل هذا هو فشل المنظومة العقلية ويعني انك آدمي من حصب جهنم، وضمن حالة مجتمعنا فإن كان حوار فهو بين الخاصة (قل هاتوا برهانكم..111 النمل..) (ادع إلى سبيل ربك....125 النحل)، فان كان هنالك جهالة (.. وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) الأعراف).

"لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا". (لو 9: 50 ؛ الهدف واحد وهو طرد الشر، فان لم تفهم الرسالة تطرفت وتعصبت وارتكبت الشر واحتضنته.

هذه خطوط عريضة للجميع أفراد، علماء، قسس، حاخامات، نعم خلقكم هكذا ليمتحنكم كما امتحن أبانا آدم واتبعته حواء حبا بدل منعه، فاحرصوا ألا تفشل منظومتكم العقلية فتكونوا وراء من شط لأنكم الأن تعرفون كما عرف إبليس وأدرك ففسق وليس كأدم عرف ولم يدرك فنزل إلى الاختبار الذي نحن فيه فمن ينجح إلى الجنة وتمتلئ ومن فشل إلى جهنم وستمتلئ فقد قفلنا منظومتنا العقلية ونحن بذلك من الفاشلين والعذاب الأكبر لمن يضل غيره ظنا انه صلاح له فانتبهوا يامن تؤثرون في الناس وسلوكهم تجاه بعضهم.

السبت، 6 أبريل 2024

98 - كنتــــــم خير امـــة اخرجت للناس

 




ما معنى كنتم خير أمة:

إن الأمة ليست قوم وإنما فكرٌ وطن له الكينونة والصفة المتميزة كثقافة أو قيمة أخلاقية بحيث يكون قدوة فيما يحمل من صفة وقيم بمدلول لفظ المصطلح، كان أقول فلان مسلم فأنا أعنى القيم وليس انتسابا وراثيا للدين ثبتته غريزة التدين: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (120-النحل).

هل نحن خير أمة:

إنه ليس وصف الأجداد بالخيرية ولا المسلمين لأنهم ورثوا التسمية بل الخيرية في شروطها أبد الآبدين “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” (110-آل عمران) …. هذه الخيرية هي صفة الأمة، فالخير أن: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، وهذا معناه أن تجسدوا القيم في سلوككم كما جسد إبراهيم القيم وكان قدوة فهو أمة، بيد أننا الآن لسنا أمة ولا خير الأمم، لسنا أمة لأننا لا نعرف بهوية وقيم، ولا وطن لنا نعرف حقيقته، كمن يعيش في عالم افتراضي، بل إن هدم الهوية والقيم وقطع الأغصان التي نجلس عليها ماض على قدم وساق، لا نمسك شيئا إلا أبليناه ولا نستخدم صالحا إلا شوهناه، نعشق الخلاف ونعتقد أن غلبة بعضنا على بعض تمكين.

عندما تتحدث الآيات عن قيم وأفكار فإنها تتحدث عن فكر حضاري وعن عقلية سليمة ونفسية سليمة تجيد التفاهم وإنصاف الآخرين، وليس عن علم أو تطور مدني وتفوق علمي وإداري على الآخرين، فتلك قدوة في التمدن ليس السلوكي وإنما العلمي، أقول هذا لأن بعض المفكرين يفترض أن الخيرية تعني التفوق.

هل الغرب قدوة أو خير أمة أخرجت للناس:

قال مهاتير محمد “عندما أردنا الصلاة اتجهنا صوب مكة وعندما أردنا بناء البلاد اتجهنا صوب اليابان” هو يشير إلى مسألتين مختلفتين تتلقي الأولى بغريزة التدين، فهذه تتوجه بها إلى الكعبة ، فالتوجه إلى الكعبة فقط للتدين فلم يعد هنالك في شرق البحر الأبيض المتوسط إضاءة للعلم والمعرفة، لكنه قطعا لم يك يتحدث عن القيم ولا الفكر الحضاري، وعندما توجه إلى اليابان فهو توجه إلى حيث التطور في الإعمار والبناء، وهي مسالة نقل للمدنية والمشاركة فيها لأن المدنية هي تراكم للجهد البشري يشترك فيه كل البشر، وهو مهمة الآدمية جمعاء، ولا علاقة له بالقيم والمعاني الأخلاقية التي تحكم السلوك، وهكذا عندما تشوه معنى الإسلام عندنا تشوهت سلوكيتنا، ولم نعد منارا للعلم وإنما بلاد محتلة يسيطر على كل ما فيها المحتلون بطرق مباشرة أو وكالة، وهكذا تكون الأمم المتخلفة حيث تكون مثالا ونموذجا لمنظومة تنمية التخلف، في كفاءتها العالية ومخرجاتها التي تزيد البيئة دمارا. والبيئة أصلا مفككة، متمردة على لا شيء، لا تعرف الطريق ولا تسمع القدوات الأفراد لتنهض بل هم يقتلون القدوات وهذه ليست صفة في مجتمعاتنا المفككة، بل هي صفة الإنسان المتخلف الضيق التفكير.
في رواية قد تكون ذات مدلول سلبي لكنها تُذكر، قيل أن تشي جيفارا طلب قبل إعدامه أن يلتقي بذلك الراعي الواشي ويسأله عن سبب وشايته به بعد أن ضحى بحياته وأفنى عمره مقابل أن يمنح الرعاة والفقراء وأبناءهم حقوقهم، فكانت إجابة الراعي بأن حروب جيفارا مع الجيش كانت تثير الرعب في أغنامه وتمنعه لأيام من الخروج لتأمين الماء والطعام للأغنام، وبذلك فإن تلك الحروب كانت تمنعه من طلب الرزق.

اليوم عندما يسأل أحد عن خير الأمم في واقعنا، فسيقول أمريكا أو الغرب في مغالطة معرفية تتجه للتفوق التكنولوجي، لكن هذه التكنولوجيا في بلدان لا قيمة عندها إلا النفعية وهي حقيقة لا يخجل منها القائمون على نمط حياة الدولة الحديثة، وحتى الليبرالية، أخذت بالتجاوز عن الحقوق وحماية الذات، من خلال ما يطرح ويعمل به في الليبرالية الحديثة، ونحن نرى كل ما يمكن أن يوصف بسيء الأعمال موجود، ومع هذا فهذه الدول متفوقة علميا ومدنيا، لكنها ترى قتيلا صهيونيا جريمة ولا ترى عشرات الألوف من الضحايا في غزة وبتصريحات متلفزة ومتكررة وواثقة.

إن الغرب متطور لكنه متردٍ قيميا، وسيستمر في التردي ما لم يعِ، ونحن سنبقى في التخلف والتردي ومنحدره الذي اجتمعت الآدمية فيه بطريقة أو أخرى وتنزلق إلى الحضيض.

الدول الصناعية متطورة مدنيا لكن لا تنطبق عليها معايير خير الأمم، فالأمم اليوم كما وصفنا كلها في منحدر التدني القيمي الآدمي، فهي لا تأمر بالمعروف، بل تأمر بالمنكر كما رأينا ذلك في انحطاط المعايير الخلقية، وإيمانها بالله أمر لفظي لا فعل له، ولاشك وفق هذا فإن أمتنا متخلفة مدنيا ومنحدرة حضاريا، سقيمة والقيح منها يقزز الناظرين، حتى الصالح وإن قل مُحاربًا (اخرجوا آل لوط)، وترى شعوبنا كقطعان الأيل الغالب منها لا يهمه إن لعبت السباع في قطيعه إن نجا ولا يرى ما يحصل في الغزال، ناهيك عن أنهم إن سقط جريحا فيهم افترسوه.

هل سنستعيد صفة الأمة:

اليوم تعلو المناداة المبتعدة عن الإسلام وكأنها بهذا تصل إلى الخيرية، لكننا لن نصل حتى نكون فعلا أمة تعرف الخير معرفة واعية ملائمة لقيادة العصر تتعلمه وتعلمه، فتدعو له وتنصح به، وتجذب الناس إلى عقلانية فيشاد الوطن وتكون أمه، فإن أحسنت إيمانها قولا وفعلا وتدينت عقلا وغريزة، عندها تعود خير أمة، فهذه أعمال ودرجات لا تورث وإنما يحققها الجهد الخاص.


الجمعة، 29 مارس 2024

97 - فلسفة نشأة الجهاز المعرفي

 


عوامل التشكيل المعرفي:

الإنسان مهما تغيرت أفكاره وأحب أن يوصف بوصف ما ويتلمس أن يوضع في صندوق ما، لكنه في الحقيقة سيتخذ مظهر ما يحب أن يوصف به بينما طريقة تفكيره هي الحاكمة، وطريقة التفكير تتبع في تصميمها منظومة التفكير التي لبها الجهاز المعرفي، والجهاز المعرفي يدخل في معظم خطوط الإنتاج الفكري والبنيوي للإنسان، وهذا يعني التركيبة للعقلية وأغلب نواحي النفسية، لذا نرى المجتمع يتقارب في العقلية وجانب النفسية، وجانب نفسية الآخر الخاضع للظرفية هو من يتمايز بين الطبائع في الأمة الواحدة تحت متعدد المواقع الجغرافية أو البيئية الدقيقة، وهو ما يميز مثلا العراقي عن السوري عن المصري. وهي ظروف متداخلة سياسية وسلطوية وتأثيرات خارجية وداخلية على النفسية التي تؤثر في إعادة تفسير أو تشكيل للعقلية، وهي ظروف آنية بعمر التاريخ قابلة للإصلاح والتغيير، وهذا يمكن أن اسميه "السمة البيئية".

وعوامل التشكيل المعرفي هي:

1- الطفولة والأم، الطفولة والأسرة.

2- المدرسة، والبيئة المحيطة.

ظروف متداخلة سياسية وسلطوية وتأثيرات خارجية وداخلية على النفسية التي تؤثر في إعادة تفسير أو تشكيل للعقلية، وهي ظروف آنية بعمر التاريخ قابلة للإصلاح والتغيير، وهذا يمكن أن اسميه "السمة البيئية"


3- المعارف المستسقاة والتي يواجها أثناء البحث.

4- خلاصة تجارب الآخرين وتجربته الشخصية.

5- السمة الذاتية للطفل في تركيبته الجينية، وهذه نفسية تدير التوجه المعرفي ومنظومة العقل.

مسار التلقي المعرفي وتكوين الجهاز المعرفي:

الناس في موضوعنا هنا نوعان، نوع يتلقى ولا يُبدع وإنما يدخل المعلومة في صلب اليقين؛ ونوع يناقش المعلومة ويقسمها وفق ما توصل إليه من تشكل لمعايير فإن تغيرت معاييره نتيجة سعة أفق أو معلومات حديثة تفتح أبواب فهم جديد فالطبيعي أن يعيد النظر في كل ما سبق لتتوازن العقلية مع النفسية وهما عنصرا الشخصية، لكن ليس دائما ينعكس تأثير الجهاز المعرفي وتأثيراته على الذاكرة المعرفية والنفسية، فأحيانا نجد من يهاجم ما كان مؤمنا به وربما يعاقب من يقف ضده، لكن في تأمل لحالته نجد أنه أنكر فعلا مظهر ماضيه وبعض تفاصيله وبقيت طريقة التفكير نفسها بتحول نحو رؤية يظن أنه تحول إليها يقينا.

1- الأم والطفولة والأسرة:

الأم مدرسة التعليم المستمر لأبنائها وبناتها، وهي الأقرب إليهم حتى لو كانت أشد قسوة من الأب، ومنها يتلقون الانطباعات المعرفية. وإن كانت متعلمة أو مثقفة لها خططها في التربية يمكن أن تشرح الأمور لتتحول من انطباعات إلى فواعل معرفية في التفكير عند أبنائها لأنها أقامت الدليل على ما علمتهم. وتعليمها يعبر في الحقيقة عما تعلمته هي أيضا فهي الأساس في كل المراحل التالية من الأسرة والى حيث يصل، فهي إذن تمهد للتلقي التالي وهذا عامل مهم إن كانت الأم واعية تحمل فكرا حيا وتفكيرا سليما، وهو عامل مهم أيضا إن حملت الخزعبلات والانطباعات الجامدة. وهنا قد يحمل الطفل تناقضات ومعلومات غير مستقرة من الأسرة أو العائلة التي خاضت تجارب الحياة بشكل إضافي، فتكونت انطباعات عن البيئة وحلول ما ومعايير اجتماعية للحكم على ما سيوجه في المستقبل.

2- المدرسة والبيئة المحيطة:

وهنا تأتي الإضافات سواء كانت إضافة خبرات أو انطباعات أو صداما بين ما اعتبره ثابتا وبين آخرين قد يخالفون ما تولد عنده وينمو، وتلاقح الأفكار الهشة مع الأقوى لتجد هنالك قناعات يرفضها وأخرى يتماهى معها وأخرى يعتنقها وإن خالفت الأسرة؛ لوقعها الأقرب لفهمه وذهنه.. زملاؤه ومدرسوه لهم منظومتهم المعرفية وقناعات جديدة، وهذا يتعرض له الإنسان الشاب بغض النظر عن انتماء أهله، وسيجد مقاومة في داخله ومن أهله، وربما هذا ينعكس على نفسيته، إضافة لعقليته لنجد تغييرا في الشخصية وكأنها لم تخرج من هذه العائلة.

الصراعات في البيئة والتحديات ستشكل عنده عقدة ومفصلا، أما العقدة في الموقف المتوارث وأما المفصل فهو ما يتحرك به خارج ما متعارف عنه في عائلته.

3- المعارف المستسقاة والتي يواجها أثناء البحث

الآدمي أثناء بحثه وقراءاته ومستجدات المعرفة قد ينتج الجديد أو يكرر التقليد، فإما يشكل نحوها انطباعا عدائيا أو إمكانية تقبل أو لا يهتم بها.

4- خلاصة تجارب الآخرين وتجربته الشخصية:

قد تأتي خلاصة تجارب الآخرين ومعارفهم لتضاف له كانطباع لكن ليس بالضرورة أن تتوافق مع مسيرته، وبالتالي سيكرر الفشل في امر نجح سابقا لكن تغيرت حيثياته وظروفه، وهذا لب المشكلة عندما يكون الجهاز المعرفي رافضا للتحديث مقاوما للتغيير، ويحكم على كل ما يمر به متوقفا عن التفكير لأنه يعتقد أن التجارب الناجحة عنده وهو لا يحتاج أن يفكر أو يتفكر أو يجرب ويمر بالصح والخطأ والتعديل.

5- السمة الذاتية للطفل في تركيبته الجينية وهذه نفسية تدير التوجه المعرفي ومنظومة العقل:

فالجينات والوقفات السلبية في القدوة كالأب وألام والأستاذ والبطل الذي يظهر أنه ليس بطلا، إضافة للأمراض النفسية والعقلية المتوارثة وطفراتها، كل ذلك يجعل الإنسان إما متقبلا للتغيير بلا حدود والشطحات بلا توقف، أو يرفض كل شيء ويكون انطباعا عن شيء ولا يغيره فهذا أصبح بقوة المبدأ والمعيار بينما هو فهم كلامك خطأ فقط ليفرض فهمه عليك الذي قلت الكلام.

ما هو المشترك؟

لا بد من إصلاح للجهاز المعرفي والبناء للإنسان لكن أي بناء مدني يمكن أن يصبح خرابا في أيام إن لم تبنَ شخصية الأفراد ويقام المجتمع على أساس العدل، لا حقوق المكونات في ظل اختلال المعايير وتوازن القوى والعصبيات


المشتركات بين كل هؤلاء والتي تكون نقلية وفهما انطباعيا تشكل لب الجهاز المعرفي بما يحوي من معلومات حقيقية أو خزعبلات وتقوقع نفسي وخوف من المتغيرات يخلق حالة من أغرب الحالات، التجاوب مع القوة مثلا ورفض الحق بقوة إن لم يكن له قوة، وهذا أمر يعيق النهضة والتغيير والفهم والتطوير وإبقاء التخلف المدني والانحدار الفكري الحضاري وتلاشي أمم قد تملك أسلحة الانتصار على ما يستعبدها لكنها لا تستخدمها بل ترفضها وتتمناها وهي جانبها، فنجد العلماني يتحدث عن حكم بلا تدخل الدين ويعني القدسية، وهو لا يعرف أن هذا موجود في الإسلام وفق معايير حضارية فكرية، ويتحدث المرء عن سلوك يستفقده في مجتمعه وهو ذاته يسلكه ويحارب الفكر الموصل إليه.

فلا بد من إصلاح للجهاز المعرفي والبناء للإنسان لكن أي بناء مدني يمكن أن يصبح خرابا في أيام إن لم تبنَ شخصية الأفراد ويقام المجتمع على أساس العدل، لا حقوق المكونات في ظل اختلال المعايير وتوازن القوى والعصبيات.

رابط عربي 21

الاثنين، 11 مارس 2024

96 -الجــــــــــ الســــــــ الثاني ـــــياسة ـــــــزء

 


اطـــــــــــر سياسية 

                    عــــــــــربي 21          

بعد أن عرفنا من هو السياسي، لا بد أن نذهب إلى الأمور العلمية التي تؤطر العمل السياسي، فلا شيء عشوائي في العلاقات السياسية المحلية أو الدولية.

(2) السياسة الدولية وعلاقتها بالسياسة الداخلية القرار السياسي:

العلاقات الدولية ترتكز على المصالح، وواقع العالم اليوم هو وجود تنافس اقتصادي على السوق، فالصين بعد أن استُنهضت لتثبيط الاتحاد السوفييتي اقتصاديا أضحت منافسا شرسا للغرب، والإحاطة بالصين بطريق ناعمة بحلفاء وقواعد لا تبدو مجدية. فالصين تسلك دوما أسلوب المناورة والنفس الطويل في تحويل الأعداء إلى أصدقاء، وأن عالم الطاقة المرتكز على منطقة الشرق الأوسط أصابه الخلل بالاستقرار الوهمي.

والغرب يعاني أيضا من أدلجة خفية تطل برأسها لتميز الكيان رغم تكاليفه على علاقات سليمة مثمرة مع دول الطاقة، مستغلة التناقض بين الشعوب والحكومات لتشكل طينة الحكم بما تشاء خوفا وطمعا، وتستدر الأموال والسيطرة على السياسة النفطية، وهو عنصر يتحكم بتسويرها للصين التي أحدثت اختراقا في المنطقة.

السياسة مدنية تحتاج إلى جو هادئ متفاهم، لهذا تقام المجالس التأسيسية، فإن كان محاصصة فلا ينبغي أن تكون أرجحية في امتلاك القوة؛ وإلا فإن العملية الصحيحة تقام عن أحزاب ذات أيديولوجيا تتنافس على آليات التنفيد وأكثرها خدمة للمجتمع، فإن لم تك هذه الشروط موجودة فالعملية السياسية هي تغطية لواقع غير متمدن ولا يبقى إلا قناعة عامة بتحويل الأمور إلى دستورية

ولطول الأمد فإن الشرق الأوسط يعد جيوسياسيا من ثوابت الاستقرار، وهو ما أدركته الولايات المتحدة عندما عزمت على نقل كل نشاطها لتسوير الصين فقابلته الصين بكسب مهم في السوق في الدول النفطية وغيرها، ذلك لأن الغرب عموما عندما طال إشرافه على المنطقة أشرف عليها كسوق ومصدر للخام كما كل أفريقيا، فلم ينشئ مشاركات أو صناعات تفيد في تقليل الاستهلاك للطاقة في بلده أو استثمار للطاقة في المنطقة، وهذا نتيجة عنصر ما منقول في الحروب الصليبية من رواسب فكرية، واستخفافا بقدرة المنطقة على أي فعل مؤثر.

عموما، هذا التخلي أبرز هشاشة المنطقة وأنها ليست قوية بذاتها لافتقاد المنطقة إلى أيديولوجيا حقيقية واعتمادها على سلطة متغلب مدعوم من الغرب كحارس على ما اعتبره ملكه، وهذا واضح تماما في أفريقيا ودعم حُماة مناجمها.

من أجل هذا فإن العداء ليس أسلوبا وإنما خلق المشاركات البينية أحد الأساليب في تحصين المنطقة واستقرارها، وهو استقرار للعالم ببناء قواعد السلوك.

(3) طريق التفكير السياسي:

نتحدث في منطقتنا عن "حقي وحق الآخر" ولم كان هنالك آخر أصلا، بيد أن من السطحية بمكان أن يطالب بهذا والقوى لا توازن بها أو هنالك صراع فوق الدستوري، وهنا تبقى الخيارات قليلة جدا غالبا ما تحصل التحولات بثورة محدودة الأهداف كرد فعل.

السياسة مدنية تحتاج إلى جو هادئ متفاهم، لهذا تقام المجالس التأسيسية، فإن كان محاصصة فلا ينبغي أن تكون أرجحية في امتلاك القوة؛ وإلا فإن العملية الصحيحة تقام عن أحزاب ذات أيديولوجيا تتنافس على آليات التنفيد وأكثرها خدمة للمجتمع، فإن لم تك هذه الشروط موجودة فالعملية السياسية هي تغطية لواقع غير متمدن ولا يبقى إلا قناعة عامة بتحويل الأمور إلى دستورية، وتعريف الأهداف بدل الاستمرار في التخلف والاضطراب الذي قد يدار لفترة طويلة من أصحاب المصالح من دول الخارج والإقليم بسياسة التخادم معها في أدوار تكتيكية ليست استراتيجية.

فلن يكرر الغرب تجربته، والصين عندما دعمت لعلها تنافس وتضعف الاتحاد السوفييتي عندما أخطأت بإهمال عامل الأيديولوجيا، نفس السبب الذي يجعل من القوى الناشئة عن الصين أو غيرها عناصر أخطر من الصين نفسها، ذلك لأن الأيديولوجيا عامل ضعيف في نظام الدولة الحديثة في الغرب فلا تعطيه وزنه الحقيقي في التخطيط ولمن الولاء فيه.

من إخفاقات التفكير السياسي أننا نتصور أن المنافسين في الداخل هم وحدهم وهذا لغياب مفهوم الأحزاب الحقيقية ودورها، فتتم التسمية لأغراض تعاضد انتخابي بلا أيديولوجيا أو مراعاة أقدام الكرسي لاستقراره في السلطة.. فما هو الحزب؟ وما هي عوامل التحكم في حزب أو فاعل سياسي وفق العلوم السياسية المتعارف عليها؟

الحزب الحقيقي: معرّف كما تعرض أي بضاعة من واجهة زجاجية، وله تموضع في الساحة السياسية كقيمة أيديولوجية، وله استراتيجية في التعامل ورؤية ومراكز دراسات فاعلة لخلق التصور وتوجيه الحراك وحتى كلام الأعضاء المعبر عن رؤية واحدة.

أما عوامل التحكم بأقدام كرسي الحزب:

أ) جمهور الحزب أو السلطة وقوة ارتباطهم به وأن له أيديولوجيا أم لا، لأن الأيديولوجيا تقاوم التحديات.

يمكن أن تطيل قوة أيّ من ركائز البقاء لكن بلا استقرار، فلو كانت أجهزة الحكم مثلا متماسكة ستطيل عمر البقاء، لكنها ليست مستقرة كذلك على ركيزة أو اثنتين أو ثلاث

ب) الجماهير من خارج العمل السياسي والحزب أهي تدعم توجهاته وتراه محققا لأهدافها، وهنا نعيد ما بدأنا به أن لا لوم على الجمهور إن لم يساند عملا سياسيا.

ج) العامل الإقليمي في بلد لم يصل مرحلة الدولة وتأثيره في كل تفاصيله وبنيته التحتية التي هي أساس رضا الجمهور وشهادة إنجاز.

د) العامل الدولي وما وضع البلد ضمن تخطيطه الاستراتيجي، وأين سيكون مستعدا لإنشاء دولة وما هي مواصفاتها.

أي نقص في هذا هو نقص في استقرار الحزب وإن كانت السلطة بيده، واللجوء إلى سلوك فوق الدستور يطيل ألم البلاد ويجعل الأطراف أكثر سادية.

يمكن أن تطيل قوة أي من ركائز البقاء لكن بلا استقرار، فلو كانت أجهزة الحكم مثلا متماسكة ستطيل عمر البقاء، لكنها ليست مستقرة كذلك على ركيزة أو اثنتين أو ثلاث.

تتساقط اليوم في أفريقيا مثلا لا حصرا حكومات بعد أن أخفت عوامل القوة والدعم الغربي؛ لأن بلدا بلا سياسة أو يفهم العاملون بالسياسة أن السياسة هي سلطة وهيمنة ومهمشة للشعب، فإن المهيمن يستثمر ويمتص بلدانا ثرية وشعبها جائع متخلف مدنيا خادم لدول النفوذ، فهذه القيادات بلا ضمان، لذا فالوضع واقع ضمنا كتكتيك ضمن استراتيجية عوامل إقليمية أو دولية، فإن فقد جمهورها الثقة بمصداقيتها فثباتها مع عمر التكتيك، لهذا نلاحظ انقلابات لا ندري أهي تحررية أم تتبع المنطق في تبديل السيد لمن هو أكثر قوة ونفوذا. وهذه قواعد علمية كما سبق أن أشرنا.                  

136- جدلية ازدواج الشخصية في المجتمعات.. استعمار الأفكار (2-2)

 رابط عربي 21 صراع  قيمي الذي في مجتمعنا مهما كان دينه، هو متعرض لإضافة قناعات إلى فِكْرِهِ من مراجع فكرية متعددة غزت المنطقة والآن الكثير م...